السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخباركن يا جميلات ؟
شعلومكن ؟
ممممممممممممممممم الفصل هذا فصل دسم بجميع المقاييس
فصل طال انتظاره ( نمبر ون)
لأن في فصل قادم ان شاء الله (بعد طال انتظاره)
أتمنى
أتمنى
أتمنى
كل متابعة تحط تعليقها
واللي بتحط تعليق حابة جداً جداً تشمل جميع الشخصيات بتعليقها
انتو اهل الكرم ونحن نستحقه
ووووشكراً للجميع
شكراً لـ صديقاتي المقربات
وشكراً جزيلاً لـ فيتامين سي ... يعطيها العافية على مجهودها المستمر معاي ..
،,
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
،,
الفصــل الثامــن عشــر
الاثنان يقودان بسرعة جنونية ..... ولم يكن ليفعلاها لولا فراغ الشارع تقريباً
قهقه هزاع بنشوة شاعراً ان بعض مما يعتمل روحه المتوترة قد خف حقاً ... ليقرر انهاء السباق بأن ينزل نافذته ويلوح للرجل مسلماً عليه ويعود للمنزل
ما ان فعلها وانزل النافذة حتى فعل الآخر نفس الحركة وانزل نافذته
لكن الآخر قد انزل نافذته رغبةً منه ان يتحدث مع هزاع لا ان يتركه ويرحل
تصلبت حواس هزاع بدهشة شابها ...... الغضب العارم !
ليدعس على بنزين سيارته بدعسةٍ اقوى ... ويتقدم محمد مجبراً الأخير على التوقف عند اقرب موقف جانبي على الطريق العام ....
رمى طرفي شماغه كيفما كان فوق رأسه ونزل بسرعة
ما ان خرج محمد لملاقاته حتى وقف هزاع امامه وجهاً لوجه
صدراً بصدر .. ليهدر من بين أنفاسه المتلاحقة:
الأولى عديتها بمزاجي
لكن هالمرة ما اعديها وانا هزااااع
قال محمد بصوت هادئ متمكن: قول اللي في خاطرك .. لكن تأكد اني ييتك اليوم في موضوع ثاني غير عن اللي يدور في راسك
كان يريد نطقها .... ان يسأله ... اين سهيل ؟؟
ان كنت لا تعرفه ... فـ من اين اتيت بالخنجر ذلك !!
لكن الأسئلة توقفت بحلقه ما ان اخرج محمد بطاقته ورفعها امام ناظر هزاع
ليقرأ الاسم على الفور
كز على اسنانه داخل فكيه المطبقين
أفكار اشتعلت به .... وهاجت وماجت في روحه .... اهذا الذي تحدثت عنه روزة !!!
على عكس ما توقعه محمد
ظل هزاع صامتاً يرمقه من بين ظلال اهدابه بغموض
قبل ان يتراجع قليلاً ويقول عاقداً ذراعيه امام صدره: عيل انت ولد الامام عبدالكريم
لم يقل "الملازم اول محمد عبدالكريم"
بل جرده من مهنته التي يفتخر بها
وألصقه بـ آخر اسم يرغب بالتفاخر به !
ليبتسم محمد ابتسامة لم تتجاوز حدود عيناه وقال: هيه نعم
قال هزاع يرخي ذراعيه ويفرد صدره بحركة رجولية خرجت لا ارادية:
والنعم
ليردف يرمقه من أعلاه الى اسفله: من باب التقدير لازم أشكرك على اللي سويته مع ختيه في الغربة
قبل ان ينطق محمد المذهول من معرفة هزاع بما حصل
جره هزاع بقهر الرجال حتى اصطدم كتفه بكتف محمد العضلي وقال كازاً على اسنانه قرب أذنه:
يا غير في خاطري اكسر فچك الحينه اخلي ضروسك يترابعن عند ريلك
اخفض محمد عيناه غير راغباً البتة بإبداء أي حركة هجومية منه
لا لشيء
فقط لأنه يتفهم ما يمر به هزاع
همّ يريد توضيح كل القصة له
لكن على ما يبدو هو يعلم ! .... فـ كيف عرف إذن هويته إذ لم تكن قد أخبرته روزه بذلك !
لكنه لا يعلم ممَ هو غاضب ؟
هل من قصة سيريلانكا أو من قصة ضرب ربيع لها بسبب الاتصال ؟
قاطع هزاع أفكاره وهو يتراجع بتكشيرة مفترسة:
من باب أولى نحن يا اخوانها نعرف قبل أي حد بسالفة الجلاب اللي يبون لها ولولدها الاذية .. لو نحن نعرف جان من الأساس ما خليناها تسافر روحها مع خالها الصغير وولدها
ومن باب اولى يا حظرة الملازم محمد إذا عندك شي تقوله حق ختيه تتصل حق ريلها ولا ابوها ولا خوانها
وحتى لو ما بغيت حد يعرف
اضعف الإيمان تتصل الصبح ومن مكتبك
على الأقل الاتصال يكون بـ صفة رسمية مسجلة
هذا إذا كنت متصل ليلتها عسب القضية اللي متورط فيها ربيّع ولد عمي
صمت يتأمله ... يتأمل نظرة آل صياح بمقلتاه
كلهم سواسية
ذات نظرة "الـ أنا والـ نحن والـ كنا"
ذات نظرة تمجيد الذات
حرك فكه بفم مطبق .... يدرس بتأني ما سيتفوه به ..... الى ان قال وهو يحافظ على ثبات نظرته وصوته البارد:
اذا عطيتني المجال ارمس ... بقولك
: اسمعك
مد محمد ذراعه اليمنى بحركة دعوة .... نحو الحديقة العامة التي بقرب الشارع العمومي
وقال: تعال ... نروم نرمس ونحن نتمشى
تقدم هزاع محمد بصمت وسارا باتجاه الحديقة الساكنة الهادئة في هذا الوقت من المساء
محمد بنبرة ثابتة متزنة: بخصوص ان نحن ما قلنا لحد عن سالفة ربيع فـ هذا لأننا ما مسكنا كل الدلايل عليه الى الآن
وبأمر من المسؤول عن القضية .. سافرت ورا اختك من غير ما نحذرها ولا نحذركم قبلها
المسؤول فضّل هالشي عسب هم نفسهم ما يحسون بشي غلط حولهم ولا يشكون ان التحريات تلاحقهم
رفس حصوات صغار امام قدميه ..... واكمل ... بصوت هادئ تماماً تخلله بعض المقاصد الكاذبة .. لا لأجله ... انما فقط حفاظاً على سمعة روزة:
ورداّ على تشكيكك المسبق ... بالفعل كنت متصل بـ ام حامد عسب القضية .... ما اتصلت يومها من مكتبي لان اساساً المركز بكبره في مرحلة انتقال من مبنى لمبنى ثاني ..
تحت وطأة صمت هزاع المستمر وكأنه يطالبه ان يواصل الحديث ...... اكمل وهو يهز كتفيه:
اذا وقتك يسمح ... بخبرك منو هالرياييل وشو علاقة ربيع معاهم .. وشو الاعمال اللي يديرونها ... اذا حاب طبعاً
قال بحاجبان معقودان: طبعا حاب اعرف
اومئ محمد رأسه بمهنية .. وهتف:
يتاجرون بأدوية منتهية الصلاحية عبر مشاهير وحسابات وهمية في مواقع التواصل الاجتماعي
غير التجارة ببضائع ممنوعة وغير مرخصة وبعضها ادوية منع حمل وادوية اجهاض والقايمة تطول
الشبكة هاي كبيرة حد انها واصلة باعضائها الهند وباكستان وايران وتركيا لكن نحن نبا نحصر عدد الاعضاء المتواجدين حالياً في الامارات ونعرف منو يرأسهم
وللاسف اقولها لك
ربيع احد اهم المتعاونين مع هالمجموعة
ما بقول عضو معاهم ... لكن متعاون ... يجلب لهم زباين من حريم سواء معرسات او مطلقات او مراهقات او خادمات بيوت او عاملات مراكز تجميلية ... وفهمك كفاية
سُحب الدم من وجه هزاع من اثر الصدمة ..... والخزي !
كان يعلم بمدى رداءة اخلاق ابن عمه ... لكن ان يتمادى ويدخل في اعمال مقرفة كتلك !
اكمل محمد: طبعا الديون تراكمت عليه خصوصاً انه كان ياخذ من بعض الاعضاء خمر وادوية اجهاض وافلام اباحية من غير ما يدفع لهم ويبيعها على العمالة الاسيوية والافريقية بمبالغ مضاعفة
رفع يده نحو هزاع الذي ازداد وجهه احتقاناً من الحرج/العار ... وقال: وقبل ما تقول شي .. احقاقاً للحق لا اكثر ... ربيّع ودّر هالامور من فترة تتعدا السنة ونص بس اللي يطالبونه بالفلوس مو ناويين يهدونه ... ونحن بدورنا نبا نطيح بالشبكة كلها بواسطة ربيع
رفع هزاع حاجباً وقال ساخراً: ربعك ما عطوك خبر انه الحينه في مركز العاصمة يحققون وياه .. وان نحن مب ناويين نتنازل عن حق اختنا
توقف محمد واضعاً يداه خلف ظهره وقال برسمية بالغة: عندي علم ... حمايةً لهلك كنا مراقبين بيوتكم من يوم استلمنا القضية ..
