كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة التاسعة عشر)
الرقصة العشرون
وصل إلى بيت عمه بعد الطريق الطويل من قصر الزواج إليه ..
نظر إلى الصمت العائم في الحي ..
ثم اخرج مفتاح البيت الذي كان قد اخذه من عيسى بعد أن اخبره برغبته ..
فتح الباب بخفة ثم دخل ..
جالت نظراته على المنزل من الداخل بحنين ..
لديه الكثير من الذكريات الجميلة هُنا ..
و سيكون لأبنائهم القادمين إن شاء الله الكثير منها أيضًا ..
تقدم بخطوات ثابتة وهو يتذكر وصف عيسى لغرفة سهام ..
تبع الوصف تمامًا حتى اصبح أمام باب بني معتق ..
نظر إلى اسفل الباب فوجد الظلام القاتم هو ما يخرج من تحته ..
لذا قال " بسم الله " ثم فتح الباب بهدوء و دخل ..
اغلقه خلفه و بقي مكانه لدقائق حتى اعتادت عينيه على الظلام و اصبح يميّز مكان الأثاث ..
كانت الغرفة دافئة جدًا ..
فيبدو بأن صاحبتها تحكم اغلاقها جيدًا ..
تقدم بحذر حتى وصل إلى السرير الذي تدفن نفسها فيه ..
ابتسم بشجن وهو يتوضح ملامحها النصف مختبئة ..
لا ينكر بأنه كان هناك العديد من الأيام الهادئة السعيدة معها ..
و بأنها تعجبه ..
بقوتها و دهائها ..
يعلم بأنها هي من هاتفت عيسى بذلك اليوم الذي ضُرب فيه ..
و كم هو ممتن لخبثها آنذاك ..
فلو لم تفعل ذلك ..
كان سيستمر بجوره و حقارته ..
لذلك حق عليه أن يعيدها إليه ..
أن يحاولا الوصول إلى نقطة تجمعهما ثم يقبضا على أنامل بعضهما ولا يفلت أحدهما الآخر ..
حق على كل نفس تأذت منهما أن يبقيا معًا إلى آخر عمرهما ..
مد يده و مرر انامله بين خصل شعرها الكثيف ..
هتف بهدوء : سِهام .. قومي
لم ترد عليه .. ويبدو بأنها لتوها قد غرقت بنومٍ عميق ..
و لكن ذلك لم يوقفه ..
فقد عاود مناداتها بإصرار : سِهام .. قومي ..
أخذ يحرك سبابته على أهدابها كما اعتاد أن يفعل عندما يريد منها الاستيقاظ ..
و لم تُخب ظنه ..
فقد رفرفت بأهدابها للحظات ثم فتحت عينيها ببطء و خمول ..
ابتسم بهدوء وهو يرى نظراتها الحائرة و التي يبدو بأنها لم تستوعب من الذي أمامها حتى الآن ..
اتسعت عينيها بذعر وهي ترى خيال رجل يجلس أمامها ..
بالقرب منها..
لذلك فتحت حلقها وهي تطلق صرخة خوف كتمها بيده الغليظة
ثم هتف بتوبيخ وهو يرى تخبطها الضعيف تحته : بببس يا الخبلة .. انا فهد ..
سكنت بعدها و ارتخى جسدها وقد تعلقت عينيها به ..
بنظراته الهادئة و ابتسامته اللطيفة و التي اشتاقت إليها جدًا ..
امتلأت عينيها بالدموع حتى كوّنت طبقة ثقيلة لم تعد تراه من خلفها ..
كان يراقب هيئتها الناحلة ..
و التي لا تتطابق مع هيئتها الأنثوية المغرية سابقًا ..
ثم عينيها الدامعة والتي لا يتذكر مطلقًا بأنه قد رآها تمتلئ بماءها ..
فبعد كل شيء ..
يبدو بأن سهام قد تغيرت حقًا ..
كما عاد هو لذاته ..
يبدو بأنها على أول خطوات الطريق كي تعود لذاتها الحقيقية ..
مد ابهاميه و مسح على عينيها بعد أن اطبقت جفنيها بصمت .. سمعها تهتف برجاء : فهد ..
جذبها من كتفيها و احتضنها وهو يقول بتهدئة : آمري ..
حينها اطلقت العنان لباقي بكاءها الذي قطعه دخولها في النوم ..
هتفت من بين شهقاتها : أأبببغغغىى .. ششممعععة .. تتسساامححننييييي
مالت شفتيه بألم و قال بموافقة : أنا كمان أبغاها تسامحني ..
أكملت بوجع : و أأبببغغىى ولدييي يررجععع لييي .. تتككففى فههد خللله يررجعع لييي
رد ببحة بعد صمت : ارجعي لي ونحاول .. اذا ربي كاتب لناا ..
أردفت بنحيب : أنااا ما وجعته ، ما آذيته .. أنااا حبييييته فهد .. حبييته .. ابغااهه
شد عليها و احتواها بين ذراعيه بتأثر ..
هو أيضًا يريده ..
لقد أحببتُه كما أحببتِه يا سِهام ..
و لكنّ لأقدارنا شأن آخر ..
