كاتب الموضوع :
طُعُوْن
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: يراقصها الغيم / بقلمي (الرقصة الخامسة)
الـرقصة الســادســة
،
إنّي رحلتُ إلى عينيكِ أطلبها
إمّا المماتُ وإمّا العودُ منتصراً
كلُّ القصائدِ من عينيكِ أقبسها
ما كنتُ دونهما في الشعرِ مقتدراً
صارت عيونُكِ ألحاناً لأغنيتي
والقلبُ صار لألحانِ الهوى وتراً
،
ماض
بعد موت أبيها بعدة أسابيع ..
دخلت عليه بعد أن اخبرها اخيها بأنه يريدها ..
رأته يجلس ببؤس ..
مفرجًا ساقيه و متكئًا بمرفقيه على ركبتيه ..
يضع رأسه بين كفيه بانحناء يائس ..
وصلتها زفرته المُتعبة ثم ارتفاع رأسه بعد أن رآها عند الباب ..
ابتسم لها بحزن فارتسمت شبه ابتسامه على شفتيها ..
دقق النظر بملامحها ..
بائسة و حزينة كما هو ..
الهالات السوداء و البشرة الشاحبة تشي بما يعتمل داخل صاحبتها ..
تردد للحظة ثم قال بهدوء : تعالي ..
اقتربت منه حتى جلست بجانبه ..
نظر إليها و سأل سؤال العارف : كيف اصبحتي ؟
تقوست شفتيها للأسفل و ابتلعت ريقها ثم هتفت ببحة .. بإيمانها بالقدر : الحمدلله ..
ساد الصمت للحظات و قد عاد ينظر إلى السجاد تحت قدميه ..
لا يعلم كيف يفاتحها بالأمر ..
صعب عليه والله ..
صعب أن يتخلى ..
و لكن هذا ما يجب أن يحدث ..
تنحنح ليجذب انتباهها ، و فعل ..
نظرت إليه بتساؤل فقال بهدوء : دارين .. ابغى اقولش شيء بس لا تقاطعيني لين اخلص ..
اومأت بصمت فزفر ..
كيف يبدأ ؟
بحق الله كيف يخبرها بقراره ؟؟
..
من أين يجلب الناس شجاعتهم في هذه المواقف ؟
يشعر وكأنه سيجتث قلبه من صدره ثم يدوس عليه بقدميه ..
كيف سيقولها ؟
صمته جذب اهتمامها فقالت بتساؤل : فيك شيء رصاص ؟ تشكي من شيء ؟ يعورك شيء ؟
هل تسألين ان كان هناك ما يؤلمني ؟
نعم دارين ..
قلبي يؤلمني ..
قلبي بكل جوارحه يعترض الاجحاف القائم عليه ..
قلبي يريد أن يثب إليك دارين ..
عقلي يخبرني بأنك ستندم ..
و روحي تهفو إليك من قبل الرحيل ..
نحن افترقنا قبل أن نفترق دارين ..
لم يعد هناك نحن ..
اصبح انا و انتِ ..
منذ اللحظة التالية سيقطع رابطنا المميز ..
ستفنى نحن قبل أن نعيشها ..
سأذهب بكل بؤسي و يأسي ، و أدرك بأنني احتاجكِ دارين ..
أدرك و اقاوم ..
فالإجحاف الحقيقي أن أجرُّكِ إلى دوامة يأسي ..
لا خير مني إليك ..
و كل الخير منكِ يأتي إلي ..
لا استطيع ظلمكِ اكثر ..
رفع رأسه بتصميم و قال بثبات وكل ما فيه يعارضه : انا قررت ننفصل دارين .. افضل لي و لش ..
لم يكن ينظر إليها ..
بل كان ينظر بكل جبن إلى الأمام ..
يعز عليه أن يرى خيبتها ..
أن يرى خذلانها ..
طال صمتها فأوجعه ..
و حين وصله ردها ..
وصله خافتًا قد سكنته البحة .. بتساؤل وحيد / مخذول : ليش ؟
ابتلع ريقه ومعه غصته ..
يشعر بأن جميع اعضاءه قد تكالبت عليه و استقرت بحنجرته تمنع عنه الكلام ..
تمنع عنه التنفس ..
اخذ نفسًا عميقًا و زفره و كأنه يطرد كل ما بجوفه للخارج ..
إن كان للزفرات وزن فهو يوقن بأن زفرته قد تكون أطنانٌ ثقال ..
قال بحزن : افضل لنا كلنا دارين ..
عاودت سؤاله وقد تعاظمت بحتها : ليه الحين ؟
ضغط على فكيه وهو يقاوم مشاعره ..
وضع رأسه بين كفيه و خلل أصابعه بشعره ..
ماذا يقول !!
سألته بانفعال : لييه الحين رصاص ؟ ليه بعد ما انكسر لي كتف تبغى تكسر الثاني ؟
رفع رأسه و قال بصوت مكتوم من انفعاله : دارين ! انا خلاص ماعاد فيني رجا .. افضل لش قبل انه يكون لي .. ما بتستفيدين شيء مني .. ماعادني الكتف اللي تبغينه ..
تحركت من مكانها و جثت على ركبتيها امامه ..
رفعت جسدها حتى اصبح مقابلًا له ..
تجلس بين ساقيه على ركبتيها ..
وضعت يديها على وجنتيه و هتفت برجاء : رصاص .. تكفى لا تسوي فيني كذا ..
قبض على كفيها و احتضنهما ..
وضع وجهه بين كفيها و استنشق بعمق ..
سيفتقدها ..
يا الله ..
يا لوجعه ..
قبل كفيها بعمق و قال برجاء مماثل : انتِ اللي تكفين دارين .. والله العظيم صعب علي بس هذا احسن لي و لش ..
تقوست شفتيها و ارتجفت ..
امتلأت عينيها بأدمع لم تذرف بعد ..
بأمل وهي تنظر بعمق عينيه الموجعة : بس إنت تتعالج رصاص ..
