كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله (بـ حلة جديدة-2020م) الفصل الرابع
،,
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الفصــل الخامــس عشــرة
،,
مساءاً
لم يذكر ابد ان تمادى بـ عصبيته مع غريب كـ ذلك الغريب الغامض ..... والغريب
ان "الغريب" قد قام بانقاذه من ايدي رجال مروان !
طيلة الساعات الماضية وهو يفكر به .. وبـ ما حصل
بـ ذلك الخنجر تحديداً
يكاد يجن ...... من أعطاه الخنجر
من !!!!
زفر بضيق وهو يتجاهل وميض السيارة المسرعة خلفه
ويعود بأفكاره هذه المرة الى مسكه
الى تلك التي تثيره
وتحيّره
تحيّره دوماً بحلاوة بسمتها بين ترادفات انوثتها وتضادات افعالها المُوجعة
بعد حوالي نصف ساعة ..... وصل لمنزله اخيراً بعد يوم طويل وشاق في مركز الشرطة .. مرحلة التحقيق ما زالت مستمرة عدا انهم الى الآن لم يتمكنوا من العثور على مروان
خرج من سيارته ومشى وسط الظلام الدامس الذي يغطي باحة المنزل
عدا زاوية صغيرة قريب من مدخل المنزل الداخلي .... كانت ام المسك قد صممتها فيما سبق لتجلس عليها مساءاً وتعمل بحاسبها المحمول بعيداً عن صخب الأطفال
رآها
كان يكفيه لمح اصابعها الناعمة وهي تطرق على لوحة الحاسوب
كـ طرقها طيلة السنين الماضية باب قلبه ... ثم تجفل وتبتعد عنه
لم تكن هي من تطرق .. اذ انها لم تمتلك ذلك الغرور والتمنع الانثوي الماكر
كانت تلك طيبتها المنقوعة بالسذاجة والتي يظنها الجميع عيباً فيها
كانت ابتسامتها الواسعة والتي تأتي دوماً قبل احاديثها الامومية مع الكبير والصغير
حتى معه ..!
كانت ألامها الطاهرة لـ حب اطهر حملته في قلبها لذلك المدعو مروان !!
اخفض عيناه بـ مشاعر مهتزة مشتتة
وتقدم منها
ليشعر بانقباض موجع في قلبه وهو يسمع شهقات بكاءها ...... رباه ..... وكأنها تبصق المرارة نفسها !
تسارعت خطواته بتوتر وجزع نحوها
ليهتف بخفوت اجش ما ان أصبحت بأكملها مرئية امامه: مـ مسك
ارتجفت بصدمة .... غير متوقعة قدومه هذا الوقت تحديداً
كيف لم تشعر بـ سيارته وهي تدخل باحة المنزل
كيف اعمتها حواسها وآلامها عن الإحساس بكل شيء يجري حولها من صوت وضوء وحتى هواء !
أكانت تحبس كل هذا في فؤادها خمسة عشرة سنة
ولم تجد الا الليلة لإخراجه !
ام انها حبسته في عقلها الباطن كي لا يتجرأ نبضٌ فيها على التعدي عليه ولمسه
لكن الى متى يا ام المسك
الى متى !!
تردد سؤال شقيقتها البريء المتعجب في زوايا عقلها !
بعدج حزينة على فراقه ؟!
بعدج حزينة على فراقه ؟!
بعدج حزينة على فراقه ؟!
ليتردد صوت المقصود في قلبها بـ شكل جنوني مرعب رغم جمال هدوءه ورقته الرجولية الأخوية !
"خذي يا حلوة من اسمج شي .. المديه هي السجين .. هي حده اللي يجتل عدوه بضربة وحدة"
ماضٍ يتحدث
أتى من بعيد وهو يكاد يقفز فرحاً: مدددددديه
كانت مديه تجلس حينها على حافة صخرة وتجمع الأحجار ذات الألوان الغريبة والاشكال البديعة
ما ان سمعت صراخه حتى انتفضت بخوف وكادت تسقط على وجهها
استطاعت السيطرة على توازنها ووقفت وهي تقول لـ القادم بهلع طفولي: شبلاااااك !!
: لقيت اللي كنا ندور علييييه
اتسعت عيناها بـ بالبهجة وهي تستنتج بسرعة مقصده
هي الوحيدة التي كانت تشارك سهيل امانيه الخفية وهواياته المتعددة
هي كانت البئر الذي يخبئ بداخله بواطن سهيل واسرار مراهقته المُحببة على القلب
: مسسسك !!
رفع امام عيناها قطعة مكورة مُشعرة .... وقال وهو يلهث بحماس: هييييه
: كيف !!!
: شهر كامل اشتغل عند التاير الماليزي يلين قدرت اخذه ... ما خليت شغله ما سويتها وياه هههههههههه
امسكت جراب المسك بيديها الصغيرتين وهي تشعر بالدغدغة والانبهار
لطالما احبت امتلاك زيوت المسك العطرية بـ شتى أنواعها ... كذلك احب سهيل امتلاك الأشياء النادرة الغريبة
تارة يجلب الكهرمان
تارة يأتي بـ ناب فيل
تارة كتاب يندر تواجده ذلك الوقت وفي مكان معزول بعيد كـ مكان بلدتهم
وكلها من تجار أجانب ... او تجار عرب أتوا بعد سفر من اسيا وافريقيا
والآن جلب جراب مسك اصلي !
: سـ سهيل .... حلوووو
اردفت ببسمة متعجبة: بس شو بنسوي فيه ..!!
قال بفخر: عندي اقتراح .... بنعطيه امايه ريسه ... بتسوي منه عطور حق رمضان والعيد
وضعت يدها خلف رقبته بعناق رقيق لتقول بـ حب اخوي عذب:
حبيبي سهيل ..... ما يابته امه اللي بيشل قلب شروات قلبك .... يعلني ماذووق حزنك يا ربي
قال وهو يزيح ذراعيها عن رقبته ضاحكاً من دموعها غير المذروفة: هههههههههه زغدتيني مديوووووه
ثم رفع حاجبيه بتعجب ليردف مبتسماً: خذي يا حلوة من اسمج شي .. المديه هي السجين .. هي حده اللي يجتل عدوه بضربة وحدة ..
مسح دمعة سقطت على جانب خدها ليكمل بغيظ باسم: ما غير هالدميعات اللي اطيح بسبب وبليا سبب
ضحكت بخجل متورد وهي ترمي بداخلها اللوم على والدتها التي اسمتها بإسم لا يليق بها ابداً
ولم تعلم ان اخاها الحبيب ... الذي يجلس قربها الآن .... سيرحل عنها بـ ضيائه الوهاج !
لم تعلم ان المسك الذي اهداه لـ عمته
سيكون علاجها مع خليط من ماء زمزم مُقرأ عليه وزعفران ..
بعد ان سقطت مشلولةَ الرجلين ومحمومة بسبب عين عجوز رأتها في احدى اعراس أقاربهم ولم تذكر اسم الله عليها
كادت بسبب تلك الواقعة .... ان تموت ... لكن لطف الله ورحمته .... وبجهد جهيد من عمتها وامها ... استطاعت استرداد عافيتها ..
وعندما علمت ان المسك الذي اُستخدم هو ذاته الذي اهداه لها سهيل
بكت بحرقة ... ووجع ... ومرارة !
حاضرٌ يتحدث
جثى على ركبة واحد بدل ان يوقفها
تماما كما اعتاد دوما الجثو قرب محراب حبها
: حبيبتي .. شبلاج ؟
ليش هالصياح اللي يعور الفواد ؟
هزت رأسها بنفي وقالت باختناق وحشرجة مهلكة: لـ لا ... لا
مـ ماشي .. عـ ... عيوني ... تحرقني ... بس
حرك كرسيها لتصبح مقابلة أياه
ليقاطعها وهو لا يصدق أي من هذه الترهات:
حد من الاهل فيه شي !!
ابوج ... امج ..... اخـ....
: لا ... لا مـ محد فيه شي ... وووالله
تمالك اعصابه ليهتف بحزم رغم هشاشة نبضاته وتمزقها في احشائه: انا سويت شي يزعلج !!
