كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة الثامنة)
الرقصة الحادية عشر
،
"فتشت يابس عن الأيام مابه يوم ممطور
في جيوبي بروق.. والغصّة بحلقي صوت رعّاد"
،
جالسة بسكون على الأريكة في الصالة ..
تنظر إلى الصمت الموحش من حولها ،
انقبض قلبها وهي ترى حياتها القادمة تتجسد أمام عينيها ،
فها هو أول يوم لعودة ابتهال ،
و ها هي تفقد أولى ركائز حياتها ، فلا يوسف متواجد ، ولا ريما ..
و ليس من حولها سوى الصمت الجاثم على شقتها ..
تشعر بالوحشة ، و البرد ،
وكأن الرياح تحوم بداخلها فتصفق نوافذ قلبها و تصطك ببعضها البعض ،
كتفت يديها على صدرها و احتضنت ركبتيها بوضع مائل ،
تنهدت بعمق وهي تفكر ..
هل ستفي ابتهال بوعدها ؟
هل ستكون عودتها النهائية تعني مغادرتها لحياتها و حياة يوسف ؟
لن تعول على بقاء ريما فهي تدرك بأنها و بكل الأحوال مكانها ليس سوى بجانب أمها ،
ولكن ابتهال ،
هل ستغادر أم أنها ستضعف أمام حب يوسف الجارف لها ،
و هل سيتركها تغادره ؟
لا .. لا تظن ذلك أبدًا ،
فلو كان سيفلتها كان سيفعل منذ سنوات ،
و لكنه بكل عام يمر كان يشتعل الحب بعينيه أكثر ، و يتجدد أمله بشكل أقوى ،
وكأن بعدها عنه كان يغذيه فينضج ،
و كانت هي تذوي بجانبه ،
يشتعل فتحال هي إلى رماد ،
لم يكن ينبغي عليها أن تقع بحبه ،
لم يكن يجب عليه أن يتسلل إليها و يجعلها تساق إلى قلب محموم ، و قدر محتوم ..
لم يكن ينبغي عليه أن يجرفها بسيل حبه ،
و لم تعتقد بأنها ستحبه بهذا القدر ،
كانت تعتقد بأنها بمأمن منه ، و قد خاب ظنها بقلبها ،
فها هي بوضع لا تحسد عليه ،
تنتظر بكل يأس مصيرها المعقود بين كفيه ،
زفرة متعبة تسللت من بين شفتيها فزعزعت سكون المكان للحظات ..
تناولت هاتفها الموضوع على الطاولة أمامها عندما رأت شاشته تضيء و تنبئ عن وصول اشعار ..
فتحت هاتفها بملل و دخلت على الواتس اب ..
زفرت بتعب وهي ترى اسم ابتهال يتصدر قائمة المحادثات ..
لحظات فقط و استوت بجلستها
اضطربت أنفاسها بتوتر ..
اعادت قراءة احرفها بعدم استيعاب ثم ردت بتوتر أشد : تستهبلين ؟
لحظات و وصلها رد ابتهال بتأكيد : هو موضوع يخليني استهبل ؟
ابغى اشوف ريما و بتكون هذي اخر مرة اطلبش فيها ..
فتحت عينيها على اتساع و قد اخذ قلبها بالخفقان المتسارع ..
اذا كانت ابتهال الآن تطلب ان ترى ابنتها فأين هي ريما اذًا ؟؟
إلى أين اخذها يوسف ؟؟
و ماذا سيفعل ؟؟
اخذت الأفكار تحوم برأسها و قد انقبض قلبها بخوف ..
هل من الممكن أن يؤذي يوسف ريما ؟؟
هل سيفعلها لإخضاع ابتهال ؟؟
عادت بنظراتها إلى المحادثة التي لا تزال مفتوحة ..
ابتلعت ريقها بتوتر و هي تقرر قرارها الأخير ..
لن تخبر ابتهال بأن ريما ليست معها .. و لن تبقى بينهم أكثر ..
لذلك كتبت بإصرار : أنا آسفة ابتهال .. بس خلاص طلعيني من بينكم .. تبغين تشوفين ريما هذي انتي رجعتي ..
تفاهموا .. مقدر اساعدش اكثر ..
نظرت ابتهال بهدوء إلى هاتفها و أمالت شفتيها بابتسامة متهكمة/ مدركة ..
ولكنها ردت بتذكير : انتي وعدتيني يا نجد ؟ ماهوب يوم خلاص وصلنا للأخير تخلفين بوعدش ..
نجد بإصرار و بأصابع مرتجفة وقد أخذتها كل الأفكار المخيفة : و لأننا وصلنا للأخير .. اعفيني من وعدي ارجوش ..
ابتسمت ابتهال بمرارة .. ليس و كأنها لم تكن تتوقع ذلك ..
فجميع تصرفات نجد مؤخرًا كانت تشي بذلك ..
و لكن أن تتوقعه شيء .. و أن يتحقق شيء آخر ..
و هي لم تطلبها سوى لتعرف من بجانبها حقًا .. و من سيتخاذل ،
أرسلت باختصار : خيبتيني ..
لم ترد نجد بل ألقت بهاتفها على الطاولة ووقفت ..
اخذت تقطع المكان جيئة و ذهاب وهي تفكر ..
أين ريما !
جزء بداخلها يخبرها بأن يوسف لن يؤذيها ..
و جزء آخر لا يثق به مطلقًا ..
