كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله (بـ حلة جديدة-2020م) الفصل العشرون
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الفصـــل الحـــادي والعشـــرون
بعد أذان صلاة الفجر
منزل صياح بن احمد
اقتربت من والدها تريد تجفيف رأسه من اثر الماء بالمنشفة الصغيرة .... وهي تخفي بقوة آثار شحوب الصدمة بوجهها .. بعيناها .. برعشات صدرها .... تخفي آثار رؤية سهيل بعد الغياب الطويل
لترى الشيخ يبعد وجهه عنها ويغمغم: برايه خلي راسي
قالت ريسه وهي التي منذ دقيقة فقط اطفأت جهاز التكييف الخاص بغرفة ابيها: ابويه الحجرة بعدها بارده
وانت بعدك تعبان ... الزجمة مب زينة لك
اقتربت مرة أخرى واخذت تمسح رأسه وهي تكمل بعبوس: هذا يدود ابويه مب سبوح الله يهداك
قلتلك بدش وياك اساعدك ما طعت
(يدود = وضوء)
سألها فجأة وعيناه مخفيّتان خلف المنشفة وخلف كفوف ابنته: وينه ؟
ارتدت للخلف وهي تسأله بتلعثم: مـ منو ؟
رمقها بعيناه المشيبتان ثوانٍ كأنه يحاول استيعاب سؤاله
كأنه يحاول فهم سؤاله الذي خرج من فاهه !
اين هو ؟
اين هو ذلك الذي لم يفارق مخيلته منذ أيام !
ليهمس بـ اختناق ... بـ حيرة ... بـ خوف لم يفقه مصدره: مـ .. مـ .. ماشي ... برايج خليني اصلي
لملمت نفسها بـ ربكتها بـ ذعرها بـ خفقاتها المجنونة .... وتركت ابيها يصلي فرضه
أغلقت الباب خلفها لتسير بـ خطوات غير ثابتة
اين هاتفها ؟
يجب ان تتصل به .. يجب ان تأخذ منه وعداً الا يتركهم مرة أخرى
ان يعود
ان يحدثها بكل شيء حصل معه في الخمس عشرة سنة الماضية
كل شيء
حسناً ... لقد ارسل رسالة لها من هاتفه المحمول
اذا هي لديها رقمه ..
عندما دخلت غرفتها واستلت هاتفها ..... ضغطت على الرقم الذي اتتها منه الرسالة
وانتظرت لـ يجيب ابنها
لكن ...... لا مجيب !
،,
عندما سلم من صلاته وانهى ورده
اشتدت قبضة يديه على المصحف وهو يشعر بآلامٍ فظيعة بطول عاموده الفقري وساقيه
ما يزال يعاني من تبعات ازمته الأخيرة
ازمتة الـ..... ربـــــــــــــاه
احمـــــد
احمــــــــــــد
كيف فعلتهــــا ؟
كيف يا ولــــدي ؟
لقد ربيتك على بسم الله والله اكبر
ربيتك على سبعٍ من المثاني والقرآن
توضأت قربي عمراً
وصليت خلفي سنيناً
ما ان أكبّر تكبر
وما ان اسلّم تسلّم
كيف فعلتها وكفرت بالحي الذي لا يموت ......!
علّمتك ان اذنبت تستغفر
لكن ذنبك لا مغفرة له
لا عفو ولا استغفار ينفعك الان
ليتني علمت قبل الطوفان
لأجرّك كالشاة معي
لكن ما الحيلة وانا الآن كـ نوحٍ الثاني ؟
ما الحيلة وانا اشعر بخزيٍ ورعبٍ كالجمرات ..... اشعر بالخجل من الله
ذنب من كان ؟
ذنبي ؟
هل كان ذنبي انا يا الله ؟!
جحظت عيناه بـ بريق الألم الماكن ... وهو يتذكر ما حصل معه قبل أيام
قبل ان يخرج من المستشفى بسويعات قليلة
موقف حصل معه جعله يخرج شيئاً فـ شيئاً من حالته النفسية السيئة بعد أسابيع مكفهرة سوداء لا وصف لها الا الموت
قبـــل أيـــام فـــي مستشفـــى العاصمـــة
وقت الضحى
مر من باب غرفته الموارى احد الرجال
فـ توقف الأخير وهو يتعرف على هوية الشيخ الراقد على السرير
اقترب من الباب وهو يصدر صوتاً رجولياً رناناً: هود هود
بعفوية بالغة ... استقام الجد بظهره قدر استطاعته وهو يهتف مجيباً: قربوا قربوا
ما من غريب
قربوا
دخل الرجل الذي يقارب ابناءه سناً
وهو يهتف بذات صوته الرنان القلق: عمي صيااااااااح ؟!!
انا يوم مريت من الحجرة وطاحت عيني عليك شكيت انك هو ما غير
افااا افااا سلامااااااات سلامااااااااات
في البداية اشتدت أعصاب الشيخ يريد تذكر الرجل
والحمدلله ان ذاكرته لم تخنه هذه المرة
فـ تراخت اهدابه وهو يتلقى قبلة الآخر على رأسه وهو يخفي توتره وارهاق جسده
ثم غمغم بـ تعابير هادئة لطيفة: مرحبا مرعي .. شحالك ابويه شعلومك ؟؟؟
شحوال ابوك وخوانك ربهم كلهم بخير ؟؟؟
أجاب مرعي وهو يمسك مقعد صغير ويجلس قربه: مرحب لا هان يالغالي .. كلهم بخير وسهالة يطولي بعمرك
خير خير ما من شر .. شحقه مرقدينك عمي ؟؟؟
اشاح الشيخ صياح بيده وهو يهتف بـ ضجر الكبار وسخطهم الذي لا ينتهي: ما عندهم سالفة يا ولديه .. يبون حيّة عسب اترقد
الشرهة عليّه اللي مسولهم سالفة
(حية = حجة)
اسمحلي ابويه ماروم اقهويك تـ....
قاطعه الرجل وهو يقف ويمسك دلة القهوة ..... وقال: يعلني افداك عمي
انا اللي بقهويك بيديه
واخذت الاحاديث تتأرجح بين الاثنان مخفياً الجد حقيقةَ انه لا يتذكر أي من ابناءه هو صديق مرعي
اهو شاهين ؟
حامد ؟
او
احمد !!!!!
فـ سأله بعفوية ظاهرية: يا حيك يا مرعي ... وشعلومك بعد ؟
سنين ما ريناك ... نتخبر عنك ... وربيعك يتخبر عنك
اتسعت عينا مرعي بـ تفكه "وهو الذي عُرف منذ صغره بـ خفة دمه وبساطة حديثه"
ثم قال: وابوووووييي يا عمي صيااااح ..... ما تيوز عن سوالفك
بعدك تحب تزيّغ العرب ..... مبونكم يا قوم صياح مخاوين الين الأزرق
ضحك الجد صياح ليكمل الرجل حديثه بنبرته الكوميدية: تباني ألحق احمد الله يرحمه ؟ اميييييه تباااااني ... اطّالع الله واطاااالعني في هالدنيا
قهقه الجد بـ صوت خفيض ثم سعل وهو يحاول التمسك والسيطرة على هلعه المتصاعد في روحه
اذاً هو صديق احمد ..... هل ........ هل يعلم بما حصل ؟
من طريقته في الحديث ... يبدو انه لا يعلم
بعد تردد ... استجمع قواه وسأل: انت كنت وياه قبل لا يتوفى ؟
أجاب مرعي بـ عفويته وبساطته: لا عميييه ... شو نسيت ؟؟؟ انا كنت في مصر اكمل دراسة .. جاسم ومهنا كانوا وياه
كانوا رباعه ما يتفارقون موليه
تنهد بـ حسرة ..... واكمل: جاسم توفى من سنة ونص .... الله يرحمهم يميع ويرحم موتانا وموتى المسلمين
الشيخ صياح: لا حول ولا قوة الا بالله .. انا لله وانا اليه راجعون
شقى مات ؟
مرعي: في الحي توفى ... بسبة التزاحم والتصادم بين الحجاج
همس بـ صوت اجش: يعله في الفردوس الأعلى مع الانبيا والصديقين
: اللهم امين
بعد تردد ... وارتباك مريع في خفقات قلبه
قال: عندك رقم مهنا ؟
: هي هي معلوم عمييي .. عندي رقمه واتواصل وياه بين فترة وفترة
ثم أعطاه الرقم ويبدو انه لم يشعر بالتوجس من طلب الشيخ صياح الغريب
جلس معه مرعي لـ دقائق أخرى ثم استأذن منه مع وعد ان يزوره المرة الأخرى مع ابيه واخوانه
بعد انصراف مرعي ..... اعتدل بجلسته
ثم استل هاتفه ..... واتصل بـ مهنا
ليطلب منه بعد السلام وتبادل الاحاديث الخفيفة
ان يأتيه للمنزل غداً صباحاً اذ انه بعد ساعتين سيخرج من المستشفى كما قال له الطبيب
وعندما اتاه زائراً للمنزل .. بعد ان تأكد من خلو المنزل الا منه .... حصلت المواجهة المحتومة
والحديث الذي لم يسبق له ان خاض مثله في حياته !
وياليتــــــــــــه لم يتصل بـ مهنا
بل ياليته لم ير مرعي
ياليته اكتفى بالرسالة فقط
لكان قد عاش باقي عمره يحاول عشم نفسه ان الخط ليس بخط احمد رغم ان الحقيقة هي ان الخط
هو خط احمد
لكان قد عاش باقي عمره وهو يتأمل ان آخر كلمات ابنه كانت لا اله الا الله مهما جرى ومهما حصل
لكن "ليت" لم تعمّر ابداً "بيت"
فـ مهنا قد صفع جبينه بحقيقةٍ مغايرة !
قال الأخير له وهو يحمل بصوته الكثير والكثير من الاوجاع .... قالها بصريح العبارة: كنت على راسه يوم الله بغى امانته ..... كنت في الموتر اللي ورا الموتر اللي دعمه ..... حاولت ألقنه الشهادة
حاولت وربي يشهد ... حاولت لـ آخر ثانية انه يتوفى على دين محمد صل الله عليه وسلم
لكنه مسكني من رقبتي قو ....... زغدني يا عمي .... زغدني بيدييييه
ووو......
