نبرة الإزدراء التي كانت في صوته , جعلت مارتينا تفقد صبرها تماماً , وهمت بأن تهجم عليه وتنشب اظافرها في لحم وجهه الأسود , لكنها تمالكت نفسها وقالت " إنك سريع الحكم ايضاً اعترف بأني قصدتك باحثة عن ملجأ ولكن ليس لي بالذات بل لهذه الرسوم . فكرت بأنك ستحتفظ بها عندك حتى اعثر على مكان لنفسي وظننت انك لو لم تفعل هذا من اجلي , فعلى الأقل ستفعله من اجل أمي. وها أنا الآن قد اكتشفت خطأ ظني "
اطلق ضحكة قصيرة وقال " إذن هذا هو الإحسان الذي جئت تطلبينه , يؤسفني ان اقول انني لا استطيع تلبيته لك, ما يزال في هذا البيت اناس ستسبب لهم إثارة ذكرى امك بهذه الصراحة الماً كبيراً . عمى واحد منهم وهو مريض منذ سنين , وافضل ان لا ينزعج بسبب هذا الموضوع "
لم تصدق ما سمعته بآذانها إلا بصعوبة ,ترى ما الذي حدث هنا خلال تلك السنوات ؟ لا يمكن لشيء ان يشوه ذكريات لورا كيك عن دومنيك تريفينون"
شعرت فجأة انها ترتعش. وقالت وهي تخرج صوتها بصعوبة " لا اعرف ما الذي جرى ويجري هنا . ولكن كل ما استطعيه هو ان اغادر حالاً . وأنا اعتذر عن تطفلي"
حملت حقيبة الظهر من جانب المقعد وسارت نحو الباب لكنه ابتعد عن الطاولة واعترض طريقها قائلاً بنبرة حازمة " إنتظري لحظة , ليس الأمر بهذه السهولة التي تتصورينها ما الذي كنت تريدينه بالضبط من مجيئك إلى هنا ؟"
" كنت اريد شيئاً بسيطاً , ان اترك هذه الرسوم هنا . هذا كل ماكنت اريده , لكن يبدو ان هذا أكثر مما يمكن لغريب ان يطمع فيه "
" يا له من إستعطاف. ولكن لماذا لم تكتبي او تخابري مقدماً قبل صولك؟ ثم هل تتصورين انني تأثرت برواياتك هذه ؟ إنه لم يعد لسوء الحظ إيواء المشردين من إهتمامات عائلتنا , وامك هي سبب ذلك"
"ان تصدق قصتي او تكذبها , هذا من شأنك . ولكن ما قلته هو الحقيقة "

" هل تحاولين إقناعي بأنه لم يرد ببالك ابداً , انه ربما ستجدين مأوى لك هنا؟"
" لا اقدر ان أنكر ذلك"
نظرت مارتينا إليه , كانت نظرته غريبة , وكأن إعتراضها قد ادهشه. وفكرت ان هذا كان كل مايود سماعه منها .منتديات ليلاس
سارت مرة اخرى نحو الباب , لكنه لم يتحرك من طريقها ومرت من جانبه وما أن مدت يدها إلى المقبض, حتى انفتح الباب فجأة بقوة , فتراجعت إلى الوراء خطوة وهي تطلق صيحة خوف .منتديات ليلاس
" انا آسف" قال الشاب الذي دخل وهو يتأمل بنظرة قلق , ثم اضاف " هل صدمك الباب؟ لم اعرف أنك تقفين وراءه , فكرت ان دوم وحده في الغرفة "
" الآنسة ستغادر الآن " قال دومنيك بلهجة باردة .
" حقاً ؟ هذا مؤسف , هل تعيشين إلى جوارنا ؟" سأل الشاب بدون ان يخفي خيبته .
" اعيش في لندن " قالت مارتينا وفي داخلها شعور بالخوف والقلق من ترك البيت في مثل هذه الليلة العاصفة . لو استطاعت ان تقضي ليلتها هذه تحت هذا السقف , إذن لتدبرت امرها غداً. لكنها كرهت الفكرة .منتديات ليلاس
ورغبت فعلاً بترك هذا البيت المظلم الواسع , وهذا الرجل الذي يتمتع بإذلالها , ورغبت ان تعرف ماحدث في هذا البيت حين كانت امها هنا .
تكلم الشاب ثانية قائلاً " حسناً , إذا كان لابد من ذهابك , فكوني حذرة في قيادتك, هناك شجرة واقعة على الطريق . شاهدت جاك وهو يزيحها لكن ربما هناك اشجار اخرى ايضاً"
" لا املك سيارة , اعتقد انه ما زالت هناك باصات في الشارع الرئيسي "

