كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل ،, لـ لولوه بنت عبدالله (بـ حلة جديدة-2020م)
الفصل_الأول
حاضرٌ يتحدث
اندفعت وليست غير اشباح الغضب المجنون المتوعد هي ما ترقص بثمالة فوق ملامح وجهها معدوم التعابير
ما ان همت بفتح باب سيارتها حتى تراجعت بزمجرة خشنة وركلته وهي تتذكر خلو سيارتها من البنزين
لم تترك لعقلها اي مجال للتفكير .. غضبها ... وحقدها .. كانا اضخم من اي تفكير
ثبتت طرف حجابها داخل تجويفة عنقها وخرجت لتوقف سيارة أجرة
بعد ان ركبت اول سيارة وقفت امامها .... لقنت سائقها بصوت قاسي مخيف مكان وجهتها بالضبط
ما هي الا دقائق .. حتى توقفت السيارة امام المنزل الكبير .. رمت النقود عليه من فوق كتفه اليمنى وخرجت بسرعة
عندما اصبحت امام باب المنزل الضخم .. رفعت رأسها بأنفة لا أنفة بعدها .. أنفة أنثى تعرف ما تريد ... وتفعل دوماً ما تريد
ورسمت على وجهها ذلك التعبير الذي تفطن تأثيره .. على الرجال قبل النساء .. تعبير يُحسب له ألف حساب .... ودخلت
تجاهلت همزات النساء ولمزات الفتيات .. وتجاهلت تلك التي هرعت إليها بقلق/توجس وترجوها ان تستعيذ بالله وان تحدر الشيطان ولا تفعل ما لا يحمد عقباه
ببساطة .... اشاحت بوجهها ودلفت المجلس الكبير العامر بالنساء بصخبهن واصواتهن العالية
بدخولها سكنت حركات الأعين .... وانخرست الألسن ... كيف لا وهي بكامل شخصها .. كانت "هي"
ببطء .. بتلكؤ مخيف .. رفعت جانب ثغرها ببسمة لا تكاد تُرى .... وقالت بصوت صافي لا يعرف الاهتزاز/البحات: السلام عليكم
جالت بمقلتاها المظلمتان حول وجوه النساء والفتيات بأذنان تلتقطان الردود المتراوحة بين مقتضبة وهادئة ومستغربة .... وغاضبة
توقفت عيناها على وجهان .. وجهان سببت انتفاضة في روحها لم تظهر تبعاتها على وجهها الجامد ... وببعض خطوات كانت قد توسطت المجلس .... التقطت نظرات احدهم .. نظرات موبخة تخبرها بصمت ان "تقطع حبل الشر" ... الا انها رفعت حاجباً ببرود متجمد .. وتجاهلت للمرة الثانية
حدّقت مرة أخرى بـ الوجهان اللذان ارسلا بتعابيرهما إليها كل أنواع الغل .. الحقد ... والخوف ... وقالت بصوت مرتج لا ينبأ بالخير: بنــت صيــاح
أتاها الرد من الخلف: يا لبيــه
: خبريني عنيه افدا راسج .. يزات اللي ينهش لحم عزوتج من عمام وخوال .. عزوتج ومن تنتخيبه ... شو هي ...؟!
بلا اي تفكير اجابتها المرأة بصوت شديد: انهش عينه قبل لسانه الوصخ .. الا هليه وعزوتيه
ارتفع جانب ثغرها عن بسمة قاسية .. وقالت بنظرة لو كانت سيفاً لقطعت الأعناق: دومج يا امايه ريسة تعيبيني .. بس لا ... انا اقول خل نعطي مخوخهم قدرها المناسب ونقصر الشر
تلكأت وهي تأرجح شفتيها فوق بسمة ساخرة وتابعت: وعسب نقصر الشر نقولهم .... حياكم .... الله
ارتفعت الشهقات وبدأت أعين النساء تبحث عمن يُوجّه لها الكلام المهين ... ولم تجد الأعين سوى الاستقرار على وجهان .. وجهان كانا هما رقعة لعبة رمي السهام .. والسهام هذه المرة كانت منها "هي"
رفعت يدها نحو باب المجلس الكبير وقال بصوت لا يقبل المناقشة: بـــرع
ازدادت الشهقات وبدأ الهمز واللمز بين النسوة يأخذ منحنى أشد خطورة الا انها لم تأبه .. كيف تأبه وهي لا تعرف معنى ان تأبه
كررت بقسوة للإمرأتين: بـرع
سرعان ما أكملت وهي ترى الامرأتين تنهضان بصدمة أخذت مأخذها الكامل من وجوههن المحتقنة بالخزي/الحرج: بيت صياح يتعذركن
.....: ر ريسه .. عايبنج اللي يسسستوي !؟
اجابت ريسة التي بقربها بنظرة لامعة يعلوها الفخر: خلوها .. بنتيه تعرف شو تسوي
.....: ملعونة الصير يا يمول .. محد غيرها اتصلبها وفتت العلوم .. لسانها يباله قصصص
لملمت المرأة الأكبر سناً عباءتها بغضب عاتي وهتفت لأختها الاصغر سناً بقسوة/حرج شديد: نشي فطووم نششششي .... الشرهة عليه اللي سمعت رمستج وييت
وقبل ان تخرجا بأعين منكوسة ملؤها الذل .. تسمرتا بمكانهما والصوت نفسه يقول:
سمعنّي انتي وياها .. وكل من يفكر يتعدى حدوده ويااااايه
رفعت أصابعها وأشرت على سبابتها بإبهامها وصدح صوتها المتوحش ارجاء المكان والمنزل بأكمله:
انا خالي عبدالرحمن بوالشريس علني افداه
واشرت على وسطاها:
وخالي زيد بوالشريس علني افداه
اشرت على بنصرها وهي ترص على حروفها:
وخااااالي مبارك بوالشريس علني افدااه
اشرت على خنصرها:
وانا خااالي سالم بوالشريس علني افداااه
اشتدت ظلمة عيناها وهي تختم تعديدها بإبهامها وحده: وخالي هادف .. هادف بوالشريس علني افداه وافدا عينه
اشتعل المكان بحرارة التوتر ... بلهيب الترقب والحيرة والاضطراب .. كيف لا وهي تقف كالعنقاء تتحدث وكأن الدنيا كلها تدور حولها هي فقط ...!