ليردف بصوت مختنق ..... بـ صوت قلبه المنفطر على حال صديقه: تفل بـ ويهي
ومات
ما رمست .. ما تكلمت ... كنا انا وجاسم متعاهدين ما نقول حق حد اللي احمد مر فيه .. خلينا السر في يوفنا
حتى ما قلنا حق مرعي خوينا
سكت للحظات وكأنه أراد قول شيء ما ........ لكنه تراجع
ثم بلع ريقه واكمل حديثه السابق: لو انك ما اصريت عليّه ارمس يا عمي صياح
جان ما رمست والله .. لا لك ولا لأي مخلوقٍ كان
عاد لمرارة واقعه .... لـ رعشات قلبه ونواح "نوحٍ الثاني فيه"
في خضم عذاباته واحزانه ..... تراخت عيناه المرهقتان المتجعدتان وهو يتذكر الصندوق الذي سبق وان سأل ربيّع عنه
لكن الأخير قال له ان العم جابر قد اخذ الصندوق عندما وجدوه مغشياً عليه
قطب الشيخ صياح حاجبيه بـ استياء وعصبية
الى الآن لم تأتي له الفرصة المناسبة للذهاب لـ أخيه جابر واسترداد الصندوق
يجب ان يتخلص منه .. ومن الرسالة ومن تلك الصور وذلك الخاتم
يجب ان يتخلص من كل اثرٍ لـ مصائب احمد !
،,
اليوم التالي – وقت الضحى
خرج من سيارته الفخمة ليدخل احدى الوزارات الحكومية لملاقاة صديقه صاحب المنصب العالي
ويتقهوى معه
حاز على كل شيء أواخر السنين التي مضت
المال والمكانة والأملاك ومصاحبة عليّة القوم
نسبَه بحد ذاته وثروة ابيه ببيوتهم المتفرقة ومحلاتهم التجارية الكبيرة ومزارعهم الضخمة المنتشرة في شمال البلاد
اضافةً لاعتزال ابيه واخيه حامد الحياة الاجتماعية اخر السنين
وانتقالهم من البلدة القديمة الى العاصمة
كل تلك العوامل اتاحوا المجال له لبزوغ شخصه بين جميع اطياف المجتمع
وحان الان فعل ما خطط له اخر سنتان
وهو الدخول للمجلس الوطني ويصبح عضواً مهماً فعالاً فيه
فلا ينقصه شيء ابداً
وبالفعل اكمل الاجراءات الضرورية كي يخوض الانتخابات
غضن جبينه بانزعاج شديد .... شيء واحد فقط يعكر صفو مزاجه
الخناجر
خنجره وخنجر ابنه
اين
من اخذهما ؟ ..... بالاحرى من قام بسرقتهما ؟
بعد انتهاء ميعاده ..... عاد لسيارته
وقف وهو يلاحظ كيس مخملي متدلي من المرأة الجانبية
امسك الكيس ودخل بسرعة لسيارته ...... وبعد ان جلس وارتخى بجلسته
فتحه ليرى ما بداخله .... كانت علبة متوسطة الحجم كـ علب الساعات الثمينة
فتح العلبة بهدوء
ليصرخ فجأة بفزع مريع وهو يرميها على المقعد المجاور
تلونت مقلتاه بلون الدم المنعكس
وهو يحدق بـ بقايا الافعى ...... ودماءها المنتشرة في كل مكان في سيارته وعليه كذلك
ظل يصيح بخوف وقرف غير مستوعب ما يراه .... حتى سقطت عيناه على بطاقة بيضاء اتسخت زاويتها بالدماء
استلها بتوتر شديد
وقرأ ما فيها
"سنين وانا محتار
بين اني اصفح ..... او انتقم
تعرف يا شاهين شو اغرب شي آمنت فيه في خمسطعشر سنة من حياتي ؟؟
ان البني آدم عنده فرص كثيرة للصفح
بس ما عنده الا فرصة وحدة للانتقام
فـ الافضل ينتهزها ان قدر ..
وبالمناسبة .. خنيرك رِدي .. سنّيته لين غدا حاد ويقطع"
بلا مبالغة ... شعر بأوصاله ترتعد وتتراخى شيئاً فشيئاً
افعــــــــــى !!!!!
جحظت عيناه وعقله يعود للوراء خمس عشرة سنة
ماضٍ يتحدث
واقفين ثلاثتهم امام المستودع القديم
ليقترب حامد محذراً بوجه شاحب غاضب: خلوه لحد يدش عنده ... تسمعني ربيع ؟؟ تسمعني يا ابوه ؟؟
خلااااص .... اللي ياااه من الضرب يسده
تقدم ربيع الذي رغم توتره وخوفه المتصاعد .... هتف بعصبية: الامام عبدالكريم معصب يقول تأخرنا في العقاب
وجه كلامه لأبيه: ليش يدي يماطل ؟؟؟
شاهين: رد علييه يا حاامد ... الشيخ صياح ليش يماااطل ؟؟؟
هدر حامد بقهر عظيم: ما يماااطل ما يماااطل .... انتو شوووو من بشررررر !!
حسوا فيه شوي ... حسوا انه ابو قبل كل شي وما يرووم يقرر بسرررعة
اقترب ربيع يهتف من بين احقاده/غليان روحه: لازم يقرر واليوووم
صرخ فيه حامد: انثبر انت وانجعممممم
اقترب شاهين من الباب الضخم العتيق وهو يقول: بدش عنده
قال حامد يريد منعه: شو تبا تسوي ؟
: ما بسوي شي .... ابا اشوفه بس
حامد: شاهين خاف الله فيه ما يزداااد ... الولد منهد حيله وطايح من كم يوووم
شاهين: اوهوووووو حامد خلااااص .... قلتلك بشوفه بس
ردوا بيوتكم انتو
انصرف عنهم حامد وهو يغمغم ويحولق بـ انهاك ضميري وعذاب لا قبل له ولا بعد
كذلك انصرف ربيع وكله رجاء الا يتأخر جده اكثر في اتخاذ قراره
دخل هو على سهيل ... بخطوات الشيطان والفرعون والنمرود
ما ان اصبح امامه ... حتى اخرج من جيبه كيس قماشي
واخرج ما فيه
كانت افعى
لتبتسم عيناه شراً
شراً ونشوةً وهو يتخيل كم سيكون صراخ سهيل كالنغمات والموسيقى على مسامعه المنتقمة
اجل ..... سهيل كان لديه خوف مرضي من الثعابين ... بحيث انه بمجرد ان يرى ثعباناً ينتفخ وجهه وعنقه واطرافه ويبدأ بالارتعاش
ويبدأ يصرخ بطريقةٍ لا يستطيع السيطرة عليها
حالة نفسية لازمته منذ ان كان صغيراً اثر حادثة حدثت له ليلاً لوحده عندما ذهب للبر وكل العائلة للتخييم والترفيه
رمقه بـ عينان الحاقدتان ..... كان جالساً على الارض يسند ظهره ورأسه على الجدار
مرهق حد النخاع مجهد النفس والروح حد الرمق الأخير
ما ان راى الافعى تزحف اتجاهه حتى انتفض بجلسته وداهمته الحالة
نهض وهو يريد الهرب لكن رجلاه خانتاه
فسقط مهزوماً مرعوباً متألماً
اما شاهين
فـ ضحك بكره جنوني ..... ثم خرج واقفل الباب خلفه
حاضرٌ يتحدث
لا
لا لا
مستحيل
مستحيل ان الذي يفكر به ........... حقيقة !
مستحيل
اخذ على نحو هستيري يمسح الدماء من ثوبه بمحارم ورقية
حركة خرقاء منه جرّاء ذعره ... اذ انه يستحيل عليه تنظيف ثوبه من الدماء بهذه الطريقة
خرج من سيارته وهو يبحث بعيناه علّه يتمكن من معرفة من وضع الكيس
لكن دون جدوى
: خير خير يا عم فيك شي ؟!
تلعثم شاهين وهو يرى شاب ما ... يقترب منه بقلق ويحدق بالثوب المتسخ بالدماء ..
هز شاهين رأسه نافياً بارتباك عارم ووجهه شاحب اصفر ...... ثم دخل سيارته وشغّلها وطار بها هارباً من كل ذكرى تتعلق بـ ابن أخيه ..
،,
خرج من النادي الرياضي وهو يشرب عصيره الطازج ليرن هاتفه .. فـ كان زميله الذي يمسك معه قضية عصابة الادوية
: محمد حصل اتصال بين ربيع وجماعته
هتف محمد مستفسراً: شو قالوا ؟
: تعال المركز وبقولك
: تمام عطني ساعة يلين ارد البيت واتسبح وابدل
: تمام اترياك
بعد ساعة ... وفي مقر العمل
اقترب محمد من زميله متسائلاً بتشوق: شو بوغنيم قولي .. اسمعك
وقال له زميله تفاصيل المكالمة بين رجل العصابة وربيّع ... وتهديده بإبنه
قال محمد بغمغمة غاضبة: الخسيس
اومئ زميله برأسه ..... ثم قال بعد تردد قصير: محمد عندي سؤال واسمحلي اذا تعتبره فضول
عندما شد الرجل انتباه محمد ... اكمل متسائلاً: ليش تبرعت انت تسافر ورا ام حامد ؟ المهمة كانت موكلة لـ زميلنا حمدان أصلا ؟
عقد محمد حاجبيه بـ ضيق
آخر ما يريده الآن أسئلة الزملاء التي لا تنتهي
بالطبع لن يخبره انه قد اخذ المهمة بطلب خاص من سهيل بن احمد
الذي كان على علم مسبق بـ امر العصابة وما ينتوون فعله بـ ابنة عمه
عض شفته بـ مشاعر حارقة
حارقة جداً
ما ان يتذكر انها كانت في يومٍ ما كانت خطيبة سهيل ... يشعر بأوردته تتعارك على نحو قاسي
ما يسمي هذه الحالة ؟
غيرة ؟
تباً
اجل ................... انها الغيرة
الغيرة على امرأة للتو تطلقت وما تزال في العدة
كم انت معقد يا محمد وغريب وشاذ بتركيبتك ...... حتى بـ عواطفك
تغار من خطيبٍ سابق ... خطيب حي في عداد الموتى
ولم تشعر بالغيرة من زوج كانت على ذمته وتحت دفتر الاسرة الخاص به
شخر ساخراً بصمت
شتان
شتان بين الذي يراه رجلاً حقيقياً
وبين من يراه ذكراً هلامياً وهمياً
لذلك شعر بالغيرة من سهيل
ولم يشعر بها مع ربيّع !
