كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله(بـ حلة جديدة-2020م) الفصل24 جزء او
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الجزء الثاني من الفصل الرابع والعشرون
ما زال يجلس داخل سيارته المركونة امام منزل جده منذ البارحة
ما زال على وضعه منذ ان ترك الأخير وانصرف
لم يعد لمنزله
قابعاً داخل سيارته وحتى انه تجاهل فتح جهاز التكييف
تعلكت روحه العذاب المضني !
ويشعر بـ الموقف الذي عاشه ينهشه نهشاً مريعاً
وزاد عمره عمراً
اغلق نافذة سيارته التي كانت مفتوحة
واسند رأسه على مقعده
مسح وجهه وجانب عنقه من بعض قطرات من العرق
رغم ان الطقس بدأ يبرد وتقل فيه نسبة الرطوبة بشكل كبير
لكن العرق كان سببه تلهفه الشديد للشراب
والتدخين ايضاً اذ انه كان مدخناً شرهاً فيما سبق !
رباه
عونك
اغلق عيناه بـ شراسة يريد محو نظرة صياح فلا يستطيع
إزاحة صدى بحات انينه على مسامعه فلا يستطيع
بعد اعترافه لجده بكل ما حصل
ظل جده متوسد الارض ويتأمل الفراغ بلا رمشة هدب او نفس صدر
كان فقط يأن بـ اسم سهيل وهو يضرب موضع قلبه بقبضة يده المهتزة الضعيفة
مرة تلو المرة تلو المرة
ومن بين اسم سهيل ...... وسهيل
يدخل اسم نورة هذيان اللوعة والمرارة والفاجعة القاتلة
واسم احمد
احمد كان ضمنهم
ومعهم ...... ووسط صراخ العذاب بصوت صياح المبحوح
يلفظ الاسماء الدامية في روحه كـ لفظ الاسد دماءه من بين انيابه بعد رميه بالرصاص شر رميةٍ ... بـ شر نظرةٍ وشماتة !
بكى
هو ربيع البارد اللامبالي المغرور الوغد
بكى لـ مصاب صياح العظيم
بكى لمصاب روحه هو ... روحه المستغيثة التي تريد الخروج من جحيم دنياه القذرة النتنة
بكى لانه اكتشف انه في نهاية المطاف .... ربيّع الجبان
الذي خان العهد والمواثيق وروابط الرحم المعلقة بعرش الرحمن
بكى وهو يقبّل ركبة جده يتوسله الرحمة
وكان الاجدر به قبلاً
ان يقبل السماء بعيناه ويطلب رحمةِ الله ..... وان يتعوذ مائة بعد الألف
مما قد يحصل به جرّاء فعلته الشنيعة !
ارتد جسده للخلف ما ان احس بشي يضرب نافذة سيارته
كانوا مجموعة من الصبية يلعبون بالمسدسات المطاطية قربه
تأملهم ... فـ تذكر مصيبته الأخرى
عصابة الادوية وتهديدهم إياه بـ ابنه حامد
تمكّن من جمع المبلغ المطلوب
لكن لديه مشكلة لا يعرف كيف يحلها
مجموعة من الشابات الوقحات من العمالة الأجنبية
يهددنه بأنهن سيفضحن عمله مع جماعة الادوية في وسائل الاعلام الاجتماعية ان لم يزودهن بالبضائع التي طلبنها
بـ صورة كاملة له ... وبـ جميع بياناته المعروفة
واسم عائلته
يردن منه ان يتوسط لهن عند رجل الادوية بأن يعطيهن الحبوب المطلوبة اذ ان الأخير يريد السفر لـ شرق آسيا فوراً ولا يريد مزيداً من التعاملات المحلية
ولم يؤخره عن السفر الا المال الذي يتأمل الحصول عليه من ربيّع
سيقتله ابيه على وجه الخصوص ان انفضح امره
ابيه كل همه الآن الفوز في انتخابات المجلس الوطني
دعك عيناه بأصابعه وهو يغمغم بالاستغفار
كيف سمح لنفسه بالدخول لذلك العالم القذر !
كيف ؟
كان في وقتٍ ما يحتاج للمال بشدة اذ انه لا يمتلك وظيفة ثابتة
في وقتٍ احس انه اخذ من والديه المال بما فيه الكفاية .... وكان يريد وقتها اثبات نفسه كيفما كان لـ روزة
رغم ان الأخيرة لم تكن ابداً من اولئك النسوة اللاتي يتذمرن من قلة المال
هي في الأساس لم تعتز للمال ..... اذ انها تمتلك عملها الخاص بالعطور
لكن أراد تبييض صفحته بعيناها
أراد منها ان ترى الجانب القوي المكافح الساعي المجتهد منه
الذي يكسب المال الكثير والكثير فقط لأجلها ولأجل ابنها
لكنه للأسف اختار اسهل الطرق واقذرها
رن هاتفه ...... فـ كانت احدى الشابات اللاتي يهددنه
اغلق هاتفه عن بكرة ابيه بـ عصبية
وهو يفكر بـ حلٍ ما يسهل عليه افلات نفسه من الورطة من غير فضائح
على بعد مترات .. بمسافة عدة سيارات تفرق بينهما فقط
كان ينظر نحو ابن عمه ...... وتعود به ذاكرته لسنواتٍ مضت
هل يقول انه غاضب من ربيّع ... الآن على الأقل وبعد سنوات من الانغماس في عالم آخر لا يمت لعالم آل صياح بأي صلة
عالم المال والاعمال .... وسهر الليالي .... وكفاح الصباحات المتواصلة بلا كلل وملل
لا
ليس غاضباً
هل يقول انه مقهور او عاتب او يحمل الانتقام بروحه ؟!
صدقاً لا
حتى قضية عصابة الادوية الذي هو متورط بها
لا تهمه
كان همه عندما ارسل محمد خلف روزة
ان تعود ابنة عمه لأهلها بسلام
ان لا يحدث لها مكروه هو وابنها وخالها
تقديراً للدم المتربط بينهما فقط
كونها –مهما جرى وحصل- ابنة عمه وشرف ابيها من شرفه
يعطف على ربيّع
يعطف على من كانت افعاله المندفعة وخيانته جريرة حقد ابيه وروحه البشعة وذاته المسمومة !
ربيع كان أخيه
أي نعم حصلت بينهما الكثير من المعارك والمشادات في الصغر والمراهقة
لكن الخيانة العظمى لم تكن لتحدث لولا ابيه وعبدالكريم
يطرق برتابة نافذة سيارته بسلاميات اصابعه
ويتذكر سنواتٍ خلَت
عندما استعاد وعيه كان امام احد خيارين لا ثالث لهما
اما العودة للتهلكة وسط النار وهو خالي الوفاض من ادلة تظهر بياض قميصه الذي اتسخ بقذارات اتهاماتهم
او ينتظر ...
ينتظر بأن يرضى بالحال الذي هو عليه الآن ...... حتى يستطيع جمع كل قواه والعودة كبيراً شافياً من الصدمات
حتى يستطيع فعلها ونيل ما يجعله شامخاً قوياً شماء الجبين بين العرب اجمع
تجلجلت ضحكة عمه الشامتة وهو وحيد معه في المستودع المظلم القذر
لا ينيره الا مصباح عمه القديم
"لا تخاف ... ما برمس عن ابوك الكلب ... يسدني اعترافك بالجرايم ... يسدني والحمدلله مرتاااااااااااااااح واقدر ارقد بعد سنين شقا وعذاب ........ بس لا
لا
بتريا ............ ما برقد الا يوم اشوفك ميت
مب وقت الرقاد الحينه ابد
ههههههههههههههههههههههههههههه"
رأى اليقين بعينا عمه ..... لن يتحدث بأمر ارتداد ابيه
كان همه التخلص منه هو
هو سهيل لا غير
وطالت مدة الانتظار ....... فطال معها مدة المكوث ومدة العذاب ومدة الاشواق المتراكمة
حاول البحث عن اهل الضحايا كي يعرف كامل الحقائق منهم .......... لكن بلا جدوى
اختفوا جميعاً عن بكرة ابيهم
بحث في شمال البلاد وشرقها وغربها
بحث في عمان
بحث في أفغانستان
بحث في كل مكان يمكن ان يجد فيه دليل لصالحه
لكن عبث
اربع سنوات ونصف من حياته عاشها في بحث مستمر بالاضافة الى تأسيسه بمساعدة اخيه عمله
كانت السنة التي تمر عليهم عن مئة سنة ...... من الجهد والبحث والكفاح والنضال والمعاناة
حتى قرر ان يهدأ قليلا ويضع عقلاً سليماً متوازناً وسط عيناه
فـ قرر ان يسلك طريقا اكثر تعبداً واتزاناً واتساعاً
ادرك انه لن ينال حقه اذا ظل طريح الحيرة والتشتت وعدم الاستقرار
فـ ركز في عمله وتطويره ...... ثم قرر الزواج وتأسيس عائلة الخاصة
ومن هنا بدأ تأسيس مركزه الفعلي وقوته التي لا تُستهان في هولندا
يوماً بعد يوم ...... شهراً بعد شهر
الى ان قرر مراقبة كل عائلته من بعيد
قرار عاطفي اكثر من كونه عقلاني في الحقيقة !!
