كاتب الموضوع :
Rehana
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
رد: 4 - ليل المرايا
تنفس المتحدث الصعداء ليتبعه اتهام آخر:
-أنتم أيها الشباب تركضون في الشارع وكأنكم تمتلكونه.رؤوسكم بين الغيوم، متوقعين أن ينتبه الناس لوجدودكم...كم أتمنى لو أضعك على ركبتي لأصفع مؤخرتك.
وجمدت كارين مكانها، منتظرة مضي التقريع.لكن ذاك الصوت أكمل بنبرة ملؤها نفاذ الصبر والبرودة:
- لو تنحيت قليلاً لأمكنني متابعة الطريق.هذا إذا كنت لا تظنين أنك تغدقين علي بالكثير.
لم يفت كارين ما في نبرته من السخرية:
- هلا أعطيتني كتبي لأستطيع بعدها المضي في طريقي؟
- ماذا؟ أو ألتقط كتبك وأدلك إلى الطريق مع مباركتي..أهذا ما تريدين؟
الصوت كان اكثر عمقاً وأشد غضباً.
- أجل... أرجوك.
ران صمت طويل،يمزجه إحساسها بالعدائية البينة وبالقوة التي ظهرت أوضح عندما أمسكها هازاً إياها صوته الرجولي خرج قاسياً من بين أسنانه.
- التقطي كتبك بنفسك أيتها السيدة الشابة، واشكري ربك لأنني لن أسلمك للشرطة بتهمة التهور في السير وسط الشارع.
تحركت خطواته مبتعدة.لقد سببت له الخوف كثيراً، ولا يمكن أن تلومه على غضبه. فقالت:
- أرجوك لا تتركني هنا.أنا آسفة لأنني خطوت أمامك، ولكنني كنت أتمتع بهذا الصباح الجميل وهذا ما جعلني أخطئ في العد.
- أخطأت في العد؟ أخطأت في العد؟ أتحاولين أيضاً عدم الابتعاد؟
فقالت بهدوء:
- أنا لا أرى ... لذا أعدُّ الخطوات بين منعطف وآخر...لكنني اليوم توقفت عن العد ونسيت كم بقي لي من الخطوات لأصل هذا المنعطف.
أحست بالتفاتة حادة منه وبنظرة دهشة تكاد لا تصدق ما ترى لكن بقليل من الانتباه لاحظ أن هاتين العينين الدعجاوتين لا تنظران اليه مباشرة.
ازدادت فترة الصمت، فقالت على عجل:
- أرجوك ... ناولني الكتب والعكاز الذي سأستخدمه ولو كُسر.
ما عادت تسمع كلمات تبدر منه إنما حركة سريعة تبعها وضع الكتب في يدها الممدودة.
- العكاز لم ينكسر أين تضعينه أفي يدك اليسرى أم اليمنى؟
- في اليسرى لو سمحت.أوصلني إلى المنعطف وسأكون على ما يرام بعدها.
وأمسكتها يداه لتقودها،ثم قال الصوت:
- خذي خطوتين الى الامام ثم صعوداً .
تنفست عميقاً ثم قالت:
- عذراً على ما سببته لك فليس من عادتي الخطأ لكن هذا الصباح...
هزت كتفيها مبتسمة باتجاه الأنفاس التي تسمعها وكانت قد شمت عندما أعطاها العكاز رائحة عطر ذكرتها بعبير ليمون الميلاد.أشعرتها قبضته الثابة على ذراعها وصوته المنبعث بأنه رجل طويل القامة.
- أي مكان تقصدين؟
- أقصد المكتبة الواقعة عند الزاوية التالية.
- وكيف تعرفين أنها عند الزاوية التالية؟
- لقد سرت حتى الآن منعطفين، وهذا يعني أن أمامي منعطفاً آخر أقطعه لأنعطف إلى اليسار خمساً وستين خطوة أُتبعها بخمس عشرة خطوة نحو سلم ثم ست أُخر نحو خمس درجات صعوداً وست عشرة خطوة لأجتاز الباب.
|