كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله(بـ حلة جديدة-2020م) الفصل 22
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الفصــــــل الثـــــالث والعشـــــرون
يومان اختفى خلالهما منصور كلياً
فقط اعاد ضي ذلك اليوم من المدرسة ورحل .... مرسلاً رسالة شفهية على لسان الصغيرة لوالدتها ان يجهزا كل امورها ويرتبا الحقائب
يومان مروا على نارة ببطىء شديد .... ببطىء كئيب بائس يائس ملؤه التفكير والقلق
لم تجد خلال ساعات الوحدة والتفكير اي حل يرسيها لبر الأمان ... والذي يزيد في قلبها الالم تعلق ضي الشديد بوالدها واحاديثها المستمرة عنه
كيف لها فطر قلب تلك الصغيرة بعد حرمان سنوات منه !!
لهذا فقط استكانت وهدأت واخذت تقرأ القرآن مراراً وتكراراً دبر كل صلاة لتشعر بالطمأنينة
صباح يوم سفرهم ... نهضت بنفسية هادئة ..... متوترة صحيح وانما هادئة على نحو غريب
أتسميه خنوع ورضوخ للواقع ؟ ...... لا تعلم
المهم ان الرعب الذي سكنها يوم ان رأت وجه منصور الآخر ذلك اليوم .. استكان وخفُت لهيبه
دخل الشقة بجمود تام ومباشرةً اتجه للحمام ليستحم ويجهز نفسه
وبعد ثلاث ساعات كانت كل الحقائب امام الباب مجهزة ومرتبة
هتف وهو يضع نظارته الشمسية على رأسه: جاهزين ؟
أومأت براسها صامتة لتقفز ضي قرب والدها وهي تقول بحماس بلسانها الامريكي العفوي: اخيرا سأرى جدي الذي حدثتني عنه منذ اسبوع
وايضاً عمتي ممممممم ..... ما اسمها بابا نسيت
ابتسم لها بـ دفئ واجابها: ريسة
نطقت الاسم بتهجئ: اجل اجل راااا... يسسسه ..... اظنها جميلة مثلك باباااااا
اتسعت ابتسامته وهو يدنو منها ويقبّل رأسها
وبعد رحلة طويلة دامت يوم ونصف .... خرج من المطار وابنته ونارة يلفحهم هواء الوطن العليل الجميل خاصةً في هذا الوقت من السنة اذ ان الشتاء بدأ يطل بخجل على سماء الخليج عموماً
تنفست بعمق مغمضة العينين وابتسمت رغماً
مجروحة من طفولتها هنا
لكن هذا الوطن ... والوطن امان
الوطن حنان .... الوطن اعتزاز واعتزاز وسنان
هتف بنبرة هادئة لـ نارة: تستاهلون السلامة
هزت راسها بخفة وقالت بهدوء: الله يسلمك وانت بعد تستاهل السلامة
اشر بأنفه نحو احد سيارته المركونة التي وضعها صديقٌ له مسبقاً كي يستخدمها ما ان يصل للبلاد
: السيارة مبركنه هناك
ثم مد يده لابنته كي يعدي معها الشارع
لكن قبل ان تمد له يدها في المقابل
شعر بأحدهم يقترب منه
ورائحة العود تسبق خطواته
قبل ان يستدير ..... سمعه يقول بصوته الرجولي الفخم: تستاهلون السلامة
استدار بحدة ..... برعب !
فـ جحظت لواحظه ..... وانعصر صدره بـ أنفاسه
وظلت النواظر فقط مصلوبة بـ ذهول العمر وصدمة السنين .. نواظر تحكي وتهذي وتقول !
عندما رأى صورته في أمريكا
اقسم ما ان يراه حتى يخنقه بيداه
فـ من هو ليمتلك وجه سهيل بهذه السهولة ... بهذه السفالة !
من هو ليشبه النجم وهو ميت وروحه تضيء في كبد السماء !
هو .. منصور ..
يُستهزأ به على هذا النحو المقيت الجارح !
لمَ ؟
الا يكفيه جراحاته الدامية .. الا يكفيه غضبه النابض وهو يفكر كل ليلة منذ سنين انه لم يمنع الأذى والموت عن ابن أخيه ؟!
الا يكفيه انه فشل في اظهار براءته وفشل في امساكه عندما هرب منه .. وذهب لمجلس الرجال ؟
ألا يكفيه ان جسده خانه واغمى عليه قبل ان يتمكن من إنقاذه
إنقاذه كان مستحيلاً
لكن لم يكن مستحيلاً ان يرمي جسده خلفه ليموت معه ... هو فقط شخص جبان وضعيف وفضّل العيش في هذه الحياة البشعة من دونه
ألم يتعاهدا ان يدخلا ذات الجامعة ؟
ألم يتعاهدا الا يفترقا !
يداً بيد
قلباً بقلب
روحاً بروح
سهيل لم يكن مجرد ابن اخ
سهيل كان أخيه
صديقه
ضميره الحي النابض
ضمير منصور الشقي المشاكس المتمرد دوماً وابداً
هل بعد كل هذا
يأتي شخص .... بكل وقاحة ..... يلعب به لعبة الموت والحياة
ويخبره "من غير تلميح او همس" انه سهيل !!!
لكن كل هذا كتمه بقوة يُحسد عليها حتى وهو يقرر نسيان ألم قدمه المصابة
حتى وهو يقرر بسرعة فائقة الارتباط بـ نارة
حتى وهو لم ينم فعلياً اياماً وساعات حتى في الطائرة
اشتعلت حرارة في حناياه يتأمل الواقف امامه ..... ويشعر بـ ضجيج وصراخ وهستيرية
من هول ما اعتراه
امسك قلبه يعتصره بوحشية ..... بنظرات متسعة جامدة خاوية
ليقول فقط لـ نارة بعد تحديق مطول
واتزان داخلي معدوووووم !
: نارة ... شلي ضي وروحوا السيارة ... بييكم
أعطاها المفاتيح وهو ما زال يخدش الواقف امامه خدشاً لا وصف له
اومأت نارة برأسها بلا تعليق وهي تشعر انه من الأفضل ان تصمت وتتقي شره
لا تريد رؤية جانبه الشيطاني ابداً
رغم استغرابها من الواقف قربهم جاهلةً انه ديدريك الذي انقذها مسبقاً مع جواهر
لأنها ذاك اليوم لم تره .... فقط سمعت اسمه مراراً على لسان جواهر
امسكت يد ابنتها وسارا حيث سيارة منصور .. تاركتان صاحب السيارة بـ فجيعته !
بطريقة مثيرة للشفقة .. حاول اظهار سيطرته ..... وقوته ...... بأن ارخى يداه بجانبيه
جاهلاً ان يداه ترتعشان
: سهّلت مهمة البحث عليك .. وييتك يلين عندك ياا ...... عمي
تأمل طوله .... وهيئته الرسمية بالثوب الاماراتي ونسفة الشماغ والعقال
نار مريعة تكاد تصهر عضامه وعضلاته
لا يعرف كيف تحرك نحوه ... ومتى !
فقط وجد نفسه يقف امامه بالضبط
صدراُ بصدر
وقامةً بقامة
بنظراته الجامدة .... رفع يده نحو وجه الآخر
ما ان لمس طرف شاربه
حتى تراجع ....... لكن يد سهيل كانت اسرع
امسك يد منصور ووضعه على شاربه ليهتف من بين اسنانه بكل مشاعر الدنيا عذاباً وقسوةً:
انا .. انا هو
لا ديدريك ولا غيره
انا ولد اخوك ... سهيل بن احمد بن صياح
دفعه وهو يصدر صوتاً كالزمجرة
لكن سهيل كان فطناً ولم يجهل ابداً توحش عمه ما ان يراه
ويعلم جيداً انه من الممكن ان يقتله من هول الصدمة ..... وهو لا يريد اثارة فضيحة وهنا امام بوابة المطار
رفع يداه امام بحركة استسلام وقال يهدأه: سوا فيّه اللي تباه ... لكن مب هنيه
صدره يعلو ويهبط بأنفاسٍ متلاحقة
ونظرته كان تقطر بالوحشية والشر
اشر سهيل نحو سيارته المركونة بالقرب من مكان وقوفهما .. وقال: تفضل
رمق السيارة بنظرة ضبابية
ثم نظر حوله ليرى دوريات الشرطة التي تنظم السير في المطار
كذلك ازدحام البشر من حولهما
وبعقل مغيب وفكر مضبب ... واطراف ترتعد بجنـــــــــــــــون
سار بـ اتجاه السيارة
وابتعد مع سهيل عن المطار
بعد دقيقتان فقط ... وما ان اختفى المطار عن ناظرهما
حتى زمجر: وقققققققققففففففف
وبهدوء تام وثبات عالي .... توقف سهيل في موقف خاص بالحافلات
وكان المكان فارغاً تماماً من الحافلات والمارة ... فقط ارض عشبة واشجار ونخيل
خرج منصور من السيارة يشعر بالاختناق
بالخفقان الفظيع
امسك قلبه يهتف بـ حشرجة/رعب لا يكاد يصدق ما يحدث معه ... الصور شيء .... والرؤية بالعينان شيئاً آخر
: كـ كيف ؟؟
كيف ...... اناااا
انا شفتهم وهم يشلونك وووو .. ويعقونك
لا
لا
انا طحت قبل لا يعقونك في النار
لكن انت مت .... متتتتتتت
كـ كيفففف !!!
انا شفت قبرك ..... شفته
اقترب منه سهيل من غير ان ينبس ببنت شفه
واحتضنه بقوة عنيفة
يؤلمه رؤية عمه هكذا
لكن لم يكن لديه وسيلة أخرى ... لقد ارسل احدهم منذ أيام لإعطاء صورته لـ جهاد احد رجال عبدالرزاق السابقين .. ليفعل الأخير ما يرغب بالوصول إليه
كشف عن صورته التي حاول خلال سنين عمره في هولندا اخفاءها بأن يتجنب مباشرةً الوقوف امام الصحافة او أجهزة التصوير او أي متتبع يريد التقاط صور للمشاهير ورجال الاعمال
كشف عن نفسه امام عمه في النهاية .. رغبةً منه في تخفيف ضغط الصدمة على قلبه قبل ان يتواجها واقعياً
فجأة شعر بمنصور يدفعه ... وينهال بالضرب واللكم عليه
: جذاااااااااااااب انت مب سهييييييييييييييييل
مب سهييييييييييييييييييييل
جذااااااااااااااب
قوووووووول انت منوووووو !!!