رغم صمته المتواصل وتعامله الجاف المغلف بالاحترام مع الجميع
رغم تجرده من اصوله العربية من اسم وشخصية وحياة
علم بـ رغبة عمه منصور العارمة في الوصول الى العالمية في مجاله لهذا طلب من غابش ان يتعاون معه ...... فـ تلك الصفقة سترفعه للسماء
كذلك سارة/نارة وابنتها
علم بأمرهما فـ اخبر منصور عنهما
فـ ترك له مهمة التعامل مع المشكلة اذ انها تخصه هو وحده !
-رغم انه لم يرغب ابداً بتوريط نفسه هو ديدريك وجواهر عندما اختطف خوليان نارة وتعمد الا يظهر في المشهد بوضوح كي لا يراه عمه حينها-
علم بـ تورط ربيّع مع جماعة الادوية الممنوعة وديونه المتراكمة لديهم وتهديداتهم المستمرة بـ إيذاء عائلته
لذلك ارسل محمد خلف ابنة عمه روزه اذ انه علم من احد رجاله بالخطة التي رسموها بعض رجال الجماعة ليلحقوا الضرر بها وابنها
كذلك علم بقصة مروان طليق مديه فـ أرسل محمد لمساعدة هزاع
لم يكن ابداً من الذين يحبذون بروَزت انفسهم ....... بـ برواز الرجل الخارق متعدد المهمات !
لكنه عندما اصبح صاحب نفوذ عالي في اوروبا
لم يستغل الامر ابداً لشيء يشعره بالرضى
رضى النفس ورضى شعور الغربة فيه
لم يشعر ان لـ نفوذه قيمة الا عندما استغله لصالح من يراهم يستحقون العيش بأمان وهناء ..... من يراهم يستحقون تصحيح مسار حياتهم المعوجّة !
اما حرابته الغالية
الذي فُجع بخبر نية داعش بـ ايذائها
فـ كان شد المهمات صوبةً عليه
حتى انه يومها لم يستطع النوم من شدة القلق والتفكير
صدقاً لم يكن بيده حل الا الموافقة على فكرة ارنود عندما اجتمع معه وغابش عن طريق شبكة الانترنت
فـ حرابة لن ترضى بالاستقالة بنفسها ان علمت ولن ترضى الاختباء كالجبناء
واذا علمت من القيادة بأمر داعش ..... فلن ترضخ بسهولة بل ستواجه ستقف كالنمرة وتواجه مصيرها بنفسها
لكن ما ذنب امها عفراء وظبية اختها !
ما ذنب ابيها ليث !
ما ذنبه هو –سهيل- ليفقد اخته بعد سنين الانتظار لملاقاتها واحتضانها من جديد !
يعلم انها ستغدو كالبركان ما ان تعلم بالحقيقة
تشوشت نظرته بالعاطفة الأخوية ............. لكن الغايات تبرر الوسائل بعض الأحيان يا عين سهيل
اغمض عيناه وهو يشعر بوخز بهما .... وتذكّر رغماً عنه حديث غابش عنها
رباه
لقد شهدت ليلة الحريق
شهدت موته
او من المفترض ان يكون موته
كيف استطعتِ المضي بحياتكِ يا حرابة بعد هذا
كيف !
اهتز هاتفه ذو الوضعية الصامتة
وضعه على الصامت مسبقاً لا يريد لأحد قطع اختلائه الحميمي مع روائح عائلته البعيدة عنه
رفعه ... ليهتف بصوت غليظ خفيض: هلا
..
: شحالك عمي ؟
..
: الحين ؟
..
: ان شاء الله ولا يهمك .. بصلي العصر وبييك
اغلق الهاتف عن عمه منصور ..... قبل ان يزفر بـ مشاعر مثقلة بالكثير
والكثير
ليستعير انتباهه اقتراب سيارة ابن عمه هزاع من سيارته والمرور بجانبه ليسلك الطريق المؤدي للشارع العام
ويبدو ان الأخير لم ينتبه بما حوله
زم فمه بـ تفكير وقرر فعل ما خطر بباله
،,
بعد نصف ساعة
وقف هزاع امام شعيب اخو سعاد امام باب مجلس الرجال التابع لمنزل الأخير ... وقال: تسلم يا شعيب وقفتك كانت وقفة حق مع انك اخوها
شعيب بـ شهامة عالية: الحق حق يا خويه .... ما فينا على المحاكم وويع الراس وانا وعدتك
سعاد لا تقرب صوبكم ولا بتأذيكم ..... خذها كلمة من اخوك
اومئ هزاع بـ رأسه وقال: يعل راسك يسلم
: ومثل ما اتفقنا يا بوعبدالله اربعة ايام عندك و ثلاث عندها ..... يلين يكبرون الأولاد ان شاء الله ويختارون وين يستقرون
رغماً عنه كان قلقاً على اطفاله ... فقال: بوعدنان يوم ايون عندكم خل عينك عليهم
ماعليه ادري وايد انت تعز اختك وتحبها ..... بس انا بعد اعز عيالي واحبهم واخاف عليهم
والشيطان شاطر
هز رأسه متفهماً قلق هزاع فالذي فعلته اخته ليس بالامر الهين ابداً
لقد وضعته حقاً في موضع محرج مخزي
فـ طمأنه شعيب بثقة: لا تخاف بيتمون تحت عيني
هزاع بامتنان: يزاك الله خير
يلا بترخص
شعيب: خلك يا بوعبدالله تعشى ويانا
هزاع بابتسامة رسمية: لا اخويه تسلم ..... يعل خيركم في زود .... ورايه اشغال بخلصها
شعيب: على خير ..... سلّم سلّم على الوالد
هزاع: ان شاء الله سلامن يبلغ
دخل سيارته وهو يزفر بحدة ...... يشعر بالضيق
ولولا اصرار مسك المستمر ولحاقها به على الدوام حتى يحدد مع اخ سعاد تسوية ترضي الاطرف ..... لما فعلها ووافق على الاتفاق
يعلم انها بقرارة نفسها ما تزال تحمّل نفسها ذنب طلاقه بسعاد
وتشعر انها الطرف الغدار الخائن !!
وهو فعل ما ارادته .... رغم قلقه الذي لا يخمد على اطفاله من امهم سعاد
رن هاتفه
فـ كان المتصل ابن عمه
رد بسرعة وهو يرحب بـ رجولية خشنة: مرحبا الساع
،,
بعد العصر
أغلقت الهاتف بعد ان اتصلت بـ نورة تطمئن عليها
فـ اجابتها الخادمة حورية بدل عنها
واخبرتها انهم الآن في مطار ابوظبي ...... ينتوون الاتجاه لـ مكة المكرمة لتأدية العمرة
وان الخالة نورة في دورة المياه –اكرمكم الله-
فـ هزت ريسة بتفهم واوصت الخادمة ان تعتني جيداً بـ نورة
أغلقت الهاتف وهي تحوقل بخفوت
هذه عادة نورة منذ سنوات
ما ان تضيق الدنيا عليها من جميع الجهات
تحجز تذكرة في اقرب طائرة متجهةً لـ بيت الله الحرام ومعها حورية
أسندت يداها على طاولة المرآة الكبيرة
تتأمل وجهها الشاحب المرهق
لم تنم ليلة البارحة ابداً .. كل الكوابيس غزتها
ولولا ان قامت لقيام الليل .... وبكت على سجادتها تناجي الله الراحة والسكينة
لما استيقظت الصباح وهي تزخر بطاقة جديدة ..... وثبات متجدد للمواجهة
للتصدي
للقتال
تأملت صورة زوجها على المنضدة بحنين عظيم
لطالما فكرت بينها وبين نفسها ... لمَ لم تتزوج بعد علي رحمه الله ؟
لمَ لم تعش حياتها بالطريقة الطبيعية
تتزوج وتنجب الأطفال ... الكثير والكثير منهم ؟!
لمَ قررت المكوث مع ابيها ومن ثم الارتضاء بتربية اطفال ليسوا من صلبها !
لمَ ارتضت ادخال حبهم في اعمق نقطة في قلبها والاستغناء عن كل شيء حلوٍ دنيوي ... عداهم هم !
منصور .. سهيل .. ربيع .. مديه .. روزه ......وحرابة
يالله لكَم تحبهم حباً لا يوصف .. حباً يجعلها تشعر بالسقم ان اصابهم مكروه
ابدا لم تفرق بينهم ..... حتى حبها لسهيل ... لم يفق ابداً حبها لباقي ابناءها ..... واولهم ربيّع الذي لطالما رأت غيرته منه وسخطه
احبتهم جميعهم سواسية
وبعد كل تلك السنين
عرفت الإجابة !