اكمل وهو يتأمل عن قرب ازهار الحديقة الزاهية والتي ظهرت ألوانها الحلوة من تحت أضواء الانارات الخافتة: انا وايد آسف يا بوعبدالله على اللي صار
ربي الشاهد اني ابد ما نويت اضر اختكم ولا اضر بسمعتها ولا....
زفر هزاع بضيق ... وقال يستهزأ بما آلت إليه الأمور .... ويرثي حال اخته الكبيرة: ولا بزواجها ... بديهي ما بخلي ختيه اتم على ذمته عقب اللي صار فيها .. حتى لو انه ولد عمي
انصدم ... بل صعق ... لكنه حافظ على صلابة وجهه ليكمل هزاع بتكشيرة مشمئزة:
الخسيس
التفت لـ محمد واكمل بعصبية: بس اذا هو محجوز في المركز معناته مسار التحقيق عندكم بيتلخبط
هز محمد رأسه وكلمات هزاع السابقة ما زالت ترن رناً بعقله ... ثم اجاب:
هاي هي المشكلة يا بوعبدالله
للأسف انتو مضطرين حالياً تتنازلون عن قضية في سبيل قضية اهم واخطر
قضية تمس عيالنا وبناتنا في البلاد
هز هزاع رأسه بتفهم وقال: طبعاً ما فيها شك
كرر اعتذاره .. وهو الذي لم يتعود على هذا ابداً ... لكن على ما يبدو ان الورد هذّب من حدة الصخر ... هذّبه وطوّعه:
السموحة يا بوعبدالله ... العذر والسموحة ما قصدت ابد اسبب لكم ولاختكم المشاكل
تنهد هزاع باستياء شديد .. وقال: الصدق ينقال يا محمد ... الغلطة كلها من ربيّع ولا انت كفيت ووفيت
اديت عملك المطلوب منك لا اكثر ... وفوقها صنت اختنا وحافظت عليها من عيال الحرام ... زيادةً على ذلك اتصلت بريلها اييها سيريلانكا يجابلها مع ان هو ساس البلا ... بيض الله ويهك ورحم الله والديك ..
اخفض عيناه خجلاً من ذاته ... لو علم فقط هزاع بما كان يحلم به ليلة اتصاله بها
لو علم فقط !
عادا لحيث اوقفا سيارتهما ...... ليصافح هزاع محمد بسرعة قائلاً باقتضاب: بتوكل الحينه انا يا محمد
وماوصيك ... أي شي يستجد بموضوع ربيع أبا يكون عندي علم به ..
اومئ محمد برأسه ... وانطلقا مفترقين ... الا ان هزاع ناداه قبل ان يدخل السيارة: محمد
وقف محمد هاتفاً بعفوية: لبيه
خدشه بنظرة معتمة وقال: ترى ما نسيت سالفة الخنير
رفع جانب شفته بشبه ابتسامة واكمل: بس بأجلها شوي يلين تخلص سالفة ربيّع
بادله محمد ذات الابتسامة بلا أي تعليق .. ثم دخل سيارته
،,
كيب تاون - جنوب افريقيا
اغلق عيناه بقوة وهو يختبىء خلف الشجرة الكبيرة .. واقف كـ ورقة خريفية مهترئة ... ترتعش يمنةً ويسرة مع الرياح الشديدة
ويتأملها كيف تقف خارجاً وتتحدث بهاتفها بـ عبوسها العفوي ورسمية تعابيرها ..
يالله كم هي جميلة
جميلة حد ان الليمون يزهر احتفاءاً بها
كـ الزهر العذري هي
ولا تعرف الليمونية هذه كم تعذّب بحبها
بصمت
بخشوع ساجد
بعذاب متضرع
ماضٍ يتحدث
تأوه بغلظة وهو يتعثر بسبب صخرة كانت امام قدميه ولم يرها
كيف يراها في هذه الليلة شديدةَ السواد
شديدةَ الاضطراب
شديدةَ الرعب
: سهيييل
انت هنييييه ؟
كتم أنفاسه بقوة .... بهلع
قبض على يمينه شاعراً بسكين الخيانة ينهشه شيئاً فـ شيئاً
بأنفاسه الحبيسة في صدره ... ركض بسرعة قبل ان تنزل من قمة الجبل وتراه آهٍ لو يستطيع رؤيتها الآن ... آهٍ لو يستطيع
: سهيييييييييييل
اغمض عيناه بارتعاش وانفاسه مع مرور الوقت تضيق وتضطرب
: سـ سهييييـ
ثم صرخت وهي تسقط بقوة على الأرض اثر نزولها السريع من القمة
هذا آخر عهده بها
لم يتمكن من رؤيتها
لم يتمكن من انقاذها
ولم يتمكن من حبس همسها المتلهف/اليائس في روحه
هي اختفت في الظلام ... وهو هرب ليختفي في ظلمات مستقبله الضائع !
جرى .... وجرى ..... حتى شعر انه لوهلة قد أضاع طريقه وسط الظلام .... أراد العودة لوالدته
فجأة استوقفه ذاك المشهد الغريب
مشهد رجال القبيلة وهم يتصايحون محاولين منع منصور من الاقتراب من الجسد المغطى
ومنظرهم المخيف وهم يحملون الأخير ويرمونه في النار بلا اية رحمة
من هول المنظر .... شهق بـ اختناق حتى شعر بقلبه يكاد يتوقف فعلياً
ثم سقط مغمى عليه !
بعد ربع ساعة واكثر قليلاً .... وقف وهو يترنح بعينان جاحظتان ويسمع امه تحادث شخصاً ما على الهاتف: اجل انا ريكا
ثم اردفت بعربية مكسرة: انت وين الهين !!!
لازم نتلع من هاي المكان ونروه دوباي
..
: اوكي اوكي بسرعة
أغلقت الخط بحدة ... لتقترب من ابنها وتصفعه بقوة .... ثم صرخت به غاضبة بلغتها الام: استيقظظظظ .... استيقظ من بَلادتك يا معتووووه
لدينا المال الآاااان ....
لتضيف بعربيتها المكسرة:
بنتلع الهمدلله اكيراً من هاي المكان الفكير اللي كلو رمل ووسخ وصهراء
جرت الجسد الهامد .. لتضيف من بين اسنانها بلسانها الحقيقي:
هيا بني .... هيا ..... لا تظل واقفاً هكذا كالابله
لكن ابنها لا يستجيب !
واقف مبهت الوجه يرتعد بجنون .... وجهه اصفر كـ صفار الكركم
للتو فقط رآهم يقذفون ذلك الشخص في حفرة النار
ومن فظاعة المنظر لم يرف جفنه الى الان !
في حياته لم يرى مشهداً مروعاً كذلك المشهد !
وكأنه دخل فجاة غابة بدائية مجهولة في اقصى بقاع الأرض
ابيضت شفتاه رعباً
قال بصوت مرتجف ... متقطع ... جاهلاً انه يعاني الآن من التبول اللارادي: انتي ..... انتي متاكدة ........ انه هو !!!
هدرت مؤكدة بجنون: ايوااا ايوااااا
دفعته وهي تستشيط غضباً من حالة الجمود الغريبة لتصرخ:
استيقظ يا فتى وساعدني ما بك !!!
حاول ان تخرج من حالة الرعب هذه .... الضعف لن يفيدك صدقني
هياااا
دفعته مرة أخرى .... بحالته المتدمرة ..... وأخذ يساعد أمه برجفات لا تتوقف كي يضعوا الجسد المغطى في المقعد الخلفي من السيارة
حالته كـ حالة من خرج للتو من مشهد يشبه جهنم
هو لا يعرف عذاب جهنم
ولا يريد معرفته
لكن ان كان ما رآه من أشخاص عند الوادي لا يشبهون اباليس وفراعنة جهنم
فماذا يشبهون بحق القيوم ؟
عندما رموا الجسد المغطى في حفرة النار
ظن الشخص حياً يرزق وما زال يتنفس .... فـ انصرع أرضًا كـ قتيل لم يوقظه سوى ماء يُصب عليه بقوة
كانت والدته وشخص آخر كبير في السن
أوقفه الرجل بعنف وهو يصرخ عليه آمرًا اياه مساعدة أمه ...