وشووووو تباااااااااااا !!!
منووو دزك عليّه !!!!!
وسقط سهيل على الأرض مغضن الجبين
متحملاً ضربات عمه بصبر جم
ليقف منصور ينظر إليه وهو ينهت من اعصابه المتلفة والجنون الذي يكاد يؤدي بقلبه
مسح الدم من فمه .... ثم قهقه وقال: بعدك قوي مثل ما عهدتك
كشر بـ بابتسامة شرسة واكمل وهو ما زال جالساً على الأرض العشبية .... ينظر له من الأسفل: زين يوم ودرت السقم اللي تشربه
لو بعدك تشرب ماظنتي بتروم تضرب عصفور
هجم عليه وهو يصرخ كالوحش: يالحيووووووووووووااااااااااااااااااااااااااااااااااننن
وهجم عليه مرة أخرى
لكن سهيل استطاع صده بأن وضع ساقه على بطن منصور وشقلبه حتى سقط بعيداً عنه
منصور: اخخخخخخخخخخخخخخ
فجأة ....... ضحك سهيل بالحياة ......... ضحك بالشوق ........ والروح ......... والشقاوة: ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ضحكة بدل ان تثير اكثر غضب منصور
اذهلته
وجعلت وجهه باهتاً محتقناً متفجراً بلون الدم
ضحكته
هذه ضحكة سهيل
يقسم بالرب انها ضحكته
فجأة
رقد منصور على الحشيش
وجهه للسماء
وجهه لرب السماء
ثم وضع ذراعه على عيناه ليعصبها ..... لا يظهر منه الا فكه الذي يرتعش
لتتساقط دموعه سيولاً بعد سيول
ويشهق بغلظة سنين القحط والعذاب والمرارة
همس بصوت باكي مختنق: يا رب مب حلللللم
يا رب ارحمني وقول انه مب حلللللم
صفع وجهه بـ اعصابٍ متهالكة ...... وهو يصرخ: لااااا منصووووور
حلممممممم ..... حلمممممم هذااااا
نششششش منه
نششششششششششش
اقترب منه سهيل بخطوات تقطر وجعاً .... ومد يده لينتشله من الأرض
وهو يبتسم بـ شحوب وحزن: مب حلم عمي .... كفّخ روحك لين باجر اذا تبا
بس لازم تصدق اني مب حلم
سهيل جدامك ... انا ما مت .... بس بموت يوم الله يأمر
كان اضعف من ان يمد يده .. منهكاً حد انه يعجز عن رفع اصبعاً واحداً
هتف وهو يحدق به من الارض: يعني انت سهيل ؟
ارتخت تعابير وجه سهيل .... وقال بعد تنهيدة مهلكة: هي
سهيل يالغالي ......... سهيل
عندما لم يمد عمه يده
جلس قربه يتأمل الشارع والأشجار .... ثم همس: اسف لاني اجبرتك تخلي حرمتك وبنتك
ما كنت اروم اشوفك الا الحينه ...
تأمل جانب وجهه بشجن بضبابية بفؤاد مثقل بالوهن:
شو دراك انهممممم ....
: انها حرمتك والصغيرة بنتك ؟
وضع يده على وجه ليقهقه بمرارة:
اخخخخخ يااا عم ..... ومنو قالك عنهم غيري !!
عقد حاجبيه بعيناه الحمراوتان
لتبدأ الصور تتشابك ببعضها
الصورة فوق سيارته
نتيجة فحص الحمض النووي
انقاذه لنارة هو وتلك الفتاة جواهر من غير ان يُظهر نفسه له
مصدوم
لكن ليست هناك صدمة اكبر من وجود سهيل امامه
ليسأل بعدها اول شيء سقط كالصاروخ على دماغه:
كيف
كيف انت حي !!
حرك فكه بعفوية ثم قال بنظرة معتمة كـ عتمة ليلته هذه: مثل ما توقعت ... محد يعرف لين الحينه بالسر
: سر شو ؟
ربت على فخذه وقال بصوت هادئ: عقب عمي عقب
لكن منصور صرخ بهستيرية: لا مب عقب
مب عقب
الحين ابا اعرف
منو يعرف غيري انك حي ... ابويه صياح !!
عمك شاهين !! عيال عمك !!!!
منووووو !!!!
حدق به للحظات ... ثم اجابه بصوت ثابت: بس امايه ريسه ... وانت .............
وعمي يابر
وقف بعنف ليهدر غير مصدق ما يراه/ما يسمعه: عمي يااااااااااابر !!!!
شو تقوووول انت !!!
شو تقووووول !!!
لا تخبلبييييي يا بني آدددددم
باجي نص عقل في راسي وبيطير ان تميت جي تررررررمسسسس
تأمله سهيل بوجع عظيم
حد السماء والارض
لو يستطيع الآن لأخبره بكل شيء
لكن لا يستطيع ... ليس الآن
وقف وهو يربت على ثوبه الأبيض ويقول ببرود: صدقني بتعرف كل شي عمي بس مب الحينه
اقترب من سيارته وهو يستل عقاله الذي سقط جرّاء هجوم عمه منصور عليه
ثم رماه وقحفيته داخل السيارة ليتعصم بغترته بدل عن ذلك
قال وهو يستدير نحوه: يلا عمي بوصلك الـ...
لتتغيم نظرته وهو يرى عمه يحدق به مبهوتاً ضائعاً خائفاً
وكأن يخاف ان تحرك خطوة ... ان يستيقظ من حلمه !
اقترب منه بسرعة واحتضنه برجولية قوية
حضنه بأيام الاخوة المفقودة من روزنامة العمر
حضنه بـ عدد صباحات طلوع الشمس ومساءات غروبها
حضنه بـ عدد بزوغ نجم سهيل .. كل مطلع شتاء
ثم مسد ظهره وقال بـ حزم شديد: اثبت يا عم .. اثبت .. ويلا تعال خل ارجعك .. بطيت انت على حرمتك وبنتك .. يلا
بعد دقائق ... وعندما توقفت السيارة .... تأمل منصور اضاءات المطار العالية من نافذة السيارة بلا تعابير ظاهرة
ما زال على صمته
حتى قال له سهيل: عمي اذا محتاي شي امره ر...
قاطعه بنظرة مرهقة حادة: عطني رقمك
اعطاه الرقم برحابة تامة ثم هم منصور بالخروج لولا انه تذكر شيئا فـ قال: شو ازقرك ؟
رمقه سهيل مستغرباً لوهلة قبل ان يفهم باطن السؤال ثم اجاب بحزم : ديدريك
منصور بملامح ممتقعة: تمام ... باجر لازم نتلاقى
لانت سهيل ملامحه وهو يهتف: خلها بعد كم يوم مضطر ارد دبي الحينه
: انت في دبي عايش !
تردد قليلاً ثم قال وهو يسند ظهره لمقعد السيارة: هولندا ... بس ييت حق فترة معينة وراد ان شاء الله
هولندا
أكان طيلة تلك السنوات في هولندا !!!
سيطر على نفسه بمهارة .... ثم هز رأسه بصمت
اكتفى بالاسئلة حالياً ... خاصةً وهو يلاحظ تحديق سهيل المستمر بساعة يده
اي نعم يريد معرفة ما حصل في الماضي بشكل جنوني
لكن ليس الآن
ليس وهو حتى هذة اللحظة يرتعش داخلياً من هول الفاجعة ويشعر ان ضغطه ينخفض شيئاً فشيئاً
ظل يتأمله لحظات وكأنه يريد التقاط صورة لا تُمحى له .. وكأنه يخشى انه حلم
فـ ان استيقظ ... يكون قد التقط له صورة العمر ....
قال بعدها وهو يخفض عيناه: نتلاقى على خير
وخرج بسرعة متوجهاً نحو سيارته ... حيث نارة وابنته
،,
بعد ساعة ونصف
دخل الشقة وهو يناديها بقلق: جواهر
: باباااااااااااااااا
اقترب التوأمان منه بحماس
قفز آدم وهو يهتف بحماس بلسانه الهولندي: باباااا ذهبنا اليوم مع جوووجي الى الالعااااااااااب
يعقوب بحماس مشابه: اجلللل اجلللل كان يوماً جميييييلاً ... لمَ لم ترافقنا باباااااا ؟؟
ابتسم للولدان وهو يجثو على ركبة واحدة وقال: لقد رأيتكما بالفعل
جوجي التقطت لكم الكثير من الصور وارسلتها لي
كنتما في قمة الروعة أيها الشقيان
آدم بغيظ: لست شقياً .. بل هو جاااكوووووب
لقد اثار فضيحة لنا ببكاءه عندما رفضت جوجييي ان يلعب بلعبة قطار الموت
قال يعقوب وهو يمد لسانه: كنت اريد اللعب فقط
زم فمه واردف: جوجي رفضت يا باباااا
رفع حاجباً وقال: ليتها قرصت اذنك حتى تتأدب أيها الشقي
: لقد فعلتها حقاً
هرع يعقوب يركض نحوها حتى تلقفته واغرق وجهه في عنقها
جواهر بقهقهة لطيفة: ههههههههههههههههه أيها الثعلب المكار
يتأملها ولا يشبع من بهاءها
منذ ان أصبحت حلاله .... وهي كل يوم تظهر له بلون جديد
تارة بالبياض النقي
تارة بالسواد الملكي
تارة بالاصفر الصيفي
تارة بالازرق البحري
والآن بـ لون البطيخ الشهي
رفعت عيناها نحوه ثم ابتسمت له بـ شحوب
ليسألها بـ قلق وهو يقترب منها: فيج شي جواهر ؟
رمقته بـ استغراب ... ثم همست: لا
قال لها موضحاً: المسج
تذكرت رسالتها التي أرسلتها منذ سويعات "تعال بسرعة"
على ما يبدو اثارت قلقه .... وقطع اعماله بسببها
شعرت بالندم اذ انها لم تقصد اخافته ..
