كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة السابعة عشر)
الرقصة الثامنة عشر
"لا تَقلَقي يَومَ النَوى أَو فَاِقلَقي
يا نَفسُ كُلُّ تَجَمُّعٍ لِتَفَرُّقِ
اللَهُ قَدَّرَ أَن تَمُسَّ يَدُ الأَسى
أَرواحَنا كَيما تَرِقَّ وَتَرتَقي
أَوفى عَلى الشُهبِ الدُجى فَتَأَلَّقَت
لَولا اِعتِكارُ اللَيلِ لَم تَتَأَلَّقِ
وَالفَحمُ لَيسَ يُضيءُ إِن لَم يَضطَرِم
وَالنَدُّ لَيسَ يَضوعُ إِن لَم يُحرَقِ
لا أَضرِبُ الأَمثالَ مَدحاً لِلنَوى
لَيتَ الفِراقَ وَيَومُهُ لَم يُخلَقِ
ما في الوَداعِ سِوى تَلَعثُمِ أَلسُنٍ
وَذُهولِ أَرواحٍ وَهَمٍّ مُطبِقِ
عَنَّفتُ قَلبِيَ حينَ طالَ خُفوقُهُ
فَأَجابَ بَل لُمني إِذا لَم أَخفُقِ
أَنا طائِرٌ قَد كانَ يَمرَحُ في الرُبى
وَعَلى ضِفافِ الجَدوَلِ المُتَرَقرِقِ
فَطَوى الفَضاءُ مُروجَهُ وَفَضائَهُ
لِيُزَجَّ في قَفَصِ الحَديدِ الضَيِّقِ
لا بَل أَنا مَلِكٌ صَحَوتُ فَلَم أَجِد
عَرشي وَلا تاجي وَلا إِستَبرَقي."
،
تجلس على مقعد منضدة الزينة بسكون ،،
تطلي اظافرها بطلاء أحمر يكسر لون لباسها الأسود الأنيق ..
رفعت رأسها بعد أن اتمت مهمتها بنجاح ..
اخذت تنفخ ببطء على اناملها كي تجفف الطلاء ..
نظرت إلى الفوضى العامة لأرجاء الغرفة و على منضدة الزينة خصوصًا ..
فقد تناثرت عليها أدوات الزينة التي استخدمتها هي و أخواتها ..
فاليوم هو يوم زفاف صديقتها " شمعة " و الكل متحمس لذلك ..
فالكل كان ينتظر الموعد بفارغ الصبر
حتى يخرجوا من أجواء البيت المتوترة من بعد طلاقها ..
و مع أنها قد اتمت عدتها منذ عدة أيام الا أن الوجوم لازال يكتنف منزل أهلها ..
نظرت إلى هيئتها بالمرآة ..
لا شيء يدل على الخراب بداخلها .. سوى عينيها ..
لا شيء يسكن بين طيات ملامحها سوى البرود ..
أما من داخلها فهي أبدًا لن تنسى الطريقة التي حصلت بها على الطلاق ..
لا أحد يعلم ماذا حدث بينهم ..
و لماذا يوسف قد قرر فجأة طلاقها كما يظنون ..
لا أحد يعلم عن جلسات المحاكمة و ما حدث بها ..
فبعد ما حدث أرسل صك الطلاق إلى والدها ..
وقد غضب عليه حينها و هاتفه ..
لا تعلم بماذا اخبره و لكن نظرات والدها لها بعد ذلك تثير ريبتها ..
فهو لم يعاملها بعنف كما كانت تتوقع منه ..
لم يقل لها أي كلمة ..
لم يوجه لها أي حديث من الأساس ..
و ذلك يجعل الشك يتسلل إليها ..
لم تعد تثق بأي احد منهم اطلاقًا ..
و ما حدث قد رسخ قناعتها اكثر ..
تعلقت نظراتها على عينيها بنظراتهن الغريبة في المرآة ..
و ارتفعت شفتيها المطلية بالأحمر الناري ببطء ..
ابتسامة ساخرة ارتسمت على ملامحها ..
و اخيرًا ..
