كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله (بـ حلة جديدة-2020م) الفصل التاسع
،,
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الفصــل العشــرون
وقفت امام اشارة المرور وهي تسترجع رسالة سعاد النصية التي اتتها منذ ساعتين ... تتوسلها رؤية اطفالها واليوم كما ترجو ..
كادت تبكي تعاطفاً وهي تقرأ كلمات الاخيرة في الرسالة .... فقررت في لحظة طائشة اخذ الصغيرين لها
بعد عشرة دقائق كانت تقف امام منزل عائلة سعاد ... انزلت الصغيران ودلفت معهما لحوش المنزل المشرع بابه المعدني على مصراعيه
بعد ان دخل الجميع لداخل الفيلا برفقة الخادمة .... هرولت سعاد نحوهم لتحتضن صغيريها بقوة .... ولتقبلهما قبلةً وراء قبلة
وهي تغمغم بكلمات الشوق ومرارة الفقد والعذاب الروحي ببعدهما عنها ..... ثم وقفت وهي ترمق مدية بعينان دامعتان .... اخفت خلفهما حقدها وكراهيتها اللامتناهية
رأت وجه مديه الذي ازداد حلاوةً وعافية ..... والابتسامة تتوسط ملامحها بتلك الطريقة التي تكاد بسببها ان تقذفها تحت اقرب شاحنة الآن كي تموت وتتخلص منها
رباه .... تكرهها حد الموت
على الرغم من هذا .... مسحت دموعها وقالت بامتنان كاذب: تسلمين مديه ما قصرتي
هزت مديه رأسها بابتسامة جميلة وقالت: ما سويت شي انتي امهم يا سعاد ... يلا بخليكم ومتى ما خلصتوا كلموني بيي اشلهم
لتتراجع مصدومة وهي تتلقى كلمة سعاد المستنكرة:
نعممممم !!!!
استغربت مديه غضب سعاد المفاجئ ... لتقول بعفويةِ صوتها الناعم: هزاع ما يدري اني يبتهم عندج واذا رديت البيت بلياهم بيزعل
سعاد بغضب:
خل يزعل خير يا طير ... من متى انتي تهتمين اصلا حق مشاعره اخت مديه ؟
رفعت مديه حاجباً ..... كلام سعاد لم يعجبها البتة .... لتصلب ظهرها .... ولتهتف بنبرة قوية:
من زمان يهمني هزاع ..... نسيتي انه ولد عمي قبل لا يكون ريلي
وتعمدت ذكر علاقتها الرسمية والشرعية بـ هزاع
تتعاطف مع سعاد نعم .... تحترم كونها ام تبكي شوقاً وتوقاً لحضن اطفالها .. نعم
لكن لن تسمح بمزيد من التجاوزات ..... فهي تحمل الان طفلها وهزاع
يجب عليها الدفاع عن حقوق طفلها في حياة هزاع قبل ان تدافع عن حقها هي في حياته
يجب عليها الحفاظ على بيتها وكرامتها وكرامة ابن عمها
كل الامور تغيرت مائة وثمانون درجة مع معرفتها بـ وجود هذا الجنين القابع في احشائها
كل الأمور ... وكل شيء !
ثم شمخت بنفسها وقالت بكلمة واحدة لا تقبل الجدال: ساعتين بالكثير وبيي اشلهم يا ام عبدالله
التفتت وخرجت تحت ناظر سعاد المصدوم المشتعل
اهذه مديه !!
لا لا مستحيل
غير ان هناك شيء آخر متغير بها
وجهها ؟
جسدها ؟
مشيتها ؟
لا تعرف
شهقت بعد ثوانٍ وهي تستنتج بحدس المرأة والام لديها الامر المتغير بـ مديه
أهـــــي حامــــــــل ؟!!!
،,
خرجت من منزل عائلة سعاد وهي تعقد حاجبيها بانزعاج شديد
فعلت للتو ما لا تقبله على نفسها .. فـ سعاد ام ... وهي ستصبح ام .... لكنها كانت مضطرة !
يالله .... ليتها لم تضعف ولم تجلب الصغيران .. بل ليتها لم تر رسالة سعاد وتتأثر بها
ان علم هزاع سيغضب بالتأكيــــــــــــــد
انتفضت مكانها وهي تسمع هاتفها يرن قربها
خفق قلبها بقوة ما ان لمحت اسمه يحتل مقدمة الشاشة
استلته بعد ثلاث رنات ..... وقالت بعد ان تنحنحت تريد إزاحة توترها: ألو
: فدينا الألو
كادت تبكي ندماً .... كيف تغدر بـ هزاع هكذا ؟ كيف ؟
ابتلعت غصتها ..... وقالت باختناق: هـ هلا هزاع
: شبلاج مديه ؟
رمقت المنزل من نافذة سيارتها المتوقفة ...... وقالت: مـ ماشي
: فيكم شي ؟ اليهال فيهم شي ؟
عضت شفتها بتأنيب ضمير ... وقالت بسرعة تعترف بفعلتها: الـ.. اليهال عند امهممم
لم يستوعب بسرعة ما قالته: ها !
مديه: اليهال ..... اليهال عند امهم يا هزاع
سمعت انفاسه الحادة وكأنه يكبت بقوة انفجاره عليها ..
لتفتح فمها تريد توضيح الامر لكنه كان اسرع منها اذ انه قال بقسوة: في البيت نتفاهم ... نص ساعة ان شاء الله وواصل بوظبي
اطبقت شفتيها ببعضهما البعض .... وقالت بهمس نادم: قلت حق سعاد ساعتين وبيي اشل اليهال
: ردي البيت انتي ... وانا خلاف بمر اشلهم
،,
هدرت بغضب مشتعل لجارتها التي اتصلت بها منذ لحظات واخرستها مطالبةً إياها ان تكف وصديقاتها النمامات عن افتعال المزيد من القصص والاشاعات عن ابنتها
لتغلق الهاتف بعدها وهي تغمغم وتنهت من الغضب
اقتربت روزة منها هاتفة باستغراب:
شبلاج امايه ؟ منو هاللي متصلتبج ومخلتنج جي معصبة ؟!
