أرادت مارتينا ان تستفسر الكثير من بيدي عن تريفينون , لكن الزحام في الباص حال دون ذلك.
كانت بيدي رفيقة لطيفة , تمنت مارتينا لو تطول رفقتها لها , وتأثرت كثيراً حين قالت انها تقترب من منطقة نزولها . وادعت مارتينا قائلة " اتمنى لك حظاً سعيداً , وإذا ما رغبت في البقاء فترة هنا . فأرجو ان تزورينا في صالة الفخاريات "
" سأحاول " اجابت مارتينا مبتسمة .
وحين نزلت بعدها بمنطقة , وابتعد الباص عنها , اخذت نفساً عميقاً ومشت بضع خطوات وجدت نفسها بعدها في ظلام . كانت الرياح تهب عاصفة وتبعثر خصلات شعرها على وجهها .
شدت سترتها على جسدها بإحكام , وفكرت بأنها كانت تتوقع نفسها في أي مكان في هذا العالم غير هذا المكان المظلم البارد في هذه المنطقة الريفية , واصلت سيرها باتجاه ضوء تقاطع الشارع, حيث انحرفت هناك إلى اليسار حسبما اوصتها بيدي.
المطر ما يزال يهطل وصوت هدير البحر يأتيها واضح . وجدت نفسها في درب مظلم ضيق محاط من جانبيه بسياج نباتي عال , ولم يكن هناك أي ضوء باستثناء ضوء القمر الخافت الذي كان يطل بين حين وآخر من بين الغيوم.
وتذكرت انها وضعت مصباحاً يدوياً يعمل بالبطاريات في حقيبة الظهر, فأنزلت الحقيبة وبدأت تفتش فيها حتى عثرت عليه . وحين اشعلته كان نوره ضعيفاً غير انه كان كافياً لإضاءة الطريق امامها.
سارت حوالي عشر دقائق , وتمنت لو ان لوحة الإرشاد التي صادفتها في بداية الدرب قد اعطتها فكرة عن المسافة التي تفصلها عن المنزل.
فجأة سمعت صوت ارتطام عنيف بالقرب منها , كان الصوت قوياً حتى طغى على صوت هبوب الريح رغم شدتها وعلوها .منتديات ليلاس
كانت شجرة قوية اقتلعتها الريح العاصفة والقتها على الطريق, ولحسن الحظ لم تصب مارتينا بأذى , لكنها ارتعبت وتوترت اعصابها , غير انها استردت هدوئها بعد فترة قصيرة امسكت غصناً منها وحاولت تحريكها حتى تبعدها على الطريق لكنها فشلت . وعرفت ان هذه الشجرة ستسبب كارثة لأي سيارة إلى البيت او عائدة منه .

فقررت ان تهرع إلى البيت اينما كان وتخبر من فيه بالأمر غير انه لم يمر سوى لحظات حتى سمعت محرك سيارة قادمة من بعيد , فالتفتت فيما حولها واخذت تبحث في الظلام حتى لمحت ضوء مصباحين قويين متجهين نحوها وادركت ان السيارة قادمة إلى تريفينون , وإنها ستصل هنا في اية لحظة وسائقها يجهل الخطر الذي ينتظره في الطريق ركضت إلى منحنى الطريق ووقفت في وسطه وهي تحرك مصباحها على ضوئه يسترعي انتباه السائق واقترب صوت المحرك حتى كان ان يصم اذنيها .
وبغتة سمعت صرير عجلات تتوقف بعنف, وان جسدها قد القي بقوة نحو السياج ثم احست بيدين قويتين ترفعانها وتوقفانها على قدميها .ريحانة
كان رجلاً طويلاً اسود اللون , وكانت ملامحه غاضبة وهو يقول " ما الذي تفعلينه هنا, ايتها الحمقاء؟ كنتِ على وشك ان تموتي !"
حررت نفسها من يديه بغضب وانفجرت في وجهه قائلة وهي تلهث " لا تقل انني حمقاء , وماذا عن نفسك انك تقود سيارتك كالمجنون في هذا الليل المظلم , لو دهستني لكنت انت المخطئ !"منتديات ليلاس
" هل تسمحين ان احيطك علماً بأن هذا طريق خاص, ولا يتوقع احد ان يصادفه عابر مجنون مثلك"
" لست مجنونة , وإنما كنت احاول انقاذ حياتك او على الأقل ان احول دون اصابتك بجروح "
ساد صمت ثقيل , قطعه صوته وهو يتسائل باستغراب " ماذا تقصدين ؟"
" هناك شجرة واقعة على الطريق خلف هذا المنحنى , كنت ذاهبة لأخبر احداً في البيت حين سمعت صوت سيارتك وفكرت انه من الأفضل ان ابقى واحذرك حتى لا تصطدم بها "
" انتظري هنا... " قال بغتة وذهب إلى سيارته , أدار محركها وسار بها إلى ما بعد المنحنى , ثم اوقفها هناك, وعاد ماشياً.

