كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة السادسة عشر)
الرقصة السابعة عشر
سود الليالي : هيّنه لا تحاتين
إذا على سود .. الليالي عوافي
يخوّفك درب الشقى؟ لا تخافين
لا صرت أنا ماني بموجود خافي
على هواك و سوّي اللي تسوين
أنا بـ وجه الضيم و إنتي خلافي !
إي إضحكي و الحزن خلّيه بعدين
بعدييين لا صار المواصل .. تجافي
،
" آسفة إني خذلتش ، بس مالي سطوة على قلبي "
منذ أن وصلتها وهي تراقبها بحيرة .. ماذا تقصد بذلك !! و لماذا الآن تحديدًا ؟؟
أرسلت لها بتوجس : وش قصدش ؟
راقبتها وهي تكتب ولا تعلم لماذا بدأت تتوتر .. تشعر بأن ما ستقرأه لن يعجبها مطلقًا .. فهي لم يأتها خيرًا منها حتى الآن ، و أن ترسل اعتذارًا مبطنًا كهذا .. و تبقى تكتب بالدقائق فهذا مريب جدًا ..
بدأت كفيها تتعرق وهي تقبض على الهاتف بين كفيها بقوة .. وضعته بجانبها و مسحت كفيها بعباءتها..
ثم أبعدت حجابها الذي كانت قد ارتدته بانتظار وصول ناصر حتى تذهب معه إلى المستشفى ..
فقد اخبرها بأنه سيأتي حتى تخبر السائق كي لا يأتي إليها ..
فتحت الأزرة العلوية من عباءتها و اخذت تهف على وجهها وقد اشتدت قسماته بتوتر ..
نظرت إلى هاتفها نظره حادة عندما سمعت صوت وصول الرسالة ..
اخذته على مهل و فتحته ..
بقيت تنظر إلى ما وصلها بعينين متسعة ..
قرأته بشكل سريع و نبضاتها قد تعالت بانفعال .. تشوشت الرؤية أمام عينيها بسبب الدموع ..
نفثت كلمات حقدها كالسم : حقيييييرة
بقيت تعيد قراءة القصة الدرامية التي وصلتها و اثارت اشمئزازها ..
حذفت بهاتفها بقوة شديدة على الحائط ثم وقفت و ذهبت إلى باب الغرفة ..
اغلقته بالمفتاح و التفتت بعينين ذاهلة ، حائرة ..
نقلت نظراتها في المكان بتشتت ..
تريد أن تفعل أي شيء ..
أي شيء يقلل من الضغط الرهيب الذي تشعر به يعترك بصدرها ..
لم يكن بحسبانها ما قرأته ..
كل ما كانت تفكر به دومًا بأن سهام أنانية و تصرفت بأنانية بحته ، و لكن ها هي تكتشف بأنها ليست فقط أنانية ، بل حقيرة ، و ذات نفسٍ دنيئة ..
يا للسخرية ..
و تريد منها المغفرة !!
بأي وجه طلبت منها ذلك ؟؟
خلعت عباءتها بعنف و تحركت إلى دورة المياه ..
فتحت صنبور المياه و اخذت تضرب به على وجهها بقهر ..
مرة تلو الأخرى حتى تهاوت بجانب المغسلة ..
صدرها يعلو و يهبط بانفعال ..
أنفاسها المضطربة تضرب كفيها التي تغطي بها وجهها .. والكلمات تتكرر برأسها .. تدور و تدور ..
لماذا اخبرتها الآن ؟؟
بعد أن كادت على وشك تجاوزهما ..
لماذا الآن تعتذر و ترفق اعتذارها بسيل من التبريرات الحقيرة ؟
لماذا تخبرها الآن بالموقف الذي حدث بينهما و جعلها تغرق بحب فهد .. لماذا الآن ؟؟
لماذا يصرون على عرقلتها ؟؟ ..
لقد كانت سِهام تعلم بوقتٍ مضى بأنها كانت تكن لفهد المشاعر ..
كأي فتاة طبيعية تكن المشاعر لخطيبها و شريك حياتها المفترض ..
و ليس مبررًا بأنها حين تقدم لخطبتها بأنها لم تعد ترغب به ..
كيف سولت لها نفسها بأن تقع بحبه ؟؟
لماذا هي أنانية إلى هذا الحد ؟؟
لماذا هي مؤذية جدًا ؟؟
ألم يكن من المفترض بها ألا تتعدى الحدود ؟؟
أما آن الوقت حتى تقمع الأنا المؤذية لهم جميعا ؟؟
هل لأنها لم تعد تكن لفهد أي مشاعر بعد تجاهله لها لسنوات يبرر لها وقوعها بحبه و موافقتها عليه ؟
ألم يكن من الأجدر أن تراعيها هي؟؟ ..
فقد تحملت من تبعات أنانيتها الكثير .. ولكنه لم يرضيها حتى الآن ..
لا زلتِ تغترفين من روحي .. لا زلتِ تغرسين مخالبكِ الحادة
في صدري ..
لا زلتِ أنتِ ..
تقترفين الأخطاء فأتحمل تبعاتها عوضًا عنك ..
لم يحدث بأنكِ قد احتملت نتائج أنانيتكِ و سوء طباعكِ ..