هزت رأسها بقوة: لا لا
امسك ذقنها بنعومة متسائلاً بألم على حالها: شبلاج عيل حبيبتي ...؟ خبريني تعبتي فوادي
وانفجرت من غير ان تشعر راميةً جسدها في حضنه
لم تقاوم
ليس وهو بلطفه .. ورقته .. وعذوبة ملمسه ... واهتمامه الحاني
يذكرها اكثر فـ اكثر بـ سهيلها المفقود
: سـ سهيييييييييل
ارتعش قلبه فجأة بجنون
ليهمس بعدم تصديق/قلب مرتعد: سهيل ... مـ منو سهيل !!!!
وقبل ان يُدخل هزاع اسم سهيل الذي لم يدرك هويته بعد "في قائمة ضحاياه القادمين مع مروان"
بدأت ام المسك تتحدث بفاجعة ......... وتُخرج بهستيرية بواطن قلبها المكلوم الصامت سنين طويلة
لمن آمنت دوماً انه النجاة .... انه الامل ...... انه الحياة !!
،,
في مقهى قديم تابع لـ قرية صغيرة في هولندا
يجلس والمطر يتساقط بشدة ... وغرور
امام ناظريه
يرتشف تارةً من فنجان القهوة .. وتارة أخرى يأخذ نفساً عميقاً من مدواخه العربي
يتأمل بـ فكر شارد تلك العجوز النشيطة .. التي لم يوقفها المطر عن ممارسة اشغالها اليومية ..... ولذلك الطاعن في السن ... الذي لم يوقفه المشيب عن التعقل ومغازلة الجميلات بعيناه وتصفيراته
كلهم هنا يمارسون حياتهم حتى آخر رمق من حياتهم ..... جميع من رآهم يتشبثون بالملذات والمغريات بأسنانهم واظافرهم
لم هو لا يفعل ؟
لم يأبى إلا ان يكون المرارة العالقة في حناجر المحبين !! .... ولا يكون إلا الفقد المُحنّط في أعين الغالين !!
اغمض عيناه بقوة بسبب شعوره بحرقة شديدة في عيناه نتيجة تحديقه المطوّل في النافذة
ليفتحهما بعبوس خفيف .. ما ان رن هاتفه المحمول
ليظهر اسم آرنود
ابتلع ريقه ببطئ .. وهو يطرق بمدواخه على طفاية السجائر .. ثم بحركة سريعة رفع هاتفه ورد على الاتصال:
ya
اتاه صوته هادئاً يكتنفه الاقتضاب: ديدريك
اعتدل بجلسته قليلاً ليقول: كيف الحال آرنود ؟!
: بخير
رغم محاولته إخفاء التردد في صوته الا انه فشل امام ديدريك
: ما بك آرنود ؟!
آرنود: لا اعرف .... شعرت ان هناك خطباً ما بك .... وو
تلألئت عينا ديدريك بـ دفء عميق .... ليهمس بخشونة صوته الطبيعية: لا شيء يدعوك للقلق ارنود .. اهتم فقط بالاعمال في افريقيا وعد لنا بالاخبار الحسنة بخصوص العقود العالقة هناك ..
: اعتمد علي
هز ديدريك رأسه ليقول واثقاً حازماً: انا بالفعل اعتمد عليك
ثم سكت لـ ثوانٍ
ثوانٍ كانت تفعل الكثير في قلبه ..... وقلب المتصل على الجانب الآخر
كان يريد ان يسأله فقط ..... لكن حتى السؤال ابى ان يُهدّأ خفقاته المريعة ويخرج بسلاسة
وحتى ان سأل ... هل يتوقع إجابة شافية من ارنود !!
قطع أفكاره المشوشة صوته الآتي من قارة اخرى: ديدريك .... كيف حال آدم وجاكوب ؟!
ديدريك: بخير الحمدلله
ابتسمت عيناه واكمل اسألته عن اعزائه: وجوجي ؟ ... اين هي تلك الفتاة ؟ .... اراها مختبئة عن الجميع منذ فترة
جواهر
الحكاية الثانية التي تؤرق مضجعه ..!!
قبــل يومــان
“
: آدم .... لم لا تأكل ..؟
آدم: ابي ... جوجو لم تعد تأتينا .. لم ؟؟
صمت بتوتر
لاحظ غيابها ... وابتعادها الفترة الأخيرة
من بعد آخر حديث "اجتماعي" جرى بينهما والذي يخص سارة وزوجها
بعدها ... فلا يراها سوى في الاجتماعات الرسمية والنقاشات المتعلقة بالعمل
سأل الاب ابنه: اين اخاك .. الم ينتهي من حمامه بعد !!
قال الصغير محركاً كتفاه: لا اعرف
اتجه ديدريك للحمام الخاص بـ غرفة الجلوس
طرق الباب فلم يسمع إجابة منه ..... فتحه قليلاً ولم يجده
عقد حاجبيه باستغراب وعاد يسأل ابنه: اين جاكوب يا ادم !!
آدم باستغراب: أليس ف الحمام ؟!
: لا
وتحرك بسرعة باتجاه باب الغرفة ثم خرج باحثاً عنه مناديا بصوت حازم متزن: جاكوب
جاكوب
أتت الخادمة مسرعة: هل تريد شيئاً سيدي !!
ديدريك: اين جاكوب !!
الخادمة: لا اعرف سيدي ... لم اره منذ ان دخل الغرفة مع حضرتك ليدرس
ديدريك: حسناً ... اذهبي لاستكمال عملك
هزت رأسها باحترام وذهبت مبتعدة ... ثم عاد ليهمس لنفسه: اين ذهب هذا الصغير !!
بحث عنه في جميع اركان المنزل الضخم
كذلك ابنه والخدم
لكنهم لم يجدوه
تصاعد توتره وخوفه
واخذت الأفكار السيئة والظنون المرعبة تلطم نبضات قلبه يمنةً ويسرة بلا هوادة
اتاه اتصال قطع حبل أفكاره المشدودة .. فكانت جواهر !!!
رفع الهاتف ليأتيه صوتها بارداً مقتضباً رسمياً:
مرحبا استاذ ديدريك
أحببت ان اطمأنك ان جاكوب في منزلي ونائم الآن في حضـ......
هدر بعنف جعلها تبعد الهاتف عن اذنها: ماذاااااااا !!!
من أعطاه الاذن ليخرج من المنزل ... بل كيف استطاع الوصول لمنزلك !!!
: ديدر......
ديدريك: هل انتي من حثثته على هذاااا !!!
تباً ... هل يعتقد هذا الدب انها تحرض اطفاله عليه !
: ديدريك بالله عليك ماذا تقول !!!!
: اين ابننني ؟؟ اعطني ايااااااه
قالت وهي ترمق الصغير بطرف عينها بحنية: انه خائف منك
: تباً ... دقائق وسأكون امام منزلك ... وسيعلم في ذلك الوقت كيف يكون الخوف الحقيقي ...
: ديدريــ
اغلق الخط بوجهها
الوقـــــــــح !!!
بعد عشرة دقائق بالضبط
كان امام منزل جواهر .... الكائن في منطقة قريبة من منطقته
ألقى البستاني عليه الترحيب الباسم المشوّب بالرهبة ... وفتح له باب المنزل بنفسه
رغم ان الجو ماطر ... والشمس متوارية بخجل خلف الغيوم السوداء
الا انه كان يرتدي نظارته الشمسية
عادة اعتادها نهاراً منذ سنين طويلة ولا يستطيع تركها بسهولة !!
اومئ برأسه تقديراً لـ احترام المسن له وتقدم داخلاً
: اوووووه حبيبي ديدرييييييك
غضن حاجبيه بعفوية وهو ينزع نظارته .... ليهتف: خالتي .....
اووووه
ارتد للخلف قليلاً اثر احتضانها الامومي له
ام جواهر: حبيبي .. نور حياتي .. اووه كم اشتقت إليك يا فتى
ديدريك بخجل رجولي: خـ خالتي لوسي .... ا اتركيـ....