هز رأسه برفض و قال بتعب : تعبت دارين .. صار لي كم مازد رحت للمواعيد ..
همست بيأس : ليش !!
زم شفتيه و لم يجب ..
قالت برجاء وهي تنظر إلى كفيه المتشبثة بكفيها
و كأنه لا يستطيع تركها : بنتظرك رصاص ..
ابتسم بسخرية و حزن : عشان كذا قررت ننفصل .. اعرف بتنتظريني .. بس ما اضمن نفسي .. انا صرت واحد ثاني ما اعرفه ..
هزت رأسها برفض و اقتربت منه اكثر ..
همست و وجهها يكاد يلامس وجنته : انت رصاص .. اللي صار مأثر عليك بس انت رصاص ..
صمت للحظات بتفكير ..
نظر إليها و إلى الرجاء الساكن مقلتيها ..
رجاء مماثل لما في قلبه ..
يخبره قلبه بأن ها هي فرصتك أتت إليك فاغتنمها ..
لا تكن ظالمًا رصاص في حين أنك تهرب من ذلك ..
لم يستطع مقاومة رغبته فانحنى عليها وجذبها إليه ..
إلى قلبه علّه يستكين ..
همست بتأكيد : بنتظرك رصاص ..
همس وهو يقاوم غصة علقت بحنجرته : وعد دارين ؟
اومأت ثم هتفت ببحة : وعد ..
برجاء : حتى لو طولت ؟
شهقة بكاء فلتت منها فشدها إليه اكثر ..
قالت بعد لحظات : حتى لو طولت ..
بس لا تطول كثير ..
،
دخلت إلى البيت بعد انتهاء دوامها ..
لم تفكر كثيرًا عن مكان عمتها وهي ترى الهدوء و الظلام النسبي ..
تقدمت إلى غرفة عمتها و دخلتها بعد ان طرقت الباب ..
كانت عمتها تقرأ وردها الليلي ف تقدمت حتى جلست على السرير ..
تنهدت بإرهاق و استلقت بمكانها حتى تنتهي عمتها ..
لا تعلم ماذا تفعل الآن ..
و ماذا يحمل لها الغد ..
لم تفكر بأن ما حدث اليوم كان سيحدث مطلقًا ..
ماذا يريد فهد ؟
لماذا جاء إلى هناك و ماذا كان يريد منها ؟
لقد اخبرتها موظفة الاستعلامات بأنه قد سأل عنها بشكل خاص ..
فماذا يريد ؟
انتبهت من افكارها على صوت عمتها يناديها ..
اعتدلت بجلوسها وهي ترى عمتها جالسة على الأريكة وقد وضعت المصحف بجانبها ..
بقيت تنظر إلى عمتها بصمت ثم سألت بدون مقدمات : ليش سويتي كذا ؟
عمتها بهدوء : وش سويت ؟
ابتسمت بتهكم ثم هتفت بقهر : ليش قلتي لفهد إن ناصر خطيبي؟
عمتها بهدوءها ذاته وهي تضع كفًا على كف : ما قلتها لفهد .. قلتها للعرب اللي كانوا متجمعين و يبغون يتكلمون بشرفش ..
قبضت كفيها بشدة ثم قالت بجمود : وش بيحصل الحين ؟
عمتها بهدوء و غموض : اللي تبغينه .. انتي وش تبغين ؟
باستهجان وقد بدأ صوتها يرتفع : عمه ! تقولين للناس انه خطيبي ثم الحين تقولين لي اللي تبغينه ؟
لوحت عمتها بيدها بلا مبالاة : ايه اللي تبغينه .. تبغين توافقين عليه و تلمين سمعتش و تصكين ثم فهيدان والا ترفضينه وكلن بطريقه و تتحملين الكلام اللي بيجي عليش ..
شمعة بقهر و عبرة : ليش انا اللي لازم ألم سمعتي وانا ما عمري غلطت و الا دورت للردى !
عمتها ببرود : اللي عندي قلته .. فكري و ردي لي ..
اتسعت عينيها من برود عمتها ..
قالت بغيظ و قد فلتت منها شهقة بكاء : مانيب موافقة ..
ما سويت شيء عشان اقعد أداري ..
نظرت إليها عمتها بصمت وهي تراها تمسح دموعها التي نزلت دون أن تسيطر عليها ..
منذ أن حدث ماحدث وهي لم ترى أي دمعة أو ضعف ..
فأن تبكي أمامها دون سيطرة فهذا يعني بأنها ممتلئة للحد الذي اعجزها عن التحكم بنفسها ..
لن تنكر بأن بكاء شمعة أمامها قد أوجعها ..
و لكنها لن تجعلها علكة في أفواه الناس أكثر ..
فإلى هنا و كفى ..
يكفيك ما فعلت حتى الآن يا فهد ..
راقبتها وهي تأخذ حقيبتها و تتحرك إلى خارج الغرفة بغضب .. لن يمسك سوء بعد الآن شمعة ..
فليكن عهد علي ذلك ..
،
ماض
كانت هذه إحدى الليالي التي تقضيها ساهرة ..
فهي منذ دخولها للجامعة قد انقلب روتينها و لم تثبت على أي روتين حتى الآن وبعد مرور ثلاث سنوات على دخولها إلا انها ما زالت بمعركة مع تنظيم الوقت ..
وبعد أن فقدوا اخيها بحادث مرعب أصبح يتعسر عليها النوم ليلًا ..
وقد سكن عينيها الأرق ..
فهي ما ان تطبق جفنيها و تنعس حتى يداهمها صوت صراخ اخيها المستنجد
فتصحو فزعة تكاد تلفظ قلبها من الرعب ..
كما أن قرار والدها قد اذهب الباقي من عقلها
و تبعه خطبة يوسف لها ..
جميعها اجتمعت عليها فتكاد تزهق من الإرهاق ..
بالأمس قد هاتفتها ابتهال و اخبرتها صراحةً
إن كنتِ موافقة فلا بأس ..
أنا لن اعود له ابدًا ..