ثم لماذا اخذها و ذهب ؟
ألهذه الدرجة هي بتفكيره لا تؤتمن ؟؟
إلى الحد الذي يأخذ ابنته منها ويخفيها حيث لا تعلم ؟
و لكن قد يكون خرج فقط مع ابنته .. مع أنه لم يفعلها قبلًا إلا مرات معدودة ..
و لكنها ستحسن الظن حتى يأتي ..
فذلك أهون على قلبها من باقي ظنونها المفجعة ..
عادت بخطوات واسعة إلى هاتفها و اخذته ..
فتحته بارتجاف ثم ذهبت إلى رقمه ..
ضغطت عليه ورفعت الهاتف إلى اذنها ..
بقيت تستمع إلى الرنين الرتيب و الذي لم يكلل بالجواب فألقت الهاتف مرة أخرى على الأريكة و عادت لدورانها ..
بعد وقت لا تدري كنهه سمعت صوت المفاتيح بالباب ..
وقفت بتخفز بعد أن كانت قد جلست من التعب ..
صوبت نظراتها على الخطوات القادمة و هي تريد طمأنة قلبها..
حتى رأته واقفًا أمامها وحده .. نظرت إلى خلفه بتكذيب ثم سألت بتوجس : وين ريما ؟
نظر إليها بهدوء و لم يجب فسألته بانفعال : ريما ويييين ؟ وين وديتها ؟؟ سويت فيها شيء ؟؟؟
احتدت نظراته و قال باستهجان : خيير وش بسوي فيها يعني ؟ تراها بنتي مارح آذيها ..
لم تطمئن بعد فتقدمت إليه و سألته بإصرار : وين وديتها ؟
كتف يديه و قال بسخرية : وانتي وش عليش وين وديتها ؟ والا عشان تنقلين الأخبار لصديقتش الصدوقة ..
و بسخرية أشد أردف : احسدكم على صداقتكم صراحة ..
بنفاذ صبر صرخت : اقوووولك وين رييييماااا ؟؟ وييش يعني تاخذها من عندي اهنيه و ترجع بدووونها ؟؟
يوسف بحدة و انفعال قبض على ذراعيها : صوتش لا يعلى .. تفهمين ؟ أما ويش يعني ؟ يعني إني موب واثق فيش .. تقولش ابتهال مِنَّا ابغى ريما و تقولين لها خذيها مِنِّيه ..
سحبت جسدها بقوه من بين يديه ثم لوحت بذراعها بانفعال شابه بعض الوجع : اناا ما تثق فيني ؟؟
ليه وش قد سويت يومنك ما تثق ؟
كتف ذراعيه ثم قال باستفزاز : نسيتي يوم تخلينها تكلمها من وراي و بدون إذني ؟
هتفت بغضب وهي حقًا تشعر بأنه جرحها بعدم ثقته : أممها .. مارح امنعها من أمها .. زي لما خذيتك عشان محد يمنعني من أممييي ..
أمال شفتيه بسخرية ثم قال بلا مبالاة وهو يتحرك و يتجاهلها : كبي ذا الحكي .. " أي اتركي هذا الكلام " ..
و ريما موب شغلش وين وديتهاا ..
غادر بابتسامة متهكمة
..
إذًا كما توقع .. فقد هاتفت ابتهال نجد ..
وها هي تتبعها كعادتها ..
،
"فتشت يابس عن الأيام مابه يوم ممطور
في جيوبي بروق.. والغصّة بحلقي صوت رعّاد"
،
يقف بتصلب أمام الشباك المشرّع أمامه ..
مكتفًا ساعديه على صدره و نظراته مصوبة على الديوانية التي تطل عليها النافذة ..
يشعر بأنه يحترق وهو يقف هنا و ذلك البغيض هناك مع عمته بعد أن طلب منه بكل وقاحة أن يخرج فهو يريدها بأمر " خاص " ..
نظر إلى زوجته الشاردة بنظراتها ..
لا يليق عليها أن يقول باردة ..
بل الصقيع هو ما يخرج منها ..
فبعد أن قال بأن الطارق لم يكن سوى فهدًا سكنت بشكل يغيظه أكثر من غيظه بسبب ابن عمها الموقر ..
لا يستطيع منع نفسه من التساؤل ..
هل يأتِ فهدًا بهذا الوقت دومًا ؟
هل هو معتاد على المجيء بمنتصف الليل كي يرى عمته ؟؟
ذلك ما يشعله بحق ..
التفت إلى النافذة و زفر بحرارة .. ما الذي يوقفه هنا !!
حتى و عمتها قد صرحت لفهد عندما طلب منه الخروج بأنه هو اصبح صاحب المكان ..
عاد بنظره إلى شمعة ثم هتف دون مقدمات : هو يجي دايم بذا الوقت ؟
نظرت إليه بهدوء ثم قالت ببرود وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة : ايه عادي .. يجون يزورون عمتي بالوقت اللي يفضون فيه ..
ناصر باستهجان وقد تحفز بوقفته : و ما فضى الا الحين ؟ بنص الليل !
نظرت إليه بهدوء و صمت كان أبلغ من أي كلمات ستجود بها عليه ..
فهو بنفسه لم يستطع القدوم إلا الآن ..
و فهد طبيعة عمله تجعل دوامه غير ثابت ..
تجاهلها و شد خطواته للخارج..
وقف قريبًا من الديوانية يراقب ما سيحدث ..
أما في الداخل فقد كانت العمة تجلس على مقعد مخصص لكبار السن ..
تراقب فهد الذي لم يدخل بصلب الموضوع حتى الآن ..