سمعها تهمس بعد دقائق من الصمت ، باعتراف قد نسف غرورها : أنا تعبانه ..
رد بهدوء و همس : و أنا جيت عشان أردش لي .. أداويش و تداويني .. ترجعين معي سهام ؟؟
بتردد : بببس .. شمممععة ؟؟
اومأ بموافقة ثم أردف بوعد : بنحاول .. بنحاول لين تسامحنا ..
مارح نتخاذل من أول مرة .. اللي سويناه بحقها كبير ..
احنا خلينا الناس يقذفونها بشرفها وهي أطهر منهم كلهم ..
عشان كذا بنحاول أنا و إنتي لين تسامحنا .. تمام ؟؟
اومأت بموافقة و عادت لترتمي بين ذراعيه
بصمت أبلغ من كل كلام ..
،
منذ أن وطأت قدميه أرض المطار ..
تملكته رهبة عميقة ..
يتلفت حوله إلى الضجيج ..
الناس المنتشرين في المكان .. كلٌّ إلى وجهته ..
لذلك يجب عليه التقدم هو أيضًا إلى وجهته ..
لقد اخبروه بأن الطائرة ستقلع في العاشرة صباحًا ..
وهو منذ الليل هُنا .. يقبع بسيارته..
يهاود نفسه و تهاوده ..
لن تكون رحلة رسمية كما أخبروه ايضًا ..
سيكون متطفلًا على طاقم القمرة حتى يختبروا قدرته على التحليق و تجاوزه للأمر ..
تقدم إلى الرحلة التي اخبروه بأنه سيذهب بها ..
رحلة داخلية سريعة من مدينة ابها إلى مدينة جدة ..
تستغرق أقل من ساعة ..
دخل بعدها برهبة إلى القمرة و قد وصل توتره إلى الذروة ..
ألقى السلام عليهم و اتجه إلى مكانه المحدد بصمت ..
سمع تفاوت ردودهما ثم التعليمات التي يلقيها الكابتن على مساعده ..
ورد مساعده وهو يتفقد كل شيء ..
تعلقت عينيه على الأزرار الكثيرة في مقدمة القمرة أمامه ..
يعلم كل شيء عنها ..
و لديه خبره واسعة من الطيران ..
ولكنه يشعر بأنه أميّ عنها ..
بأنه و لأول مرة يراها ..
يكاد لا يفقه أي شيء مما يقولانه ..
يشعر بأنه غريب عنها ..
بأن هذا المكان ليس هو مكانه ..
لم يعتقد بأن توتره واضح لكليهما حتى وصله صوت الكابتن وهو يقول بهدوء : خذ نفس ولا تتوتر .. كل شيء رح يصير بسهولة إن شاء الله ..
ثم سمعه يتمتم بدعاء السفر فـ ردد خلفه وهو يشعر بأن توتره قد تحوّل إلى برد رهيب يرجف أضلعه ..
يراقب ما يحدث حوله بدقة ..
لا يريد أن يفوته أي شيء ..
سمع صوت الكابتن وهو يخبر الركاب بالتزام أماكنهم و ربط أحزمة الأمان استعدادًا للإقلاع ..
اشتدت قسماته وهو يتمسك بوعيه بشدة نافضًا عنه هلعه الذي يعربد بصدره كالمارد ..
يقبض عليه حتى لا يفوته أي شيء ..
بداخله شيء يدفعه للمقاومة و الإستمرار ..
و نظرات عينيها الواثقة به دومًا تجعله يتشبث بقراره أكثر ..
فـ إن تخاذل لن يخذل نفسه فقط ..
بل هي أيضًا ..
وهو لن يحتمل ذلك ..
سيحلق لأجله ، و لأجلها ..
راقب الكابتن وهو يتقدم على المدرج بانتظار السماح له بالتحليق ..
لحظات و صدح الصوت من اللاسلكي يخبرونهم من برج المراقبة بأنه باستطاعتهم التحليق الآن ..
اشتدت قبضتيه بقوة حفرت اظافره براحتيه وقد تعلقت عينيه بالأمام ..
يسمع الكلمات البسيطة المتبادلة بين الرجلين بجانبه ولا يفقه شيئًا ..
نقل نظراته من الأمام إلى النافذة بجانبه ..
يراقب ابتعادهم عن الأرض شيئًا فشيئ حتى اختفت تمامًا و قد اصبح الغيم يحيطه من كل جانب ..
ارتخى جسده عندما أدرك بأنه قد حلّق حقًا ..
و لم تصبه أي نوبة هلع ..
لم ترتجف اطرافه ..
و لم تتضارب النبضات بصدره ..
لم يتعرق .. و لم يبرد جسده ..
يتنفس جيدًا ولا بأس عليه ..
بقي يراقب الغيم مأخوذًا بجمالها ..
بشعوره الغريب / المُهيب..
بفرحته العميقة التي يخالطها توجس من القادم " الهبوط " فـ جميع مخاوفه تكمن هُناك ..
بأن يرى الطائرة وهي تهوي إلى الأسفل ..
مرت الدقائق بسرعة عجيبة لم يلحظها بسبب توتره ..