و الآن تريدين مني أن أغفر ، و اتجاوز ..
بحجة أنكِ تحبينه !!
أي حب مسموم هذا الذي تتحدثين عنه بكل بجاحة سهام ؟؟
أي حب هذا الذي يجعلك تحذفين رابط الأخوة بيننا ثم
عندما ضجرتِ منه أتيتِ لتطلبي الغفران ؟
آسفة .. و لكنني لن أغفر .. و لن أتجاوز ..
لقد محوتك كما محوتِني من قبل ..
و الجزاء من جنس العمل ..
لم أعد شمعة التي تلملم خلفكِ و تتحمل تبعات اخطائك..
لم يعد والدنا موجودًا كي يعاقبني بدلًا عنك ..
لم أعد بحاجة إلى أن يعطيني أحد مصروفي الشهري
و عندما تخطئين أُحرم منه ..
لم أعد شمعة الأم ، و لست شمعة الأخت ..
لم أعد سوى أخرى لا تشبه شمعة السابقة ابدًا ..
أخرى قاسية لا تعرف اللين ..
ولا تسلك للغفران طريق ..
فلتحترقي بحبكِ سهام ..
فأنا لن أغفر..
نظرت إلى خارج دورة المياه بعينين شاردة وهي تسمع الطرقات
على باب الغرفة ..
رفعت يسارها و رأت الساعة ..
قطبت جبينها بضيق ثم تحركت خارج دورة المياه بإنهاك و ذهبت إلى الباب ..
وقفت خلفه ثم قالت لعمتها بتعب و غصة خانقة : مافيني شيء عميمة .. بس مقدر اداوم اليوم .. احس بإرهاق
عمتها بقلق و حيرة .. فهي قبل دقائق كانت بصحة تامة : وش فيش ؟ افتحي الباب
لا تريد أن تراها عمتها بهيئتها المحطمة فتقلقها أكثر ..
لذلك هتفت برجاء : عميمة برقد .. واذا صحيت بكون تمام ان شاء الله ..
أم حمد بقلق و قد تغضن جبينها : ناصر عند الباب .. يقول متواعدين يوصلش للمستشفى .. و يدق عليش جوالش مقفل ..
وضعت جبينها على الباب بضيق .. كيف نسيت أمر ناصر !!
قالت بعد لحظات برجاء وقد اختنقت بعبراتها المكتومة : قولي له تعبانه و ما بتقدر تداوم ..
سمعت تمتمات عمتها المعترضة ثم خطواتها وهي تغادر فاتكأت بجانبها على الباب بإرهاق ..
بقيت لعدة لحظات ثم اتجهت إلى سريرها ..
تدثرت وقد سُكبت عبراتها حتى غطت بنوم عميق ..
فالنوم هو دائمًا وسيلتها المثلى عندما يعتريها الحزن ..
،
خارجًا ..
أم حمد بابتسامة ودودة تخفي قلقها تحت لثمتها قالت بلطف : تعبانة و تقول بتنام ماهيب مداومة ..
بقلق انتقل إليه من عينيها المتغضنة بتجاعيد تُحاكي سنوات عمرها الستين ، فهو قد تواصل معها بعد صلاة الفجر و لم تخبره بأي شيء ، بل وافقت عندما طلب منها أن يقلها : وش قومها ؟ من ويش تشكي ؟
أم حمد بإحراج شديد ، فهي لا تعلم مابها : أمور النسوان يا وليدي ..
تراجع بفهم و اخفض جفنيه .. قال بعد لحظات صمت : شوفيها إن كانها تعبانة مرة بجيب لها مسكن ..
هزت العمة رأسها برفض ثم أردفت بلطف : قد هي أخبر بعمرها .. أنت توكل على دوامك لا تتأخر زود ..
أومأ بهدوء و التفت إلى الخلف ..
عاد إلى سيارته وهو يراقب الباب الذي اغلق للتو بينه و بين محبوبته ..
لم يقتنع بأنها مُتعبة .. فلو كانت كذلك لماذا تغلق هاتفها ؟؟
لماذا لم تخبره قبل أن يأتِ بأنها لن تستطيع الذهاب معه ؟؟
و لكن كما قالت عمتها .. هي أمور نساء ..
قد تكون محرجة من إخباره فتكفلت عمتها بالمهمة ..
أو أنها مُتعبة بشدة إلى الحد الذي لم تستطع فيه إخباره ..
تغضن جبينه بقلق عندما وصل تفكيره إلى هذا الإحتمال ..
نفض رأسه و كأنه ينفض أفكاره البغيضة على قلبه ..
همس بقلق وهو يغادر : اسم الله عليش ..
،
داخل المنزل ..
التفتت إلى الخلف وقد اشتدت ملامحها ..
فها هي و بعد أن تجاوزت الستين أصبحت تكذب بسبب ابنة اخيها ..
تحركت بخطوات متثاقلة حتى وصلت إلى غرفة شمعة ..
طرقت الباب عدة مرات و لم يصلها أي رد ..
فعادت إلى غرفتها بعدم رضا وهي تضرب كفيها ببعض ..
و تهمس بغيظ : انا قلت مخبولة بس محدن مصدقني
..
ليلًا ..
فتحت عينيها ببطء و نعاس لا زال يغشاها ..