كيف لا وهي التي ارعبت الرجال قبل النساء بـ "نظرة" ..!
اردفت باحتقار ماجن بعينها الراكدة/القوية:
هالشيوخ خوالي ... خوال العز والطيب .. خوال السند في الرخا والشدايد .... والله ... ان عرفت انكن ترمسن عن هالشيوخ بكلمة وحدة .... ساعتها ما بنهش لسانكن الوصخ .. لا ...... عيونكن بتغدي تيَل ألعب ابهن ... تسمعن !!!
طحنت المرأة الكبرى اسنانها بغضب وبشعورها المتصاعد بالخزي .. قبل ان تمسك بحدة يد شقيقتها وتجرها الى الخارج
اما هي
فالتفتت للجميع واكملت بصوت ارتفع واشتد من القسوة العاصفة:
والرمسة هاي لليميع ...... بيت صياح بن احمد بن صياح مكرم وداره دار عز وخير وحشيمة .. ولو سمع هو روحه اللي ينقال بين يدران داره جان ما برد غيظه الا تفله ع شوارب رياييلكن ... احمدن ربكن انيه بعديها هالمره الكن يا غير والله .. واللي رفع سبع وبسط سبع .. ان انعاد اللي وصلني بخلي علوم كل وحده فيكن علج في حلوج العرب
حدشت الجميع نظرة شرسة خاطفة قبل ان تستدير وتخرج من المكان .... خرجت وهي تدرك تماماً انها حبست نفس كل فرد جالس وواقف .. حبست انفاسهم وشدت من قبضتها بوحشية
ما ان خرجت واختفت من امام الجميع .... حتى سألت احدى النسوة وهي تحمل تعابير منبهرة .. مذهولة .. مرتبكة: مـ مـ منو هاي ؟؟
اجابتها امرأة أخرى بانبهار مشابه .. انبهار تخلله اضطراب بالغ: ما عرفتيها !!!
هاي حــرابــه ...... حــرابــه بنــت ليــث الـ...
،,
بعد خروج الضيوف من منزل صيّاح الكبير
امسكت زند ابنتها التي كانت تضحك بصخب وشقاوة مع صديقاتها وجرّتها بعصبية حتى أدخلت احدى غرف الضيوف السفلية
هدرت بغضب: ياللي ما فيج مخخخخ .. شعنه متصلة بـ بنت عمج ومخبرتنها برمسة الحريم عن عيال بوالشريس ...!! هااااااه ...!!
ما تعرفين حرابة وطبعها الحار يالخبلة ....!
الحمدلله بس ما عفدت عليهن بالخيازرين والنعل
لوت جميلة فمها بتذمر وقالت بعدها بشماتة: احسن ... أصلا ليش خالوه المها تعزمهن ..؟
تعرفين زين ما زين ان حرمة اخوج الملسونة ما بتيوز مول عن لسانها الوصخ .. هي واختها الغبية الدبة
اردفت مغمغمة بصوتٍ خفيض حاقد: زين سوت فيهن حرابة .. عسب مرة ثانية ما يرزن خشومهن في خصوصيات الناس ومشاكلهم
اففففف كريهاااااااااات اعوذ بالله منهن
هدرت الام بغضب من استهتار ابنتها وقلة تهذيبها: يموووول .... اصططططلبي
وسمعيني يا محراك الشر ... آخررر مرة تسوينها وادقين على حرابة وتخبرينها باللي يدور في يمعات الحريم .. ودري عنج قلة العقل والخبال
هتفت ابنتها بحنق طفولي: واللي سوته حرمة اخوج زود عقل منها !!
اللي ما تخيل ... كل ما سلمت على وحده تخبرها بـ السالفة اللي صارت بين خوال حرابة ونزاعتهم على ورث ابوهم الله يرحمه ... وياليت عاده صادقة ..