ها هي الحرية كما ينبغي عليها أن تعيشها ..
و على أكمل وجه أيضًا ..
كاذبة إن قالت بأنها قد ذاقت لذة النصر ..
كاذبة هي إن قالت بأنها قد شعرت بحريتها المفترضة ..
ربما لو لم يحدث ما حدث ..
ربما حينها كانت ستشعر بها ..
و لكنه يوسف ..
لن يكون هو إن لم يؤلمها حتى النخاع ..
لن يكون هو إن لم ينتصر لكبرياءه ..
فهو بعد كل شيء ..
يوسف ..
التفتت إلى الباب الذي فتح ببطء ..
اتسعت ابتسامتها وهي ترى القادمة إليها بخجل ..
فتحت يديها على اتساعها فتسارعت خطواتها حتى ارتمت على صدرها ..
احتضنتها بحب عميق وهي تتنهد ..
لم يكن بأقصى أحلامها أن تكون وصاية ابنتها معها ..
باتفاق و تراضي الطرفين ..
لم تفكر مطلقًا بأن يوسف سيستسلم و يتنازل عن الوصاية برضاه ..
و لكنها تدرك بأنه ليس سوى مجرد تكفير عما فعله ..
تدرك ذلك جيدًا ..
ولا يهمها كيف حصلت عليها ..
كاذبة هي ايضًا ..
بل يهمها ذلك ..
و يحرق داخلها كلما احتضنتها و كلما رأتها ..
لقد كان كبرياءها و كرامتها هما الثمن ..
تنهدت وهي تشد عليها اكثر ..
تريد تخبئتها بداخلها ..
ابعدتها عنها بلطف و سألتها بحنان : تبغين شيء ريمي ؟
نقلت ريما نظراتها بفضول على المنضدة ..
تبحث عن ضالتها حتى وجدتها ..
اشارت عليها بابتسامة : ابغى مناكير ..
اومأت ابتهال بطاعة و ابتسامة واسعة : تامرين ..
،
متكورة على نفسها بوضع الجنين ..
تحتضن بطنها الذي اصبح خاويًا ، باردًا ..
تضغط على ركبتيها اكثر وصوت نشيجها يعلو ..
لقد فقدته بعد أن تعلقت به ..
بعد أن احبته ..
بعد أن كانت تعد الدقائق و الساعات حتى تحمله بين ذراعيها..
حتى يصبح مؤنسها في وحدتها ..
و لكنه لم يبقى ..
لقد ذهب هو ايضًا كما ذهب جميع من حولها ..
هي قد آذتهم فـ ابتعدوا ..
و لكنها لم تؤذه ..
بل احبته بحق ..
تمسكت به رغم جميع الآلام التي كانت تعتصرها ..
لقد ذهب دون سبب ..
آه حارقة فلتت من بين شفتيها المتورمتين من البكاء ..
تدثرت تحت لحافها اكثر وهي لا تسمع سوى السكون الذي تبع خروجهم الصاخب من البيت ..
اليوم زفاف أختها .. و لن تحضره هي بسبب النزيف المستمر
معها ..
نشجت بضعف ..
فبعد كل شيء ..
ها هي لم تستطع حضور زفاف اختها
كما لم تستطع اختها حضور زفافها هي قبل أشهر ..
دورة الأيام مخيفة .. و ساخرة ايضًا ..
نشجت أكثر وهي تتذكر مقابلتها مع شمعة منذ أسبوعين ..
بعد أن فقدت جنينها ..
كل ما كان يدور بذهنها بأن هذا هو تكفير ذنبها بحق اختها ..
و لم تدرك بأنها قد أصبحت بهذه القسوة ..
لقد رجتها بأن تسامحها ..
و لكنها نظرت إليها بلامبالاة و تجاهلتها ..
لحقت بها و شدت على ذراعيها بإصرار كي تسمعها ..
و لكنها دفعتها عنها بعنف و غضب ..
و صرخت عليها بأنها لا تريد رؤيتها اطلاقًا ..
و لكن ما يؤلمها بحق هو ما حدث بعد ذلك بأيام ..