ام جواهر: اعلم اعلم انه لا يجوز لي كـ امرأة مسلمة ان احتضنك واقبّلك
لكنك بمثابة ولدي يا حبيبي
اوووه كم اشتقت لـ وجهك الوسيم العابس على الدوام
ثم قبلت خده عدة مرات بعنف
قال من بين وجنتاه المحتقنتان: خـ خاااااااالتي
نادت ام جواهر بصوت عالي ملؤه السعادة: جوووووجي .. جوووووجي تعالي ديدريك قد اتى
أتت جواهر ومعها الصغير جاكوب
قست ملامح ديدريك رامقاً ابنه الصغير المختبئ خلف ساق جواهر بخوف .... وقال بصرامة: لدي حساب طويل معك يا جاكوب ...
جثت على ركبة واحدة .... وقالت ببرود شديد وهي تحتضن رأس جاكوب: ليس بالضرورة ان ترمقه بهذه النظرات القاتلة يا ديدريك ..... انه مجرد صبي صغير أراد رؤية من اشتاق له قلبه ..
ديدريك ببرود اشد ..... تخلله الكثير والكثير من الغيظ/الغل ...... الأسباب متعددة أولها تجاهل جواهر له الأيام الماضية ..... آخرها خوفه الشديد على ابنه الشقي "الذي اخبره بفعلته هذه انه ابداً لن يكون الحضن الحاني الكافي له/لأخيه"
: أوجه حديثي لـ ابني يا استاذة جواهر
استاذة جواهر !
هل يعيد كلمتي السابقة إلي !!
جواهر مكشرةً عن انيابها تريد مهاجمته: انا لا .....
قطعت ام جواهر النقاش الحامي بتوتر وقد علمت بسرعة ان هناك خطب ما يجري بين الاثنين
لتقول بابتسامة واسعة وهي تحتضن ذراع ديدريك وتجره نحو المنزل: اتركا عنكما الحديث الفارغ الآن
تعال تعال حبيبي ... صنعت بعض الفطائر اللذيذة ... وكأن قلبي قد شعر انك ستكون ضيفي اليوم
قبل ان تدخله المنزل .. سمع الاثنان جواهر وهي تبتعد وتخرج: امي عن اذنك .. لدي موعد مهم
اشتعلت حواس ديدريك ملتقطاً كل حرف تتفوه به
ام جواهر بخيبة امل: الا تستطيعين تأجيله يا فتاة !!
: كلا لا استطيع ... انه مهم جداً ... عن اذنك
تباً
وكأنه ليس موجوداً في الكرة الأرضية !!
هو
ديدريك
يصبح نقطة تجاهل بين ليلة وضحاها !!!
ديدريك بنظرة صقيعية: خالتي ... يبدو ان سناجب المنزل تحتاج لمزيد من التعليم والتدريب
التفتت ام جواهر نحو ديدريك مستغربة: أية سناجب يا ولدي !!
ليس لدي سنجاب .. فقط قطتي لولي
أغلقت جواهر عيناها بحدة وهي تزم شفتيها بقهر
هتف جاكوب بنظرة طفولية خائفة: ابي .. اريد الذهاب مع جوجي
ديدريك بتوبيخ: جاكوب
رفعت جانب فمها هاتفة باستهزاء: جاكوب ... لا تثير حنق والدك اكثر ... يكفيه انه يرى ان اخته الصغرى تحرض اطفاله ضده ..
ام جواهر باستنكار: جوجي ماذا تقوليـ..
رفع يده مقاطعا اياها: دقيقة خالتي
اقترب من جواهر ببطء ... بخطوات مدروسة تماماً
كلما اقترب
كلما شعرت ان هواء المطر المحيط بها يختفي
منذ ان تعرفت عليه وهو يشبه هذا الهواء
بارد
قوي
يُرعش الاوصال
اول سنة من تعارفهما ... بعد ان انتقلت ووالديها من الامارات الى هولندا اثر عمل والدها رحمه الله الذي كان يتطلب تواجده باستمرار في أوروبا ..
كانت متحفظة اتجاهه ... فـ هي ليست بالشخص الذي يحب التعامل مع الغامضين الصامتين على الدوام
"الا لو سعت لهذا التعامل بكل ارادتها"
لنقل مسألة مزاج !
لكن عندما توفى والدها اثر وعكة صحية حادة .... وانتقلت بعدها للجامعة ثم اتاها عرض عمل من ابن خالتها ارنود كي تعمل معه
تغيرت العلاقة بينها وبين ديدريك تدريجياً
في البداية تعترف انها رفضت العمل مع آرنود لأن الأخير في الأصل كان يعمل تحت امرة ديدريك في شركته "الصغيرة آنذاك"
لكن الذي جعلها تتشجع وتُلغي فكرة الرفض من عقلها .. هي رغبتها في ملء وقت فراغها بعد الجامعة .. والاعتماد على نفسها مادياً ومعنوياً ..
ولم تكن ترغب في الحقيقة بالعمل معهما اكثر من بضعة اشهر
لكن الأشهر مضت .... وتوالت ..... ولم تجد نفسها سوى انها أصبحت عضو فعال وقوي في مؤسسة نورين للجرافات البحرية التي نمت في وقت قياسيٍ جبار
يرجع النمو بالطبع لجهد الأخير وطموح كل من آرنود وجواهر وباقي الموظفين
مر الجميع بالمصاعب والمشاكل لكن تجاوزوها بقوة وذكاء
وبالطبع .... العلاقة المتحفظة المتباعدة بين جواهر وديدريك تغيرت وتحسنت وصارت افضل ..... فـ صارت مديرة احد افرع المؤسسة الضخمة اما ارنود فـ فضّل ان يأخذ مسؤولية المشاريع الخارجية للمؤسسة .. أي خارج هولندا وأوروبا ..
احبته
ستسقط من عيني "ذاتها الأبيّة" ان انكرت .. ويالفداحة جرحها عندما علمت بخبر زواجه من جارته ديانا ... ديانا التي كانت تكبره وقتها بـ ثمان سنوات .. لكن بعد وفاتها اثر الخبيث عقب انجاب الولدان
علمت ان زواجه منها لم يكن سوى عطفاً ورغبةً منه ان يساعدها في محنتها ويقف بجانبها في صراعها مع المرض
خرجت من شرودها على اثر همسه .. وثغره يتحرك بعجرفة امام ناظريها: منذ أيام وانتي تتمتعين بـ فكاهة فريدة من نوعها
ردت بسرعة تريد كسر غروره: ذات الفكاهة التي تتمتع بها بالضبط
ابتسم بقسوة ... وفتح فمه راغباً بتلقينها درساً على وقاحتها
لكن الدرس قد اتاه جاهزاً على طبق من ......... انجلينا !
فـ انقلبت ابتسامته من القسوة .... الى الخبث والاستمتاع: اووه .... انجلينا .... يالها من صدفة جميلة
استيقظت شعيراتها الدموية تحفزاً وغضباً
انجلينا التي كانت تمشي صدفة امام منزل جواهر قاصدةً محل الهواتف الكبير القريب منه
توقفت فزعة
وافكارها ترقص بالتخيلات المرعبة معتقدةً ان ديدريك قد كشف انها السبب وراء ما فعله خوليان بجواهر ليلة الحفلة اذ انها في الحفلة ... وبعد ان علمت من خوليان ان رجاله فشلوا في الاعتداء على جواهر ... اخذت حقيبة يدها الثمينة ورحلت بسرعة ... حتى انها لم تعرف أي شيء عنه منذ تلك الليلة سوى انه انتحر لأسباب غامضة لا احد يعرفها ..
لكن عندما ثبتت ناظريها على ابتسامة ديدريك .... خف فزعها وشعرت ببعض الراحة والثقة فهو ان كان على علم بما فعلته ... فلن يحدثها بهذه البشاشة
واسترجعت روح انجلينا الماكرة
: عزيزي ديدريك .. اشتقت إليك كثيراً
تقدمت وهي تجمع شعرها بميوعة على جانب كتفها .... لتكمل وهي تقرص برقة خد جاكوب: هاي جاكوب .. كيف حالك أيها الوسيم ؟
قال ديدريك وهو يرى تجاهل جاكوب لـ انجلينا: اهلا انجلينا ... خالتي اعرفك على انجلينا ... ابنة احد اشهر رجال الاعمال في أوروبا
قالت بدلع وهي تكاد تلاصق كتفه: وصديقة ديدريك بالطبع .... اولسنا أصدقاء !