ماضٍ يتحدث
وضع قبعته الثقيلة على رأسه يحمي نفسه من برد لندن القارص
لينفث هواء أنفاسه بيده يريد تدفئة نفسه قليلاً
ما الذي عليه فعله الآن
الزميل الذي كان يشاركه غرفته المستأجرة قام بسرقة كل ما يملك وهرب
حتى سيارته وجوازه
انقطعت فيه السبل ويجب عليه الذهاب الى السفارة وطلب مساعدتهم ليكمل طريقه نحو أحلامه العالقة في الغربة
يريد اكمال دراسته وتأسيس مستقبله بعيداً ... بعيداً حتى عن ابيه الذي غدا تحت التراب الآن .... بـ خاتمة مروعة مخيفة يسأل الله ألف مرة تجنبها
اخفى نصف وجهه بياقة كنزته الصوفية واسرع خطاه يريد اللحاق على الموعد المنتظر
فجأة شعر بأحدهم خلفه
وما كاد يلتفت ليراه حتى دفعه من ظهره واشهر السكين على عنقه مهدداً إياه باللغة الإنجليزية ان يعطيه ما يملك
لا يملك شيء حرفياً .... لكن على ما يبدو هيئته العربية اثارت الطمع في نفس النشال الإنجليزي
قال باختناق يريد دفع ذراع الرجل عن عنقه: لا ... لا املك شيء أيها الحقير
: اخرس واعطني ما لديك هياااا
دفعه محمد بغضب عارم وهو يصرخ: قلت لك لا املك شيئاً الا تفهمممممم ؟؟؟
آآآآآآآآآآآآآخخخخخخخخخخ
خدش عنقه بالسكين وقبل ان يكرر النشال تهديده كان احدهم يدفعه برجله من الخلف ويرديه ارضاً
سقط محمد على الأرض وهو يكاد يفقد وعيه
هرب النشال عندما احس ان خطته قد فشلت .... لينزل الرجل المنقذ على ركبةٍ واحدة ويقول لـ محمد بنبرة مستعجلة بلسان انجليزي: امكث مكانك ولا تتحرك
سأجلب سيارتي لأنقلك لأقرب مستشفى
وسط صدمة محمد من هوية الرجل الذي انقذه للتو
وسط ذهوله من كمية الدماء المنبثقة من عنقه رغم انه يعلم ان الخدش لم يمس مكان حساس وهذا بفضل الله وحده
هز رأسه بـ إعياء وظل مكانه حتى اتى الشاب بسيارته وذهب به بسرعة الى اقرب مستشفى
ما ان استفاق من اثر مسكن الألم حتى نطق اسمه بعفوية: سهيل
اقترب منه سهيل وجلس على المقعد المجاور ... وقال بصوت لا مشاعر فيه ابداً: انتَ بخير .. كان جرحاً سطحياً
رغم استغراب محمد من ان سهيل يتحدث معه بالانجليزية
الا انه اومئ برأسه وقال يجاريه بذات لسانه: اعلم
ثم اردف بامتنان وهو يحاول الاعتدال في جلسته: شكراً سهيل .. ممتن لك كثيراً
ظل سهيل صامتاً يتأمله
وألف سؤال حارق يتأجج في دماغه
منذ اشهر قليلة استعاد ذاكرته ..
لكن لمَ محمد يعامله بشكل طبيعي وكأنهما تفارقا ليلة البارحة ؟؟
يعلم ان محمد قد غادر البلدة القديمة قبل سنة من المكيدة التي وقع بها
وبالطبع هو "سهيل" كـ غيره من أبناء البلدة لا يعلم بالاسباب .. لكن ومن طريقة محمد في الحديث ولطافته واريحيته وعدم نفوره وصدمته ...
يبدو انه فقَد كل أنواع التواصل مع اهله وأبناء البلدة
لم يبالي .... فعلياً فقد قدرته على المبالاة تماماً
يعيش حالة تبلد فظيعة .... ويجهل كيف يخرج منها !
عدا انه يعلم حقيقةً واحدة فقط
انه اصبح يبغض العربية بكل لهجاتها ... لا يعلم هل هي حالة نفسية مؤقتة ام ستدوم !
بمقابل هذا ..... اصبح يتشرب كل لغات دول أوروبا
الإنجليزية الهولندية الألمانية الفرنسية والقائمة تطول
اصبح كالرجل الآلي
يعمل .. يأكل .. ينام ......... يعمل .. يأكل .. ينام
هكذا على مدار اليوم ... طيلة أيام الأسبوع
قال بصوت مقتضب وهو يقف: سأنصرف الآن
كان محمد محرجاً .. وبقوة ..... لم يعتد طلب المساعدة من احد .... حتى المال الذي جمعه من عرق جبينه ليأتي الى لندن باحثاً عن مستقبله
كان كله بجهده الخاص ... كان يعمل ليل نهار
واحد وعشرون ساعة كل يوم ... حتى نهاية الأسبوع لم يكن يرتاح خلالها
لكن هذا سهيل
ويعلم الله كم هو معجب بـ شخصه وخُلقه
رغم انه الآن يشعر بالتوجس من تغير شخصيته وتصرفاته الغريبة
ناداه بتوتر: سهيل
التفت إليه بصمت ... ليكمل محمد بذات توتره وحرجه لكن هذه المرة بلسانٍ عربي: بغيت فزعتك يا خويه
اقترب منه سهيل ليهتف بعفويةَ صوته الغليظ .... عفوية خرجت مع نقاء طينته ورجولته: انت تامر يا محمد ... قولي شبلاك ؟؟ شو محتاي ... خبرني
تلعثم بحرج وقد بدأ توتره يخف عندما سمع سهيل يحدثه بالعربية: والله ماعرف شو اقولك .. انسرقت .. حتى يوازي اسرقوووه ووو...
قبل ان يكمل .... كان سهيل يخرج بطاقته المصرفية .... ويقول بصرامة: خل البطاقة عندك
: لا لا
قاطعه بصرامة اشد: خلني اكمل رمستي .. خل هالبطاقة عندك .. وانا بروح اخلص كمن شغله وبييك لا تتحرك من مكانك
خلاف بتيي وياي ونحل مشكلتك في السفارة
تمام ؟
قال محمد وهو يحك عنقه بحرج شديد: لا حول ولا قوة الا بالله .... تحرجني يا سهيل
تجاهل سهيل كلماته ...... وقال باقتضاب قبل ان ينصرف: شي أخير ..... اسمي ديدريك ..... ديدريك وبس
حاضرٌ يتحدث
وسط دوامة أفكاره المشتعلة ...... تنفس الصعداء وابتسم بمجاملة ثم أجاب زميله الذي ما زال يقف امامه ينتظر الاجابة: فاضي وما عندي شي يا بوغنيم ... هذا هو السبب بس
حك ذقنه .... ثم اردف بصرامة: ما علينا شو بنسوي الحينه ؟
اجابه زميله ابوغنيم: بنسوي كمين ... شرايك ؟ نحن عيزنا ونحن ندور على مواقع بضايعهم
وما قدرنا لين الحين نحصل دليل يدين الراس العود اللي يمولهم
اسند ذراعه على رأسه المقعد الجلدي ... واكمل: شرايك بـ كمين ..... والطعم ربيع ؟
اسند محمد كلتا ذراعيه على الطاولة وقال بحزم: هاي الفكرة سبق وتناقشنا فيها .. لكن عطني تفاصيل .. اشرح
وأخذ يشرح له زميله الخطة التي تتراقص بزهو ماكر في رأسه
بعد لحظات ... قال محمد بموافقة: حلو ... عيل نتوكل على الله
ثم استل هاتفه بخفة يريد الخروج
لكن توقف وهو يسمع احد الضباط يهتف بغضب شديد لزميله المناوب ويبدو انهما يتحدثان عن قضيةٍ ما:
حسبي الله عليه هو وربعه
مغتصبين مراهق وضاربينه ... والحين مرقد في المستشفى يطلب رحمة الله
اسودّ وجهه ألماً
ألماً ملؤه العذاب والذل
ماذا يا محمد
أتذكرت والدك وافعاله السقيمة بخلق الله ؟
اتذكرت ما اكتشفته وعلى اثره هربت من البلدة تنجو بنفسك وبما تبقى لديك من كرامة واعتداد نفس ؟؟
ماضٍ يتحدث
منذ فترة يلاحظ خروج ابيه مع جوهر بين وقتي المغرب والعشاء ... ثم من العشاء وحتى قرابة منتصف الليل
عادة شبه يومية
إلى أين لا يعرف
في البداية ظنّهم يرتادون حلقات دينية في منطقة أخرى .. او لديهم مشروع خيري يرتبونه ويتجهزون لإكماله
لكن توجسه وشكه لم يتركا قلبه وشأنه
لذا قرر هذا المساء ملاحقتهم واكتشاف ما يحدث
وياليته لم يفعل !