سألته بهدوء : وشهو الموضوع اللي تبغاني فيه و ما قدرت تصبر عنه للصباح ؟
تردد للحظات ثم قال بمواجهة : اشوف خطيب بنت العم هنا ؟
رفعت حاجبيها بدون رد فابتلع ريقه ثم قال بصراحة : ما تشوفين انه وقت ماهوب مناسب للزيارة ؟
و مثل ماهو واضح إنتي كنتي راقدة وهم ماخذين راحتهم لا حسيب ولا رقيب ..
لم ترد أيضًا وهي تترك له المجال لقول ما بجعبته ..
قال بثرثرة لا معنى لها : أنا ما أرضى إن يجيش كلام من الناس بسببها ..
حينها نظرت إليه بقوة نظرة ثاقبة و قالت ببرود : شمعة و زوجها ما يجي منهم العيبة .. و أنا سامحة لها تقابله بالوقت اللي تبغاه .. أما انت مالك دخل فيها و اهتم ببيتك احسن لك .. و الحكي تراه قد جاني بسببك ماهو بسببها ..
ألجمته للحظات ثم قال بانفعال يحاول السيطرة عليه : تشوفه بالوقت اللي تبغاه ؟ و هذا هو الوقت اللي تبغاه الشريفة بنت اخيش ؟ بأنصاص الليالي ؟
نظرت إليه بحده ثم هتفت بغضب عات : اقطع و اخس يا فهيدان .. ما بقى الا انت تتكلم بشرفها ..
قد هي اطهر منك .. و الحين توكل لا بارك الله فيك ..
و لا عاد اشوفك تطب هنا إن ما يردني عن جنوبك إلا العصا ...
لم تترك له مجال للرد و هي تهتف بعلو : يا ناصر .. يا الناصر ..
لحظات و دخل ناصر بطوله الفارع و قال بهدوء : لبيه ..
أشارت على فهد باشمئزاز : دله على الباب إن كان ضيعه وما يدله ...
ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه قبل أن ينقل نظراته إلى فهد الممتقعة ملامحه ..
قال بهدوء و استفزاز وهو يشير إلى المخرج : تفضل
وقف فهد بانفعال و قال بعصبيه : تطرديني يا عمة ؟
العمة بحدة وهي تقف : و ابلغ عليك كمان لو ما تقطع علومك الردية .. فارقني يللا فارق ..
فهد بحقد وهو يوجه نظراته إلى ناصر الذي يقف أمامه ببرود : اييه اطرديني عشاان تلمين فضايح بنت اخييش بدون محد يدري ..
اتسعت عيني ناصر بعدم استيعاب وهو ينظر إلى العمة التي قالت بصوت عال يشي بمقدار الغضب الذي وصلت إليه : اقطع الشر و اطلع ولا اشوفك تقبل علي .. لا اعرفك و لا تعرفني من هالساع يا الردي ..
"هالساع : منذ هذه الساعة "
فهد بعدم سيطرة و قد أخذ الحقد بأكله من الداخل ..
صرخ بعلو وهو يشير على ناصر باستصغار : يعني بتقنعيني إن بنت اخيش ماكان لها علاقة مع ذا !!
لم يشعر سوى بتحطم اضلاعه بعد أن استوعب ناصر الموضوع و هجم عليه فأسقطه ارضًا ..
أخذ يكيل إليه اللكمات التي اسرع فهد بردها وكأنه كان بانتظارها ..
كانا يتعاركان على شرف امرأة هي اطهر من أن يتعاركا عليه ..
ناصر بغضب : موووب محتاجة تقنعك .. اشرف منك مليون مرة ..
وقفت العمة تنظر إليهم ببهوت و عينين متسعة .. دقائق و صرخت بأمر : فههههد .. نااااصصصرر ..
صرختها الناهية أوقفتهم للحظات فقالت بصرامة وهي تنظر إليهم و ترى حالتهم المزرية ..
ناصر بثوبه المقطع و عنقه الأحمر من اثر قبضتي فهد ..
و فهدًا بسيل الدم الذي ينزف من جانب شفتيه و قد ابتل عنقه ..
أما شعورهم فكأن الطير واقف عليها : بزران انتو ! ناصر اترك فهد
نظر إليه و لا زال يجذبه من جيبه فختمها بلكمة أعادها إليه فهد ثم قلبه و جثى فوقه ..
عادا للعراك و قد وقفت أمام باب الديوانية وهي ترتدي حجابها الكامل ..
لا يرى منها سوى عينيها المحتقنة بالدمع ..
فإلى متى ستلملم شرفها دون خطيئة ؟
إلى متى سيكون فهدًا كالكابوس يجثم على حياتها ؟
و إلى متى سيتصرف ناصر على هواه ؟؟
إلى متى وهو يده تسبق عقله ؟؟
لم يوقفهما سوى رؤيتها واقفة بصمت ، تتابع ما يحدث بوجع و إهانة..
عندما رأتهما افترقا عادت بخطوات إلى الخلف ..
وقفت بجانب الباب من الخارج و اسبلت جفنيها ..
لحظات فقط و خرج فهد مسرعًا كالطلقة ..
و بعدها كان صوت عمتها وهي تحوقل و تسترجع حتى غادرت و اختفى صوتها ..
رفعت جفنيها بوجع و التفتت إليه ..
كان يقف بهيئته المزرية على بعد خطوات منها ..
ابتلعت غصة خانقة شعرت بها تتكور في حلقها و تمنع عنها الهواء ..
ثم اسبلت جفنيها بخيبة و غادرته بصمت ..
لحق بها على بعد بضع خطوات و اعترض طريقها ..
تحركت تريد اجتيازه فعاد ووقف أمامها ثم جذبها من مرفقها و تحرك بها إلى الديوانية ..