جذاااااااااااابة الله اكبر عليهااااا .... ما خلت كركم ولا بزار ما حطته في السوالف
تخيلي بس انتي ..... تخيلي شو قالت حق فطوم اخت حمدوه ربيعتي
واخذت تقلد صوت الفتاة بسخرية شديدة: قالتلها ويييي ما عرفتي ..... ولد خلف بوالشريس العود ساير بيت حرمة ابوه المصرية ومهدد اليميع واولهم مبارك اخوه ان ما ظهروا أوراق ملكية بيته وبيت زيد اخوه خليصه بيرفع عليهم قضية ...
حسبي الله عليها يا ربي .... الريال ناقصنه مال وحلال عسب يطالب ببيت جديم اربع في اربع
عنده بدال البيت ثلاث قصور
وهو أصلا قايل ما يبا الورث ..... خلى نصيبه حق خواته الصغيرونات
شو يبا في الورث وهو غارق بالبيزات الله يباركله ويزيده من نعيمه ..... خبريني شو يباااا
اففففففف يالله يا ربي تراويني فيهن يوم هالتافهات اللي ما يستحن
ضربت والدتها كفها الأيمن فوق الايسر هاتفة بصدمة: وشو عرفها حرمة خالج بسالفة الورث !!
هدرت جميلة بانفعال: هاللي انا أبا اعرفه ... بس اكيد اكيد من اختها الصغيرة عهود .. هي ربيعة امينة خالة حرابة .. ويمكن هاييج قالتلها سوالف خربوطية منيه مناك ... الكل يعرف انها تكره اخوانها الكبار بوغابش وبوثابت ... واختها العوده ام حرابة
ومستعده تسوي أي شي عسب تضايق ابهم وتخرب حياتهم
اموت واعرف ... من وين تييب هالحقد كله ... حشى يابوكم لو تنكر ديزل جان خلص
ام جميلة وهي تعقد حاجبيها: لا تحطين في ذمتج حرام
جميلة بثقة غاضبة: اقص اييييدي لو مب هي ورا السااااااالفة
أكملت بمكر وهي ترفع احدى حاجبيها: تصدقين ....!!! جان ما اخبر حرابة ان الطفسة خالتها الحقود هي ورا هالساااالفة
وضعت والدتها يدها على رأسها بجزع وقالت: لا لا دخيلج يا يمول .... يسد اللي سويتيه يالخبلة .... خلج بعيده عن حرابة ولا تظهرين ينونها على البنية وعلينا .. دخيييييلج ...
،,
ظهيرة يومٍ جديد .. ظهيرة تلوي بحزنها الحديد
همست بألم توحش في ذاكرتها كـ توحش نمور الغاب ما ان سقطت عيناها على صورته القديمة: يالله
القلب بعدك مات يا نوره وضياه
اردفت ودمعةٍ حارقة تسقط على وجنتها وتشعل فيها اللهيب: مات واندفن يا حبيبي
عادت ذاكرتها تصرخ بالألم ....... وبالصور المريعة ....... والمرعبة ....... صور عمرها لا يقل عن خمس عشرة سنة !
انتفضت ما ان اقتحم شرودها المظلم صوت طرق باب غرفتها
دخل عليها محمد واحمد التوأمان أبناء شقيقها الأصغر حامد "أبا خليفة" ... وهتفا في ذات الوقت: عموه ريسة يلا حطوا الغداااا
اومأت برأسها بهدوء .... قبل ان تقول بصوت مكتوم: يلا حبايبي نازلة
في الأسفل
حدّقت في المائدة شبه الخالية .... وابتسمت بمرارة
ماذا يا ريسه ......... أتستغربين الآن خلو مائدة الغداء في اليوم الذي من المفترض ان يكون هو اجتماع العائلة بأكملها في منزل والدك ..؟!
هه ... لقد كُتب على هذه العائلة الشتات والشقاء منذ ......