ديدريك ببسمة واثقة جداً: بالطبع بالطبع
ابتسمت ام جواهر بحنان: تشرفت بمعرفتك انجلينا
بادلت المرأة العجوز الابتسامة ..... لتقول لجواهر بابتسامة مصطنعة مدروسة: كيف حالك جواهر ؟
اجابت باقتضاب: في افضل حال
همست والدتها بخفوت لنفسها: الوضع يتطلب تدخلاً قوياً مني
دفعت ديدريك للداخل واكملت: هيا هيا انتم ضيوفي حتى العشاء
جواهر: اا امييي ... لدي موعد مهم يجب ان ...
ام جواهر باصرار: تستطيعين تأجيله .. هيا هيا ولا تعاندي امك
: ا اامييي
بعد عدة ساعات
وقف الجميع امام باب المنزل .... لتقول انجلينا وهي تلوي شفتها السفلية بغنج: شكراً لكم .. كان عشاءاً لذيذاً
اشرت على جسدها المثير .. محركةً صدرها البارز بتعمد .. وقالت: انظروا ... زدت بعض الكيلوات من مجرد عشاء دسم هههههههه
ام جواهر ببسمة امومية وهي: تشرفت بالتعرف إليك انجلينا ..
انجلينا بابتسامة متزلفة: وانا ايضاً شكراً لك .... امممم هل ستأتي معي ديدريك لنتمشى قليلاً ؟
رد ديدريك معتذراً: سأعيد جاكوب للمنزل واذهب للقاء احد المهندسين ... اعذريني هذه المرة انجلينا
لم ترغب بازعاجه .. ستحرص على استمالتها ناحيتها .. لذا قالت برقة: حسنا عزيزي نلتقي فيما بعد
وذهبت راحلة .... في الوقت الذي استدار هو نحو ام جواهر وجواهر الصامتة .. وقال بنظرة مظلمة: ما رأيك بها خالتي ؟
ام جواهر بابتسامة صافية: جميلة يا عزيزي ومهذبة ... لو كنت تفكر الزواج لقلت لك تقدم لها بالزواج ... لكنك عنيد يا ولدي ولا تريد عيش حياة طبيعية مثل باقي الرجال
ديدريك بنبرة ذات معنى: ومن قال ؟ اني افكر فعلياً بخطبتها
اتسعت عيناها وقالت: اوووه حبيبي ... سعيدة جداً لسماع ذلك ... الوحدة في منزل كبير كـ منزلك سيجلب لك الجنون ... تزوج واجعل المكان ينير بمن تنعشه وتشعله بجمالها ونشاطها وحبها وعطاءها
تسمع ولا تراه .. ترى الخواء فقط
فالخواء اهون عندها من النظر لوجهه الآن
ديدريك سيتزوج ؟ للمرة الثانية سيتزوج ويحترق قلبها المغرم به ؟ وممن ؟
من انجلينا ..!!
المدللة المتغطرسة التي يبغضها الولدين آدم وجاكوب !
هل يعي ديدريك ما يقول ؟
هل يعي انه يقرر الآن ادخال الولدين في مثلث علاقة لن تجلب لهما سوى البؤس والخوف والاهمال !!
إن كانت تحب ديدريك مرة ... فهي تحب الولدين اضعافاً مضاعفة
تحبهما وتريد لهما الخير والراحة بكل طهر الأرض ... تحبهما حد انها لا تريد لهما ام كـ انجلينا
لا تريد
ليس لأنها ستكون زوجةً لديدريك
بل لأنها مستهترة متعجرفة لن تعرف ابداً التعامل مع الطفلين بطبيعة الام الفطرية
من بين نيران قلبها الملتاع ... قالت والدتها بحنق امومي: ليت جوجي توافق على الرجل الذي تقدم لها منذ ايام ؟
تصلبت تعابيره لوهلة ... لوهلة فقط ... قبل ان يرفع حاجباً ويوجه سؤاله لـ جواهر: احقاً ما اسمعه .... يا جواهر ؟
لم تحتمل اكثر المكوث قربه ... قالت وهي تستدير وتمشي مبتعدة: عن اذنكما
هتف ديدريك لـ ام جواهر بسرعة: خالتي هل تستطيعين اعادة جاكوب للمنزل ؟
امسكت كف جاكوب وهي تقول: نعم نعم حبيبي بكل سرور ... هيا بنا بني
أوقفت ديدريك وهي تقول برجاء: وانت يا حبيبي ... تحدث مع جواهر علها تقتنع بإنهاء فترة العزوبية البائسة وتتزوج
ابتسم بمجاملة ...... ولحق جواهر ....... السنجابة المشتعلة من الغضب
يمشي قربها بصمت .. يضع يديه داخل جيوب جاكيته .... ليقول ببرود تام: لم لم تخبريني بأمر خطبتك ؟
ردت بوقاحة ... وبوتيرة حادة: ولمَ اخبرك ؟ ... هو شأن لا يهمك
لعق اسنانه من الداخل ..... وقال بذات صوته الهادئ المثلّج: جواهر ... ما زلت احافظ على وتيرة صوتي .. فلتحافظي عليه انتي كذلك
لتقاطعه بحدة: لن افعل ... وبالمناسبة ... تهاني لك ... الزواج من انجلينا هو انجح قرار صدر منك في حياتك ... انجح حتى من قرارات الامم المتحدة البائسة
خدشها بنظرته .... وقال: اتسخرين مني ؟
أصدرت صوتاً ساخراً من حنجرتها وقالت: وهل أجرؤ ؟
تأمل المارة حوله ليسأل ببرود مستفز: جواهر ... هل تكرهين رؤية انجلينا زوجةً لي ؟
وقفت فجأة وقابلته بالتفاتة أظهرت قامتها الرشيقة ...
المطر يسقط على وجهها الندي قطرة قطرة ..
لتسأل من بين عيناها الواسعتان المتلألئتان بمشاعر عاصفة: هل تسأل الآن جواهر صديقة عائلتك الصغيرة ... ام جواهر الموظفة عندك سيد ديدريك ؟
تأمل نظرتها ذات الألف معنى ومعنى .... وقال بصوته الرخيم: اسأل جواهر ... جواهر التي تعشق اطفالي
ارتعش فكها بألم
ما دام يعلم انها تعشق اطفاله
فـ لم يعتقد انها قاسية حد انها ستقبل بسهولة بأن تكون انجلينا كـ ام بديلة لهم !
حد انها تعلم انها في المستقبل ممكن ان تبتعد جسدياً عنهم ولا تراهم بسبب خبث تلك الشيطانة !
تأمل عيناها لحظات ..... وهمس: لمَ ألمح الحزن بعيناكِ ؟
كزت على اسنانه لتهتف بصوت مختنق: لأنك تسأل السؤال وتعلم بإجابته .. تسأله رغبةً منك بإيذائي وجرح قلبي
قلبه يتراقص توتراً .... لا يريد التفوه بما يجول في خاطره .. في الحقيقة
بما يجول في خاطره منذ مدة
لكنه .. والآن وهو واقف امامها ...... يرى تأثرها الصادق .... ومشاعرها الفاضحة
يضعف
يضعف ويكاد يتجاوز خطوط محظورة وضعها منذ سنين طويلة وقرر الا يتجاوزها
هي تضعفه
يكره الاعتراف بهذا لكنها الحقيقة !
هي تزيح عنه آلامه .... واحزانه .... تنفض عن قلبه تراباً .... وحجارة ....
يراها منارة
للتيه في روحه .. للمارة والحيارى ..
لا يحبها حب المجانين .... او حب السذّج والعذارى
بل حب الأمان ... والطمأنينة ... والراحة
ولكم يفتقدهم الآن .... ويتوق لهم توق بارد الروح للحرارة ...
دفعها احد المارة بخشونة وهو يسير راكضاً ... وكادت تسقط على وجهها لولا يداه اللتان تلقفتاها بسرعة
سألها بقلق حقيقي: هل ... هل انتِ بخير جواهر ؟؟
لأول مرة تشعر بملمسه .... وتشم رائحته المهلكة قريبة منها
رائحة آتية من عنقه
في الحقيقة
هذه هي المرة الاولى التي يمسكها رجل هكذا
واي رجل ! واي رجل يالله !
