أطلت من فوق السلالم على الصالة , فرأت ان قاعة الجلوس كانت مفتوحة الباب, وسمعت اصوات الضيوف وضحكاتهم إذن فقد وصل ضيوف المساء . نزلت السلالم ببطء وهي تفكر بأنها لا تدري أي نوع من الحقد ستواجه به .منتديات ليلاس
كانوا جميعاً مجتمعين هناك, واذا وقفت في الباب ادركت انها آخر من وصل. دخلت إلى القاعة بهدوء وقالت بصوت ناعم وجذاب " مساء الخير"
خيم الصمت على القاعة التي كانت تضج بالحديث والضحكات لكن سرعان ما هتف تيفولا سعيداً وهو يبتسم " يا صغيرتي العزيزة , تفضلي. كم تبدين فاتنة ! هيا ليقدم لها أحداً كوباً من العصير "
كان مارك هو من جلب العصير لها , وهمس وهو يقدم لها الكوب " يا إلهي كم أنت جميلة !"
ضحكت بنعومة وهي تخفي نظراتها عنه , ثم قادها إلى المقعد حيث كانت تجلس باربارة إنجلس وكارين , وامرأة اخرى قدموها لها وتدعى ليدي فان تود , ثم سرعان ما استؤنف الحديث الذي انقطع بدخولها .منتديات ليلاس
كانوا يتحدثون عن العطلات , واخذت كارين تتحدث بحماس عن شواطئ كاليفورنيا حيث مكثت هناك عاماً, وتقارنها بالشواطئ الإنكليزية. احست مارتينا بالملل من الحديث , فنظرت إلى تيفولا الذي كان جالساً قرب النار , وهو يتأمل الحاضرين بنظرات مبهمة .
لم تكن مارتينا وحدها صامتة , كانت باربارة ايضاً قد توقفت عن الكلام وبدت ساهمة بعض الشيء . تأملتها مارتينا واحست بنوع من الشفقة نحوها . كانت أمها لورا كيلك محبوبة ومدللة من الجميع , وكان هذا يعوضها عما خسرت وعما لاقت من اهل تريفينون , اما هذه المرأة المتوترة الجالسة إلى جانبها , فهي لم تكسب أي شيء من فعلتها الحقودة تلك , والسعادة التي كانت تتوقعها نتيجة تلك النكاية بلورا كيلك, تلاشت قبل ان تلمحها .

أرادت ان تقبض على ذراعها فجأة , وان تهتف بها , إنهم جميعاً يعرفون ما فعلت ويكتمون عنك لمجرد النفاق , وارادت ان تضع حداً لهذا الموضوع وإلى الأبد . ولكن ليس لها الحق بهذا , فهي ضيف هنا فقط . وتيفولا وحده له الحق في اثارة الموضوع .
ارتشفت من عصيرها , واحست بألم خفيف بدأ ينبض في صدغها . أرادت ان تضغط بإصبعيها على موضع الالم . لكنها توقفت عن فعل ذلك حين لمحت دومنيك يحدق فيها .
كان العشاء لذيذاً وقد اضيئت المائدة بالشموع , مما زاد من لمعان مائدة الطعام , والأواني الفضية ذات الطراز القديم . تظاهرت مارتينا بالأكل , بينما الحقيثة انها لم تستطيع ان تأكل شيئاً , فقد احست بأن بلعومها قد ضاق فجأة بدون ان تجد لذلك تفسيراً.
اما تيفولا فقد كان يحاول دائماً جر باربار إلى الحديث, وكسر حاجز الصمت الذي اقامته حول نفسها . كان يحدثها عن الذكريات , ويسألها عن احداث مضت, وبدأت هي شيئاً فشيئاً تتخلى عن صمتها وجمودها , وتعود إليها إبتسامتها وحيويتها .ريحانة
عادوا إلى قاعة الجلوس بعد ان انتهوا من العشاء , وجلبت أنيز القهوة, فنهضت كارين وتناولت الصينية منها , وبدأت هي تديرها في الأكواب وتوزعها . وكأنها هي المضيفة , ثم اخذت كوب دومنيك إليه وهمست له شيئاً وهي تناوله الكوب, فضحكا معاً. وعادت اخيراً واخذت كوبها وجلست بينما ظل كوب مارتينا فارغاً في الصينية .فأدركت مارتينا إن ذلك كان تعمداً منها . غير انها سكتت , والحقيقة انها كانت غير راغبة في شرب القهوة بأي حال بسبب صداعها , لكنها بذلت جهدها للسيطرة على نفسها من ترك القاعة فوراً, إذ كانت واثقة من ان كارين تريد ذلك , وانها تحاول إشعار مارتينا بإنها غريبة وسط أفراد ينتمون لعائلة واحدة .