استغفرك يا رب وأتوب إليك .... استغفرك يا رب وأتوب إليك
تنهدت بصوتٍ غير مسموع ثم وقفت باحترام ما ان دخل والدها صالة المنزل
..: وينهم اخوانج ؟
اجابته باقتضاب وهي تساعده على الجلوس: شاهين بعده ما وصل .. وحامد ميهود شوي تقول حرمته ان السكر ارتفع عنده
..: منصور متى بيرد ؟
مع ذكر الاسم الأخير ... تلألأت عيناها بوهج الحب .... فـ منصور هو ابنٌ لها وليس فقط اخ
اجابت بهدوء: ايقول عقب أسبوعين ان شاء الله
عاد والدها يسأل بصوته الغليظ المبحوح: شيخة ما بتيي ؟
هزت كتفيها ببرود وقالت: مادريبها والله
وضعت صنعا "ابنته الأولى من زوجته الثانية الراحلة" صينية الرز الشهي في منتصف السفرة ... واخذت تنادي أولادها وأولاد شقيقتها الصغرى المها
خرجت المها من الحمام وهي تنشف يديها بالمنشفة الصغيرة صائحة بتلذذ: يم يممممي ... تسلم ايدج ام شوق ... البرياني شكله لا يُقااااااااوم
ردت صنعا بنظرة حنونة: يعله بالعافية عليكم .. ان شاء الله يعيبكم عاده .. مسوتنه مخصوص حق ابويه فديته
قالت ريسة ببسمة لم تتجاوز حدود عيناها وهي تغرف لوالدها الرز والدجاج: اكيد بيعيب الشيخ صيّاح بن احمد
...: السلاااااام علييييكم
رد كبير العائلة .... ومن معه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبّل خليفة "ابن حامد" رأس جده قائلاً: شحوالك يالغالي عساك ما تشكي باس ؟؟
رد الجد بحزم هادئ: بخير .. ولله الحمد والمنة
ثم نظر خلف كتف حفيده واردف متسائلاً: وين حرمتك وعيالك ؟
رد خليفة وهو يمشي باتجاه عمته الكبيرة ليقبّل رأسها: ايمان والعيال في دبي .. اليوم عرس بنت اخوها
غضن الجد جبينه وكأن الامر لم يعجبه .... الا انه آثر الصمت
عندما رأت الضيق الواضح على وجهه .. لم تستطع اخماد الشماتة في قلبها
شماتةً اشعرتها ............ بحقارة النفس .......... فلم تجد سوى ان تبتعد عن اعينهم وتذهب الى المطبخ لتخلو بنفسها قليلاً لتتمكن من السيطرة على مشاعرها الحاقدة ............. وعلى ذكرياتها الموجعة
بعد ان هدأت نفسها ..... خرجت ..... ثم سحبت هاتفها ما ان تذكرت شخصاً يجب ان تحادثه
: ألو .. مرحبا حورية
..
: عطيني ماما نورة
..
: راقدة
..
: خلاص يوم تنش قوليلها ماما ريسة تقولج خلج زاهبة على الساعة سبع عشان موعد العيادة .. لا تنسين حورية
..
: مع السلامة
اتاها صوت اختها صنعا المهتم: ما بتيي نورة ؟؟
رفعت ريسة حاجباً بسخرية قاسية .... وقالت: ومن متى نورة اطب بيت ابويه !!
تركتها وهي تضيف باقتضاب: خلوا الحرمة في حالها ... ياها اللي يسدها منكم يا عيال صياح
اتسعت عينا صنعا باستهجان وهي تقول: ريسه خافي الله ... انا شو قلت الحينه ؟؟
وبعدين نحن شو سوينابها !!!
هي اللي مقاطعتنا من سنين ومقاطعه ابويه .... لا تسأل عنه ولا تتنزل تحدر بيته
أغلقت ريسة عيناها بعنف ......... وكتمت قهرها ....... كتمته حتى تمالكت نفسها مرة أخرى
ثم ابتسمت بسمتها المعتادة ... بسمةً قاسية لا تتجاوز حدود عيناها ... وقالت بهدوء ينافي هيجان روحها:
انسي اللي قلته .. لان رمستج هي هي ... ما بتتغير .... وتفكيرج هو هو ما بيتغير .... بس لازم تعرفين بعد
هزت كتفها الأيمن بصقيعية قبل ان تكمل بقسوة: ان الماضي يا بنت صيّاح ما يتغير .. ولا عمره بيتغير
قاطعتها صنعا بضيق عارم: الله يسامحج يا ريسه .. لازم تذكريني باللي صار قبل سنين
جيه تتحريني بليا قلب وما اتضايج من هاك الطاري ..؟
تتحرين انتي روحج اللي مستويعه من ......
غصة حارقة أوقفت سيل كلماتها ..... الا انها اكملت بصوت مختنق: من فراقه
بسخرية لاذعة قالت: من فراق منو ... انطقي اسمه ... خلج قوية لمرة وحده وانطقي اسمه
اشاحت صنعا وجهها بألم: انحلف علينا ما نذكر اسمه بين يدران البيت ... وحلفة صياح ما بكسرها انا على اخر عمري لو على كسر ظهري
وضعت ريسة يدها حول عنقها شاعرةً باختناق يكاد يقتل انفاسها كلياً
بارتعاش أليم .... التفتت مبتعدةً عن اختها الصغرى ذات الثمانية والثلاثون عاماً ... والتي تصغرها بـ عشرون سنة ... وهي تردد كلماتٍ خافتة بعينان جامدتان "مصلوبتان":
بكيتك يا سهيل سماي عمر وضياع .... بكيتك ونعيتك ... ونخيتك وانت بين التراب
لو كنت حي ... يا اصيل ... يا عجيد الفرسان ... ما انظلم مظلوم في دارك ..... ولا ظلم ظالم في في بيت جارك
يا حرقة الفواد عقبك يا ولد نبضي ......... يا حرقة الفواد عقبك .......