ليحتقن وجهها وهي تتذكر انها رمت الهاتف بعيداً وهي في قمة انشغالها بعد ارسالها الرسالة ولم يتنسى لها رؤية كم عدد الاتصالات التي أتت منه بعدها
ابتسمت له تطمئنه ... وهي تقول بأسف: سوري شكلي خوفتك ... ا ا هذا يعقوب الله يصلحه زيغني .. كان يصارخ يتويع من بطنه .. ويصييييح من قلب ورب
ثرها السالفة غازات متراكمة لانه كلى وايد مكسرات ما شاء الله
والحمدلله اموره طيبة الحينه
زفر براحة ... ثم رمق ابنه بنظرة متفكهة مغيظة: جاكووووووب
قال يعقوب باستغراب وهو لم يفهم فحوى حوار الكبار: ماذا يا ابي ؟؟؟
حمل ابنه وهو يضغط بطريقة مضحكة على بطنه ويقول: الن تتعلم اغلاق فمك قليلاً !!
فـ صرخ يعقوب ضاحكاً وهو يصيح: هل آدم من اخبرك !! الوغد سألكم وجهه
آدم بتهكم/عصبية: وما دخلي انااااااااااا !!!
وظل الاب يتعارك مع الولدان ويلعب معهما
لتتركهم جواهر وهي تضحك بخفوت على منظرهم المبهج للنظر ... لتجهز أغراض الصبيان حتى يغتسلا ويناما
حمدت الله انها قررت ترك المربية في هولندا .. أصبحت تعشق الاهتمام بالصبيان لوحدها
تأمل ظهرها بطرف عيناه .... ثم اخفضهما ببقايا ضحكة كانت سببها حديث آدم .... وهو يتذكر بقلب خافق ... هروبه تلك الليلة من فراشهما الذي حمل حرارة حبهما واشتعال تلاحمهما
تذكر انفراده في غرفة فارغة ساعات طويلة لم يعلم مدتها ... وكيف استحم سريعاً في الفجر وارتدى ثيابه وخرج
الى الوادي
وادي ابوالجن
تحديداً الى قبره !
قبــــل أيــــام
كان في حالٍ يرثى لها حد انه نسى كلياً انه من المحتمل ان يراه احد ويتعرف عليه
لكن لحسن حظه لم يلمحه احد اذ ان الوقت كان في ذروة الصباح
وقف حينها امام القبر
واخذ يفكر
............. ويفكر !
من الذي ينام في قبره الآن !
من الذي ادّى مهمة الحرق بدل عنه !
من الذي اتقن تمثيلية الموت بتلك المهارة لينقذه !
شعر بخطوات نعلين وعصا تصطدم بالحصوات والحجارة
لم يلتفت .... بل تأنى بردة فعله
عندما واجه الصمت من قبل القادم ... التفت قليلاً ... فقط بجانب وجهه ... يريد ان يراه
ليسمع بعد ثوانٍ صعيبة خانقة ..... الصوت المبحوح الغليظ المصدوم:
يا اهل الله
يا اهل الله
اللي اشوفه صدق ولا لال
(اللال = السراب)
عرفه
كيف لا يعرف صوته العذب المحبب للقلب !
رباه ... لم يتوقع وجوده هنا ... في المقبرة ..
استدار نحوه ليرمقه بعينان ذابلتان مثقلتان بالاوجاع ... وهمس:
عمي ....... عمي يابر
سقطت عصاه وكاد يسقط بعدها لولا يدا سهيل وتثبيت جسده الضئيل
أوقفه على قدميه مرة أخرى ممسكاً به بقوة
: سـ سهيل !! انت ... انت .....
رمقه بقلق وهو يتلمس صدره .... ليقول بصوت حاول قدر المستطاع إخراجه ثابت هادئ:
ما بغيت اظهر جدامك الحينه .... خفت عليك
دخيلك لا يستويبك شي بسبتي .. دخيلك القلب ما عاد يتحمل شي يا عمي
ابتلع العم جابر ريقه بصعوبة وهو يلتقط أنفاسه الثقيلة
ليهز رأسه ومشاعر الفزع والسعادة والصدمة والقلق تموج وتصرخ في روحه الطاعنة في السن
: قوي ... انا قوي بفضل الله ... لا تخاف .. لا تخاف ابويه
ثم قبض على رأسه وهو يحاول قدر المستطاع ان يسيطر على خفقات الصدمة والمفاجأة ..
وقال بصوت متحشرج متقطع وكأنه يحادث نفسه: يحيي العظام وهي رميم
يحيي العظام وهي رميم
كنت بين الحياة والموت .. عقب .... عقب ما طحت بين ريولهم وهم يضربونك
شلتك
شلتك من النار وعطيتهم اياك عسب يشردون بك
والله .. و .... والله ....... واللي فلق البحر ونجى موسى
اني عشت سنين اتجلب على ناااااار ... نار تلبببببج ...... خليتك عندهم وانا مادري انت حي ولا ميت
يالله
يا رب الكون
كل يوم كنت ادعي الله يجمعني بك
كل ليلة كنتي اناجي الله اني اشوفك قبل لا امووووت
رحمتك يا رب ..... رحمتك وغفرانك
(تلبج = تشتعل)
وتساقطت دموعه بمرارة وهو يتلمس بيد مرتعشة صدر سهيل
: يا سهيل صياح
يا عيون صياح
يا اليمرة في فواد صياااااااااح
تماسك سهيل بقوة وهو يتنحنح بخشونة ... لكن رغماً عنه هتف بصوت متحشرج أليم:
منو ؟؟؟
منو اللي احرقوه بدالي ؟!!
قولي عمي .... منووو ؟؟؟
مسح دموعه بعنف وهو يهز رأسه: ما يعرفون يا ولديه
ما يعرفون
انا وأنيل البشكار حطينا ولد خاله بدالك
تذكر سهيل الخادم أنيل الذي عاش اغلب سنين عمره مع العم جابر ليسمع الأخير يردف بصوت مكتوم:
كان متوفي الليلة اللي قبلها .. وانيل يوم شافني مغتم ومويم افكر كيف اشلك من بين ايد عيال عمومتك
ياني وقالي عسب نحط ولد خاله بدالك
مع انه كان في ثلاجة المستشفى
بس انيل طلب من المستشفى ياخذه لانه بيسفره بلاده عسب يحرقونه هناك بعوايدهم الدينية
وسيده يابه عندي
هز رأسه بعذاب وقال: استغفر الله العظيييييييييم
يا رب سامحني واغفرلي
ما كنت راضي والله .... يا غيررر ما لقيت الا هالحيلة عسب اشردك
: بس .... بس كيييف ؟؟؟
تنهد بعذاب ليجيبه بصوت حنجرته المشيبة: خليت انيل اييب ربعه عمال مزرعة شاهين عسب يتيمعون ويسون حشره جدام ميلس صياح ويطالبون شاهين برواتبهم المتأخرة
حزتها سرت المخزن واول ما شفت الرياييل يغطونك ويشلونك وقفتهم قبل لا يظهرون
وزيغتهم بالعمال قلتلهم إلحقوا حوشوهم قبل لا ايون هني ويكشفون المستور وننفضح
وعاده شاهين زاغ وقتها حتى ما فطن لـ جذبتيه لا هو ولا حد من الشباااب
ياني أنيل على طول وعاوني فيك
بدلناك بـ ولد خاله
والحمدلله ان قدرنا ننفد قبل لا يرجعون .. غابوا عشرة دقايق بس .. يا غير والله حسيتهن دهر ذيج الليلة السودا
اغمض عيناه الشاحبتان ..... للحظات ...... قبل ان يقول بصوت أجش: يدي وين كان ؟
تنهد العم جابر بـ انفاسٍ مختنقة ورد: مايود .. كان واجف جريب نخل الوادي .. كان يتريا الرياييل هناك
(مايود = موجود)
اتاهم من بعيد صوت صراخ غليظ مبحوح ... يتردد صداه ارجاء المنطقة كلها
فالتفت سهيل يبحث عن مصدر الصراخ ليسمع عمه يغمغم بهزة رأس ملؤها الخيبة: لا حول ولا قوة الا بالله
هذا حاله من سنين .. يهوم اليبال بليا عقل
اللهم عافنا يا رب واعفو عنا
سهيل: منو ؟؟
: يوهر
امتقع وجه سهيل وهو يتذكر صاحب الاسم ليسمع العم جابر يكمل: غضب الله يا ولديه
واعوذ بالله من غضب الله
انزل عيناه بلا ايّة ردة فعل
ثم سمع عمه يقول بعينان متلألئتان بالتأثر: تعال ابويه عندي البيت تعال .. انا ظاري كل فجرية امر هني .. ما ظنيت اليوم بشوفك عقب هالسنين كلهااااا ... يا سعد عيني ويا كبر بختي
اللهم لك الحمد
اللهم لك الحمد
ابتسم له سهيل بذات تأثره الواضح .. ليسمع عمه يكمل بـ مرارة: والله يا سهيل ما هان عليه صياح يبيع البيت عقب ما سار بوظبي
اشتريته عنه مع انه ما طاع ياخذ مني فلس حمر ... بس انا لزّمت
كنت محطي امل في قلبي انك ترد بالسلامة واعطيك إياه
قال سهيل بعد ان التقط نفساً عميقاً: سويت اللي محد سواه يا عمي .. قولي كيف ارد لك اليميل !!
ليهدر العم جابر بانفعال: انت ولديه يا سهيل .. ولديه وولد صيااااااح اخويه وتاج راااااااسي
انت انظلمت ... ووانهنت واشتقيييت وتعببببببت
: انت جازفت ذيج الليلة عسب تنقذني ... وحطيت على ظهرك مسؤولية كبيرة ... وفوق ها عطيت ريكا كل اللي حيلتك عسب تشردني وياها
قهقه بـ سعادة وهو يتأوه جذلاً ... ليقول وهو يربت كتف الشاب: الخير واااايد يا ولديه ... وكله فدااااااك يالغالي كله فداااااااااك
الا وينها هي الحينه ؟؟
: توفت الله يرحمها
اومئ برأسه بصمت ... ثم قال بخفوت: الله يرحمها ويبيحها .... وولدها .... اطري اخوك ؟؟ وينه ؟؟
سهيل: ارنود ؟ بخير الحمدلله ... موجود
ثم سكت بـ مشاعر هوجاء .. قبل ان يمسك كتفا عمه جابر ويقول بـ اجش: ارد اقولك يا عم
يميلك ما رح انساه دام النسم في الروح
انا ما قدرت أصلا امشي في اول حياتي في الغربة الا من الذهب اللي عطيتهن ريكا
صح نيتك ان الذهب لها عسب تخلصوني من الجبيلة
لجنها يوم اوثقت فيّه خلاف ولانت من ناحيتي وبدت تعاملني شرات ولدها ارنود
باعت الذهب وعطتني نص البيزات وقالتلي شل اخوك وروحوا أسسوا شغلكم الخاص
وقتها ما كنت اعرف شو السبب ؟ شو سبب كرمها وشو سبب ثقتها فيّه !
