الرقصة الرابعة عشر
،
"عليك الله وأمانه، مرتوي قلبي من الخذلان
لا تجبرني على ممشى طريقٍ خابر أشواكه"
،
دخلت إلى شقتها بالطابق الثاني
فهي كانت تنام مع أمها في الشقة العلوية ..
منذ يومين قد اخبرها بأنه سيذهب برحلة عمل و قد كانت حينها عند والدتها فنزلت بسرعة كي تدركه و لكنه كان قد غادر ..
لم تراه و لم تشبع عينيها من تفاصيله ..
لم تقرأ بعينيه ما هو مقبل عليه و كيف سيكون دورها القادم ..
لم ترى سوى بضع من ملابسه ملقاه بعشوائية على السرير الذي قد جمعهم لسنوات ببروده المغيظ ..
ادركت حينها بأنه قد أعد له حقيبة صغيرة يأخذها دومًا عندما يضطر للسفر ..
و لكنها لم تخدع هذه المرة ..
بل شخرت بمرارة ..
لن يسافر و يترك ابتهال بأول أيام عودتها ..
بل قد يكون ذهب معها لعدة أيام ، و أراد بلطفه الزائف ألا يجرحها ..
ابتلعت غصة خانقة و هي تدفع باب غرفة النوم فهي قد أتت لتجلب بعض اشياءها الخاصة ..
جذبت ما تريده و وضعتها بحقيبة قماشية صغيرة ..
فيبدو بأن جلستها ستطول لدى والدتها وهي لن تأتِ كل يوم كي تجلب اشياءها ..
تهاوت بعدها على السرير بضعف و قهر ..
وقد تكومت بحلقها عبرات ابتلعتها بقسوة فشعرت بحلقها يتضخم ..
لم تستطع التقاط أنفاسها فتنشقت بعنف كي تجلب الهواء إلى صدرها ..
تتابعت تنشقاتها القصيرة و قد تدلت من عينيها دمعة ثقيلة
مثخنة بالغيرة ، القهر ، و كثير من المرارة ..
رفعت كفها بقسوة و مسحتها ثم جذبت نفس عميق تحاول به تهدئة أنفاسها المتهدجة ..
تعلم بأنه ليس برحلة عمل كما اخبرها ..
و كما أنها تتابع ابتهال على أحد
برامج التواصل و تجدها منذ ذلك اليوم وهي تقوم بتحميل صور عليها كلام أو ابيات شعرية عميقة ، و غزلية ..
منذ ذلك اليوم وهي تتابع ما تقوم بتحمليه بهوس لا تعلم هل تريد قهر نفسها اكثر أم ماذا !
فيبدو بأن ابتهال لم تصدق بوعدها ابدًا ..
فجميع الصور تحمل كوبين من القهوة ،
او طرف ثوب رجالي تتدلى من بين أصابعه مسبحة فخمة لدى يوسف مثلها ..
منذ يومين وهي تكاد تئن من ألم الخديعة ،
تقول ابتهال بأنها قد خذلتها .. و لكنها هي المخذولة حقًا ..
فها هي تكاد تخرج من حياتهم بخفي حنين ..
لا تجد يوسف ولا قميصه ..
و هي لا تريد قميصه ، بل تريده هو ..
فما تريد بإبن أو ابنه سيكون مصيره التشتت فقط !
لماذا ستقيد نفسها بطفل لن يزيدها إلا وجعًا ؟؟..
و هو لم يعترض ..
و كم يحرقها ذلك ..
فهي لم تخدعه بل اخبرته بصراحة بأنه ستأخذ المانع و هو لم يهتم ،
و لم يعترض ..
بل هز رأسه بموافقة صامتة باردة ..
رفعت قبضة يدها و ضغطت بها على صدرها بوجع ..
كل أيامهم كانت صامتة باردة ..
إلا الأيام التي يثور بها عليها و بسبب ابتهال ..
و كانت تجد متنفسها و تخرج كل غيظها عليه ..
لا تنكر بأنها كانت تنفر منه في البداية بسبب كل ماحدث ..
سواءً معه أو معها وهي تضطر لأخذ زوج صديقتها المتيم بها ..
و لكن بعد مرور أول سنة و بعد عدة مواقف اظهر فيها اهتمامه الكامل بوالدتها بدأت تتقبله ..