همست صنعا بوجع: انسيه يا ريسة .. انسيه واطلبيله الرحمة والمغفرة ... وادعيلنا وياج بحسن الخاتمة
اغلقت ريسة عيناها بألم ...... وقالت بحشرجة: بدعي .... بس بدعي ربي ما يراويكم عذابه لا في الدنيا ولا في الآخرة يا عيال صياح .... اللي سويتوه ما يسويه مسلم يعرف الله ورسوله
ولا تطلبين مني انساه .... انسى عمريه وما انسى اول من نطق في حظني وقالي ماما
عادت صنعا تقول برجاء: عندج بداله خمس .... خمس يا ريسة .... نسيتي عيالج ؟؟
نسيتي ربيّع ..! روزه ..! مدية ..!
نسيتي حبيبة قلبج حرابة .... ومنصور اللي انتي مربتنه على ايدج وعاش كل صغره في حظنج ؟؟
: ما نسيت من ضحيت عمريه كله لجل عينهم .... لكن الغالي يظل في القلب غالي .... اللي انفقد يا صنعا ...
بح صوتها وهي تردف بمرارة لا تضاهى: غـ ...... غالي ........ وماله عوض ........ ابد
ماضٍ يتحدث
ركضت وشعرها الطويل المنفوش يتطاير خلفها ..... صائحة بغضبٍ طفولي: يالحمااااااااار ييب كووووورتي ... ييبهااااا
ريسه: حراااااابة ... حروووووب .. قري مكانج يا بنت صدعتيبناااااا
حرابة بغضب: مامااااااا شوووفي ربووووع ..... صارق كوووورتي
رقص ربيّع حاجباه بمكر محاولاً استفزاز حرابة اكثر .... الا انه سرعان ما صاح بغيظ ما ان اخذت روزة ابنة عمه الكرة ورمتها نحو حرابة
روزة وهي تمد لسانها ببغض طفولي: غبي واحد .. سر انقلع ألعب مع الأولاد ليش يالس ويا البنات !!
زم ربيّع فمه بغضب ...... وصرخ: جب انتي يالخايسة يا ام شعر محروق
حركت بشكل مغيض شعرها البني الفاتح القصير وهي تقول لاويةً شفتيها بحقد: خاست ريحتك .. انقلع انقلع قبل ما اخلي منصور يعلقك في الشيرة
ذهب ربيّع وهو يشمت ببذاءة ابنة عمه روزه ... واخت ابن عمه "بالرضاعة" حرابة
صرخت عمته الكبيرة "وامه" ...... و"مربيته" ....... ريسة: ربيّع خيّل يا ولد ... وودر عنك هاللسان الوصخ ولا بقصلك ايااااااااااه
هزت رأسها بأسف غاضب .... لتضيف مغمغمة: يعلك تكبر يا ولد شاهين .. بوطبيع مايوز عن طبعه
عادت تصرخ مرة أخرى عليه: وين عمك وولد عمك ؟؟
تجاهلها وهو يدخل الحمام ويغلق الباب خلفه بعنف
اجابتها مديه ببراءة وهي تلعب بعروستها الشقراء: عمي منصور وسهيل راحوا ...
انخرس لسانها ما ان أغلقت حرابة فمها فجأة
بعدها اتسعت عينا مديّه عندما تذكرت ان عمها وابن عمها حذراها وحرابة وروزة من اخبار احد بمكان وجودهم الآن
تلعثمت بتوتر وهي تزيح يد حرابة عن فمها: آ آ ..... راحوا الدكان
عقدت ريسة حاجباها بتوجس وسألت: أي دكان ؟؟
ردت حرابة بسرعة: دكان محمد حسن في فريج قوم سعيدان
اومأت العمة الكبيرة رأسها بصمت ثم عادت تنغمس مع "الكجوجة" الخاصة بها مرة أخرى
(الكجوجة/ تُستخدم لعمل التلي الذي يُزيّن به ملابس النسوة والفتيات ... وعمل التلي من الحرف اليدوية القديمة التراثية في دولة الامارات العربية المتحدة)
اقتربت روزة من حرابة ومدية وهمست لهما بخفوت مرتعب: لو ماما ريسة عرفت ان منصور وسهيل راحوا الوادي بتجتلنا من الضرب
حرابة بتمرد: ما بتعرف ما بتعرف انتي بس سكتي ولا تتكلمين
مدية بقلق: انزين شو مودنهم الوادي الحينه .... هاييل مخبّل والله العظيم
غمغمت حرابة بغيظ: سخيفين ما طاعوا يودوني معاهم
فتحت مدية عيناها بصدمة وقالت برعب: من صدقج انتي ..!! انا لو بغوا ينحروني ما سرت الوادي ... اتروع منه والله
: حرااااااااابة
ردت حرابة وهي تقفز واقفة: لبيه مامااااا
ريسة وهي تناولها هاتف المنزل: امج تباج اندوج
اخذت السماعة عن أمها الثانية "ومربيتها" .... وحادثت والدتها عفراء
بعد ان أغلقت سماعة الهاتف سمعت أمها الثانية تقول وهي مندمجة في الكجوجة: ها شو قالت ؟؟
جلست حرابة قربها وقالت بامتعاض طفولي: ليش تخلينها ادق مامااا !!