حتى حانت اللحظة ..
عندما سمع الكابتن يخبر الركاب مجددًا بأنه قد حان وقت الهبوط و يطلب من الجميع التزام الجلوس و ربط أحزمة الأمان ..
فتح عينيه على اتساعها و كأنه يريد أن يبتلع اللحظات القادمة بعينيه ..
يريد أن يخزن جميع اللحظات بذهنه المُتعَب ..
ذهنه الذي يكاد أن يغيب من فرط ترقُّبِه ..
ولكنه يتشبث به بقوة كـ حبل متين يقاوم الإنقطاع ..
يرى الطائرة وهي تهبط بسلاسه حتى اقتربت من الأرض ..
حينها اختنق بأنفاسه وهو يرى الأرض قريبة جدًا ..
اطبق جفنيه بهلع ينتظر صوت الاصطدام ..
غصت الأنفاس بحلقه فأخذ يسعل و هو يستند بيده على ذراع المساعد بجانبه ..
لا يشعر بالهواء يدخل إلى رئتيه ..
شُح بالأنفاس جعل ملامحه تُقتم ..
ليست نوبة هلع .. يُدرك ذلك ..
ولا يعلم ماذا أصابه ..
شعر بمساعد الكابتن وهو يناوله شيء ما و يجعله على فمه و أنفه ثم يأمره بالتنفس ..
أخذ نفس عميق فاختنق به ..
عاد ليسعل بشدة وقد اصبحت ملامحه قاتمة بشكل مخيف ..
بينما لا زال المساعد يحاول مساعدته على التنفس..
هتف الكابتن بعد أن تم الهبوط بالسلامة و توقفت الطائرة بالمكان المخصص لها : اذكر الله رصاص ..
و الحمدلله على سلامة الوصول ..
أخذ عدة انفاس قصيرة وهو يستوعب بأنه يتنفس بكيس ورقي ..
بقي يكررها حتى عادت دورة أنفاسه إلى طبيعتها ..
للمرة الأولى التي تحدث له هذه النوبة الغريبة ..
ابعد الكيس عن أنفه ثم قال بصوت مبحوح وهو يشعر بمعدته تتقلص : بستفرغ ..
لم يكد ينتهي من كلمته حتى كان أمامه كيس ورقي آخر
استفرغ فيه كل ما بداخله ، من هلع ، و توتر ، و ضيق بالأنفاس ..
استفرغ جميع مخاوفه و تعقيداته ..
لا يكاد يصدق ما يحدث..
لقد نجح بذلك ..
لقد اجتاز آخر مراحل علاجه ..
عندما انتهى تناول قارورة الماء التي كان يمدها إليه الكابتن ..
شرب منها قليلًا ثم انزلها بهدوء ..
رفع رأسه و هو يلاحظ اجتماعهما عليه ..
نظر إلى ملامحهما القلقة ..
مع أنه لا يعرفهما .. ولا يعرفونه ..
و لكنّ قلقهم الناطقة به أعينهم جعله يبتسم بطمئنة ..
ابتسامة تحولت بعد ذلك إلى ضحكة غير مصدقة ..
ثم إلى بكاء افجعهم وهم يرونه يخرج هاتفه من جيبه و يعيد تشغيله ..
بقيا متصنمين لا يعلمان ما الذي يمر به ..
حتى رآه وهو يرفع هاتفه إلى أذنه و ينتظر بانفاس متسارعة ..
لحظات و عاد إلى نحيبه المفجع فـ سحب الكابتن منه هاتفه بقوه و نظر إلى الإسم الذي استقبل المكالمة ..
كان مسجلًا بـ " زوجتي العزيزة "
فأغلق الخط ثم تبعه بإغلاق الهاتف وهو يوبخه بغيظ : انت خبل ؟؟ تبغى تفجع الأهل عليك ..
تمالك رصاص نفسه وهو يرى وضعه و بأنه قد انفلت بمشاعره بموضع لا يسمح بذلك ..
أمام رجلين لا يعرفهما و أحدهما قد قام بتوبيخه للتو ..
فتح حزام الأمان خاصته و وقف بهدوء ..
قال صرامة وقد استعاد شخصيته : جوالي لو سمحت ..
لم يرد أن يعطيه و لكن نظراته الثابته أخبرته بأن لا مجال للنقاش فناوله له بصمت ..
ثم راقبه وهو يبتعد بعد أن قام بشكرهما ..
حينها التفت الكابتن إلى مساعده و سأل بتوجس : انت متأكد انه يشكي من شيء ؟
و إنه هو اللي قبل شوي كان ينتفض هنا ؟؟
اومأ مساعده بصمت وهو يراقبه يغادر بذهول ..
فكيف تحول بثانيتين من شخص ضعيف إلى شخص يملك كل تلك الهيبة و الصرامة ..
هتف بعدها بتفكير : يمكن عنده انفصام ..
نظر إليه الكابتن بسخرية ثم خرجا من القمرة وهما يبحثان عنه بعينيهما ..
أين من المحتمل أن يكون ؟؟
فهو بعهدتهما حتى يرجع إلى ابها ..