قالت أمها بوجه ممتقع: ماشي
روزة بإصرار: امايه قولي شبلاج ؟
صاحت والدتها بقهر كانت قد كبتته منذ اسابيع: من يوم تطلقتي والعرب ماكلين ويوهنا برمستهم .. لو سامعه رمستي من اول واهتميتي بريلج وبيتج وصاكه بيتج على روحج جان ما هذا غدا حالج وحالنا
يلا اخت روزة استلمي الحينه اللي بييج
اتسعت عينا ابنتها وهي تقول بدهشة: الحين انا الغلطانة يا امي ؟! معقولة جي تقولين ؟
قالت والدتها بانفعال: لا حول ولا قوة الا بالله ... يا بنتيه انتي تشوفين اللي حصل شي سهل خصوصا انج حرمة وعندج ياهل ؟
لوحت روزة بيدها مقهورة/مستنكرة: ما سويت شي غلط ... ربيع من خذته ردي ... ترييته يصطلح ولا فاااااد ... سنة ورا سنة ورا سنة وهو ابددد
فـ لا تحطون اللوم عليه لاني مب غلطانة
وخليني ساكتة مابا ارمس زود
هتفت أمها بقهر اشد: لا ارمسي .. ارمسي قولي .. وبعدين انتي اللي وافقتي على ربيع برضاج .... محد غصبج .... مع انه يوم خطبج قلتلج تريثي ... انتي كنتي مندفعة ومصرّة عليه
اشاحت روزة وجهها تخفي شفقتها المريرة على ذاتها
اجل
هي دوماً مندفعة
دوماً بلهاء عند اتخاذ القرارات الصائبة
دوماً انانية وعنيدة
ودوماً تنكب على انفها بسبب حماقتها !
هل تقول لأمها انها وافقت على ربيّع نكايةً بـ سهيل الذي غدا تحت التراب !
رغم ان ربيع سبق وان خطبها مرة ومرتان وثلاث ... هو وآخرون غيره
لكن في المرة الأخيرة ... عندما خطبها ... كانت تحت وطأة غضب عارم اثر مواجهة بينها وبين عمها شاهين الذي عايرها بقلبها المتعلق الى الآن بـ "عديم الرجولة" بـ "الشهواني الشاذ القذر" كما نعته
عمها الذي كان اول من اتاها بعد موت سهيل مباشرةً واخبرها بكل جرائم الأخير آخذاً منها وعداً الا تحكي لأي شخصٍ كان لأن الذي حصل سيكون وصمة عار في جبين العائلة والقبيلة اذا انتشر
جاهلةً ان ربيع كان يعلم مسبقاً بـ ما ينوي والده قوله لها .. لانها كانت فكرته هو !
بعد المواجهة الأخيرة بينها وبين عمها .... المواجهة الأشد وطأةً على نفسها المعتدة وكبريائها الانثوي
لم تفقه صراحةً ما حصل بعدها .. الذي تتذكره انها توجهت ليلتها لوالدها واعلمته بموافقتها على ربيّع
هكذا وبكل عجرفة وغرور وغباء !
لكن ان كانت هي أخطأت بالاختيار ... وارادت تصحيحه وتصحيح مسار حياتها .. فلم الناس لا يتركونها وشأنها ؟
قالت لوالدتها بانفعال: شو يقولون الناس خبريني ؟؟؟
: بنت يارتنا شافت من دريشتها شو حصل ذلك اليوم ... يوم يه ربيع واتهمج انج ترمسين واحد وضربج ....
اتسعت عيناها وهي تتذكر الفتاة التي لطالما حقدت عليها غيرةً من جمالها وشخصها ونجاحها العلمي والمهني: شريفة ؟!!
شو شاااااااافت !!!!
: كل شي ... اصواتكم وزعيقكم وصل لين بيتهم ... يا فضيحتنا بين النااااس
انهارت على الاريكة بـ وجه ممتقع وشاحب
الفتاة حرفياً تكرهها كره ابليس لـ بني آدم .. فـ كيف وهي الآن تحمل بين يديها وجبة دسمة تلوك لقيماتها بين اسنانها ؟!!
فـ كيف وهي تحمل ما يدينها ويلوث سمعتها بين الجيران والاهل والاقرباء !!!
يا ربــــــــــــــاه
ماضٍ يتحدث
خرجت من منزل جدها وهي ترفرف كالفراشة
سعيدة اليوم وتكاد تشعر انها توازي نور الشمس بوهجها
اعلموها منذ دقائق ان موعد عقد قرانها على سهيل قد تحدد
سيكون بعد سنتان من دخول سهيل الجامعة اذ ان الأخير اخبر الجميع انه سيعمل وسيدرس في ذات الوقت
والجد ولثقته العالية بـ حفيده وشطارته ومثابرته .... وافق بلا اية اعتراض
من فرط سعادتها .... حركت جلال صلاتها حول جسدها وهي تقفز
خفقاتها تتزايد ومشاعرها منتشية ..... هل الأمنيات عندما تتحقق تصبح بهذا الجمال بعين الراجي المترقب ؟!
ضحكت بخجل طفولي
تحبه
تحب حبه الجلي لها
حب من فرط صدقه .. تراه ينعكس بأعين كل فرد من عائلتها
تحب كم يهتم لها ويداري خاطرها
تحب كيف يقدم نفسه عليها دوماً منذ ان كانوا اطفالاً ...
في اللعب .... في الطعام .... في الشراب
رأت الطفل منه
والمراهق منه
ويالشدة فخرها كون الرجل منه قد اختارها هي
لكَم يشعرها بالتميز
بالتفرد .... بكونها الاولى على جميع الفتيات
دخلت منزل والدها المجاور لمنزل جدها وهي تعض شفتها بغنج غروري
كسرت انف تلك المعتوهة المسماة حمدة .. والتي تقرب لـ سهيل من بعيد من طرف والدته
تلك البلهاء ذات الجمال المستفز
ظنت ان سهيل سيخطبها هي ... بل ونشرت الخبر بين فتيات البلدة بكل ثقة
لن تكون روزه ان لم تنتقم لكل لحظة شعرت فيها باهتزاز الثقة امامها !
ستنتقم بلبس الفستان الأبيض امامه ...
ما ان دخلت منزل ابيها حتى التقت بـ حرابة التي كانت ترتدي جلال صلاتها تريد التوجه لمنزل الام ريسه بعد زيارة قصيرة لخالتها ام روزة
: اووووه حرابة تحريتج اليوم عند امج عفرا
توهجت تعابير حرابة وهي تقول: لا ... بسير لها باجر ان شاء الله ... رويزززه ما قلتلج ..... سهيل بيوديني اليبل وياه عقب اسبوعين
زمت روزة فمها بـ غيظ طفولي وقالت: ودوني معاكم انا بعد أبا اشوف النيم
قالت حرابة تثير غيظ روزة اكثر: لااااااااااااااااااااا ..... انتي ممنوع عليج تشوفين اخووووويه
وانصرفت مبتعدةً عنها وهي تضحك بحماس
،,
حاضرٌ يتحدث
منزل هزاع بن حامد
ادخل الولدان للداخل .... وهو يلقي السلام بـ مزاج سيء: السلام عليكم
وقفت بخجل وهي ترد: وعليكم السلام .... هزاع
رفع يده وهو يسكتها بصوت ساخر متعب: لا تبررين لا تبررين .... اعرفج خبز ايدي ..... ما تعرفين تقولين لا حق اللي يطلبج
بس ليتج على الاقل اتصلتي فيه وخبرتيني قبل ما تودينهم عندها
اقتربت وهي تهتف بصدق: خفت
ليقول بنظرة حادة: لانج تعرفين اني راااافض الفكرة
دعكت يديها ببعضهما وهي تبرر بـ تعاطف: عيالهااا يا هزاع عيالهـ....