" يبدو انني ادين لكِ بكلمة اعتذار " قال بهدوء ثم اضاف متسائلاً "ولكن ماذا تفعلين هنا؟ هل أضعت الطريق؟ هذا طريق خاص يؤدي فقط إلى ..."
قاطعته مارتينا قائلة " إلى تريفينون , اعرف ذلك, انني لم اضع طريقي لكنني ذاهبة إلى تريفينون, أريد السيد دومنيك تريفينون"
" حقاً ؟ وهل السيد تريفينون يتوقع وصولك؟"
" كلا, وقد حذرني احدهم قبل قليل بأنه متعجرف جداً, ويحسب ملكاً غير متوج على منطقة كورنوول ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً , فأنا ذاهبة لمقابلته "
" ولماذا تصرين على مقابلته؟ أليس من الأفضل ان تبتعدي عنه وقد عرفت طباعه ؟"
" لابد ان أراه , اريد أن اسأله معروفاً"
" وهل تعتقدين انه سلبي طلب عابرة سبيل غريبة مثلك ؟"
" بداخلي شعور بأنه سيساعدني , بالاضافة إلى انني لست غريبة عنه تماماً؟"
احست مارتينا انها تحدثت اكثر مما ينبغي , لذا اجابته قائلة " آسفة , هذا أمر يعود لي" ثم اضافت بعد توقف قصير " اظن انك صديق مقرب منه , وانك في طريقك اليه وستخبره عما قلته عنه , لا تتردد في ذلك , فلن يغير ذلك شيئاً" .منتديات ليلاس
حاولت ان تتحرك من مكانها , لكن ألماً شديداً في اطرافها شلها عن الحركة .
" هل تآذيتِ ؟ لقد صدمتك السيارة بعنف"
" اوه لا تقلق , اظن انني ما زلت قادرة على المشي "
" قفي منتصبة , دعيني افحصك, ربما اصبت بكسر"
وقفت مارتينا في مكانها واسنانها تصطك من الغيظ والألم وهو يفحص اطرافها بدقة وعناية .

" شكراً لك, يبدو انك طبيب بيطري"
" ليس بالضبط , من المفيد ان احذرك من الكلاب. إنها غير متعودة على استقبال الغرباء في البيت "
" يا إلهي !"هتفت مارتينا بخوف , غير انه كان من العسير عليها ان ترى وجهه بوضوح حتى تعرف فيما إذا كان يمزح أم جاد في قوله .وسألته "وهل هي كلاب شرسة؟"
" ذلك يتوقف عليكِ, لا تحاولي إثارتها "
" اتظن ان الأمر سيكون أفضل لو عرفت اسماءها ؟"
" اظن ذلك, احدهما يدعى كوكى والآخر ماكس "
حملت مارتينا حقيبة الظهر على كتفها والحقيبة الاخرى في يدها , وهمت بالسير لكنه قاطعها قائلاً " سؤال اخير لو سمحت , كم من الوقت تودين البقاء مع تريفينون؟"
ارادت ان تقول له ان جل ما تطلبه هو قضاء هذه الليلة تحت سقف يحميها , لكنها ضبطت لسانها وقالت مازحة " لنرى كيف تسير الأمور , ربما سيهواني ملك كونوول "
" سيهتم بك حتماً" قال ذلك بنبرة لطيفة وهادئة .ريحانة
***
سارت في طريقها مرفوعة الرأس , متحاملة على نفسها بدون ان تعرج حتى اجتازت منحنى الطريق واصبحت خارج حدود ضياء مصابيح السيارة , كانت الريح قد خفتت لذا بدا صوت إرتطام امواج البحر بالساحل اكثر وضوحاً وكان المطر قد توقف ايضاً.
وعلى ضوء القمر الذي ظهر من بين الغيوم المتسارعة , بدا هيكل البيت واضحاً , المداخن والسقف , وعلى جهة اليسار كان هناك ضوء مصباح في إحدى نوافذ .
احست مارتينا بموجة حنين تغمرها وهي تتذكر رسوم والدتها , وامتلأت عيناها بالدموع . وعلى مقربة منها نبح كلب وتبعه كلب ثان . وفي البيت أضئ ضوء آخر , وكأن هل البيت يستجيبون لنداء الكلاب .منتديات ليلاس

بالطبع قالت مارتينا لنفسها انهم ينتظرون زائراً . الرجل الذي قابلته في الطريق جمعت كل شجاعتها واتجهت نحو الباب الرئيسي . وقرعت الجرس المثبت على جانب الباب .
اخذ الكلبان ينبحان ويدنون منها , فنادتهما باسميهما فتوقفا قربها . ثم سمعت وقع اقدام قادمة من الداخل , سرت رعشة برد في اطرافها فدست يدها في جيبها , لتخفف من إنفعالها . وانفتح الباب الثقيل محدثاً صوت صرير عميق طالعها رجل بدين وقصير , عيناه تلمعان تحت حاجبين رماديين كثيفان, واخذ يحدق فيها بارتياب , ثم قال بامتعاض " يبدو إنك اخطأت البيت الذي تقصدينه"
اقتربت منه مارتينا اكثر وابتسمت له وهي تفكر ترى أهذا هو السيد تريفينون؟ يبدو حقاً مثلما سمعت عنه من جفاء .منتديات ليلاس
" السيد تريفينون ؟" سألت مارتينا بنبرة حاولت ان تكون واثقة .
" غير موجود "
" أهو مسافر أم انه خارج البيت ؟"
" هذا ليس من شأنكِ , اذهبي الى سبيلك "اجابها الرجل , بينما في تلك اللحظة رن جرس الهاتف في مكان ما من البيت , وهم الرجل ان يغلق الباب وهو يقول " عليّ ان اجيب على الهاتف "
لكن مارتينا هتفت به متوسلة " من فضلك , لقد اتيت من مكان بعيد هذا اليوم . إذا كان السيد تريفينون غير موجود الآن فهل بوسعي الدخول وانتظاره ؟"
" لا " اجابها وقد بدا نبرته انه فقد صبره , ثم اضاف حانقاً " لو كان السيد تريفينون راغباً في رؤيتك لأخبرنا بمجيئك , إتصلي غداً بالهاتف وخذي موعداً لرؤيته , والآن اذهبي "