نظرت بخمول إلى الصمت الجاثم على المكان ..
ليس وكأنها قد اعتادت على الإزعاج ..
فدومًا كان الهدوء يكتنف منزل عمتها ..
و لكن شعور الضيق الذي يعتريها يخبرها بأنها قد نامت كثيرًا ..
و بعادة تلقائية مدت يدها إلى " الكوميدينو " بجانبها ..
تحسست عليها وهي تبحث عن هاتفها حتى تعلم كم الوقت الذي استغرقته في النوم فلم تجده ..
عقدت حاجبيها و هي تتذكر ما فعلته صباحًا ..
لقد رمت الهاتف إلى الحائط و انكسر ..
اعتدلت بوضعيتها بكسل ..
تشعر بأن عظامها ستتحطم لو تحركت اكثر ..
تكره هذه الحالة التي تنتابها ..
تنام أكثر من اللازم ثم تستيقظ و قد ازداد شعور الضيق و الخواء بصدرها ..
سحبت جسدها بالإكراه و استقامت ..
نظرت إلى الصمت من حولها مرة أخرى وهي تفكر كم هو الوقت الآن ؟؟
كم صلاة فاتتها هذه المرة !!
تقدمت إلى النافذة و ازاحت الستائر الثقيلة ..
فتحت النافذة فاستقبلها هواء ابها البارد ..
نظرت إلى السماء فكانت معتمة ..
لا قمر ينيرها .. و لا نجم يُهتدى به ..
تركتها مفتوحة ثم تحركت إلى مفتاح الإنارة ..
ضغطت الزر فانتشر الضوء يملأ الغرفة ..
بحثت بعينيها على الأرض حتى وجدت ضالتها ..
اقتربت منه و رفعته بهدوء ..
فحصته بعينيها تقيس مدى الضرر الذي لحقه بسبب غضبها ..
حاولت تشغيله و لكنه لم يستجب فأخرجت بطاقة رقمها ثم تحركت ووضعته على منضدة الزينة ..
فتحت أحد الأدراج و أخرجت هاتفها القديم مع شاحنه ..
شبكته في الشاحن بعد أن أدخلت بطاقتها ..
نظرت إلى ساعة الحائط فكانت تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل ..
زمت شفتيها بضيق اكبر مما يعتمل بداخلها ..
لقد فاتها أربعة فروض لم تصليها ..
تكره أن تتأخر بصلاتها لأي سبب كان ..
ذهبت إلى دورة المياه و توضأت ..
خرجت و هي تنفض يديها من البلل و تقدمت إلى ركن الصلاة ..
مرت من جانب المرآة الطويلة و لم تحاول النظر إلى نفسها ..
فهي حاليًا بأبغض حالاتها النفسية ..
تكره نفسها الآن ..
ولا تحبذ رؤية بشاعة داخلها وهي ترتسم بعينيها و تعكسها مرآتها ..
تقدمت إلى سجادتها و شرعت بالصلاة ..
بعد دقائق طويلة وبعد أن هدأت روحها وقفت و قد أتمت فروضها الفائتة مع قيام الليل ..
قرأت وردها اليومي و ضاعفته تكفيرًا عن تقصيرها ..
دعت بكل ما يجيش داخلها ..
ثم ختمت كل ذلك بـ " آمين " خرجت من أعماقها ..
آمين لكل ما دعوتك يا الله ..
آمين فاغفر لي و تجاوز عني ..
آمين فاشرح صدري و يسر أمري ..
آمين فاجعل دربي واضحًا لا تشوبه شائبة ..
آمين فارحمني و اعفُ عني .. آمين
،،
توجهت بعد ذلك إلى الهاتف ..
فصلته عن الشاحن و عادت إلى سريرها بانتظار أذان الفجر ..
فتحت الرمز ثم اعادت تشغيل اعداداته مع البطاقة ..
لم تكد تدخل رمز البطاقة حتى انهالت عليها الرسائل الفائتة و التي كانت من خدمة " موجود " ..
" موجود خدمة خاصة تنبه المستخدم للخط بعدد المكالمات الفائتة التي وردته عند إقفال الهاتف او عدم وجود أبراج "
تنقلت بينها و كانت اغلبها من ناصر و ابتهال ..
فهي لا علاقات صداقة لها ..
وليست اجتماعية بالقدر الذي سيفتقدها فيه أي احد ..
نفخت بضيق وهي تكتب رسالة إلى ناصر .. ثم إلى ابتهال ..
و تعيد إغلاق الهاتف ..
و لكنها قبل أن تفعل وصلها رد من ناصر ..
قطبت حاجبيها بضيق أكبر ..
لم تعتقد بأنه مستيقظ ..
و لا تريد أن تتواصل معه وهي بحالتها النفسية هذه ..
و لكن عدم ردها فيه عدم احترام واضح .. لذلك أجبرت نفسها على الرد ..
فقد كان يسأل عن حالها ..
و عما إذا كانت تشكو من سوء و تريد أن يأتِ لأخذها إلى المستشفى ..
لم تفهم مقصده و لكنها قد استشفت بأن عمتها قد تعللت له بأنها متعبة ..
اخبرته بأنها لا تشكو من شيء و لكن هاتفها قد انكسر فقط ..