قاطعها بانفعال: وعياااالي بعد يا مسك ... عياااالي بعد
اكمل وهو يجلس امامها بجلسة متحفزة متأهبة: ممكن طلب
همست وهي تقف امامه بعينان منخفضتان: تامر انت
: ممكن ما تكونين انتي السلاح اللي تستخدمه سعاد ضدي
رفعت عيناها بـ ذهول وهي تقول: افا يا هزاع هاي هقوتك فيه ؟
انا اكون سلاح ضدك ؟
امسكها بقوة حانية واجلسها قربه ليعتدل بجلسته بحيث اصبح وجهه مقابل وجهها
تأمل بياض جبينها .... لتنحدر حدقتيه الى عيناها الحلوتان اللطيفتان
عينان لا تعرفان المكر والخداع
لا تفقهان لغة التفرعن والتنمر والحقد
: مشكلتج لين الحين ما تعرفين سعاد ... انا اعرفها واعرف كيف تفكر اذا شي وقف في دربها
هل الألم الذي يعتصر أوردتها الآن هي ....... الغيرة !
تباً ....... كانت زوجته يا خرقاء
طبيعي جداً ان يعرف طباعها ... وكل امر ولو كان صغيراً يخصها
قطبت حاجبيها بعبوس وهي تبتعد قليلاً تحاول السيطرة على دوران رأسها
هزاع من بين تقطيبة حاجبيه: شبلاج مسك ؟
تنهدت بـ ارهاق وهي تجلس
تخبره .... او لا تخبره ؟؟
لم مترددة يا مديه ؟ حرج ؟
توتر ؟ خوف ؟
لكن ممَ الخوف ؟
أتخافين ان يكون هذا الجنين فرحة غير مكتملة اذ انك اعتدت فقد الأشياء الجميلة في حياتك حتى اصبحت تستكثرين عليك السعادة والفرحة ؟
امسكت قلبها بذعر تنفض الأفكار السوداء من عقلها
وابتسمت لزوجها ابتسامة مرتبكة .... وقالت تهمس له: تعال
قرّب وجهه منها باستغراب ليسمعها تهمس مطالبة: اكثر
ابتسم وقد كان منذ لحظات مشتد الاعصاب ومنفعل .... لكن هذه محبوبته .... قطعة الحلوى الخاصة به
اقترب اكثر ..... وهو يقول: تبين بوسه
تعالي
: ههههههههههههههههههههههههههههه
جرته نحوها وهي تهمس بغنج: تعااااااااااااال بسااااسرك
قرب اذنه منها بقهقهة خافتة
ليسمعها تقول بنعومة الحرير: انا ............ حامل
،,
فلوريدا – أمريكا
احكمت وضع الحجاب على رأسها .. وعدلت لباسها المحتشم بخفة .. ثم خرجت من غرفتها .. لترى منصور مولياً ظهره ويبدو انه سيخرج
هذه هي حالته منذ ان أتت وابنتها لمنزله منذ أسبوعين
يخرج من الصباح ولا يعود الا بعد ان يخلدان للنوم .. ولولا خوفها من اثارة غضبه واثارة شكوكه منها لأخذت اغراضها وابنتها وعادت لمنزلها
قالت بارتباك قبل ان يخرج: منصور صباح الخير
استدار قليلاً .. ليجيب باقتضاب من جانب وجهه: صباح النور
قالت نارة بتردد خجول: خـ خلك شوي يا منصور .. بسوي ريوق وبنتريق رباعه مع ضي ..
ذكرت اسم ابنته لـ يلين قلبه ويمكث قليلاً معهم فهي تشعر بالندم اتجاهه اذ ان الأخير يبدو عليه امارات التعب والارهاق و........... الحزن !
اكيد انه حزين ... ألم يكتشف منذ أسابيع ان زوجته الحبيبة قد ماتت !
ليس سهلاً على المرء ان ينسى احبائه بضغطة زر !
كاد يرفض لولا خروج ضي من الغرفة وهي تهرول نحوه بفرح: بابااااااااااااااا
عند كلمة بابا ... ابتسم ... وارتخت اعصابه المشدودة ... واُزيحَت الاحزان عن روحه قليلاً ...
حملها وقبّل خدها وهو يقول بـ محبة ابوية خالصة: يا عيون بابا
بعد الإفطار ... قالت ضي بلسانها الأمريكي وهي تقف بابتسامة واسعة: سأذهب خارجاً لإطعام القطط الصغار
اومأت لها ضي باسمة ...... لتخرج الفتاة ...... ليقف منصور ويقول مخفضاً اهدابه السوداء: العصر لازم نروح المركز .. خلج جاهزة بمر عليج وبنسير ..
: تمام .. ضي بيكون عندها كلاس إضافي في المدرسة ... يمدينا نروح ونرد نشلها صح ؟!
منصور: هي يمدينا ... يلا نتلاقى خلاف
اوقفته نارة بارتباك: منصور
: لبيه
نارة: بتقول حق ضي عني ؟!
فهم ما عنته ..... فقال بنبرة مباشرة متفهمة: لا بنخليها على ما هي لين تكبر شوي ان شاء الله وتفهم
هزت رأسها وهي تتنفس الصعداء .... ثم قالت بعد تردد ولعثمة: ا ا ..... انزين ...... ا مممممم منصور ..... نحن لين متى بنتم على هالحال ؟!
ا ا انت تعرف .. ان وضعنا جي غلط ... شـ..
قال منصور وهو يفهم بذكاء ما تريد قوله: لين تخلص سالفتج على خير ونرجع البلاد سوى
نارة بتعابير متخاذلة متوترة: وبعدين ؟
رفع حاجبه وقال: وبعدين شو ؟
اشرت بيدها وهي تسأل: انا وين بروح ؟
منصور باستغراب: انتي بتمين خالة ضي .... أمها اللي ربتنها وخالتها
هتفت نارة بنبرة شابتها المخاوف والتخبط والأفكار المتناحرة: وضي ... بتقدر تتأقلم مع الحياة هناك ؟
منصور ببرود تام: صدقيني ... الحياة في البلاد احسن ألف مرة من الحياة هني ..