فبعد ملاحقة طويلة على الاقدام ..... رآهم يدخلون الى بيت صغير من طين .. قديم جدًا ومتهالك ..... قرب احدى المقابر
وهناك رآى من بعيد مالا يصدقه العين والحواس وفطرة الانسان ... اذ ان احدى فتح التهوية كانت مفتوحة بلا غطاء ويبدو ان البعض تهاون في اخذ احتياطاتهم السقيمة
وقبل ان يلحظ احدهم وجوده
هرب وهو يسيطر على معدته كي لا يخرج كل ما اكله منذ الصباح
لكنه فشل
فارتمى قرب اقرب شجرة ..... واخرج كل ما في كبده
حرقة وصدمة لا حدود لهما
حاضرٌ يتحدث
سار بسرعة وكأنه يريد الهرب من زملاءه ... كأنه لا يريد منهم ان يسمعوا خواطر نفسه المكسورة
المجروحة في الصميم
،,
مســــاءاً
جابت غرفتها ذهاباً واياباً
والتفكير بكل الأمور التي تمر بها يرهقها وينهكها
مالذي يحصل معها بحق الله ؟
لم الأذية من الناس ؟ لم الاشاعات والتلذذ بسمعة العفيفات ؟
توقفت وهي ترى حامد الصغير يتقدم ويطلب منها المبيت في منزل خاله خليفة فوافقت
لتقرر هي استغلال الفرصة وتطلب من هزاع القدوم إليها لتستشف منه مستجدات القضية
بعد العشاء ... غرفة المعيشة
جلست قرب مديه وقالت لابناء هزاع: يا عيال تبون تروحون بيت عمكم خليفة عند الباجيين ؟
قفزوا فرحاً وقالوا: هي هي نباااا
وقف هزاع وقال: نشوا بوديكم انا مشي
قالت مديه باهتمام: ودهم بالموتر حر عليهم فديتهم
رمقها بسخرية لطيفة ... ليضرب ظهورهم بخفة ويقول: البيت جريب .... شحقه الموتر ؟!
خل يتحملون الحر شوي هاييل رياييل
صح ولا لاااا يا شبااااااااااب
هتف الولدان في ذات الوقت: صححححححح
ما ان خرجوا حتى جرت روزه كف مديه وهي تهتف بمكر باسم:
خبرتيه ؟
: شـ شو...
نكزت يدها بمكر وهي تقول: مديووووه
احتقن وجهها وهي تومئ برأسها ... ثم قالت ببسمة خجولة:
باين علي يعني ؟
: هههههههههههههههههههههههههههه هيييييي
انتي يوم قلتيلي في الواتس انج بتكنسلين حجوزات التصوير وبتكتفين هالسنة بالدراسة استغربت
بس يوم شفتج الحينه ... وشفت ويهج وتعبج
عرفت السبب ههههههههههههههههههههههههههههههه
ضربتها مديه بحرج باسم ... مسترجعةً بذاكرتها وجه هزاع المذهول
هزاع الذي طار بها للسماء ما ان علم بـ خبر حملها .... طار بها وحلّ ورقصت شفتاه زهواً بين شفتيها وعنقها وكفوف يديها
: لا تضحكييييييييين
احتضنتها روزة بحب وقالت: وااااايه فديت ختيه بتستوي مامااااااا
ثم همست بصدق: الله يعوضج يا رب انتي تستاهلين الخير كله
يالله .... وهي تحتضن مديه
اكتشفت كم كانت انانية حد انها لم تقف بجانبها مع فشل زواجها الاول
مع ادراكها التام ان مديه لم تخرج من ذلك الزواج الا بروح انثى محطمة ورحم يجوع الضنى والأمومة
وعندما تزوجت مديه اخيها هزاع .... ومرت السنون بهم
لم تحاول الجلوس معها ومساعدتها اذ انها كانت تلاحظ ان الاثنان يسيران في علاقة زواج غريبة
علاقة لا تمت للازواج الطبيعيين بصلة
خاصةً عندما كانت تتواجد سعاد طليقته معهم في العزائم والاجتماعات العائلية
سعاد
تلك المرأة التي لم يستسغها اي فرد من آل صياح .... من كبيرهم الى صغيرهم
لكن تعترف ان طلاقها من هزاع جاء صادماً لها ولوالديها والجميع
همست روزة بحزن: آسفة مديه ... آسفة لاني نسيت اللي حولي وانشغلت بروحي السنين اللي طافت
مديه باستنكار رقيق: شو هالرمسة روزه عييييييب ما مبينااااا
كلنا انشغلنا ولهينا وخذتنا الدنيا مب بس انتي ..... حتى انا لازم اعتذر منج
هزت رأسها بخيبة شديدة واكملت: واعتذر بسبّة ربيع اللي اذّاج ومرمط عيشتج
وايد متضايجة عشاااانج .... واااااااايد
الله يهديه ويصلحه
تنهدت روزة ثم اردفت بابتسامة مقتضبة: صار اللي صار يا ختيه انتي مالج خص ... المهم .... خلينا من هالسوالف ما نبا زعل وضيج
قوليلي .... حرابة وين ؟؟
مديه: مسافرة شغل
قالت روزة بضيق: خاطري اكلمها .... بسسس
مديه بنبرة جادة: صح انا احب حرابة بس قلتها مرة في ويهها
هي غلطانة في حقج ..... وشو يعني خذتي ربيع .... وين الغلط ؟؟
سكتت روزة وهي تخفض اهدابها بمرارة ..... مديّه لا تعلم بما حصل في الماضي
لا تعلم انها وحرابة الوحيدتان من شهدتا في الماضي محاولة ربيّع "قبل حادثة سهيل" قتل الأخير عند منحدر جبل
هذا طبعاً مع محاولات ربيّع نكران الشيء .. في المقابل هي نفسها لا تعلم ما الحقيقة
أكانت حقاً محاولة قتل
او مجرد انقاذ كما قال !
قسم ربيع المتكرر المنفعل ذلك اليوم جعل الامر يلتبس عليها
ماضٍ يتحدث
صرخت به حرابة وهي تكاد تهجم عليه بالحجر المسنن بيدها: شفتك بعييييني تبا اطيحه
ربيّع بارتباك عارم: ا ا والله لااا ..... والله لا يا سهيل ..... لا تصدقها
هدرت وهي تنظر لـ روزة المحدقة بالجميع بخوف وتوتر: رووووزة
شفتيه بعينج ولا ما شفتييييه !!!
رمقتها روزة بتوتر وهي تغطي شعر رأسها بإحكام ... كانت في الأصل آتية تركض خلفها تريد اخذ تسجيلات الأغاني الخاصة بها منها ... فـ سمعتها وهي تصيح محذرةً سهيل
قالت بصدق لـ سهيل: شـ شفته يرفع ايده صوب ظهرك يا سهيل .... بس .... بس ماعرف شو كان في نيته يسوي
انتفخت اوداج حرابة بقهر جنوني اذ انها لا تمتلك دليلاً على ما تقوله
قال ربيّع مدافعاً عن نفسه وهو يكاد يشتم ابيه بقرارة نفسه على فكرته المجنونة: قسم بالله كنت أبا ايّرك صووبي عسب ما اطييييييح
قسم بالله وراااااس امي وابوووووي يا سهييييل
(تذكير = لا يجوز الحلف بغير الله)
اخفض سهيل عيناه بتفكير عميق يخفي ما يعتمل روحه
ثم رفع عيناه ليقول لـ حرابة الثائرة الغاضبة: حرابة ربيّع اخونا
مستحيل يفكر يأذيني
صرخت حرابة بـ قهر جعل صوتها مبحوح: اتجذذذذب عيوووووني يا سهيييل !!!
اتجذبني اناااا وتصدددددقه ؟؟؟؟ اقولك شفته من بعيد وهو يحاول يدزززك
كان يبا يجتلللللك
نظر سهيل لـ روزة بمشاعر عاتية
ثم قال وهو يقترب من حرابة التي ترتعش من شدة الانفعال ...... يريد تهدأتها: خلاص حرابة
ما حصل شي
انتي كنتي تتوهمين بس
ربيّع اخويه ومستحيل يأذيني
اهدي خلاص
حاضرٌ يتحدث
انزلت جبينها بـ مرارة شديدة
سهيل كان شيء عظيم في قلب حرابة ولا زال .... اذ انها لا تعلم بأسباب موته الحقيقية
لذلك غضبت الأخيرة وثارت عندما علمت انها ارتضت بـ ربيع زوجاً لها
ولهذا فقط هي تشعر انها تتفهم حرابة وتريد لقلبها القاسي ان يحن ويلين من ناحيتها ..
فيبدو انها هي نفسها بالنهاية ... اكتشفت فداحة فعلتها بموافقتها على تلك الزيجة !
قالت روزة بتلهف .... وهي تستقيم بجلستها: اتصلبها ؟ ماعرف عندي احساس انها بترد عليه
مديه: رقمها الرئيسي مغلق ... صبري بعطيج رقمها اللي دقت عليه منه
بعد لحظات من الترقب المتلهف
رفعت حرابة الخط
لتقول روزة بقلب خافق: سلام عليكم
واجهت روزة بالصمت ..... الى ان قالت بجمود تام: شو تبين ؟
قالت روزة معاتبة: ردي السلام اول يالجاسية
(الجاسية = القاسية ... بعض الكلمات التي تحوي حرف القاف تُقلّب لـ حرف الجيم في بعض مناطق الدولة)
: شو تبين ؟
ارتعش فكها بـ وجع عارم .... لتهمس وعقال قوتها ينفلت: حرابة ... حرابة تعبانه انا
والله تعبانة ...
صمت حل فوق رؤوس الاخوات الثلاث
تراخت تعابير ام المسك بحزن وألم
بعد صمت قارص ...... قالت حرابة بقسوة: كنتي تقدرين تاخذين سِيد سِيده .... لكن دومج تمشين ورا عنادج وجهلج
انفجرت روزة وهي تبكي بمرارة حقيقية: ظربني حرابة .... ظربني وسبني يا ختيه
وقال عني اشيا ما تنقاااال
ما بستحي من مديه .... هاذيه عندي وتسمع كل شي عن اخوهاااا
: من يومج تفرين الرمسة فر .... وما تهتمين لمشاعر حد
صاحت بقهر ... وبحسرة:
هي انا جييي ... انا جييي ... انااانية مغرووورة ثوووولة ما يهمني الا نفسي وبسسس
وانتي تعرفين هالشي ... ومديه تعرف ... يمكن عسب جي انا استحقيت ربيع في حياااااتي
ابتسمت مديه بشحوب وهي تهز راسها فاقدة الامل من هاتين المجنونتين .... من غرابة المشهد كله ..... ومن غرابة الحوار المضحك المبكي
: اخلصي روزة ..... شو تبين داقة ؟
هتفت روزة بعصبية ودموعها ما تزال تنهمر: وينج انتي ؟ شو مودنج افريقيا الحينه ؟
ردي تعاااالي ..