ريسة بضحك خفيف: هههههههه هي اللي داقه حبيبتي هب اناااا ... جيه هي شو قالت ؟؟
حرابة بذات امتعاضها: قالت بتيي باجر تشلني
مسدت ريسة رأس اصغر ابناءها واكثرهم "قوةّ" و"شقاوةً" .... بحنان بالغ وقالت: انزين ليش زعلانه ؟! ما تبين تشوفين بابااا وماما ويدووه ؟؟؟
حرابة بخشونة طفولية: مابااا .. أبا اتم هنيه معااااج
ريسة محاولةً اقناع صغيرتها الحلوة الخشنة: انا حبيبي في مكاني .. ما بروح مكان ان شاء الله ... سيري سلمي على بابا وماما ويدوه خلاف رديلي
بصمت شديد ... ركضت الى الخارج بوجه عابس ممتقع ..... تعلم ريسة لم ركضت هاربة ........ حاربة ببساطة رغبت بالبكاء ........ وعندما ترغب حرابة بالبكاء فإنها تبتعد عن الجميع ولا يعرف احد مكانها حتى تظهر هي لوحدها !!!
تعترف ريسه انها تألمت الا انها لا تستطيع الرضوخ للصغيرة وفعل كل ما يحلو لها .. هي طفلة ولا تعرف مصلحتها
أهلها وثقوا بها وتركوها تربي صغيرتهم منذ ان كانت بالمهد ...... فهل تجزيهم بأن تحرمهم منها عندما يشتاقوا لها ويرغبوا برؤيتها !!!
لو انها احدى بنات اشقائها لكان الامر هيّن ..... فـ منزل اشقائها ملاصقاً لمنزلها الخاص .... لكن اهل حرابة يقطنون في منطقة أخرى بعيداً قليلاً من منطقتهم
عفراء ...... "ام حرابة" ....... هي في الحقيقة صديقتها وصديقة نورة "ام سهيل" ....... ومرضعة الأخير كذلك ........ وعندما جلبت حرابة الى الدنيا
رغبت ان تفعل كما فعل الآخرون مع ريسة ..... اعطتها إياها وتركتها تربيها ..... وكانت حرابة هي اصغر طفل حازت عليه الأخيرة بعد منصور وربيّع وسهيل وروزه ومديّه
ست نعم انعمها الله عليها بعد ان مات زوجها الحبيب وتركها وحيدة .... بقلبٍ معذب وحياة خالية من طفل يذكرها به
تتذكر جيداً كيف أعطاها والدها اخاها منصور وهو ما زال قطعة بيضاء لذيذة ملفوفة باللحاف السكري المعطر .... وقال بحزم شديد والجميع يسمعه: وهذا منصور ولدج ...... واباكم تسمعوني كلكم ......... منصور من هاليوم ولد ريسة بنت صياح
اشر نحو ابنه شاهين واكمل بصرامة: وولدك ان شاء الله مصيره مصير عمه ...... وانتو شراته
اشر على ابناءه الآخرين ... احمد "أبا سهيل" وحامد "أبا روزة" ..... واكمل:
عيالكم هم عيال ريسة ....... ومحد بيربيهم الا هي ..... تسمعوني !!!
اومأوا برؤوسهم ببسمة رجولية حنونة ...... ليقول احمد بحب اخوي صافي: امره سهيل من صوبها اذا الله كتبلنا شوفته
مرت السنين .... واتاها ربيّع ابن شاهين ربيباً لها .. ومن بعده سهيل ... ومن بعدهم مديّه الناعمة الساذجة ... ثم روزة ... وآخرهم كانت حرابة ........ الخشنة ذات الجمال البري الآسر
جميع الصغار عاشوا معها في منزلها الصغير الملاصق لمنزل عمها جابر .... ولا يذهبون لزيارة آبائهم وامهاتهم في أوقات المدارس سوى نهاية الأسبوع
حتى اتى اليوم الذي بدأ اطفالها يتسربون شيئاً فشيئا .. فـ ما ان بلغ منصور سن الرشد ... حتى عاد لمنزل والده .. صياح الكبير
ثم لحقه ابن اخاه ربيّع الذي عاد لمنزل والده شاهين
ثم سهيل ابن اخاه الآخر والذي ترك امه الحبيبة ريسة وعاد لحضن امه الأولى نورة
وبعده مدية وروزه واللتان عادتا لمنازل آبائهم .. مدية لحقت بـ شقيقها ربيّع .... وروزه لمنزل اباها حامد الذي أصابه الشلل فيما بعد في ساقيه جراء اصابته بالسكري المزمن
وهكذا ...... حتى دخلت حرابة سن صباها وتفتحت ازهارها ..... بعدها أتت والدتها عفراء ..