اراد الله لها تذوق كل احاسيس الفقد
كل نوع من انواع نزع الروح من القلب
اراد لها الخير بأصفى صوره
من قال ان الخير فقط في الضحكة المجلجلة ...... والصحبة ؟
من قال ان الخير فقط في الزوج والجلوس معه في الانس والرحبة ؟
لتنزع عيناها من عينا زوجها الراحل ....... وتنتقل لـ صورة أخرى
صورة جمعت جميع ابناءها
وكان سهيل في الصورة يجلس قرب ربيّع ويضع يده على كتف الاخير
فـ تجمعت الدموع بمقلتاها المشيبتان
ليست بلهاء ..... ليست بطيئة الادراك !
بعدما اكتشفته البارحة على لسان شاهين نفسه بكل ما جرى قبل سنوات
علمت بحدسها ان ربيّع ابنه كان على علم بكل شيء
كل شيء
وتعلّم ان الأخير قد دخل البارحة غرفة جده
وحصل اعتراف ما بينهما
باستجواب من جده نفسه !
صياح
صياح سمع كل شي
صراخ البارحة وصل لمسامعه بوضوح
لهذا لم تذهب إليه حتى الان
لا تريد رويته مكسوراً
لا تريد رؤية الفاجعة والخيبة بعيناه
صدق او لا تصدق !
ارادت من قبل رؤية الانكسار والصدمة والفاجعة تطفح من ملامحه
ومن قلبه
لكن الان
لا
لا تريد
كل شيء حولها يموج ويدور في حلقة سوداء كئيبة
وكأن كاساً من الماء البارد سكب عليها فـ جمّدتها
يكفيها والله ما حصل ويحصل لها
يكفيها حقداً
يكفيها كرهاً
يكفيها شماتةً ونفوراً
والدها اخطىء في الماضي خطئاً مريعاً –صحيح بسبب مكيدة من عبدالكريم وشاهين- لكن الخطأ ما زال يتلبسه ..
لكن اين والدها القوي آنذاك لتواجهه بقوة وتقول له
"هذه نتيجة فعلتك يا صياح ... فـ خذ ما تستحق" ...........؟
اين هو ؟
والدها بين رحمات الله الان
اصبح ينسى كثيراً ... ويتعب من اقل حركة .... ويعيش أيامه على الادوية كذلك الحبوب المهدئة التي صرفها له الطبيب لتخفف نوبات عصبيته وأرقه الليلي
صياح اصبح يعرف بالظلم الذي وقع على سهيل ..... لكن كيف سيعرف ان كان سهيل نفسه ما زال حياً !
منها ؟
لا والله
لن تستطيع فعلها
لن تستطيع فعلها واخباره انه حي
اخبار نورة اهون عليها واخف وطأةً ... من اخبار صياح ذاته
رن هاتفها فجأة .... لتتنهد بـ ارهاق ..... فـ استلته بخفة وقالت: ألو ... هلا هزاع
هزاع بنبرة حازمة هادئة: هلا عموه ... شحوالج ؟
ريسة: بخير فديتك نحمد الله .. علومك انت وعلوم مديه والعيال ؟
هزاع: الحمدلله كلنا بخير ما نشكي باس
سكت قليلاً ثم قال: عموه عندج شي الحينه ؟
: لا ابويه ما عندي شي .. شو بغيت ؟
هزاع بـ مراعاة: كنت بيي بشلج وياي بس قدني في الوثبة
(الوثبة منطقة خارجية .. خارج مدينة ابوظبي)
ريسة بقلق: فيك شي حبيبي ؟
هزاع: ماشي الغالية ... بس اذا فاضية تعالي صوبي ما عليج اماره .... اباج في سالفة
هل هذا انسب وقت لتتهرب من مواجهة صياح !
لكن المواجهة محتومة يا ريسة فلم تأجليها ؟
لكنها الآن ضعيفة اتجاهه
ضعيفة جداً
يجب ان تصلب نفسها قبل رؤيته على الأقل
وجدت نفسها تقول بسرعة: انت وين بالضبط ابويه ؟
هزاع: عزبتي عموه ... ادلين مكانها بالضبط ؟
: هي ابويه ادلها .... يلا يايتنك ان شاء الله
حسناً
تظن انه الوقت المناسب لاخبار هزاع ان سهيل حي
فـ هزاع يجب ان يعلم اذ انه هو من اخبرها اول البشر بموضوع سهيل واحتمالية انه ما يزال عائش يتنفس هواء الدنيا
بعد مغيب الشمس
كانت تدخل المجلس المتواضع التابع للمزرعة الكبيرة بكامل هيبتها المعروفة بها
وهي تعدل برقعها على انفها الطويل بـ حزم .... وتحدق امامها بالأثمد المرسوم داخل عيناها
ألقت السلام بصوت رنان
لتأتيها ثلاث أصوات ترد السلام عليها
صوت هزاع
ومنصور
وسهيل
اتسعت عيناها من اسفل برقعها بـ خفقاتٍ وصلت حنجرتها حتى مخها
ونزعته مصدومة وهي تقول: بسم الله الرحمن الرحيم
اول اسم نطقته بل اول وجه سقطت عيناها عليه
كان منصور !
: منصور !!
وقف منصور بقامته المديدة .... وباستقامة صدره
وهو يبتسم لأخته الكبرى بـ ودٍ خالص
دنى من رأسها ..... تحت عيون الشابان الآخران .... وقبّله
لمست صدره .... وهي تتنشق رائحته بـ شوق كبير
لكن صدمتها بـ الصورة التي تحتوي على ثلاث اشخاص لم تعتقد انهم سيجتمعون معاً ...
اكبر واشد
: شـ شو السالفة ؟!!
نظرت نحو هزاع بذات صدمتها واكملت بتلعثم وهي تنقل عيناها منه الى سهيل: هزاع
هزاع ..... كيف .....
اقترب سهيل من هزاع وعيناه تبتسم لـ امه الروحية يريد تخفيف وطأة الصدمة عليها
ربّت على كتف هزاع برجولية فاخرة ..... ثم قال:
هزاع يعرف امايه ... تقابلنا من كم يوم وعرفني ما شاء الله عليه على طول
ما جني مفارقنّه سنين
هتف هزاع بتهذيب رجولي .... وهو رغماً عنه يكن لـ سهيل احتراماً وتقديراً بالغان: سهيل ما ينتسى
خفقاتها اشتدت
وهي تلمح الود المتبادل بين أبناء العم
لتستوعب ان منصور امامها بعد رحلة طويلة
منصور الذي كانت بأمس الحاجة إليه في الفترة الماضية
ارادته بشدة وهي تكتشف افظع الحقائق في حياتها
افظع الحقائق عن اخيها شاهين ..
احتضنته بقوة .... وانهمرت دموعها رغماً عنها:
حبيبي وحشتني
احتوى رأسها الصغير حول ذراعه وبصدره وهو يهتف بـ اجش: ليش الصياح يالغالية ؟!
اقترب منها هزاع .... تحت وطأة دموعها المريرة .... لتجد نفسها تخرج ما فيها بـ هلاك: تـ تعبت .. تعبت والله
بسني
اللي شفته يسدني والله
يـ يسسسسدني
وهو يتأمل هزاع ... ومنصور حول عمته ريسه
شعر بـ الغربة تكتنفه
غربة بـ طعم اثقل/اشد حموضةً من الغربة التي ذاقها سنواتٍ خلَت
احس ان وجوده الآن بينهم
شاذ
غريب
وباهت ................. باهت جداً
وكأنه العنصر المتّشح بالسواد داخل صورة ملوّنة بكل ألوان قوس المطر
رغم هذا .. اقترب وهو يضع يده على ظهر عمته وقال: شي صار امايه ؟
ساعد هزاع عمته في الجلوس ليجلس قربها ويقول:
مديه قالتلي عموه
سأل منصور بحيرة .... وهو يجلس يسار اخته الكبيرة: عن شو ؟
نظر هزاع لسهيل ..... ثم قال بنظرة معتمة: خالوه نورة راحت بيت عمي شاهين والعنت خامسهم كلهم
عرفت ان عمي شاهين ورا اللي صار حق سهيل
قبض سهيل على يده ... بشدة
ولهيب مر امام حدقتيه ......!
لكنه حافظ على تعابير وجهه الجامدة
الضبابية
التي لا تشي بشيء البتة !
رمق منصور سهيل نظرة خاطفة ثم قال لـ هزاع مستغرباً: شو تقول هزاع !! ما فهمت
وضع سهيل يده المنقبضة داخل جيبه يخفي رجفة الغضب بها ...... وقال: بقولك انا خلاف عمي
وقف منصور هادراً بحدة: انت لين متى بتم داس عني !!
هااا !!!