: اعرف
منصور: عيل ليش تسألين ؟
نارة بناظر منخفض متخبط: تهمني مشاعر بنتي .. تهمني اذا بتكون راضية ولا متضايقة .. مالي غيرها
: لا تحاتين .. كل شي بيمشي مثل ما تحب وزود
وقفت وهي تكاد تشعر انها ستسقط مغشياً عليها ...... لكن عليها التفوه بما دار بعقلها الأيام الفائتة
يجب ان تتكلم والا من الممكن ان يحدث ما تخشاه فعلاً
فقالت بصوت خرج حاداً مرتفعاً بسبب ارتباكها الشديد: تـ ...... تزوجني
ارتد مذهولاً متفاجئاً مما سمعه
قالت بذات توترها ..... وهي تعدل حجابها على رأسها بعنف: لا اطالعني جي الله يخليك ..
انت ...... انت ما تعرف شو القوة اللي يتني عسب أوقف جدامك الحين واطلب هالشي منك ويه بـ ويه
منصور ..... منصور انا ... اناااا عشت في امريكا سنين وكوّنت نفسي بنفسي بشكل انت ما تتخيله ... عقب التعب والشقى والكفاح اتفاجئ إني ارد للمكان اللي كنت فيه صفر على الشمال
مكان كنت فيه ولاشي بالمعنى الادق
وين بروح اذا رجعت معاكم ؟؟؟؟ شو بسوي ؟؟؟؟ شو بكون ؟؟؟؟
أكيد انت بتاخذ ضي بيتك وبتعرفها على أهلها وناسها
بس انا ..
انا وين موقعي من الإعراب ؟؟
اخذت تدور حول نفسها وتتكلم بكل ما يجول في بالها بكلمات وجمل غير مرتبة .... عاجزة كل العجز عن السيطرة على انفعال صوتها:
خايفة ومرعووووبة من فكرة الرجعة
مابا ارجع للدار ... مابا ادوس أي بقعة تذكرني بطفولتي ومراهقتي
مابا ارجع وحيدة مثل قبل .... لا ابو يحظني ولا ام تلمني على صدرها ... عسب جي لقيت انسب حل إني أكون على ذمتك
على الأقل اسكن في بيت مثلي مثل باقي البنااااات .... وأكون عند بنتي
استطاع السيطرة على نفسه واستعادة سيطرته ... ليضع يداه داخل جيوب بنطاله ويقول ببرود لم يظهر ما يجول في خاطره من ثوران:
ليش الزواج أنزين ؟ اقدر أأمن لج سكن ووظيفة ومستقبل ... هذا أصلا حقج علي كونج خالة ضي واللي مربتنها ... الحمدلله الخير موجود
يالصقيعيته ونبرته الجافة المستهينة !
نارة بعصبية ظهرت اثر رده المستفز البارد: قلتلك ... مابا أتم رووحي ... أبا ضي معاي ... وأنت أكيد ما تبا تخلي بنتك تعيش بعيده عنك ..
رأت نظراته الحادة واستهجانه القاسي الجلي للعيان
فتساقطت دموعها وشعور الخزي/خذلان النفس يغزوها
ثم قالت تبرر ما قالته بصوت متحشرج: خله على ورق بسس ... انا بس أبا بيت يحتويني وعائلة حولي ماظن إني اطلب المستحيل
قست تعابير وجهه وهو يهتف بصرامة .... مستشعراً كمية الإهانة الكبيرة لـ شخصه المعتد: بيَوزج واحد من ربعي ... عندي واحـ...
رغماً عنها صرخت غاضبة من بلادته واحساسه المنعدم: لا تحسسني إني رخيصة اكثر مما احس انااا الحيين يا منصوو...
قاطعها بغلظة من بين اسنانه: لا تباغمين
(لا تباغمين = لا تصرخين)
ارتعشت فكيها وصوتها يخفت شيئاً فشيئاً ... يالله .... شعور الذل مُر وكريه على النفس: انا مب رخيصة .... والله مب رخيصة
انا بس أبا بنتي معاي افهمني الله يخليك
اخرج نفساً حاداً سريعاً وهو يحاول السيطرة على اعصابه .... ثم قال موضحاً بصوت اخفض من ذي قبل: نارة ... ترومين تعرسين وتيبين بدال الياهل عشر
ردت نارة بصوت مكتوم متعذب: ضي بنتي ... انت مستهين بهالموضوع ؟
منصور بنظرة حادة: مب مستهين ولو يينا للواقع انتي مب امها .... فلا تهدمين مستقبلج وشوفي حياتج
انا ابوها وأنا المتكفل بهااا
امسكت جبينها بيدٍ مرتجفة وكُلها يكاد يختنق ويصرخ من شدة الذل والمهانة
فـ جلست وهي تهتف بهمس مختنق: ما ظنيتك جي قاسي وبارد وما تحس !!
هدر بتقريع وهو يوليها ظهره: وما ظنيتج جي بليا عقل !
منو قال برضى اتزوج وحده لا تحبني ولا تباني ؟!
استدار نحوها وقال رافعاً انفه بـ أنفة: وبعدين في شي حطيه في بالج
انا اللي اقرر منو اتزوج ... مب غيري اللي يقرر عني
تفهمين ؟
احتقن وجهها بمشاعر مريعة ... ليتها انخرست ... ليتها لم تتكلم ولم تصارحه بما يعتمل خاطرها
لم تكن تعلم انه بهذه القسوة والجبروت واللامراعاة !
شخرت ساخرة بصوت لم يتجاوز حدود بلعومها
منذ متى عرفته اصلاً ؟ ومنذ متى حانت لها الفرصة لتعرف أي انسان هو ؟!
هزت رأسها بـ كيفما كان ..... وهرولت تدخل غرفتها من غير ان تنبس ببنت شفه ..
،,
بعد نصف ساعة
اتصل به الضابط الموكل له قضية نارة .... واستشف منه انه خلال سويعات سيلقون القبض على المجرم ... اذ انهم وبعد بحث طويل عن جثة الفتاة .. استطاعوا العثور على بقاياها في منطقة نائية جداً ..
وسيتطلب قدوم نارة إليهم وتقدم شهادتها امامه
اغلق الخط عن الضابط وهو يشعر ان الدنيا بأكملها تضيق عليه
ليس بسبب قضية نارة ... فقد اطمئنه الضابط ومن قبله المحامي بحقيقة ان القضية ستسير بسهولة اذا كان المجرم متعاون واعترف بسرعة ... واذا وجدوا الأدلة المطلوبة ضده ...