همست مديه لنفسها وهي تكتم ضحكتها: بتسكر الخط في ويهها
وبالفعل اغلقت حرابة الخط بوجه روزة
فانفجرت مديه ضاحكة: هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه اعرفهاااا خبز ايييييدي .... مرة ثانية اذا تبين تعبرين عن شوقج حق حرابه
عبريه جدامها ... فيس تو فيس
لان لو تلفون صدقيني بتتحراج تتعدين حدود مقامها السامي
ههههههههههههههههههههههههههههههه
غمغمت روزة بعصبية طفولية بكلمات غير مفهومة ..... ثم قالت بعد لحظات وهي تتنفس براحة:
اهم شي ردت عليّه .... في امل منها لين الحينه
بعد نصف ساعة عاد هزاع ... لتستأذن مديه من زوجها وروزة اثر اتصال اتاها
جلس قرب اخته وهو يقول: يلا خبريني شو عندج
تململت بجلستها بتوتر .... ثم قالت بعد ان تنحنحت: في شي يديد بوعبدالله ؟؟
حرك فكه بـ وجه لا تعابير فيه ثم قال: افرجوا عنه من اسبوع
تعلم هذا ..... فأمه لم تقصر اذ انها اتصلت بها وانهالت عليها بالإهانات والألفاظ الجارحة ونكزتها في الحديث مهددةً إياها انها ستزوج ربيع بأجمل منها وأكثر احترامًا وادباً واخلاقاً
ظنًا من الأخيرة ان روزة ستغضب او حتى ستهتم
،,
المجلس الأخر من منزل حامد بن صياح
لم تكن تريد الاجابة
ما زالت غاضبة منه عما فعله بـ روزه
وغاضبة اكثر واكثر من ابيها وامها اللذان يقفان بصفه ويعززان لظلمه وبطشه
والديها في الحقيقة لا يريان سوى ربيع ابناً لهما متاجهلينها وعائشة منذ القدم
ليس وكأنها تستطيع هجرهما او نبذهما من حياتها
لكن اتخذت وضعية الصمت
الابتسامة باقتضاب ، التحدث بأدب ، الاهتمام بهدوء ولطف عند الحاجة
كل تصرفاتها الحياتية وافعالها الروتينية مع والديها نهايتها الصمت
لم تكن امها صديقتها .. كـ صداقة روزه لامها على سبيل المثال
ووالدها لم يأطر نفسه بعيناها بـ اطار الاب المثالي
كما اطار صورة عمها حامد بعيون ابناءه على سبيل المثال
رغم صمت عمها حامد اغلب الاحيان الا انه حنون
حنون حد الوجع
صفة مهمة ارادت لمسها من ابيها شاهين
لكن عبث
ارادت لمسها من امها لكن عبث
فـ اكتفت برؤية هذا الحنان من بعيد وهو يوجه لـ ربيع
وتعلم
وموقنة
ان عائشة عاشت وما تزال تعيش ذات احاسيسها
وفي الحقيقة .... السبب الاهم بانها لا تريد الاجابة على اتصال ربيع الآن
هو خوفها
رباه .. ظلت لساعات تحاول انطاق هزاع تريد معرفة ما جرى معه وريسه في البلدة القديمة
لكنه ظل متمسكاً بجوابه ان لا شيء مهم نطقت به السيدة المسماة حسناء وان لا شيء مهم قالته واستفادوا منه
لكن تشتت نظرته .. والتفاتة وجهه المستمرة
اخبراها العكس تماماً
اجل
تخاف ان يكون لابيها وربيع يد بما حصل لـ سهيل قبل سنوات .. ان يكونا متورطان مع جماعة عبدالكريم
تخاف .... والله وحده يعلم
انه مهما تصاعدت الفجوة بينها وبين والديها وربيع
آخر ما يرغب به قلبها
ان تكون عائلتها هي السبب في ظلم سهيل .. والسبب في ان تلك الاتهام الشنيعة قد سقطت على ظهره
رن هاتفها مرة اخرى عندما صمت من بين تهيّج افكارها المظلمة المتعاركة
لتجيبه هذه المرة وكلها امل الا تنخذل
الا تبكي على من هم يحملون دمها
ثوانٍ حتى اتاها صوته المنهك من الجانب الآخر من الخط: شحوالج ؟
رفعت كلتا حاجبيها بتعجب شابه الحسرة/الخيبة ثم قالت: الحمدلله ربيع .. انت علومك ؟
وو ... وتستاهل السلامة
ربيع بعد ان تنهد: الله يسلمج .... في البيت انتي ؟
ردت بصوت متباعد: لا في بيت عمي حامد ... ليش ؟!
بلع ريق العلقم في صدره وقال: عند روزه ؟
: هي ... انا وهزاع
سألها معاتباً: راضية باللي سووه فيّه ؟؟
رغماً عنها هتفت بقسوة: انت ما قصرت في اختهم يا ربيع .. مرغتها مراغ وبغيت تجتلها
قال بانفعال: ما كنت في وعيي
: متى كنت في وعيك يا ربيع ؟ متى ؟
لو تشوف كيف امايه ريسه زعلت وتضايجت من سواياك
لو تشوف كيف عمي حامد زعل وشل في خاطره .... الحمدلله يدي صياح مب في حاسيته جان الله العالم شو سوى
صمت بمشاعر متناقضة
بعضاً منه نادم وبعضاً منه يريد رمي خواطر الجميع خلف ظهره
اذ انه يشعر بطعنة الغدر والخيانة تكاد تسبب بلفظ أنفاسه الاخيرة
قال بألم متمكن وسط قلبه ... احبّها ... ويشهد الله كم حبه لها طاهراً لم تدنسه سكرات النجاسة ولا قاذورات الحياة
صحيح اخطأ في امور كثيرة في حياته لكن ابداً لم تكن هي او ابنه ضمن من ارادهم ان يستأثموا معه
او يتضرروا بسببه
ابداً
: في الاول ندمت وانا في الحبس ... ظنيت للحظة ان اللي سمعته وشفته من اثر الشرب
بس .... بس لا ..... لا
انا متأكد انها تخوني
روزه خاينة يا مديه .... خانتني ودعست على قلبي
عبست بقرف من تفكير اخيها ..... لتجيبه بذات نبرة القسوة ... نبرة لا ترحم: لا تعيد رمستك جدام حد عن يقصون لسانك
روزه رابيه ويانا وفي بيت واحد اي كلمة تقولها عنها معناتها تقصدني انا
اغمض عيناه بتعب .... ليهتف بتحشرج: حنونة على الكل الا على اخوج
تنهدت وقلبها يكاد ينفطر .... لكن ما فعله ربيع بـ روزه لا يغتفر
ربيع ذكرها بما فعله مروان من افعال مخزية ومهينة ومؤذية لها
لهذا تقسو عليه بطريقة لم يعهدها احد منها ..
قالت له محذرة بصرامة: لا تتصل فيها يا ربيع ... تراها خبرتني انك ادق دوم
ماعرف شو تبا بس خلاص ... هي محرّمة عليك
ومستحيل تردون حق بعض
يتصل بها اجل
كمن يريد جرعة مخدر ليخفف اوجاعه
ناسياً ان المخدر لا يعالج بل يزيد من سوء حالته
ماذا تريد يا ربيع
ماذا تريد ؟
استرجع ما قاله الرجل له في مكالمته السابقة
رغم حقده على روزة
لكن لا يستطيع الا ان يعض قلبه قهراً وغضباً اذ انه السبب في الحادث الذي وقع لها في سيريلانكا
بل هو السبب كذلك في الحادثة الأخرى
رباه
معها يشعر بكل تناقضات العالم تغزوه
معها يشعر انه الجوكر
يضحك وهو حزين
يشتاق وهو حاقد وكاره
يصرخ غضباً وهو يبكي داخله دماءاً وانهارا
مريضٌ بها ..... الأكيد انه مريض وعقيم العقل بها ومعها
زفر بضيق وتمتم لـ اخته بضعة كلمات مختصرة
لكن قبل ان يغلق الهاتف
اتاه صوتها المتباعد: دق على عاشة وباركلها على التخرج ... طبعاً انت ما تعرف انها كانت تدرس حق الماجستير
اخفض اهدابه بحرج شديد ... والضيق في روحه يتصاعد اكثر من ذي قبل
مع هذا غمغم بصوت خرج اجشاً: بدقلها
اغلق الهاتف عن اخته ..... وهو يشعر بأنفاسه تتضاءل
مرهق
وتائه
ويخشى السقوط مرة أخرى في الوحل
رغم هذا ... استقام بظهره ما ان سمع الآذان ... وقرر ان يصلي العشاء هذه المرة بوقتها
لن يترك الصلاة وقد عاهد نفسه ان يواظب عليها
فليفعل المحرمات
فليفعل الخطأ ويسلك طريق الآثام
المهم ان يقف امام الله ويرفع يداه مكبراً راكعاً ساجداً
عندما انتهى من الوضوء ... ووقف امام القبلة
تردد
ثم التفت وخرج من غرفته وقد قرر ان يصلي صلاته جماعةً في المسجد
انتهت الصلاة في المسجد .. فـ خرج وهو يبحث عن نعليه بعيناه
لبسهما ما ان وجدهما ....... لبسهما بروح صافية جديدة
وبتعابير هادية باسمة
لم يعلم ان الصلاة في المسجد بهذا الطعم الحلو
سبق وقد صلى كثيراً في المسجد أيام مراهقته
لكن كان رغماً عنه وبعد ضرب وسحب من ابيه وجده
لذلك لم يستشعر هذه الحلاوة سابقاً
حلاوة ان تقف بين يدي الله طائعاً منصاعاً متراخي القلب والحواس
بكل رغبتك وتوقك
قبل ان يدخل سيارته ... التي كانت مركونة امام احدى البيوت المجاورة
شعر بأحدهم يقترب منه
وقبل ان يلتفت
كانت قبضتان تمسكان بياقة ثوبه .... وتدفعانه دفعاً على باب السيارة
ولم يتمكن من رؤية وجهه بوضوح بسبب انارات الشوارع الخافتة ذلك الوقت
لكنه سمع زمجرته التي خرجت من بين اسنانه:
متى بتفك الناس من شرك ؟
متى ؟
ما سدك اللي سويته من سنين ..... ما اتوب ...... ما تحس انك قذر من داخلك وتحتاج لألف يد طاهرة عسب تتنظف !