و قد اخبرتها هي بالمقابل بأنها لن تقبل به
فهو أولًا زوج صديقتها
و ثانيًا هي لا تفكر بالزواج مطلقًا ..
لا تعلم بأي عقل تفكر ابتهال و ماذا تحيك !؟
فليس من المنطقي بنظرها أن تترك ابتهال يوسف ..
فهي تعلم إلى أي حد هي تحبه و تغار عليه ..
فماذا حدث بينهما لتقرر ابتهال عدم العودة ؟
و يقرر يوسف خطبة أخرى !!
لقد قالت لها بالأمس إذا وجدتِ بأنكِ موافقة و تريدين معرفة الأمر اخبريني ..
و لكن يستحيل ذلك ..
فهي ليس من مخططاتها الزواج ..
وقفت و خرجت إلى المطبخ تبحث عن شيء لتناوله فهي تتضور جوعًا ..
مرت بغرفة والدتها فرأت الضوء يخرج من تحت الباب ..
تقوست شفتيها بحزن ..
بالتأكيد لم تستطع النوم
و قامت لتصلي الوتر و تدعو لاخيها كما كل ليلة ..
اقتربت من الباب و أسندت جبينها عليه ..
لا تريد مقاطعة خلوة والدتها ..
لذلك فلتستمع لصوتها الشجي قليلًا ثم تعود إلى غرفتها كي تدرس المتبقي لها لاختبارها غدًا ..
عقدت حاجبيها و أرهفت السمع عندما وصلها صوت هنهنة بكاء ..
يا الله ..
هي تتألم لفقد أخيها فكيف بوالدتها وهي تفتقد ابنها و سندها ..
نزلت دموعها بهدوء وهي تسمع مناجاة والدتها لأخيها الراحل ..
تنشقت وصوت والدتها يصل إليها محملًا بالترح و العويل : لمين تركت أمك ..
لمين تركت أمك ..
يبغى ياخذني لعنده يا محمد ..
ابوك الظالم يبغى ياخذني و اختك لعنده ..
يبغى يقهر قليبي يا محمد ..
يا حر قلبي على فراقك ..
وين اروح منه ..
ناسينا كل هذي السنين و الحين بياخذنا لعنده يا محمد ..
ماعاد عندي سند بعدك ..
إنا لله و إنا إليه راجعون .. إنا لله و إنا إليه واجعون ..
ابتعدت و انقطع عنها صوت والدتها ..
شهقت ببكاء و دخلت إلى غرفتها ..
كانت تبكي اخيها ..
و تبكي أمها و قهرها ..
تبكي قلة حيلتها ..
رحمك الله يا أخي ..
ماذا افعل الآن !!..
لن استطيع أن ابقى مكتوفة الأيدي بعد أن سقط حزن والدتي بقلبي ..
لن استطيع التجاهل ..
ماذا افعل يا اخي ؟
ماذا كنت ستفعل لو كنت مكاني ؟
لقد تخليت عن حلمك و بقيت بجانبنا كي لا يأخذنا والدي إليه ..
و لكن انا ماذا بيدي لأفعل ؟؟
يجب أن يكون لدينا رجل يا محمد ..
فقل لي بحق الله
ماذا افعل ؟؟
،
دخلت بابتسامة واسعة إلى منزلها ..
هتفت بعلو : مجود وينك ؟
وصلها صوته من الداخل : انا هنا تعالي ..
تقدمت بفرح حتى وصلت أمامه ..
وقفت أمامه كي تقطع عنه مشاهدته للتلفاز ..
كان يجلس و بيده شطيرة قد اعدها ..
نظر إليها باستهجان : خير ابتهال ابعدي ..
رقصت حاجبيها برفض فزفر بغيظ ثم هتف بتساؤل : وش فيك ؟ وش مناسبة المرح الزايد على ابتهال النفسية ؟
أخرجت له لسانها بإغاظة ثم هتفت بفرحة كبيرة : قبلوا كل تصاميمي مجود .. و عطوني مبلغ كبير ..
نظر إليها بفرحة حقيقية .. فرحة اخ لإنجاز اخته : صادقة ؟؟
رفرفت بعينيها بغرور فابتسم ..
قال بفرحة و شعوره بأنه هو من نجح : مبروك والله يا النفسية .. عقبال اعمال اكبر و شركات اكبر ..
هتفت من قلبها : ياااااارب ..
نظرت إليه وهو يلتهم شطيرته و قالت بسعادة : مجوود .. اترك عنك السندويش و بقوم اسوي لنا باشميل يحبها قلبك ..
هتف بمفاجأة : والله !
اومأت بموافقة : والله .. اعتبرها مكافأة
دعى من قلبه وهو يرفع يديه : يااارب كثر من إنجازات ابتهال عشان تسوي لي اكل كل يوم ..
قهقهت و اشارت له ملوحة : باي .. بروح اجهز الأغراض و ابدل و اطبخ ..
قال بمبالغة : يارب اسعد ابتهال و خليها لي ولا تحرمني منها ..
هزت رأسها بسخرية : صدق ولد بطنك ..
بعد دقائق ..
دخلت إلى المطبخ و بدأت بإخراج المقادير التي تحتاجها..
منذ العام الفائت وهي تقوم بهذا العمل ..
تصمم أكثر من فكرة و تبيعها على الأشخاص و الشركات الصغرى كي تجمع لها رأس مال حتى إذا عادت إلى أبها تستطيع البدء بعملها الخاص ..
فإن كانت تعرف أهلها جيدًا فهي تعرف يوسف اكثر ..
لن يؤولوا جهدًا بعرقلتها ..
فصمتهم عنها حتى الآن لم يكن إلا درءًا للفضائح ..
و لكنها تأخد احتياطاتها واحدًا تلو الآخر حتى إذا عادت لن يعيقها شيء ..
ستثبت لهم بأنها قد نجحت ..
و بأنها لن تصمت كما كانت تفعل من قبل ..