،
ذهبا إلى أهله كـ عادة تلزم كل عريس بأن يجلب عروسه بصباحية زواجهم ..
و لكنهما قد أتيا بعد صلاة الظهر ..
كانت تجلس بجانب عمتها بعد أن تفاجأت بها عند دخولهما ..
و لم تترك جانبها حتى الآن سوى للحظات قصيرة انشغلت بها مع اخواته ..
تحتضنها بين كل لحظة و اختها ..
حتى سمعته يسأل عن اخته " دارين " بعد أن علم بأنها هُنا و ليست ببيتها ..
لديها فضول لتعرفها عن قرب ..
فمعرفتها بها سطحية جدًا ..
ولكنها قد احبتها من حبه لها ..
لقد أخبرها بأنها اقرب شقيقاته إليه ..
وبأن لها مكانة خاصة بقلبه ..
راقبت توتر الأجواء بعد سؤاله فنقلت نظراتها بين ملامحهم بفضول ..
سمعت إحدى اخواته تجيب بابتسامة واسعة : يووه طاحت علينا و اغمى عليها و وديناها المستشفى ..
اتسعت عينيه بدهشة : وراه !! وش قومها ؟؟ و انتي ليش تقولينها بضحكة ؟؟
اخته بضحكة حقيقية و سعادة : لأنها طلعت حامل وماهيب دارية .. بس من يوم درت وهي مكتمة و دخلت غرفتها ولا زد طلعت ..
قال وهو يقف : بروح اشوفها ..
أوقفته والدته بهدوء : اتركها ترتاح شوي .. لين جا لها خاطر تشوف حد مننا بتطلع من غرفتها ..
عقد حاجبيه بريبة وهو يراقب ملامح اخواته ثم ينتقل بنظراته إلى أمه : متأكدين ما فيها شيء ؟؟
اومأت والدته بهدوء : خلّها خلّها مافيها إلا العافية ..
عاد إلى مكانه بصمت و عدم اقتناع ثم رفع هاتفه من على الطاولة أمامه ..
فتحه و اخذ يبحث عن اسم رصاص حتى وجده ..
ضغط عليه ورفع الهاتف إلى أذنه ..
بعد لحظات انزل هاتفه بتوجس عندما وصله الرد الآلي ..
إذا كانت دارين هنا منذ الأمس ..
و رصاص قد اخبره بالأمس بأنه سيذهب إلى شغل ما ..
ثم ملامح اخواته و أمه المتوترة ..
و الآن هاتف رصاص المغلق ..
وما سبب اغماء دارين و عدم خروجها إليهم الآن ؟؟
كل ذلك يقوده إلى استنتاج واحد ..
بأن رصاص به شيء ما ..
وهم يتكتمون على ذلك كي لا يعرف ..
فـ دومًا كان رصاص هو نقطة ضعف دارين ..
اخذ هاتفه و خرج ..
ثم نادى عليها من الخارج فالتفتت إليهم بحرج شديد قابله ابتسامات واسعة من الجميع ..
قطبت حاجبيها بريبة ..
ما بالهم حقًا ؟؟
فـ حالتهم ليست طبيعية على الإطلاق و ابتساماتهم الواسعة كـ دعايات المعجون ليست مريحة على الإطلاق ..
وقفت بهدوء و خرجت إليه ..
عندما خرجت زفرن جميعًا براحة وقد هتفت احدى اخواته وهي تهف على ملامحها : يمممه كنه ناقصنا ناصر و فوقه دارين عشان يكمل المثلث و تجي زوجته حتى هي نظراتها تخوف ..
نظرت بعد ذلك بإحراج إلى صديقة والدتها و اعتذرت بخجل وهي تتمنى لو تنكمش حتى تختفي : اعذريني عميمة ماهوب قصدي
اومأت عمة شمعة بتفهم ثم قالت بتفكه كي تخفف على ابنة صديقتها الحرج : عادي عادي حتى انا أحيان أخاف منها ..
اطلقن بعض الضحكات المتفاوتة و التي وصلت للواقفين خارج الغرفة ..
نظر إليها برفعة حاجب : زي ما قلت لش ..
فيه شيء مخبينه عني ..
قطبت جبينها بتفكير وهو تشير على المجلس بجانبها : موب كنه اختك و عمتي حشّوا فيني الحين ؟؟
هز كتفيه بتقرير : هذا اللي صار ..
مالت شفتيها و هي تقول : بداية خير ...
قهقه باستمتاع و سحبها من كفها إلى الأعلى ..
هتفت وهم يصعدون الدرجات : موب عيب نجي لعندها وهي ما تبغى ؟؟
هز كتفيه بلا مبالاة : لا ماهوب عيب ..
هتفت بتهكم : هذا لو فتحت لك الباب ..
وقف فجأة فوقفت معه وهي تسأل بتعجب : وش فيه ؟
رفع معصمه وهو يرى عقارب الساعة تشير إلى الثالثة و النصف ظهرًا ثم هتف بسخرية : تدرين ماقد كملنا اربع وعشرين ساعة من لما تزوجنا وقدش شغالة تهكم فيني ..
ثم أردف مستعيرًا كلمتها قبل دقائق : بداية خير ..