لم يستوعب ما يقصده الرجل حتى لمح جسد مغطى قرب مجموعة نخيل متراصة
سأل منفجعاً عن الكائن المرمي ارضاً لكن الرجل اخرسه وكرر امره بأن يساعد والدتها بحمل الشاب لداخل السيارة
ولسان حال الرجل يهدر بتحذير وذعر وصل عيان السماء: اشردوا قبل لا ينهشونكم
هاييل ما يرحمووون
ما يرحمووووون
وابتعد الرجل يهرول وكأنه يهرب من واقعه المرير
صاحت والدته موقظةً إياه من أفكاره .... وتحثه على السرعة
وماهي الا لحظات حتى اندفعوا خارجين من بلدة الجحيم كما لقبتها والدته
وهي بحق .... بلدة الجحيم بنظره
بعدها لم يعرف ما حصل
فمن هول ما شاهدته عيناه .... توسل والدته اعطاءه جرعة من المخدر الذي تتناوله كل يوم
وهي ولكي تتخلص من ازعاجه
اعطته حبتان .... ودخل سباتاً عميقاً
لم يستيقظ الا على صراخ أمه صباح اليوم التالي وهي تضربه على وجهه ظناً منها ان مكروهًا حصل له
وهذا الذي حصل بالفعل .. على الأقل شكليًا
ابيضّ شعره من الجذور
وازرقّت شفتاه
وجحظت عيناه
لم يبالي أبدا بشكله المرعب
كان همه ان ينسى ذلك المشهد ... فـ أخذ يطالب أمه باستمرار ان تعطيه المخدر
وكانت تعطيه حتى خافت عليه في يوم من الأيام واوقفته عنه
لينهار عليها متوسلاً إياها الابتعاد عن أي شيء يذكره بالبلدة القديمة ... بلدة الجحيم
حتى رضخت لمطلبه وسافرت معه لوطنها الأم هولندا
هي ... وهو .... والذي انقذوه من الموت !
حاضرٌ يتحدث
: من انت ؟
انتصب جسده صدمةً
تباً .... كيف كشفته !
ظل واقفاً لم يتحرك
حتى فضلت هي التقدم ورؤيته
انزلت النظارة الشمسية من عيناها
وكررت استجوابها بالانجليزية: من انت .. ولما...
انقطعت كلماته وهي تنظر إلى وجهه الآن بقرب ووضوح
وكأن سيول من امطار ديسمبر انجرفت على وادي ابو الجن لتسحق كل من منزل قريب منه حتى الدمار
هذا بالضبط ما شعرت به
سيول سحقت روحها وصدرها بأضلعه وعظامه
لم تستطع الكلام
عجز لسانها عن التمدد والتحرك
هل هو الراحل ؟
ام احد اقرانه الواقفين بين السماء والارض !
لا
لا
لا يمكن
تمعنت به حتى كادت تتعرقل بوقفتها الثابتة
لا
هناك اختلاف
لابد ان هناك اختلاف
اجل
الانف
الوجنتان
حسناً ... هذا يمتلك القليل من ملامح الغرب .. القليل فقط
لا تعرف ما هي ...!
هل شعره الأبيض من أعطاه هذا الشبه من الغَرب !
اقتربت منه وكأنها تدرس خريطة ما في وجهه
ودماغها قد اوقف بشكل مؤقت بث اي مشاعر من اي نوع !
رفعت يدها امام وجهه وكأنها تريد استكشاف لغز بتعابير باهتة جامدة لا تعابير فيها
ليوقفها فقط ابتسامته المُحرجة وهو يحك رأسه من الخلف .... ويقول:
متأسف
سيدتي ... كنت ابحث عن قطتي فقط ...
خرجت من منزلي منذ قليل *اشر نحو منزل صغير جوار منزلها* ولا اعرف اين ذهبت
وتجاوزها مضيفاً بثرثرة: ليتها فقط تموء حتى اعلم اين هي !
ثم توقف ليضيف لـ حرابة المحدقة به على نحو اربكه بحق: ما رأيك ان تبحثي عنها معي ؟؟
تتأمله وهي تردد بداخلها
لا ليس هو
بالتاكيد ليس هو ههههههههههههههه
ترمقه بنظرة باهتة فارغة وقالت على نحو فاجأه ... لم يتوقع هذا الجواب منها !
: حسناً
يسير وهي بجانبه
يحرك راسه باحثاً عن قطته "الوهمية" فتلتقط بعيناها الحادتان كل حركة من ذقنه
عيناها على عينه .... انفه ..... جبينه ...... وشعره الابيض
تخدشه خدشاً بسكين مقلتيها
تريد سبر اغواره
هل هو عربي الاصل ؟ لم لا يكون !!
سألته فجأة بحنكة: شو نوع قطوتك ؟!
فـ توقف مكانه .... ثم قال بعد ثوانٍ بابتسامة لطيفة: ماذا قلتي ؟
رمقته بريبة ..... لتعيد سؤالها بالانجليزية فالحيلة فشلت:
ما نوع قطتك ؟
اجابها برقة: راجدول .. بيضاء ولون رأسها بني وذهبي
قالت حرابة وهي تؤشر بأنفها: حسنا اذهب انت الى اليمين وسأذهب انا لليسار ... البحث سيكون اسهل بهذه الطريقة ..
: اووه كم انتي لطيفة سيدتي .... شكراً على تعاونك معي
هزت رأسها بنظرتها المتمعنة وقالت باختصار: لا داعي
وعندما ولاها ظهره وذهب نحو اتجاهه ..... اسرعت الخطى وهي تخرج هاتفها
توارت قليلاً عن الانظار ثم التقطت له عدة صور من عدة زوايا .... وكلها تركز على رأسه ووجهه وعنقه
بعــــد ساعــــة
كان يجلس على اريكة غرفة المعيشة بشقته الصغيرة
ويزفر براحة
براحة شابها ارهاق وانهاك نفسي خالص !
مجرد رؤيتها وبعد عمر طويل كان بمثابة انهاك خالص كسر حصون مشيدة من صمود وثبات وقوة وعزيمة على النسيان
تنهد بضيق وهو يحمد الله انه استطاع الافلات منها في الوقت المناسب
تباً
يعلم ان ضعفه يوقعه في المآزق بعض الاحيان
الا انك يا ارنود يجب عليك التفريق بين ضعف وضعف
هناك ضعف بسيط لا يضر
وهناك ضعف مُهلك مدمر
ذهبت به ذاكرته للمكالمة التي اجراها مع ابنة خالته قبل اكثر من أسبوع
عندما احس وقتها بابتعادها عن الجميع وانعزالها الغريب
تذكر جيداً ما قالته عندما سألها في لحظة ضعف عن مالكة قلبه
"
: قابلتها ؟
فـ اجابت باقتضاب: نعم
: كيف أصبحت ؟
هتفت بصرامة: اصبحت متزوجة الان يا ارنود .. فلتتماسك قليلاً
: فقط اسأل يا جواهر
تنهدت بخفوت شابه الشفقة ... وقالت: كفاك ارنود كفاك ... ليتك تؤمن انها مجرد هوس بالنسبة لك
هوس يجب العلاج منه
سأل ملتاعاً: هل هناك هوس يمتد لسنوات ؟
اجابته بحدة تريد منه ادراك الوهم الذي يعيشه: اجل ... اجل .... هناك هوس يمتد لقرون ايضاً
استفق يا ارنود ... انت متعلق بـ وهم
الا تعلم من هي حرابة الآن !!! بحق الله وكأنكما قطبي المشرق والمغرب
: اعلم من هي الان كما اعلم من كانت في السابق
هدرت مقهورة على حالته الميؤوس منها: تبا يا ارنود تباً ... انك انت من اقترحت على صديقك الزواج بها الا تتذكر !!
بحق الله .. ظننت انك سرت قدماً بمشاعرك وتغيرت احاسيسك الجنونية اتجاهها
ارجوك ارنود ... ارجوك كفى .. عش حياتك وانظر لمستقبلك
يجب ان تستقر .. يجب ان تتزوج وتكون لك اسرة ومنزل وجو دافىء محب من حولك .... كفاك جرياً خلف النساء تبحث في وجوههن عن وجهها
"
قلب عيناه منهاراً وهو يعود لواقعه بحسرة تنهش عظامه
ما قالته جواهر صحيحاً
لكن ما الحيلة ؟
ما الحيلة مع قلبه يالله ؟
يا ويلات الروح
ان علم غابش ما يكنّه لابنة عمته .... من اصبحت زوجته .... فـ سوف يقتله لا محال ... سيقتلع عيناه من محاجرهما ثم يقتله .....
هو آثم بما يفعله
ومذنب
وحقير
لكن من له السلطان على القلب ودقاته
من ؟
ليت هذا القلب ينصهر ولا يتذكرها
ليته ينقبر تحت التراب ولا يتألم شوقاً لوجهها ....
لقد مات عندما تزوجت
مات داخلياً متسمماً من القهر والغيرة واللوعة
لكن الذي جعله قاسياً مع نفسه هو حقيقة انها في النهاية ستتزوج
ان لم يكن من غابش
فمن غيره ..