" نعم ولكن عددها قليل , ويتأخر وصولها عادة "
تأملها الشاب طويلاً, ثم نظر إلى وجه دومنيك بينما كان هذا يستمع إلى الحوار وعلى شفتيه إبتسامة باردة , سأله الشاب " ما الذي يجري هنا يا دوم ؟ هل تتركها حقاً تسير كل هذه المسافة حتى الشارع العام في مثل هذه الليلة وفي البيت ست غرف نوم فارغة ؟"
فقالت مارتينا " اوه من فضلك, لابد ان اعود , فعندي اشغالي "
" إذن دعيني آخذك بسيارتي " قال بابتسامة حنونة ادخلت الدفء إليها رغم ما يحدث , ثم اضاف " اين تسكنين ؟ في القلعة , في بورت فينور؟"
" كلا ,في الحقيقة اسكن مع بعض الاصدقاء. ولا داعي لأن تزعج نفسك في هذا الليل"
" ابداً, ابداً , قل لها يا دوم بأنها لا تسبب لنا أي إزعاج , لماذا تقف هكذا ؟ ما الذي حل بك؟ هل ستتركها تخرج من البيت في مثل هذا الليل "
رفع دومنيك تريفينون حاجبيه , وقال ببرود " الآنسة كيلك قادرة على تدبير امورها , إنها شابة ناضجة ولا اظن ان هناك داعياً للقلق بشأنها "
" من ... آنسة كلك ؟"
" اظن انك سمعتني جيداً, والآن اعتقد ان الوقت قد حان لأن اعرفكما ببعضكما , آنسة كيلك , هذا اخي الصغير مارك"
" اظن بعد أن عرفتني لن انتظر منك ان تأخذني بسيارتك "
" ابداً , بالعكس , سآخذك اينما تشائين"
سارت نحو الصالون بدون كلمة إضافية , حاملة حقيبتها ولحق بها مارك ثم سارا بإتجاه الباب الرئيسي , قالت مارتينا " آسفة على كل ماحدث , كنت اجهل ماجرى هنا , حتى هذا المساء حين عرفت ان هناك صدعاً بين العائلتين".ريحانة

قال مبتسماً وهو يدير محرك السيارة " لابد انها صدمة غير متوقعة لك"
" الحقيقة انني ما زلت اجهل تماماً ما ارتكبته أمي هنا , تحدث شقيقك السيد تريفينون عن البؤس والخراب , إني اجد صعوبة في تصديق ان كلانا كنا نتحدث عن الشخصية نفسها . كنت مجرد طفلة حين ماتت أمي لكني لا اتذكر ابداً انها كانت انسانة مدمرة بالعكس كانت دافئة , مبدعة , محبوبة من الآخرين"
" ربما كان ذلك اساس البلاء"
" ماذا تعني بذلك؟"
" اوه , لننس الموضوع . فلا فائدة من نبش الماضي , أنا آسف إذا كان دوم قد عاملك بقسوة , واظن انه لا يستحق لوماً على ذلك , فالأمر لم يكن سهلاً عليه , وأن وصولك تفتح جراحه من جديد. وبالمناسبة لماذا جئت إلى هنا ؟"
" اردت من اخيك ان يحتفظ عنده لي ببعض الرسوم "
تألمها بنظرة جانبية حادة , قائلاً " هل تعنين بعض رسوم والدتك؟"
" نعم "
اطلق صفيراً حاداً من بين شفتيه وقال " يا إلهي , ان هذا حقاً إستفزار , إنه اشبه باثارة عش للنحل!"
" ولكن لماذا ؟" سألت مارتينا وعلى وجهها ابتسامة حزينة , ثم فجأة إلتفتت إليه ورفعت يدها متوسلة .
" اوه , يا إلهي , إنني آسفة , هل تستطيع ان تعود بي إلى البيت ؟"
" لماذا بحق السماء؟" سألها مارك مستغرباً . واوقف السيارة .
"لقد نسيت الرسوم على مكتب شقيقك " قالت .ريحانةمنتديات ليلاس

تألمها مارك للحظات ثم قال " في الحقيقة لا انصحك بالعودة ثانية إلى هناك "
" لا احتاج إلى نصيحتك, أنا ايضاً لا أود الاقتراب من ذلك البيت , لكني اريد رسومي"
" اسمعي يا عزيزتي , سأوصلك إلى المكان الذي تقصدينه اما الرسوم فسأجلبها لك صباحاً, ما رأيك ؟"
هزت مارتينا رأسها غير مقتنعة وقالت " افضل اخذها الآن , لكن يبدو انه لا خيار لي "
" سأجلبها لك غداً صباحاً. هذا افضل , صدقيني " قال مارك هذا وحرك السيارة .
" لم اكن اعرف انني منبوذة بهذا الشكل "
" كلا, لست كذلك , ليس ذنبك "
خيم الصمت بينهما لفترة , ثم سألها مارك " هل تعرفين شيئاً عن موضوع الزورق؟"
" كلا, أي زورق؟!"
" حكاية الزورق" قال مارك مكملاً حديثه " حسناً, هل امك وهي تردد اسم الليدي لورا "
" لا , إن اسم أمي هو الليدي كيك, وليس ..."
" كلا, كلا , الليدي لورا ليس اسم شخص , وإنما هو اسم زورق, صممه العم تيفولا , فقد كان في البحرية , وحين عاد منها بعد الحرب اقنع والدي بتأسيس مشروع لصناعة الازوارق. وكان اسم النموذج الذي صممه للإنتاج هو الليدي لورا باسم امك ,على أي حال لا اريد إزعاجك بتفاصيل هذا الموضوع ".منتديات ليلاس
" لم تحدثني أمي عن أي شيء من هذا القبيل , كانت تحدثني عن تريفينون وعائلته واهله دائماً , كانت ذكرياتها جميعاً سعيدة"
سألها مارك مستغرباً "أهذ صحيح؟ يبدو انها كانت قادرة على خداع النفس ايضاً"
" كيف؟ بالله عليك هلا اخبرتني بما جرى , وما ارتكبت أمي من خطأ؟"