و مع أنه كان يهتم بوالدتها و لكن والدته كانت تعاديها ..
فجميعهم ينظرون إليها بنظرة محتقرة ..
فهي بنظر الكل قد طعنت صديقتها من خلفها ..
و استغلت أول فرصة و تزوجت ..
لا أحد يعلم بأن ابتهال قد سافرت دون رضاه ..
و لا احد يعلم بأن ابتهال ليست الحمل الوديع كما يظنون ..
لا يعلمون بشراستها ..
هي فقط من تعلم ..
فهي صديقة الطفولة ..
و صديقة المراهقة ..
و للسخرية فهي ضرتها في الشباب ..
و كأن قدرهن يأبى الفكاك لهن ،
فها هن يشتركن برجل واحد ..
ضحكت بسخرية وهي تستوعب سخافة وضعهن ..
كانت قهقهة حقيقية جعلتها تفلت بعض الضحكات وهي تشد حقيبتها و تقف ..
اتبعتها بزفرة مثقلة ..
إلى أين تذهب بنا يا يوسف ..
إلى أي قارب نسير ؟
و إلى أي شاطئ سنرسو ؟
أعلم بأنك لن تعدل بيننا أبدًا ..
و أخاف أن تأتي أمام الله بشق مائل ..
فمن ستفتلها ؟
هل هي أنا
؟ أم اتعشم باللطف اللذي كنت تقابلني به هذه السنة ؟
هل سينسيك حبها بأن لديك امرأة أخرى ؟
لا استبعد ذلك ابدًا يوسف ..
فأنت غير مضمون ..
و لكنني أيضًا غير مضمونة ..
لذلك سأنتظر ..
سأتابعك و أنت تعيد ترتيب أولوياتك حتى أعلم موقعي جيدًا ..
لن أجعل لك كلمة النهاية يوسف ..
حتى و لو خرجت من حياتك مهزومة ..
و لكنني سأكون منتصرة بعين نفسي ..
و أنت تعلم كم أن كبريائي ثمين ..
فلن أبقى حتى يُداس بسبب حبك لصديقتي .. ابدًا يوسف ..
،
تقف بذهول و هي تسمع كلام زوجة عمها ..
فهد مفقود !
او مختفي ..
لا يهم ..
ما يهم هو أنه غير موجود ..
فقد ذهبتا لزيارته فأخبروهم من الاستعلامات عندما لم يجدنه بأنه قد غادر بعد أن خرج على مسؤوليته ..
كانت زوجة عمها تتهمها بأنها السبب ..
تدعي عليها و على اختها ..
جلست على المقعد خلفها وهي تحدق بالفراغ بعينين متسعة ..
بينما شمعة و التي كانت هي الأخرى لا تزال في منزل والدها مع عمتها تجلس ببرود و دون أن تكلف على نفسها بالكلام و الدفاع عنهن ..
اعتصرت بطنها بخوف و قلق .. أين ذهب !!
و لماذا اختفى ؟؟
لقد خرج اخيها بالأمس من التوقيف لذلك بقيت عمتها و اختها ..
و قد اعتقدوا جميعًا بأن فهد قد تنازل لأنه ابن عمه ..
و لكن ما معنى أن يختفي ؟ لماذا يختفي ؟
كما أنها لا تعلم ماهو مصيرها حتى الآن ..
فعيسى غاضب جدًا و قد اخبرها بأنها لن تعود إلى فهد ..
و لكنها ليست مستعدة بعد للفراق ..
و لا تظن بأنها ستكون مستعدة ابدًا ..
فهي لفهد كما هو لها ..
و البذرة الصغيرة المتشبثة برحمها خير دليل على ذلك ..
إن كان يظن عيسى بأنها ستجعل طفلها يعيش دون أب فهو مخطئ جدًا ..
هي لن تجعله يذوق اليتم و والداه على قيد الحياة ..
ستغضب و تثور و سيفعل فهد المثل و لكن الفراق ليس وارد بينهم ..
كانت زوجة عمها لا تزال تصرخ بحرقة و تدعي و قد اخذت عمتها تهدئها وهي تزيد بثورتها ..
رفعت ركبتيها حتى لاصقت صدرها باحتضان خائف ..
نقلت نظرها بينهم ..