في كل الحالات ..... مستحيل ان يكون له امل معها !
،,
هولندا
أعطت الملف لـ معاونتها مارجريتا وقالت بسرعة قبل ان تخرج من مكتبها: عزيزتي مارجريتا ارسلي هذه الأوراق الى السيد ديدريك رجاءاً
مارجرينا بريبة: بدأت اتيقن ان هناك خلاف بينك وبينه اذ انكِ منذ أيام تطالبينني بإرسال الملفات والأوراق له وانتي التي لم تعتادي على ادخال وسيط بينكما ... ما بكِ جوجي اعترفي ؟
مالذي يحصل بينك وبين السيد ديدريك ؟
: اووه مارجريتا لست بمزاج جيد للنقاش وارضاء فضولك الانثوي
الى اللقاء عزيزتي .. اني مستعجلة حقاً ..
وهرعت تخرج من مكتبها بخطوات متلاحقة .... لن تراه .... بل ان تعطيه المجال ليراها
أخطأت عندما ضعفت يومها
أخطأت عندما أظهرت الجانب السيء منها
الجانب الجائع للحب ... المتعطش للدفئ ... التواق للصدر الحاني
الجانب المغرم به هو ولا احد سواه !
استرجعت كلماته تحت وطأة امطار هولندا الشديدة .. استرجعت نظراته وهمساته وقوة الإصرار والهيجان باندفاعه ومطلبه
هل حقاً يريدني .... ام انه يلعب لعبة لست بندٍ لها !
هل يختبرني ؟ هل يختبر مدى قوتي في مواجهته ؟
هل يتحداني ما اذ كنت قادرة على رفضه او لا ؟
بعد ان خرجت من المصعد في الطابق الأرضي .... اتجهت بسرعة نحو البوابة الرئيسية
ليوقفها فجأة صوته القاسي: توقفي
توقفت لكن لم تلتفت إليه
فقال وهو يتجه نحو المصاعد: تعالي معي اريدك في امرٍ هام
ردت وهي تتجه نحو البوابة الرئيسية تريد الخروج: مستعجلة سأذهب
صرخ .. صرخ بقوة حد ان جميع الموظفين المتواجدين في الطابق الأرضي قد بهتوا ذهولاً وخوفاً
وظلوا يحدقون بالاثنان بفضول !
: قلت تعاااااالي ..... ولا تجعلينني اكرر طلبي مررررررتين
رمقته بعينان متسعتان
مصدومة
بل منصعقة !
لأول مرة ترى ديدريك بهذه الهيئة
بل هو لأول مرة يصرخ بـ وجهها !
حتى الخسائر المالية التي تواجهها الشركة بعض الأحيان بطبيعة حال الشركات والمؤسسات حول العالم .. لا تسبب بتقلب مزاجه وتعامله على هذا النحو الغريب !
ما به !
الغريب انها لم ترتعب منه "بالمعنى الدقيق" .... بل ارتعبت لأجله ... وجهه كان مكفهراً شاحباً مرهقاً
ايقنت ان هناك خطباً ما يجري معه .... ما هو لا تعلم !
من مصدره لا تعلم !
تباً .... لن تظل واقفة هكذا كالبلهاء
لحقته بسرعة وهي تدعو الله الا يكون امراً جللاً قد حل بالصغيران ..
في المكتب
اسند ذراعاه على طاولة مكتبه بـ هيئة هجومية وهو يهتف: ما هي اجابتك ؟!
ابتلعت ريقها بتوتر وقالت: على ماذا !!
: لا تتغابي جواهر واجيبيني
استقامت بظهرها شامخة وهي تهتف: ارجوك .. تحدث معي بنبرة اكثر رقياً سيد ديدريك ..
هدر وقد فقد اعصابه تماماً: تباً جواهر تباً .. لا تثيري اكثر استفزاااااازي واخبريني بقرارك الآاااان .... وإلا اقسم ان اختاااار اي فتااااة حتى لو كاااانت انجلينا نفسهاااا .... لأتزوجها واررررحل
طعن قلبها بالصميم ... طعنها وأباح دمها ...
لكن ما جعلها تغض النظر عن الجزء الأول من سمومه هي ...... الكلمة الأخيرة
"ارحل"
لهذا فقط ...... همست محاولةً قدر المستطاع التماسك والصمود بقوة امامه ... محاولةً الا تخدش وجهه الوسيم كالقطط على اهانته لها والتقليل من قدرها وكأنها تُقارن بأي فتاة كانت:
ترحــل ؟ إلــى أيــن ؟
غاضــب
غاضب ومرعــوب ونيران الجحيــــم فيه لا وصف لها ابداً
نيران قابعة في حنايا جوفه ... وأنسجته ...
ولا يعلم متى سينقلب حال بركانه ... وينفجــــــــــر
دفع بقهر أوراقه المتراصة وملفات اعماله حتى سقطت ارضاً ثم أخذ يسير قاطعاً المكتب الضخم فاقداً السيطرة على اعصابه .... وعلى نحو اثار قلقها وريبتها اكثر فـ اكثر
اقتربت منه تحادثه بقلق: ديدريك ما بك ؟ قل لي مالذي حصل وجعلك بهذا الغضب والاشتعال ؟ قل......
زمجر بجنون ........ وهذه المرة بلغة أخرى
لغة تعرفها حرفاً حرفاً ... ولهجةً تتقنها كلمةً كلمة:
مــــوااااااااااااافقة ولا لااااااااااااا !!!!
،,
صباح اليوم التالي
كيب تاون – جنوب افريقيا
تركت حاسوبها المحمول بعد ان شعرت بضيقٍ عارم جرّاء بحثها المطول عن ذلك الرجل
رجل يحمل شبه كبير من سهيل
لم تعرف الا ان اسمه ارنود جورنا
رجل اعمال هولندي عمره في أوائل الثلاثينات ..
عمله الأساسي في احدى اكبر شركات الجرافات البحرية في أوروبا ... شركة نورين الهولندية .... ورئيس مجلس ادارتها هو رجل الاعمال الهولندي ديدريك جورنا ...
حسناً ... لم الشك يا حرابة !!
هو مجرد شبه
لمَ الشك والتوجس والهلع الذي ليس له داعي !
أمجنونة انتي حد انكِ تعتقدين انه سهيل !
بحق الله .... سهيل مات
رُمِيَ امامك في النار
جنون ما تفكرين به يا حرابة .... جنون وغباء وهلوسة شوق لا اكثر ...
دفعت حاسوبها المحمول بعيداً عنها وهي تستغفر الله بخفوت شاعرةً برغبة عارمة بالتحدث مع مديه ...
علها تستطيع تخفيف بعض الضيق والتوجس اللذان يعتريانها
غير ان هناك شعور اخر مقيت غريب يجثم على قلبها ...
تشعر ان هناك خطب ما يحدث في البلاد وهي هنا في اخر بقاع الأرض في دوامة معقدة مع زوجها المريض
فـ اتصلت بها بلا تردد .... بعد بضعة رنات اجابت مديه بشوق: وحشتيني حرابة ... وينج ؟؟؟ وين مختفية ؟
كتمت زفرة استياء بصدرها ...... اجل ..... بالطبع ليس لدى اختها الكبرى علم بزواجها
فقالت من بين نظراتها المظلمة: موجودة مديه بس سافرت فـ مهمة وان شاء الله انتهي منها قريب
أومأت مدية رأسها بتفهم فهذه ليست المرة الأولى التي تختفي فيها حرابة في مهمات عسكرية .... فقالت بحزن رغماً عنها: ليتج وياي حرابة ... تعرفيني شكثر اعتمد عليج ف المواقف الصعبة
غضنت حرابة جبينها وهي تقول: ليش شو مستوي مديه ؟
ما ان اتاها سؤال حرابة حتى انفجرت باكية بألم متعاظم في روحها: أبونا صياااااح
ابونا صياح طااااح علينا يا حراااااابه
اتسعت عينا حرابة وأخذت تسمع كل ما تسرده مديه تحت وطأة نواحها المرتعب ... حتى انها أخبرتها بما حصل مؤخراً مع روزة وما حل بها بسبب ربيع ..
طحنت حرابة اسنانها بقهر مكتوم ..... الخسيس ربيّع .... لو كانت الآن في البلاد لـ جعلته يبصق دماً على فعلته الشنيعة بـ روزة
روزة .... الغبية روزة .. التي دوماً كانت تجري باستهتار خلف رغباتها متجاهلةً نصائح الآخرين
دوماً كانت تفعل ما تريد لا مباليةً بالعواقب
مستهترة ..... وانانية
ويــــالله لكَـــــم اشتــــــاقت لأختـــــــها الانانيـــــــة
تتذكر كيف كانتا في الطفولة تقفان عند المشاكل في وجه المدفع
وكيف كانت مديه رغم انها الأكبر بينهما
تقف مع دميتها بشعرها الطويل وثوبها القطني القصير قرب ريسه تحدق بهما بحزن وتحاول الا تبكي لأجلهما رغم استحقاقهما العقاب
دوماً ... كانتا تتآمران ضد شقاوة وشغب منصور وسهيل وربيع
رغم ان الأخير كان دوماً يسبب المشاكل للصبيين الاولين
لكن ما ان يصبح الأمر ضد الفتيات
حتى يرونه يقف معهم فارداً الصدر بتفاخر مراد إظهار قوته على قوة كلاً منهما ..