ضحكت بخفة و تقدمته لتكمل باقي الدرجات ..
تحرك حتى اصبح مجاورًا لها و قد احتضن كتفيها بذراعه ..
قبلها على قمة رأسها و هتف بصدق : يارب دايم اشوف ضحكتش الحلوة ذي ..
أمّنت بخجل : بوجودك ..
،
تسمع أصواتهم خارج غرفتها ولم تهتم ..
فهي قد توقعت قدوم اخواتها منذ أن وصلت لأخيها ورقة طلاقها ..
لذلك لم تخرج إليهن ..
فهي لن تحتمل كلامهن ..
ولكنها الآن تتجهز كي تخرج ..
فقد أتت إليها والدتها و طلبت منها الخروج ..
و لن تكسر كلمتها ..
لذلك قامت و بدلت ثيابها ..
ثم وضعت بعض الزينة التي تخفي إرهاق ملامحها من طول بكائها ..
خرجت عندما رأت بأن هيئتها أصبحت مقبولة ..
بل أفضل من ذلك ..
فقد بدت رائقة ..
رسمت ابتسامة بسيطة وهي تستقبل ابن اختها الذي تسارعت خطواته إليها ..
احتضنته وهي ترفعه إلى حضنها ثم استقامت وهي تحمله ..
تقدمت بهدوء وهي ترى الامتعاض الذي قد ارتسم على ملامحهن ..
ألقت السلام بنبرة عادية لا تشي بشيء ..
ثم شرعت بالسلام المتعارف عليه وقبلت خد كل واحدة منهن ..
عندما انتهت اختارت اقصى مكان منهن و جلست فيه ..
لم تكد تستقر بجلستها وتضع ابن اختها على ركبتيها حتى هتفت أختها بسخرية : عساش مرتاحة الحين ؟؟
نظرت لها بابتسامة بسيطة و قالت بهدوء : الحمدلله ..
ابتسامتها استفزت اختها فرفعت حاجبها بنرفزة و أردفت : كيف الوضع و إنتي ماخذة لقب المطلقة بعد ما هجيتي ثلاث شهور من بيتش ؟؟
مالت شفتي نجد بتفكير متقن ثم هزت كتفيها ببساطة مغيظة ..
قالت بابتسامة ناعمة : الحمدلله وضعي حلو ولا علي باس ..
ام يزن بعصبية مفرطة : تستهبلييين !! تشوفين وضعش حلو ؟؟
وش الحلو فيه ؟؟
يعني يوم طلق ابتهالوه قلت بتستغلين الوضع و تزينين حياتش معاه بس مين اكلم !!
ماهو انتي كان عندش فرصة اربع سنوات تسحبينه لش و تعلقينه فيش ..
و الحين صفيتي على جنب لا ولد ولا تلد و تقولين وضعش حلو ..
تقلصت ابتسامتها حتى باتت باهته ..
و لكنها ردت بكل برود : و انتي وش عليش من حياتي ؟؟
بكيفي بعد ازينها والا اطينها .. وش دخلش ؟؟
همت أختها بالرد بكلمات لاذعة و لكن دخول اخيهن قاطع الجدال المحتدم بينهن ..
ألقى السلام ثم اتجه إلى جانب نجد ..
جلس بجانبها ثم هتف بتساؤل وقد نقل نظراته بين ملامح نجد الباهته و ملامح اخته المكتومة بشكل واضح : وش قومكم اصواتكم واصلة لتحت ؟؟
صمتت نجد تمامًا و اكتفت بأن تشد ابن اختها إليها ..
أما اختها فقد هتفت بغل من برود نجد : عاجبك وضع نجد الحين ؟؟
سلطان بتساؤل : وش قومه وضعها ؟
لوحت ام يزن بكفها بغيظ شديد من لامبالاتهما : مطلللقة و فوق كذا ساكنه فوق بيت طليقها ..
رفع اخيها حاجبيه و سأل بهدوء : و اذا هي مطلقة ؟؟ وين المشكلة ؟؟ أما عن البيت فـ احنا بننقل بعد أيام ..
ما يحتاج تكبرين الموضوع و تعلّين صوتش بدون أي احترام لإميمتش ..
أم يزن بعدم تصديق و ذهول : يعني تشوف إنها مطلقة شيء عادي ؟؟
هز رأسه بموافقة ثم أردف : ايه .. الطلاق ماهو حرام
بعصبية و ضجر : بس عيب ..
اتسعت عينيّ سلطان بدهشة حقيقية : يعني تعلّين العيب على الحرام ؟؟
ثم أردف بصرامة : بعدين نجد ماهيب مضيّقة عليش بشيء ..
انا اللي متكفل فيها و إنتي ماغير من ويكند لويكند نشوفش ..
ما اعتقد إنش تحبين حد يتدخل بحياتش عشان كذا لا تتدخلين بحياة نجد ..
هذا هي مرة كبيرة و عاقلة و تعرف وش اللي فيه صالحها ..
و خلاص قفلي الموضوع ..
و لا اسمع حد منكن يفتح الموضوع مع نجد مرة ثانية ..