اخفض سهيل عيناه بقسوة
في الوقت الذي اقترب منصور منه ..... وهو يكمل وينفث ثورانه عليه: لا يكون تتحراني معطي اهمية حق اللي ينحسبون عليّه اهل
اشر على ريسه واردف بحرقة لا تُضاهى: امك ريسه بس اللي مخلتني لين الحينه مرتبط بهم .... الاهل اللي مثلهم وشرواهم يستاهلون الحرق كلهمممم
وبّخته ريسه وهي تنظر نحو هزاع الصامت: منصور عيب عليك
ليقول هزاع بتفهم: خليه عموه ... اعرفه عمي منصور اذا عصّب ما يعرف شو يقول
هتف منصور لهزاع بـ عنف: احمِد ربك ما شفت اللي شفته انا
احمد ربك بس
هاييل وحوش مب اوادم لعنة الله عليهم كلهم
وفوقهم شاهين الكلب
وضعت ريسه يدها على خدها بـ استنكار ...... وهدرت موبخة بغضب: خلاص منصور خلاااص
لم يبالي منصور البتة .... حيث قال وهو يوجه حديثه لـ هزاع: قولي انت
اشر على سهيل واكمل بقهر: هذا لو عليه ما قالي شي مول
تنهد هزاع بـ خفة ..... وقال لهم ما حصل ...... معتمداً على ما قالته مديه بالكامل له
مخفياً حديث الأخيرة ..... عن انها اكتشفت ان والدها كان يحب الخالة نورة
فـ ذكر هذا الموضوع يُعتبر إهانة واذحة لـ سهيل ابن عمه
جلس منصور واجماً .. وهو يتكئ بمرفقيه على ركبتيه ....... ويحدّق مطولاً بـ هزاع
ليقول بعدها بنظرة سوداء وهو يصلّب ظهره:
تصدق مب مصدوم ..
نظر لـ اخته وسهيل واكمل بـ ادراك ألهب روحه قبل ان يلهب أرواح من يقفون امامه:
تصدقون وتآمنون بالله مب مصدوم ولا شيّاته !
من صارت السالفة وانا حاس في داخلي ان شاهين له يد
كيف وليش ومتى
ماعرف
بس والله قلبي كان حااااس
وقف وهو يمشط شعره بأصابعه بحدة
ولسان حاله يلعن بـ غضب شاهين ويشتمه بـ اقوى الشتائم واشنعها
اخرسته ريسه بقسوة: منصور .. بلا هالالفاظ .. حطلي قدر شوي يا وووولد
هدر بعنفوان: همج ما اسبّه !! تتحرين اللي أقوله عنه قلة احترام لج !!
ليش يا ختيه العوده ؟!
لا يكون تتحرينه يستاهل المديح ولا يستحق انشد له المعلقات !!
زمجر وهو يؤشر نحو سهيل الواقف بصمت تام: هالانسان هذا شو ذنببببببببه !!!!
شو ذنببببببببه !!
اقترب سهيل منه .... وقال يريد تهدئته: عمي خلاص اهدا
امايه ريسه عصبت لانها ربتنا ما نتلفظ جدامها الا بالشي الزين
اشر بيده بـ استخفاف ساخر غاضب: هذا كان زمان .. يوم كنا يهال
الحين كل واحد فينا قد الثور
وابتعد عن سهيل بطريقة فجة ليخرج للخارج
يريد استنشاق هواءاً نظيفاً
هواءاً لا يذكره انه ابن صياح
وانه من آل صياح
يكفيه عاراً وذلاً
والذي يزيد في نفسه الضيق
سهيل نفسه
يراه ولا يكاد يعرفه
غريب على نحو يشعره بالارتباك
صامت على نحو يشعره ان هناك آلافٍ من الجيوش المجيّشة خلف نظراته الخرساء
أي نعم اخبره واجابه عن كل إجابة أتت لعقله
وكل شيء كان يجهله
وأول شيء ..... والاهم
كيف نجى !
لكن ريبته من تصرفاته ...... تتفاقم في روحه
اخفض جبينه وهو يمسد شعره للمرة العاشرة للخلف
متذكراً تلك الليلة المشؤومة
عندما اخبره سهيل بما فعله العم جابر معه
تجمعت الصور بعقله وتذكر ان اثنان من أبناء عمومته جرّاه معهم نحو المجلس مخافةَ ان الأخير يفسد عليهم خطة القتل
جاهلين ان من كذب عليهم بخصوص تجمع العمال امام مجلس صياح
هو من أراد انقاذ سهيل منهم
عجب لهذا الزمان
عجب !
شعر بها تقف قربه .... تتأمل المزرعة الشاسعة
والأشجار الباصقة
بـ حزن مرير حد النخاع
لتقول له بـ اختناق .... اختناق الصدر لم يخفف وطأته النسيم العليل الذي يضرب وجهها: لا تلومني
بعدني مب مستوعبة ان اخويه ......... ولد امي وابويه
جي سوى في ولد اخوه
بصق كلماته بصقاً ملؤه الكره: اخوج من استوى وهو مثل العقرب
مب شي يديد
وضعت يدها على صدرها بـ تهدج/ألم ...... وقالت: ابوك صياح عرف
أغلقت عيناها بارتعاش واكملت بـ حسرة محفورة في الوجدان: يالله
اسمع ونينه عند اذنيه يا منصور
قال بلحظة تهور خرجت مع سنينٍ عجاف تمكنت في روحه المسمومة: يعله يون ويصيح الدهر كله
ما ان انتهى من كلمته ..... حتى شعر بـ كرة صلبة تضرب ظهره
: لين هني وبس
التفت منصور فـ رأى كرة سلة تتأرجح نحو الحشيش ويبدو انها ملكٌ للصغار يلعبون بها عندما يتواجدون في مزرعة ابيهم
كشّر عن انيابه وهو يقترب نحو سهيل .... ليقف امامه وجهاً لوجه
انفه يكاد يضرب انف الثاني
ثم هتف بوحشية مقلتاه:
تبا تظّارب !! ........... عشان منو !!
عشان يدك !!
دفع صدر سهيل بقوة .... واكمل بـ قهر جنوني: قلبك الرهيّف ما تاااب !!!!
دفعه مرة أخرى وصرخ حتى سُمع صداه في ارجاء المكان كله: انت .... انت ما تبت عن غباااااااااااااااائك !!!!
شو ترتيي من يدك زووووود !!!!
شو ترتيي عسب تحامي عنه واداااافع !!!!
(ترتيي = ترتجي)
ليهتف سهيل بـ اعتداد عاصف: يدي الشيخ صياح بن احمد بن صياح
شيخ العرب يميع
ان بغى يقص راسي ........ حلاله
اتسعت عينا منصور بـ ذهول ..... بـ نيران تعصف تعابير وجهه
: حلاله !!
رفع كفه امام منصور ... وقال بنبرة لا جدال بعدها: مثل ما سمعت
حلاله
ثم نظر لـ امه ريسه .....وقال بـ صوت بعيد
بعيد جداً: امايه مروّح انا
اقتربت منه تهمس بلوعة: وين بتروح يا بويه ؟!
ايلس وياي شوي ليش دومك مستعيل !!!
اعطاهم ظهره ...... وقال: اخوج الظاهر نسى تربيتج له
ذكريه
في امان الله
ثم اعطى نظرة خاطفة نحو هزاع
وكأنه يأكد عليه بنظرته الحازمة ..... ما اتفقا عليه فيما سبق
اومئ له هزاع بسرعة ولوَح له مودعاً
،,
(( تدور عقارب الوقت معه بسرعة ، وكأن الوقت عدو قلبي ، عدو نبضي ، عدو روحي . . وذات العيون السوداء لا يرحمني . . كلما نظرت بعيناه ترتد حدقتاي للارض . . اريد ان اقول للعقربتان المستفزتان قفا ، لكن هذا المتوهج المتقد رفيع المستوى يضيعني ، يشتت انتباهي . . اريد ان ادعس على رأس الثانية . . ويد الدقيقة . . وساق الساعة : لكن سموه يرعد اوصال ثباتي . . فـ ما الحل ؟ ))
توقفت عن الكتابة بنزق
دوماً هي هكذا
ما ان تنتهي من مشاهدة فلماً رومنسياً
حتى تتقمص دور البطلة من حيث لا تعلم .... وتبدأ بكتابة عاطفتها نحو العاشق المجهول في احلامها الوردية
يالخيبتها وخيبة طفوليتها
اغلقت مذكرتها بعد ان وضعت قلم الرصاص بداخله
لترى ضي تتقدم نحوها ... وتقول بـ فم مزموم: اين ابي ؟ لقد اشتقت إليه ..... ولقد وعدني ايضاً ان نذهب سوياً لشراء ايباد جديد لي
ابتسمت عيناها لابنتها التي تصبح مدللة جداً عند ابيها
فـ قالت لها بنصف عين: هل اصبحت ماما الآن خارج نطاق اهتمام ابنتها الحبيبة ؟
اتسعت عينا ضي بذهول وقالت: لماذا تقولين هذا يا ماما ؟
نارة بمكر: اصبحتِ لا تحبينني كالسابق يا مدللة ابيها ..
حتى انكِ اتيت الان فوراً بعد استيقاظك من نوم العصر الذي لطالما حذرتكِ منه ..... وانتي تتذمرين من والدك وعدم قدومه الى الآن
قلّدت صوت ابنتها بتفكه: لقد اشتقت إليه
ضربت يد ابنتها برقة ..... واكملت بعتاب كاذب:
وانا ؟؟؟ أليس لي من اشواقك ومحبتك ؟!