"والتي تربطها بعائلة صيّاح ليست صداقتها لريسة فقط ولا رابط الرضاعة بل رابط الدم كذلك الذي بين صبحة بنت جابر زوجة اخاها الكبير أبا غابش وبين ريسة بنت صياح ... فالاثنتان بنات عم"
واخذتها من ريسة مع وعد حازم صادق منها ان تجلبها لها كل نهاية أسبوع
حاضرٌ يتحدث
: ريسة .. صنعا .. ما عليكن امارة وحده منكن تزقر البشاكير من برع .. شيخه ياية ويايبة وياها سامان واجياس
همست صنعا بحزن تخلله احترام كبير وما زالت كلمات اختها الأخيرة ترن كـ طبول جهنم في دماغها: انا بزقرهن الغالية .. انتي سيري ريحي عندي ابويه
،,
ليلاً
رفعت جانب فمها بتعبير تجرد من كل شيء الا من الكره الصافي وقالت بحدة: قولوله يوم تحج البقر على قرونها ... ماردله هاللوث لو عطوني مال قارون .. مفتكه من شره سنتين .. تبوني اردله الحين !!! هه يحلم
..: يا حبيبتي يا نور عيني .. بينكم هالياهل المسكين .. لا تظلمينه وتظلمين روحج وتضيعين عمرج .. هو حلف ما بيرد يشرب ولا بيقربه من ثمه ووعدج يسويلج اللي تبينه .. شحقه يباسة الراس !!
ردت بحرقة جوف هتكت روحها هتكاً: غلطانين .. كلكم غلطانين .. انا بظلم روحي لو رديتله وبظلم هاللي ماله ذنب لو خليته يعيش مع ابو شراته .. ان رديتوني له ما بسامحكم وذنبي وذنب هالولد في رقبتكم ليوم الدين
غمغمت العجوز بقلة حيلة: لا حول ولا قوة الا بالله .. من منو وارثه هالعناد وقلة العقل ماعرف
اشاحت بوجهها وردت بصوت متجمد: لو انا قليلة عقل عسب أني مابا أرد لـ ربيّع الردي .. فأنا اعتز بهالشي .. خلوني على عقلي الصغير .. أباه
والدتها بحزن: ما كنتي جيه روزه .. شياج يا امايه .. شمنه هالقهر اللي اشوفه بعينج ؟؟
شعرت بسلك كهربائي يرص على اوردتها رصة قاتلة
قهر !!
اي قهر بحق الله ... لو الذي اشعر به هو القهر لكان الامر هيّن ... لو كان الذي يعتريني محض شعور له معنى وجيز في قاموس اللغة لكان الامر بسيط
انا مقتولة ... مقتولة شر قتلة يا أماه .. تجردت بكل بشاعة من روحي .. من احاسيسي .. من ارادتي
روحي ذهبت ...... ولن تعود
انا .. بخفقاتي .... بكياني كله .. رحلت
رحلت كما رحيل سهيل منذ خمس عشرة سنة
،,
في احدى مناطق براري روسيا الواسعة المخيفة
وضع يده اليمنى على خصره العضلي بينما يده اليسرى كانت تمسك بمقبض سلاحه البني الطويل فوق كتفه بحركة رجولية خشنة
كـ خشونة الحياة التي يعيشها تماماً
حياة لم تكتفِ بالخشونة ... بل شملت الجفاف ... الوحدة ... اليأس ... الهجر ...... والحنين
اشتعلت حواسه واستيقظت ما ان ابصر النمر القادم من بعيد .... وبلا تفكير
رقى جذع الشجرة الضخمة بجواره بعدة قفزات رشيقة
ما ان اصبح في اعلى قمة الشجرة .. حتى انزل سلاحه ووضعه نصب عيناه ببطء وبتروي محترف
هذه لعبته ... ووحده من يجيدها .... ويالهول متعته الخالصة ما ان يدخل حلبتها ويقف منتصباً منتظراً دقة جرس البداية ...... ليهجم
أيعرف هو غير الهجوم والفتك والتلذذ بطعم النصر !!
أسُمِّيَ .... "منصور" .... عبثاً ..!!
ما هي الا ضغطة زناد صغيرة .... حتى خر النمر صريعاً امامه
بنظرته المظلمة ... الفارغة من الإحساس ..... رفع هاتفه اللاسلكي الذي رن وقطع عليه خلوته فجأة
هتف بلكنة أمريكية متمرسة: اهلا سيد مارك
السيد مارك: اهلا بك سيد منصور .. كيف حالك ؟
منصور: بخير شكراً لك .. هل هناك مشكلة ما جعلتك تتصل بي في هذا الوقت ؟!
السيد مارك: لا لا سيد منصور .. فقط اردت ان اذكرك بأنك ستجري مؤتمر صحفي في أمريكا بعد أسبوع واحد .. انت تعلم ان برنامجك قد حطم الرقم القياسي في نسبة متابعات قناة ناشيونال جيوغرافيك ابوظبي
ويبدو ان متابعينك حول العالم اصبحوا شديدو الحماس ليتعرفوا اكثر على الصياد العربي ومصور البراري المحترف
رد بخشونة صوته الطبيعية: لا تقلق سيد مارك ... اني أتذكر كل واجباتي ومواعيدي الرسمية وغير الرسمية ... شكراً على اهتمامك
السيد مارك: على الرحب والسعة .. الى اللقاء
منصور: الى اللقاء
ادخل هاتفها في جيبه ....... ثم قفز لينقذ النمر من اسر ابرة التخدير ... فهو ابداً لم يصطد/لن يصطاد لهدف اللهو برؤية الحيوانات ميتةً امامه !!