" قالها وهو ينقل نظراته بين اخواته الصامتات المراقبات لما يحدث "
عندما عم الصمت على الجميع وقفت نجد بعد أن أنزلت ابن اختها من على ركبتيها ..
لم تنظر إلى أي أحد منهم ..
فقط غادرت بذات صمتها ..
و لكنها لم تكد تتجاوز المجلس حتى صدح صوت اختها مجددًا وهي تقول بقهر : اتحدى إذا ما يوسف رجع ابتهال بعد أيام و نجد قد انسحبت من حياتهم و نسو إنها هي اللي ربت بنتهم ..
قاطع اخيها مجددًا كلمات أخته اللاذعة : خلاص يكفي .. هي حرة بحياتها و هم حرين بحياتهم ..
ما بنجبر حد على حد ..
ابتعدت وقد علقت مرارة حارقة بحنجرتها ..
تستبعد أن تفعل ابتهال ذلك ..
فـ على ما بينهن من فجوات إلا أنها لا زالت تتواصل معها من أجل ريما ..
وقد قابلتها عدة مرات أيضًا ..
و لكنها لن تستبعد محاولات يوسف بأن يعيدها إليه ..
فهو لن يستطيع تجاوز ما حدث ..
مثلهنّ تمامًا ..
لم يذكرن مطلقًا ما حدث منذ ذلك اليوم الذي أعادت فيه ابتهال إلى منزل أهلها ..
محطمة تمامًا ..
بل تجاهلن ذلك ..
فلا حاجة لهن بذكر ما يدركن أنه متواجد بينهن ..
دخلت إلى غرفتها و أغلقت الباب خلفها بالمفتاح ..
لا تريد أي تطفل ..
و بـ حركة اعتادت فعلها في الأيام الفائتة ..
ذهبت إلى شباك النافذة بغرفتها و أطلت منه للأسفل ..
ثم تراجعت بهدوء و اغلقتها ..
لم يأتِ اليوم أيضًا ..
منذ ذلك اليوم الذي اخبرها بأنه قد طلقها لم يأتِ إلى هُنا ..
يبدو بأنه يقدّر بأنه من غير اللائق سكنهم في مبنى واحد بعد أن تم الطلاق ..
و يبدو بأنه يبيت في منزلهم الآخر ..
منزلهم الذي قد اخبرها قبل أشهر عنه ..
و أنه قد انتهى من بناءه ..
تبقى فقط أن تختار هي الأثاث ..
و للسخرية ..
فهي لم تطأه بقدميها سوى ذلك اليوم ..
قبل ثلاثة أشهر
نزلت من سيارة الأجرة بعد أن نقدته المبلغ ..
نظرت إلى المنزل القابع أمامها بفخامة تليق بـ مكانة يوسف ..
كان فلة فاخرة منتصبة بشموخ ..
فتحت الباب الخارجي بابتسامة واسعة وهي تقلب نظراتها في الأرجاء ..
خلعت نقابها وألحقت به حجابها ..
بداخلها راحة عميقة وهي تدرك بأن يوسف سيصبح لها وحدها ..
دون ابتهال أو أي منغصات أخرى ..
قطبت حاجبيها وهي ترى سيارة يوسف مركونة في الطرف الأيسر منها ..
تقدمت منها بتعجب و اخذت تدور حولها و تتفحصها ..
لماذا هي هُنا ؟؟
أليس من المفترض بأنه في المحكمة الآن ؟؟
فما الذي يفعله هنا ؟؟
تحركت بعدها بعجل و ارتقت الدرجات عند المدخل ..
وضعت مفتاحها و فتحت الباب ..
قابلها الصمت المهيب في المكان ..
هتفت بتساؤل : يوسف ؟؟ انت هنا ؟؟
لم يرد عليها سوى صدى صوتها ..
فغضنت جبينها بحيرة ..
اخذت تنقل نظراتها في المكان وهي تستشعر بأن هناك شيء خاطئ يحدث ..
لحظات و اتسعت عينيها و هي تسمع صرخة أنثوية متوجعة ..
هرعت إلى الجهة التي سمعت منها الصوت حتى وصلت إلى غرفة قريبة نسبيًا ..
طرقت الباب بحدة و هتفت : يوووسف ..
أيضًا لم يصلها أي صوت سوى أصوات مكتومة ففتحت الباب بقلق و خوف فهالها ما رأته..
بقيت متصمنة بوقفتها بعينين متسعتين وهي تشعر بالنار تشتعل بأوردتها حتى وصلت إلى قلبها فانتفض بوجع رهيب ..
لقد كان يوسف يعتلي ابتهال ..
يثبتها بكلتى يديه و ينقض على شفتيها بينما هي تتلوى تحته بعنف و تصدر صيحات معترضة ..
راقبت كيف ابتعد عنها وهو يلهث بعنف ثم يصرخ بصوت غليظ : انااا تقولين عني كذا و تفضحيني عند الخلق ؟؟
إنتي يبغى لش إعادة تربية من أول و جديد ..