بهلع ... وذهول .... دفعت نفسها عنه بعيداً وهي تكاد تبكي
بل من هول مشاعرها المتراكمة ... من فرط وجع قلبها العاشق .... وصدمتها بأن ملمس ديدريك كان كالجنة .. كزقزقة العصافير ... كحلاوة الربيع
تساقطت دموعها وهرعت راكضة تريد الابتعاد عنه
هو ..... ومن شدة ارتباكه وتشتت سيطرته التي لطالما كانت كالصوان
لحقها منادياً بجبين متغضّن: جواهر اصبري
صاحت من بين دموعها ... تشعر بالخزي من ضعفها ولا تريده ان يسخر منها اكثر ..
يكفيها ما نالته من جفاء وسخرية وبرود
يكفيها حقاً !
: عد يا ديدريك واتركني ارجوك
ثلاث خطوات سريعة حتى وصل لها وامسك ذراعها يريد ايقافها
لتتوقف امامه جرّاء سحبته العنيفة
لتلطم يده بقوة وهي تهدده باكية غاضبة: احذرك ديدريك .. انك تتجاوز حدودك
هدر وهو يرفع شعره المبلل من جبينه وعيناه: اخرسي
صاحت وهي لم تلحظ ان حجابها بدأ يرتخي .. بل بدأ شعرها يظهر حتى منطقة اعلى رأسها: لن اخرس ... لن اخرس ايها الدب البارد الفج عديم الاحساس
أيها القاسيييي ..
فاتنة .... بشكل يلحظه الجميع ولا يستطيع نكران ذلك ... فتنة نفرته منها ما ان سقطت عيناه عليها منذ سنوات
فتنة اعطته تقييم مبدئي مجحف بحقها ... اذ نظرتها السوداء الانثوية بالفطرة تعطي انطباع انها مدللة تأخذ الامور الجدية باستهتار
ولأنها قريبة آرنود
لم يستطع رفض مطلبه بأن تعمل لديهم ... لكنها اذهلته بعملها واجتهادها وجدارتها العالية !
الفتاة كتلة من فتنة وذكاء وعقل فذ ! كتلة من الحياة والوهج والعطاء !
وجذبته
يكذب ان قال عكس هذا
وجذبته اكثر عندما ساهمت بإنجاح بعض اهم مشاريع الشركة ...
وجذبته اكثر واكثر عندما وقع طفليه في غرامها وكانت لهما الاخت والصديقة المحتوية !
لكن ان يتمادى بمشاعره .... لا لم يقبل بهذا
هو معطوب .... حرفياً هو معطوب في قلبه !
خاف ان يخذلها .. خاف ان يجرحها .. خاف من امور شتى
هي كالزهرة الفواحة وهو كالصبار الميت
فكيف يلتقي الزهر الربيعي مع الصبار البشع الجاف !
لكن ويالترمد روحه
وجد نفسه يريدها .... يريدها كـ زوجة ... وكـ ام .... وكـ شريكة تروي قحل صدره وتزهرها ..
لكنها رغبة يقتلها كل لحظة .. وكل حين
فـ ما الحل الآن
ما الحل !!!
ادخل اصابعه تحت حجابها من الاعلى وارجعه لمكانه على جبينها بخشونة .... قبل ان يمسك طرفي حجابها المتدليتين ويهمس بقسوة ملتهبة: تزوجيني ...
لحظات .. لحظات وهو يحدّق بنظرته القوية المشتعلة ارتعاشة شفتيها المبللتين ... يرى صدمتها .. تشوشها ، ربكتها
قالت بمحاجر حمراء ..... مذهولة بشكل موجع: ها ؟ هل ... هل ....
تنهد بقهر شديد مثقل بالتعب .... وكرر بصوت اشد وطأةً على نبضات قلبها: تزوجيني جواهر ... تزوجيني وكوني امرأتي واماً لأطفالي ... اما لآدم وجاكوب
قالت بوجه باهت وفم فاغر: لكن ... لكن انجـ...
شخر بقسوة ليقول: تباً .. بالتأكيد لن افكر بالزواج من انجلينا حتى لو كانت آخر امرأة على وجه الارض .. رغبت باستفزازكِ فقط
خفقاتها وصلت حنجرتها .... فسألته بحيرة موجعة: كنت تريد استفزازي ؟ لمَ ؟
: لأنك فتاة سليطة اللسان متمردة ... شقية ومثيرة للحنق
هدرت غاضبة وهي تقاوم انجراف ثاني من الدموع: لم تريد الزواج بي اذن !!!
تنهد بغلظة خرجت من اعمق نقطة في حنجرته ... وهو يرفع عيناه للسماء ..... ليهتف: لأنك الأنسب
ثم عاد بأنظاره لها متمعناً بتعابير وجهها المحتقن التائه: لأنك الأفضل ...............
لأنك ... الاطهر
"
عاد يحادث آرنود هاتفاً بعصبية لم تظهر على صوته: لا اعلم ... آرنود مضطر ان انهي الاتصال ... هل تريد شيء مني ؟!
: لا بوس
: الى لقاءٍ قريب اذن
،,
أبوظبي
خرج وهو يحمل ابنه بين ذراعيه .. بعد ان سمحت روزة له برؤيته .. يبدو ان امها وريسه تحدثا لها مطولاً كي تقتنع وتلين من ناحيته !
ابتسم حباً للصغير وهو يلتمس تحسن صحته بعد ترك الشرب
عاد لون الحياة قليلاً لوجهه ... وصار يستطيع الابتسام من غير تردد او خوف او عصبية
لكن لن يكذب ويقول انه لا يتوق أحيانا إليه
السؤال الذي يلازمه طيلة الأسابيع الماضية
لم قرر فجأة ترك الشرب !
سنين طويلة وهو يتجاهل نصائح اهله ومن حوله
ويأبى الانصياع خلف اراداتهم
أهو العناد المتأصل في عروق آل صياح .... ام شعوره الدفين ... ان هناك أمراً عظيماً سيحدث
وسيحتاج كل وعي ويقظة وضمير منه !!!!
ام ببساطة
هي روزة ؟!!
روزة التي الى الآن لا تريد حتى رؤيته وليس فقط العودة إليه
روزة التي تمردت ولأول مرة على أوامر الشيخ صياح
مما سبب في هيجانه اكثر من قبل
لكن اليوم قرر ان يحل المسألة وبأشد الطرق حزماً
ادخل ابنه السيارة برفق ليرن هاتفه فجأة
استله بهدوء .. وقبل ان يتحدث .... سمع الآخر يقول بغلظة: ربيع وينك !!!
: هنيه ابويه توني ظاهر من بيت يديه .. كنت مودي حامد صوبه
اجل
ذهب ليطلب من جده الذهاب معه واعادة روزة لمنزلهما ... بعد ان يقله الى البلد القديمة واتمام اعماله المعلقة هناك كما طلب مسبقاً ..
عندما ترى روزة قدوم الجد لها بنفسه ستنحرج وستقبل
والحمدلله ان الجد وافق .. خاصةً وهو يرى امارات ترك الخمر تظهر على وجه حفيده
هدر والده شاهين بصرامة: تعال اباك
قال شاعراً ان هناك خطب ما: شي صاير !!
شاهين: تعال بليا لغوه زايدة
ربيّع: ان شاء الله
،,
في منزل شاهين بن صياح
دخل المنزل وهو يلقي السلام بخفوت ..... ليرى والده يقف امام ناظري والدته المتوترة الفضولية ... ويذهب من غير ان يرد على سلام ابنه باتجاه مكتبه الخاص
لحق والده بصمت مضطرب حتى اصبحا الاثنان في الداخل
سأله بحاجبان معقودان: شو فيك ابويه !!
: انت شال خنايرنا ؟!
لم يفهم قصد والده .. فهو من الأساس لم يهتم يوماً بخنجره الخاص بل رماه على والده وطلب منه الاحتفاظ به او بيعه ان أراد
: خناير ؟!
زمجر والده مستشيطاً بالغضب: خنايرنا يالمعثووووور .... انت ماخذنهاااا !!!
ربيّع: أ أ لا لا ... ما خذت شي .. أصلا اول مرة اطب مكتبك من 3 سنين
: وينهن عيل !!!