احتضنت بطن امها ...... وقالت بميوعة: ماميييييي
انتي معي كل حين
اما ابي فلا
اعتصر قلبها للصدق الناضح من كلمات ابنتها
منصور يختفي اغلب الوقت لإسبابٍ تعود له ولا تتدخل بشأنه
لكنه وللامانة يحرص ان يمضي الوقت معهما في وجباتهم الثلاثة الرئيسية
او على الاقل
اول الوجبتين
لم لا تسأليه يا نارة اين يذهب ؟ .. اين يمضي وقته خارج المنزل ؟
من يرى ؟
من هم اصدقاءه ؟
لمَ لم تسأليه الى الآن عن سبب عدم رؤيتهم لـ عائلته الى الآن ؟
الم يكن يريد هذا من قبل ؟
لمَ يماطل ؟!
نارة
أيتها البلهاء الجبانة
اسأليه
واجهيه وجهاً لوجه
واسأليه بكل صلافة وجرأة ...... ولا تخافي
لم تبنين الحواجز بينكما ؟
لقد افضى بالكثير من الامور التي كانت تقبع في روحه
أمور لم يقلها حتى لـ سارة
رأيتِ منه بالفعل جانباً مختلفاً من شخصيته
اصبحتِ تعلمين انه ليس بذلك السوء
ليس قاتلاً بالمعنى الدقيق ..... فما حصل كان رغماً عنه
لمَ اذا الفجوة بينكما ؟
تخافين ؟
ممَ تخافين يا نارة ؟
انعكست صورتها على شاشة هاتفها المعتمة
تخافين ان يقارن بينك وبين سارة صحيح ؟
تخافين المقارنة
الاختلاف
وتخافين ان فتحتِ له ذراعيك له
لحياتكما معاً
ان يخذلك
ان يؤلمك
كما تألمت منه سارة من قبل
صحيح ؟
تخافين قبل كل هذا وذاك ....... ان تخوضي الحياة معه بأكمل صورها واوضحها
فـ تواجهي الذي لا يُطاق
فـ تُجبري في النهاية على التخلي
على الرحيل
على الهرب ان صح التعبير
فـ تغدو حياتك كـ حلقة دائرية مجوفة ...... مثل السابق
في هروب مستمر من الخوف والوحدة والخيبة
والتفكير المنهك المتواصل
لذلك انت تفضلين المنطقة الاقليمية التي انت عليها الآن
منطقة غير تابعة لأحد
ولا لـ خانة تعريفية
لا لـ مسمى زوجة كاملة متفانية
ولا لـ مسمى زوجة ناشز ..... ومكروهة
زوجة في المنتصف وكفى
حتى لا تخسرين شيئاً في النهاية واولهم ........... قلبك !
،,
بعد ساعتين
اتصلت به ريسة مرعوبة مخطوفة الانفاس من شدة القلق والتخبط
واخبرته انها عادت للمنزل ولم تجد والدها
وهم الآن ... الجميع بلا استثناء
يبحثون عنه
بعد ثلاث ساعات من البحث المتواصل من قبله ..... تمكن من معرفة مكان جده بمساعدة صديقه
ختم حديثه مع محمد وهو يزفر براحة: تسلم محمد ما تقصر
محمد: مب مبينا سهيل
عين الصقر قدرت اطلع لنا موقعه بالضبط
(عين الصقر = أجهزة المراقبة والتحكم الموضوعة اعلى الطرق، والمنتشرة في جميع شوارع العاصمة ابوظبي الداخلية والخارجية)
قال سهيل وهو يشعر ان أنفاسه الهاربة قد عادت لـ صدره اخيراً بعد القلق الذي اجتاحه بشأن جده: يزاك الله خير
اغلق عن محمد الخط ... وزفر مرة أخرى بحدة
وبعد لحظات معدودة ...... كان يوقف سيارته بالمقربة من مكان جلوس جده على صخور منطقة الكاسر
امام البحر تماماً
تأمل ظهر جده بحنين شديد
بشوق اشد
بمشاعر متفاقمة متصارعة في جوفه
يا وجع الروح عليك يا صياح
أهذا انت من كنت تهز جبال الوادي هزاً بقوتك وعتو روحك ؟
سبحان الذي يغيّر ولا يتغير
سبحان القوي الجبار المتكبر
خرج من سيارته واقترب منه ببطئ ..... فهو لا يريد اخافته خاصةً وهم في الليل المعتم
اخفض زاوية عصامته المتدلية .... ليغطي جانب وجهه قدر المستطاع
وقال بعد ان اصدر صوتاً بقدمه كي لا يخيفه: السلام عليكم
ببطئ ..... رفع الجد رأسه نحو الشاب
وهو يرص لا إرادياً على محاجره
ليقول بنظرة ضبابية عميقة: وعليكم السلام
جلس سهيل قربه على الصخرة .... وهو يحاول الا يرفع وجهه مباشرةً نحوه
ليقول بصوت حاول تغييره قدر المستطاع: ابويه شو ميلسنك هني في هالليل ؟!
نش خلني اوصلك بيتك
عاد الجد بانظاره نحو البحر المظلم ...... وقال: يزاك الله خير ولديه خلني مكاني .. مرتاح هني
التفت سهيل ليساره وهو يرمق من بعيد مجموعة شباب متهورين .... ويضايقون المارة بتصرفاتهم الرعناء
عادت انظاره لحيث كانت
ثم نظر لـ جده بطرف عيناه
قاوم بشدة الا يلمس يد جده ..
ليقول بصوت غليظ: نش ابويه نش .. لابد هلك وعربانك يدورون عليك الحينه
حاول الجد ان يدقق بنظره على وجه الشاب لكن البصر خذله
فقال له بصوته المبحوح: شو عرفك انت ان هليه يدورون عليه ؟!
: ا ا ماعرف
قلت يمكن يعني ا ا.....
هتف صياح بسؤال مفاجئ: منو ولده انت يا صبي ؟!
صفى سهيل المرتبك حنجرته ....... فأخبره بصوته الغليظ الذي يختفي اغلبه خلف الشماغ المتدلي
بإسم قبيلة معروفة ....... كذِب عليه ..... وياليته يصفع اكاذيبه وكل ضعفه ويقترب اكثر ليشتم العود المعتق من بين خطوط كفوفه السمراء الضئيلة
اومئ صياح له برأسه واتخذ الصمت مأوى
ثوانٍ مرت .... حتى تنهد بقلة حيلة ...... ولجأت عيناه للبحر مرة أخرى
أخذ يردد بخفوت متهدج:
واعلتي من مصابي وأكثر لحزان
واليعتي من حادثاة الليالي
واحتسرتي لي جرابي ما جرا بأنسان
أبكي حسف وصفج حدا الكف خالي
دمعي تكفكف على الخدين والاويان
مسفوح كالوبل همال وهطالي
أردد النوح بقصا ظامري نيران
وأبث حزني إلى علام لحوالي
سكت الجد وهو ينكس جبينه
ليغمغم بنبرة خدشت قلب حفيده خدشاً: نـ ..... نسيت
ليتصلب جسد حفيده وهو يشد من قبضة يده على بضعةِ احجارٍ صغيرة قربه
اكمل الابيات وعيناه بعيدتان عن عينا جده التائهتان الموجعتان:
مفجوع كسري بعظدي من فقد غلمان
غدرهم البين ومسوفي بطن يالي
برحت جثايث ركايبهم عشا السرحان
وهالو عليهم من كثيب الرمالي
وانا صابني من فقدهم لاعج الهفان
مغبون حتى لاعبا البين بحوالي
اغمض صياح عيناه ......... وهو يهدر بأنّات روحه الباكية: اخخخخخخخخخ يالله
يالله
انا اشهــــد يا ولديه ..... انا اشهــــــد
واكمل بلوعة ســـــــــوداء تبكي القلب:
وأعز تأتي عليهم حاذرة لعيان
طيب الكرا عقبهم ما ظن يحلااااااالي
حزني عليهم مي على غيلان
ما ظني القا لهم في عصري أبداااااالي
لجل فقدهم يا نااااس ما عنه سلوان
لهم حسرة بقلوب صحب وأهالي
تبكيهم الدار والاصحاب والخلان
بكي النسا المولهاة التكالي
عزة لهم كل خوداء من اللحان
بالنوح تصفج بليمين الشمالي
شقن ملابيس لهن والحزن ما هان
ونا من أبكاهن تزايد علالي
ألا يا بني عمي ويا صفوة الشبان
ويا من عليهم عقد رأي وكمالي
أخذ ثارهم ما دام للحرب ميدان
ما دام نار الحرب فيها أشعاااالي*
*لـ الشاعر سالم الجمري
جعّد –بلا إحساس منه- على الصورة الصغيرة التي كانت مختبئة بـ كفه اليمنى
وهو يردد مع دمعةٍ يتيمة سقطت رغماً عنه من طرف عينه:
تبكيهم الدار والاصحاب والخلان
تبكيهم الدار والاصحاب والخلان يا ولديه
شـ حيلتي والبكا ما يفيد
شـ حيلتي والدمع ما يعيد
نكس سهيل وجهه يحاول السيطرة على نفسه
يحاول التماسك والثبات
دمعة صياح انهكت عظامه
دمعته اشد عليه من نيران وادي أبا الجن .... ومن كل اسقام الفؤاد
لتشتد خفقاته .... وهو يسمع جده يقول ... بتبدل حالٍ مباغت ..... بـ بحة متقطعة اشعلت النار في جوفه
وهو يحاول النظر بوجهه:
والله اني اروِح فيك طيبن مب غريب عليه
(اروِح = اشم)
وقبل ان يبدي سهيل ردة فعل
امسك صياح طرف شماغ سهيل وحركه رامياً إياه خلف كتف الاخير
لتتصاعد فاجعته على وجهه الهرم
وسهيل .... ومن هول توتره بحركة جده المباغتة
تحرك بربكة عارمة فـ ضرب اصبع قدمه بـ احدى زوايا الصخور
لكن ما اخرس حواسه كلياً
حتى عن ألم اصبع قدمه
صوت الشيخ صياح ....... وهو يهتف بصوت معذّب
بعيد
وشاحب كلياً: ا ....... احمد
ا ا احمد
و ..... ولديه .......... احمــ ــــد
وصلت خفقاته لـ دماغه
تطرق رأسه طرقاً بهستيرية !