لا أحد يحبها حقًا ..
لا أحد سيثور ليدافع عنها ..
لا احد سيكون سندها و كتف تتكئ عليه ..
هي وحيدة بأنانيتها و غرورها ..
هي وحيدة بعجرفتها الزائدة ..
هي تشعر بكل هذا اليتم و كأن والدها قد مات للتو ..
شددت من احتضانها وهي ترى شمعة تقف بضجر و تتحرك لتغادر بعد أن اطلقت تأفأف وصلهن بوضوح فاشتعلت زوجة عمها اكثر و شتمتها ..
نظرت لها شمعة ببرود و حاجب قد ارتفع بشر ..
تقدمت بخطوات هادئة وقالت بجمود : اقصري الشر و اطلعي .. موب عشان ساكتين لش للحين يعني اننا ما نقدر نرد .. تراه الا احترام لشيباتش موب اكثر ..
ام فهد بحقد و قهر : مالي كلام معش .. كلامي مع اختش اللي ما ارتاحت لين تضاربوا و الحين ولدي الله العالم وينه و هو بخير والا صابه شيء ..
لوحت شمعة بيدها بملل : دام كلامش مع سهام انا ويش دخلني بينكم ! و انتي من جيتي للحين ماغير دعاوي و سب فيني ..
أم فهد بغضب كبير : إنتي سبب مضاربتهم .. والا تحسبينا ما نعرف !
مالت ابتسامتها بسخرية شديدة ثم هزت رأسها بإيماءه متهكمة : اييه قلتي لي تعرفين إن ابنش تعدى على شرف بنت عمه !! و فوق كل ذا جايه شايلة شلايلش و تهاجمين !
ماهوب عيب عليكم ؟ والا هي الوقاحة وراثة عندكم ؟؟
وقفت اخت فهد و هي من التزمت الصمت منذ البداية و قالت بغضب شديد : لااا لهنا وبس .. لا تتعدين بحكيش على امي ..
نهرتهن عمتهن بغضب اشد و قد اشتحن الجو بتوتر خانق : اقطعن الشر كلكن .. انتي يا شمعة هيا تجهزي نعوّد للبيت و انتي يا ام فهد خذي بنيّتش و توكلوا .. فهد كبير و عاقل ماهوب مأذي نفسه ..
ام فهد باستنكار و كره : يعني يرضيش يا ام حمد إن بنت اخوش تطول لسانها علي و انا مرة كبيرة كبر أمها !
حينها هتفت شمعة و قد استرقت النظرات إلى سهام الشاحبة وهي تجلس بسكون مميت : اميمتي الله يرحمها و انتي من بديتي بالغلط و ..
قاطعتها عمتها بحدة : هو انتي توحين ! روحي جهزي نفسش بسرعة و ادحري ابليس ..
رفعت رأسها بإباء ثم هتفت ببرود : رايحة يا عميمة بس قولي لهم إني ماعادني بساكتة لحد يجي يتهجم علي .. هذاني كافة خيري و شري وهم اللي يجوني لين مكاني ..
ثم اشارت على سهام بيدها و بلا مبالاة اردفت :و اذا تبغى حد تطلع حرتها فيه هذا هي زوجة ابنها هناك تروح تطلع حرتها فيها ..
غادرت بغضب شديد ما إن انهت كلماتها ..
لقد استفزها ضعف سهام و جدًا ..
حتى وهي تتصنع البرود و اللامبالاة و لكن لم يخفى على عينها الخبيرة احتضان سهام لبطنها عندما علمت ما حدث ..
و ها هي المسافات تزداد بينهن ..
هي ستبدأ حياة جديدة ، و اختها تحمل بين احشاءها طفل أسفًا أنها خالته ..
و أسفًا بأنه سيأتي و هي تكره والدته مرة و والده مئات المرات ..
أسفًا بأنها لن تكون خالة حقيقية له ..
و مع أن ابتسامة قد ارتسمت على شفتيها ..
و لكن قلبها كان حزين جدًا ..
لم يكن فهد يستحق الشرخ العميق الذي شق طريقه بينهن ..
و أصبحت كل واحدة على الضفة الأخرى و تفصل بينهن سنوات ضوئية من اللاشعور ..
تنهدت بحزن و هي تلملم اشياءها البسيطة ..