وضعت هاتفها بعد ذلك بجانبها عندما لم يصلها أي رد ..
شردت بعينيها إلى سقف الغرفة ..
لن تجعل ما حدث صباحًا عائقًا لها ..
لن تطاوعهم و تنجر خلف مشاعر مشتته لم يعد لها أي قيمة الآن ..
ليس لفهد أو سهام أي معنى بحياتها بعد الآن ..
و لولا خوفها من الله بسبب قطع الرحم و إلا كانت قد حذفتهم من حياتها بالكامل ..
تجهل مقصد سهام مما أرسلت ..
فهل تريد اثبات أن حياتها مع فهد تسير بشكل جيد ؟؟
أم تخاف أن يفتنها الشيطان مثلًا فتغوي فهدًا !..
أم تخاف من أن يعود فهد لملاحقتها فتريد أن توضح لها بأنه ملك لها هي ؟؟
شخرت بسخرية .. فـ على ماذا تخاف سِهام ؟؟
و على من تخاف !!
هي لا تفهم هذه الحركات و المؤامرات الخفية ..
و ليست بالمزاج المناسب لها ..
اطبقت عينيها بخشوع عندما ارتفع صوت الأذان من مكبرات مسجد الحي ..
اخذت تردد خلف المؤذن حتى انتهى و اتبعته بالدعاء ..
بقيت للحظات على هيئتها الساكنة ثم استقامت و توجهت إلى ركن الصلاة الذي لم تفارقه سوى لأقل من ساعة ..
كبرت و بدأت صلاتها و هي تحارب وساوسها ..
كبرت وهي توقن بأن الصلاة ستسحب منها ما تبقى من مخلفات الأمس ..
الله اكبر من كل شيء ..
فهل يعجزه هم قد سكن بصدرها و استراح !!
انتهت من صلاتها بعد دقائق و قد شعرت بأنها تتنفس حقًا ..
اضطجعت على سجادة الصلاة براحة شاسعة و دون شعور غطت بنوم عميق ..
لم يوقظها منه سوى اشعة الشمس المسلطة على وجهها ..
و الألم بجسدها بسبب قسوة الأرض ..
و رنين الهاتف الملحّ ..
بل هو ما جعلها تضيق و تستفيق ..
اعتدلت بجلوسها و قد اطلقت تأوه من بين شفتيها ..
خلعت اسدال الصلاة و طوته جانبًا بعد أن طوت السجادة ايضًا ..
تحركت بضجر بعد أن عاود الهاتف الرنين بصوته العالي المزعج ..
استلته بعنف تريد معرفة المزعج ..
و لم يكن سواه ..
زفرت بضيق .. لا تريد أن تبرر لأي احد حالتها ..
و بالتأكيد سيسأل عن تغيبها اليوم ايضًا .. وهي لا طاقة لها بالحديث ..
فتحت الخط عندما اوشك على الانقطاع .. هتفت بهدوء : هلا
ناصر بهدوء مماثل و بمباشرة : هلا بش .. افتحي لي الباب ..
عقدت حاجبيها باستنكار : أي باب !!
بذات هدوءه : باب بيتكم .. انا برا ..
اتسعت عينيها بفجعة .. ما الذي أتى به الآن !..
و بتلقائية نظرت إلى هيئتها المزرية في المرآة الطويلة المقابلة لها ..
شهقت عندما رأت حالها فسألها بقلق : وش فيش !!
بتوتر و قد بدأت بتهذيب هيئتها فعليًا : آ آ لا لا ولاشيء .. الحين افتح لك ..
سمع صوت الضجة قبل انقطاع الخط فنظر إلى هاتفه بتعجب ثم اعاده إلى جيبه الجانبي ..
مال بجسده على مقدمة سيارته وقد عقد ذراعيه على صدره بانتظارها ..
بعد دقائق طالت رأى الباب وهو يفتح بشكل خفيف فاعتدل بوقوفه و جذب من جانبه كيس بداخله صندوق صغير و أنيق قبل أن يخطو إلى الباب ..
دفعه بخفة ودخل ..
نظر إلى المكان الخالي منها بتعجب ..
أين ذهبت !!
ألم تفتح له الباب للتو !!
لم يطل تعجبه فقد خرجت بعد لحظات بتلكؤ و توتر ..
ضيق عينيه من اشعة الشمس المسلطة على الحوش و راقبها وهي تتقدم إليه ..
احنى قامته قليلًا عندما وصلت إليه تسبقها رائحتها الباردة ..
بعد سلام خد خفيف وتبادل الحال أشارت له على المجلس الداخلي للرجال حتى يدخلا ..
أشار لها أن تتقدمه فتقدمته بخجل وهي تشعر بنظراته المسلطة عليها ..
كان ينظر إلى هيئتها البسيطة .. بفستان بيتي بسيط يناسب الصباح ..
ابيض تتخلله بعض الورود الصفراء الصغيرة ..
بشعر مرفوع كذيل حصان يتراقص على كتفيها عندما تتحرك ..
و ملامح صافية سوى من بعض الزينة الخفيفة التي تكاد لا ترى ..
و لكنها لشخص مثله قد تملّى بتفاصيلها حتى الثمالة تُرى و بشدة ..
التفتت إليه عندما دخلا و هتفت بإحراج : تفضل ناصر .. شوي و اجيب القهوة ..