ثم عاد لينقض عليها مجددًا و لكن هذه المرة كان مقصده عنقها بينما زادت انتفاضاتها وهي تتلوى أكثر ثم تهتف ببكاء و قهر : قوووووم يا حقييييررر ابتعد عنننيييي
و تحرك رأسها برفض حتى التقت عينيها بعينيّ نجد المتسعة مما ترى فهتفت برجاء : نجد !!
حينها انتفضت نجد و تقدمت بسرعة وكل ما فيها يشتعل ..
قذفت بحقيبتها مع حجابها في الأرض و اسرعت إليهم ..
صرخت بغضب وهي ترى وجه آخر ليوسف ..
وجه وحشي لا يمت للإنسانية بصلة ..
وجه قد تخلى فيه عن آدميته و لم يبقى سوي غريزة حيوانية تقوده : يوووووووووسف
حينها انتفض وهو يستوعب الصوت الدخيل عليهم ..
نظر إليها بذهول وهو لا يزال يعتلي ابتهال وهتف بصوت متجهم متفاجئ : وش تسوين هناا !!
وصلها أنين ابتهال فتقدمت و سحبت يوسف بقوة لا تعلم من اين أتتها وجذبته خارج السرير ..
حينها تكورت ابتهال على نفسها وهي تبكي بشدة ..
بينما نقل يوسف نظراته بينهن و هتف بغضب وقد أخذته العزة بالإثم : وش تسوييييين هنا !!!
اتصلت عليييش و خبرتش عشان تجيييين ؟؟
لمتتتتى وانتي ما غير تتبعيييينها !!
متى بتكون لش شخصية لش بلحالش بدون ما تتحكم فيش ؟؟
متتتى ؟؟
قاطعته بصرخة غاضبة حد عنان السماء : يااا حقيييييييرررر ...
ثم اتبعتها بدفعه بقوة إلى خارج الغرفة وهي تصرخ من كل قلبها المحترق : يااااا حقييييررر .. اطططلللعع من حياااتنا ... اططططلللللع ..
الله يااااخذك ..
الله يحررررق قلبكك مثل ما حرقت قلووووبنا ..
يااااارب تلقاها بوجهك ..
حسبي الله عليييك يا حقيييررر ..
كان من شدة دهشته من حالتها التي يراها للمرة الأولى يمشي دون إرادة ..
ينظر إلى عينيها التي لا تمت لعيني نجد التي يعرفها بصلة ..
عينين حمراء ..
متسعة ، ذاهلة ، مشتعلة ..
وجهها منفعل بإحمرار يشعر بأنه سينفجر بأي لحظة ..
بينما عروق رقبتها النافرة تشي بكم الإنفعال المهول الذي بداخلها الآن ..
هتف بعد أن استوعب كل شيء ..
ماذا فعل ..
وماذا كان سيفعل لو لم تأتي ..
و ماذا سيفعل الآن وهي قد أتت و رأت كل شيء : ننجحدد اسمعييييني ..
تدفعه بإصرار و وجهتها باب المنزل ..
هتفت بصوت غاضب مرتجف و قد تزايد انفعالها : وش اسسسمعع !!
انك بغييييت تغتصب زوووووجتك ؟؟؟
زووووجتك يا حقيييييييرررر ..
ثم أردفت بحرقة و قد نفرت دموعها : الله يحررررق قللللبك مثل ما حررقت قلوووووبنا ..
الله يحررررق قلبك .. حسبي الله علييييك ..
وصلا حينها إلى باب المنزل فدفعته منه بقوة ثم اطبقته بوجهه ..
اتكأت عليه بانهيار تام وهي تسمع صوت خطواته ثم بعد لحظات تبعه صوت صرير عجلات سيارته وهي تخرج بسرعة ..
تنفسها المتسارع ، رجفتها ..
احتراق صدرها مما رأته ..
دموعها التي تنزل دون أدنى إرادة منها ..
ثم نظراتها المتعلقة على الباب القابع أمامها بمسافة لم تترك لها مجال للإنهيار و العويل كما تشاء ..
كفكفت أدمعها سريعًا بعد أن اخذت عدة انفاس لم تشعر بها تدخل إلى رئتيها مطلقًا ..
بل شعرت بأنها قد اختنقت بها حتى كادت تغص ..
عادت بخطوات سريعة إلى الغرفة حيث ابتهال ..
دخلتها فوجدت ابتهال تحتضن جسدها كالجنين و تقبض على مقدمة عباءتها المتكرمشة بشدة تشي بمحاولاته ..
قُبض صدرها بوجع ..
ولكنها تقدمت إليها حتى جلست بجانبها ..
هتفت بحنان خرج رغمًا عنها : ابتهال .. خلاص قد راح
لم ترد عليها بل زادت بتكورها على نفسها ..
فمدت يدها إليها وجذبتها من مرفقها ..
قاومتها للحظات ثم ارتمت عليها وهي تبكي بشدة ..
احتضنتها بصمت ..
تطبطب على ظهرها بهدوء ..
تسمع نشيج ابتهال و ترغب بأن تشاركها ذلك ..
بل ترغب بتحطيم رأس يوسف ..
ثم اقتلاع قلبه الموبوء و احراقه ..
فلتت منها تنهيدة محملة بعبراتها المكتومة ..