حملت حقيبتها و غادرت غرفتها بخطوات بطيئة رتيبة ..
توقفت عندما رأت سهام تستند على الحائط بآخر الممر ..
زمت شفتيها و قد قررت التجاهل ..
و لكن كان لسهام رأي آخر ..
فقد قالت بهدوء خافت : صرتي مرّة قاسية يا شمعة ..
ابتسمت بتهكم و أكملت خطواتها بتجاهل ..
لا تريد أن تتشاجر معها ..
بل تتوق للخلاص من بيت والدها و الخروج ..
تشعر بأنه يكتم على أنفاسها و لكن سهام عادت لتقول : توقعت تدافعين عني جوّه ..
شخرت بسخرية ثم التفتت عليها وهي تكتف ذراعيها على صدرها ،
ببرود قاس : ليه ادافع عنش ؟ بيبي ؟ والا ما عندش لسان ؟
هزت سهام كتفيها ثم قالت بهدوء : ماكنتي ترضين احد يغلط علي ..
زمت شمعة شفتيها تمنع تدفق كلماتها بقسوة .. لا تريد أن تجرحها ..
لقد تعبت و لا تريد الاستمرار بحواراتهن العقيمة ..
اخذت نفس عميق ثم زفرته و هي تقول بجمود : هذاك كان قبيل .. الحين انا لا اعرفش ولا تعرفيني ..
مالت شفتي سهام بسخرية و هي تحرك شعرها الحريري القاتم على كتفها الأيمن فظهر بياض عنقها الطويل : مهما قلتي تبقين اختي و انا اختش ..
ثم اشارت بسبابتها على عروق يد شمعة من بعيد و أكملت : و الدم اللي يمشي بعروقش نفسه اللي يمشي بعروقي ..
مطت شمعة شفتيها بملل ثم هتفت بعباطة : معلومة جديدة .. بدرسها زين ولا يهمش ..
رفعت سهام حاجبها باستخفاف فأردفت شمعة باستخفاف اشد وهي تتحرك و تتجاوزها : اهتمي بمشاكلش يا اختي الحلوة و خلي الباقي عنش ..
نظرت إليها سهام من الخلف ثم ارتسمت ابتسامة صادقة على شفتيها ..
فهذا أطول حوار قد دار بينهن بهدوء من بعد ما حدث ..
تقلصت ابتسامتها و تحركت بشرود و قد عادت يدها لتستكين على بطنها الضامر ..
ترى !
أين أنت يا فهد ؟؟؟
،
تقف في المطبخ تنتظر انتهاء قهوتها ..
تنهدت و شردت بأفكارها ..
من بعد جلستهم الأخيرة قررت تقليل عدد الجلسات ..
تريده أن يتقبل ما حدث اكثر ..
لا تريد أن تضغط عليه بجلسات متتالية فينتكس و يعود لما كان ..
فما رآه مهول ..
و أن يعيد ذلك دون أن يفقد وعيه أو تنتابه نوبة هلع يعتبر انجاز كبير ..
لذلك هي لا تطالبه الآن بشيء ..
بل جعلت له كامل الحرية بما يريده ..
و لم يرد الكثير ..
فهو يعتصرها بين ذراعيه فقط في الليل ..
يتشبث بها بطريقة تجعلها توبخه فيقول لها ببرود : مالش دخل .. مرتاح كذا ..
تعلم بأنه يقاوم اشباحه الداخلية .. و هي فخورة به بحق ..
فهي قد تعمدت في الجلسة السابقة أن تجعله يشاهد الفيديو بدون أن تتدرج معه في العلاج ..
فقد كان من الأولى أن تجعله يقرأ حدث مشابه ،
ثم يسمع صوت لارتطام طائرة ..
و بعد أن يتقبل ذلك يأتي دور المشهد ..
و لكنها اعتمدت على حدسها و تحسنه ..
فهو أقوى بكثير من أن تتدرج معه بعلاج لا يحتاجه ..
و لكن هناك هاجس صغير كان متردد بداخلها ..
صحيح بأن النوبات قد قلّت ،
و الكوابيس لم تعد تزوره كل ليلة كما في السابق ..
و لكن قلقها عليه بعد أن رأته وهو يتهاوى جعلها ترتعب من فكرة انتكاسه ..