إن كانت تصمت ليوسف حتى الآن فهو كي لا يحرمها من ابنتها و تعلم بأنه قاس و سيفعل ذلك..
فقد اخذت من قسوته الكثير حتى تقابله بها عندما تعود ..
انهياراتها بأول شهور لها هنا قد علمتها درسًا قاسيًا ..
وهو أنتِ ثم أنتِ ثم أنتِ ..
لا أحد يهتم لكِ حقًا ..
ولا احد سيبيع راحته كي تشترينها ..
كل شخص يثمن نفسه بطريقته ..
وهي ليست طفرة عنهم ..
وليست استثناء ..
هي أيضًا أصبحت تحب نفسها كما يحبون أنفسهم ..
أصبحت تقدم نفسها على كل شيء كما يفعلون ..
و لكنها لن تكون ظالمة او قاسية ..
و معاذ الله أن تكون ..
،
قبل عدة ساعات ..
أوصل ام حمد إلى منزلها بعد أن امرته بذلك ..
كان يشعر بإحراج عميق و همّ يجثم على صدره وهو يفكر بشمعة ..
لم تكن تستحق ما حدث ..
و لم يكن ينوي ما حدث ..
و لكن رؤية ذلك البغيض أمامه فجرت كل مشاعر الكره بداخله ..
فكيف إذًا وهو يتلفظ عليه ببذاءه و دون وجه حق !!..
نظرت إليه عمتها و قالت بجدية : انزل ..
اومأ بإحساس الذنب ..
ما الذي أوقعت به نفسك ناصر ؟
من نبرتها الجدية يكاد يوقن بفحوى الحديث ..
فقد يكون تقريعًا من العيار الثقيل و هو لا زال لم يبتلع حتى الآن احراجه أمامها و امام والدته ..
دخلت إلى الديوانية و دخل خلفها ..
شرعت بفتح النوافذ و الستائر ثم جلست ..
جلس بعد أن اشارت له بالجلوس ..
بدأ حديثه باعتذار : عمه ..
قاطعته بإشارة من يدها و قالت بجدية : اسمعني زين ..
شعر بأن قلبه قد سقط بأسفل بطنه من التوتر ..
قال بصوت حاول السيطرة عليه : آمريني يا عمه .. و اللي تبغينه أنا حاضر ..
سألته بهدوء : وش صار بينكم و خلاكم تمدون يدينكم على بعض بدون احترام للمكان اللي انتو فيه !
زم شفتيه ببغض ثم شرح لها ما حدث باختصار ..
صمتت للحظات ثم قالت بهدوء : أنا اللي طلبت منهم يستدعونك ..
ارتفع حاجبيه بتعجب ثم قال بقلق : تشكين من شيء يا عمه ؟ ارجعش للمستشفى ؟
ابتسمت بلطف و هزت رأسها بالنفي : لا الله يعطيك العافية ..
مير إني كنت ابغى استسمح منك عاللي صار من يومين و قلت دامني فيها وش له استنيها ..
تجهم وجهه لثوان ثم قال بهدوء : حصل خير يا عمه ..
ام حمد بتبرير : يشهد الله اني ما بغيت احرجك والا استنقص منك ..
مير إني حبيت اتأكد من الكلام اللي وصلني عنك ..
ما حبيت اظلمك والا ادافع عنك وانا مدري وش انتو مهببين ..
ابتسم لنبرتها ثم قال ببساطة : حصل خير و أنا ماعديتش الا امي الثانية ..
اومأت باستحسان ثم قالت بجدية : و اللي صار اليوم تراني جادةٍ فيه ..
انت للحين خطيب بنتنا و هي ماقد ردت على طلبك ..
غير انك ما عطيتني فرصة من يومين اقولك انها ما رفضتك و طلبت تفكر و ترد لي بقرارها الأخير ..
نظر لها بتفاجؤ وسيطر على ابتسامته بالقوة ..
هل حقًا لم ترفضه ؟
غريب منها هذا التفهم ..
قال باختصار وهو يقف : الله يكتب مافيه الخير يا عمه .. و انا حاضر للي تبغونه سواء كان رفض والا قبول ..
يللا اترخص يا عمه وراي مرضى .. توصين على شيء والا شيء ؟
العمة برفض : الله يسلمك ما تقصر .. يا هلا والله ..
خرج من عندها وهو يشعر بأنه يكاد يطير ..
يشعر بأنه خفيف جدًا و بأن الأرض من خفته لن تسعه ..
ستنبت له جناحين و يطير ..
محبوبته لم ترفض ..
ولا زال أمامه فرصة لامتلاكها ..
..
لا زال أمامه فرصة الظفر بها ..
..
لا زال أمامه أمل أن تعانق أنامله أناملها ..
..
لا زال لديه أمل بتخبئتها بين يديه و على جواه المغرم بها ..
لا زال الأمل يشع رغم تأنيب الضمير لما احدثه لها بتهوره ..
و ما دام الأمل موجود
فكل شيء يهون ..
،
انتهت من رياضتها اليومية و نظرت إليه وهو لا زال مستمرًا بالركض ..
لم تمنعه مع انها كانت قد اخبرته بأنهم سيهرولون لخمس و أربعون دقيقة فقط ..
و لا زال مستمرًا مع انها قد انهت هرولتها و تمارينها اليومية ..
ستفيده الهرولة و ستخرج طاقته السلبية دون أن يشعر ..
ذهبت إلى جناحهم و اغتسلت ثم تحركت إلى المطبخ كي تعد لهم الإفطار ..
عندما استيقظت كانت عينيها منتفخة و مريعة من بعد بكاءها ..
لذلك لم توقظه حتى عدلت نفسها و اخفت ما تستطيع اخفاءه ..
و الآن ها هي تضع ابريق الشاي على النار و تنتظره حتى يغلي وهي تشعر بنشاط حقيقي ..
فهي ايضًا تخرج طاقتها السلبية بالرياضة ..
كانت منشغلة بما بين يديها و ترتب الاطباق قبل أن تأخذها إلى الطاولة ..
