فتحت الدرج الأول, وكانت فيه مجموعة من الملفات الخضراء غير ان أياً منها لم يكن يحمل العنوان الذي ذكره تيفولا ثم بحثت في الدرج الثاني, ولم تعثر عليه ايضاً. وفتحت الدرج الثالث , وهي جاثية على ركبتها , حين سمعته يقول من الخلف " هل تبحثين عن شيء ما ؟"
لم تصادفها في حياتها لحظة كتلك, تمنت فيها لو انها تموت حالاً. او ان تنشق الأرض وتبتلعها في اللحظة نفسها . نهضت من مكانها والتفتت إلى الباب . كان هو هناك , يقف أمام الباب واضعاً يديه في جيبه . يتطلع إليها بهدوء .
اجابت مارتينا بدون ان تتجرأ على النظر في وجهه " نعم, لكني لم اجده "
قال دومنيك وهو ما زال يحدق فيها بوجه عابس " ربما استطيع مساعدتك "
ثم سار إلى الخزانة واخرج مجموعة مفاتيح من جيبه , وفتح درجاً سفلياً, وسحب منه ملفاً اخضر اللون , وقدمه إليها قائلاً ونبرة غضب في صوته " تفضلي هذا ما تبحثين عنه "منتديات ليلاس
ارادت مارتينا ان توضح الأمر له, وتبرر سلوكها هذا , فقالت " اظن انك اسأت سلوكي هذا "
اجابها ساخراً " بالعكس يا ليدي مارتينا , الحقيقة انني كنت اتوقعه منذ مجيئك إلى تريفينون"
خطت خطوتين إلى الأمام , واخذت الملف من يده ودسته في حقيبتها بيد مرتجفة .
" حسناً , اظن ان من الأفضل ان تتركي هذا المكان قبل ان يحدث ما لا تحمد عقباه "قال دومنيك غاضباً وهو يؤشر لها بالخروج , وبينما هو يتكلم جاء صوت إنفتاح احد الأبواب مختلطاً بوقع اقدام آتية وأناس يتحدثون فاستدار باتجاه الممر وسد الباب بجسده وكأنه يحاول إخفاء وجود مارتينا عن الآخرين .منتديات ليلاس

سمعت مارتينا صوت مارك في الممر وهو يسأل " هل شاهدت مارتينا يا دوم ؟ اخبرتني السكرتيرة انها هنا لكنها اختفت "
" إنها هنا في الغرفة " دخل مارك إلى الغرفة , وهتف حالما شاهدها " مرحباً مارتينا , هل تأخرت عليك ؟"
" ابداً , هل نغادر ؟ لا استطيع ان أتأخر كثيراً "
" بالتأكيد , هيا " قال مارك وهو يمد يده إليها , ثم سألها " كيف وجدت بورت فينور؟ إنها شبه مهجورة في هذا الوقت من السنة ".منتديات ليلاس
قبل ان تجيبه مارتينا دخلت إلى المكتب إمرأة اخرى . كانت قصيرة ونحيفة , ترتدي ثوياً وردياً من الصوف , وقد سرحت شعرها إلى الخلف بعناية , لم تشاهدها مارتينا من قبل, لكنها خمنت انها بربارة إنجلس , وهي الأخرى عرفتها . إذ انها حالما وقع نظرها عليها ضيقت ما بين عينيها الزرقاوين , وتأملتها طويلاً وقد احمرت وجنتيها , ثم قالت " صديقة جديدة لمارك؟"
وقبل ان يتكلم مارك اجابها دومنيك " كلا يا بربارة , دعيني اعرفكما ببعضكما , هذه مارتينا كيلك صديقة تيفولا الشابة , والتي ستقضي معنا بعض الوقت مارتينا , هذه باربارة إنجلس سكرتيرة الشركة , وصديقة مقربة جداً "
كانت يد بربارة باردة وهي تصافح مارتينا قائلة " اوه يا عزيزتي , يا للسعادة ! ادخل هذه الغرفة فأجد لورا كيلك واقفة فيها بعد كل هذه السنين . إنها مفاجأة بصراحة , الشعر , والبنية ..."
ثم استدارت إلى الرجلين وقالت وهي تبتسم " بالله عليكما لا تقفا هكذا مرتبكين , لقد حدث ما حدث قبل سنين " والتفتت إلى مارتينا قائلة بحماس " اعرف والدتك جيداً , لكننا انقطعنا عن بعضنا طوال هذه الأعوام , كيف هي الآن ؟"