ليكمل جده بفاجعة ملؤها القهر والعذاب وهو يمسك كتفي الشاب الواجم برجفات متواصلة:
احمد شحقه .....
شحقه يا ابويه تسوي فيّه هالسوات ؟!!!!
شحقه تحط يبال على ظهري عقب هالعمر ؟!!!
وبدأ يتكلم ويهدر بكلمات انصهرت في روح سهيل انصهاراً عظيماً
جده لم يعرفه
لم يعرفه
انه يرى ابنه احمد فيه
اي موت سيلحقه بعد هذا
اي موت !!!
ألم يكفه عذاب ؟!
ألم يكفه يالله الخراب الذي حل بروحه واحالها لـ مدينة خاوية منقلبة على اعقابها ؟!
الا يوجد من يوقف هدم انسانيته ..... وازقة روحه القديمة ؟
اشاح بوجهه ينظر للأسفل ... بعينان تحتقنان بلون الدم
هل يعلم صياح انه رضى بالسكوت قبل سنوات ..... لاجله هو ؟
هل يعلم انه رفض البوح بسر والده احمد ...... وفعل المستحيل كي يكمم افواه الذين حوله
فقط لاجله ..... لاجلك انت يا صياح ؟!!!!
لم يهتم بسمعة ابيه الذي لم يعرفه في الحقيقة ..... اذ انه توفي وهو صغير
بل اهتم لخاطر جده
لاجل مكانة جده
لاجل قلب جده ومشاعره وعزته
جده الذي كان بمثابة الاب واكثر
بمثابة العم واكثر
بمثابة النخل والصخر ومياه الوادي واكثر
هل كان بمقدوره رؤية الاذى بروح جده ويخرس ؟
لا ...... حاشى لله
هل كان سيتحمل ان يتكلم الرجال جميعهم عن ابيه احمد بحضور جده
ويشتموه ويلعنوه ويصفوه بأبشع الالقاب
وجده موجود .... ويسمع
وهو يظل صامتاً اخرس الحواس ؟!
ابداً
فليخسأ ان فعلها
فليخسأ الفاً بعد ألف
الا صيـــاح
كان سيدعس على الجميع بـ كذبهم وخداعهم واتهاماتهم وتهديداتهم
كان يستطيع اخراس ريكا حينها عندما اخبرته بحكاية ابيه واخيه .... وهددته بفضح الاسرار
لكن فاجعته تضخمت عندما علم ان عمه يعلم بقصة ابيه
مهدداً إياه هو الآخر
ان لم يضع التهم على ظهره
فـ سيفضح كل شيء.... لم يكن في ذلك الوقت نوايا شاهين الحقيقية
لم يعلم بكل الحقائق الا عند مواجهته إياه بعدها بأيام في المستودع
لكن ووسط معمعمة حياته مع ريكا ... وشاهين
وجماعة عبدالكريم المتسممين بـ شر ابليس
لم يكن هو –سهيل- ليقبَل ان يدخل صياح وسط كل ذلك الهرج المرج
صياح ربّاه ..... وربّاه بإحسان
فهل جزاء الاحسان الا الاحسان ؟!
ليت جده لم يعلم بـ حكاية احمد بعد هذا العمر الطويل
ليت ...................!
لكن الـ ليت ..... دوماً تقتل صاحبها كمداً
تعض بنواجذها على روحه المبعثرة بلا رحمة !
اخفض رأسه
فلا هناك اي كلمة تُقال بعد هذا
ولا فعل يمكن ان يخفف وطأة الفاجعة بقلبه
فـ صيّاح قد نسيَه
نسيَه وهو الذي دعا الله دوماً
ان يكون "هو" اشد الذاكرات سوداوية بأدمغة محبيه وقبلها كارهيه
فـ الذاكرة السوداء ... لا تنسى
لكن يبدو ان رحيله
كان اقل ثقلاً
من ان يوضع في حِجر الزمن الباقي
وصفحات العمر الصفراء المجعدة
بقيَ كل شيء عداك انت يا سهيل
عدا ذكراك الهزيلة المحترقة !
ربّت على يد جده المتجعدة
ولثمها وهو يأخذ انفاساً عميقة وحادةَ الصوت
ليهمس بـ تعابير زجاجية خالية من اللون/الروح:
انت ميهود يالشيخ .. تعال معايه .. بوصلك البيت
ووسط نظرات صياح المتلهفة التائهة الحائرة .. والتي تلاحق سهيل كـ ملاحقة الطفل الخائف امه
وقف الأخير ..... وساعد المسن المنهك على الوقوف
لتسقط صورة سهيل القديمة من يد الشيخ صياح
حتى طارت في الهواء وسقطت على صفحة مياه البحر الراكدة
رآه
رآى وجهه في الصورة والتي تعود لـ سنواتٍ بعيدة
لكن ما فائدة الصورة
وجده اعلن محو صاحبها من عقله !
استل هاتفه من جيب ثوبه ...... محاولاً قدر المستطاع الا يفقد اعصابه
الا ينهار
واتصل بـ امه ريسة على الفور
،,
بعد وصول غابش وحرابة للبلاد ..... استقبلهم سائق منزل عبدالرحمن بوالشريس
الذي اخبر ابنه وزوجته مسبقاً ان عشاء الليلة سيكون على شرفهم
رغم ان غابش لم تعجبه الفكرة ولم يرغب بهذه العزيمة برمتها
لكن لأجل امه السعيدة به جداً جداً
ارتضى وقبِل من غير اعتراض
عندما سلكت السيارة الطريق العام للتوجه لمنزل أبا غابش مباشرةً
استرخى غابش بجلسته خاصةً بعد ان نزع عنه لباس الغرب ولبس الثوب العربي
اعطى السمراء المليحة الجالسة قربه نظرة خاطفة
وهو يفكر بـ سبب صمتها التام من قبل ان تقلع بهم الطائرة
صمت يثير التوجس والريبة
صمت يختلف عن صمتها الذي تتخذه بالعادة عندما لا يحصل بينما حوارٌ ما
او نقاش من نوع شيّق !
برقت عيناه مكراً واقترب
همس بأذنها بضعة كلماتٍ من تلك الكلمات التي اصبح يعلم انها تلين تصلب تعابيرها العفوية
لتبتسم له بجمود ... جمود تام !
لا
هناك خلل ما
وهو يستشعره كما استشعار الاسلاك للتيارات الكهربائية !
ليراها تصلب ملامحها مرة أخرى ..... وتنظر للنافذة من غير ان تنبس ببنت شفه !
شتّان بين هذه الحرابة
وحرابة التي ذابت منذ أيام بين يداه !
خفق قلبه بقوة وهو يتذكر بريقها الانثوي
بريق قهقهتها بتلك الطريقة الرزينة التي اصبحت تسلب لبّه وتحيل قلبه المعتل الرمادي الى جنة نعيم بـ عصافيرٍ ضاحكة
يحب تلك الشامة الصغيرة التي لا تكاد ترى اسفل شفتها
يحب طريقتها في كتم ابتسامتها المتفكهة رغبةً منها "كما تعتقد" الا تزعزع شخصيتها وثقلها
يحب كيف تهتز نظرتها وتتقطب حاجبيها عندما تشعر بالخجل
يحب كيف ترمقه باهتمام كلما شعر بالتعب خاصةً بعد عمليته
رباه
يحبهـــــا
هو غابش
اصبح يحب حرابة رسمياً
وبشـــــرع الحــــب والقلـــــب ..... والـــــروح !
اخفض عيناه بـ مرارةٍ ماكنة
هل سيغفر لنفسه خداعه لها ؟!
هي لن تغفر له ...... يعلم هذا يقيناً
لكن هو .... هل سيغفر لنفسه كسر روح هذه الهامة المجسدة على هيئة انثى نقية ؟
عندما قبِل بتلك المهمة ...... كان بالكاد يعرفها
لم يهتم حينها بما ستفكر به ان اكتشفت خطته
لكن الآن
الآن يالله !