شعرت بيديه تمسكها من وسطها فاستدارت إليه بوجهها فقط ..
لم تكد تفتح فمها حتى انقض على شفتيها بقبلة عميقة ..
قبلة شعرت بالدوار منها فتركت ما بيدها و استدارت إليه ..
احتضن جسدها بيد و بالأخرى اسند رأسها ..
كان يبث لها ما بجوفه ..
شعرت بقبلته تحكي لها الكثير مما يعتمل به ..
كان يقبلها بحب ..
بشغف ..
بكل الإمتنان الذي يحمله لها بداخله ..
يعلم بأنها كانت مستيقظة بالأمس ..
فعندما خرج من دورة المياه لم تكن بذات وضعها عندما دخل ..
و لكنه ممتن لها بحق لأنها لم تظهر أي شيء ..
لم تنفر منه صباحًا ..
و لم تتجهم بوجهه مع أنه كان عابسًا ..
ممتن لكل ما تفعله لأجله ..
اخيرًا ترك شفتيها بعد وقت لا يعلم كم مضى منه ..
أسندت رأسها على كتفه فاحتضنها بقوة ..
تساءلت بابتسامة مائلة : وش مناسبة هالكرم الحاتمي ؟
ابتسم بالمقابل ثم قال بخبث : ابد والله فكرت إني محظوظ و قلت لازم اكافئ اللي يخليني احس بهالإحساس ..
ارتفع حاجبها بتعجب ثم قالت بابتسامة واسعة : والله ؟
اومأ بمكر و هتف وهو يقترب منها مجددًا : لازم كل يوم اشكرش كذا .. سجليه من ضمن الروتين ..
اتكأت و قالت بابتسامة بعد أن ابتعدت عنه : اسألك جد رصاص ..
هز كتفيه ثم تنهد ..
قال بتصميم و إقرار : ابغاش تعالجيني .. ابغى ارجع رصاص الأولي ..
ابغى ارجع رصاص اللي كنتي تحبينه و تبغينه ..
أرادت الدفاع عن نفسها و بأنها تحبه بكل حالاته
و لكنه اصمتها بقبلته مجددًا ..
ابتعد عنها و همس : ابغاش تعالجيني ..
،
بعد عدة أيام ..
بعد تفكير عميق و تقليب للأمر من جميع الجهات رأت بأنها ستكون الخاسرة الوحيدة ..
فلا ناصر و لا فهد سيتأثرون مما حدث ..
كما أنها لو رفضت ستقوم عليها الشائعات في المستشفى وهي لا ينقصها ذلك ..
هل تبيع راحة بالها لأجل سمعتها ؟؟
هل توافق على ناصر و تنسى ملاحقته لها من قبل ؟
هل توافق عليه وهي لا زالت متشتته و لا أرض ثابتة تقف عليها ؟؟
هل توافق و تربط نفسها بشخص لا تعرف عنه أي شيء سوى كلام والدته عنه ..
هل تفعل ذلك ؟؟
هل من المنطقي أن ترفض ؟
فالمنطق يقول لها كل شيء ستفعلينه سيؤثر عليك ..
فاختاري ..
وهي محتارة جدًا ..
كان لديها رغبة عميقة بأن تجبرها عمتها و تخبرها بأن هذا ما يجب أن تفعليه ..
بأنني أعلنت خطبتكما و تداركت الموقف فعليك فعل المثل و تدارك النتائج ..
و لكن وضع القرار بيدها ارهقها ..
يا للسخرية ..
مصيرها بين يديهم و يوهمونها بأنه بيدها ..
يغيظها الأمر و لكن ماذا تفعل ؟؟
لقد استخارت و لم تشعر بأي شيء ..
و لا تعلم ماذا يعني ذلك ..
هل تتقدم أم تبقى بمكانها ؟؟
و لكنها أخيرًا اهتدت إلى قرار وحيد .. قرار منطقي و اقنعها ..
لذلك عزمت و شدت الخطوات ناحية عمتها ..
قالت بدون مقدمات عندما رأتها : عمة .. انا موافقة على ناصر حاليًا ..
عمتها بتساؤل : حاليًا ؟
اومأت وقالت بإصرار : ايوه حاليًا .. لين تمر السالفة و بعدها لا اعرفه ولا يعرفني ..
عمتها باستهجان : ليه هو الموضوع لعبة ؟ ماتبغينه لا توافقين محد جابرش على شيء ..
شخرت بسخرية ثم هتفت بحدة : اللي عندي قلته .. و انتي تفاهمي مع ولد صديقتش و فهميه ..
ماني بايعة سمعتي عشانه هو و الزفت الثاني ..
يتهاوشون و ترجع على راسي .. و يللا يا شمعة ضحي عشان سمعتش و يللا يا شمعة لملمي شرفش ..
ثم غادرت بخطوات واسعة غاضبة و وصل عمتها صوت الباب و هو يطبق بقوة ..
هتفت باستنكار وهي تضع كفًا على كف : هاو ! ضاع عقل البنية ..
..
ماض
إن كان هناك عداد للأيام السعيدة فاليوم يترأس القائمة ..
للتو عادا من الخارج بعد يومٍ حافل ..
احتفلا معًا بتكريمه و نجاحه الباهر بتصميم مميز قد نفذه ..
دائمًا ما يبهرها بقدرته على خلق التميز بأشياء بسيطة حتى تبدو مبهرة للعين ..
كانت ابنتهما مع اخواتها فهي لم ترد تعكير مزاجهما ..
ارادا أن يعيشا يومًا خاصًا بهما لذلك قد قبلت اختها بكل صدر رحب أن تهتم بابنتهما ..
التفتت إليه بابتسامة واسعة عندما دخل الغرفة فابتسم بحب ..
اقترب منها وعانقها بقوة حتى صرخت بغيظ ..
ضحك بخفة فقالت باستياء : يعني ما ترتاح لو ما كسرت عظامي .. ترا فيه حضن بدون عنف حاول تجربه ..