لكن الصغار كبروا يا حرابة ... وما عادوا مثلما كانوا ...
احدهم مات .... والثاني هجر البلاد متناسياً اهله ... والثالث اصبح ابناً للشيطان بشره وافعاله الخسيسة
وانتي يا حرابة لم تعودي كما كنتي ..... وروزة .......
عدا مديّه ...... تلك المسكه التي ان رأت الدنيا تنقلب رأساً على عقب امامها ... لن تتغير ....
تلمست من بعض احاديث مديه كم أصبحت الأخيرة على علاقة وطيدة وجميلة مع هزاع .. اذ ان حرابة بـ ذكاءها وفطنتها لطالما احست بوجود تباعد غير محسوس بينهما ما ان يلتقيا في التجمعات الاسرية اوالمصادفات العفوية في الأماكن العامة ...
فـ ختمت الاتصال بأن قالت بصرامة ... بعاطفة صادقة لا خبث فيها: الله يقومه بالسلامة .. لا تخافين صياح قوي ما ينخاف عليه ..
صمتت قليلاً .... ثم قالت باقتضاب تخفي تعاطفها وغضبها بجدارة: وروزة قوية بعد .. يومين وبترد شرات قبل واحسن .. اعرفها زين ما زين
،,
بعد ساعتين
امسكت ذراعه تريد مساعدته على الخروج من السيارة لكنه تجاهل يدها وخرج بنفسه
تعترف ان تصرفاته الغريبة معها تثير ريبتها وكذلك حنقها اذ انها تفتقر الصبر في التعامل مع الناس .. هي في الأساس تفتقر للصبر حتى مع نفسها .... لكن ترجع وتذكر نفسها انه مريض .... اولاً بعقله والآن بقلبه ...... فتأخذ اكسجيناً عميقاً وتهدأ من اعصابها .......
المهم ان حالته مستقرة الآن وكما قال الطبيب يجب ان يستمر على الادوية والراحة والا يجهد نفسه
وضعت حقيبتها على الكرسي ما ان اصبحا داخل المنزل ... ليرن هاتفها امامه ... فـ رمق بطرف عيناه تغضن جبينها ... وتجاهلها الواضح للاتصال ..
سألها: شو فيج ؟
رفعت حاجباً له ... وكأنها تسخر بأنه واخيراً قد تحدث معها .... فقالت بغلظة وهي تستدير مبتعدةً عنه حتى وقفت امام مكتبة للكتب ونزعت جاكيتها الطويل وحجابها: خصوصيات .. ايلس مكانك ولا تتحرك يلين ايي
رص على عيناه المظلمتان وهو يحدق بظهرها ... متجاهلاً كالمعتاد اوامرها وتسلطها على غابش الابله ..
تمعن النظر بها ملتهماً تفاصيلها بعنجهية ..... تأمل شعرها الأسود المكوّر كله لـ الاعلى بتسريحة كعكة وعنقها ..
استدارت بوجهها نصف استدارة وهي سرحانة بأفكارٍ بعيدة ..
وجهها كان رطباً ومتلألئاً ومحمراً من اثر الشمس وكريم الواقي ..
لم تكن من النوع الذي يضع الواناً وبهرجة على وجهها بالطبع .. الا انها تبدو كـ اكثر الفتيات انوثة بهذه الطلة الصباحية المريحة النظر
ببنطال واسع ابيض وتي شيرت قطني ضيق ابرز تقاطيع جسدها الرياضي وتقاسيمه الانثوية
سقطت عيناه على حبة الخال عند كتفها ... فـ ابتسمت عيناه عبثاً ومكراً ...
سمع هاتفها يرن من جديد ... وهذه المرة استلته بقهر متصاعد ...... ليسمع هديرها الغاضب بعد دقائق من اجابتها على الاتصال: ما اسمحلك تكلمني بهالنبرة .. فاهم ؟
..
: انا في إجازة بعلم القيادة ... أي مهمة تنطرح علي حالياً بتتأجل لين ارجع
..
قلبّت عيناها بصبرٍ معدوم/عصبية: رد يقول اهمال وتكاسل ... يا عبدالمجيد مب حرابة اللي تهمل وتتكاسل في شغلها .. اظن تعرفني سنين مب من يومين
..
احتد صوتها بشدة: لا حوووووووووول
..
: شو المطلوب مني الحينه ؟!
..
: ارد البلاااد !!! .. لا اسمحلي ... عندي التزام اهم الحينه .... يوم تخلص اجازتي برجع ان شاء الله
طحنت اسنانها بقوة وهي تسمع تهديده بأنهم سيتخذوا إجراءات صارمة ضدها ان لم تعد فوراً ... فقالت ضاربةً حديثه عرض الحائط: مع السلامة عبدالمجيد
ورمت هاتفها على الكرسي وهي تشتم من شدة غضبها
فكر غابش وهو يعقد حاجبيه ببعضهما ... هل يتّبعون مع حرابة الآن أسلوب رمي تهم التقصير والاهمال حتى يصبح بحوزتهم أسباباً ملموسة لعزلها ... ومن غير ان تشك بأسبابٍ أخرى ؟!
زم شفتيه بتفكير ... قبل ان يأخذ نفساً ... ويقرر العودة لـ وجه البلاهة والعبط
يجب عليه متابعة مهمته وعدم الخنوع للتعب ... النكسة التي سقط فيها منذ أيام لم تكن ضمن خطته .... لم تكن في حسبانه .... لكن قدر الله وما شاء فعل ..... عليه الآن العودة لمهمته والتركيز اكثر من ذي قبل .... كذلك عليه التأكد من ان حرابة لم تخبر احد عن موضوع العملية ...
لحظات مرت حتى تفاجأت حرابة بصراخه يأتيها من الداخل ... من ناحية المطبخ التحضيري ...
هرعت بركض سريع رشيق حتى وصلت له
لتراه يأن بتوجع كما الأطفال قرب ابريق قهوة مرمي على الأرض: اوف اوف اوف يحررررق .. حراااابة تعالي شوفي ايدي احتتترقت
تقدمت منه تريد رؤية يده ... فـ رأت أصابعه قد شابها الاحمرار من اثر الحرق .... لتهدر بغضب وهي تجلب الثلج: مب قلتلك ايلس مكانك ولا تتحرك يلين ايي !!!
وضعت الثلج على أصابعه وهي تردف بتكشيرة: بيخف ما عليك
صرخت بقلة صبر وهي تراه يقفز بشكل وتّرها: اثبت مكاااانك غابش دوووختني
: يحرررق يحررررررق
اسكتته بهديرها الغاضب بلا تفهم او مراعاة: لا ما يحررق ... بسك بزااااا
(بسك بزا = كفاك دلعاً وطفولية)
غابش: اقووولج يحررررق والله يحررررررق
كلمته تربعت على مقعد الجحيم في روحها .. لا تريد سماعها ... لا تريد تذكر الماضي عن طريقها ..
رغماً عنها ... هتفت بنيران صدرها اللاظية ..... وهي ترص الثلج بقوة على أصابعه: اذا شويّة قهوة حرقتك ... شو بتقول عن اللي عقوه في تنور ...
شخرت بسخرية كانت كالعذاب ..... واردفت وهي تشد يدها اكثر فـ اكثر على أصابعه:
شو بتقول عن اللي مات وهو يحس عينه .. وايده ... وريله .... يحترقون ويذوبون ... وقلبه عاده ينبض
اغمضت عيناها بقوة شديدة .... تريد إزاحة الصورة المُهلكة عن خيالها ولا تقدر
لطالما حمدت الله انه بث فيها القوة كي لا تُجن بعد ما رأته
لطالما شكرته بأن أعطاها القدرة على المضي في حياتها من غير يصيبها مكروه في قلبها او عقلها
أي صغير كان بمكانها لـ مات من الرعب
لـ مات ودُفن في ذات الليلة !
