وانسحب وهو يغلق الباب, لكن صوت إمرأة هتفت به من الداخل " إنتظر يا زاك , دعها تدخل "
" ماذا تقولين ؟"
" قلت دعها تدخل , ألم تسمع ؟"
فتح الرجل الباب , ودخلت مارتينا ووضعت حقيبتها على الأرض , ثم انزلت الحقيبة الثانية من على كتفها .منتديات ليلاس
تأملت المرأة , مارتينا بريبة وقالت لها " يمكنك الانتظار في غرفة المكتب حتى يحضر السيد , هناك نار في المدفأة , هل تريدين كوباً من مشروب ساخن ؟"
قبلت مارتينا وهي تشعر بالسعادة لسماحهم لها بالدخول بعد ان كادت تمكث في العراء في هذا الليل البارد , وزادت سعادتها وهي تدخل إلى المكتب . طاولة كتابة عتيقة , تتكدس الأوراق عليها. با لإضافة إلى آلة كاتبة قديمة . مقعد طويل مغطى بقماش بال موضوع امام المدفأة وإلى جانبه مطاولة صغيرة . وعلى الأرض فرشت سجادة مربعة حمراء.
جلست امام المدفأة ومدت يدها المرتعشة نحو النار فسرى الدفء فيها , لكن ما رأته لم يعطها شعوراً بالتفاؤل , وبدا لها واضحاً ان تريفينون يعاني من افول المجد منذ ان رأته أمها آخر مرة . ويبدو ان هذا هو سبب عدم عودة امها إلى هنا مرة اخرى . وربما ان تريفينون نفسه لم يشجعها على المجئ, حتى تبقى تتذكر الأشياء كما كانت وتتذكر الناس هنا كما كانوا .منتديات ليلاس
فتحت حقيبة الظهر التي كانت إلى جانبها , واخرجت الرزمة التي فيها الرسوم , وبعد تردد قصير قامت ومشت نحو الطاولة ووضعتها فوقها .
كانت هناك مجموعة من الصحف والمجلات ملقاة على طرف المقعد بإهمال , تفحصتها بسرعة وهي تعود إلى مكانها , كانت متنوعة تعطى إنطباعاً عن ذوق وشخصية مقتنيها . وهناك صحف محلية بينها , اخذت إحداها وبدأت تطالع صفحتها الأولى , لكنها لم تكن قادرة على التقاط الكلمات بوضوح , وادركت مدى تعبها .

دخلت السيدة حاملة صينية , وضعتها على الطاولة , وتأملت مارتينا بنظراتها طويلاً , فقالت مارتينا " هل ... هل هناك شيء ما على غير ما يرام؟ "
" انت تذكريني بشخص اعرفه , لا اقدر على تذكره الآن لكني سأتذكره "
خفق قلب مارتينا بشدة , ترى هل هذا الشخص هو أمها ؟ لكن قبل ان تسألها , فتح الباب وجاء صوت زاك وهو ينادي " نيزا !" اجابته المرأة ثم خرجت إليه .
اسندت مارتينا ظهرها إلى المقعد باسترخاء بعد ان انتهت من شرب الشاي . واغمضت عينيها وهي تشعر بالدفء والطمانينة بالرغم من جهلها بما سيحدث . وبدأت صور عديدة تتراقص في ذهنها وهي تسترخي أكثر فأكثر , ودفء النار يسري في جسدها ويبدد الألم من اطرافها تراءت لها وهي في غفوتها اشجار تتراقص في مهب الريح , وكلاب تشع عيونها ببريق ذهبي , رأت بيدي ايضاً.ريحانة
لم تعرف كم من الوقت اخذها النوم, لكنها استيقظت فجأة واستوت في مكانها . كانت الغرفة أكثر إضاءة فأدركت ان احداً ما قد أضاء المصباح الرئيسي الذي على الطاولة . وكان هناك رجل في الغرفة , عرفته , انه نفسه الذي التقته في الطريق , كان اسود اللون , وجهه نحيل وحاد التقاطع كأنه من حجر الجرانيت, وله انف مرتفع وشفتان ممتلئتان وغامقتان , وكان منحيناً على رسوم امها يحدق فيها بعد ان فتح الرزمة .منتديات ليلاس
التفت إليها , وحدق في وجهها بوجه غاضب, فسرت في جسدها قشعريرة , حاولت ان تقنع نفسها بأنها ما زالت غارقة في حلمها , لكنها ادركت ان الأمر حقيقة وليس حلماً حين تكلم بغيظ .
" من انت بحق الجحيم ؟ وماذا تفعلين هنا ؟" ثم اضاف بعد صمت قليل " عندك دقيقتان لتجيبي على سؤالي قبل ان ألقيك إلى الخارج "