ادخلها ثم أغلق الباب و وقف أمامها ..
و لا تزال تسبل جفنيها و تصد بجسدها عنه ..
هتف بخفوت : شمعة ؟
لم ترد و لم يصدر منها أي حركة ..
اقترب منها اكثر و جذب حجابها بلطف ..
زم شفتيه وهو يرى ملامحها المحتقنة..
أعاد مناداتها بخفوت و طلب: شمعة ..
رأى اختلاج ملامحها و كأنها تحارب نفسها ..
كانت تلوك لسانها بداخل فمها حتى لا تنفجر به ..
فما تشعر به حارق .. مهين ..
تشعر و كأن هناك جمرة متقدة بصدرها ..
تكويها و تصليها ولا تريد سوى الصراخ و الصراخ حتى يبح صوتها ..
لم يعد البكاء يجدي معها ..
فما تشعره لا يهدئه البكاء .. ولا يفيد معه الصراخ ..
ما تشعر به يجعلها بركان على حافة الإنفجار ..
و لم تجد سوى الصمت أبلغ من أي شيء قد يقال ..
اقترب منها يريد لمسها فابتعدت إلى الخلف بخطوات واسعة وهي ترفع يدها أمامه بنهر ..
قال بهدوء وهو يشتم فهدًا بداخله : اسمعيني ..
شخرت بسخرية و ابتسامة مائلة موجعة ..
لحظات وانفلتت ضحكاتها بقهر ..
تضحك و دمعها يسيل بسخاء على جانب وجهها ..
تسمعه !!
ماذا ستسمع منه ؟؟
هل سيقول بأنه ثار لأجلها ؟
إلى متى ؟؟
فكل ما يحدث فائض عن الحد .. ولا تحتمل أكثر ..
مسكت جنبها و مالت للأمام وهي مستمرة بقهقهتها الموجعة ..
برجاء وهو يقترب منها : شمعة .. بس
صمتت فجأة و وجدت ملامحها..
بقيت على وضعها منحنية للحظات .. ثم اعتدلت بوقفتها وهي تكفكف أدمعها بعنف ..
نظرت إليه بسخرية و مرارة ..
قالت بخذلان و صوت مبحوح : انتو اللي بس .. خلااص انا مليت و انتو ما مليتوا ..
سمعة و صارت بالتراب خلاص على وش تتضاربون !
انا مهما سويت و مهما فعلت خلاص سمعتي سابقتني .. ولازم طبعًا انا ادفع ثمن ذنب ما سويته ..
ناصر بقهر وهو يبرر : انتي ما سمعتي وشهو يقول ..
قاطعته بغضب و قد بات تعقلها قاب قوسين من الانفجار : انا ما يهمني وش يقول .. ولا يهمني وش يفكر .. ما يهمني بشيء و المفروض انت كمان ما يهمك ..
موووب انت سألتني قبيل عنه و قلت لك ما يهمني !
قلت لك عشان ما يصير مشكلة و رحت انت سوييت المشكلة هنااا ..
باستهجان : تبغيني اسكت له وانا اسمعه يتهمش !! لا والله ولاهو بيصير ..
وضعت كفيها على اذنيها و هتفت بغضب و حرقة : خلاااص ناصر .. خلااااص .. ما ابغى أتكلم اكثر .. ملييييت و تعبببت ..
تعرف ايش يعني تعببببت !!
قلت لك سمعتي قد طاحت بسببه .. يعني خلاااص عنادك مارح يزيد الوضع الا تأزم ..
بصرامة و حدة : مارح اسكت لأي واحد اسمعه يتكلم فيش .. انسي اني اتجاهل ..
مانيب رخمة اخليهم يتكلمون بشرفي و اسكت ..
ضربت كفيها بعدم تصديق ..ثم قالت بسخرية مرة : يعني الحين الحل تتهجم عليه كل ما جا لهنا ؟
هالحين لو كبرت السالفة و تدخلوا الجيران و فكوا بينكم مين اللي بياكلها غيري ؟
خص نص لما يعرفون انك معي بنفس المستشفى ؟
و تتعارك مع ابن عمي اللي تركني و اخذ اختي ؟؟
كلهم بيجي تفسيرهم نفس تفسير فهد وهو يتهمني إني بعلاقة معك ..
كلهم رح يصيرون رجعيين و رح يتهموني بالباطل ..
لا انت ولا فهد رح تتضررون .. اناااا بس اللي رح تتضرر .. اناااا موووب انتووو ..
صرخت بنهاية حديثها و غادرت بغضب و اشتعال ..
لحظات و سمع صوت الباب الداخلي للمنزل وهو يغلق بقوة ..
نظر إلى المجال من حوله ثم أخذ شماغه و عقاله و غادر ..
اغلق الباب الخارجي بهدوء و مشى بشرود إلى سيارته ..
ركب و اغلق الباب بهدوء ..
جلس و عينيه مصوبة على المنزل أمامه ..
لا يستوعب ما حدث ..
شعر و كأنه نكأ جرح قد اغلق دون تطبيب .. فتقيح ..
ثم نزف من جديد ..
أي وجع يستوطنك شمعة ؟؟
و أي ألم تحتملينه بمفردكِ دون أي جريرة ..
كيف أصبحت الجاني بحقكِ وأنا الذي لبست ثوب الدفاع عنك ؟
كيف انقلبت الأمور فأصبحت الظالم بحق أوجاعك ؟
كيف لي أن أداويك الآن و أنا من جعل جرحكِ ينزف ؟
كيف سأمحو المرارة العالقة بأذيال صوتك ..