يشعر بالرعب
ليس منها قطعاً
بل يشعر بالرعب لمجرد التفكير انه سيفقدها !
انها ستفلت كالرمال الناعمة من بين أصابعه
التفتت له ... وسألته فجأة ... وبمشاعر خفية كلياً: فيك شي ؟!
هز رأسه بابتسامة بالكاد تُرى ....... من تكدس مشاعره الثقيلة الهوجاؤ في روحه
وقال: لا ...... ماشي
يريد قولها
حتى لو كان معتوهاً بنظرها ولن تأخذ كلمته بجدية
يريد قولها ..
فـ قد تضخمت كلمة "احبك" كالبركان بقلبه حتى تكاد تصل بحممها الى انفاسه ...
الى بيت الداء/الدواء ... الى كل شريان في جسده !
يريد لفظها فيرى تأثيرها على نظرتها ..
هل سترتعش بتلك الطريقة التي يعشقها والتي تخبره انها ملكه
ملكه هو فقط
يريد قولها
قــــــــــول
"احبــــــك"
وكفـــــىٰ
امسك كفها باحتواء ..... لترمقه هي بنظرة مظلمة ضبابية
ما ان فتح فمه ..... لينطقها
انكسرت النافذة قرب حرابة ............. وقبل ان تستوعب الاخيرة ما يحدث
كانت يداه سبّاقة الى عنقها
واخفضها بسرعة واياه ........ اسفل المقعد تجنباً لاي هجوم تالي
،,
بعد ساعتيـــــن
فتحت عيناها بـ ضعف ..... بعد ابرة المسكن التي طالب بها غابش لأجلها في حال كان الألم ما زال موجوداُ
لا تسمع الا أصوات مختلفة .... مصدرها رجال يقفون خلف الباب
أصوات منفعلة
بعضها حاد
وبعضها يتراوح من تهديد
ووعيد
وبعضها نصح وتهدئة وتسكين !
دقائق حتى تمكنت من تحريك جسدها والجلوس على حافة السرير ... حتى تمكنت من استرجاع ما حصل قبل هذا بدقة !
احدهم هجم على سيارتهم
احدهم كان يريد تصويب رصاص على دماغها الا ان غابش تمكن من اخفاض رأسها في الوقت المناسب
احدهم ......
احدهم صدم السيارة من جانب السائق... فـ تأثر جانب جسدها نتيجة لذلك
تأوهت وهي تمسك ذراعها المتألمة
حسناً
ليس بها كسر .... تشعر بهذا فهي ملمّة بهذه الأمور جيداً
لكن تشعر بالكدمات الزرقاء موزعة في كل ذراعها وجانب ظهرها
بتمهل منها ...... وقفت ..... وسارت نحو الباب ..... شيئاً فـ شيئاً
تريد رؤية غابش والاطمئنان عليه
القلق يكاد يصرخ من تعابير وجهها العابسة المرهقة
صحيح انها اكتشفت انه -من المحتمل- انه يكذب بخصوص الحادث
لكن في ذات الحين .... هي -من الممكن- ان تكون مخطئة بتخوفها !
لم تكتشف بعد كل الحقيقة
ولم تتحرى عن كل شيء !
من المحتمل انه قد واجه حادثاً بالفعل .... لكن خارج البلاد !!
كل شيء جائز فلم جهَزت أسلحتها ضده قبل التأكد حقاً !
تأوهت بـ خشونة ....... وهي تقترب من الباب ..... رباه ............ غابش
اسمه هو اول اسم رن بعقلها ما ان احست بالخطر يحوم حولها
اسمه اول اسم ارعبها ........ ارعبها مخافةَ ان يحصل له مكروه
ارعبها مخافةَ ان تفقده وهي التي لم تفكر ابداً بنيله !
لكن انالها الله غابش
انالها روحه الصافية وقلبه النظيف
انالها عتهه الذي بنظرها
كل العقل
وكل الرزانة
وكل القوة والحب والعطاء
يا لوعات الروح
وجوعها
وجفاف ارضها
هل احبته ؟!
بالتأكيد فعلت
احبته
واللهِ احبته
لم تكن تريد الاعتراف بها
لكن نطق بها قلبها ........... احبت ذلك المعتوه المجنون
احبته واحبت تعابيره الخرقاء ...... وتصرفاته المضحكة
عقدت حاجبيها وهي تسمع رجلان يتحدثان بعصبية
كل منهما كان بالكاد يكتم انفعاله وغضبه
،,
في الخارج
أبا غابش بـ وجه ممتقع: شو حالها الحين ؟!
اجابه غابش وهو يكتم بقوة وجع قلبه الفعلي: الحمدلله .. نايمة من اثر المسكن .. الاشعة ما بيّنت ان فيها كسر الحمدلله
بس كدمات
اقترب الطبيب الأجنبي منهما وهو يهتف بمهنية حازمة: يجب ان نستدعي الشرطة
هناك محاولة قتل على ما يبدو
المسعفين قالوا ان طريقة الحادث لم تكن طبيعية
نظر غابش لابيه بعينان غاضبتان ....... انما راجيتان ملؤهما القهر !
وكأنه يطلب منه ان يتدبر الامر وينهيه بمعرفته .... فليس بمزاج يسمح له بالتحدث ابداً لأي شخصٍ كان
فما بالكم الشرطة !
اومئ ابيه رأسه .... رغم انه غاضب منه حد النخاع
كانت حرابة في عهدته ... ووفقاً لكلام الأخير .... كان يتدبر امر داعش مع احد القياديين في الجيش
فـ كيف حصل الهجوم الآن
كيف !!
وأين العيون التي من المفترض انها تراقبها وتحميها من أي خطر محتمل !!
اشر أبا غابش للطبيب .... وقال بصرامة شديدة لا تليق الا بمن هم في مكانته المرموقة: تفضل دكتور .... اريد ان اتحدث معك قليلاً
ترك الاب ابنه بمواجهة أخرى
مواجهة اشعلت غضبه اكثر من ذي قبل
فـ احد المسؤولين بشكل مباشر عن ملف حرابة مع داعش قد اتصل به للتو
استل هاتفه بحدة ..... وهتف من بين اسنانه: شو هالمصخرة اللي صارت يا فهّاد
شو هالمصخرة !!!
وين كنتو يوم حصل الهجوم !!!!
حرمتي لولا ستر الله جان راحت فيهاااااا
اكمل وهو يلتفت حوله بعيناه الحادتان: انا قاعد اسوي واجبي هني .... وكنت اتريا من الجميع يأدي واجبه عشان ننتهي بسرعة من الموضووووع
لكن على ما يبدو قصرتوا وتساهلتوا وايد في مهمتكمممم
هتف المسؤول بـ صوت صارم: ثمّن رمستك غابش بوالشريس
هتف من بين اسنانه وكله يشتعل من الغضب: ما بثمن اللي ما يثمّن جهود غيره ...... واسمعني زين ما زين
انا مب عسكري ولا احمل صفة عسكرية ..... لكن تعرف شو اقدر اسوي اذا شفت تهاون من ناحيتكم
اتصال واحد للشيخ وبتكونون كلكم في خبر كان
انت تعرف زين ما زين مكانة حرابة عند الشيوخ
توتر الرجل على الجانب الآخر ..... وتذكر للتو ان الذي يحادثه هو ابن عبدالرحمن خلف بوالشريس
لكن ابى ان يعترف بخطأه
: غابش لا تهدد نحن نسوي...
زمجر غابش وقد انفجر كلياً ..... ولم يعد يستوعب ان المكان والزمان غير مناسبان ابداً لهذا النوع من الحديث
: سوّيت اللي ما يتسوى يا فهّااااااااد عشان سلامتها .. سبّلت بعمري لين الله شاااااافلي
"سبّلت بعمري = جعلت من نفسي اضحوكة ......... وكان يقصد غابش تمثيلية العته والجنون التي يجهلها في الحقيقة الرجل على الناحية الأخرى من الهاتف"
كنت متحذر لآخر درجة ...... واكيد ما كنت اتريا منكم تخربون شغلي
لاني حزتها بجلب حياتكم عاليها واطييييهااااااااا
انا اذا دشيت في شغله لازم اتممها بالشكل المطلوب ...... وما اقبل اي حد يعترض دربي
ودام انا وانتو في نفس الخط المستقيم اتمنى تتقيدون بالمطلوب وبسسسسس
تسمع !!!!!