يتأمل تفاصيلها بـ دقة ........ اوجعته قوتها الزائفة .. اوجعته محاولتها المستميتة كي تسيطر على ارتعاشة كفها ...... وتشتت نظرتها الأليمة
لأول مرة يراها بهذه الهيئة الضعيفة
ضعف مدبب بقوتها المتفردة لا يليق الا بمن مثلها
امسك زندها بقوة وقرّبها منه لاغياً المسافات وأيام طويلة من تمني الوصال
واحتوى كامل جسدها بذراعيه
اغلق عيناه مستشعراً كل انش من انحناءاته بأصابعه السمراء
منذ ان رآها بعد عقد القران وأمنية خجولة في روحه ان يكون زواجه طبيعياً
ان يأسس مع من أصبحت زوجته عائلة حقيقية ومنزل اسري دافىء ومستقر
ان يكون الهدف من زواجه مجرد كابوس يستيقظ منه في أي لحظة
خائف ويعترف بخوفه
خائف الا يكون بقدر المهمة الموكلة إليه
يخاف ان يصيبها مكروه فيأكل الندم قلبه طوال حياته
يخاف ان يخذل الوطن والأهل والأحباب
حائر ويعيش بدوامة لا قبل لها ولا بعد
منذ ان تزوجها وهو يرى منها لمحات غير التي تظهرها أمام البشر
لطيفة الحديث عند الجلوس على مائدة الطعام .. رقيقة المبسم عند ملاقاتهم طفل يمشي مع والديه
راقية عند تعاملها مع الغرباء
ظنها في البداية همجيةَ التعامل مع الناس كونها خشنة بطبيعتها
لكن اكتشف ان ظنونه ليست بمحلها
تمتلك الرقي والاحترام واللباقة
وشيء آخر أبهره فيها
ثقافتها العالية
لم يكن يعلم انها تتحدث ثلاث لغات غير العربية والانجليزية
تتحدث الفارسية والكردية والفرنسية
علم بهذا وهو يستمع لمحادثة لطيفة بينها وبين صبي فرنسي عند احدى محلات الساعات الفخمة وسط المدينة .. اذ ان الأخير سألها باستغراب كيف تفهم عليه ف اجابته انها تتقن ثلاث لغات غير العربية والإنجليزية
اشتد احتضانه غارقاً بسيل من افكار لا تنتهي ولم يلحظ انها تدفع صدره بقوة
حتى لكمته بشراسة جعلته يرتد للخلف بألم حقيقي ..
مسد صدره مغضن الجبين ... فاقتربت قلقة وهي تستوعب متأخراً ان الرجل قد خرج من المشفى منذ سويعات فقط وبعد عملية قسطرة قلب ..
لمست صدره وعنقه بندم وهي تهتف: غابش .. غابش اسفة نسيت عمري .. فيك شي ابويه ؟ يعورك شي ؟
مناداتها له بـ "ابويه" ... بتلك النبرة الحنونة القلقة التي لا تخرج على ما يبدو لأي شخص كان ..... اشعل الحرارة بوجهه وجسده ........ جعلته كمن لعق العسل بعد مرارة دهر !
فـ لم يسيطر اكثر على مشاعره .... ورغبات روحه المتعطشة .....
امسك وجهها بقوة .......... ولثم فوهة البركان .... محطماً كل الصخور امامه .... ببدائية شديدة !
،,
عندما قررت الزواج
لم تعي حقيقة ما تقتحم نفسها فيه
ان تقرر ان تخرج من عزوبيتك بإرادتك
يختلف عن ان تقرر من يدخلك لعوالم لا تتم بالواقعية بصلة
هكذا هي
تتذوق قبلته .... القبلة الأولى لها في حياتها ..
وتفكر
أي عالم دخلت الآن
أي جو يحيط بها هذه اللحظة !؟؟
جو شديد البرودة حد الارتعاش
او شديد الحرارة حد الذوبان
لمَ تشعر انها وسط هذا وذلك تقف كـ الغصن الضعيف وسط الرياح
لمَ تذوب وهي ترتعش في الحقيقة ؟
ولمَ ترتعش وهي تذوب وكأنها فوق جمر ؟
لم يخبرها احد ان هناك احساس غير الغضب والعصبية والقلق والسعادة والاستياء والحزن
لا
لم يخبرها احدهم ان اتصال اثنين بـ مجرد قبلة
يفعل التناقضات والتضادات والانقسامات والاستعمارات في الروح
انه في يوم ما
سيأتي شاب بنصف عقل
ويسبب بما سبق ذكرهم
بداخلها
بداخلها هي ... حرابة بنت ليث
ماذا ؟
هل تدفعه وتلطم وجهه ؟ او تتجمد مكانها وتثبت له ان قبلته لم تفجر كل شيء راقد كالميت فيها ؟
أم تستمر معه وينتهيا وتسير تاركةً إياه بلا تعليق او تصرف رافض ؟
ما بكِ مصدومة حرابة ؟ لم ما زلتِ تحت سيطرة يداه المتراقصة على جسدك وخصرك وعنقك ؟
لم مازلتِ متصنمة وشفتاه تغرفان غرفاً أنفاسك وتأوهاته تقبض بوحشية على أصوات حنجرتك المتقطعة وتغريد العصافير من معدتك ؟
هل كنتِ تتوقعين ان المعاتيه يفقدون مهاراتهم الرجولية مع ادمغتهم ؟
بالطبع لا
بالطبع لا يا خرقاء
تضربه ؟ اجل ستضربه ....
ستضربه حتى يفقد قوته التي يتبجح بها وهو يرفعها عالياً كي تغدو بنفس مداه ...
ستضربه حتى يعجز عن تقبيل ثغرها عشراً واذنها عشراً وجبينها عشراً بعد عشر .... كما يفعل الآن
لكن لم تضربه
بل لم تفعل أي شيء سوى ممارسة مالم تفكر بفعله ابداً
الأنقياد
والانجرار
والانجراف
والتساقط
حاولت نزع يده المتسللة تحت قميصها لكنه قبض يدها يمنعها بقوة حانية
شهقت بحدة ساحبةً اكبر قدر من الأكسجين ما ان ابتعد عن مرمى شفتيها المتورمتان
ليكتم انفاسها مرة أخرى وهو يغرق وجهه بعنقها
فكّر برغبات متناطحة هوجاء جنونية
كيف تريده الا يميل لسرقة كل جزء منها وهي تذوب هكذا بين ذراعيه وكأنها الزبدة !
كيف تريده الا يتجاوز حدودها المحظورة ... وهي تتلوى بطهر العذارى ورعشات الخجل الموارى !
المصيبة انها تجهل مدى تأثره بها ومدى توقه المريع ليحوز عليها .... وليقلّب بقدراته .. ذكورة النظرات فيها إلى أنوثة صارخة
هل ان اخذها الآن وعلى الاريكة الوثيرة
ستستل سكيناً وتطعنه بصدره ؟
او ستمسك شمعداناً وتحطم به رأسه ؟
هل يقرر الآن سريعاً او لا يقرر وينتهي به الحال نائماً ببرود وصقيع وجفاف وتخشب في الاضلع ؟
زمجر بغضب حقيقي ... غضب من تردده الذي لم يجلب له الا الخسائر والفشل منذ ولادته
تردد كسره في عالم الأعمال كي يتسلق سلم النجاح
ويجب كسره الان
فـ كسره ... وكسر كل تساؤلات وتذبذبات هاجت وماجت في روحه ....... وحملها بخفة وكأنها لا تزن شيئاً متجاهلاً جسده الذي ما زال يتعافى من اثر العملية
واضعاً إياها برقة على الاريكة تحت وطأة صدورهم المشتعلة المثقلة بالمشاعر الراغبة المحمومة المرتبكة
مجهزاً كل اسلحته وعتاده ضدها وضد اعتراضاتها وشتائمها وضرباتها ...
،,
يقف خلف النافذة الزجاجية يتأمل ابيه الراقد ... بتعابيره الجامدة
دوماً كان جامداً مع ابيه
عند السلام عليه ... عند تقبيل رأسه
عند النقاشات العائلية ... عند اجتماعات رؤوس القبائل
منذ متى .... لا يتذكر !
ماتت احاسيسه اتجاه والده منذ ان تزوج احمد من نورة
منذ ان خطب والده نورة لاخيه وهو الذي يعلم كم ارادها حد الغرق والموت !
الشر فيه اخذ ينتشر في حناياه عام بعد عام بصمت تام
بنمرودية خرساء مرعبة
حتى وان كان قد تزوج بالفعل وقبل احمد .. اذ انه كان زواجاً عائلياً بحتاً لا علاقة له بالحب ابداً
كان مجبوراً فقط
عندما انجبت نورة سهيل ..... لكَم اراد قتله في المهد ... قتله اجل .....