و الوجع الناخر قلبك ..
شعرت و كأن السموم تطفح منكِ شمعة ..
هناكَ من سمم طهرك ..
و لوّث بياض عفتك ..
هناك شرخ عميق ينتصف الشمعة ..
فأرجو ألا يأخذ منكِ ما حدث اليوم المزيد ..
آسف بحق .. آسف لتهوري ..
و لفقدان صبري ..
آسف لعينيكِ الدامعة .. آسف لقلبك المتقرح ..
آسف لنفسكِ الأبية .. آسف جدًا ..
،
"فتشت يابس عن الأيام مابه يوم ممطور
في جيوبي بروق.. والغصّة بحلقي صوت رعّاد"
،
منذ ذلك اليوم الذي ذهب إليها و سألها وهي تتبع معه طريقة التجاهل العام ..
تنفذ له كل ما يريده بصمت ..
و برود شديد يستفزه ..
لم تعد تناقشه بالكتب اللي اعطته كي يقرأها ،
افتقد اهتمامها البالغ .. و رقتها ،
حنانها و دفئها ..
افتقدها كلها ..
حسنًا ،
هو أخطأ عندما أساء الظن بها .. و لكنه لن يكابر ..
فهذا الموضوع يؤرقه ..
يريد أن يكون كاملًا بعينيها ..
و أن يفقد الرغبة بذلك فهو شيء كبير .. و لكنه ليس بيده ..
فنوبات الإكتئاب تجعله يفقد الرغبة بالكثير ..
و ليست العلاقة استثناء ..
هي لم تشتكي ..
و لكنها كبيرة عليه ..
و زاد احساسه بالنقص هو تباعدها تلك الأيام ..
لماذا إذًا لا تفهمه كما دأبها دومًا! ..
لماذا تتجاهله دون أن تصارحه بضيقها ؟؟ ل
ماذا ابتعدت عنه و نأت بنفسها ؟؟
اصبح كالغر الصغير وهو يتعلق بها ..
لذلك انتابته موجة من الجنون ذلك اليوم ..
و لن يعتذر منها ما دامت تعامله ببرود ..
تظن بأنها ستؤدبه و لكنه تلميذ مشاكس .. و سيتمرد عليها ..
فقد غادر عصرًا وهو يعلم بأن لديه جلسة بعد المغرب ..
و بأنهم سيطبقون طريقة علاج جديدة ..
ألم تقل بأن يعتبرها طبيب و مريض ؟
حسنًا .. هو سيفعل ذلك ..
و سيتخلف عن الحضور ..
فلتتحمل هي غياب مريضها ..
لم يعد إلى المنزل إلا بعد أن عانقت عقارب الساعة الحادية عشر ..
دخل بحماس لم يظهره وهو يترقب ردة فعلها .. هل ستغضب ؟
اذا كان يعرف دارين و لو بالقليل فهي ستغضب ..
و قد تطرده من البيت ولن يستنكر ذلك ..
فهي بغضبها لا يهمها شيء ..
نظر إلى المكان من حوله ..
كان الظلام مسيطرًا بالكامل سوى من بضع مصابيح متفرقة خافتة ..
تقدم إلى المكان الذي يظنها فيها ..
فتح باب غرفة النوم بهدوء و اتسعت عينيه بصدمة ..
نائمة ؟؟
بكل برود تنام دون أن تنتظره ؟؟
هل حقًا وصل بها الغضب إلى هذا الحد ؟؟
أم أنه لم يعد يهمها ؟؟
غضن جبينه بتوبيخ لنفسه .. لو لم يهمها لم تكن ستجافيه من الأساس ..
لذلك و بصبيانية اشتاقها تقدم إليها ..
رفع عنها اللحاف بقوة ثم بحلق بها وهو يراها نائمة بعمق و لم تتحرك ..
مال بجسده حتى اصبح مقابلًا لها لا يفرقه عنها سوى انشات و هتف بصراخ : دااااااريييييننن
قفزت برعب فاصطدم رأسها بأنفه و تشقلبت بعد ان عرقلها جسده فتعثرت به و شقلبته معها ..
استويا في الأرض بجانب السرير وهي تمسك جنبها بتأوه و غضب بعد أن استوعبت ما حدث ..
أما هو فيمسد أنفه الذي شعر بأنه قد انفلق لنصفين ..
هتفت بغضب شديد و لا زال نبضها متسارع من الروع : بزر انت !! بزرر ؟؟ تصارخ علي وانا نايمة وما حسبت حساب إني ممكن أموت أو اتأذى بسببك !
نظر إليها ثم قال بسخرية شديدة : الحمدلله سمعتيني صوتش بعد القحط اللي من أيام .. قدني فكرتش بلعتي لسانش ..
نظرت إليه بنرفزة حقيقية ثم وقفت بتجاهل ولكنه جذبها من يدها و اجلسها مرغمة ..
قال بتساؤل : مارح تخاصميني عشان جلسة اليوم ؟
أمالت شفتيها و لم ترد ..
قال بتعجب : ما عصبتي .. و لا زعلتي .. حتى مكالمة ما دقيتي ولا سألتي وينك .. ما ارسلتي متى بتجي ولاشيء ..
كتفت يديها على صدرها و قالت بهدوء و اختصار : و ليه اسوي ذا كله ؟
رفع كتفيه ثم قال ببديهية : عشاني اهمش .. و عشاني زوجش ..
قالت بهدوء بارد : اذا انت ما اهتميت بعلاجك أنا ليش اهتم ؟
إذا عندك الرغبة الحقيقية رح تتعالج بدون ما أنا الاحق وراك ..