وما كنت اعرف اساساً من وين لها الذهب !!
بس عقب العناد والزن ... قالتلي كل شي
حاضرٌ يتحدث
بعد دقائق مطولة ..... وبعد ان ناما ولداه
عادت إليه بخطواتً خفيفة .. بـ تهدل ناعم عذب كـ هي
ثم سألته باهتمام: تعشيت ؟
كان مسترخياً ... بـ تي شي بلا اكمام ... وبنطال قصير اظهر رشاقة ساقيه السمراوتان
اعتدل بجلسته على الاريكة ... وقال وهو يمد لها يده لتجلس قربه: لا .. وانتي ؟
مدّت له يدها مستجيبة ...... وجلست قربه بهدوء لم يظهر ما يعتمل روحها ... لتجيبه بهمس: لا .. بس عشيت اليهال
سألها وهو يقرّب جبينه من جانب رأسها .. بصوت رجولي خدر خفيض: ممممم وشو مسويه عشا ؟
ارتبكت من قربه ..... وتبعثرت
رغم انها مجروحة منه
ومتألمة
وحائرة
وضائعة
لكن هذه هي
هذه هي جواهر التي تحب ديدريك الدب القطبي بكل عيوبه
بكل طرقه التي تجعلها تنفر من ضعفها وحيرتها وقلقها المستمر بما يخصه
رغم ان الدب القطبي منه نادراً ما اصبح يظهر منذ عودته للوطن
وكأن الصقيع في روحه قد ذاب مع شمس الوطن الوهّاج !
اجابته وهي تتحاشى النظر لعيناه .. عيناه المربكتان جداً جداً: باستا حمرا .... فتوش .... وووصينية دياي حق آدم لانه قالي الظهر في خاطره ياكل دياي ... فـ سويتله اللي يباه على العشا
ومممممممممممم وشو بعد
هي ............... وحمص
ابتسم لها بـ ذوبان ....... وقلّد صوتها الرقيق عند آخر كلمة نطقتها: حمصصصصص
رمقته بـ نظرة متفكهة خجولة وهي تلكزه بجانبه: اووووه لا تعيّب
لتشهق فجأة وهو يقبض وجنتاها بيدٍ واحدة ويجرها نحوه
ثم اسكتها بـ قبلـــــــــــــة قويــــــــــــــــة !
،,
أبوظبـــــي
شقة منصور آل صياح
بعد ان صلت الفجر ... خرجت من غرفتها وهي تلتفت حولها كاللصوص وتتسلل للبلكونة تريد تأمل السماء وهي تتوهج مع اشراقة شمس الصباح
تتسلل لتتجنب رؤيته في طريقها !
ذلك النائم بعمق في غرفة المعيشة المغلقة وكأنه يعطيها بحركته تلك حجمها الحقيقي في حياته
هه
حمداً لله انها اتت منه وليس منها
لا تريد منه الاقتراب ولا حتى التفكير بالتودد
منصور يتودد لها ؟
احتقن وجهها بحرج شديد ونفضت راسها تريد ازاحة الوجه الرقيق منه من عقلها
عوجت لسانها تقلّد بحقد ما قاله لها قبل ان يغلق باب غرفة المعيشة خلفه قبل سويعات:
ابا انام واشبع نوم لحد يزعجني .. مالت .... منو اصلا يبا ايي صوبك يا ويه السبال ... روحي كارهتنك وكارهة روحي فوقك
ثوانٍ .... حتى عضت لسانها بتردد
هل يجب عليها ايقاظه قبل ان يخرج وقت صلاة الفجر ؟
لكنه هو من طلب بوقاحة الا يزعجه احد !!
حسناً ... لو كان يهمه صلاته لطلب منها ايقاظه في حال هو من اصحاب نوم اهل الكهف !
أليس كذلك ؟!
اخذت خطوة متقدمة
ثم متأخرة
ثم متقدمة
ثم متأخرة
حتى تراجعت وهي تغمغم بقهر: كيفه ... هو لو يحاتي آخرته بينش روحه
ثم تسللت للخارج تريد الجلوس ومشاهدة شروق العاصمة
ثوانٍ حتى سمعت احدهم يفتح باب ويغلقه
كان منصور
الذي خرج من الحمام وعليه امارات الوضوء وبيده سجادة الصلاة
اوه
المسلم التقي .... يبدو انه فضّل آخرته ولله الحمد !
رغم انه ومن هيئته الخارجية يعطي انطباع لاغلب البشر بمدى استهتاره ولا مبالاته بعبادته وأمور دينه
حسناً
على الاقل تزوجت بشخص يهتم بصلاته رغم انعدام لباقته وتهذيبه
نست ترقبها للشروق ودخلت للداخل بفضول تبحث عنه
صحيح انها تبغضه وتنفر منه وتتجنبه
لكن رأت عيناه عندما عاد لهما البارحة ودخل السيارة !
رأت شحوب وجهه واحتقان نظرته وتوهانه
توهان غريب
اقتربت من غرفة المعيشة ..... وسمحت لنفسها ان تطل بوجهها قليلاً للداخل ... فـ رأته في وضعية السجود
مممممم لمَ اطال في سجوده ؟! هل يدعي علي هذا المتوحش !
بعد دقائق ... سلّم ... لتتراجع هي بسرعة ... لكنه اوقفها بندائه الرنان الحازم: نارة
ابتلعت ريقها بتوتر بالغ .... ثم اقتربت وهي تهتف قرب الباب المواري: هـ ... هلا
: تعالي
تمالكت توترها بقوة ...... ثم سمت بالله ودخلت
كان ما يزال على وضعية جلوس الصلاة
رآها تدخل بهدوء .... بقامته القصيرة الصغيرة وشعرها الشلال يتهدل خلفها
يحدق بها بعينان متراخيتان هادئتان
ربّت على الارض بجانبه ..... يطلب منها بصمت ان تجلس قربه
بمشاعر مخدرة منقادة
تقدمت منها يسبقها اليه بقايا عطر تعطرت به بالأمس قبل النوم ...
عطر تراقص بمكر انثوي بين جنبات انفه
عندما جلست قربه .... لم تستوعب ما حدث بعدها ... فجأة امسك ساقيها
وهي .. ومن الصدمة التي صفعتها .... شهقت مفزوعة تريد النهوض والهرب لكن شد من قبضتيه وفرّج عن ساقيها حتى استقامتا على الارض
يا ويلي سيغتصبني
سيغتصبنــــــــــــي !
بصمته ذاته
اراح رأسه على فخذها
قبضت على يديها تكاد يغمى عليها من شدة الذعر
وهو .... بعينان متراخيتان ناعستان
همس بنبرة اقرب للهذيان: شفت البارحة واحد ميت
فغرت ثغرها ببلاهة وقلبها يخفق بجنون
اكمل وهو يغلق عيناه بتعابير شاحبة مرهقة: ميت
كان ميت ١٥ سنة
كيف ظهر ماعرف
كيف ما مات ماعرف
قالت بتلعثم: ا ا ..... مب ... مب فاهمة عليك
اكمل بهذيان متواصل ...... ولوعة تحرق نياط القلب:
احس روحي حلمان
ما رمت ارقد مع اني كنت هلكان ابا ارتاح
بس وين الراحة تييني
وين ؟
تنحنحت وهي تقرر ابتلاع ريقها عل وعسى تتمكن من السيطرة على نفسها وعقلها وفكرها
فقالت بتحشرج اخفت خلفه حرجها/توترها: منو الريال هذاك ؟
: ما عرفتيه ؟ تحريتج عرفتيه يا ام ضي
ترفرفت اجنحة روحها فرحاً من اللقب العفوي
لتقول: ا ..... لا اكيد ماعرفه ..... شو بيعرفني فيه
رد ساخراً وهو ما يزال مغمض العينين: هذا اللي انقذج من ايد خوليان هو ومساعدته
: هذا ديدريك ؟ .... ا ا انا ما شفته ترى بس سمعت عنه على لسان جواهر ....
انزين شو فيه ما فهمت ؟
رفع رأسه عن فخذها .... ليقول بجمود وهو يعتدل بجلسته: ديدريك اللي ترمسين عنه طلع سهيل ولد اخويه
اللي كنا نتحراه ميت من سنين
شهقت وهي تضع كفها الصغير على فمها غير مصدقة: ميت !!
ليش !! ما فهمت
مسد شعره الاسود بحدة .... ليقول بعبوس: قصة طويلة
وجدت نفسها تسأله فجأة: سارة الله يرحمها تعرفها ؟
رمقها ساخراً بمرارة وقال: سارة الله يرحمها ما عرفت اي شي عني او عن حياتي
اخفضت عيناها بوجع عاصف
كرت دقائق صمت بينهما .. كسرتها هي عندما نظرت إليه ببراءة روحها ..
نست حقدها، نست جرحها، ونست غضبها منه وهي تهتف له واضعةً خصلة من شعرها خلف اذنها: انزين انا موجودة ... اذا حاب تفضفض وتقولي قصتك
ابتسم ابتسامة لم تتجاوز حدود عيناه ثم وقف ومد يده لها
اوقفها معه وهو يلاحظ احتقان وجهها الاحمر لكنه تجاهل ما رآه ..... وخرج معها للخارج
سألته بربكة شديدة: وين بنروح ؟
مد لها عباءتها وقال بنظرة مرهقة: ضي بعدها نايمة
خل نستغل الوقت ونتمشى عند البحر شوي
: ما تبا ترقد وترتاح ؟
تنهد وغصات كثيرة تتقافز في روحه ثم قال:
الصدمة والضيجة ماكلات فوادي
ما بروم ارقد
خل ننزل نتمشى احسن
على الاقل يمشي الوقت يلين اقدر اشوفه مرة ثانية
واتأكد
اذا هو حلم
ولا علم
عنـــد البحـــــر
تأملت الشمس التي بدأت تظهر بخجل بين السحب
ابتسمت بانبهار
ارادت رؤية الشروق من الشرفة لكن رويتها وهي تقف امام البحر اجمل واروع واكثر انتعاشاً
خاصةً والموج يضرب ساقيها المتغطيتان ضرباً ناعما عذباً مدغدغاً
رفعت هاتفها لتلتقط بعض الصور وهي تهمس بنظرة براقة: وانا صغيرة ما كنت اقدر اسير البحر دوم
صاحبة الدار كانت تبغضني
كل ما كنت اشاغب مع ربيعتي تحرمني انا وياها من الرحلات
ورحلاتنا ما كانت على مزاجنا .... اما بحر او حديقة او سوق
تأملها بعيناه الحادتان بالفطرة
وقال بهدوء: متواصلة بعدج مع حد في الدار ؟
هزت رآسها بالنفي .... وهمست: لا
كنت اتواصل وياهم بداية حياتي في أمريكا بس عقب قطعتهم ..