هز كتفاه بحيرة وقال: ا ا ماعرف والله
هدر مستنكراً: انسرقن يعني ؟!
ربيّع: انت وين كنت حاطنهن ؟!
ضرب اباه طاولة مكتبه الضخمة وهو يهتف: كنت مثبتنهم تحت الطاولة
: وينهم يعننن........
وقبل ان يكمل سؤاله .... كان شيئاً يقتحم المكتب من النافذة الزجاجية
ليرى الاثنان غراباً مذبوحاً يسقط على سجادة المكتب الناعم الفاخر لينثر ما تبقى من دماءه عليها ويلوثها
تفجر قلب ربيع بالخفقان الشديد
ليهمس لا ارادي بما كان يتردد برعب في روحه: الله يستر .. الله يستر
: شو ها !!!
هرع ربيع خارجاً من المكتب .... بل كان هروباُ بالأحرى
مردداً ذات كلمته .. يناجي الله الستر
كلمات تلك الثكلى تلاحقه ....... تطارده كـ مطاردة الوحوش !
،,
اليوم التالي – منتصف وقت العصر
خرج الجد وحفيده من المنزل القديم .. بعد ان انهى مسبقاً زيارته لمنزل الامام عبدالكريم
وبعد ان ختم زيارته لشقيقه بوجبة غداء دسمة ثم صلوا صلاة العصر سوياً
بعدها اخذ الجد صيّاح اغراضه الخاصة من صندوقه الحديدي القديم جداً
في الخارج .. ودّع صياح اخيه عند الباب المعدني القديم .... كذلك ودعه ربيع تحت نظرات المسن الباردة الجوفاء له
جابر لم ينسى ما حدث ... ابداً !
عند السيارة ... قال الجد صيّاح لـ ربيّع بصوته المشيب وهو يحمل صندوق ابنه بقوة: ولديه تجدمني موترك .. خلني شوي اتمشى روحي
وكأن جده قد اعطاه البطاقة الخضراء لالتقاط انفاسه الهاربة ..... اتجه نحو سيارته بسرعة
ليترك الجد يرمق المكان حوله بـ صمت معذّب
صمت عاد إليه كـ هيئة صراخ .. صراخ مرير .. وبكاء ... وعويل
ارتعشت اطرافه .. لكنه قاوم .. ليضع الصندوق تحت ابطه ويسير ... عصاته الخشبية تسبق خطوات قدمه
الى اين يا صياح
الى اين يا عليل الروح ؟
يمشي ويمشي حتى ساقته قدماه الى مكان بعيد ... قرب الوادي ..
الساعة السادسة مساءاً الآن
لكنه لا يخاف
ان كان يخاف من شيء .. فمن الله عندما يقف بين يديه ويسأله عما حصل ... عن ليلة الفقد ... عن ليلة الحرق ... عن ليلة انفصال قلبه عن جسده
اخذ يردد الاذكار ما قبل حينونة اذان المغرب ... حتى وصل الى غافة كبيرة
جلس تحتها بصعوبة .... ثم مدد ساقيه بارهاق وهو يتأوه
وصل في اذكاره ... لـ دعاء "اللهم اني اعوذ بك من البخل والجبن واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر"
"واعوذ بك من ان ارد الى ارذل العمر"
فـ انتكس وجهه ألماً سرمدياً ...
هل يكذب ان قال انه لم يأتي لهنا بسبب مخاوفه .. بسبب ما يتفوه به ابنه الكبير عن خرفه ونسيانه المستمر ؟
هل يكذب ويدعي انه لا يخاف نسيان نفسه !
اسمه
ماضيه
انه لا يخاف نسيانه ............ نسيان نجمه ؟
وانخــــرط ببكـــــاء شديــــــــــد
سهيــــل
آه يا بني
كنت امانة احمد
كنت الامانة والعهدة وحبل الرحمة
رفع الصندوق القديم برعشات وآهات ... صندوق خاص بـ احمد تركه في احدى خزائن غرفته القديمة
وعندما توفي الاخير ... اخذ الصندوق وتعهد الا يفتحه احد سوى سهيل عندما يكبر ويبلغ الـ 18 من عمره
وعندما كبر سهيل وبلغ سن الرشد ... حصلت المأساة
ونسيَ امر الصندوق
لم يتذكره سوى منذ ايام
عندها قرر مرعوباً ان يذهب ويأخذه ... خاف ان تتمادى حالة النسيان لديه وينسى امره ..
ليس لأهمية ما فيه
وانما فقط كونه من رائحة الاحباب ورياحين الفؤاد
من بين مقلتاه الحمراوتان ..... سم بـ الرحمن الرحيم
وفتحه
مسح دموعه وهو يستل بعض الاوراق المهترئة .... وخاتم فضة يتوسطه عقيق مُصمم ليُفتَح نصفه للأعلى ..
ترك الخاتم ليفتح ورقة صفراء مميزة
اخذ يقرأ ضاغطاً على محاجره كي يلتقط الاحرف بوضوح
"
سلاماً مني انا الموجود الموعود المهدى لي من السماوات عين الحق وظل السيف
اما بعد،
ابني سهيل ... ابني الذي تحمل بروحك ارواحهم ... بعيناك اعينهم الطامعة
وبقبضتيك افئدتهم المتناحرة الكاذبة
..
.....
....................
"
قرأ الجد صياح كل ما هو مكتوب .... من الألف حتى الياء .... لم يفهم شيئاً بالبداية ... جمل غير مفهومة ... طلاسم غريبة
عبارات خليطة من احرف واشارات
شيئاً فـ شيئاً .... فهم ما يقرأه .... ويا ليته لم يفهم !
قلبه يشتد خفقاناً... عقله يشتد انصهاراً ....... يا إله الارض/ومن عليها ..... لم يكن يعلم انه اتى لمصيره برجليه !
لم يكن يعلم ان دعاء نورة سيستجاب مع آخر نظرة مشوشة مبهمة له نحو مغيب الشمس !
مع آخر زفير له ...... قبل ان يسقط رأسه ارضاً بلا حول منه ولا قوة .....!
،,
بعد مرور أسبوع
تقدم من الضابط ملقياً السلام عليه بنبرة رجولية رنانة: السلام عليكم بوحمد
وقف الضابط تقديراً واحتراماً: وعليكم السلاام ورحمة الله وبركاته
شحالك بوعبدالله ... ربك الا بخير ؟!
: بخير وعافية يعلك بـ عافية ..
جلس امام الضابط وكله امل ان يسمع منه ما يرغب بسماعه
: لقيناه
اشتعل التشويق بعينا هزاع وتقدم بعفوية للأمام منتظراً ان يكمل الضابط حديثه
: ومعاه اثنين من اللي طرشهم لك
تباه تشوفهم !!
هزاع رافعاً سبابته: أبا اشوف واحد بس
اومئ الضابط وهو يفهم مقصد هزاع وقال: فالك طيب
بعد دقائق
كان مروان يقف امام هزاع
الذي ومن شدة الصراع الدائر في جوفه
رغب بقوة تشويه وجه الواقف حتى لا يستطيع التعرف على نفسه بالمرايا
يالله
يسترجع قصص ام المسك ولا يقوى الا الانغماس بالوجع والعذاب
في تلك الليلة .... ليلة الاعتراف الكبير كما اصبح يسميها
لم تخبره عن سهيل ابن عمهم فقط
بل اخبرته عن كل شيء ألم بها بعد غيابه
من زواجها من مروان
وعذابها معه
حتى طلاقها منه
في البداية يعترف انه شعر بالغيرة من ذلك الابن العم الذي لم يعرفه بحق في طفولته
لكن آمن فيما بعد .. وبعد ان رآى الفقد الاخوي بتقاطيع وجهها الحزين ودموعها المنهمرة بفجيعة صادقة
ان ام المسك كانت ترى سهيل اخاً فقط ...
هتف هزاع بنظرة جلمودية: بوحمد .. خلنا بروحنا ما عليك اماره
قال الضابط برحابة صدر: تامر بوعبدالله
: ما يامر عليك عدو .. تسلم الغالي
قال مروان بسخرية حاقدة ما ان اصبحا لوحدهما: مستانس ها ...
معلوم مستانس ..... تتحرا خلاص مديه بتم لـ..