حين اخبرها عيسى بأن فهدًا يريدها أن تعود ..
و اخبرها بأنها ليست المرة الأولى التي يطلب بها ذلك بعد أن اعتذر منه ..
و لكنها رفضت العودة ..
اخبرته بأنها لن تعود إلى فهد إلا بقرار من شمعة ..
و هي موافقة على ما ستقرره على أي حال ..
فقط تريد منها أن تسامحها ..
لم تعد تستطيع حمل ثقل الذنب على كتفيها ..
ولكن شمعة لم تهتم ..
فقد قالت لها بكل برود و قسوة : فكري بنفسش زي ما فكرتي فيها دايم ..
اما انا فترى ما تهموني طرتوا والا وقعتوا ..
والا تبغيني انا اللي اقرر عشان اتحمل نتايج القرار لوحدي و انتي تطلعين منها زي دايم .. تبغيني اصير أنانية زيش !
آه حارقة فلتت منها بقوة وقد تحول نشيجها إلى أنين ..
كل ما يحدث يثقل قلبها .. يضغط عليها أكثر ..
يفقدها لذة الحياة .. و الحب ..
ايامها باتت متشابهة .. رمادية ..
كئيبة كسماء لم ينيرها القمر ..
معتمة كـ ليل طويل بهيم قد ضاعت أنجمه ..
تفتقد للدفء ..
داخلها مثقوب ..
تتسرب إليه الرياح الباردة التي تكمّش جلدها فيتقلص بشدة موجعة
حتى تفلت منها الآه ..
الأرق الذي جعل ملامحها شاحبة كالأموات لا زال يغترف
من عينيها ..
و دموعها التي لم تنضب .. بل لا زال هناك المزيد منها دومًا ..
لم تعد تتعرف على نفسها ..
أين ذهبت سهام بكل حيويتها .. و أنانيتها !!..
لماذا لم تعد تشعر بالرغبة في أن تملك أي شيء ؟؟
لماذا فقدت نفسها ؟؟
لماذا بعد أن وجدت من يملأ الحب في قلبها تفقده !!
يتسرب من بين اناملها كالزئبق ..
ولكن فقده موجع ..
موجعٌ جدًا ..
،
خرج من المبنى بضيق شديد ..
اليوم قد طلق نجد ..
و على رغبتها ايضًا ..
ما بال امرأتيه !!
هل هو سيء إلى هذا الحد ؟؟
ولكنه لا يلومها مطلقًا ..
فـ بعد ما حدث شعر بأنه فقد انسانيته ..
فقد اخر شيء يتعلق بشخصه هو ..
و على مرأى من الإثنتين ..
لا يلومها .. و لكنه قد تمنى لو تعذره هي فقط ..
فهو لم يعول على ابتهال من بعدها ..
و كان يدرك بأن ما حدث لن يكون له وجه بعدها لطلب السماح ..
فهو شيء لا يغتفر بحقهما ..
و قد طلب من نجد التفكير قبل اتخاذ أي قرار يخصهما ..
و سينفذه على الفور ..
كان يتمنى بداخله لو تمسكت به ..
لو اشعرته بأنه لم يكن بتلك الحقارة التي تجعله يشمئز من نفسه عندما يتذكر ..
تنهّد بإرهاق قد لاكه بين فكيه منذ ذلك اليوم ..
لم ينسى ما حدث مطلقًا ..
فهو بكل لحظاته يزوره طيف ابتهال ..
بعينيها العاتبة ..
و الخذلان المرتسم بوضوح على مقلتيها ..
و لكنها هي من اوصلتهما إلى ذلك الحد ..
يا الله ..
عندما طلقها شعر بأنه قد انتزع قلبه ..
و بأنه قد فقد وطنه الذي كان يتوق دومًا إلى العودة إليه ..
فقده بطريقة غير عادلة ابدًا ..
غير منصفة لحق قلبه ..
و لكنه قد استحق ما شعر به ..
لقد استحقه إلى آخر حد ..
و الآن ها هو يفقد ثاني ركائز حياته ..