اخفضت عيناها بمشاعر لم تظهرها فـ اردفت: عقب ما توفت سارة الله يرحمها
اشاح بوجهه بهدوء ولم يعلّق .... ظل يتأمل رجل وزوجته ويبدو انهما عريسان جديدان
ومن المفترض انهم يتشابهون !
أليس هو عريس جديد ايضاً !
هه
مضحك ما يمر فيه في حياته
مضحك جداً .... وعجيب جداً !
لتستعير انتباه بحديثها المفاجئ: مريت بوايد احداث وياك لدرجة احس اني اعرفك من سنين
لدرجة احس اني صدق سارة ومريت وياك بقصص ومواقف احداث
دوما تبهره بسلاسة الكلمة التي تخرج من فاهها
فـ عادت تكمل ما في جوفها وهي تتأمل جمال البحر وحلاوة الغيوم: دوم اسأل روحي لو عشت حياة طبيعية بين ابوي وامي واختي شو كان بيكون حالي !!
شو كنت بقدر احقق من أحلام !!
هل كنت بقدر اكمل دراستي واوصل الجامعة واتخرج واغدي شي كبير في المجتمع ؟ هل كنت بقدر اعيش من غير خوف وضياع وحيرة ؟؟؟
هل كنت .........
فـ سكتت وهي تحاول جمع احاسيسها المتبعثرة يمنة ويسرة
كـ طفل سقط منه صندوق حلوى القطن
لينزل مجبوراً على الأرض يلتقط الحبات بـ خوف وقلق وانفعال !
: ليش سكتي ؟
: هل .. كنت بقدر ارتبط بانسان شهم وطيب وحنون أأسس معاه بيت ونييب عيال ونملي حياتهم فيهم ؟؟؟؟
ابتسم لها بسخرية لطيفة ...... لتلاحظ لأول مرة شامة متخفية بين شعيرات ذقنه
ليقول وهو يستدير نصف استدارة نحوها بطريقة احرجتها واربكتها ذات الوقت:
وخاب ظنج طبعاً .... لاني اظن انا الضد تماماً من الانسان اللي كنتي تبين ترتبطين به
بادلته ابتسامة خفيفة ... فيها من السخرية القليل ..... واجابت:
ماظنتي انا الانسانه اللي بغيتها زوجة لك يا بو ضي
سكت ببقايا ابتسامته ...... وهو يعود بأنظاره للامام يتأمل الدنيا من حوله
ثم قال بعد لحظات: شو رايج في البلاد ؟
: حلوة .... ولو اني ما احمل ذكريات شينة فيها جان صحت من الشوق والفرح اول ما وطت ريلي ارضها
فقال لها وهو يهز كتفيه: الآدمي يكبر ويتعايش مع مشاعره مهما كانت سيئة
حدقت به تفكر بعمق ثم قالت ترد على نظريته:
حالتك البارحة تثبت العكس
التفت نحوها .... وهو يعقد حاجبيه لتكمل هي بثقة: وكلامك عقب الصلاة يثبت العكس بعد
واضح انك ما قدرت تتعايش مع مشاعرك القديمة
اياً كانت نوعها
ما زلت على نفس حالتك
قرّب وجهه منها وهو يقول بأجفان متراخية كسولة: شو كنتي تبين تدرسين في الجامعة ؟
قالت باستغراب: انا ؟
: هي
نارة: ممممممم لغة عربية ... ليش ؟
منصور بسخرية: اهاا .... توقعت فلسفة
قالت بعينان متسعتان بمرح: تتمصخر ؟
منصور بابتسامة مائلة: اتصمخر هي ... عندي شي اسويه غير اني اتمصخر !!
لم تعلّق على ما قاله .... بل ظلت تحدق بما حولها
البحر والطيور والأشجار والناس الذين يتمشون بنسب قليلة حولهم ..
لتقول بعدها على نحو فاجأه
تباً
هي دوماً تفاجئه
: حبيتها يا منصور ؟
لن يجعلها تنتصر
لن يجعلها تظن انها اربكته او شتّتت بعضاً من سيطرته !
فـ اجابها بنبرة عقلانية واقعية ... نبرة خبئ خلفها غلّه الشديد بما اقترفته يداه:
حبيتها ... بس مب لدرجة اني احارب ضعفي واتم معاها
يمكن صدق لقيت حجة عشان ابتعد
ما كنت قد الثقة ... ما كنت الريال اللي تستحقه ولا الريال اللي يعوضها عن ابوها عبدالرزاق
صدق او لا تصدق !
سارة كانت مثلج
ظاهرياً مع ابوها ... بس في الصدق كانت مثلج ..... يتيمة
يتيمة ام وابو
بغت الحب وما لقته
بغت الحنان وما ذاقته
بغت حد يحتويها ويمكن شافت هالحد انا
بس خيبت ظنها
يتحدث ... ويتحدث
ولم يعلم انها اخفضت رأسها
ودخلت في موجة بكاء صامتة !
ما السبب يا ترى ؟
هل شوقاً لاخت لم تعرفها ؟
هل قهراً من حياة بائسة ذاقتها والاخرى بكل ظلم ؟
هل غضباً كونها كانت العنصر الوحيد الذي تعامل معه الكل كـ قمامة ؟
على الاقل سارة عاشت مع اب
ظناً من الاب ان ابنته الاخرى مع أمها
لكن المضحك ان الام رمت ابنتها في دار رعاية الايتام بلا اي رحمة او شفقة
انتبه لما سبّبه لها من ألم .. فـ هتف مغضن الحاجبين بـ تعاطف: آسف ... ما قصدت اذكرج باشياء مب زينة
اخذت نفساً حاداً وهي تمسح دموعها بظاهر كفها
ثم قالت: عادي عادي .... ماعليك الدموع تنظف عيونا من الشوائب
رفع حاحبيه بـ شبه ابتسامة وقال: متأكدة افلاطون ما يقربلج ؟
: ههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ابتسم لها بهدوء ..... فرح لأنها ضحكت
فرح لأنه سبب هذه الضحكة !
نارة: زين عادي اسألك سؤال ؟!
منصور: اسألي
نارة: كيف صرت مصور .... ووووصياد
ابتسم منصور وهو يتذكر تلك الايام: صدقيني انا روحي ماعرف
عقدت حاجبيها بتعجب
فـ أكمل يوضّح ما قاله: في امريكا تعرفت على ضابط .... جون ما غير اللي مسك قضيتج
تعرفت عليه وسط ازمتي مع عبدالرزاق .. وشاف مهارتي مع الاسلحة والتقنيص
ما تذكرت ان الذي امامها قد قتل نفساً بشرية في يوم من الايام .... حتى انكمش جسدها لا ارادياً
اكمل منصور حديثه غير منتبه لها: عقب ما حليت بمساعدته مشاكلي العالقة مع قضايا عبدالرزاق ..
طبعا بعد ما ادليت باعترافاتي وعطيتهم كل الاوراق اللي تساعدهم يمسكون بمعاونيه في امريكا الجنوبية
استضافني في بيته وهناك تعرفت على معد برامج ناشيونال جيوغرافيك امريكا
وتقدرين تقولين من ذيج الزيارة دخلت عالم الحيوانات هههههههههههههههههههه
كان يقصد الاستهزاء من نفسه لكن نارة كانت في عالم اخر
رفع حاجباً بسخرية وقال: اضحكي زين .. توني شاتم عمري جدامج !
سألته وهي مغيبة العقل: ا ا انت كيف ... كيف تجتل .... وتعيش حياتك عادي
وكأن شيئاً لم يكن ؟؟؟
سأل مستغرباً جداً ... وهو يقطب حواجبه: جتلت ؟ انا عمري ما جتلت
سألته بنظرة اتهام: واخو خوليان ؟
: شدراج ؟
نارة بذات نظرتها: قالي يوم كنت محبوسة عنده
منصور بصوت صقيعي: اولاً امسحي هالنظرة من عينج لانها ما بتهز فيّه شعري
ثانياً .... ومع اني مب مجبور اقولها لج
بس بقول
اللي ايي صوبي وناوي الشر عليّه ..... يتحمّل
انزلت عيناها بـ ربكة خائفة داهمتها للحظات ... ثم قالت وهي تستجمع قواها من جديد: يعني جتلته
قال ساخراً بنبرة تهكمية: عيل اخليه يجتلني !!
قالت توضّح: ما قالي خوليان ان....
قاطعها بقسوة: وخوليان شو يعرف اصلا !!
على العموم مات وريّح الناس من شره
اتسعت عيناها بذهول: مات !!
تذكر منصور حديث جهاد عن الذي حصل مع خوليان
ليقول بعدها وهو يرمي بعض الحصوات في البحر: هي ... منتحر
اقشعر بدنها حقاً ... فتراجعت قليلاً وهي تغمغم: اعوذ بالله
أراد الوقوف والعودة للشقة لكنها قالت قبل ان يقف: انزين سؤال أخير
بـ صبر يُحسد عليه
ظل جالساً وقال: تفضلي
عندما استوعبت انه كان يريد الوقوف
احست بالحرج وقالت: ماعليه تحملني عشان بس اطمن وما اتم افكر واحاتي
: اسمعج
نارة: ممممم منو قالك عنا ؟ كيف عرفت ان عندك بنت ؟
اصدر صوت خفيض ساخر
ليقول وهو يقف هذه المرة ويستقيم بقامته ..... قبل ان ينفض تي شيرته الأبيض بحركة خفيفة وهمية
: واحد
قطبت حاجبيها مستغربة: منو هالواحد !!