المطلوب وبسسسس من غير تهاون
اغلق الهاتف بـ وجه الرجل
ثم استدار ... وهو يتنفس بـ حدة
صدره يعلو ويهبط بعنف
ليتراخى كتفاه بـ خيبة وهو يتأمل باب الغرفة بـ عينان منهكتان مخذولتان
فجأة قرر الدخول
يريد رؤيتها
يريد غرق وجهه بـ حنايا عنقها وتقبيل كل انش من وجهها وفمها
ما ان دخل
حتى رآها تقف امامه بهالتها المُبهرة
التي رغم تعبها
كانت تتوهج
تتوهج كـ توهج الحطب في ليالي الصحراء البدرية الباردة
همس بـ اسمها فقط: حرابة
عيناها جامدتان عليه .... وقفتها متصلبة كـ تصلب الخشب
وتعابيرها ........ تعابيرها لا.......حيّة
بدأ شيئاً فـ شيئاً ... مع اقترابه ...... باستشعار الجمرات المختبئة تحت جلدها
يكاد يلمسها ويحترق بها
اقترب منها اكثر ...... وببطئ
ليهمس بحشرجة: شو تحسين الحيـ....
اسكتته ..... بأن رفعت فقط كفها
واصدرت صوتاً خافتاً قارصاً: اصصصصصصصصصص
ثم قالت بنظرة ميتة خاوية وجميع اصابعها تنطوي عدا سبابتها: انا بسأل
وانت بس تجاوب
: حرابـ......
اسكتته مرة أخرى ...... وهي تغمض عيناها: اصصصصصصصصص
قلت .............. بسأل
وانت عليك تجاوب
وبس
طحن اسنانه بفكين مطبقين
سمعته
يكاد يقسم انها سمعته وعرفت الحقيقة
: انت ................ خبل !
رفع حاجباً بنظرة ضبابية .... ليظهر امامها وجهاً لم تشاهده من قبل
وجهاً رأته اقرب للشيطان من الملاك
تدارك غابش نفسه ..... بأن حاول انقاذ ما يمكن إنقاذه ....... على الأقل
فاقترب منها يهتف بتعابير مصدومة: حرابوووه انتي شو تقوليييين !!!!
وقبل ان يجمع شتات تفكيره
كانت تلتقط ابرة المغذي التي كانت مرمية على السرير
وتجرح خده طولياً بها
لتكشر عن انيابها وهي تهدر من بين اسنانها ..... وبعينان تقدحان شرراً شيطانياً:
جاوب
لم يصدر أي ردة فعل
سوى انه اغمض عيناه بهدوء
مستشعراً الدم المسال من خده وجانب ذقنه
دمه الذي اختلط ببقايا دمها الذي كان في الابرة ذاتها
وكأنها جرحته بدمها هي
مرر اصبعه على خده المدمى
ليدعك فيما بعد اصبعيه ببعضهما ورائحة الدم تتخلل جيوبه الانفية
ثم انزل يده بجانبه
بعد ان حدّق مطولاً بها .............. قال: شو تبين تعرفين ؟
: انت ........... خبل ؟!
رمقها بعينان متراخيتان اجادتا إخفاء الكثير
والكثير !
ليقول تحت وطأة الاشعاع المنبثق من جوانبها
: تبيني خبل بكون خبل
تبيني عاقل .......... بكون عاقل
كم ثوانٍ مرت وهي ترمقه بخواء .... واحساس فظيع ..... مريع
مقيت !
إحساس انك تقف على حبل أدق من الشعرة
وأحد من السيف
تسمع ضحكات الشماتةً والاستغفال والاستهزاء المدمر
ترى اعين الساخرين المستصغرين الجارحين
الذين ارتضوا لها الذل
والمهانة !
لاحظ ارتعاشة فكها
ارتعاشة ارادت السيطرة عليها كي لا تظهر ما يعتريها من اعاصير
لكن فشلت !
فشلت كما فشلت قبلاً ..... وهي تخضع لقلبها لا عقلها
قالت وهي تقترب منه
تتأمل عيناه اللتان اصبحتا اعتم ... واقوى من ذي قبل: منو يعرف ؟!
فهم مقصدها ....... ليقول وهو يخطو خطوة نحوها حتى اصبح لا يفرقهما سوى انفاسهما الثقيلة:
شو بتستفيدين ؟
رفعت انفها ..... وقالت: انا اللي هني اسأل
رفع جانب ثغره بابتسامة قاسية بالكاد تُرى ... بقلبٍ خفّاق
فعلياً كان قلبه في تلك اللحظة يخفق لها هي
هي فقط !
ليفرج عن ذراعيه بحركة مسرحية مرحباً بأسئلتها وقذائفها بصبر وتفهم تام !
ثم قال: تفضلي
تجاهلت حركته التي ظنتها استهزاء
وقالت مكررةً سؤالها: منو يعرف ؟
: مع ان الجواب ما بيخفف صدمتج
بس بجاوب
دار حولها
يتأمل قمة رأسها
كتفيها اللتان تحملان الكثير والعديد من قبلاته الثائرة
وهمساته الخدرة
وأبتساماته الحارة الممتزجة مع نظراتها العذراوية الخجولة ..
: ابوج .... امج ..... ابويه ...... امايه
ووووو
قاطعته بتصلب ....... وقلبها يتضخم من فرط الصدمة: لا تقولها
: و............. امج ريسه
اخذت نفساً عاتياً عنيفاً
لتكتمه لحظات بلا استيعاب
ترمقه بنظرات أليــــــــمة
أليمــــــــــة حـــــد النخــــــــــــــــــاع
حتى مر وقت تجاوز المعقول ...... فأمسك كتفيها يهتف بسيطرة: خذي نفس حرابة
دفعته بقوة
ليتراجع خطوتان للخلف
تصاعد توتره وهو يرى وجهاً فيها اقلقه ... وأثار فيه الكثير من الأفكار المتخبطة
وجهاً جهل معه ما الخطوة التالية التي ستخطوها صاحبته !
قرر التصرف بسرعة .... فـ اقترب يريد لمّها ...... احتضانها .... يريد اخماد نارها
لكن هيهات
من هذا الذي يستطيع اخماد نار حرابة ..
وهي التي ذاقت للتو طعم الإهانة التي رُسمت بأبشع طريقة بحقها !
استقامت بـ قامة انثوية شامخة ...... وهي تبتعد عن مدى ذراعيه
لترمقه نظرةً انحفرت في روحه ..
لم تكن نظرات ذهول
ولا نظرات عتاب
ولا نظرات ألم
بل نظرات محارب طُعن من الخلف على ظهر فرسه !
بانخراس تام ........ شدت من حجابها على رأسها ..... وخرجت تاركةً إياه يتأمل الفراغ المخلف ورائها بــــ ألم !
تحرك يريد اللحاق بها
الا ان ألم آخر داهمه بقسوة اجبره على الجلوس في اقرب مقعد
جلس رغماً عن نفسه ...... متوجعاً
غاضباً
مهزوماً
يريد الصراخ والزئير فلا يستطيع !
رددت نبضات قلبه المرهق اسمها العذب بـ انين موجع
حـــرابة
حـــــ ـــ ـــــرابة
رنيــن
رنين مفاجئ قطع حروف اسمها على لسان وجدانه
كان صديقه
سهيـــــــل
"اذا قبلت يا غابش ... مع اني مب واثق مية بالمية
اذا قبلت حرابة فيك ..... بتكون رسمياً ماخذ مهمة حمايتها ..... وبروحك
محد منا ومن اللي يعرفون بينذكر اسمه ابداً ....... عُلِم !"
ليسند رأسه على المقعد بـ ملامح متغضنة محتقنة ......... متجاهلاً الاتصال مجبراً لا مخيّراً
"كـــــــــــــــــت"
نهاية الجزء الثاني من الفصل الرابع والعشرون
،
(ليلة ابطالنا الطويلة ما انتهت .... ترقبوا الباقي)
،,
"فقـــرة مأخـــوذة مـــن الفصـــل الـ 25"
،
شهقت الفتاة التي كانت حينها تقود سيارتها في الحي السكني ...... لمنظر فتاة أخرى متّشحة بالسواد تكاد تسقط ارضاً وهي تحاول اسناد ظهرها على انارة الشارع الجانبي
: بسم الله ....... منو هاي ؟
ما ان اقتربت بسيارتها اكثر حتى استوعبت ان الفتاة واقفة تقريباً بالقرب من منزل عمها ليث
غمغمت مرعوبة: لا يكون حد من الاهل ... بسم الله الرحمن الرحيم ... سترك يا رب
اوقفت سيارتها بحدة ..... وهرعت خارجة ..... بقلبٍ يخفق بشدة من الخوف
لتقف مكانها فجأة .... وهي تغلق فمها
ما ان ادركت ان التي امامها ............... حرابة !
: حراااااااااااابة
بعيناها الحمراوتان القاسيتان ..... رفعت جبينها المتغضن
لترى ابنة عمها جميلة
حاولت الوقوف لكن رجليها خذلتاها
وياليته خذلان البشر وقعه كـ وقع خذلان الجسد !
: جـ جمـول
اقتربت وهي تصيح بفزع وتحاول مساعدة ابنة عمها على النهوض: يا ويلي عليييييج يا بنت العمممم ..... شبلااااااج ؟؟ شو صااااااير ؟؟؟
غمغمت بـ انكسار ..... لأول مرة تعترف بها .... انكسار مريع حد السماء/الارض: شليني
شليني من ........... هني
من هالمكـــان
كلـــــــــــه
،,
قراءة ممتعة
|