ما يضيق عليه صدره رغبته الشديدة بالعودة الى البلاد
شيء يجثو صدره يخبره ان هناك من يرغب مساعدته وحالاً
فجأة استل هاتفه واتصل بـ اخته الكبيرة ريسه ..... ألقى السلام عليها واخذ اخبارها واطمئن على حالها وحال والده
وأكد انه خلال أيام فقط سيعود للوطن ان شاء الله .. متجنباً التحدث عن ابنته ونارة ..
عندما يعود سيواجه الجميع بهما ولن يرف له جفن
من هم كي يثيروا به الخوف ؟
الكل ...... الكل فقدوا حقوقهم عليه
منذ ان كمموا قلبه وتركوه يشهد فاجعة رحيل عضيده بعيناه
ماضٍ يتحدث
احتضن عنق سهيل وهو يدندن بأغنية قديمة .... ليقول وهو يؤشر لشيء بعيد: سهيل شوف
رفع سهيل عيناه: شو ؟
منصور: تشوف الغزال هذاك ؟
: هي
منصور بنظرة براقة: شو تعطيني اذا صدته حي ؟
ضرب سهيل صدره وقال: اذا سويتها يا عم لك عليه احل واجب الرياضيات مالك ... وفوقه اسويلك مشروع الاحياء
اتسعت عينا منصور مذهولاُ: احلللللف
: عيب يا عم ..... كلمة ريال
منصور وهو يتحرك: تم .... إلحقني
وبالفعل ...... استطاع منصور صيد الغزال بحيلة تعلمها من ابيه صياح صغيراً ... حيلة من حبل صغير وحبة فاكهة فقط
مسد سهيل رأس الغزال وهو ويضحك: هههههههههههههههههههههههههه كفو كفو عمي .. ولك اللي تباااااه .... ان ما خليتك السنة هاي تييب شهادتك بليا دواويح ماكون سهيل بن احمد
(دواويح = العلامات الحمراء التي تدل على الرسوب)
حاضرٌ يتحدث
ضحك منصور بمرارة ... "دواويح" يا سهيل ؟
ألا تعلم ان حياتي من بعدك أصبحت كـ أوراق نتائجي المدرسية ؟!
كلها ملونة بـ لون الدم
كلها ملونة بالعار .... والضعف .... والهوان ...
والفشل المقيت !
دقائق حتى اتاه اتصال ... اتصال طال انتظاره
رد ليهتف من بين ظلمة عيناه الحادتان: ها يا جهاد .... عرفت منو ديدريك ؟!
..
تسارعت خطواته كي يمر وسط الشارع المزدحم بالسيارات وهو يتلقى بأذنه كلمات الرجل ثم قال: بس هاللي عرفته ؟! هاي معلومات عادية الكل يقدر يعرفها
عندك صورته ؟!
..
: طرشلي واتس
..
: تمام .... تسلم ما تقصر جهاد
ثوانٍ حتى رن هاتفه رنين رسائل الواتس آب
ليفتح المحادثة وهو عين على الهاتف وعين على الشارع
ليشهــق بإحســاس رهيـــب
رهيـــــــــــــــب جـــــــــــداً ....
وهو يحدق بالصورة بمحاجر متسعة مرعوبة !
،,
ابوظبي – منزل صياح بن احمد
ليـــلاً
نظرت للسماء المتلألئة ... المبهجة للنظر/القلب ...... مرددةً بخفوت موجع: يا جامع النجوم .... يا جامع الغيم في السما يا حي يا قيوم ... اجمعني به
لو كان حي .... بس اجمعني به يا رب
اخفضت عيناها وهي تستدير .... ثم سارت نحو غرف النوم
لسانها يردد بهمس جملة كانت تقولها جدتها رحمها الله بسعادة في مثل هذا الوقت من السنة:
سهيل طلع في الما
سهيل طلع في الما
(مثل شعبي قديم معناه بزغ نجم سهيل وانعكست صورته في الماء)
تنهدت بإرهاق ...... وامسكت مسبحتها ذات حبات اللؤلؤ الثمين ...
ثم اخذت تدمدم بأذكارها وهي تنتقل من غرفة لأخرى تتأكد من نظافتها وترتيبها واطفاء الأضواء
بعدها ذهبت واطمأنت على حال ابيها لآخر مرة قبل ان تخلد للنوم
صحيح لا يتحدث معهم .... ولا يتجاوب معهم ..... لكن وضعه البدني وكما قال الطبيب جيد ولله الحمد
الطبيب ما زال حائراً بوضع الشيخ صياح النفسي .... واكد عليهم الا يثيروا حنقه او استياءه فيبدو انه يمر بحالة من الاكتئاب تحدث احياناً لمن هم في سنه ... خاصةً وانه يتناول ادوية الضغط والسكر
والأدوية اغلب الأحيان تسبب في مثل هذه الحالات النفسية ..
بعد ساعة .... دخلت سريرها .... تاركةً باب غرفتها موارى قليلاً
طيف سهيل لا يفارقها ... خاصةً بعد ما حدث اليوم معها وهزاع
تكاد تقسم ان ما تشهده هو الجنون بعينه
فـ كيف وبعد تلك السنين يكون سهيل حي ؟
كيف ؟
وكل تلك الحقائق المريعة !
يالله ...... رحمتك يا رحيم
وضعت يدها على قلبها تردد آيات السكينة علّ خفقان قلبها يخف قليلاً
لكن الضغط والاختناق يزدادان ويرتفعان
لحظات فقط حتى بدأت تدخل جوف النوم ...
شعرت بـ رائحة قوية شذية تقتحم انفها
رائحة جعلت قلبها يخفق اشد من ذي قبل رغم انها ما تزال مغمضةَ العينين وفي طور النعاس
فكرت .... لابد وانها تحلم
لابد ان طيف سهيل الحائم حولها جعلها تستشعر بأقل الأمور المرتبطة به
رن هاتفها رنتين .... وسكت .... فـ نهضت فجأة وكانت تتعرق رغم برودة الغرفة
استلت هاتفها لترى رسالة تأتيها بعد المكالمة "ذات الرقم المجهول"
فتحتها بقلب يرتعد من الخوف ... خوف لا تعلم مصدره
"روّاس ..... تخليني ارقد بـ حظنج ...؟ ولا كبرنا خلاص وما عاد الحظن يوسع ؟"
روّاس
روّاااااااااااس
من كان يناديها قبلاً بـ "روّاس" عندما يريد اغاظتها ســـــــــــــواه !!!!