مشط شعره بأصابعه السمراء الطويلة
قبل ان يضع الكاب على رأسه ويستدير: ديدريك
،,
في احدى اشهر متاحف جنوب افريقيا
أعطت نظرة خاطفة ليده التي تلامس كتفها بعفوية
فتنحنحت بخفوت تريد إزاحة الخجل من وجهها ونبضها
رباه من هذا الغابش
يجمعها ويشتتها
يفككها ويعيد تركيبها
مصدومة هي من حرابة التي تخرج بمجرد ان يتواجد قربها
تصاعدت نبضاتها ورعشات الخجل فيها وهي تتذكر انهزام قوتها التام تلك الليلة
كان عذباً
كعذوبة النهر
كعذوبة همس السماء بالمطر
جارف وكريم وسخي ...... ووووووويجبر الكسر !
تشعر بعتهه يداويها
ببلاهته تقوّمها وتجعلها طبيعية كـ باقي الاناث
كتمت ضحكتها بقوة وهي تتذكر وجهه صباح اليوم التالي عندما استيقظ وصرخ مذعوراً ما ان ازاحت المنشفة من رأسها
اذ انه فتح عيناه وهي ترفع رأسها بقوة فـ ارتعب من منظر شعرها الأسود وهو يتراقص امامه ظناً منه انه شبحاً ما او كائناً هطل عليه من المريخ
"
: بسم الله الرحمن الرحيم .... زيغتييييني .... ما بغيتي تنشفين شعرج الا هني وانا توني فاج عيوووووني !!!!
"
هههههههههههههههههههههههههه
دوماً يضحكها بردات فعله العفوية
دوماً يجعلها تبتسم
وهذا مالم يفعله أي احد كان منذ سنين طويلة
وقف امام التحفة الفنية يحدق بها بتمعن
لتلمحه يرفع هاتفه ويعمل بحث في متصفح البحث قوقل
سألته وهي تقترب: شو تسوي ؟
اجابها بعفوية: اسوي سيرج على باقي اعمال الفنان
تعجبت من لمعان نظرته التي اظهرت شغفه المخفي: عيبك شغله ؟
نظر للتحفة المتمثلة بصورة امرأة غجرية جميلة وتنتثر حولها اوراق لعب الكوتشينة
ليهتف بـ إعجاب: ما تشوفينه حلو ؟
نظرت للتمثال لتهتف بصراحة: صراحة حلو
تأملت تعابير وجهه بشكل غامض وقالت: شكلك شغوف بهالنوع من الفنون
قال بسرعة وهو يوسّع عيناه على نحو مسرحي: طبعاً شغوف .... لا تصدقينهم يوم يقولون اني خبل وما افهم شي
انا احب الفنون عموماً وشغوف فيها
حرابة ساخرةً بداخلها " لا ابد مب خبل ..... محشوووووم"
جرّها برقة حتى اصبحت قربه اكثر .... كتفها يلاصق جانب صدره
تشتم رائحته العطرية الجميلة فيقشعر ركن قصي في جوفها
فـ اتاها صوته مدغدغاً مسامعها .. صوته مثير .. لكن لن تخبره بهذا حتى لو قطعوا رأسها
: هاي ملكة البستوني ... بس بالنسخة اللي تعبر عن دواخل الفنان الافريقي
لكن في الاصل ملكة البستوني هي اقصوصة للاديب الروسي ألكسندر بوشكين
كتبها سنة ١٨٣٣
وتحولت عقب لاوبرا ... وسووا منها بعد افلام كثيرة
رفعت ذقنها للاعلى نحوه
تحدق بشفاهه التي تتحرك بتشويق وحماس
لتهتف مجاريةً اياه ولا تعلم الى متى: وعن شو تتكلم هالاقصوصة ؟
حركها قليلاً حتى وقفت امامه
ظهرها مقابل صدره مرخياً ذراعه على كتفها .... ورد:
سلمج الله تتكلم عن.....
نظرت ليده المتدلدلة قرب صدرها وقالت بعبوس:
شل ايدك غابش ... ماله داعي نصير فرجة للناس
قال بلا مبالاة: شعليج منهم محد مفتكر في حد هني
المهم خليني اكمل لا تقاطعيني حرابووووه
همت بأن تدفعه وتزمجر: غويبششش
اغلق فمها بيده وقال بتهكم: صه خليني اكمل
اتسعت عيناها بذهول من حركته "المهينة" لكن تراخت ما ان سمعت صوته القريب من اذنها وهو يكمل سارقاً انتباهها: القصة عن ضابط في الجيش مشى ورا هواه وابتلش شر بلشة
نزعت يده عن فكها بتكشيرة .... لتسمعه يكمل باندماج:
هالضابط كان يشوف دوم ربعه يلعبون قمار ويراهنون بفلوسهم بس ما يلعب وياهم
مجرد متفرج
يوم من الايام قرر يلعب وياهم ... ودخل عالم القمار لين ادمنه
في الاخير فقد عقله بعد ما فشل في كمّن دور وما قدر ينال الفلوس اللي كان متأمل يربح بها في اللعب
حدق بجانب وجهها الناعم
وكتم نفساً حاراً
ثقيلاً
متمنياً الا يصبح حاله كـ حال ذاك المقامر
رفعت حاجباً ... وقالت: يستاهل .. الحماقة اعيت من يداويها
سألها على نحو مباغت: وانتي ؟
: انا شو ؟
سأل وكله امل ان تجيبه بأي شيء صادق يعتمل في داخلها: منو يداويج ؟
لكن حرابة فهمت مقصده بشكل مختلف ... فقالت متهكمة: هاي نغزة يا بوالشريس !!
اصدر صوتاً معترضاً بأن ضرب لسانه بسقف حنكه ..... ليقول بعينان غائمتان: سؤالي واضح
انتي يا حرابة ..... منو يداويج ؟
خفق قلبها مستشعرةً ان سؤاله اعمق من ظنونها
اظلم من بياض تفكيرها
لكن الشكوك تخدشها خدشاً
وتكاد تغرق رأسها في بحر لا قرار فيه
استدارت نحوه حتى اصبحت تواجهه لتهتف بصوت خافت وكأنها تحادث نفسها ..... بصوت مغيب حائر:
انت قولي ... منو يشوفك خبل ؟
لان اللي جدامي الحين مب خبل ابد
نسى نفسه
نسى مهمته
نسى تدابير السلامة "اللسانية" التي يجب ان يحافظ عليها بوجوده قربها
لكن تدارك نفسه وهو يقول بعبوس طفولي: بس انا مب خبل ... ابويه بس اللي يشوفني خبل لانه ما يحبني
تراخت تعابير وجهها عطفاً عليه وشعرت بالندم لانفلات لسانها .... ثم قالت: مب خبل انت غابش ... مب خبل ... ا ا ....
سحبها من يدها وهو يقول: عادي عادي اصلا انا....
عقد حاجبيه بغضب وقد سكت فجأة لتراه يسحب طرف حجابها ويغطي رقبتها التي كانت مكشوفة من غير علمها: تغطي زين
جحظت عيناها مصدومة .... لتجبره على الوقوف ونزع يدها من يده: انا متغطيه الحمدلله
تأمل الجاكيت الأسود الطويل الذي كانت ترتديه .... وبنطالها الذي لم يخفي جيداً رشاقة ساقيها
فكشّر بعصبية وهو يغمغم: شو هاللبس ؟؟ انا ليش توني اركز عليه !!
وايد مظهّر مفاتنج
ماعليه خل نرد البلاد ...... بحبسج ..... ولا ريال بخليه يشوفج
حتى دوام ماشي
شخرت وهي تحرك يدها بلا مبالاة .... وقالت: اكرمني بـ سكوتك بس
هدر غابش بعصبية: حرااااابة
: وصمّه
غابش بإصرار: ماشي دوام .. ماشي جيش .. ماشي طيايير
عقدت ذراعيها امام صدرها تجاري احاديثه الخرقاء .... لتهتف لعدها بحاجبين مرفوعين: ليش يا ريلي العزيز ؟
عطني اسبابك عشان اغلفهن واحط عليهن ورد محمدي يابس واعقهن في البحر
تجاهل سخريتها بأن زم فمه وهو يتأملها من رأسها لاخمص قدميها ... ثم هتف بجدية:
كيف عمي ليث خلاج تشتغلين في الجيش ؟؟؟
وايد غاوية انتي وتلفتين النظر
خفق قلبها بجنون
في كل مرة يذكر فيها محاسنها او يتغزل بها بتلك العفوية التي يقشعر لها انوثتها ... تشعر انها تتجدد
تشرق
تنتعش
تزهر مع الورد وضحك الياسمين
مع هذا تماسكت وهي تهتف بغضب بارد: انا كبيرة وواعية واعرف مصلحة نفسي
ما كنت اتريا موافقة حد عسب ادش السلك العسكري
سحبها حتى خرجت من المتحف .... ليصيح وهو يرفع يده لحد بائعي العصائر المتجولين: هلوووو ماي فريند ..... تو مانجو جوسس بليزززززز
حرابة بذهول: غابش تتحرا روحك في سوق بني ياس ؟
(بني ياس منطقة قديمة في مدينة ابوظبي)
قال وهو يستدير نحوها: لا تغيرين السالفة
عقدت حاجبيها بعصبية: سالفة شو يا ولد !!
: دوامج
قلبت عيناها بـ غضب بارد وقالت: شبلاه ؟؟؟
: ودريه
حرابة بنبرة احتدت وقست: ايييه حووووووه اول مرة خذتك على جوك قلت اتسلى حبتين معاك بس مب معناته تتمادى
رفعت اصبعاً واكملت بنظرة متوحشة: ان عدت الطاري مرة ثانية ما تلوم الا نفسك يا غااااابش تسمع !!!