بعقدة حاجبين : بس انتي تعرفيني زين .. و تعرفين إن عندي الرغبة إني اتعالج ..
بتساؤل و نظراتها قد عانقت عينيه بعد شُح : و ايش يعني حركتك اليوم ؟
رصاص بصراحة : يعني ابغى اهتمامش .. ما تجاهلت الجلسة قِلْ رغبة مني ..
هزت كتفيها بهدوء و قالت بصراحة : و أنا وش يدريني ؟
يمكن انك تبغى تترك العلاج زي ما تركته قبل سنوات ؟
بدفاع : انتي تعرفيني دارين .. المفروض ما يجهلش مقصدي !
لم ترد فعاود سؤالها : ليش ما عصبتي ؟ و رجعت لقيتش نايمة صدق موب تمثيل كمان؟
سألته بهدوء : جرحك هالشيء ؟
هز رأسه بالنفي ، ثم قال بصراحة : خذلني .. ما توقعت ردة الفعل الباردة ذي ..
اومأت بفهم : توقعت تلقاني اصارخ و ماسكة الرشاش و بس تدخل اطلق عليك ..
بمشاكسة : شيء زي كذا ..
دارين بهدوء غريب : انت كمان خذلتني .. قبل أيام .. وقبل سنوات .. و اليوم ..
بتساؤل و قد انعقدت حاجبيه : قبل سنوات ؟
اومأت ثم قالت بهدوء و كأنها لا تتحدث عن شيء قد خذلها : ايه .. قبل سنوات .. لما صرت جبان وما كملت علاجك .. خذلتني وانت تبغى تتركني لأنك استسلمت ..
خذلتني وانا انتظرك كل يوم و أقول بيجي ..
و اذا خلص اليوم وانت باقي ما جيت أقول هو نساني ؟
خذلتني و الشهر يمر بعده شهر لين كملنا ثلاث سنوات و سبعة شهور ..
ثلاث سنوات ما فارقت فيها تفكيري .. لازم كل يوم افكر فيك ..
مليون سؤال يمر ببالي عنك .. و قلة الحيلة تمنعني عنك ..
باستهجان وقد ضغطت على عدم ثقته بنفسه : موب جبان .. اللي شفته شيء كبير .. شيء ما يوصف ..
بحدة شابها بعض الإنفعال : إلا جبان .. محد ينكر إنك كنت بموقف كبير ..
بس لو استمريت عالعلاج كان تخطيت الموضوع بسنة ..
لو استمريت ماكان راح من اعمارنا ثلاث سنوات بدون ما نعيشها مع بعض ..
اللي عندك كان اضطراب ما بعد الصدمة .. و اكتئابك كان يعتبر خفيف ..
انت تخليت و استسلمت و تركت العلاج .. و زاد اكتئابك ..
انت اللي سويت هالشيء بنفسك ..
بعدم تصديق : تلوميني دارين ؟
بانفعال : ايوه .. ألومك لأنك تخليت عن نفسك و تخليت عني ..
و الحين رصاص .. الحين جاي تقولي إنتي تبعدين عني عشان ما قربت منش !
انا تشوفني بهالسطحية رصاص ؟
باعتراف لون قسماته الذنب : عارف إني غلطت .. بس ما عطيتيني فرصة أبرر لك ..
ما احب تتجاهليني دارين وانتي دارية ..
لوحت بيدها بضيق : وش كنت تبغاني اسوي ؟ يعني أتفهمك و اقدرك و انت تجي تظن فيني السوء ؟
احتضن يدها التي تلوح بها و وضعها على صدره ..
قال بتمسكن : ابغاش تعذريني .. و تكيلين لي الأعذار واحد ورى الثاني ..
و أنا آسف على إني خذلتش .. اليوم و قبل أيام و قبل سنوات ..
أنا آسف ..
دارين بجدية : وما عاد تسوي حركاتك ذي ؟
اومأ بموافقة فاعترضت : اوعدني ..
بجدية وهو يشد على أناملها المستكينة على صدره : وعد دارين ..
حينها ابتسمت باتساع ..
شدها إليه براحة : يسعد هالابتساامة يارب ..
،
"فتشت يابس عن الأيام مابه يوم ممطور
في جيوبي بروق.. والغصّة بحلقي صوت رعّاد"
،
" انا حذرتش المرة الأخيرة و شكلش ما مسكتي العلم زين ..
اقسم بالله إن عاد اعترضني فهد بخير او شر إن ما يردني عن إني أقول لعيسى شيء "
،
تقرأها كل حين ..
منذ أن قرأتها صباحًا و هي تشعر بغضب كبير على فهد ..
و قد اخذت قرارها ..
فما دام يستهين بها .. و لا يهتم لتحذيراتها.. فليتحمل ما سيحصده ..
لن تصمت أكثر .. فقط تنتظر وقت قدومه ..
و لم يتبقى الكثير ..
لذلك رفعت هاتفها و اختارت رقم محدد ..
لحظات فقط و سمعت صوت عيسى ..
هتفت بهدوء و هي تسمع ترحيبه .. فهي حتى و مع أنها قد خالفته إلا أنه لم يقطعها : وعليكم السلام .. اخبارك ؟
رد بهدوء : من الله بخير .. إنتي شحالش ؟ ناقصش شيء ؟ تامرين على شيء ؟
سهام بهدوء : ابغاك تجيني .. عندي موضوع ضروري ابغاك فيه ..
أغلقت بعد أن اخبرها بأنه قادم .. و مالت شفتيها بسخرية ..