سقط منها الهاتف بعنف وهي تكتم صرخة الهلع العاصف
كما بدأت تتساقط دموعها وهي تتلفت حولها وتبحث عن شيء غير مرئي
لتنهض من سريرها وتخرج مهرولة بجسدها الضعيف المتعب
متبعثرة .. حائرة .. وخائفة
توقفت
فـ توقف الزمان والمكان عند اشرعة النظرات
توقف الحاضر قبل الماضي عند حمم الانفاس والجنبات
توقفت السماوات هديراً لتتوقف الأرض صامدة امام مهالك القلوب وعذابات الأرواح المشتاقة المحرومة !
فـ كان سهيل يقف على آخر رصيفٍ ثابت من ارصفة الظنون والضحكات والعتب ومرارة الانكسارات
وكــأن الأرض قــد قبّلتـــه نجمـــاً ...... وجبــــلاً ...... وصخـــراً
قبّلته صبيـــــاً ..... ورجـــلاً ..... ومحــــارباً
،,
أمريكا – فلوريدا
مساءاً
لم تفهم ما جرى ... مجرد اتصال وجيز من قسم الطوارئ في المستشفى اعلمها ان قريبها "كما قالوا" قد تعثرت قدماه على الشارع ولولا ان السيارات كانت تسير وقتها بسرعة معقولة واستطاعوا التوقف في الوقت المناسب ...... لكان الآن في عداد الموتى !
لبست حجابها بسرعة وذهبت لتراه .... رغم انها حاقدة عليه وغاضبة ومجروحة
لكنها طيلة الدرب وهي تدعو الله لأجله وتتعثر خفقاتها ارتباكاً لمجرد التفكير ان مكروهاً قد أصابه
بعد عشر دقائق كانت تمشي في الرواق وتتلفت يمنةً ويسرة تبحث عن رقم غرفة العلاج
قبل ان تشهق مرعوبة وهي تصطدم بأحدهم
لتراه .... ترى المجرم بأم عيناها
ارتد جسدها للخلف تريد إخفاء وجهها والهرولة بعيداً
لكن يده كانت السبّاقة
امسك معصمها ... بعينان فاحصتان محدقتان بحدة ... وتساؤل مستغرب خرج من فمه: يا فتاة
ارفعي وجهك
دفعته بقوة وهي تستنجد بصوت مختنق
هو ومن شدة وقاحته كان يريد نزع الحجاب عنها ورفع وجهها ليتأكد مما يظنه
ذلك اليوم كان ثملاً وخُيِّل له انه رأى فتاة ما تشبه تلك الماكرة التي شهدت على جريمته .. لكن اليوم هو متيقظ ويستطيع تمييز الوجوه من حوله بوضوح
وقبل ان يفعلها وينزع الحجاب كان احد رجال طاقم الأمن يوقفه بصرامة .... وشخص آخر يجر الفتاة من كتفها ويخبئها خلف ظهره
وقف منصور امامه ند بـ ند وهو يقول بصوت غليظ قاسي: ماذا تريد من زوجتي ؟!
اتسعت عينا الرجل وهو يحاول رؤية الفتاة هنا او هناك لكن لم يستطع: ا ا اريد فقط التأكـ...
هدر منصور بشراسة: قلت ماذا تريد من زوووووجتي !!!!!
: لا ... لا شيء ...
فولاهم ظهره وهرع خارجاً وكأنه يشعر ان اعين تتربص به
ولم تكذب احاسيسه ... فـ جهاز الامن كان حقاً يترقب خروجه بعد ان كان الضباط يراقبون تحركاته منذ ساعة يريدون القاء القبض عليه
هي .. ومن شدة رعبها .. لم تسمع الحوار الذي جرى بين منصور والمجرم .... كانت تتمسك بقميص الاول من الخلف وتبكي مرتعشة ... ناسيةً المكان والزمان
نزع منصور نفسه منها بهدوء وهو يقول مخفياً الكثير والكثير من ارتباكات روحه وتخبطاته: لا تخافين نارة ... الامن برع يترياه .. من دقايق الضابط كلمني وخبرني انه هني في نفس المستشفى .. ويتريونه
فأردف وهو يخفض رأسه ويتأمل وجهها المحتقن: انتي بخير ؟
قالت بلعثمة ... بعيناها المتلألئتان بالدموع: يـ يعني خـ خلاص ... مـ ما بيجتلني ؟؟؟
رغم توهان روحه من الصورة التي رآها منذ سويعات ... الا انه تأثر مما سمعه .... ولـ كَم اثارت كلماتها الهلعة عواطفه الرجولية ...... ورغبته الحقيقية في حمايتها
ومحو نظرة الخوف من عيناها ....
قال وهو يهز رأسه بالرفض: باذن الله لا ... لا تخافين ... انا معاج ... وضي معاج
فانفجرت باكية وهي تمسك بارتعاش طرف جاكيته المتدلي .... تستنجد الظهر والأمان والطمأنينة
تستنجد سنين جاعت فيه للحنان .... والدفئ ..... والاحتواء ......
: ا ا انت ... بخير ؟؟؟ شو فيك ؟؟؟؟ شو صار ؟؟؟
غضن جبينه وهو يتوجع صمتاً من قدمه الملفوفة اثر تعثره العنيف في الشارع
رباه ..... ما زال تحت صدمته المدمرة .. لا يصدق .... لا يصدق
ولا يستطيع الا ان يكذّب عيناه حتى يرى الشخص بنفسه
وجهاً لوجه ...
قلبه يخفق بشكل هستيري كلما تذكر تقاسيم وجهه .. وعيناه .... وكل ما فيه ....
لذلك قرر الجنــــــون ذاته .. بعد ان فكر ملياً بما عليه فعله خلال السويعات الماضية وحده ....!
ان عاد للبلاد ... فـ سيعود بـ خطة جديدة ... وصورة يكونها لنفسه وابنته .... ولـ نارة
صورة عائلية مرتبة نظيفة لامعة لا تشوبها شائبة ...
نظرته السابقة كانت خاطئة .... وقلقه من تخبطه ومن منصور القديم لا يوجد منها فائدة
لن يعود بـ فوضاه ... وتعثراته .... واخطاءه .... لن يعود الا بـ منصور "الرجل الجديد"
وحينها ...... سيبدأ بالبحث بطرقه الخاصة عن كل ما هو متعلق بذلك الرجل
في بلاده لديه من الوسائل المتاحة والقدرة والمكانة الاجتماعية ما يساعدونه في الوصول لكل امر يبحث عنه
حسناً يا نارة ..... يبدو ان ما طلبتِه ..... هو الصحيح والمعقول في النهاية !