و قد انهدت فوق قلبه هي ايضًا ..
يعلم بأنه لم يخبرها يومًا بأنها جميلة ..
و بأن لها قدر كبير بداخله ..
يعلم بأنه كان مقصرًا معها جدًا .. و مجحفًا جدًا ..
و بأن البرودة بينهما لم تكن هي المخطئة الوحيدة فيها ..
بل هو ايضًا مشارك معها ..
لا زالت صرخاتها الحارقة ذلك اليوم تدمي قلبه ..
تتكرر بداخله .. لا تجعله يهنأ بالنوم ..
دعوتها عليه وهي تدفعه إلى الخارج بعنفوان و غضب
" الله يحررق قلبك زي ما حرقت قلوبنا "
تجعله يكاد يهوي من فرط جزعه بأن تستجاب دعوتها ..
و كأن قلبه لا يحترق الآن !!
و كأنه لم يترمد وهو يجبره على توقيع صك طلاق ابتهال ثم الذهاب بنفسه و احضار ابنته إليها ..
هو لم يفقد وطنه فقط ..
بل فقد ايضًا المواطن الصغير الذي يجعله يزهر و يزدهر ..
و الآن قد خرج خال الوفاض ..
لا يملك قوت دفء يشعل به أوصاله ..
لا شيء لديه مطلقًا كي يدثر به أيامه الخاوية..
ليس لديه سوى الحقائب المليئة بالآمال الخائبة ..
و الوعود المنقوضة ..
و الوميض الزائف الذي قد خفت و انطفأ بعد ما كان ..
،
ذلك اليوم ..
و بعد أن عادت إلى بيت أمها ..
وجدت اخيها هناك بعد انقطاع شهور لم تراه ..
شعرت حينها و كأن القدر قد ارسله إليها ..
و بأن الله قد علم بحاجتها إلى صدر يتحمل فيضانات قد اندلعت بداخلها ..
هرولت إليه و ألقت بجسدها بين ذراعيه فتلقفها بترحاب و حنان ابوي ..
حنان كانت بأمس الحاجة إليه ..
حينها فقط بكت كما لم تبكِ يومًا ..
بكت حتى تراخت بين ذراعيه فاقدة للوعي من شدة ضغط مشاعرها ..
و آخر ما سمعته هو صرخة أمها المفجوعة باسمها ..
و تسميته الخائفة عليها ..
تهاوت بين ذراعيه دون حول ولا قوة ..
و حين استيقظت وجدت نفسها على سرير ابيض في المستشفى ..
موصول بيدها محلول مغذي ..
وقد شخصت حالتها بانخفاض شديد في الضغط ..
عادت بعد ذلك إلى بيت أمها بإنهاك شديد ..
و دوار لازمها لعدة أيام ..
عدة أيام لم يختفي من أمام عينيها ما حدث ..
و لأول مرة ترى ذلك الوجه الوحشي من يوسف ..
وجه جعلها تخرج من شرنقة البرود ..
كم هو موجع ما حدث ..
لا زال حتى الآن و بعد مرور ثلاثة اشهر كاملة يترائى لها ..
تسمع بداخلها صدى صرخاتهما ..
ما حدث لم يؤلم ابتهال فقط ..
بل جميعهم ..
كان ينبغي عليهم الثلاثة التوقف إلى هذا الحد ..
دون أن يؤذوا بعضهم اكثر ..
و هي لم تستطع محو ما حدث .. او تجاهله ..
لم تستطع أن تغفر ليوسف ما فعل .. وما رأته ..
تعلم بأنه هناك سبب لما حدث ..
ولا تريد معرفته ..
فهي لم تعد تعلم من الظالم و من المظلوم بينهما ..
و لو ساق لها جميع تبريرات الأرض ..
لا شيء يشفع له بعد ما كان منه من حقاره ..
لا يحق له أن يكسر ابتهال .. و يحطم آمالها هي ..
و ها هي الآن جالسة على سريرها في غرفتها ..
تنتظر خبر منه ..
بعد أن قررت قرارها النهائي ..