قهقه باستمتاع و هو يرى نرفزتها الواضحة ثم قال بصدق : جسمش ناعم وش اسوي .. بس احضنش احس ودي اعصرش ..
تخصرت بغيظ و بتهديد : احلف بس !
هز كتفيه بمرح ثم اقترب منها مجددًا فابتعدت .. بابتسامة : تعالي بس .. ما رح اعورش ..
نظرت إليه بسخرية و نظراتها تخبره أنها لم تصدقه ..
اقترب منها مجددًا فحاولت الهرب و لم تستطع فقد حاصرها بين ذراعيه ..
حضنها برفق و صمت قطعه بعد لحظات بسخرية مرحة : هالحين هذا الحضن اللي تبغينه ؟؟ * ثم اردف بسخرية اشد * ماله طعم .. كني حاضن مخدة ماهوب آدمية ..
حاولت التملص من بين ذراعيه و هي تهتف بحنق : فككني .. روح احضن المخدة هذي هي هناك .. فككنيي ..
لم يستطع السيطرة على ضحكته فارتفعت و اغاظتها أكثر .. حاولت الفكاك و لكنه كان يشد عليها اكثر حتى أنت باعتراض ..
هتفت بحنق : يوسف بلاش نذالة .. صدق عورتني ..
خفف من ضغطه .. باعتراف لم يقاومه : تدرين إني احبش .. و اليوم كان مرة مميز عندي .. حسيت إنش لي صدق ..
عقدت حاجبيها بتعجب ..
ابتعدت عنه قليلًا و دققت النظر فيه ..
قالت بتساؤل و هي ترى ملامحه الوديعة : ليش قلت كذا ؟؟
بعدم فهم : ايش ؟
اعادت سؤالها بإصرار : ليش قلت انك حسيتني صدق لك ؟
هز كتفيه بعدم رغبة بالكلام ..
توجست بشدة .. فسألته : انا قصرت معك بشيء ؟
هز رأسه بالنفي و داخله يصرخ باعتراض ..
نعم هي لم تقصر ..
و لكنه يفتقدها ..
يفتقد أيامهم الهادئة ..
يفتقد خلوتهما ..
منذ أن رفض طلبها بعد ولادتها وهو يشعر بها متباعدة ..
طلبته أن تدرس فذكرها باختيارها ..
و أنها اختارت دون أن يجبرها ..
فلماذا تفتح الموضوع ..
منذ ذلك الحين وهو يشعر بأنها منغلقة على نفسها ..
تنأى بداخلها عنه ..
هي لم تقصر ..
و لكنها لم تعد كما كانت ..
لذلك يفتقدها جدًا ..
نظر إليها أمامه .. تنتظر إجابة صادقة منه ..
فهي لم تقنعها اللاء الغير منطوقة ..
لذلك قالت بهدوء : أجل ليش قلت كذا ؟
ابتسم بخفة وهو لا يريد أن ينهي يومهم بخلاف ..
أو أن يعكر صفوهم ..
قال بهدوء فرضه عليه الجو الساكن من حوله : ماقصدت اللي فهمتيه .. بس عشان من زمان ما طلعنا بلحالنا .. ماغير ريما ناشبة لنا بكل طلعة ..
رقت نظراتها بحنان ..
فشعر بضيق ..
يكره أن تهتم لأحدهم ..
و يرى بأن ابنتهما قد اخذت النصيب الأكبر من الحب ..
هو يحب ريما و لكنه يغتاظ منها بكثير من الأحيان ..
فكل الدلال لها ..
و كل الحنان تجود به عليها ..
قال بسخرية : مدري كيف قدرتي تخلينها عند اخواتش اليوم .. لا و فوق كذا ما كلمتيهم ولا مرة تتطمنين عليها ..
اقتربت منه بدلال ..
تعلم بشأن غيرته و تجدها بلا داع ..
فهذا زوجها وهذه ابنتها ..
ولكنها قد قررت بأن اليوم بأكمله سيكون له ..
علها تروح عنه قليلًا ..
فهي تشعر بأنه بأحيان كثيره يود لو ينتزع ريما ثم يلقيها خارجًا ..
التصقت به ثم عقدت كفيها خلف عنقه ..
قالت بهمس : ما بغيت شيء يشغلني عنك .. و ريما عند خالاتها و لو فيها شيء كان كلموني ..
ابتسم بخفة وهو يحاوط وسطها ويشدها إليه ..
سألها سؤال العارف .. بخفوت : تحبيني ؟
اتسعت ابتسامتها .. بمراوغة : تسأل وانت عارف ؟
غمر وجهه بين طيات شعرها و رقبتها ..
استنشق بنهم ثم زفر بارتجاف ..
لو تشعر بما يعتمله فقط ..
لكانت أجابت بأن نعم و نعم و نعم ..
لم تكن لتبخل عليه و تراوغ ..
قال بهمس : احب اسمعها منش ..
بخفوت وهي تستشعر أنفاسه : طماع
هز رأسه بتأكيد فضحكت ..
رفع رأسه و نظر لها ..
قال بصدق : احب ابتسامتش .. و احب اسمعش تضحكين ..
رقت نظراتها اكثر ..
و اتسعت ابتسامتها اكثر حتى بان صفي اللؤلؤ ..
قبل خدها بافتتان ..
وهو يهمس فوق بشرتها : ياربي لا تحرمني ..
،
رن هاتفها فرفعته من جانبها ..
نظرت إلى الرقم ثم اجابت و انهت مكالمتها بسرعة ..
نظرت إليه بجانبها يتابع أحد الوثائقيات ..
نادته فالتفت إليها ، حينها اخبرته بأن لديها طلبية و المندوب في الخارج ..
خرج إليه ثم عاد بعد لحظات وهو يحمل كيس بيده و يقلبه بحاجبين معقودين ..