،,
ابوظبي
قبل ساعتين تحديداً
اتصل به صديقه محمد يعلمه ان المخبر الذي وضعه لأجله اعلمه منذ سويعات ان هزاع وعمته الكبيرة ريسه ينبشون الماضي
وما ادراك ما الماضي !
تلك المسكه الفواحة ..... لم يعلم انها هي من ستكون المفتاح !
محمد: راقبنا تلفوناتهم ... غير ان أجهزة المراقبة اللي حطيناها في مواتر عيال حامد بن صياح حمايةً لهم من عصابة الادوية
فادتنا بشكل ما تتخيله ..
بعد صمت وجيز ....... قال لـ صديقه محمد بـ نبرة خاوية: يمكن يه الوقت اني ألتقي بها يا محمد
محمد: انا ماشوف فايده من انك تتريا زود
ليكمل بنبرة صادقة نقية: تشافى يا خويه .... تشافى من جروحك باللي تقدر عليه ... العمر يمضي ... والسنين تمر ..... وانت تستاهل ترتاح عقب العنا والتعب ...
الآن .....
سقط على ركبتيه امام ساقيها المرتجفتان ... متواجهان في الرواق
بعيدان عن مسمع الجد الراقد في عالم آخر
ويراها .... ويريد احتضانها .... لكنه عاجز
يريد لملمة رائحتها العطرة القابعة منذ سنين في انفه ... لكنه عاجز
يريد محو المسافات القصيرة بينهما .... ومحو الألم المتجسد على هيئة الفراق
لكنه عاجز
ظل يتأملها بعيناه المثقلتان بالوجع .... بعيناه الشبيهتان بعينا ابيه وجده ..... بلا كلمة واحدة
حتى وضع الرحمن القوة في قلبها هي
لتتقدم نحوه
بدموعها المتناحرة على خديها ..... بكل الذهول والهلع والهستيرية في نبضاتها
لتسقط مثله ..... على ركبتيها امامه
تحدق به بنواح خافت مختنق ... بشهقات مكتومة متوجعة
لن تغامر وتوقظ والدها بعويلها ... لن تغامر والا ستفقده هو الآخر من هول صدمته
قرّبت صدرها منه .... ببطئ ..... وهي ترفع يدها
هي لا تحلم
اكيد لا تحلم
ولو كان حلماً .... فلا توقظني منه يا رب العباد
لا توقظني
لكن عندما شعرت بحرارة بشرته على باطن كفها
خرج نواح أليم من باطن حنجرتها
نواح كتمته وهي تصفع وجهها ...... لتضعه بعدها على الأرض
تكتم عويلها بالأرض
على من ظنته تحت الأرض
يبكي جوراً على من هم فوق الأرض !
رفع رأسها ..... ليدفنها في صدره ..... ثم اخذ يهدهدها كـ هدهدة الأطفال .... يريدها ان تهدأ
يريد لـ تشنجات جسدها المتتالية ان تهدأ
ما ان احس بانها بدأت شيئاً فشيئاً تهدأ وتستكين .... حتى قال بـ صوت اجش متحشرج:
انا هو .... انا سهيل ..... سهيل عمرج مثل ما كنتي تزقريني دوم
امسكت بكتفيه وهي تنوح بكتمان .... تنوح نواحاً لا يسمعه سواهما ..
عاجزة عن الكلام
عاجزة عن السؤال
عاجزة عن كل شيء
رفع يديها وقبلهما بشدة
قبلةً بعد قبلة
بأنفاسه المتلاحقة الهادرة
ثم وضع رأسه في حضنها .... وهو يدمدم بكل اوجاع البشر: اشتقتلج
اشتقتلج كثر سنين الغربة وزود
انغمس برائحتها العبقة وهو يشد من احتضانها .. فـ تذكر "نـــــورته"
ليغمغم بـ عذاب مرير: شفتها ... شفت الغااااالية .... وليتني قدرت احظنها شرات ما انا حاظنج الحينه
اشتد نحيبها وهي تفهم ما عناه ... فـ اشتدت معه تشنجات جسدها الضئيل ..
آهٍ يا نورة
آهٍ يا صديقة الروح
لتسمعه يكمل بصوته المختنق البعيد جداً ... السحيق جداً ..... وكأنه في عالم آخر ....... آخر جداً: آآآخخ ... يا شيب عيني من شوفت نورة .... ويا ويل حالي وفواااااادي ...
مت وحييت يا امايه ... مت وحييت ... ويعلني ما اموت الا في ثبانها
،,
بعد نصف ساعة
تتلمس شعره المعتم بعد ان سقطت عصامته عن رأسه
ناعم كما هو
غليظ كما عهدته
مرتب انيق كما عادته دوماً
تحملق باندهاش مؤلم بـ تقاسيم وجهه وتفاصيل جسده الذي ومن شدة استنزافه المشاعر ظل يتوسد أرض الرواق
تساقطت دموعها مغمغمةً بمشاعر مثقلة حارة وهي تلاحظ ازدياد طوله وعرض جسده:
صليت بك على النبي صليت بك على النبي ... يا ويلي عليك ويلاه يا حبيبي
وين كنت كل هالسنين وين ؟
شو كان حالك ؟ شو كانت دنياك يا ولديه ؟
نائماً نوماً عميقاً
عميقاً جداً
وكأنه اخيراً وصل لملاذه
وصل لنقطة الارتواء بعد الضمأ
لحظات
حتى انتفضت مكانها وهي تسمع نداء ابيها لها
نداء خرج اخيراً وبعد أسابيع من الصمت الذاتي
من شدة ارتباكها مسكت كتف سهيل بقوة .... ليستيقظ مفزوعاً وهو يشهق بصوت غليظ سحيق:
حبيبي آسفة والله ... ادخل حجرتي ارقد خلني اشوف يدك شو يبا
تساءل بنظرة ضبابية تائهة: يدي ........ صياح ؟
غطت ثمها بيدها وهي تكتم شهقة باكية كادت تفلت منها
نظرته أليمة
أليمة ومكسورة ومجروحة بألف قطعة زجاج سامة
اجل
صياح
حبيبك وغريمك
عيناك وخصيمك امام الله ان لم تظهر الحقيقة
هزت رأسها بلوعة وقالت: هي يدك يا حبيب عمري انته ... دش داخل وانا بييك .. ما بتحيّر
وقف على ساقيه وهو يقول بوجه محتقن شاحب: لا امايه ناش انا ... لازم اروح
: وين يا حبيبي وين بترووووح ما شبعت من شووووفتك
دخيلك لا تخليني بعدني مب مصدقة انك هني جدام عييييني