هز رأسه بنفي و أردف بهدوء يحاول سبر أغوارها : متقهوي و خالص .. لا تعنّين نفسش
" تعنين من العناء "
قطبت حاجبيها باعتراض و عندما همت بالكلام قاطعها وهو يمد يده إليها ..
نظرت إلى يده التي تحمل كيس أسود مزخرف باللون الذهبي ..
بتلقائية مدت يدها و هي تتساءل : وشهو ذا !
ابتسم بتلقائية على سؤالها الـ " فاهي " و أجاب بابتسامة أوسع : هدية ..
تضرجت وجنتيها وهي تستوعب سؤالها الذي اقل ما يقال عنه " غبي " ..
اومأت بإحراج و قالت بصوت خافت : تسلم لي ..
قال بهدوء و ابتسامة تائقة : الله يسلمش .. ما بتفتحينها ؟
اومأت بارتباك و اشارت له بالجلوس عندما استوعبت بأنه لا زال يقف حتى الآن ..
و لكنه رفض بحركة من رأسه ..
انحنت و وضعت الكيس على الطاولة ثم فتحته و تناولت الصندوق الصغير ..
فتحته فوجدت هاتف جديد يتربع بالنصف و تقبع على كلتا جانبيه صف من الورود البيضاء الصغيرة ..
رفعت عينيها إليه فقال بابتسامة حنونة : عشان جوالش اللي انكسر ..
اسدلت جفنيها بتأثر لا تريده أن يلاحظه ..
التفتت إلى الطاولة التي يقبع عليها الكيس و انحنت لتضع الصندوق بجانب الكيس ثم اعتدلت بوقوفها و نظرت إليه نظرة لم يفهمها ..
فاجأته بعدها بحق وهي تقترب منه اكثر حتى أصبحت ملاصقة له و احتضنته ..
عقدت كفيها خلف عنقه و هي تشد جسدها عليه فرفع يديه و احتضنها بالمقابل ..
شدها إليه اكثر وهو يفكر بتعجب ..
ما بال ردة الفعل هذه المناقضة لها ؟؟
هل للهرمونات دور بذلك !!
أم انها هي من احتضنته بكامل قواها العقلية ..
سمعها تهمس بخفوت : شكرًا ..
بهمس و تأثر من احتضانها المفاجئ : لا شكر على واجب ..
ابتعدت عنه و حاولت دفع جسده و لكنه شد عليها اكثر و قال بتساؤل ماكر : على وين !!
همست بإحراج و قد اصبح وجهها مقابله تمامًا : فكني ناصر
بابتسامة واسعة و عينين لامعة : ظنتي قد انتي خابرتني زين .. ما بخلّيش الا اذا عطيتيني شيء ..
بإحراج اكبر و هي لم تمانع حقًا بقاءها بين ذراعيه : موب وقته ناصر ..
يمكن يدخل علينا أي احد الحين ..
اتسعت عينيه بدهشة و قال بشك : تمزحين ؟
عقدت حاجبيها بعدم فهم و هزت رأسها بالنفي ..
قال بشك أكبر وهو يضيق عينيه و يركز على عينيها : انتِ متأكدة انش غبتي امس عشانش كنتي تعبانه ؟؟ والا فيه شيء ثاني ؟؟
أجابته بعدم فهم : ما فهمت عليك ناصر ..
ارتفع حاجبيه بتعجب حتى كادت تلتصق بمنابت شعره ثم تكلم موضحًا : عميمتش أم حمد عند امي من الساعة سبع ..
و اخيش عيسى مستلم من امس .. مين اللي بيدخل علينا ؟؟
زمت شفتيها بتوتر و قد ارتفعت سبابتها و الوسطى بتلقائية لتفرك صدغها بصمت ..
ضغط على جسدها اكثر و قال بتساؤل : وش فيش صدق ؟
بدون عذر انش تعبانه لأن ماعاده مقنعني ..
زمت شفتيها اكثر ثم رفعت عينيها إليه بتردد فقابلتها عينيه الصارمتين ..
اسدلت جفنيها بصمت ولا زال ينتظر اجابتها ..
ردت بخفوت و احراج : كنت نايمة ..
بعدم تصديق : من امس ؟؟
اومأت برأسها و هي تحاول تفكيك عقدة ذراعيه خلف ظهرها ولكنه شدها بإصرار حتى شعرت بعظام صدره تؤلمها ..
هتفت بتأوه : عورتني
بلا مبالاة : عشان تبطلين تبعدين يديني عنش .. خليش كذا ..
زمت شفتيها باعتراض : تعبت وانا واقفة .. ابغى اجلس ..
ببرود مستفز : هذاني واقف معش .. يعني موب انتي بلحالش اللي واقفة ..
هزت رأسها بموافقة و قالت برجاء : اوكي خلنا نقعد ..
هز رأسه بالنفي و أجاب بتوضيح : ماعندي وقت .. مستعجل ..
ابتسمت بتفكه ثم أردفت بسخرية : يعني وانت واقف تعتبر مستعجل بس اذا قعدت بتتأخر ؟
اومأ بابتسامة هو الآخر و قال بتوضيح : اذا قعدت باخذ راحتي بس اذا قدني واقف بتذكر كل شوي إن وراي دوام ..