تقدم إليها و مد يده بالكيس فاستلمته منه .. قال بريبة وهو يجلس : وش انتي ناويةٍ عليه ؟
اشارت باصبعها على رقبتها بعلامة النحر و هتفت بتخويف مرح : انت سلمتني نفسك على طبق من ذهب وانت ما تدري ..
اتكأ على المسند بجانبه و قال بهدوء و ثقة : ماعليش واثق إني بأيدي أمينه ..
ابتسمت بصمت و أخرجت العلب من الكيس ..
راقبها وهي ترتب الأدوية بترتيب خاص ثم سأل بفضول : كيف صرفوها لش ؟ ماهوب لازم وصفة ؟؟
امالت ابتسامتها ثم قلبت عينيها بغرور : ناسي اني دكتوره ؟؟
نظر إليها بصمت فضحكت وهي ترى السخرية على ملامحه ..
اجابته ببساطة : عادي كتبت وصفة و صورتها و صورت بطاقتي و خلاص ..
هز رأسه بفهم ..
قالت بعد لحظات من الصمت : ما سألتني وش رح نسوي ؟
اعتدل من اتكاءه و مال ناحيتها ..
توسد فخذها فاعتدلت بجلوسها ..
احتضن كفيها و قال بهدوء : خيّطي وانا البس .. بس فكيني من الحبوب ما تنزل من حلقي ..
شدت على انامله فرفع كفيها إلى شفتيه و قبلها ..
بتفهم و هي تركز بنظراتها عليه : بس الحبوب مهمة ..
عشان نوبات الهلع .. و عشان الإكتئاب ..
تنهيده مُتعبة خرجت منه ..
لم يعلق فاستطردت بإسهاب : الحين رح اتبع معك خطة علاجية محددة .. رح يكون عندنا جلسة مرتين بالإسبوع ..
مارح اجبرك على شيء ..
تقول اللي يجي بخاطرك على طول ..
تشرح أي شيء تبغاه ..
رح تكون جلستنا رسمية .. و ما رح تكون طويلة ..
حق أبو نص ساعة او خمس وأربعين دقيقة مو اكثر ..
قاطعها باستفسار وهو ينظر لها من اسفل : كيف رح تكون رسمية ؟
ببساطة : يعني كأنك رحت لعيادة ..
عقد حاجبيه بعدم رضى : ليش ؟
بتساؤل : وشهو اللي ليش ؟
هتف فـ صدمها : يعني مارح اقدر اقرب منش !!
بغيظ وهي تنظر إليه : هالحين هذا اللي هامك ؟ تركت كل اللي قلته وركزت على انك ما بتقدر تقربني ؟؟؟؟
بعبوس : خلاص تراجعت .. ما ابغى اتعالج ..
صرت على اسنانها ثم هتفت بتحذير : رصاص !
ضحك بخفوت و لكنها لم تضحك ..
شتتت نظراتها عنه ..
يتلاعب بأعصابها ..
لا يعلم بأنه قد أهداها الأمل ليشع بين جنبيها عندما اخبرها بأنه يريد أن يتعالج..
ولا يريد سواها أن يعالجه ..
لا يعلم كم انتظرت قراره و إقراره بأنه يحتاج للعلاج ..
لو يعلم .. لم يكن ليتلاعب بها هكذا ..
سمعته يناديها و لم تجب ..
أعاد مناداتها فتجاهلته ..
شعر بضيقها فاعتدل بجلوسه ..
اقترب منها حتى لم يعد يفصل بينهم الا بضع سنتيميترات .. مد كفه إلى جانب وجهها و نادها بحنان : دارين ؟
لم تنظر إليه ..
لم تستطع النظر ..
لو فعلتها لـ بكت ..
وهي لا تريد البكاء ..
لا تريد أن يرى ضعفها و بكاءها الغير منطقي ..
هي حتى لا تعلم لماذا الآن تتخذ موقف منه ..
هتف بعتاب عندما لم ترد عليه : افا والله .. وش ضايقتش فيه ؟
صمتت وقد اخفضت جفنيها ..
رفع وجهها بين كفيه و قبل عينيها ..
همس بتساؤل : ضايقتش لما قلت ماعاد ابغى اتعالج ؟
هزت رأسها بالنفي فـ مال رأسه بتساؤل : اجل وش فيش ؟
ببحة خانقة : ولاشيء ..
بعدم تصديق : دارين !!
مدت كفيها إلى عنقه و احتضنته بصمت .. شد عليها و قال برجاء : وش فيش ؟
بخفوت : احضني بس ..
نفذ لها ما أرادت و قد تعكر مزاجه بضيقها ..
لا يريد أن تخبئ عنه أي شيء ..
لا يريدها أن تحزن ..
ولا أن تضيق ..
شدت عليه اكثر فابتسم بحزن ..
هل يستطيع أن يفعلها ؟
هل يستطيع أن يعيش ما حدث مجددًا ؟؟
هل سيتحمل أن يسرد تلك اللحظات العصيبة ؟
هل سيستطيع احتمال صراخهم المهيب ؟
صراخ الذي يرى حتفه و ليس بيده أن يفعل أي شيء ..
هل هو بهذه القوة ؟
لا يظن ..
و لكنه يحتاج لأن يتعافى ..
يحتاج لأن يعيش ما تبقى من حياته و إن بفتات من الراحة ..
و كأنها قد شعرت به ..
فقد همست بسكون : رح تقدر رصاص ..
انت اقوى مما تتخيل ..
و انا احبك .. لا تنسى هالشيء ..
،
كانت تتصفح هاتفها بغرفتها عندما سمعت عمتها تناديها ..
وضعت هاتفها على السرير بجانب حقيبتها و عباءتها ..
فهي تنتظر قدوم السائق كي يقلها إلى عملها ..
خرجت إلى الصالة فوجدت عمتها تجلس في الأرض أمام سفرة الفطور ..
هتفت بحنان وهي تشير لها : تعالي يمّش ابغاش .. * يمش بمعنى يا امي *
تقدمت و جلست بجانبها و قالت بهدوء يفرضه عليها جو الصباح : آمريني عمة .. ناقصنش شيء ؟
ربتت على فخذها ثم قالت بتحبب : ماهوب ناقصني شيء فديتش .. مير إني ابغاش بموضوع ..