وقبل ان يكمل حديثه
هوى على الأرض صريعا من لكمة قوية من هزاع ... وهو يصرخ بتأوه والدماء تسيل من انفه ..
دنى منه هزاع وقال ببرود شديد:
نتفق على شي قبل ما نبدا رمستنا ...
اســ مـ هـا
محظـــــور علـــى لســـــــانك
تمام ؟!
ظل مروان يتأوه ممسكأ انفه بألم .. بغيظ
وقف هزاع بشموخ .... ثم قال:
حلو .. خل ندخل الحين في موضوعنا
جلس نصف جلسة على طاولة الضابط واردف بجبروت:
عندك خيارين لا ثالث لهما
زمجر مروان بغضب: عسسسسسكري ... عسسسسكري ...... تعال طلعنيييي
: محد بيرد عليك .. انت للأسف الحينه في ملعبي
وافضل لو تسكت وتسمعني عسب ما تمسي الليلة في الطواري
هدر مروان بجنون: شو تبا خلللللصني !!!
هزاع: تعهد تكتبه بخط ايدك وتوقع عليه
انك ما تقرب صوب حرمتي لا من جريب ولا من بعيد ..
بلس يا حبيبي
تاخذ عقابك مع الجلاب اللي وياك .. امممم اجراء روتيني حاب استمتع فيه شوي
مسح مروان انفه ليقول بحقد عارم: تبطي
ابتسم هزاع رافعاً حاجبه بسخرية ...... وتابع بعدم مبالاة: او تأخذ العقاب كله روحك
لا تنسى انها محاولة قتل .. و....
هدر مروان باعتراض: منو قااااال ... انا ما كنت أباهم يجتلووونك
بابتسامة واسعة مستفزة: انا قلت الحين
: اننننت .....
اخرسه هزاع بقسوة: اشششش ما كملت رمستي .....
او تأخذ عقابك كله روحك ...
اظهر ورقة من جيبه ولوّح بها امام عيني مروان واكمل: وهاي تنتشر في البلاد كلها
طبعاً الجمسات السود اول من بيرحبون بك ويقهويونك ..
اتسعت عينا مروان بصدمة مريعة: مـ من وين يبت هـ هالصوووورة !!!
هزاع بنظرة براقة: ها شو قلت !!!
مروان بهلع: انا .... انا كنت مـ مريييض ... و و ما كنت في وعيي وقتها ... مـ ما تروم تسوي شي بهالصوورة لو استخدمتها ضدي
هزاع بخبث: وين الدليل على انك كنت مريض وقتها ؟!
مروان بضياع: مـ مديه خبرتك...؟
قبل ان يلتقط أنفاسه
كان يهوى على الأرض بعد ان ركل هزاع احدى ساقيه
: قلتلك ... اسمها محظور على لسانك
هدر مروان بعنف: هي دليلي .... هي تقدر تشهد اني كنت ممسوووس ذيك الفترة
واني ما كنت في وعيي موووول
هزاع: طبعا .. هي الدليل الوحيد اللي عندك ..... والدليل اللي مستحيل تستخدمه لصالحك
جلس على ركبة واحدة واكمل باصقاً كل كلمة بقهر لا حد له:
كيف قدرت تعذبها كل هالعذاب .... رد عليه !!!!
كيف قدرت تصبحها بـ كف ... وتمسيها بـ كف .. وبين يدران مخزن اظلم ما فيه الا الصراصير والفيران ؟!
شعر بالغثيان وهو يتذكر شهقاتها بين احضانه ... وتخبره بـ قلب مُهلك كيف كان مروان يعاملها كـ جارية حقيرة لا كـ زوجته:
كيف قدرت تعيش بنت عمي الذل والحزن والعذاب ..!!!
: انا .... انا ...
بكى كـ طفل مرتعب تائه مردفاً: كنت احبهاااااااااا .... والله كنت احبهااااااا
اوجعته الكلمة حتى الصميم ... فانفجر بجنون: تحبها وتسوي فيها كل هاااا !!!
: ما كنت في وعيي ... والله ما..... ما ....
حـ حرمتي الأولية .... سحـ .... سحرتني ...... خلتني اشوف الشياطين في ويه مـ مديه ..... والله ما كنت في ......
لطمه كفاً قاسياً وزمجر بغضب فتّاك: جذااااااااااااااااااااب
انت ما كنت ممسوس ... هاي جذبة اخترعتها عليها بعد ما هجت منك
عسب تسامحك وترجعلك
اللي كان فيك مرض نفسي ... وهي روحها يلين الحيييينه ما تعرف عن جذبتك
تلون وجه مروان وامتقع ..... وصور طفولته المليئة بدماء امه على يد ابيه تهوى به الى القاع شيئاً فشيئاً
ابتعد عنه هزاع وهو يلتقط بسرعة وعنف الهواء من حوله ..
ثم قال مولياً مروان ظهره:
عطني جوابك الحينه
: مـ من وين يبت الصورة !!
اخرسه هزاع بصوت جبار: مب شغلك
قاطع حديثهما دخول الضابط والذي قال موجهاً نظرات حادة لـ مروان: ملعوزنك مروان يا بوعبدالله ؟
رمق هزاع مروان بنظرة ذات معنى: لا ....... لين الحين ....
أقول يا ..... مروان
شحوال ربيعك .... بوشهري ؟!
هدر مروان بهستيرية: بـ بوعبدالله .... بوعبدالله بارك الله فيك ..... خلنا على موضوعنا ..... خـ خلاص ... امررره اللي تباه بيصير ... عـ عطني التعهد خل أوقع عليه الحينه .....
بعد ربع ساعة
خرج من قسم الشرطة .. نافضاً ثوبه وكأنه يزيح وسخاً عالقاً فيه ... رؤيته مروان منذ لحظات كانت وساخةً له بحق !
عاد ادراجه للمنزل لأخذ مديه والولدين والذهاب لرؤية جدهم الراقد في المستشفى منذ اسبوع
جده ... آهٍ يا جده
جده صياح الذي دخل غيبوبة سكر مفاجأة اثر ازمة تنفسية حادة وارتفاع في ضغط الدم ..
ظل وجميع رجال العائلة حوله هو واشقائه وابناء عمومته ... حتى اشقاء جده وابناءهم قد اتوا من البلدة القديمة لرؤيته والاطمئنان عليه
لطالما كان صياح العزوة والعزة لهم
وانتكاستهم هذه كـ انتكاسة ظهورهم الشامخة
تذكر انهيار مسكه الجميلة .. مسكه الحنونة العطوفة
كذلك تذكر روزة اخته الكبيرة ... وانهيارها هي الأخرى
وعمته صنعا .... وعمته المها ...
الذي استغربه حقاً ... صمت عمته ريسه التام !
وكأن الذي يرقد بين الحياة والموت شخصاً آخر غير والدها
صمت شابه تبلد فظيع .... لا تعابير فيه
لكنها كانت توبخ كل من يبكي امامها .... توبخ بقسوة وتقول فقط "صيَاح بخير"
تنهد بإرهاق .... متذكراً عمه منصور .... يجب ان يخبر الأخير عن حالة جده .... تأخر بإخباره بما فيه الكفاية ..... اذ ان ريسه قد وصته منذ أيام لمخابرته واعلامه لكنه ينسى مع انشغاله المستمر
،,
المستشفى العام التابع لإحدى مناطق امارة الفجيرة
الجميع بلا استثناء سأل ربيع عما حصل لكنه لم يجبهم سوى بـ "ماعرف"
وهذا الصدق ... هو لا يعلم ما جرى !