تأمل صدرها الذي يرتفع وينخفض من الانفعال
ثم امسك طرف حجابها الملاصق لصدرها ... وقال بخفوت شابه الضيق والانكسار:
اغار
انزلت اصبعها بتفاجىء ... لتسمعه يردف من بين خفوت صوته الخشن المدغدغ لروحها:
يمكن الحادث اثّر شوي على مخي بس اتم ريال ... اتم انسان عندي احاسيس يا حرابة
وانا اغار عليج
ابتلعت ريقها بتوتر شديد
تنهد بصمت ثم التفت ..... وهمس: خلاص سوي اللي تبينه
انا خبل بنظرج وما ينشره عليه
وانتي حرابة بنت ليث اللي تعرف مصلحتها اكثر من اي حد
رغم احساسها بالضعف من نظرته المنكسرة الحزينة ... رغم انها لا تريد زيادة احساس الضعف في روحه
الا انها هدرت رغماً عنها بعد ان عضت شفتها السفلى:
اتمنى ما تفتح مرة ثانية اي طاري يخص دوامي .... دوامي خط احمرررررر
ابتعدت عنه وهي تزبد وتغمغم بوجه احتقن من الغضب: هالمرة بطوفها لك
المرة الياية لاااااااا
حينها تقدم البائع من غابش واعطاه العصيران ..... ليترك الاخير يحدق بحرابة بنظرات سوداء لا تشي بأي شيء يعتمل فيه
مص بواطن خديه وذهب خلفها يكمل تمثيليته
بعد نصف ساعة .. بعد ان اخرج غابش كل جنونه على حرابة ..... والتي ختمت الرحلة الاستكشافية بأن امسكت حجراً صغيراً ورمته على ظهر الاخير من شدة غضبها منه
عادا للمنزل يرتبان ما تبقى من اغراضهما اذ ان الليلة ستكون رحلة عودتهما للبلاد
لكن قبلها ذكّرت حرابة غابش انه من الواجب عليه التوجه لشركته والاجتماع مع بعض الأعضاء الذي أرادوا مراجعة بعض الأوراق معه وانه يجب ان يظهر كامل احترامه وتقديره لتعاونهم معه
تذكيرها له واهتمامها المتفاني .... زادا من رفعة مكانتها في قلبه
،,
البلدة القديمة – وادي أبا الجن
تقدمت وهي تمد يدها نحو المرأة بمساعدة ريسة: احسن الله عزاج يا ام سبيت
احتضنتها المرأة بقوة وقالت: الدوام لله يا ختيه
ودخلت موجة بكاء أخرى لا يُعرَف لها عدد !!
هدأتها نورة بكلمات بسيطة وتركتها لتجلسها ريسه على اقرب مقعد
بعد دقيقتان .... سمعت نسوة يتهامسون قربها
: مب هاي ام سهيل ؟؟
: يووووووه ما شفناها من عمر .... اكثر عن 13 سنة
: شقى جي غدت ؟! مع ان ريسه اكبر عنها ... بس مبين ان هي الأكبر سبحان الله
: ما تنلام ... وحيدها مات ... وصفت في هالدنيا وحيدة لا أبو لا ريل لا ولد
ظلت جالسة تسمع
ملامحها لا تشي بما يعتمل روحها المنصهرة المتسممة من كلماتهن الخالية من المراعاة
بعد دقائق من الثرثرة المتواصلة
لم تتحمل
ارادت شم هواءاً نظيفاً
فـ وقفت وطلبت من ريسه بصوت خفيض ان تجلسها خارجاُ
فأجلستها على احدى المقاعد الفارغة الموضوعة في حوش المنزل الواسع
بعد لحظات
احست بأحداهن تجلس قربها
وتلقي السلام عليها بأدب جم
ردت بلباقة بعد ان أغلقت المصحف الكريم: وعليكم السلام
هتفت المرأة بـ ربكة واضحة: قالتلي ام سبيت انج نورة
ام سهيل
اجابت نورة بشموخ: وصلتي خير
منو معايه ؟
: ا ا ..... انا هداية ... اخت بوسبيت
هزت نورة رأسها بهدوء وقالت: مرحبا هداية .. اذكرج .. حضرت عرسج قبل عشرين سنة
هداية بـ عينان ذابلتان: هي .. عرست وسرت الشارجة .... بس رديت قبل خمس سنوات
ا ا يا ختيه يا نورة .... ترومين تسمعيني شوي ؟
عندي رمسه أبا اقولها لج
رغم استغرابها من حديث المرأة
الا انها قالت بلباقة رسمية: هي الغالية قولي .... اسمعج
بعد تردد ملؤه التوتر ... استجمعت قواها وقالت هداية: اخويه ... اخويه بوسبيت مريض
مريض مرض موت
همست نورة بعفوية وهي تجهل تماماً ان أبا سبيت ممن شاركوا بفقدها ولدها: لا حول ولا قوة الا بالله .. شبلاه ؟
فـ انهارت هداية باكية: بيموت
بيموت
حلليه يا ختيه ... حلليه
من كم يوم ياني وهو يصيح صيَاااااح تقولين ياااااهل
وخبرني باللي سواه في ولدج قبل سنين ..
قال ... قال انه سار من فترة عند الشيخ صياح
كان يبا يعترف له بكل شي
بس .... بس ولده بوربيّع ما خلاه
اتسعت عيناه نورة وهي ترمق الفراغ
فـ هتفت بـ صوت مختنق: شو ... شو تقولين ؟ شاهين ؟!
هداية من بين دموعها المنهمرة: هي .. هي شاهين
اشتعلت نظرتها وهي تأمرها بالحديث: ارمسي
: سهيل ....ولدج سهيل
ابتلعت ريقها الجاف واكملت وهي تمسح دموعها: ا ا الله يخليج ... اخويه يموت .... يبا يجابل ربه وهو مصفي روحه من كل الذنوب
ا ا
ماعرف شـ شوو....
نورة ومن فرط ذهولها .... وتوترها .... وذعرها
لكزت المرأة بعنف على كتفها وهدرت: ارممممسي عدلللل لا تسكتييين
وقفت هداية وهي تقول متلفتةً يمنةً ويسرة: تعالي معايه ... ماروم ارمس هني ... صوتنا بيوصل عند الحريم داخل
ساعدتها على المش حتى وصلوا لغرفة صغيرة قرب المطبخ الخارجي
وحكت لها ما قاله أبا سبيت بالضبط من غير زيادةٍ او نقصان
،,
من أيام وهو يتوارى عن الأنظار يعيش عزلة تشوبها مزاج اسود لا بصيص ضوء يمر من منتصفه
يكره ما فعله
يكره انه كان يقف يومياً قرب منزل غابش يترقب فقط خروجها ورؤيتها
يكره الحقارة التي يتمرغ بوحلها
يكره دناءة الاخلاق التي وصل إليها
لهذا فقرر قرر الرحيل
فـ عمله في جنوب افريقيا انتهى
كان يجب عليه العودة الى هولندا واخذ مكان ديدريك وجواهر مؤقتاً حتى يعودان
تنهد بضيق عارم وعاهد نفسه ان يسيطر على مشاعره
لا يستطيع نسيان حبها المتمكن في قلبه
لكنه يستطيع السيطرة كما سيطر دوماً منذ ان رآها بشعرها الغجري الأسود تركض خلف الأولاد تتوعد بضربهم واحداً تلو الآخر
ماضٍ يتحدث
منذ سنة اتى مع والدته للبلدة القديمة بعد سنواتٍ طويلة قضاها في دبي
البلدة التي ينتمي إليها ويكمن فيها جذوره كما تقول له أمه دوماً
ومنذ ان وطأت قدماه المكان وهو يتجنب الاختلاط بأي احد وهذا بسبب تحذيرات امه المستمرة حتى يحصل ما تخطط له
لكنه ومنذ ان اتى وهو يلمح كل يوم فتاة تجري بين الطرق والازقة الضيقة تلعب مع الفتيات والأولاد
فتاة مشاغبة سمراء حلوة للناظرين ..... لا تفرّق بين الصبي والفتاة وهي تلعب
فقط تنط هنا وهناك كالثعلبة الصغيرة
الكل يسخر منها وينعتها بالصبي
لكن هو يراها اجمل من الزهر وابهى من الفراشات الملونة
عرف اسمها من مناداة الجميع لها وعرف انها اخت أخيه بالرضاعة من أصحاب المحلات الصغيرة والدكاكين ...... موارياً بعض من ملامحه كي لا يلاحظ احد شبهه بأخيه فيثير بينهم الشك والريبة
كان يراقبها أينما ذهبت كالابله الممغنط ! وكم بغض والدته عندما علم بمخططاتها الدنيئة
بغضها وحقد عليها لكن لم يكن بيده شيء
هي امه والتي ربته ..... هي التي قضمت الغربة والهلاك والشقاء لتطعمه وتكبّره وتعلّمه
وذات البغض كنّه لـ نفسه ولصديقه الجشع الذي اقترح عليهم استخدام برنامجه الخاص ضد أخيه الكبير
ربـــــاه
يشعر ان حياته تنسرب من بين أصابعه وليس بيده حيلة للاعتراض والرفض
يعترف انه في لحظة ما شعر بالغل والغيرة من أخيه
الذي حاز على كل شيء
كل شيء
لمَ لم يتقاسما حب الناس !
لمَ لم يتربى معه تحت كنف جده صياح وعمته الكبيرة ريسة !
لمَ لم ينال إحساس المحبة والدفئ والاخوة والتعاضد من عمه منصور
أليس عمه هو ايضاً !
لكن كان وما زال يرفض إلحاق الأذى بسهيل
يريد العائلة
لا كسرها وتحطيمها !
يريد التعرف على حرابة من قرب .... يريد رؤيتها والتحدث معها والتنعم بـ مبسمها عن قرب
لكن كيف وهو الفرد المنبوذ
الفرد غير الموجود أصلاً في دفتر آل صياح
لا احد يعرف بوجوده
لا احد يعلم ان لـ احمد ابن آخر غير سهيل .....!
وها هو واقف كعادته تحت الشمس الحارقة
يترقب خروجها من منزل العمة ريسة
لكن من شدة حرارة الشمس الحارقة
تهالك على الأرض وهو يشعر بأعراض اغماءة سـ تنتابه
فتح عيناه بإعياء على صوتها الخشن: حووووووووه انت
شبلاااك
تبا ماااااااي !!!!
عرف صاحبة الصوت
كانت هي
ملهمته الشقية
ذات الصوت الصبياني والذي يغدو كـ زقزقة العصافير على مسامعه
بـ وجهه المنخفض ارضاً
وقف بصعوبة ... وركض مبتعداً عنها
لا يريدها ان تراه
: اييييييه انت شبلاك !!!! مينوووون !!!!
لا حوووول ... تعال تعال بييبلك مااااااي
خفق قلبه بجنون وهو يهرول مبتعداً
تريد ان تسقيه الماء
ولا تعلم ان قربها منه كان الماء
وسقيا الخير
ومطر الرب وفرحة الطير ..
حاضرٌ يتحدث
قبض على قلبه وهو يحاول قدر المستطاع ازاحتها عن مخيلته
هل هي هوس حقاً كما قالت ابنة خالته جواهر !