لقد استغرقها الأمر ثلاثة اشهر حتى اقتنعت بأن ما حدث ليس بالهين عليها ..
فهي لم تنساه و لو ليوم واحد ..
ولن تستطيع العيش معه وهي تراه بذلك الوجه البشع ..
كما أنها هي لم تعد بحاجة إليه ايضًا ..
فقد عاد أخيها ليستقر معهما بعد أن صدرت له الموافقة على النقل إليهم ..
رنة رسالة جعلتها ترفع هاتفها بقلب خافق ..
كان اسمه يتصدر الشاشة ..
يخبرها بأن الطلاق قد تم .. و بأنه سيصلها الصك في الغد ..
ارتجفت اناملها حتى سقط الهاتف من يدها على مفرش سريرها ..
وضعت يدها على صدرها الخافق وهي تشعر بألم غير محتمل فيه ..
اخذت تفرك صدرها بأناملها ..
مختنقة بعبراتها و قد طفرت دموعها بسخاء ..
همست بصوت راجف وهي ترفع رأسها كي تكفكف أدمعها : يارب اجعله خيرة لي ..
يارب ..
،
يقف بابتسامة واسعة يستقبل مع اعمامه و ابناءهم المدعوين ..
يجاوره يوسف بملامحه المكفهرة ..
التفت اليه بعد أن رحب بأحدهم و قال بابتسامة لم يعد يسيطر على خروجها : روّق يا الحبيب ..
رمقه يوسف بنظرة باردة ثم عاد بنظراته على المدعوين ولم يرد عليه ..
مالت شفتي ناصر بعدم رضا ..
ثم قال باستفزاز وهو يتلاعب بموضع جرح يوسف جيدًا : تدري إن المدام صديقة طليقتك ..
عقد يوسف حاجبيه باستفهام و قال بسخرية : أي وحدة منهن؟
حينها قهقه ناصر بخفوت و قال بسخرية أشد و هو يراقب ملامح يوسف : الثنتين
التفت إليه يوسف بتفاجؤ و سأل بجدية : تقوله صادق ؟
ناصر بابتسامة و نظراته قد تشتت على الحضور : أي بالله صادق ..
بس كنت اقصد ام ريما .. هي اللي صديقتها مرة ..
و اذا موب مخطي ف طليقتك هنا اليوم ..
تعالت خفقات يوسف دون إرادة منه ،،
فـ ها هو شيء آخر يجمعهما ببعضهما ..
شتت نظراته عن عيني ناصر التي تراقبه بخبث ..
ثم قال له بغيظ : اضحك اليوم و بتبكي بكره دام ان زوجتك صديقتهن..
قال ناصر بابتسامة واسعة لا مبالية : ضامنها بجيبي ماعليك ،،
قومك سواد الوجه والا امداها عندك للحين ..
يوسف بضيق وقد عادت ملامحه للتجهم : قفل الموضوع ..
هز ناصر كتفيه و التزم الصمت ..
لم يتبقى الكثير عن انتهاء اليوم لذلك لم يعد هناك من يأتي ..
متشوق لها جدًا ..
مع انهما كادا لا يفترقان في الأشهر الماضية ..
تقربا من بعضهما اكثر ..
وصلا إلى نقطة لا بأس بها في التفاهم ..
و لكنها في الشهر الأخير قد كانت منشغلة جدًا ..
يهاتفها لبضع دقائق في اليوم ..
او يكتفي برؤيتها في المستشفى ،،
لذلك هو متشوق إليها جدًا ..
كما أنه لا يكاد يطيق صبرًا حتى يحتضنها بين ذراعيه ..
و لكنه قبل ذلك يجب عليه أن يحل موضوع ما يقلقه ..
بحث بعينيه عن المنشود حتى تعلقت نظراته على جهة محددة فشد الخطوات إليها ..
وصل إليه بابتسامة هادئة و سأله بهدوء : وش فيكم ؟
عقد رصاص حاجبيه بعدم فهم: وش فينا ؟
ناصر بجدية : انت ودارين .. منتو على بعضكم ..
قطب رصاص بضيق و أجابه بهدوء : شوي مشاكل بس ..