عندما كان ينتظر جد في السيارة مدة طويلة ... لاحظ تأخره ... ولم يخرجه من حالة بلادة العقل غير صوت العم جابر مستنكراً ويسأل عن اخيه عند خروجه لأداء صلاة المغرب في المسجد
فاستنفر والعم جابر بسرعة هرعين يبحثون عن صياح
وعندما وجدوه ... رأوه مرمياً على الارض وبين يديه الصندوق وحوله اوراق وخاتم
لم يخبر ربيع ابناء القبيلة عن امر الصندوق والاوراق اذ لا يعرف الى الآن محتواهم .. لأن العم جابر لملم كل شيء بسرعة واخذ الصندوق معه ... قبل ان يطلب من ربيع جلب سيارته الى مكان سقوط صياح والذهاب به الى المستشفى
،,
امريكــــا
يمسد شعر ابنته النائمة على ركبته بحنان جياش
ممتن هو لتقبلها الواضح بوجوده .... الايام السابقة كانت كفيلة ان يحصلا على وقت كافٍ كي يتعرفا ويتحدثا ويكوّنا علاقة اشبه بالصداقة
اخطئ عندما فكر بالعودة للبلاد وابنته ما زالت تشعر بالغربة منه ومعه
كان عليه في البداية ان يلّين حديد سنوات الفقد والبعد .. فالفتاة لم تعرف اباً من قبل ... ووفقاً لحديثها كانت تعتقد انه مسافر وسيعود يوماً ما .. يبدو ان هذا ما قالته لها امها سارة !
تذكر حادثة الخطف والقناص .. ليحمد الله ان سارة والفتاة لم يحدث لهما مكروه بسببه
سارة
لن يكذب ان قال ان لديه شكوك تراوده ناحيتها ..
منذ ان اتى ليطالب بابنته .... او بالأحرى يأخذ زوجته وابنته
وهي في حالة صمت غير طبيعية
صحيح انها تحدثت معه في اول لقاء ... وصحيح ان مواجهة حامية حصلت بينهما قبل موعد سفرهما ذلك والذي تأجل على اثر خطف خوليان لها
لكن ..... خطأ ..... هناك خطأ ما يدور حوله ولا يكاد يلمسه !
هل لان سارة قد تحجبت ؟
لا لا يظن .... رغم ان سارة التي يعرفها قبل تسع سنوات ما كانت لتقتنع بلبس الحجاب
كما قالت قبلاً ... تكره ما تسميه قيود اجتماعية .. هي لم تكره الحجاب
لكنها كرهت القالب اللي وُضع فيه اجتماعياً ..!
اذن ما الخطأ ! أهي الأمومة من غيرتها واحالتها لـ امرأة اخرى !
احتقن وجهه متذكراً وجهها الذي اصبح أكثر حلاوةً
وتقاسيم جسدها الذي غدا اكثر نضوجاً وامتلاءاً
اكتفى الايام السابقة بالرؤية ... الرؤية التي تسبب الحسرة في قلب اي رجل طبيعي مثله !
حسناً .. كبريائه لن يعترف بحقيقة انها تهرب منه كلما اصبح في دائرة القرب منها وأنها الى الان ما زالت تحافظ على رأسها مُغطى وكأنها تخبره انه غريب وسيظل غريب
لا يريد التقرب منها حتى ولو بلمس اليد وهي تتعامل معه بهذه الغرابة والربكة
سيظل "كما فعل منذ ان أتى" .... مقيماً في شقته الفندقية حتى يحين موعد سفرهما القادم
ولا يعرف متى بالضبط ..!
فـ مطار فلوريدا قد اعلق اثر احتجاجات ومظاهرات تخريبية امام كل بواباتها
ربت على المكان الخالي قربه وقال بهدوء: تعالي يلسي عدالي
جلست قباله على المقعد المتفرد لتهتف ببرود: البنت يقدت تقدي تيد بيتك
سألها متجاهلاً وقاحتها: منو كنتي ترمسين من شوي !!
سارة بتهكم: عفواً !
هتف بحزم بارد: سؤالي واضح .. منو كنتي ترمسين ؟
شخرت بسخرية وقالت: زوج زبونة .. يطلب موعد مساج وعناية كاملة لزوجته كـ هدية لعيد ميلادها
لمحت الاستفهامات تحلق فوق رأسه فـ قالت مردفة بلكنة امريكية: اجل ... بالطبع انت لا تعلم اني املك ميكز تجميلي ... وعملي ناجح .. الفضل لله وحده
منذ قدومه وهي تشعره بالدناءة .... بالتقصير
بأنه تعامل مع ما مضى بغير وجه حق !
في الحقيقة .... هي صادقة ..
تخيلها وحيدة وسط الغرباء مع طفلة صغيرة
سنين طويلة
تكافح وتعمل وتجتهد حتى تسير في هذا العالم القاسي وتساير مجرياته التي بالغالب تكون مجحفة بحقها وحق ابنتها
لكَم يشعر بالحقارة والخسة !
هذه ليست بمرؤة آل صياح
ليست من شيمهم ترك ما لهم بعيداً عنهم ينهشونهم الضباع
قال بثقة .... عازماً على تصحيح اغلاطه المتراكمة: بعوضكن .. باذن الله بعوضكن سارة
رأت الصدق بعيناه لكنها لم تبالي ... من هي اساساً بالنسبة له !
اقتربت منه تريد حمل ابنتها لتهتف ببرود تام: عن اذنك بشل بنتي بحطها فـ فياشها .. اتمنى اذا يجعت ما احصلك
تجاهل مرة أخرى وقاحتها في الحديث معه "رغم انه لا يتجاهل الاساءات ابداً" ... لكنه ما زال تحت تأثير شعور الندم والأسف والحقد على الذات ..
عندما دنت منه كي تحمل ابنتها .. رفع يده يريد لمس وجهها .. فقط لمسه علّه يشعر انه ما زال يقف على ارضٍ ثابتة
شهقت سارة مرعوبة .. متراجعة بعنف للخلف
تباً .. ارتعدت اوصال الثبات فيها ..... اووووففف يجب الا تظل بهذا الفزع المستمر !
هدرت غاضبة: لو سمحت لا تلمسني .. صح بعدني على ذمتك .. والله العالم لين متى .. بس ما اسمحلك تلمسني .... انت بالنسبة لي غييب ... صيت غييب من يوم طلعت من حياتي بإيادتك
قال فجأة بنظرة مظلمة: تبين تطلقين مني !!
هتفت بذات غضبها المشتعل: يا ليييييييت ... اتمنى والله لو تعتقني لوجه الله ... طلقني وفكني
خلني اعيش مع بنتي بياحة بعيد عن المشاكل ... من يوم ييت والمصايب تهل علينا
كلماتها كانت قاسية ويعترف انها محقة
لقد جلب لهم المشاكل عندما اتى .... فقبل ان يأتي كانوا يعيشون حياة هادئة بعيداً عن صخب عالمه القذر اذ ان موت والدها وانتهاء سلسلة الجرائم والملاحقات والمخاوف اليومية كانوا بالفعل مطويّين قبل رحيله .... أي انه هو السبب الأول الآن يما يحصل لهم ....
اخفض عيناه بصمت .... فـ قرر الا يعلّق على ما قالته .... حمل ابنته وهو يقول: انا بوديها فراشها
تركته مبتعدةً عنه وهي تزفر بـ انزعاج حقيقي .... القرب منه يجعل قفصها الصدري في انقباض على الدوام !
بعد دقائق خرج من الغرفة ... وقرر ان يأخذ مفتاح سيارته ويرحل ... لكنه توقف عندما سمعها تهمس بغضب في الرواق لأحدهم: مايكل ما بك اليوم !!
قلت لك هو فقط يأتي باستمرار لابنته ... لا توجد علاقة بيني وبينه
توقف بتحفز قبل ان يتراجع متوارياً عن نظرها ... فـ سمعها تكمل بحدة: لا تبدأ بغيرتك الآن .. فالوضع لا يحتمل المزيد من الضغوطات
..
: مايكل انتهينا ارجوك ... واتمنى ان تفعل ما طلبته منك مسبقاً
..
تنهدت براحة وقالت: ممتنة لك ... هلا اعطيتني رقمك الآخر لأتواصل معك وقت الضرورة ؟
امسكت قلم رصاص ودوّنت ما تسمعه على بطاقة معلقة على الحائط ثم قالت:
شكراً لك الى اللقاء
جحظت عيناه صدمةً عاتية .... صدمة اخرست حواسه لدقائق
هل ما سمعه حقيقة !
سارة ..... كانت تتحدث بشكل طبيعي !
بـ راء كـــاملـــة !
ولحظة ...... لحظة ...
كيــــــــف !
كـــيف تستخــدم يدهــا اليمنــى وهــــي عســـــراء !
نهــاية الفصــل الخامــس عشــرة
|