كل ما يحدث لها كثير ..
كثير جدًا على آمالها التي ماتت في مهدها ..
كثير على نفسها التي لم تجد الراحة منذ سنوات ..
كثير على اختناقها الموجع بعبراتها التي لا تستطيع سكبها ..
فـ بين يديها تقبع امرأة محطمة ..
امرأة قد امتص منها رجلها كل ماهو جميل ..
امرأة لا تعتقد بأنها ستعود كما كانت دون أن يترك ماحدث بداخلها الكثير من الخراب ..
امرأة هي قبل كل شيء ..
كانت صديقتها منذ الطفولة ..
منذ سنوات الدراسة ..
امرأة قد وقفت معها بأحلك أيامها ..
و ذلك يشفع لها بكل شيء ..
،
عندما اخبرها اخيها برغبة صالح و بأنه قد تقدم إليها لم تستطع الصمت أكثر فقد ضحكت حتى آلمها بطنها ..
و أخبرت أخيها بأنها غير مستعدة ابدًا للزواج ..
بل أنها قد قامت بحذفه من قاموسها ..
فـ حياتها القادمة ستكرسها لنفسها و لابنتها ..
ولا تريد لمطلق رجل أن يتحكم بها ..
فليس لها أي طاقة للتحمل ..
ولا تنوي أن تفعل ذلك حقيقةً .. فقد اكتفت منه ..
ستكمل دراستها و لكنها ستكملها داخليًا ..
و ستكمل عملها بالتصاميم ..
فـ لا زال حتى الآن يصلها طلبات كثيرة ..
و لن تعود إلى نفس النقطة بعد أن تجاوزتها ..
لن تجعل ليوسف فرصة بأن يحرمها من ابنتها مرة أخرى ..
لقد أصبحت تكره الزواج و ما يمت إليه بصلة ..
بل أخبرته أيضًا بأنه إذا تقدم إليها أي أحد آخر لا تريده أن يخبرها بذلك ..
فليقم برفضه هو ..
ستكرس حياتها كي تبني مستقبل أفضل لابنتها ..
لن تجعلها تُعاني مثلها ..
فأخبرها ماجد بصراحة بأن أبيها لن يصمت على رفضها للخُطّاب كثيرًا ..
و لكنها لن تبالي ..
هي تعرف نقطة ضعف والدها ..
و ستلعب عليها جيدًا ..
فهو يخشى كثيرًا من كلام الناس ..
وهي تعلم جيدًا ما سيثير كلامهم ..
لن تفعل أي شيء الآن حتى ترى ما نهاية صمت والدها أولًا ..
فهي لا زالت ترتاب منه و من نظراته التي تلحظها عندما يراقبها و يراقب ابنتها ..
أحيان كثيرة تشعر بأنه يوشك على قول شيء ما لها ..
و لكنه يعود فيلتزم الصمت ..
و ذلك أفضل بالنسبة لها ..
فهي حتى و إن لم توضح ذلك ..
و لكنها تتمنى بشدة ألا يخذلها ..
تتمنى لو يتفهمها ..
لو يشعر بها كما كان يشعر بها قديمًا ..
لو يقرأ نظراتها كما كان يقرأها دومًا ..
و لكن السنوات قد حالت بينهما ..
فلا تعتقد بأنه سيفعل ذلك ..
ولو أراد فلن يستطيع ..
فهي قد تغيرت .. كما تغير هو أيضًا ..
و قد أعاد الزمن تشكيلهم كيفما يشاء و يرغب ..
وقام يوسف بالختم على كل ذلك بتوقيعه ..
عندما أخبرها بأمر الطلاق برسالة نصية ..
كان قد أرفق معه بضع كلمات لم تفارق ذهنها حتى الآن ..
ولا تدري أصادق هو أم لا ..
فقد قال لها بأنها قد أقسمت و أوفت بقسمها ..
و بأنها عندما غادرته لم ترضى بأن تغادر بصمت ..
فقد اجتثت كل ما وقع بطريقها منه ..
حتى أصبح بقايا إنسان لا يعرفه .. ولا يشبهه ..
ثم أرفق كل ذلك باعتذاراته و طلبه للغفران ..
تكذب ان قالت بأنها ستستطيع الغفران ..
لقد انتهكها ..
حتى لو كانت هي السبب بذلك ..
لم يكن من حقه فعل ما حدث ..
فهو قد أثبت بذلك عدم احترامه لكيانها ..
لإنسانيتها ..
لكبريائها و كرامتها ..
لا تعتقد بأنها ستسامحه ..
و لكنها ستتجاوز ..
لن تعود لتبقى أسيرة أفعاله المؤذية كما فعلت سابقًا ..
لن تعود لتقيّد نفسها بالإنتقام ..
لقد تعلمت كيف تتصالح مع نفسها و بأصعب الطرق و أكثرها إيلامًا ..
صحيح بأنها نالت ما أرادته ..
و لكن الثمن قد فاق توقعاتها بكثير ..
لذلك هي لن تعود لتخوض بتجارب جديدة لا طاقة لها بها ..
هي لنفسها و لإبنتها ..
و كفى ..
،,
دمتم بود 🍃
|