اومأت بفهم فقال بتساؤل يعيدهم إلى صلب الموضوع الذي يشغله : ما جاوبتيني ؟
عقدت حاجبيها بتساؤل فأردف : نمتي امس كله ؟
هزت رأسها بإحراج و أوضحت : نمت من الصباح لين ثلاث الليل و صحيت ساعتين و رجعت نمت بدون ما احس لين صحاني الجوال وهو يدق ..
تعلقت عيناه على ملامحها عندما صمتت ..
بقي يتأملها بصمت أثار تعجبها فقالت بتساؤل : وش فيك تناظرني كذا ؟
تكلم بهدوء و لا زال يتفحص ملامحها بعينيه يبحث عن أي اثر للنوم : تقولين نمتي يوم كامل و زدتي عليه ربع من اليوم الثاني ..
و المفروض وجهش منفخ و عيونش منفخة بس ماني قاعد اشوف شيء ..
كأنش صاحية من ساعات موب توش من نص ساعة او حولها ..
نظرت إليه بفجعة و هتفت دون تفكير : قول ماشاء الله ..
هز كتفيه بلا مبالاة : ما بحسدش استريحي ..
بإصرار وقد ارتفع حاجبها بـ شر : ما يحسد المال الا راعيه ..
قهقه بخفوت و ارتفعت يديه من خصرها إلى عنقها ..
جذب رأسها إليه و أخذ يقبل كل إنش بوجهها بفوضوية وهو يكرر : ماشاء الله ، ما شاء الله ..
هتفت باعتراض و هي تحاربه بكفيها : باااس ناصر عورتـ...
اختفت باقي كلماتها بين شفتيه .. اخذ يقبلها بنهم ، بشوق ..
بجميع المشاعر المهتاجة بصدره منذ أن رآها تقبل عليه و الشمس تنيرها ..
يقبلها بكل الفوضى التي عاثت بداخله منذ احتضانها الرقيق له ..
يقبلها و هو يحارب نفسه ، و قلبه ..
وعندما لم يعد يحتمل قربها اكثر أفلت شفتيها بهدوء ..
وضع جبينه على جبينها و هتف بانفاس متحشرجة : ماشاء الله ..
ابعد جبينه و طبع شفتيه بدًلا عنه على جبينها ..
قبلها برقة ثم ابتعد عنها و أردف بصوت ثقيل : يللا رايح الحين ..
اتواصل معش بعدين ..
اومأت بصمت و تبعته إلى الخارج ..
راقبته وهو يغادر بعد أن لوح لها بكفه مودعًا ..
ثم عادت إلى المجلس و اتجهت الى الطاولة ..
جذبت الصندوق و وضعته في الكيس ..
عادت إلى غرفتها و قد ارتسمت على شفتيها ابتسامة هادئة ..
فـ ناصر كما يقال " جبر خاطر " ..
بحق و حقيقة..
،
ماضِ
الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل ..
و لا زالا يتسكعان بصخب ولا مبالاة ..
كانا يتنقلان بين الأحياء على قدميهما .. فلا يملكان حتى الآن أي سيارة ..
ولا يسمح لهما بالقيادة مع أنهما منذ أشهر قد تجاوزا السن القانوني ..
و لكن أوامر والديهما واضحة ..
عندما تتخرجان من الثانوية العامة ستكون هدية نجاح كل منكما سيارته الخاصة ..
لذلك كانا يخرجان بعد صلاة المغرب حتى تعانق عقارب الساعة الثانية فجرًا ..
بحجة أنهما يستذكران دروسهما ..
و لكنهما اليوم قد انتهيا من آخر اختبار في الثانوية العامة فلم يعودا إلى منازلهم احتفالًا بخلاصهم من الثانوية و انتقالهم إلى المرحلة الجامعية و التي يتشوقون إليها جدًا ..
كانا بأحد الزقاق التي تخرجهم مباشرة على محلات الذهب التي تتمركز في منتصف المدينة ..
قبض يوسف على ذراع صالح بقوة و اعاده إلى الخلف وقد اتسعت عيناه وهو يرى ما يحدث أمامهم ..
هتف صالح بنرفزة : خيير وش فيك تسحبني كذا ..
وضع يوسف سبابته على شفتيه بـ " أوووووش " هامسة و أشار له على الأمام ..
التفت صالح و كادت أن تفلت منه شهقة حادة كتمها يوسف بيده قبل أن تفلت و تفضحهم ..
كان هناك أشخاص ملثمون و يحاولون فتح قفل باب محل الذهب أمامهم ..
بقيا يراقبان ما يحدث بأعين مشدوهة ..
لا يُكاد يسمع لهما نفس حتى ..
و الصمت المخيم على المكان قد أدخل رهبة في صدورهم ..
لا يقطع الصمت سوى بعض الشتائم الهامسة التي تصلهم بسبب قربهم من المكان ..
اتسعت اعينهما بدهشة و قد انفتح باب المحل و دخلوا جميعهم إلى هناك يحملون بين أيديهم أكياس قماشية سوداء ..
همس صالح بانفعال حماسي بشتيمة بذيئة جعلت يوسف يقهقه بخفوت واستمتاع ..
ما حدث بعدها كان كالحلم ..