" ماتت وأنا في التاسعة من عمري, اما والدي وشقيقي فقد قتلا في حادث سيارة في بداية هذا العام"
" وطبيعي جداً انك جئت إلى تريفينون باحثة عن ملجأ"
قالت ذلك وكان صوتها دافئاً وشغوفاً , ثم ضحكت ضحكة خفيفة وهي تقول " يا للسماء , كيف يعيد التاريخ نفسه !"
واحست مارتينا بحرارة شديدة في الغرفة , وان ياقة قميصها الضيقة تكاد تخنقها . التفتت إلى مارك وقالت بنبرة متوسلة " مارك لابد ان اعود إلى البيت "
قالت بربارة بلطف" حسناً, سنتحدث طويلاً هذا المساء. هل اخبرك تيفولا بأننا نجري مباراتنا الإسبوعية في الشطرنج ؟ لم يخبرك ؟ يبدو انه يريد ان يفاجئك بذلك , وسنرتب قريباً ايضاً حفلة صغيرة للترحيب بعودة ابنة لورا إلى البيت "
ردت مارتينا " سيكون ذلك جميلاً , وسأكون شاكرة "
استعادت مارتينا هدوء اعصابها حين اصبحت خارج المكتب وشعرت بحيويتها وهي تسير إلى جانب مارك الذي تأبط ذراعها . وخلفها كانت باربارة إنجلس تتحدث مع دومنيك وتضحك, خمنت مارتينا انها موضوع حديثهما بدون شك , قالت لمارك " قابلت اليوم صديقة لك, تدعى بيدي , تملك مخزناً للفخاريات في سانت إينا ؟"
" اوه , حقاً ؟ كيف هي الآن ؟"منتديات ليلاس
" كانت تبدو سعيدة "اجابته مارتينا , ثم سكتت للحظات , وقالت ثانية " هل سببت لك إرتباكاً في عملك ؟ اخبرني في الإستعلامات انك كنت في اجتماع "

" ابداً كان مجرد إجتماع روتيني ".منتديات ليلاس
فتح لها باب السيارة فصعدت , ثم صعد هو الآخر , التفتت مارتينا إلى الوراء, فلمحت دومنيك واقفاً امام المكتب وإلى جانبه باربارة , لوح لها بيده مودعاً , فردت عليه باشارة مماثلة , ثم استوت في جلستها.
" إهدأي , يكفي إنفعالاً" قال لها تيفولا في البيت , لكن مارتينا انفجرت فيه صائحة " أهدأ .. كيف ؟ لم أر في حياتي إذلالاً مثل هذا , لقد ضبطني في مكتبه وأنا ابحث في الملفات , ولم يعطني اية فرصة حتى أوضح له الأمر"
قال تيفولا وهو يحاول تهدئتها " صدقيني ان الأمر ليس بهذه الأهمية , سأشرحه له بنفس لا تهتمي "
" كيف لا اهتم ؟ اما كان من الأفضل لو طلبت من غيري القيام بهذا العمل , أم انك اردت ان تحشرني في هذا الموقف المحرج فقط "
" كلا يا صغيرتي , دعيني اوضح لك الأمر , لقد كلفتك لإنك ستكونين الحجر الذي سألقيه في بركة ماء راكدة حتى احركها ".منتديات ليلاس
" ماذا تعني بكلامك هذا ؟"
" دومنيك سيخبر باربارة إنجلس بالأمر , وباربارة ستثير هذا الموضوع علناً بدون شك , وانذاك نستطيع كشف الحقائق"
اتسعت عينا مارتينا من الدهشة , وهي تحدق في وجهه باستغراب وقالت " أتعني ان بربارة هي التي سرقت التصاميم وباعتها ؟"
اسند تيفولا ظهره إلى الكرسي , والقى برأسه إلى الوراء واغمض عينيه , وقد بدا متعباً . ثم قال بصوت أشبه بالهمس " هذا ما اعتقده "

" ولماذا لم تكاشفها بالأمر طيلة هذه السنين ؟"
" لا برهان لدي لكي أثبت ذلك "
" ولكن لماذا اقدمت باربارة على تلك الفعلة ؟ ثم لماذا اتهمت أمي بذلك؟"
" لأنها كانت تغار منها . كانت لورا محبوبة أكثر منها , بالإضافة إلى ذلك كانت باربارة تحب والدك , وتأمل الزواج منه "
اخفت مارتينا وجهها بين راحتيها , وهتفت " اوه , يا إلهي . هكذا إذن ..."
" نعم هكذا ..."
" وكيف عرفت ان باربارة هي التي فعلت ذلك ؟"
" من اشياء كثيرة , منها انها كانت متلهفة بشكل غير طبيعي على التقرب منا ومساعدتنا وقد مولتنا بالمال لادامة المشروع حين ساءت امورنا . بالإضافة إلى ما قاله الرجل لي في معرض الزوارق , أن اكون اكثر حذراً في إختيار صديقاتي "
" ولماذا تركت أمي المسكينة تتحمل تبعات جريمة , هي بريئة منها ؟"
" لم يكن الأمر بالسهولة التي تتصورينها . تعرفين انني عطفت حتى على باربارة وفهمت جيداً وضعها النفسي آنذاك والذي دفعها إلى فعل ما فعلت . هناك نقطة اخرى اريد توضيحها لك, بعد تلك الحادثة اصبحنا أنا وباربارة قريبين جداً من بعضنا , وكنت آمل انه مع تزايد إقترابنا ستعترف بما فعلت بفعل عاطفتها نحوي, لكن مع الأسف طال إنتظاري حتى الآن ."منتديات ليلاسمنتديات ليلاس
" وهل تبادلها العاطفة يا تيفولا ؟"
" كيف تنمو العاطفة في جو تنعدم فيه الثقة ؟"
تجمعت الدموع في مآقي مارتينا . وقالت بحسرة " يا لها من خسارة حياة , بل حياتين !"
ابتسم تيفولا وهو يتأمل وجه مارتينا الحزين " ولكني لم أمت بعد, ولا باربارة ايضاً . ما زلنا مستمرين في لعبتنا والحقيقة انها تلعب بذكاء, لكني واثق انها ستخسر هذه المرة "