رغم ان اكبر مبلغ وُضع له في مهاده جاء منه هو
يالله لكم أراد نحره بالسكين قهرًا وجنوناً وغضباً
حتى انه حرّض ابنه مرة على قتله عندما كانوا في السادس عشر من عمرهما
ولولا قدوم حرابة في الوقت المناسب لكان قد مات فعلاً ومن غير ان يضطر للتخطيط مرارًا وتكرارًا لـ موته
حرابة .... تلك الصغيرة التي لطالما بغضها منذ صغرها
وحتى عندما كبرت واشتد عودها وازهرت عربياً وعالمياً بصيتها
زاد بغضه وكرهه لها وكأنه كان يرى سهيل من يكبر ويزهر ويذيع صيته
سهيل ..... لعنته الأبدية
رغم موته ... لم ينجح شاهين بالتخلص من طيوفه وانعكاس وجهه على وجوه من حوله
كل هذا كان يقبع بصمت خبيث في جوف شاهين
ولا يعلم به سوى الله
اغمض عيناه بقوة .... يريد الراحة ولا يلمسها
يريد السكينة ولا يجدها
سنين لم يهنىء بنومه
سنين يرتعب من قدوم الليل ولا تهدأ خفقاته الا عند شروق الشمس
لا يريد ذكر توقيت بداية هذه الحالة
لا لا يريد ... ولن يقبل بأن يسلك مسلك الضعف والندم والخوف
ابداً
هو لم يخطىء بشيء ... هو فعل الصحيح
مات من كان الاجدر به الا يُولد الا من صلبه !
مات ابن احمد ونورة
نورة
نورة
البدوية الشامخة العنيدة المتكبرة
يتذكر صباها ويتذكر جمالها
يكذب من يقول ان جمال المرء يختفي مع الكبر
يكذب
لابد وأنها ما تزال تمتلك تلك الهالة العجيبة من الجمال اسفل غطاء وجهها
تذكر وجهها الحزين البهي يوم وفاة احمد
يا رباه لكَم أراد اختطافها في تلك اللحظة
لكَم أراد الهروب بها والاختفاء عن اعين العذال والمتلصصين
ليعود ويتذكر وجهها عندما دخلت منزل والده بعد موت سهيل
فيرتعش بأكمله
كان منظرها ذاك اليوم قاتل
مدمر
بربري أهوج ... عظيم على الروح
لم يسمع ما قالته من نيران تفوح من فمها
بل كان يتأمل وجهها المجني عليه ويبكي دماً بداخله
وقتها اخذ يدعي الف مرة على احمد وابنه ..... هما من جعلا حبيبته بتلك الحالة المرثية
هما من سببًا لها الحزن والأسى والمعاناة
هما كل شيء قذر دخل حياتها واحالها لشيء يوجع القلب ...
تصلب ظهره ما ان رآى والده يتحرك وينظر نحوه بصمت
هذا حاله منذ ان استفاق من غيبوبة السكر
يحدق بهم ولا يتكلم
هه ...... وكأنه يهتم !
هو لم يأتي هنا سوى لسبب واحد .... هو ان يعرف ما اذ كان سبب سقوط والده هو احمد او لا !
هل علم الحقيقة يا ترى ؟
ما استشفه من كلام ربيع قبل اعتقاله .. هو انه والعم جابر رأوا ابيه طريح الأرض وبيده صندوق واوراق
هل كان ذلك الصندوق هو صندوق احمد القديم .... هل قرأ ابيه أوراق احمد ورسائله !!!
ماضٍ يتحدث
بعد ان ترك نورة يوم ان قال لها ما اكتشفه عن احمد .... وبعد ان ارجعت الصندوق له اليوم التالي
هرع نحو منزل ابيه ... وأعاد الصندوق الى غرفة احمد كي يراه ابيه ويكتشف الحقيقة بنفسه !
لكن وبعد أسبوع من التفكير .... اكتشف انه يريد التراجع عما فعله ... ليس لأجل والده فقط بل لأجل مصلحته
خاف ان انتشرت القصة ان تتأثر سمعة ابيه وسمعته والقبيلة ... خاف ان تسقط هيبتهم بين الناس
فـ ارتأى لفكرة ان يصمت حتى يضمن محبة الكل له على وجه الخصوص ويكتسب احترامهم ... ثم فليحدث ما يحدث فيما بعد ... لن يهتم ..
فـ توجه لـ غرفة احمد القديمة وقرر ان يأخذ الصندوق ويرميه في مكان ما لكن المشكلة انه لم يجده !
ولم يعرف من اخذه !
بعدها قالت له الخادمة ان والده قد اخذ كل أغراض الغرفة ونقلها لمنزل احمد
فـ هدأ شاهين اذ ان الدليل عاد لـ نورة مرة أخرى ... فـ لا يوجد داعي لـ قلقه ... فلتقرأ الأوراق والرسائل مرة بعد مرة كي يترسخ كره وبغض احمد في روحها
جهل شاهين حينها ان الصندوق اصبح بيد ابيه صياح
بعدها .... خرج من المنزل هائماً على وجهه .... ينثر الويلات على قلبه الملتاع المشتاق
رباه ..... لم تطل يده بلح الشام ولا عنب اليمن !
لم يطل حبه الابدي ولم يتمكن من تشويه صورة احمد بعيناها المعتمتان .... حتى والده .. ازداد تعلقه بـ سهيل وفضّله على جميع الأبناء والاحفاد
وهو يمشي ... احس بـ احدهم يمشي قربه ويقول: اشوفك تمشي روحك ؟
التفت لـ الرجل قبل ان يقول مستدركاً بـ اقتضاب: هلا شيخنا
عبدالكريم متسائلاً: وين الوالد ؟
اجابه شاهين بنبرة جافة: سار عند النخل يشوف حالهن وشو صار عليهن عقب السيل
حدّق عبدالكريم بما حوله بمشاعر غير ظاهرية ابداً .... حتى وقعت عيناه على سهيل ذو الأربع سنوات .. وكان يلعب مع بعض الأطفال امام منزل ريسه
وقال: كبران سهيل ما شاء الله .. آخر مرة شفته بو سنة ونص
رد بـ حقد خفي: هي
سأله عبدالكريم بـ محاجر نصف مغلقة: مو على بعضك شاهين
شاهين بـ غلظة: ماشي ... أمور خاصة
عض الامام عبدالكريم باطن وجنتيه بكره ....... كم يبغضه وكم يبغض كل فرد من آل صياح واولهم كبيرهم ... مع هذا قال باهتمام متزلف: علوم حامد ... بعد يصيح احمد ؟
: هي
ليقول بنبرة ذات معنى: احمد الله يرحمه كان غالي .. غالي عند الجميع والله
الله يرحمه ويغفرله
توقف شاهين عن سيره وهو يهتف بحدة: بغيت شي شيخنا ؟
رد الامام بـ ابتسامة وقال: سلامتك ابويه .. سلم سلم على الوالد
شاهين: يوصل
ولاه شاهين ظهره وذهب
ناداه الامام عبدالكريم: شاهين
فـ التفت الأخير نحوه بصمت
ليقول عبدالكريم بنظرة متمعنة اخفى خبث أفكاره داخلها: يقولون اللي خلّف ما مات ... الله بيعوض صياح بـ سهيل ان شاء الله
مرت الأيام والسنون .... غذّى عبدالكريم خلالها الكراهية في روح شاهين نحو سهيل
اكثر من كراهيته المتجذرة اساساً
أراد تشتيت شملهم وهدم صيتهم وكسر شوكتهم
الحقد الذي يكنه لتلك العائلة فاق كل الحدود
كره سببه في المقام الأول الفقر والحاجة ووسوسة الشيطان الملازمة له على مر السنين بأن يسلب صياح كل ما يمتلكه ... كل شيء بلا تحديد ... انتقاماً على فعلته القديمة أيام المراهقة والصبا ..
أيام كان فيه صياح كـ أي مراهق متهور يسعى لاثبات وجوده بين الناس ..... أيام حصلت فيها ان حرق صيّاح شارب عبدالكريم وجانب وجهه اثر إهانة الأخير له امام جميع أبناء البلدة والأصدقاء ونعته بإبن "المجنونة" ..
قاصداً والدته التي فقدت عقلها بعد حادثة سقوطها على رأسها وهي تنظف المنزل ..
حقد عليه حقدأ اسوداً كـ سواد الغراب منذ ذلك اليوم ..
لذلك تمنى .. وسعى .. واجتهد ... حتى اصبح اماماً للبلدة ... حتى اصبح قريباً جداً من صياح الذي غدا شيخاً على الجميع ..
حتى اصبح ظله الذي لا يفارقه .. امين سره والذي يشاوره في ابسط الأمور الدينية والدنيوية
شيئاً فـ شيئاً .. حاك الخطط ضده .. كي ينال انتقامه ويرتاح قلبه لمرآى انهياره ..
حاضرٌ يتحدث
قال شاهين للذي وقف فجأة قربه: شو تسوي هني ؟
سعل الرجل بوجه شاحب مرهق وقال: واجب عليه ايي ... رياييل الوادي كلهم يوا يطمنون على الشيخ صياح
: سنين ما ريناك بوسبيت
سعل اكثر وقال بألم متعاظم في روحه: تعبان انا يا بوربيع
اشر شاهين للأسفل وقال ساخراً: تحت الطواري يالغالي ... انت في قسم العناية
: أبا .......... أبا ابري ذمتي واعترف بكل شي
التفت له بحدة وقال: شوووو !!!