فقد حدث كل شيء بسرعة مهولة ..
من صوت صافرات الشرطة إلى هروب اللصوص من بينهم و دفعهم على الأرض ..
نظرا إلى بعضهما بذهول و الصوت الذي يأمرهم بالإستسلام و وضع ما بيديهما قد جعل الادرينالين يرتفع بهما ..
فقد وقفا بسرعة خاطفة و اخذا يهرولان دون الإلتفات إلى الخلف ..
لا يقطع صمت الليل سوى صوت خطواتهم المتسارعة ..
و بعد مسافة طويلة وقف يوسف وصدره يرتفع و ينخفض بتسارع ..
جثى على ركبتيه بمحاولة لالتقاط أنفاسه ..
التفت إلى خلفه بريبة عندما لم يسمع صوت انفاس أي احد ..
اتسعت عينيه بفجعة وهو لا يرى صالح .. ولا يرى أي اثر له ..
فعاود الوقوف و استمر بالركض بخوف كبير و رأسه يدور بدوامة كبيرة ..
أين اختفى صالح وهو كان خلفه !! ماذا حدث له ؟؟
كيف لم يشعر باختفاءه ؟
هل قبضوا عليه أم انه قد سلك طريقًا آخر غير الذي سلكه هو ؟ ..
استمر بالركض و قد بدأت عينيه تذرف دموع هلعه ..
لم يعد يشعر بقدميه..
اصبح يتعرقل من شدة تعبه ..
و مع أنه متيقن من أنه قد نجى ولا أحد يلاحقه و لكنه استمر بالركض يسيره فزعه ..
حتى جثى على ركبتيه و أخذ ينشج بصوت عال وهو يرى المكان الذي اصبح فيه ..
لقد كان على الطريق السريع الذي يربط ابها بخميس مشيط ..
وقد ابتعد كثيرًا عن بيته و لم يعد له أي طاقة للرجوع أو حتى الوقوف و التأشير لأي سيارة كي يعود ..
اخذ يمسد قدميه وهو يئن بوجع ..
جميع مشاعر الخوف و القلق قد استقرت بقلبه ..
و فكرة وحيدة تتربع على ذهنه المتعب ..
أين أنت يا صالح ؟؟
،
متمددة على السرير الخاص بالسونار ..
كاشفة اسفل بطنها بانتظار الدكتورة ..
لحظات و ظهرت أمامها بابتسامة عملية بسيطة ..
وضعت المادة اللزجة على اسفل بطنها ثم أخذت الجهاز و بدأت عملها ..
تعلقت عيني سهام في الشاشة الكبيرة أمامها ..
تراقب ما تفعله الطبيبة بهدوء تام و صمت ..
كانت الطبيبة تشرح لها ما تفعل ..
و تطمئنها على وضع الجنين و أن كل الأمور بخير .. دون أي تفاعل منها ..
فقط تراقبه و تشعر برهبة في داخلها ..
و رغبة قد قوضتها بقوة وهي أن تضع يدها اسفل بطنها تتحسسه ..
تتأكد للمرة الألف بأن بداخلها روح قد طاب لها المكوث ..
تحاول أن تفهم مشاعرها المتضاربة ..
تريد أن تفهم هذا الشجن الغريب الذي لم يفارقها منذ أن عرفت بأنها حامل ..
هل هذا الشجن هو ارتباط نبضها بنبض جنينها ؟؟
هل هو صلتهم الموثقة ؟؟
هل هذا هو رباط علاقتهم ؟؟
جاهلة هي بهذه الأمور ..
و لكن ما هي متيقنة منه بأنها قد ارتبطت روحيًا و عاطفيًا بهذا الكائن الصغير ..
هذا الذي لا يكاد يزن شيء ..
نظرت إلى الطبيبة عندما انتهت و ناولتها بعض المحارم كي تمسح المادة اللزجة ..
رتبت هيئتها بعد ان استقامت و عاودت تثبيت حجابها ..
جلست أمام الطبيبة بانتظار انتهاءها من كتابة الوصفة الطبية و بعض النصائح التي عليها اتباعها ..
ثم تدوين موعد زيارتها القادمة ..
خرجت بعد ذلك بسكون عجيب ..
قابلتها زوجة والدها في انتظار النساء خارج العيادة ..
اخبرتها بأنها انتهت ثم خرجتا من هناك ..
لقد أصرت زوجة والدها على القدوم معها عندما علمت بأن لديها موعد ..
و كم هي ممتنة لها لأجل ذلك ..
فقد كانت بحاجة ماسة للرفقة .. لأحد يشعرها بإنها ليست وحيدة ..
هذه الأيام تشعر بيتمها أكثر من أي وقت مضى ..
فقد افلست من الأحبة .. لم يتبقى لديها أي احد ..
اوقفتها عمتها وهي ترى أحد الأطباء قادمًا ..
سألت بتعجب : وش فيه عمه ؟ ليش وقفتي ؟
زوجة والدها بهدوء : هذا زوج شمعة .. ابغي اسلم عليه و اعزمه عندنا كوده يرضى
" كُودَه ، أي من الرجاء .. أرجو أن يرضى ، أو أتمنى أن يرضى و يوافق .. وهي تنطق بالضم الخفيف"
التفتت سهام بفضول و ركزت بنظراتها عليه ..