ناصر بتساؤل و شك : بس شوي مشاكل ؟؟
اومأ رصاص برأسه و ابتسم بخفة : صدقني شوي مشاكل بس اختك تكبرها ..
لوح ناصر بكفه بتعجب : هذا اللي مخليني اسأل
صايرة نار محد يحاكيها.. وش قومكم ؟؟
هز رصاص كتفيه بعدم معرفة : علمي علمك .. ماهيب راضية تقول شيء ..
و إن اصريت عليها قالت اني ادور للمشاكل ..
ناصر بتفكير : يمكنك صدق تدور للمشاكل ..
دايم دارين عندها بعد نظر ترا ..
نظر إليه رصاص باستصغار و لا مبالاة فأردف ناصر بابتسامة : وفر نظراتك و شوف وش بخاطر اختي ..
حالها موب عاجبني ..
و الحين عن اذنك بروح لمرتي ..
تحرك معه رصاص وهو يقول بهدوء : وانا طالع معك .. عندي مشوار ..
خرجا إلى الخارج و تفرقا ..
رصاص اتجه إلى سيارته و تفكير واحد يدور برأسه ..
تفكير قد حان الوقت لتطبيقه على أرض الواقع ..
أما ناصر فتوجه إلى الباب الذي قد اخبرته أخته أن يدخل إليهم منه ..
يرافقه توتره و ارتباكه ..
،
ركب سيارته وغادر
لا زال حديث ناصر عن أخذ ما بخاطر دارين يدور بذهنه ..
لا يعلم ما بها ..
لقد أصبحت لا تُطاق ..
متقلبة المزاج دومًا .. عصبية غالبًا ..
أو نائمة .. تكاد تتعارك مع نفسها لو أتيح لها المجال ..
قلق عليها بشدة .. فهي ليست طباعها ..
و تلك الـ " دارين " التي ظهرت مؤخرًا لا تشبهها البته ..
لا تشبه دارين المرحة دومًا .. و الهادئة جدًا ..
يكاد يفقد صوابه حقًا من متطلباتها الغير معقولة ..
فهل من المنطقي أن تجعله يفيق في السادسة صباحًا و هي تطلب بإصرار
" ابغى ورق عنب " !!
لا يعلم ما الذي دهاها ..
و حالتها ابدًا لم تساعده على اتخاذ القرار ..
فقد قدم طلب بأنه يرغب بالعودة إلى وظيفته ..
و أخذ منها تقرير لحالته النفسية و أرفقه مع طلبه ..
أتته الموافقة بعد أن تقابل معهم ..
و خضع لاختبار مطوّل كي يثبت لهم صحته النفسية ..
ولكنه لم يستطع فعلها حتى الآن ..
بل إنه يجبن بكل مرة يذهب فيها إلى المطار ..
واضعًا زيه الرسمي على المقعد بجانبه ..
ثم ما يلبث أن يتخاذل و يعود أدراجه بجُبن ..
و لكنه اليوم قد قرر اجتياز حاجز الخوف ..
فإلى متى سيتخاذل !!
لقد قرر إما العودة إلى قمرة القيادة ..
أو الانسحاب الكامل ..
فإذا لم يستطع اجتياز حاجز الهلع سينسحب و لن يعاود المحاولة اطلاقًا ..
و ها هو الآن يدخل بسيارته إلى المواقف الأرضية في المطار ..
يحبس أنفاسه مما هو مقدم عليه ..
التوتر يجعل نبضاته تضرب بصدره بقوة ..
بدأ يشعر بالخفقان .. و التعرق ..
و كأنه قلبه سيثب من بين ضلوعه ..
بل يكاد يشعر بألم حقيقي فيه ..
فتح عينيه على اتساعها ..
لا يريد أن تُنهي حيرته نوبة هلع ..
لذلك فتح باب السيارة و ترجل بترنح حتى استند على الباب الخلفي للسيارة ..
اخذ يعب من الهواء بأنفاس طويلة حتى تراخى جسده بوهن ..
بقي على وضعه لعدة دقائق حتى استطاع صلب جسده ..