قبلت كفي عمتها .. قالت بإدراك : الموضوع عن ناصر ؟
اومأت موافقة ثم هتفت بلين القول : وانا عمتش .. كلمته و رديت له بالموافقة .. مير اعذريني ما قلت له شرطش ..
تفاهمي معه بذا الشيء ..
تصلبت بجلستها ..
وجمت ملامحها وهي تفكر ..
إذًا ..
عمتها تضعها أمام الأمر الواقع ..
وهي تعلم بأنها لن تستطيع أن تخبره بذلك ..
عمتها تعرفها أكثر من الجميع لذلك لم تخبر ناصر ..
تريدها هي أن تخبره و ذلك و الله لن يحدث ..
فليس لديها الجرأة بأن تقول له اخطبني و لكن لفترة ..
فأي عاقل سيرفض ..
وهي كانت تريد أن يرفض حتى لا يجيء الرفض من ناحيتها و تلومها عمتها ..
و لكن يبدو بأنها قد استهانت بذكاء عمتها و معرفتها لها ..
سمعت عمتها تسألها بعطف : زعلتي مني يمش ؟
حاولت رسم ابتسامة على شفتيها ولكن تخشب ملامحها لم يساعدها بذلك فربتت على كفي عمتها و قبلتها ..
قالت بسكون و عقلها يفكر بمخرج : لا عميمة وش دعوة .. * استطردت بهدوء وهي تسمع صوت سيارة السائق * يللا عميمة بروح للدوام ..
شدت على يدها و قالت بلطف : همّاني برسلش رقم الناصر و تفاهمي معه ..
قولي له اللي تبغين ..
استقامت بجمود ثم هتفت وهي تغادر ..
بنبرة باهته : مايحتاج .. هذا هو بشوفه بعد شوي ..
غادرت بعدها على دعوات عمتها بعد أن رفعت لها السفرة ..
وصلت إلى المستشفى بعد أن طلبت من السائق الوقوف عند مقهاها المفضل
و طلبت كعادتها الصباحية كوب قهوة من الحجم الكبير ..
تشعر باستياء بالغ ..
فحياتها تنسل من بين اصابعها كما تنسل حبات المسبحة بعد أن تنقطع ..
فهي تشعر بأن خيطها قد انقطع و تكاد تسمع وقع خرزاتها واحدة تلو الأخرى برنين أجوف يقع في قعر جوفها..
مضى يومها بشكل ممل فلم تجد حالات بانتظارها ..
أكملت باقي ملفات المرضى اللذين تتابعهم و انتهت منها و لم ينتهي دوامها بعد ..
لا تعلم ماذا تفعل اكثر ..
خرجت من استراحة الموظفين و اخذت تتفقد المرضى مرة أخرى حتى وصلت إلى الاستعلامات الخاص بالطابق ..
اتكأت عليه بمرفقها بملل و اخذت تراقب من حولها حتى رأته قادمًا من جهة السلالم ..
انتصبت بوقفتها و نظرت إلى الممرضتين أمامها ..
قالت إحداهن بخبث محبب وهي تنظر إلى خلفها : مبروك دكتورة ..
نظرت الأخرى إلى يدها الخالية من المحبس و سألت بفضول : دكتورة لسى خاطبين والا قد ملكتوا خلاص ؟
زمت شفتيها بغيظ ..
لن تستطيع أن ترد عليهن لسببين ..
الأول وهو بأنها أكيدة بأنه قد سمع حديثهن ..
و الثاني وهو وقوفه بجانبها على مسافة واسعة و بيده بعض الملفات ..
ألم تتشدق بجانب عمتها بأنها لا تحتاج لرقمه ؟
و بأنها ستراه و تخبره ؟
لماذا اذًا تشعر بالجبن من مواجهته ؟
لماذا اخذت خطواتها تتسارع حتى غادرت ؟
لماذا عندما وقعت عيناه بعينيها شعرت وكأنه قد امسك بها متلبسة ..
هي ليست للزواج ..
هي لا تعرفه ..
و لا تعلم كيف ستتعامل معه ..
كيف تخبره ؟؟
هل ستستطيع ؟؟
وصلت إلى غرفة الموظفات و دخلتها ..
خلعت معطفها و علقته على المشجب الخاص بهن ..
حملت حقيبتها ثم خرجت ..
غادرت المشفى على عجل و دون أن تهتم بأن دوامها لم ينتهي بعد ..
وصلت إلى منزل عمتها فوجدت السكون يعم ..
دخلت إلى غرفة عمتها فرأتها نائمة ..
تقدمت إلى هاتف عمتها و نقلت رقم هاتفه إلى هاتفها ثم غادرت ..
بعد أن ابدلت ملابسها اخذت تقلب الهاتف بين يديها ..
ماذا تقول !
وكيف تبدأ ؟؟
هل من الصحيح أن تفعلها ؟؟
هل سيتفهم ذلك ؟
اخذتها الحيرة و قد مرت عدة ساعات وهي على حالها ..
تفكر بمخرج ينقذها ..
قضت باقي يومها بروتينها المعتاد ..
حضرت لها و لعمتها العشاء ..
لم تأكل الكثير ..
و لم تناقشها عمتها كعادتها عندما تراها تهمل أكلها ..
فهي تشعر بتشتتها العميق ..
نظفت المطبخ و عندما انتهت عادت إلى غرفتها ..
لقد اهتدت إلى حل وحيد ..
و لكنها متوترة بأن تبدأ ..
لا تريده أن يأخذ عنها أي فكرة سيئة ..
و هي بالحقيقة تظن بأنه قد اخذ و انتهى بعد ما حصل مع فهد ..
اشمئزت ملامحها عند ذكره ..
و رفعت هاتفها بإصرار و عزم ..
،
نلتقي في رقصة أخرى
قراءة ممتعة 🍃
|