قول .. انطق .. شو تبا عسب تحس بـ دناوتك وباللي وصلت له من انحطاااااااااط
لم يستطع ربيع النطق والتنفس فقد كان محمد يشد على رقبته بعنف ...... دفعه ربيع بأقوى ما عنده حتى ابتعد الأخير وهو يلهث بـ غضب عارم
لكن وبحركة مفاجئة اقترب محمد بسرعة ولكمه على وجهه
استشاط ربيع غضباً بعد ان صاح متألماً متوجعاً
وقبل ان يهجم عليه ليرد اللكمة .. ارتد مصدوماً وهو يمعن النظر بوجهه بعد ان انعكس بعض الضوء عليهما ... فقال بعينان متسعتان: انــت .... انت محمـــــد ... محمد ولد الاماااام !!!
لم يبالي محمد بصدمة ربيّع بل اخذ يلكمه على وجهه يريد اخراج كل غضبه واحقاده المتراكمة
تمكن ربيّع من التقاط اندهاشاته المترامية ..... وتيقظ على ما يجري من حوله
وهجم يريد الدفاع عن نفسه ..... من رجل لا يعلم ما أسباب تحامله الشديد عليه
ابتعد محمد بحركة رشيقة عن يداه وقبل ان يثبت ربيّع مكانه ويتزن .... رفع محمد قدمه ورفس بطنه
ليتهاوى ربيع على الأرض وهو يصرخ بحدة
اغمض محمد عيناه بقوة
رباه لـ كَم اوجعه اندهاش صديقه الجريح
لـ كَم رغب بـ سكب ماء النار على وجوههم وهو يرى كم تمعنوا بأذيته حد النخاع
كز على اسنانه يريد سحق كل شيء حوله
تذكر صمته التام بعد ان صارحه ان روزة تعلم بـ أسباب فعلة رجال قومه به ... "الأسباب المزعمة"
اذ ان الأخير كان يعتقد ان لا احد يعلم خاصةً روزة ... حتى محمد كان يظن ذلك
لكن الحقيقة كانت العكس
لم لا يغضب لأجله ...!
لم !
هو من وقف بجانبه في أوروبا عندما سافر بحثاً عن الشهادة والمستقبل .. هو من سانده وشد من أزره ليقف وينسى ابيه ومخلفاته ... ليبني ذاااااااااته !
وهو الذي علمه ان الانسان لا يأخذ بذنب ابويه او بذنب قريب له
والا لكان سهيل قد انتقم منه بسبب فعلة ابيه فيه !
الرجال مواقف
وسهيل اثبت له مرة ومرتان وعشرة انه جعل لمواقفه بصمة على جبين الحياة
ومن كفة أخرى
هو يشتعل غضباً كلما تذكر ما قاله زميله حول المكالمة التي جرت بين ربيع ورجل العصابة
ألا يكفيه ما بلعته روزة من اذية بسببه ؟!
والآن ولده البريء
اجل .. محمد يخاف
يخاف على الولد
يخاف ان يمسوه بسوء ... سوء اشد شراً من القتل نفسه
اغلق عيناه بقبضتان مرتجفتان
يريد دفع صور الماضي ... وابيه ... ومزبلة افعاله ...
صرخ ربيّع بمحاجر تكاد تخرج من مكانهم وهو يتلقى الضربة الأخيرة على معدته
تراجع محمد وهو ينفض الغبار عن ذراعه بعنف ... ثم قال بـ صوت كالفحيح ... قبل ان يرحل: بخليك حي
بس عسب ما اضيّع على خويي فرصة انه يشوفك تتلوى تصيح تبا الموت ولا تلقاااااااه
،,
فلوريدا - امريكا
ترتب غرفتها وابنتها وهي تفكر بما قاله لها منصور البارحة قبل ان يخلد للنوم
فرطت دمعة من عيناها ... بالطبع طلبه المفاجىء لم يكن ليخفف عنها حرجها وذلها من رفضه السابق لها
لانها تعتقد يقيناً انه لم يكن ليغير رأيه الا لغاية في نفسه !
لكن هل ندم على وقاحته السابقة وقسوته ؟ بالطبع لا
عيناه الحادتان الآمرتان لا الراجيتان ... كانتا الدليل على ذلك
رباه كم تريد خدش تلك النظرة
كم ترغب بإذلاله كما اذلها
لكن لا .. ليس الآن ..
ليس وقد اعلن رغبته بالارتباط بها .. وبأسرع وقت
وبالطبع كانت كالبلهاء امامه اذ انها اعلنت موافقتها فقط بـ ايماءة رأس !
لا يهم ... المهم انها سـ تظل مع ضي
بل الاهم
انا لن تعود للوطن الا وهي محاطة بعائلة
زوج وابنة ومنزل يكتنفها ..
لن تعود للشقاء المميت .... لن تعود للوحدة المقيتة
بعد ساعتين .... كانت تلبس فستان فضفاض زاهي اللون
وتلبس حجاب رأس ابيض اظهر لون القهوة بعيناها
اخذت نفساً عميقاً ورددت الاستغفار كي يهدأ توترها قليلاً
تذكرت وجهه ذو التعابير القاتمة والاختلاجات الغامضة لكن سرعان ما ازاحت صورته وهي تفكر انها لابد ان تمضي للامام
لن تفكر بأي شيء يعكر فرحتها بخبر مكوث ابنتها في حضنها
دخلت ضي الغرفة بحماس لتقول: بابا يى .... بابا يى ...
نارة بابتسامة حنونة: فديت اللي بدت تتعلم عربي
قالت الصغيرة وقد عاد لسانها للامريكية: لمَ هناك رجالاً معه ؟
ابتسم بتوتر وقالت مجيبة: انهم مدعوين حبيبتي على العشاء
: ماما لقد صنعت عشاءاً لذيذاً جداً ... رأيتكِ وانتِ تطبخين
جلست على السرير ثم وضعت الصغيرة في حضنها وقالت مساسرة: أتظنين ان الطعام سيعجبهم ؟
ضي: بالتأكيييييييد ماما .... طبخك لذيذ جدددداً
قبلتها على خدها بقوة وقالت: انت اللذيييييذة
واكملت وهي تدفع ابنتها بلطف: هيا اذهبي واجلسي عند بابا الى ان تجهز القهوة والشاي
: اووووكي
بعد قرابة نصف ساعة .... اعلن الشيخ امام منصور والشهود اتمام عقد القران
ليدعوهم منصور للعشاء مرحباً مهللاً برجولية فخمة
،,
عندما اختلى بها في غرفة الضيوف بعد رحيل الشيخ والشهود
اقترب منها بخطوات ثابتة هادئة .... ليقول وهو يتأمل اهدابها المنخفضة وتوتر اصابعها حول طرف حجابها: مبروك نارة
: احم ..... الله يبارك فيك
اقترب خطوتان بعفوية يريد ازاحة الحجاب عن راسها ... عفوية قوبلت بالتراجع الحاد من قبل نارة اثر خجلها الشديد وارتباكها العارم
ليتذكر كلمتها امام الشيخ انه لم يسبق لها الزواج رداً على سؤاله لها
مضحك صحيح ؟
مضحك ان يقرر الزواج من فتاة لم يسألها من قبل ما اذ كان مرتبطة في السابق ام لا
مضحك ان يتزوج بـ توأم سارة ... وهو الذي ظن مسبقاً انه يعرف سارة ويعرف كل شيء متعلق بها
لكن اكتشف انه جهل سارة
قلباً وقالباً
كما يجهل الآن كل شيء عن شبيهتها
قالت معتذرة وهي تلمح اسوداد نظرته وكأنه ............ مستنكر
: سـ سسوري
اخذت نفساً عميقاً قصيراً علّ التوتر يخف في روحها
ثم ازاحت حجابها بنفسها
كما اخرجت بعفوية عقصها المختبىء اسفل ملابسها ليظهر جلياً امامه
كتم انفاسه لوهلة
فـ ما يراه ... وما توهج بمقلتاه الرجوليتان
تعدى كلمة اعجاب
كان منبهراً
منبهراً جداً وجداً
الان فقط رأى الاختلاف بين التوأم
الشعر
الشعر بحد ذاته اكبر اختلاف !
كان طويلا وغليظاً بخصلات عسلية ربانية مذهلة
تسابقت عيناه بتيه على طوله الى ان وصل ناظره الى ركبتها
لم ير قط فتاة تمتلك شعراً طويلاً غليظاً يصل لركبتيها ..!
ابتلع ريقه محاولاً السيطرة على توتر نظرته المأخوذة
ثم اخفض اهدابه وهمس بثقل صوته: ما شاء الله
عصرت يديها ببعضهما بخجل فظيع
واحتارت بما تجيبه ..... لكن دخول ضي لغرفة الضيوف انقذها
: باباااااااااااااا
ليتراجع قليلاً ما ان قفزت ابنته الى حضنه
ضحك ضحكة دافئة مجلجلة وقال بعفوية شديدة: فديت ويهج يا ربي .... محد منسيني الهموم الا انتي
فـ تساءلت نارة في لحظة ضوضائية مبعثرة
ما الهموم التي تغزو شخصاً كـ منصور ... منفلتاً كالطائر البري الحر !
شخصاً يمتلك المال والاهل والعزوة والمكانة الاجتماعية العالية !!
لكن سكتت
فمن هي كي تظهر غبطتها امامه وهو الذي اظهر اكثر من مرة تعنته وتغطرسه عليها !!