اغلق الباب بعد أن جذب اشياءه المهمة ..
و تحرك بعزم و إصرار ..
إما منتصرًا .. و إما منتصرًا ..
لا خيار ثالث ..
لن يجعل أفكاره الداخلية المزعجة تخرج إلى السطح فتتحكم به ..
لقد استطاع اجتياز هذه المرحلة من عدم تقدير الذات..
لن يعود إلى تفكيره بأن دارين قد ضاقت منه فأصبحت تتصرف هكذا وهي لا تستطيع قولها له صراحة ..
هو يثق بها و بمشاعرها الصادقة ..
و لكن هذه هي أفكاره الدخيلة و التي ما تفتأ تخرج كل حين ..
مع أن علاقته بها على أكمل ما يكون ..
ولا ينقصه سوى خطوة صادقة تبرهن لها بأنه قد شفي بالكامل ..
و كم يخشى من أن يخذل نفسه قبل أن يخذلها ..
فما يسيره الآن هو رغبته العميقة بالإجتياز..
هناك شغف عميق بداخله كي يعاود التحليق و يحرر نفسه ..
أن يعود كما كان ..
حرًا طليقًا لا يقيده أي شيء..
،
وصلا إلى الفندق الذي سيقضيان فيه ليلتهما ..
بداخله مشاعر متضاربة بشدة ..
توق كبير ..
و حب يشعر بأنه لم يعد يستطيع اخفاءه ..
يجبر نفسه على الركود ..
و تمثيل دور الثقيل ..
وهو يكاد من فرحته أن يأخذها و يدور بها حتى يصابان بالدوار ..
سيفعلها ..
و لكن ليس الآن ..
فهو لن يكتم ما بداخله اكثر ..
لقد بات يعلم بأنها تكن له مشاعر وليدة بداخلها ..
وقد حرص على انماءها أكثر ..
نزل من سيارته بابتسامة واسعة بعد أن رفض أن يقلهما أي احد ..
توجه إلى بابها و ساعدها في النزول بلطف ..
ثم قادها إلى بوابة الفندق الضخمة ..
يده الضخمة تقبض على يدها الرقيقة المزينة بالحناء ..
وبعض الذهب الذي يتلألأ على يديها ..
استقلا المصعد فتركت يده بلطف و توتر ..
حتى وصلا إلى الطابق الذي فيه جناحهما ..
فعاود امساك كفها و مساعدتها للتحرك حتى دخلا ..
حينها فلتت منه تنهيدة شوق ، و لهفة ..
يريد أن يتملّى من ملامحها ..
فـ الدقائق المعدودة التي دخل بها حتى يتصورا لم تروي ناظريه ..
فقد كان متوترًا هو الآخر بسبب توترها الواضح ..
أما الآن و قد اختليا ببعضهما ..
فهو يريد أن يشبع جميع خلاياه بها ..
يريد أن يمتلئ بها حتى النخاع ..
راقبها وهي تخلع نقابها ثم تتبعها بالحجاب ..
و أخيرًا عباءتها الواسعة جدًا والتي لا يعلم كيف حصلت عليها حتى تغطي فستانها بالكامل ..
التفتت إليه بإحراج وقد وصلت إلى منتصف ردهة الجناح و لا زال هو مسمرًا عند الباب يراقب ما تفعله بعينين منجذبة تمامًا ..
التمعت عينيه وهو يرى جمالها اليوم ..
لأول مرة يراها بزينة ثقيلة هكذا ..
كانت دومًا تعتمد وضع الزينة البسيطة و التي تبزر ملامحها دون تكلف ..
و لكنها اليوم و بهذه الزينة الثقيلة أصبحت أخرى " فاتنة " ..
وهو قد وقع بغرامها مئات المرات ..
بكل مرة يراها يحبها اكثر ..
ازداد بريق عينيه وهو يتقدم إليها بخطوات لم ينتبه لسرعتها
إلا عندما حصل على أغرب ردة فعل قد يلقاها أي رجل في ليلة عمره
،,
دمتم بود 🍃
|