: انا .... انا يا بوربيع فيّه السرطان ... وما ... ماعرف يلين متى بتم عايش ... أبا ابري ذمتي دخيل الله ... دخييييلك ...
امسكه من تلابيبه متوعداً من بين شرار عيناه: ان فتحت ثمك ورمست ... والله ... والله يا بوسبيت ... اجتل عيالك واحد واحد وجدااااام عينك .. عسب موتك تغدي موتّين
جحظت عينا الرجل هلعاً .... وقال بصوت متحشرج مكسور: نحن غلطنا يا شاهين ... غلطنا ... يلين متى بنتم داسين السالفة ... ما اتعظت من موتة عبدالكريم ...!!!!
لقوا راسه بين ريول كلاب الصحرا ... راس بس بليا جسسسم ..
ما .... ما شفت شو صار في جوووهر !!! ... تخبل وهام على روحه ما يعرف ارضه من سماااااه .... ساكن اليبال والوديان من سنين محد يروم يحصله ولا يشووووفه ... بس ينسمع صوت صراخه وصياحه كل ليلة ... صدا صوته يوصل لكل سكان الوادي ... عايشين في رعب بسبته .....
اغلق عيناه بألم عظيم واردف بارتعاش:
ما شفت شو صار في حسين وعماااار .. ما وصلك خبرهم !!!
يالله .... انا ما أبا اوايه ربي بذنووووبي ... اللي سويناه في حق سـ .... سهيل
فظيع ... كبيييير ... يالله ..
غطى وجهه بيداه مغمغماً بعذاب: اغفرلي يا رب ... اغفرلييييييي
هتف شاهين من بين اسنانه بنظرة شيطانية: تظهر من هني الحينه ... وترد مكان ما ييت ... وآخر مرة تراويني ويهك يا بوسبيت ... لا أبا اشوف ويهك ولا ابويه يبا يشوف ويهك
دفعه بغضب واحتقار ..... وهدر: زوووووووووول
ابتعد الرجل منكوس الرأس يبكي بسبب آثامٍ عظيمة ثقل وزنها على ظهره وميزان اعماله
شيّعه شاهين بنظرات النارية وهو يشتم في قرارة نفسه
الغبي الاخرق !
هه .... يذكّره بـ خاتمة عبدالكريم ..... ذلك الشيخ الذي لم يعرف من الامامة الا اسمها
الا يعلم هو كيف كانت خاتمته وهو الذي جره للصحراء بحيلة وقتله طعناً هناك
قبل ان يصبح وجبة دسمة للكلاب المسعورة ! هههههههه
هذا كان جزاء من يتجرأ ويتلاعب بـ شاهين او يفكر المساس ضرراً بـ آماله المجيدة واحلامه العالية
كان يريد فضح قصة سهيل عند ابيه ... رغبةً منه ان يحرق قلب صياح انتقاماً مضاعفاً
اجل ... علم شاهين ان عبدالكريم أراد الانتقام من صياح بحفيده اثر قصة قديمة بينهما .. عرف بالامر عندما تلصص صدفةً على محادثة بين عبدالكريم واحد اصدقاءه المقربين
وعلم شاهين ان عبدالكريم قد اختار حكم الحرق بل واصر عليه تحت مسمى الحكم العادل والجزاء الصارم الصحيح
تعمداً وغلاً
ليقول لـ صياح فيما بعد
انك كما أحرقت وجهي شباباً
حرقت قلبك وحياتك مشيباً !
لكن ولحسن حظ شاهين انه استطاع تكميم فم عبدالكريم قبل ان يذهب ويتكلم بالمحظور
فـ استدرجه للصحراء بعد عدة أيام من اكتشافه الحقيقة وقتله ...
نهايــة الفصــل الثامــن عشـــر
،,
موقف إضافي مأخوذ من فصل آخر .. اعتبروها فاكهة تتفكهون بها بعد الوجبة الرئيسية
،,
ماضٍ يتحدث
جامعة الإمارات - مدينة العين
تجلسان أمام كافتيريا الجامعة وكل واحدة منهن تقص على الأخرى ما حدث في اختباراتهن
قالت روزة وهي تأكل البطاطس المقلية بنهم شابه النزق: حرابة ... والله ما رمت اركز في الامتحان البنت اللي ورايه مزچمة يلست تعوطس لين حسيت ظهري كله رواوينها
(رواوينها = لعابها)
خطفت حرابة منها صحن البطاطس وقالت بعبوس: وانا اللي جدامي كل شوي تحرك كرسيها ..
كل ما ابا اركز عسب احل تحرك كرسيها وتشتت افكااااري
اقتربت فتاتان من حرابة وروزة
احداهما منظرها كمنظر المتشردين
لتقول بفظاظة تريد اقارة غضب حرابة: بعدج انتي سلقه ؟ ما متنتي ؟
(سلقه = ضعيفة)
وضعت روزة ساقٍ على ساق واجابت بدورها ساخرة: وأنتي بعدج درام ؟
(درام بمعنى سمينة)
لوّحت حرابة بيدها وكأنها تكش ذبابة ثم هتفت لـ روزة متجاهلةً الفتاتان:
هاي حالفة الا تتصفع ....... خدها يحكها
رمت حبة بطاطس في ثمها واكملت بصوت مرتفع:
بس ان يت صوبي لأجلبها سلوقي وخلها عاده تهو هو شرا الجلب المسعور بين ممرات الجامعة
وانفجر الضحك الساخر بين الطالبات الجالسات حول حرابة وروزة
جرت الفتاة الثانية صديقتها وهي تقول: ياخي تحبين اتييبين المشاكل حق عمرج
اتقي شرها هاي ابلييييييييس انتي ما تعرفينهاااا
الفتاة الأولى باستهزاء مستصغر: منو هي أصلا !!
ردت روزة ببرود بعد ان شربت من قنينة الماء: بليس يشلج انتي والثور اللي عدالج
وإنتي يالثور .... هاي ختيه حرابة بنت ليث
عمتج وعمة اللي يابوج
لوحت محتقرة واكملت: فارجن فارجن شـ عرفكن انتن بالعرررب وبالحسب والنسسسب
وععععععععع ريحتكن شاااااااارع
ابتعدن الفتيات وهن يرمقن حرابة وروزة بحقد وغل
بعد لحظات ... قالت حرابة بإعياء داهمها: روزه ابا ارد السكن ميهوده
شهقت روزه: شو فيج يا قلبي من شو ميهوده ؟
تبين تروحين العيادة ؟
: لا لا بس ابا اريح شوي
روزة: اليوم برقد عندج بخلي حور اتبادلني
اومأت حرابة برأسها موافقة قبل ان تحتضنها روزة بقوة: وااااايه فديتج .... يعله في الثور ولا فيج
ابتسمت حرابة باقتضاب وهي تحاول التملص من حضن اختها
فـ تركتها روزه تفعل ما يرضيها ويشعرها بالراحة
فهي تعلم ما أصبحت عليه حرابة من تغيير وتباعد ونفور جسدي مع الجميع منذ ان رحل اخيها
صحيح انها تكره سهيل ولا تريد تذكره
لكن تحب حرابة ولا تتمنى الا رؤيتها تضحك وتشرق وتتوهج كـ باقي الفتيات
بعد دقائق اقتربت احدى الزميلات منهما
سلمت وجلست قربهن
لتسأل روزه ببسمة متشوقة: عرستي روزه ولا بعدج ؟
قلبت روزه عيناها تقول بضجر تمثيلي: لو الله يفكني بس من اسئلتكنننننن
لاااااااااا
ما عرست ولا ابا اعرس ... قاعدة على جبودكن
الفتاة: ههههههههههههههههههه وأنتي حرابة ؟
ردت روزة بصوت عالي: انا وحرابة بنتم جي ... لا ريل ولا بطييييخ
خل نعنس مع بعض راضيااااااات
قالت الفتاة بلطف: ليش حرابة ما ترد ؟
روزة بسأم: انا اليوم المتحدث الرسمي عنهاااا
قالت الفتاة بمجاملة: ههههههههههههههههههههههههههه مزاجج اليوم عالي روزه
روزة بابتسامة مصطنعة: شفتي كيف ؟ يلا فارجي انتي بعد ... حرابة مصدعة ما تبا حشره
قالت حرابة بحاجبٍ مرتفع: شبلاج انتي على الخلق اليوم ؟ ماكلتنهم بلسانج
غمغمت روزه بغيظ وهي ترمق ظهر الفتاة الراحلة: ماحب الفضوليات الحشريات ... أوفففف متى اتخرج وافتك منهن ....
(تــــمـــــت)
،,
وانتهى البارت 18 يا جميلات + موقف إضافي خفيف لطيف
مممممم اليوم استرجعنا يا حلوات موقف من الماضي من ذاكرة آرنود
والبارت القادم بنسترجع نفس الموقف من الماضي من ذاكرة حرابتنا الحلوة
وووواشخاص ثانيين
خلكم بالقرب
تحياتي للجميع