هذا هو إذًا ناصر ..
هذا هو من قال عيسى بأنه العوض الكبير لشمعة ..
لم تكد تنظر إليه حتى تراجعت إلى الخلف بتوتر عندما التفت إليهن ..
يبدو بأنه قد شعر بنظراتهن المركزة عليه ..
لحظات و رأته قادمًا بعد أن استأذن من المجموعة التي كانت معه ..
فقالت لزوجة والدها بسرعة : انا بنزل لتحت انتظرش ..
وانتي خلصي حكي معه و دقي علي عشان اجيش ..
لم تنتظر ردها وهي تمشي بسرعة قبل أن يصل إليهن ..
التفت و ناظرها بتعجب و استغراب ثم عاد بنظراته إلى المرأة الواقفة أمامه ..
قال بهدوء و مهنية و هو لم يعرفها حتى الآن ..
فلم يلتقِ بها مسبقًا : آمري يا خالة .. بغيتيني ؟
أم عيسى بإحراج وهي تعرف عن نفسها : أنا أم عيسى اخو شمعة ..
اما عند سهام في الأسفل ..
فقد أخرجت هاتفها و انتقلت إلى برنامج الواتس اب ..
كما هو دأبها منذ الأمس ..
منذ أن أرسلت اعتذارها إلى شمعة وهي تنتظر ردها ..
لم يأتها أي رد حتى الآن ..
لقد اعتذرت برغبة صادقة ..
تقسم بأنه ليس بنيتها أن تكدر حياة شمعة أو أي من هذا القبيل ..
لقد اعتذرت بصدق و افضت بكل مكنوناتها علها تشفع لها و إن بالقليل ..
و لكن كما يبدو فإنها لم تفعل ..
فهي لم تلتقِ أي رد منها حتى الآن ..
و موقنة هي بأنها لن تجد أي رد بعد الآن ..
لا تعلم ماذا تفعل حتى تغفر لها شمعة ما فعلته بكل صلف ولا مبالاة ..
تنهيدة مثقلة فلتت منها ..
لقد انفرطت خيوط حياتها و لم يبقى لديها أي شيء تتشبث به سوى نفسها ..
بداخلها ركود ولا تشعر بأي رغبة لتغيير وضعها ..
فقد كانت هي المبادرة دومًا ..
و لم يعد لديها أي طاقة لفعل ذلك ..
استقامت وهي ترى عمتها قادمة .. تحركت إليها حتى وصلت أمامها ..
سألتها بهدوء : هاه رضي ؟
هزت ام عيسى رأسها بالرفض : لا والله يقول ما يمديه اليوم و إن شاء الله يمرنا بيوم ثاني ..
أومأت بفهم و تحركت معها إلى خارج المستشفى بصمت ..
صمت لم يشي بما قد علق بداخلها من فوضى
،
واليوم وصلت بيننا مثل الاجناب
ذاك الغلا يا ضيعته يا سفابه
باكر إلَا جينا لهم مثل الاغراب
من عقب ما كنا الاهل والقرابه
الامر لله كل شي له أسباب
والا الهوى وش لي على هج بابه
يدندن بانسجام تام حتى استوعب الكلمات جيدًا فأغلق مسجل السيارة بعنف و غيظ ..
لن يصل مع ابتهال إلى هذه النقطة ابدًا ..
لن يُفلتها ..
هو يجاريها فقط .. حتى تهدأ روحها و تستكين ..
فـ " اصلاح ذات البين " يعلم تمامًا و يقينًا بأن جميع اعذار ابتهال لن تفلح معهم ..
فـ هم سيرون بأنها تأخذ جميع حقوقها ..
و ما دامت لم تفلح معه اتهاماته لها بأنها قد سافرت دون إذن منه و ما تبع كل ذلك ..
فهو سيلبس ثوب الحمل الوديع ..
سيصبح أمامهم الزوج المناضل ..
و الذي جعل زوجته تسافر من اجل اكمال دراستها ..
و لم ينقص عليها بالنفقة ..
و ترى ابنتها دومًا ..
و يبقى لديها " زواجه من أخرى " و التي سيرونها حق من حقوقه الشرعية ..
فهي ليست معه كي تلبي احتياجاته ..
و كما يقال " عزوبي دهر ولا أرمل شهر " ..
فـ زواجه شيء طبيعي جدًا ..
و هكذا اصبح كلا الطرفين متنازلين ..
هو تنازل لها و ارخى طرفه فحلقت و حققت طموحها ..
وهي تنارلت عن حقها فيه فتزوج أخرى .. و لا يهم من تكون الأخرى ..
ابدًا لن يُفلتها و لو اضطر إلى تلفيق التهم حتى تعود ..
او سيصبح قيس زمانه و ينشئ لها الدواوين ..
فلا يُلين قلب الأنثى سوى اللطيف من القول ..
قد يصبح عنترة ، أو جميل بثينة ..
سيتغزل بها حتى تكاد عظامها تنصهر من دفء مشاعره ..
و لكن جُل خوفه أن تكون نهايته كما كانت نهايتهما ..
أحدهما مجنون .. و الآخر قد مات مغتربًا مكتويًا بنار العشق ..
،,
دمتم بود 🍃
|