" كارين , اظن انك نسيت واحداً لم تقدمي قهوة لمارتينا " قال تيفولا بصوت خشن .
التفت الجميع إليها , فأحست مارتينا بالدم يتصاعد إلى وجهها والخجل يغمرها . وقالت بصوت مرتعش " اوه , اني آسفة "

هتفت كارين بصوت كله عاطفة , ثم اردفت " يا لها من غلطة فظيعة ! " شاهدت كوباً زائداً وظنت انيز قد اخطئت في العدد ثم اطلقت ضحكة خفيفة واضافت " لقد حسبت ان المجتمعين هنا هم أفراد العائلة فقط "
تكهرب الجو فجأة بعد كلمتها , ولم يبقى هنالك شك بأنها قصدت اهانة مارتينا , اما مارتينا فشعرت بأنها صنعت على وجهها علامة .
سبق دومنيك الآخرين في النهوض . اتجه نحو الصينية وملأ الكوب بالقهوة وقدمه إلى مارتينا . شكرته بكلمات غير واضحة .منتديات ليلاس
واختطفت نظرة إلى وجهه. كان هادئاً لا أثر للغضب فيه لم يكن راضياً عن سلوك كارين بدون شك , غير انه لم يبد أي احتجاج على كلماتها الجارحة. ربما كانت تلك الكلمات تعبر عن إحساسه هو تجاهها. اما كلمات تيفولا فقد كانت غاضبة بحيث اربكت مارتينا في مكانها , حين قال " ما هذا الكلام يا عزيزتي كارين. يجب ان تعلمي ان مارتينا واحدة من هذه العائلة مثل أي واحد في هذه الغرفة "
ادركت كارين بأنها ارتكبت خطأ شنيعاً , غير انها لم تعرف كيف تتجاوزه , قالت وهي تبسط يدها أمامها " بالطبع " اسأت التعبير " فهمت ان الآنسة مارتينا تعمل هنا كسكرتيرة , ولم يخطر ببالي أبداً"منتديات ليلاس
" إذاً إفهمي جيداً الآن " قال تيفولا وقد غطت وجهه مسحة غضب, ولم يكن أبداً فظاً كالآن , ثم اضاف قائلاً بالإنفعال نفسه " لم اعتبرها في يوم من الأيام سكرتيرة لي , إنها أعز من ابنتي , انها عزيزة مثلما كانت أمها هكذا من قبل "
" تيفولا" هتفت مارتينا به, وهي تعصر وجهها الملتهب براحتها لكنه استمر قائلاً بلهجته القاسية " لا اريد ان يبقى أحد في شك, حول مدى تقديري وحبي لهذه الصغيرة "
ثم نهض فجأة مستنداً إلى عصاه , هرع دومنيك إليه ومسكه من ذراعه قائلاً له بلهجة محذرة " إهدأ "

لكن تيفولا حرر ذراعه منه بعنف وهو يصيح " دعني , انني بخير , تعالي هنا يا مارتينا , اعطني ذراعك عندي مفاجأة لك , لم أهيئها لهذه اللحظة , لكن الأحداث تباغتني "
وبينما هما يتجهان إلى الباب , قالت له بصوت هامس " تيفولا , ما هذا الذي تفعله ؟"
" لا تقلقي , أنا بخير , سيكون الأمر حسناً , صدقيني"
كان يرتعش من الغضب , اما هي فكانت مرتعبة من ان تصيبه نوبة قلبية ثانية نتيجة انفعاله , وتبعهما الآخرون بذهول , وكان وجه باربارا شاحباً مثل وجوه الموتى .منتديات ليلاس
في نهاية السلم اتجه إلى اليمين , وكان تيفولا يلهث من التعب , لكنه واصل سيره بحزم حتى وصل إلى باب في نهاية الممر وتركها , واخذ يبحث في جيبه , قال دومنيك بصوت بارد " تيفولا , لا داعي لكل هذه المأساة إكراماً لي"
لكن عمه لم يجبه , اخرج من جيبه حزمة مفاتيح , وادخل واحداً منها في قفل الباب وفتحه , لم ترد هي ان تدخل الغرفة لكنه سحبها معه . كانت غرفة والدتها , التي ظلت مغلقة منذ ان رحلت هي من هنا , لم تعرف ماذا خبأ تيفولا لها من مفاجأة . لكنه ظل ممسكاً بذراعها , وهي تحدق فيما حولها .