بعد ان جلس قليلاً مع من اصبحت حلاله وابنته في جلسة هادئة سادتها حكاوي ضي اغلب الوقت
تركهما وخرج من المنزل ..... يكفيه ادعاءاً ان ما حصل شيء عادي
يكفيه ادعاءاً انه لا يوجد عواصف عاتية تموج في روحه
يعلم ان فعلته وقحة ولا تمت للذوق العام بأي صلة
لكنه يشعر بالاختناق
بالكره الشديد للذات
من جانب هو فعلياً اصبح زوجاً لأخت زوجته المتوفاة
ومن جانب آخر ما زال مصدوماً مرتعباً من الصورة التي أُرسِلَت له
يالله لم يهنىء له نوم ولا زاد
يريد فقط العودة للبلاد والبدأ في بحثه بالطريقة الصحيحة
سهيــل ..... مالذي يحدث معي بسببك يا ابنَ أخي
مسد جبينه بإعياء روحي
وقرر المشي قليلاً ليخرج ما فيه من انفعالات ثم العودة بـ نفسية هادئة مستكينة
بعد ان فرغ بعضاً من طاقته السلبية بالسير حول المنطقة قليلاً
عاد للمنزل
عندما دخل ..... اتته أصوات حادة مصدرها المطبخ
أصوات زجاج وطقطقة صحون
تقاذف الملاعق
وازيز باب الثلاجة مع الفتح والاغلاق القوي
اقترب من المطبخ
ليرى "الرابونزل" يمشي هنا وهناك بحلطمة وتهكم
ووجهها يكاد ينفجر بالدموع
وصل مسامعه صوتها المتحشرج المختنق:
انا كلبة ... انا كلبة لاني عرررضت عليه يتزوجني من اول .. انا اللي نزلت من قدر نفسسسسي
امسكت الملعقة الخشبية وضربت جبينها بقوة حقيقية ..... وهي تصرخ بقهر: انااااا اللي يبته حق روووووحي ..... لو منطمة وسااااااكتة احسسسسن
اقترب من الباب اكثر وهو يراها تغسل الصحون وتغمغم بغيظ مختنق:
عمري ما شفت ريال يهد حرمته ويطلع في ليلة زواجه .... صح قلتله زواج صورة بس مب لهالدرجة توصل فيه قسوته وجلاااافته ... حشى عيني عييييينك مب مسولي ساااااااالفة
لو وحدة ثانية جان شلها شيل وحطها فوووق راسه
لكن انا منو .... انا ولااااشي
رمت ما بيدها وهي تنفجر باكية:
انتي منو يا نارة .... عشتي رخيصة ومنبوذة
وبتموتين رخيصة ومنبووووذة
عظمت المآسي في روحه
هل عليه محاربة مساوئه بطعنة في القلب ويموت كي ينقذ الناس من شره ؟؟
هل عليه ان يكتب لافتة على صدره مفادها تجنب الاقتراب منه لانه شخص لا يتقن الا اذية الأرواح ؟؟
دخل للداخل .... حتى اصبح خلفها تماماً
صاحت مرعوبة من بين دموعها المنهمرة ما ان احست بـ ظل يقف خلفها
لتقول وهي ترمقه بعيناها المتسعتان المحتقنتان ... وبالانتفاخ البسيط في جبينها الناعم:
بسم الله الرحمن الرحيم
: ليش تصيحين ؟
عبست بوجهه كالهريرة الغاضبة
واجابته وهي تشيح بوجهها وتكمل غسل الصحون: ما اصيح
امسك يدها وهو يبعد الصحون والاسفنجة
ليديرها نحوه
متجاهلاً انبهار قلبه المتواصل بـ شعرها العسلي الطويل
ثم قال بقسوة ظاهرية: لا تاخذينها عادة تصيحين على أي شي
وفري دموعج لأشيا تستاهل
كلماته بدل ان تقويها
سممتها اكثر
وسببت لها مزيداً من المرارة
قالت وهي تبلع العلقم في جوفها: كرامتي ما تستاهل اصيح عليها ؟
رفع منصور حاجباً وقال: منو مس كرامتج الحينه ؟؟
جففت يديها كيفما كان بالمنشفة وهي تريد الابتعاد
تريد التوجه لابنتها واغراق مآسيها بين طيات شعرها الناعم
: ولا حد .... تصبح على خير بو ضي
اوقفها بصوت صارم: اوقفي
وقفت صامتة ... وهي تقبض جانبي فستانها الرقيق بقوة
لا تريد ان تبكي
لا تريد
اقترب من ظهرها .. ليواجهها بسؤال لم تتوقعه: شو تبين ؟
سأل يريد ارضائها اذ انه شعر بالعطف نحوها
شعر بملامة النفس .... وبمدى جلافته معها
قالت بـ عينان منخفضتان وهي تتحرك لـ تعطيه جانب ظهرها: مابا شي
انت تكرمت عليه وتزوجتني عسب اتم ويا بنتي .... ممنونة لك يا منصور وجميلك ما رح انساه
امسك معصمها بقوة حانية
وكرر سؤاله كي تفهم .... كي يسمع بأذنيه ما يجول في خاطرها وما ترغب به
كي يفهم هو ما اذ ارادت حقاً زواجاً صورياً او كاملاً متكاملاً
: شو تبين نارة ؟ شو اللي يرضيج ؟
تكابلت الدموع مرة أخرى في مقلتاها .... كم تكره شفقته عليها
كم تكره كونه يراها حملاً ثقيلاً على كاهله
حملاً وضعه على ظهره لأسباب ... لغاية
وتكاد تقسم على ذلك ..
ماذا يا نارة ؟ ماذا ؟
حتى انتِ في البداية عندما طلبتِ منه الزواج بك كان لغاية
ولسبب
انت كذلك ارتضيت به زوجاً لمصلحة فقط !
لتقول له وهي تهز رأسها برفض: ولا شي منصور .... صدق مابا اكثر من اللي عطيتني إياه
تصبح على خير
ثم انصرفت عنه
،,
ماضٍ يتحدث
التفت حوله بعينان تقدحان شرراً ...... قبل ان يشهد موت سهيل ..... يجب ان يخرج ما في جعبته
فـ هو ميت ..... لكن عليه الموت بـ موتتان
لم يشفِ غليله من احمد
فـ ليشفه الآن من ولده الجالب معه للدنيا ..... كل هلاك لـ قلبه المنصهر بعشقها .....
دخل المستودع المظلم .... لا يسمع الا انفاس سهيل الحادة والواضح انه يعاني من ضيق تنفس قوي
لم يهتم
اقترب شيئاً فـ شيئاً
حتى دفعه برجله وهو يهدر مسلطاً ضوء المصباح عليه: مت ولا بعدك ؟
رفع سهيل رأسه من بين ساقاه
محدقاً بالرجل بلا صوت ... فقط ينظر بعيناه الحمراوتان المنهكتان
: ليش ما كليت ؟ الذبيحة يوكلونها ويشربونها قبل النحر ..
اعاد رأسه لوضعه السابق ولم ينبس ببنت شفه
اقترب شاهين منه بجنون
ثم امسك شعره ورفع رأسه نحوه
ثم بصق كلماته بصقاً: قذر ... لوث ... شرات ابوك
وموتتك بتكون شرااااته
عند ذكر ابيه ... دفع عمه بقوة ووقف بصعوبة
حتى استقام
وقال بصوت منهك متقطع انما قوي ...... وذات معنى: الذبيحة يوكلونها ويشربونها .. بس اكيد ما يسألونها عن طلبها الأخير
كز شاهين على اسنانه حاقداً باغضاً غاضباً حد السموات/ألارض
ليهدر بـ شرر من بين عيناه: وشو طلبك الأخير ؟
: جواب ...... جواب بس
شاهين: على ؟
سهيل بعينان متورمتان من اثر الضرب: ليش خططتوا لهالمكيدة ضدي ؟
شو مصلحتكم ؟
رمقه عمه بعينان متسعتان .... ثم فجأة ..................... ضحك
ضحك بـ هستيرية حتى احمرّ وجهه
ليقول وهو يؤشر على نفسه بنظرة ذهب منها العقل والانسانية: انا
انا اللي أبا اشوووفك ميت
انا اللي أبا اشوفك تحتررررق جدامي
من يوم انت في مهادك وانا أبا اشووووفك ميت
كبرت ... واشتد عودك
ورغبتي تزيد
ربيّع ما قدر يجتلك قبل كم سنة
لكن انا الحينه خلاااااص
بسوي اللي في خاطري وبشووووفك اخيراً ميت
اقترب من عمه بـ عرج
وسأله وجهاً لوجه: ليش ؟ ودام اني ميت ميت على كلامك
أتوقع منك تقولي كل شي ..
مرر لسانه على باطن خده ... وهو يدور حول سهيل ويمرر عليه ضوء المصباح
ليقول وهو يعود ليقف امامه: تبا البداية !!
على وطأة نظرات سهيل المعتمة ..... وصمته
قال شاهين وهو يطحن اسنانه بـ نبرة سقيمة مدمرة: البداية من امك
تكلم شاهين .... فـ تكلمت عينا سهيل بأشد الكلمات نحيباً
نحيباً وويلات انبثقت من نظرته المنفطرة
لينتهي شاهين وهو يصرخ كالافعى السامة بكل شيء
كل شيء
حتى انه اخبره كيف علم ان ريكا قد هددته بـ ابيه اذ انه قد امسك بها عند السوق القديم وهي تتكلم مع الاخير وتحاول ابتزازه بـ تلك الحكاية !
وكيف هو ذاته علم بـ أمر أخيه احمد
كان مراد شاهين ان يقتل سهيل مرتان بهذه المواجهة
وفعل بالضبط ما انتواه ..........!
حاضرٌ يتحدث
دبــــي
تأمل البناية الشاهقة بـ ظلمة عيناه الساهرتان
وقرر الدخول بعد تفكير لم يأخذه الا لنقطة مقفلة
منذ متى فُتحت أبواب السعادة في قلبه ؟ ... كل الأبواب كانت مقفلة ...... موصدة بألف قطعة حديد ..
فتح باب شقته ببطاقته الخاصة
ودخل ...... ليسمع الفراغ يأتيه من كل جانب وزاوية
فراغ يتخلله فقط صوت أجهزة التكييف المركزية
وضع بطاقته ومحفظته ومفتاح سيارته على الطاولة في الرواق ..... وقال بخفوت عفوي وهو ينزع عصامته عن رأسه: السلام عليكم
: وعليكم السلام
لم يتوقع رد .... وفي هذا الوقت المتأخر من الليل
لكن منذ متى صاحبة الصوت لم تتخطى حاجز توقعاته وظنونه وحدوده الشائكة !