لا
لا بالطبع
عادت ذاكرته لسنواتٍ مضت .... اول سنوات له واخيه في هولندا ...
ديدريك ... أخيه المطعون في ظهره والسبب هو وامه رحمها الله
أخيه الذي اصبح له الاب والام والعائلة ....
يتذكر كيف كان يصمت طيلة الوقت ..... ولم يكن يتحدث عن احد من افراد عائلته ابداً بعد ان عادت له الذاكرة ..
وعندما يتحدث ... كان يذكر فقط حرابة
عندما يشعر ان براكين الشوق والوحدة والبعد تتفجر فيه
كان يذكر فقط حرابة
لهذا .... هو "ارنود" يشعر ... انه تقاسم حب حرابة مع أخيه
لكن بطريقة أخرى
فـ أخيه يحبها كونها اخته
لكنه هو آرنود احبها كونها الانسانة الأولى التي شدته منذ او وطأت قدماه ارض الوادي
لهذا فقط ..... يشعر ان هوسه ..... "ان كان ما قالته جواهر صحيحاً"
زاد وتمادى في روحه طيلة السنوات الماضية
لولا احاديث ديدريك المستمرة عنها بـ وجوده
كان من الممكن ان ينساها
ان يتجاهل وجودها في روحه على الأقل
لكن ديدريك بين فترة وفترة كان يذكّره "بغير قصد" فيها
كان يستغرب لمَ ديدريك يتحدث معه هو بالذات عنها
لكنه ضحك ساخراً
بالله عليك يا ارنود !
وهل كان لدى الشاب المسكين احدٌ سواك !
أخيه رآى فيه الصحراء التي يفتقدها
صحراء يصرخ وسط رمالها ليرجع له الصوت اشد حدةً واكثر تردداً
كانت حرابة هاجساً له
فـ زاده ديدريك "من غير ان يعلم" بالهواجس
كانت حلماً عذباً
فـ زاده ديدريك بالاحلام والخيالات
كان يقف في تلك المشاعر على الشاطىء
ولم يدخله البحر الا احاديث اخيه المستمرة
حتى انه في يوم ما اراد اسكاته
ان يقول له كفى
هي حلم مستحيل
فلمَ تعلق آمال قلبي عليها !
لمَ تزيد لوعته وحرمانه وآهاته !
لكن اخيه كان يحتاج للتحدث
كان يحتاج لـ لفظ نيران جوفه
وإلا لأصبح عقله في خبر كان وجنونها
،,
أبوظبي - مساءاً
امام منزل شاهين بن صياح
ترجّتها وهي تحاول الإمساك بذراعها: يا نووورة سمعيني بسسسس
هدرت نورة وقد بح صوتها من شدة الصراخ والشتائم في السيارة طيلة طريق العودة من البلدة القديمة الى العاصمة
ضربت بعصاتها باب المنزل بوحشية وهي تصرخ بغضب جنوني: يعلني المووووت ان خليييييته ..... يعلني المووووووووووووووووت
وانا اللي تحرييييت ان المصايب كلها بسبة الجلب عبدالكريم وررررربعه
ثره اخوووووج طلع اجلللللب عننننننننه
امسكتها ريسة بقوة قبل ان تتسرع وتدلف من باب منزل شاهين الخارجي:
اهدددددي
اقولج اهددددددي واسمعيييينييييييي
دفعتها وهي تكاد تسقط من خطواتها غير المتزنة المتخبطة المنفعلة جداً جداً
: شو اسممممع شو اسممممع بالله عليييييييج !!!!
الحرمة قالتلي كل شييييي
كل شيييييييي
حسسسبي الله ونعم الوكيييييل
حسبي الله ونعم الوكيييييييل
تمكنت ريسة من إيقاف خطوات الاخيرة بقوة تحسد عليها
خفقاتها وصلت عيان السماء ... ووجهها شاحب اصفر اللون من هول الصدمة
لم تتوقع ان تعلم نورة بالحقيقة بهذه السرعة
ليس على الأقل قبل ان تعلم ان ابنها الوحيد حي يُرزق !
هدرت وقد فقدت السيطرة على لسانها: ادري
ادرررري
ادري بكل شي
جحظت عينا نورة ................. لتقول بـ وجه امتقع اكثر من ذي قبل: تدرين ؟!
جرتها .... حتى ادخلتها مرة أخرى الى السيارة ....... ثم قالت بانفعال: هي ادري
بس ما قلتلج لاني خفت عليج
نورة بـ صدمة عاتية: كنتي تدرين ان اخوج كانت متعاون مع قوم عبدالكريم على ولديه
وسكتتتتتتتي !!!!!
فـ صرخت ووجهها اصبح بنفسجياً من شدة الغضب: حسسسبي الله عليكم يا عيال صياح
حسسسسسبي الله عليييييكم
اسكتتها ريسة وهي تشعر بحرارة جسدها تتصاعد مع ارتفاع ضغط دمها ... آلمها دعاء نورة المرير والذي شملها هي ايضاً: لااااااااااا
لااااااااااااااا .... اهدي شوي يا نووووورة دخيل الله
ماروووم امسك نفسي احس بطيييح من كثر ما قلبي يراااااااااقع
طحنت نورة اسنانها وسكتت لكن انفاسها تتصاعد دليل انها بالكاد تسيطر على لسانها
اخذت ريسة نفسان متتاليان ملؤهما التوتر ....
ثم قالت: دريت من أسبوع ....... انا
انا وهزاع ولد حامد
: هزاااااااااع !!!!
لن تخبرها بأمر سهيل
لن تستطيع
لكن عدا ذلك .... فـ ستقول ما تعرفه
يكفيها عذاب وكتم في القلب
: هي .. وداني صوب السوق الجديم في ديارنا والتقينا بـ راعية الصالون حسناء اذا تذكرينها
اجابت بسرعة وانفعال: حسنا ؟ هي ... هي اذكرها .... شبلاها ؟؟؟
: اول في شي بقولج عنه
هدرت نورة بلا صبر: لا حول ولا قوة الا بالله ... ريسسسسه انطقي والله دمي نششششف
هزت ريسه رأسها وهي تمسك جبينها بإعياء
لم تكن تريد هذه المواجهة يالله
مالها هي ومال نبش الماضي بأسراره !!!!
: احمد
ارتد وجه نورة ...... لتنطق الاسم بـ غلظة: احمد ؟
اخذت نفساً عميقاً وهي تهمس بـ خفوت "يا رب" ثم قالت بصوت مسيطر: احمد كان معرس عليج يا نورة ... كان ماخذ وحدة من موظفات حسناء في صالونها
صمـــــــــــــت
صمــــــت تــــــــام
هتفت ريسه وقد لانت ملامحها ألماً وتعاطفاً: ادري مصدومة ... ويمكن ما تصدقيني وو.....
قاطعتها نورة بجمود: هالشي ما يهمني
هتفت ريسة بذهول: ما يهمج اذا احمد كان معرس عليج او لا !!
: لا ما يهمني
اللي يهمني شو علاقة اللي ينقالها حسناء في ولديه وشاهين والجلب عبدالكريم
هزت ريسة رأسها متفهمة اذ باعتقادها ان نورة من الممكن قد اخذت الموضوع ببرود فقط لـ طول مدة رحيل احمد .. ولابد وان علاقتها به كونها كانت زوجته قد فترت وأصبحت معدومة !
لذلك لم تبد غضباً او انفعالاً ..
لتجيبها بعدها بصوت اصبح متزن وثابت: بتييج الرمسة
اللهم صل على سيدنا محمد
المهم
ريكا حرمة احمد كانت تشتغل مع حسناء .... ويوم احمد خذاها وحملت ودرت الشغل
لم تلمح أي تغير بتعابير وجه نورة .... لكن رأت كيف شدت من قبضتها على عبائتها
وكأنها قبضةٌ على الجمر
قالت نورة بهدوء شديد لم يظهر ما يعتمل روحها: ما شاء الله ... ويابتله عيال بعد ؟
ريسة: هـ ... هي
هتفت نورة بسخرية: وينهم ؟
تنحنحت ريسة بـ ارتباك ثم قالت: واحد بس .... اسمه ناصر
كررت نورة الاسم على لسانها: ناصر
ريسة: هي ... سموه ناصر ... وريكا بغت من احمد يعترف بزواجهم ويعترف بـ ولدها بس ما طاع
رفعت نورة يدها تقاطعها .... لتسأل متوجسة: صبري ... متى خذاها احمد ؟
: خذاها يوم سهيل عمره حول سنة ونص
سكتت نورة بمشاعر هوجاء لم تظهرها البتة .... وتساءلت ..... هل يعني هذا انه تزوج عليها قبل ان يضرب الشيطان عقله ويرتد !
....... وهل ريسه من الاساس تعلم بـ حكاية ارتداده او لا !!
لتقول بعدها بصوت جاف: كملي انزين
وحكت لها ريسه ما قالته حسناء لها
كيف ابعد احمد ريكا والصبي عن البلدة .... وكيف عادت وهي قد قررت مسبقاً اخذ حقها وولدها
وبمن التقت وكيف حاكوا المكيدة ضد سهيل ....
وضعت يداها المرتجفتان على وجهها المحتقن ... وهي تهتف بـ غلظة سحيقة: يعني صدق
صدق اللي قالته هداية
شاهين كان مع قوم عبدالكريم
شاهين كان له اكبر يد باللي صاااااااااااار
صرخت وقد قفزت عروج جبينها من هول الغضب: شاهين السسسسسسبب
شاهيييييين هو سااااس البلااااااااااااا
هو ساس البلااااااااااااا
فتحت الباب وهي تسير بخطوات سريعة مريعة نحو المنزل مرة أخرى
نزلت ريسة خلفها وهي تقاوم دموعها: نوووورة تعاااااالي
اذكري الله يا بنت الناااااس مب جي تنحل الاموووووور
: أي أمور تنحلللل ..... اي اموووووور
بيردولي ولدددددي اللي احرقووووه
بيردولي ضناااااي اللي اغدروووا فييييه !!!!
لتصرخ بـ كل قوة تجمعت في روحها المكلومة ..... وهي تحرك عصاتها امامها حتى اصطدمت بالباب المعدني:
شاهييييييييييين
شاهييييييييييييييييينووووووووووووووه
اظهرررررررررر ...... اظهر يا الخسيييييييييييس
يالنييييييييييييس اظهررررررررررررررررررر
نهـــاية الفصــــل الثـــالث والعشــــرون
|