و لكنه لم يفعل ..
و ها هو حدسها يصيب ..
رصاص أقوى مما يتوقع ..
هو فقط قد كبله ضميره بقيود الذنب .. لذلك لم يتجاوز حتى الآن ..
و هذه هي معضلتها الحقيقية ..
أن يكون له الإرادة و الإصرار على مقاومة وساوسه ..
فالعلاج يعتمد عليه بشكل كامل ..
هي عليها فقط بأن توجهه ..
أن تزرع بداخله الأمل ..
و تعلم بأنها قد نجحت بذلك ..
لذلك هي تنتظر خطوته القادمة ..
تريد أن تعتمد عليه حتى تعلم أي خطوة تتبعها ..
قفزت بصرخة مرتعبة عندما شعرت بسائل بارد يسيل من عنقها إلى اسفل ظهرها و ينحبس هناك عند حافة بنطالها ..
نفضت ملابسها بغيظ و التفتت إليه بعد أن سمعت صوت ارتطام مكعب الثلج في الأرض ..
قابلها بابتسامة واسعة اغاظتها اكثر فهجمت عليه ..
كبلها ببساطة وهو يضحك بشماته و يقربها إليه ..
قاومته للحظات ثم استكانت بين ذراعيه و قد التمعت عينيها بمرح ..
فهي تعلم ماذا يريد الآن ..
انحنى عليها و هدفه واضح ..
يريد اقتناص شفتيها و قد افلت ذراعيها عندما هدأت ..
كاد يصل إلى مراده و لكنه قفز ايضًا و لكن بدون صوت ..
نظر إليها بذهول : تنغزيني بجنبي !
" أي وكزته بسبابتها بجانبه "
قهقهت بمرح وهي تهرول من أمامه و تصرخ بتشفي : تستاااهل ..
بمرح مشابه وهو يلحقها : ولد ابووووي .. تعااالي
بقيت تهرب منه و كلما اوشك على جذبها انزلقت من بين يديه بمهاره فقال بغيظ : حشششى متأكدة انش دكتوره !! وش ذا التدريب العسكري
ضحكت بتقطع أنفاسها و هي تهتف بإغاظه : قول ماشاء الله لا اطيح و اتكرفس على وجهي الحييين ..
قال بسخرية وقد وقف هو الآخر يلتقط أنفاسه : اهب عليش
أخرجت لسانها بطفولية : و علييييك
باعتراض : لااا زودتيها مرة تنغزيني و مرة تطولين لسانش .. تعاالي هنا ..
تحرك بهجوم فصرخت بفزع و هرولت و لكن طرف السجاد أعاقها فسقطت على الأرض بمشهد مأساوي ..
فهي لم تسقط بل قبلت الأرض ايضًا بسلام " خشوم " جعله يتهاوى مكانه من فرط ضحكاته العالية ..
حاول الاقتراب منها ولم يستطع التحرك ولا زالت قهقهاته تصلها فتحاول الجلوس وهي تمسد أنفها بألم ..
هتفت وقد تجعد وجهها : ما اسااامحك لو انعوج خشمي .. كلّه منك قالب بزر و تلاحقني
اتسعت عينيه بدهشة مضحكة و قال بضحكة فلتت عنوه : هههههه و ميين اللي هربت من البداية موب انتي ؟
وضعت يدها على خصرها بميلان ولا زالت تجلس على الأرض
ساقيها مطوية إلى جانبها و يدها الأخرى تمسد انفها : انت الباادي .. و البادي اظلم ..
ضحك من جديد و اقترب منها ، مد يده إليها و رفعها ..
تعلقت بعنقه و شدت عليه ..
شد عليها اكثر وهو يشعر بأنفاسها تضرب عنقه ..
هتف بخبث : يمديني اعطيش بوسة والا خشمش ما يسمح ..
قهقهت بمرح و قالت بخبث مشابه : حتى لو يسمح مين قالك اني بسمح لك !! شوف كم مصيبة سويت لي بدقايق ..
اعتصرها بين ذراعيه بعنف و هتف بعنف مشابه : احبببببش
تلوت بين ذراعيه بألم و قد وجدت ضحيتها القادمة فغرزت اسنانها بكتفه بقوه جعلته يفلتها و يدفعها ..