التفت بوجهه .. ليراها تقف امام النافذة الكبيرة
بـ هالة ليلية ساكنة
ترتدي بيجامة نوم سوداء حريرية ... يتوهج عنقها الابيض بعقد ماسي ناعم
وشعرها المنفلت يلتمع تحت نور القمر
اثيرية .... وهّاجة كـ شمعة في الظلام .... جمال اسود فخم ..... يليق بمن يحمل اسم جوهري كـ اسمها
احتار وهو يرمقها بتمهل من اعلاها لـ اسفلها
أجمالٌ مثل هذا .. فخم بشكل بسيط ؟
ام بسيط بشكل فخم ؟
الاكيد انها كانت تحفة تصرخ بـ الانوثة الطاغية
قالت وهي ما تزال ترمق القمر .. والنجوم .. ثم النخيل المتراص .. وشوارع دبي المنيرة في هذا الليل الهادىء:
صدقت ... جمال هولندا باهتة جدام هالجمال
التفتت بنصف وجه نحوه وقالت تذكره بكلامه السابق في هولندا: لا صوت يناديكِ منها أو مرسال .. ولا طير يخبركِ من فوق الاغصان ان الدنيا ما تزال مفعمة بالجمال
وقف قربها وهو يتأمل ما تراه
ليقول بابتسامة باهتة: اكيد دبي حلوة .... وتبهر الناظر خصوصاً في الليل
بس مقصدي من ذلك الكلام مكان ثاني
سألته وهي ترمقه بلمعة مقلتاها: وبتراوينا المكان اللي تقصده ؟!
تأملها بأجفانٍ متراخية .... وعيناه تحكي ألف قصة وقصة
ثم انزل ناظره للأرض وقال بـ اجش لا يعبر عما في دواخله من حروب ومعارك طاحنة: يمكن ...... في يوم من الأيام
ابتسمت له بشحوب .... وآثرت الا تتكلم
يكفيها رؤيته بعد ايامٍ من الاختفاءات غير المفسرة
في الحقيقة
ليست غير مفسرة
بل تعلم "بإحساسها" اين يختفي .... لكن تريده هو من يأتي إليها ويتحدث
تريده ان يأتيها رامياً كل اثقال صدره المدججة بالاحزان والهموم عليها .. كي توقن فقط
انها قدر الثقة
قدر المكانة التي ولاها لها كـ شريكة ..... وام لأطفاله
كي توقن انها ذات قيمة حقيقية في حياته !
قالت وهي تنظر لجهة أخرى ... أي جهة غير جهة وجهه الوسيم المعتم: آدم ويعقوب تعشوا وناموا .. يعقوب حبيبي تم يسأل عنك بس لا تحاتـ...
شهقت وهي تشعر بوجهها يصطدم بـ صدره
ثم شهقت مرة أخرى بارتباك جنوني وهي تشعر بيداه تحيطان خصرها
متأخراً استوعبت انه يحتضنها
ديدريك ..... او سهيل ........ او أي اسم كان
يحتضنها اخيراً
بعد تباعد غريب منه .... منذ ان عقد عليها قبل أسابيع واصبحا زوجان امام الله
اعتصرها بين ذراعيه ..... مغرقاً انفه بين خصلات شعرها الأسود
ليقول بـ صوت غليظ خافت: وحشتيني
شعرت بـ كلها يحترق
نااااااااااار
نااااااار من جذور رأسها حتى اظافر قدميها
نار شعرت بها اول مرة عندما لمسها تحت المطر مطالباً إياها بغطرسة ان تتزوجه
وها هي النار تندلع للمرة الثانية في روحها وجسدها
انخرس لسانها لكن لم يخرس قلبها عن الخفقان
عاد يهمس قرب أذنها: وآسف
همست وهي تشعر بخفقاتها تتصاعد الى حنجرتها ورأسها: على ؟
: وايد أمور
سألت وحروف كلماتها تختفي بين جنبات صدره الدافئ: تكلم سهيل ... ولا
ولا تفضّل ديدريك ؟
شد من احتضانها ليقول: سهيل احلى من ثمج
تصاعدت خفقاتها وهي تتنعم بصوته الذي يتحدث بـ اللهجة المحلية ..... لطالما تاقت لـ سماع لسانه العربي باستمرار ... منذ سنين طويييييلة ...... لكن كان يصر على التحدث بالهولندية ... بذلك الإصرار القاسي الجاف
همست ببراءة عيناها الواسعتان: اذكر كنت دوم تعصب اذا حد زقرك سهيل بالغلط ... لين تعودوا على ديدريك ..
ابتعدت قليلاً وهي تلمح ابتسامته الحزينة واكملت تتأمل وجهه نصف المضيء: حتى انا .. كنت تعصب عليه اذا بغيت منك ترمسني عربي .. كنت اتوله على البلاد واتوله على رمستنا .. عسب جي كنت دوم اطلب منك ومن ارنود ترمسوني عربي عسب ما انساها ...
ارنود عادي يرمسني عربي ... بس انت كنت رافض
مرر اصبعه على خدها الناعم وتركها تخرج ما في روحها من كلام ..... وبوح: سهيل انا ماعرف ماضيك .. ماعرف الا انك اخو ارنود
ماعرف شو اللي خلاك تترك البلاد وتهاجر هولندا مع خالتي ريكا وارنود
ماعرف أي شي عن هلك هنيه
رمقته بابتسامة عين ذابلة ...... وقالت: الا حرابة اختك
عند اسم حرابة
تراخت يداه على خصرها ....... حرابـــــــــــــة
كمــا يلقبـــها دومـــاً .... حرابـــــة الوطـــــن ...
: كيف تعرفين حرابة ؟
عضت شفتها ..... بروحٍ مثقلة بالمشاعر
لن تخبره انها أتت الامارات آخر مرة خصيصاً لأجل حرابة
صحيح انها اخذت الاعمال حجةً لها
لكن ما ان اتتها الفرصة للقدوم لم تتوانى ولم تتردد
أتت لتتعرف على الشخص الذي هذى بـ اسمه يوم ان سقط من الحمى
ولولا المعلومات التي زودها بها ارنود لما علمت اين تجدها ... رغم ان الأخير كان قد حذرها مراراً ان حرابة ليس شخص يمكن مواجهته واقتحام حصونه بسهولة
لكن لم تبالي
ارادت وبشدة رؤية أي شخص يحمل رائحته ... يحمل رائحة ديدريك الاصلية الاصيلة الثابتة في تراب الوطن
امالت وجهها برقة وقالت تشبع عيناها من عيناه الحزينتان: انت قلتلي عنها
عقد حاجبيه باستغراب شديد: انا ؟؟ مستحيل
نظرت إليه بنظرة لامعة وقالت: مافي شي مستحيل ... تذكر من ثلاث سنوات يوم طحت في مكتبك ويتك حمى ؟
انا وارنود شليناك وتمينا وياك في البيت .. ولحقتنا امي بعد ..
طول الليل يلست تهاذي بـ وايد اسامي ..... من الاسامي قدرت اسمع اسم حرابة .... ونورة
يوم سألت ارنود عنهم .... قالي ان حرابة اختك .... ونورة امك
انزلت رأسها لتهمس بـ وجع سببه الأول والأخير هو .... وماضيه الذي يكاد ينطق من عيناه وجعاً وعذاباً: وقتها فهمت ليش سميت الشركة نورين
(نورين معناه النور باللغة الهولندية)
ابتعد
حتى عاد للنافذة
ينظر للدنيا من فوق خمس طوابق
: وما قالولج اني سافرت هولندا بـ خديعة
واني كنت فاقد الذاكرة وقتها ؟
وضعت يدها على فمها بـ ذهول ..... لتسمع اول اعتراف يخرج من لسانه
ثم اقتربت منه وهو يردف على مسامعها المتحفزة: وان الذاكرة رجعتلي عقب خمس شهور
والفضل يعود لـ حرامي كان يبا يسرق بيت ريكا ..... ضربني على راسي
وبدال ما ما يوديني درب الموت ...... وداني درب ذاكرتي
ابتسم ابتسامة أظهرت صف اسنانه البيضاء واردف: شي يضحك صح ؟
على وطأة نظراتها المتأثرة المتلألئة ...... اخذ نفساً طويلاً
ثم اخرج زفيراً أطول من انفه ....... وردد بـ صوت خشن ... بعيد .... بعيد جداً:
يدي صياح
امي نورة
امايه ريسه
ختيه حرابة
عمي منصور
ثم ابتسم بـ حب اخوي واكمل: ختيه وبنت عمي مديه
سألته وهي تبادله الابتسامة ... احبت بقوة تباسطه معها في الحديث ... تباسط هو الأول من نوعه: اختك بالرضاعة بعد ؟
قهقه وكأن ذكرهم على لسانه هي سعادة بحد ذاتها
ثم هتف .... بعقل مغيب ومأخوذ بذكريات جميلة نقية:
لا .... مديه بنت عمي بس ..... ريسه عمتي ربتنا كلنا في بيتها بعد ما توفى ريلها علي الله يرحمه
ربتني انا وعمي منصور ومديه بنت عمي وحرابة ختيه بالرضاعة
و....
صمت قليلاً ثم ابتسم بـ ابتسامة لم تتجاوز حدود عيناه .... واكمل: وربيع ولد عمي
رمقته بنصف عين وهي تهتف بمكر باسم:
واكيد كنتو مسوين عصابة على هالبنتين الفقيرات
صمت للحظات
ثم استدار حتى اصبح عكس اتجاه وقفتها
ليقول بصوت خاوي فارغ: ثلاث
ابتعد وهو يتجه نحو غرفة اطفاله: ثلاث بنات كانن .... الثالثة اسمها روزة
نهـــاية الفصـــل الحـــادي والعشـــرون
للفصل بقية ..... او للموقف الاخير ان صح التعبير بقية
قراءة ممتعة
|