ستخبر أخيها بأن فهدًا يتعرض لشمعة و بأنها ليست المرة الأولى ..
ستخبره بكل ما تعرفه و ستجعل له حرية التصرف ..
ففهدًا سيستحق كل ما سيأتيه ..
لم تكن سوى دقائق معدودة و رن هاتفها ..
كان عيسى و قد اخبرها بأنه في الخارج ..
نظرت إلى هيئتها بلبسها الساتر ثم نزلت بثقة ..
تجاهلتهم جميعًا و تقدمت إلى الباب .. فتحته لأخيها ثم ادخلته المجلس بعد السلام و الترحيب ..
جلس و جلست أمامه ..
نكست عينيها للحظات فقال عيسى بسؤال : ايه ؟ وشهو الموضوع الضروري ..
زفرت بتوتر .. هي قلقة من ردة فعله .. تعلم بأنه لا يرضى على شمعة بشيء ..
قالت بعد لحظات تردد : فهد ..
عيسى ببرود : ويش فيه ؟
زمت شفتيها للحظات ثم قالت و بدون مقدمات : يلاحق شمعة .. و قد تعرض لها اكثر من مرة ..
وقف بدون شعور وهو يهتف بصدمة و عينيه متسعة : وشهووو !!
انكمشت على نفسها بخوف وهي تسمعه يقول بغضب : ويش قلتي ؟؟ عييدي ؟
قالت بخفوت و عينيها متعلقة بطرف ثوبه من الأسفل : فهد يلاحق شمعة ..
جذبها بقوة و أوقفها .. هزها بغضب و انفعال : وش يبغى منها ؟ قولي كل شيء الحييين !
سهام بخوف : ما أدريي .. ما أدري وش يبغى منها .. بس شمعة تشكي منه ..
ثم مدت له بهاتفها وهي تريه رسالة شمعة ..
قبض على الهاتف بقوة و تمتم من بين شفتيه : هين يا فهيدان هين ..
نظر إليها و سأل بحدة : هو موجود ؟
نفت بصمت فسألها مجددًا وهو يتمنى لو يحطم رأسها و رأس فهد : متى بيجي ..
سهام بتوتر : بعد شوي ..
بوعيد وهو يخرج : ننتظره و نشووووف ..
بقي لدقائق يقف بالخارج حتى رأى سيارة فهد تقترب ..
تحفز بوقفته حتى رآه ينزل منها ..
يتهادى إليه وعلى شفتيه ابتسامة اغاضته ..
اقترب فهد بترحيب : حيا الله النسيـ.....
لم يكمل بسبب اللكمة التي طرحته أرضا .. قال باستهجان وغضب : خييير ليش تضرب !
وقف عيسى للحظات ثم مال بجسده وهو يرى فهد يعتدل ليقف ..
ركله على معدته بقوة .. ركلة أودع فيها كل غضبه فجثى فهد على ركبتيه وهو يشهق من قوة الألم ..
ركلة أخرى انقلب على اثرها وقد شعر بها تعصر معدته و تمزقها ،
قال بتقطع و ألم : وششش .... ففففييييهه
عيسى بغضب و قد انهال عليه بالركل : فيه انك تلاحق اختي يا الحقير و انت ماخذ اختي الثانية ..
فيه إن سمعة اختي صارت بالتراب بسببك ..
فيه إنك أحرقت قلبي على خواتي ..
فيه انك ما تستاهل ظفر وحدة منهن ..
فيه إننا قدرناك وانت مو كفو ..
كان مع كل كلمة يركله بقوة فيتلوى فهد من الألم ..
يشعر بمرارة الدماء تتجمع بحلقه .. و عينيه تكاد تخرج من محاجرها ..
جسده يشتعل من الألم .. و لا يستطيع التقاط أنفاسه ..
سمع أصوات تقترب منهم .. ثم ركلة أخيرة شهق من قوتها ..
مستلقٍ على الأرض بلا حراك ..
و اثنان قد كبّلا عيسى و جذباه بعيدًا عن فهد ..
و اخرون مجتمعون على فهد ..
احدهم قد هاتف الإسعاف .. و الآخر قد هاتف الشرطة ..
و الباقون تتقلب اعينهم بينهم ..
لا يدرون من الجاني .. و من المجني عليه ..
فعيسى كان بحال يرثى له ..
تكفيهم رؤية القهر على ملامحه ..
و صرخاته الغاضبة التي لم يستطع السيطرة عليها ..
و في الداخل .. كانت تراقبهم من نافذة غرفتها .. بابتسامة شامتة ..
تشعر بأن اخيها قد اخذ لها حقها كامل مكمل ..
،
"فتشت يابس عن الأيام مابه يوم ممطور
في جيوبي بروق.. والغصّة بحلقي صوت رعّاد"
،
تطقطق بهاتفها و تطلق الإبتسامات وهي جالسة في الصالة ..
لحظات و دخل عليها والدها بعقدة حاجبيه ..
انزلت هاتفها و نظرت إليه ..
قال بأمر صارم و كأنه يقطع عليها أي اعتراض : يوسف في المجلس .. روحي له ما ابغى مشاكل .. و ياليت تحلون اللي بينكم بسرعة ..
مالت شفتيها بابتسامة أدهشته : نروح له و ليش ما نروح !
رفع حاجبيه بتوجس .. فقد توقع اعتراضًا باردًا منها كما دأبها منذ أن عادت ..