قالت بتهكم وهي تعدل من وضع ملابسها و شعرها بعد معركتهم الصغيرة : عصرتني و تقولي احبك ! امحق حب ..
بضحكة وهو يفرك كتفه : محق الله عالعدو .. و احبش بكيفي مالش دخل ..
،
ابتسامة واسعة ترتسم على شفتيه ..
ممتعة بحق ..
كان يعتقد بأنها صارمة و جادة جدًا ..
و ها هو يكتشف بأن لديها أسلوب مرح لا يُقاوم ..
يبقى معها بالساعات على الهاتف ..
و مع أنها احيانًا تقول له بكل ضمير و صراحة بأنها تريد النوم ولكنه لا يتركها ..
اخبرها بالكثير عنه و بادلته بالمثل ..
يشعر بأنه بعالم آخر غير عالمه المعتاد ..
و مع أنه ينغص عليه حال يوسف .. و اعتزاله ..
و لكنه ايضًا لا يستطيع مقاومتها ..
نظر إلى هاتفه عندما وصله ردها و لكنه كان مغايرًا لما قال ..
فقد أرسلت " بسألك عن شيء و تجاوب بصراحة "
رد بمرح خالطه بعض التوجس ، فهو لا يريد لها أن تتطرق حاليًا لموضوع مراقبته لها ،
يريد أن يكسب ودها قبلًا حتى يصارحها بمشاعره : تختبريني ؟
بخبث وصله ردها " اعتبره زي ما تبغى "
اتسعت ابتسامته اكثر و كتب " اسألي "
راقبها وهي تكتب للحظات ثم وصلته صورة مرفقة بكلام جعله يفتح عينيه بصدمة ..
لم تكن الصورة سوى لقطة شاشة لحسابه في " تويتر "
و كان تعليقها هادئ و صريح مثلها و هي تسأل دون مواربة : تحب يا ناصر ؟
شعر بأنه وقع بـ " الفخ " ..
فهو يكتب بحسابه عن حبه ، مشاعره ،
ليس و كأنه كاتب او شاعر ..
و لكنه يقتبس ما يعبر عنه و يشعر به ..
و لديه عدد من المتابعين لا بأس به ..
و ما دامت تسأل عما إذا كان يحب أو لا فبالتأكيد قد قرأت ردوده على البعض و التي اعترف فيها بحبه المستحيل ..
أدهشته بحق ..
لم يعتقد ولو لواحد بالمائة أن تبحث خلفه ..
أرسل لها بدهشة : تراقبيني ؟
لحظات فقط و وصله ردها : مع إنه موب جواب سؤالي ..
بس هذي موب مراقبة .. المراقبة لو تخفيت و اندسيت ..
انا سألتك سؤال عادي و اعتقد انه من حقي .. والا يا ناصر ؟؟
جذب شفتيه و اطبق عليها بأسنانه بغيظ ..
ماذا يقول لها الآن !
فكر للحظات ثم ارسل : ما تشوفين إنه موضوع موب حق جوال ؟
وصله رد بارد و قد شعر بأنه فاشل بالتهرب إذ قالت : ليش تتهرب ؟
رد بهدوء : ما تهربت .. بس ماهوب وقته هالحكي ..
وصله ردها السريع و كأنه قد قرأ انفعالها من سرعة ردودها : متى وقته اجل ؟ اذا موب الحين متى ؟
من حقي اعرف دام اني دخلت حياتك و صرت زوجي ..
ابتسم بشجن .. لو تعلم فقط بأنها هي المعنية ماذا ستفعل ؟
ولكنه لا يضمنها الآن ..
لا زال أمامه طريق طويل كي يستطيع البوح لها ..
عندما لم يرد وصله منها سؤال اخر : انت خذيتني عشان المضاربة اللي بالمستشفى ؟
رد باستهجان و قد بدأ مزاجه يتعكر : تدرين إني بغيتش من قبلها .. لا تقعدين تشككين فيني يا شمعة ..
اللي صار بالمستشفى خلانا نعجل الأمور وبس .
لم ترد للحظات فزفر بضيق .. رفع هاتفه و ضغط على رقمها ..
وضع الهاتف على إذنه وهو يسمع الرنين المتقطع ..
لم ترد فأنزل هاتفه و قبض عليه بشدة ..