نهاية الفصل

4 - حنين في الليل

غرقت مارتينا في الصمت للحظة ثم قفزت واقفة بإنفعال غير مبالية لشعرها الذي إنحلت عقدته وانساب على كتفها مثل شلال من ذهب وصاحت بغضب " ولكن من أنت حتى تحدثني هكذا ؟ ولماذا فتحت تلك الرزمة , إنها خاصة للسيد دومنيك تريفينون , ثم بأي حق دخلت الى هنا؟"
" انت التي دخلت هنا , وليس أنا , يكاد وقتك ان ينتهي لذا انصحك بأن تجيبي على اسئلتي "
" لا ارغب في قول شيء . اريد التحدث الى السيد تريفينون فقط"
" اظن أنك لا تمارسين لعبة سمجة معي , وانك حقاً لا تعرفين من أنا "
جمدت مارتينا في مكانها وعيناها تحدقان في وجهه بدهشة , ثم همست " كلا , لا يمكن , انت لست ..."
" بل اؤكد لك , انا دومنيك تريفينون, أنا من اطلق عليه لقب ملك كورونول غير المتوج , وهذه هي قلعتي "
" كلا, لا اصدق ذلك, لا يمكن ان تكون أنت دومنيك تريفينون, انت لست كبيراً في السن"
" أهذه كلمة إطراء؟"منتديات ليلاس
" كلا, إنها ليست كذلك ولكن حسب ما اعتقد أن دومنيك تريفينون الحقيقي هو الآن في الستينات من عمره على الأقل "
لم يندهش من قولها , بل احن رأسه , وكأنه يوافق على ذلك , ثم قال بهدوء " الآن اخبريني من أنت , وماذا تريدين ؟"

سيطرت على انفعالاتها وقالت بهدوء " يبدو انني قد أسأت التقدير ليس أمامي سوى الإعتذار والإنصراف , هل تسمح لي بأخذ رسومي؟"
مدت يدها نحو الرسوم لكنه تجاهل حركتها تماماً . وقال " ليس قبل ان تشرحي لي الأمر , لقد تحدثنا كثيراً حين التقينا في الطريق , فلماذا هذا التحفظ في الكلام الآن ؟ ثم تذكري انك جئت لتسأليني إحساناً".منتديات ليلاس
" ليس منك . بل من شخص آخر, ربما هو لم يعد حياً , والداك ربما او ..."
" عمي , إنه الآن في غرفته في الطابق الثاني "
" إذن هل استطيع مقابلته رجاءاً؟"
" كلا بإمكانك مناقشة أي موضوع تودينه معي , وإذا كان الأمر يتعلق بهذه الرسوم , كأن ترغبين بيعها مثلاً فأؤكد لك مقدماً انك تضيعين وقتك هباءاً"
" كلا, لا انوي إطلاقاً" قالت وهي تحدق في اماكن معينة في الجدار , بدا واضحاً ان رسوماً ما كانت معلقة فيها فيما مضى .ريحانة
وكان هو يراقبها ثم قال " انت على حق, كانت هناك رسوم معلقة هنا يوماً ما وكانت اكثر قيمة من رسوماتك هذه "
" اعترف ان الرسوم هذه ليست افضل اعمالها , لكن لها قيمتها الخاصة عندي, او ان هذا على الاقل ما اعتقده , وإلا لما حضرت إلى هنا"
" لماذا ؟ هل تناسب بيوتاً معنية ؟ إذا كان الامر كذلك فكان الأجدر بك ان تبذلي جهداً أكبر في رسمها "
" كلا, بالطبع , لأن التي رسمتها هي أمي , لورا كيلك , قد عاشت هنا . كان هذا البيت بيتها حين كانت فتاة , وتريفينون عائلتها . العائلة الوحيدة لها حتى تزوجت أبي . اوه, اعرف انها فقدت الصلة بكم جميعاً . لكن ..."
قال مقاطعاً إياها " هل هي التي بعثتك ؟"

اعترضها ببرود , هزت رأسها وابتلعت ريقها قائلة بأسى " لقد ماتت منذ سنوات"
" أنا آسف " قال بلا مبالاة وكأنه يؤدي واجباً ثقيلاً.
رفعت مارتينا رأسها وحدقت في وجهه بغيظ , وقالت بصوت خفيض " إنني سعيدة لأنها لا تسمعك الآن , وانها ليست حاضرة لكي تعرف كم هي غير اوفياء اولئك الذين احبتهم "
" انت سريعة الحكم على الآخرين , لقد قلت انها فقدت الصلة بنا . ألم يخطر لك يوماً ان تسألي نفسك , لماذا ؟ لست ادري الى أي احد حدثتك عن حياتها هنا , ولكني اقسم انها لم تخبرك بمدى الخراب الذي تركته هنا حين رحلت "
" انت تكذب !"
" ولماذا الكذب؟ قد يكون ما قلته مر المذاق لكنه الحقيقة "
ظلت مارتينا تحدق فيه بدون ان تجد ما تقوله , بعد فترة صمت قصيرة, بدأ هو الكلام ثانية وسألها " وماذا عن أبيك السيد روبرت الأنيق , هل هو يعرف بمجيئك إلى هنا ؟"
حاولت بكل ما اوتيت من قوة كظم غيظها وحزنها ايضاً وقالت " لقد مات هو الآخر , وشقيقي جون ايضاً , قتلا في حادث سيارة قبل اسابيع قليلة . وجميع ممتلكاتنا انتقلت إلى عمي , وهذه الرسوم هي كل ما بقي ".منتديات ليلاس
" يا إلهي , إذن هذا هو الموضوع , قصة والدتك نفسها تتكرر ثانية , قبل خمسة وثلاثين عاماً وجدت أمك هنا ملاذاً لها , واليوم تحاولين انت الشيء نفسه " قال هذا بهدوء وهو يهز رأسه .ريحانةمنتديات ليلاس