لثم كفيها وهو يهتف بأجش: راجع ان شاء الله لا تحاتين ... انتي سيري شوفي يدي شو يبا وانا بتوكل
تشبثت به تريد ابقاءه .. تريد التنعم بعيناه ومرآه ... ما زالت تراه حلماً
كرر وعده .... يريد لقلبها الطمأنينة/السلام: باذن الله راجع يا امايه .. لا تخافين
مسّد ظهرها بحنيّة بالغة .... ثم رحل
ما ان اصبح خارجاً
حتى فتح فمه يريد التقاط انفاسه الهاربة
لم يكن يظن ان الوجع ماكن حتى عاد
لم يكن يعتقد ان الشوق مدمر حتى لمست قدماه ارض الوطن
ماضٍ يتحدث
احدى ضواحي هولندا
اقتربت منه ريكا وهي تشعر بالسوء اتجاهه
صحيح في البداية كانت مكرهة على ابقاءه بجانبها وجانب ولدها
ولولا صرة الذهب الخالص الذي أعطاها إياها ذلك الرجل لتبقي سهيل قربها بعيداً عن اعين القبيلة .... لما وافقت
لكن عندما اكتشفت إصابته بفقدان الذاكرة
رغماً عنها ضعف قلبها نحوه
وكذبت عليه مدعيةً انها والدته
ناولته صحن الحساء وهي تقول بعربيتها المكسرة: اشرب يا سهيل هالشوربة ... وايد زينة حقك
هز رأسه رافضاً وهو يتوجع من ألم رأسه .... ثم بحث بعيناه عن الشخص الوحيد الذي يرتاح بقربه
شخص يشعر .... رغم فقدانه الذاكرة ... انه جزء منه
عكس ريكا
ليهتف بعدها بخشونة: وين آرنود ؟
قالت ريكا بحزن: ما ائرف .. من الصبح تلئ وما رجئ
صاير ما يتكلم وايد ... انا خصوصا ما يتكلم مئاي الا اذا في شي ضروري
انا خايفة عليه وايد يا سهيل
بالطبع لم يكن بوضع يسمح ان يتحاور مع احد او يعطيه حلولاً اسرية
رمقها بنظرة خاوية وعاد ليشاهد الحمَام الواقف على نافذة الغرفة
بعد تفكير في عالم لا يعلم بماهيته سوى الله
التفت نحوها رامقاً إياها بنظرة صيّاحية ... ليقول بعدها بتوجس: انا اعربي ؟ اقصد اعربي اباً عن جد ؟
ولا شو ؟
اربكتها نظرته لكنها قالت بسرعة مؤكدة: بالتأكيد انت ئربي يا ولدي وإماراتي ..... ليش تسأل ؟
: شو اسمي الكامل ؟ انتي قلتيلي ان اسم أبويه احمد
ارتبكت ..... لكنها ابتلعت ريقها وسألته بعفوية ظاهرية: ما شفت جوازك ؟
صرخ وهو يكاد ينفجر مما يمر فيه من حيرة وخوف ونسيان وضياع: شفت شفت .... بس الاسم هذا ماعرفه .. ما ذكره .. ماذكر منو انا ... ماذكر ابويه احمد .. ماذكر يدي صيااااح
وينهم ؟؟
وليش ما اتذكرج ؟؟؟ ليش ما اتذكر ارنود ؟؟؟؟
أخذت تهدئه بالإنجليزية جراء شعورها الباطني بالتوتر الشديد: اهدأ يا ولدي اهدأ ... فقدانك للذاكرة بسبب حادث السيارة سيكون ان شاء الله مؤقتاً فلا تقلق
أما بخصوص جدك فلا اعلم .. لكن وكما قلت لك سابقاً والدك قد توفي وانا اضطررت إلى العودة إلى بلدي ... إلى هولندا
معكما
انت وآرنود
ربتت على كتفه واردفت: يجب عليك تهدئة نفسك يا سهيل ارجوك
قال بنظرة فيها التشكك والاتهام: ليش اخويه اسمه ارنود ؟؟
تلعثمت وهي تجيب بعربيتها المكسرة: ا ا ..... اسمه ناصر أصلا ... بس انا اناديه ارنود
: ليش شمعنى ؟؟؟
: ا ا .... لانه ..... لانه يشبه بابااا وايد .. عشان جي انا اناديه باسمه
ظل يرمقها بعيناه الحادتان
ثم قال: ليش في المطار طلبتي مني اسكت اذا حد وجهلي سؤال ؟؟
ارتخت كتفيها وهي تشعر بضعفها يتصاعد امام اسئلته المستمرة وتشككه الذي لم يتوقف منذ استرداده الوعي قبل سفرهم بأيام قليلة
ماذا تجيبه بحق الله ؟
انها كانت خائفة ان يتفوه بكلمة تؤدي بها/ولدها للسجن ؟
فهي كانت فعلياً تحاول اخراج الشاب من بلاده وهو في حالة شبه فقدان وعي ... فقدان عقلي وادراكي ان صح التعبير .... لذلك رجته السكوت تحت وطأة نظراته المتوترة المليئة بالأعياء والتعب
ردت بلسانها المكسر: ئزيزي سهيل الاسئلة كانت بتئبك زيااادة
انت كنت محتاج هدوء وريلاااكس
قاطعها وهو يكز على اسنانه: ابا ارنود .. مادري ناصر ....... اباه الحينه
هزت رأسها بتفهم وقالت: اوكي يا ولدي .. بتصل فيه بقوله ايي .... وانت خلك ريلاكس .... البيت هذا بيت بابا القديم
مرتب ونظيف وفيه كل شي .... تكدر تسوي اللي تباه ئزيزي سهيل
اومىء برأسه كيفما كان .... وآثر الصمت بـ كتم ما فيه من ضيق ..... لتخرج هي لتنهي بعض الاعمال المنزلية المتراكمة
ظل على حالته
حالة الصمت والجمود وخواء الروح
لكن كل بضعة دقائق كان يصم اذنيه بيداه بشكل خائف مرتعد
تقتحم مسامعه اصوات وصراخات
يسمع من مكان ما نحيب امرأة يكاد يقتلع قلبه من شدة لوعته وعذابه
قبض يسار صدره والاختناق يداهمه ..
ليشهق بعدها بقوة يريد سرقة كل نسمة هواء تسير امام انفه وثغره
يالله
رحمتــــــــك
حاضرٌ يتحدث
استفاق من ذكراه المعتمة ...... على صوت هاتفه
ما ان استله حتى اتاه صوت أحد توأميه: باباااااا اين انت ؟؟؟
ابتسم بـ حنان فيّاض ...... وهتف له بالهولندية: ألم تنم بعد يا آدم ؟
نهـــاية الفصـــل العشــــرون
|