اعتدل بجلوسه على سريره و ارسل لها بجفاف : ردي ..
بعناد و انفعال : مارح ارد قبل تجاوب ..
بغيظ شديد : ردي و نتفاهم .. ما ينفع كذا بالرسايل ..
لم ينتظرها حتى ترد و قد عاود اتصاله بها ..
لحظات و فتح الخط و لم يصله سوى السكون التام .. قال بهدوء : شمعة ؟
زفرت و لم ترد فسأل بلطف هو ابعد شيء عنه بهذه اللحظة ،
فأن ينكشف سره بوقت لم يتوقعه جعل مزاجه يتعكر و بشدة : كيف لقيتي الحساب؟
لم ترد ايضًا فهتف بصرامة : شمعة !! احاكيش انا
وصله صوتها باردًا متهكمًا : عاادي .. بحثت و لقيته و انت موب مقصر راز وجهك بصورة العرض كمان ..
ابتسم بضيق ثم سأل مرة أخرى : و ليش بحثتي ؟
ببرود و اختصار ضايقه أكثر : فضول
زفر بحدة و هو يمرر يده الأخرى بين خصلات شعره ..
سألته بانفعال مكبوت : انت تحب يا ناصر .. ردودك تقول كذا .. بس ليش خطبتني إذا تحب ؟
اجابها بانفعال هو الآخر و قد تحكم بصوته حتى لا يعلو و يوضح لها انفعاله : قلت لش ماهوب وقت ذا الحكي الحين .. انا خذيتش و انا مقتنع فيش ف ويش له التدوير من وراي و ذي الحركات ..
اللي ابغاش تفهمينه زين إني ما خذيتش عشان المضاربة اللي صارت بالمستشفى وانتي تدرين اني خطبتش من قبل ..
اما سالفة احب او ما احب هذي راجعة لي و موب من حقش تفتشين من وراي ..
هتفت بحدة : إلا من حقي .. دام اسمي ارتبط باسمك فهو من حقي .. أنا مارح أكون مكان وحدة ثانية و اجي احارب و اضارب على شيء ما اعرف عنه ..
ابغى اعرف ليه خطبتني دام انك تحب ..
أو خلنا ننفصل من الحين احسن قبل نتورط ببعض اكثر ..
وقف بعصبية وقال بحدة و صرامة : صوتش لا يعلى علي .. و انفصال مارح ننفصل .. هذا ترقدين و تحلمين به لأن مارح ننفصل الا على جثتي .. و خلّش من الدوارة وراي ..
إن عندش شيء تبغين تعرفينه اسأليني و اجاوبش ..
خلي الحركات ذي لغيرنا ..
هتفت هي الأخرى بعصبية : سألتك و ما جاوبت !
شخر بتهكم : متى سألتيني ؟ بعد ما رحتي تنبشين وراي ؟
بحدة و قد خفت صوتها : ماا نبّشت .. قلت لك فضول ..
ابغى اعرف عنك اكثر .. ابغى اعرف اللي ما تقوله و تخبيه ..
ومافي افضل من حسابات الشخص الافتراضية ..
دامك نويت تتدخل بحياتي زي ما قلت لي فأنا كمان يحق لي اتدخل بحياتك زي ما ابغى ..
ما يحق لك تعرف عني وأنا ولا اعرف حاجة و كل اللي اعرفه أشياء عادية بس انت تعرف عني كثير لأنك تعرف تسحبني بالحكي .
زفر بضيق و عاود جلوسه و صمت ..
صمتت هي الأخرى تلتقط أنفاسها بعد انفعالها ..
قال بشرود و تفكير : خلي منش قصة حبي ذي و اوعدش بيوم من الأيام اقولش عنها ..
هزت رأسها برفض و كأنه يراها ثم هتفت برفض عميق : لا يا ناصر .. انا ما اقدر استمر اذا ما عرفت .. ماعادني حمل خيبات جديدة ..
زم شفتيه بغضب .. ثم سأل بمهادنة : ايش تبغين تعرفين ؟ الحب و قلتي انه واضح من ردودي اني احب .. و الخطبة قلت لش اني بغيتش من قبل .. فإيش تبغين تعرفين ؟
هتفت بسرعة : ليش خطبتني ؟
بهدوء : لأني بغيتش ..