كانت غرفة نوم جميلة ونظيفة , ذات ستائر طويلة خضراء على النوافذ , وفراش أنيق, اما الأثاث فكان من الخشب الثمين ومن الطراز القديم , وكان هنالك حطب في المدفأة , ومناشف مرتبة في زواية , كل شيء ينبئ ان من كان يسكن هذه الغرفة في سفر وانه يتوقع وصوله في أي لحظة , لأنها ظلت مغلقة أكثر من عشرين عاماً.
" ستكون هذه غرفتك يا صغيرتي " قال تيفولا وبحدة وكأنه يتحدى أي واحد ان يعترض .
كانت مارتينا ترتعش , وحين التفتت إلى دومنيك لمحت عليه غضباً بارداً ارتعبت منه . انتابها شعور بأن ترمي نفسها عليه وتقول له " إني آسفة , على كل ما حدث "

لكنها ضبطت نفسها , وادركت انه لن يصدقها , فهو يظن ان كل هذا قد تم التخطيط له مسبقاً بينها وبين تيفولا .منتديات ليلاس
كانت تتأمل الفراش الكبير المزدوج, وتفكر ان هذا الفراش لزوجين التفتت إلى تيفولا لتسأله, لكنه ادرك ما يجول في ذهنها , فقال " نعم ان والدتك رتبت هذه الغرفة , وكنت آمل ان تكون غرفتنا "
قالت باربارا انجلس , التي كانت تقف جامدة كالصخرة , شاحبة الوجه , وقد امتلأت بالدموع " غرفة لورا , يا الهي يجب ان تذكروا الشرف الذي حصلتم عليه بالسماح لكم الدخول إليها بعد كل هذه السنين . ضريح لورا ! " اطلقت ضحكة ساخرة وتركت الغرفة , وتبعتها كارين .
ثم خرج مارك هو الآخر بإشارة من دومنيك متوتراً " اتمنى ان تكون هذه القسوة التي لا مبرر لها قد اراحتكم "
هز تيفولا رأسه بضجر ورد " ما كان قصدي ان يحدث هذا كانت خططي مختلفة عن هذا تماماً , لقد فقدت اعصابي , هذا كل ما في الأمر , ولكن الأمر سيكون على مايرام "
" أأنت من يقول هذا ؟ كيف تتحدث عن المستقبل , إذا كنت ما تزال متعلقاً بالماضي بهذا الشكل ؟" قال دومنيك بصوت مزيج من السخرية والغضب " كفى بالله عليكما , لنترك هذا الموضوع "منتديات ليلاس
قالت مارتينا وهي على وشك البكاء " لماذا ؟ أتفكرين في وقت ومكان مناسبين أكثر من هذا ؟"
قال دومنيك وعيناه متوهجتان من الغضب , ثم استمر موجهاً كلامه لعمه بنبرة ساخرة " يبدو انك كنت حريصاً على الإعتناء بهذه الغرفة طيلة هذه السنين . إنها تبدو نظيفة جداً"
" ولماذا لا ؟ كانت انيز تنظفها بأمر مني كل هذه السنين" وقفت مارتينا بينهما , وهي تريد ان تردعهما عن هذا الحديث المحزن , وقالت بتوسل " رجاءاً , يكفي الحديث في هذا الموضوع , انني افضل البقاء في غرفتي لا أريد هذه الغرفة "