و لكن أن تطيعه دون أي اعتراض ؟ فماذا تخططين ابتهال ؟؟
أما هي فوقفت و ذهبت إلى غرفتها .. وقفت أمام الخزنة بحيرة .. ماذا ترتدي ؟؟
و أخيرًا يوسف .. اخيرًا تنازلت من عليائِك و اتيت ؟
هل كنت تنتظر عودتي النهائية كي تأتي ؟
بكل مرة كنت اعود فيها كنت انتظر قدومك يوسف ..
بكل مرة أقول سيأتي ، سيمر ..
و لكنك لم تخب ظني ابدًا يوسف ..
كنت انتظرك و أنا على يقين من عدم مجيئك ..
كنت أراهن نفسي على كبريائك ..
و كنت افوز بكل مرة ،
كان كبرياؤك ينتصر و أفوز برهاني ،
و الآن ..
و بعد أن تجاوزتك أتيت ،
دومًا ما تصل متأخرًا يوسف ..
حبك ، اعتذارك ، رجاؤك ، أشواقك ، كلها أتت بعد أن أغلقت باب قلبي ..
بعد أن أوصدته وقد امتلأ بالخيبات ..
نظرت إلى قميص أسود رسمي فجذبته .. ثم اختارت لها بنطال اسود ايضًا ..
تقدمت إلى المرآة ثم فتحت شعرها و نفضته ..
رتبته بطريقة تناسبها و ابتسامة مستمتعة تعلو شفتيها ..
رتبت حاجبيها و رسمت عينيها بالماسكرا ثم وضعت احمر شفاه قان ..
رشت على وجهها ببخاخ خاص تصنعه بنفسها فأعطى بشرتها حيوية جذابة ..
نظرت إلى نفسها نظرة أخيرة قبل أن تأخذ عطرها و ترشه عليها بسخاء ..
قابلتها ابتسامة اختها من الخلف فالتفتت إليها و قالت بسخرية : ها وش رايش ؟
اومأت باستحسان و قالت بسخرية مشابهه : تهبلين ..
انطلقت قهقهاتهن بعد أن ضربتا كفيهما معًا ..
غادرت الغرفة بثقة و خطوات هادئة حتى وصلت إلى المجلس ..
جذبت إلى داخلها نفس عميق تطرد توترها ..
ثم دخلت برأس مرفوع .. و عينين حادة ثاقبة ..
كان يميل على المركى بجانبه .. و اعتدل بجلوسه حين رآها ..
عانقت عينيها عينيه ..
و أخيرًا التقينا يوسف ..
تبدو مختلفًا ،
الإرهاق مرتسم على محياك ..
ما الذي أتى بك اليوم ؟
متأكدة بأن بلاغ المحكمة لم يصلك بعد .. فهو سيصلك بالغد ..
فما الذي جاء بك ؟
هل أتيت لتراني ؟
هل غلبك الشوق ؟
هل مللت لعبة الكبرياء و امتطيت صهوة العاشق و اتيت ؟
ما لي أراك وقد انحنت كتفيك ؟ و كأن ثقل الجبال تحمله فوقها ؟
و كأن حبك يطفح من بين جنبيك ؟
و أين ذهب توتري ؟
حماسي للقاءنا ؟
هل تجاوزتك حقًا ؟
هل لذلك دقات قلبي رتيبة! ..
و كأنني التقيت قريب غريب ..
انتبهت لوقفتها فتقدمت بثبات ، و ابتسمت بميلان ..
ثم هتفت بتمطيط : هلا يوووسف
،,
يمنع نفسه بقوه من أن يرفع يده و يضعها على صدره ..
يشعر بأن قلبه سيخرج من بين أضلعه من اضطراب نبضاته ..
تصلب مكانه وهو يراها أمامه ..
جالسًا في الجلسة الأرضية .. و تشرف عليه من علو ..
تبدو فاتنة .. مشرقة .. بهية ..
لم تزدها السنون سوى نضجًا
..
تغيرت
..
و تغيرها مبهر لعينيه..
ازدادت رشاقة .. و صحة ..
لمعة شعرها البني مهلكة .. و نظرات عينيها الواثقة مُسكرة ..
شعرها الذي لا يتجاوز اسفل عنقها أعطاها منظر انثوي ملفت ..
ما بالها تبدو ذهبية كالشمس .. بيضاء كالغيم .. لامعة كالنجمة ..
و ما بال لسانه عصي عن الكلام..!
وقد عقد بألف عقدة ..
ما باله لا يستطيع الوقوف ..
و ما بالها صامتة هكذا كالبئر العميق ..
اخيرًا ابتهال .. ها نحن هنا ..
بعد اربع سنوات كان الوجع فيها ساحق ،
و الكبرياء فيها قد لبس ثوب الذل ..
هل تعلمين كم كان صعبًا و أنا أمنع نفسي عن رؤيتكِ بكل مرة تأتين بها ؟
هل تعلمين بأنني كنت أبيت بعض الليالي قريبًا من هنا لأنك هنا فقط ؟ ..
هل تعلمين كم هو مؤلم أن اتصرف بغير طبيعتي ! ..
لقد كان حبي لك صادقًا ابتهال .. لم يدخله زيف ..
و لكني لم استطع تقبله ..
لم استطع تقبل بأن احد سيتغلل بيني و بين جلدي ..
اغفري زلتي ابتهال ..
و عودي إلى قلب انهكه الفراق ..
اختلجت ملامحه عندما رأى تقدمها منه ..
ثم ابتسامتها التي احتفلت بها نبضاته ..
و اخيرًا صوتها واقع حقيقي دون أن تبعدهم المسافات : هلاا يوووسف ..
وصلته متهكمة .. ساخرة .. متلاعبة ..
،
إلى اللقاء برقصة أخرى 🍃
|