بتساؤل و غيظ : و هي ؟
مالت شفتيه بابتسامة ثم قال بهدوء : بعدين تعرفين .. ماهوب وقته الحين ..
بفضول : باقي تحبها ؟
تنهد بخفة .. تسألينني هل احبها ؟
و هل من يعرفك يملك شيء غير حبك ؟
نعم احبها .. و مغرم بها جدًا ..
اعد الساعات و الأيام بصبر يكاد ينفذ ..
أنا لا احبها فقط .. بل أكاد أهذي بها ..
اثمن لحظات عمري حين كانت بين يديّ طيعة لينة ..
و بعد كل ذلك تسألين هل احبها ؟
كم هو مجحف سؤالك شمعة ..
مجحف بحق نبضاتي و جدًا ..
وصله صوتها تقول بجفاء قبض قلبه : تذكر إني سألتك و انت ما جاوبت .. لا تجي بعدين تقول نبغى علاقتنا واضحة و صريحة وانت مع أول سؤال قمت تخبّي ..
اطبق جفنيه بصبر ثم فتحها و هتف بخفوت : شمعة !
ببرود : هلا
بابتسامة بسيطة لم تصل لعينيه : لا تاخذين بخاطرش ..
شخرت بسخرية و لم ترد فشتم فضولها بداخله ..
ماذا كان سيضرها لو لم تبحث و اكتفت بما بينهم ..
و لكنه قال بهدوء : صدقيني لو اشوف ان له فايدة إني أقول الحين كان قلت .. فلا تاخذين بخاطرش ..
بخيبة : براحتك ناصر .. براحتك ..
قذف بهاتفه بغيظ بعد أن انتهت مكالمتهم ..
تبًا لفضولك شمعة .. تبًا ..
،
تجلس بمقهى يطل على حديقة " أبو خيال " و هي كالخيال حقًا ..
باللون الأخضر الذي يكسوها ..
و المدرجات المتفاوتة بالإرتفاع ..
لقد اختفى يوسف من بعد مكالمتهم و كأن الله لم يخلقه ..
يبدو بأنه يدبر لها أمر ما ..
و لكن المحامي قد طمأنها بأنه قد اخذ جميع الاحتياطات ..
و بأن الطلاق لن يكون من اول جلسة بالتأكيد ..
وهي لا تهتم .. بل ذلك يفيد مخططاتها ..
و لكنه يبقى غير مضمون و تعلم بأنها قد استفزته جدًا ، و بأن ضربته ستكون موجعة ايضًا ..
و لكنها لا تعتقد بأنها ستتوجع ، فهي لم تعد تشعر ..
بل تشعر و لكن بالتبلد ..
و كأنها تتابع احداث حياة أخرى لم تعشها حقًا ..
بل و كأنها لم تعش أي شيء ..
و لكن سنوات الغربة قد علمتها الا تتخاذل ابدًا ..
فأن تتخاذل يعني أن تعود خطوات إلى الخلف ..
وهي لن تعود بل ستشق طريقها مهما حاولوا عرقلتها ..
تتمنى فقط ألا تفقد نفسها وهي تناضل للبقاء و الإرتقاء ..
هي أصبحت مشوهة من الداخل ..
لا تثق بأحد .. و كم هو متعب حقًا عدم الثقة ..
اليوم وهي تذهب لمقابلة عمل كان التوتر عندها في القمة ..
و مع أنها تثق بخبرتها و دراستها و لكن ذلك لم يمنع قلقها من عدم قبولهم لها ..
و ها هي الآن تجلس هنا علّها تريح نفسها قليلًا بمنظر الأشجار الشامخة كما الجبال التي تعتليها ..
تنفست بعمق وهي تطبق جفنيها ..
تشعر بالهواء يضرب بشرتها بعنف ..
ارتسمت ابتسامة ساكنة على شفتيها ..
آه يا ابها .. ما اعذب هواءك ..
و ما أجمل مرتفعاتك ..
و ما اقسى شمسكِ وهي تسلط اشعتها الحارقة فتكوينا ..
و مهما ذهبت و غبت و لكني أعود إلى احضانكِ صاغرة مرحبة .. فتتلقفينني باحتواء جارف ..
لا أجد نفسي إلا بكِ يا ابها ..
،,
دمتم بود 🍃