هو يصطاد الحيوانات المريضة او المسعورة التي تحتاج للعلاج .... والحيوانات القابلة للإنقراض لإجراء الفحوصات والتجارب عليها
،,
بعد يومان آخران (الاحد)
تحديداً في شركة أبوالشريس الوطنية لزراعة الأسماك
أغلق الهاتف مسترجعاً الحديث الذي اجراه منذ ثوانٍ فقط
رغم استغرابه وحيرته من طلب صديقه .. الا انه هز كتفيه ببرود وامر سكرتيره عبر مكبر الصوت ان يأتي في الحال
بعد ان رمى عليه بعض الأوامر والأشغال الاضافية قال: ابا رقم منصور بن صياح بن احمد الـ...
السكرتير: رقمه مخزن عندي في قائمة العملاء الدائمين من كبار الشخصيات .. في الحال بيكون عندك ان شاء الله يا بوعبدالرحمن
رغم كرهه مناداته بالاسم الأخير ....... الا انه قال بجمود: تسلم راشد
خرج السكرتير ببسمة مهنية صامتة تاركاً مديره الشاب يدور حول نفسه بمقعد مكتبه كـ حلقة دائرية لا نهاية فيها
اول تفكيره انصب على صاحب المكالمة .. وثاني تفكيره انصب على من كان سبباً للمكالمة ... اما ثالث تفكيره ..... فكان منصباً على "ذاك"
على من كره حتى الارتباط باسمه من فرط حقده وتحامله عليه
والده
نظر لنفسه من انعكاس مرآة مكتبته الضخمة .. لوجهه الذي لم يكن الا وجهاً مصغراً من الحامل الرسمي لجيناته
ثم غمغم بخفوت مقتضب: الله العالم يا بوالشريس شو هي خطوتك الياية ... سكوتك ما يبشر بالخير ابد
رنين هاتفه اخرجه من شرود ذهنه الساخن
"الشيخة ام غابش"
ابتسم بحنان جارف واستل هاتفه بسرعة من غير صبر
قال بنبرةٍ لا تخرج الا لها هي: مرحبا مليون في ذمتيه
...: غابش يا ولد عبدالرحمن .. ان ما ييت الساع بزوالك .. عنبو دارك اسبوعين ما رينا شيفتك ولا روحنا ريحتك .. الحينه الحينه تيي ولا والله ما يطب لساني على لسانك شهر كامل
انفجر ضاحكاً بمرح قبل ان يقول بخبث وقد علم ان والدته وصلت حدها الاقصى من الغضب ... فهي ما ان تربطه بوالده يعلم انها غاضبة .. لانها دوماً ما كانت تربطه بها لفخرها الشديد بذاتها وبدمها العريق: افا .. الغوالي محرجين من الخاطر
(محرجين = غاضبين)
أكمل بمكر عابث وهو يستمع لصوت أنفاس والدته المتلاحقة الغاضبة: صبوحتي ...... صبحبح
: صبحبح في عينك يالهرم
غابش: ههههههههههههههههههههههههههههههه وافديت صبحبح يا عرب
بنت يابر ... يالنصخ ... ما يهون عليه زعلج والله ... دقايق وبتحصليني جدامج ان شاء الله
هتفت والدته بسعادة: احللللف
غابش ببسمة رجولية واسعة: ما بجذب عليه طويلة العمر .. يلا زهبيلي الغدا الحين بظهر من الشركة
صاحت والدته ببهجة أمومية مضحكة: واااااايه يعلني افدا غابش ولد صبحة بنت يابر .... يعلني افدااااه وافداااا عيييييينه
يلا يلا سايرة أزهب السفرة .. مع السلااامة
قهقه غابش بقلبٍ ينبض عشقاً وحناناً: ههههههه مع السلامة فديتج .. شوي شوي على روحج عن أطيح الصياني عنج من الفرحة
ام غابش: اقول عن الهذربان الزايد وحرّك موترك بسرعة .. اترياك
واغلقت الهاتف بوجهه وهو ما زال يضحك عليها
وما هي الا دقائق حتى خرج من شركته متوجهاً لمنزل والده .. المنزل الذي ترك العيش فيه منذ ........ سنين طويلة ..!
،,
ادخلت حقيبة الصغير داخل السيارة .. قبل ان تبتسم بسمةً كبيرة لا تناسب شخصاً وقف تحت الشمس الحارة نصف ساعة منتظراً في الخارج: يلا يا بطل ادخل
دخل الصغير بكسل قبل ان تغلق الباب بحرص خلفه .. ثم دارت حول سيارتها وجلست مكانها ... خلف المقود
قالت له وهي ترمقه من مرآتها الأمامية بمزاج عالي جميل: عبودي .. عادي لو خطفنا على اخوك محمد وشليناه من مدرسته ؟
جفلت قليلاً عندما صرخت أختها الصغيرة بضجر/استنكار: وشعنه تطلبين اذنه الشيخ !!!! قسم بالله متفيجة .... تحركي تحركي خسنا من الحرررر ساعتين ونحن نتريا الحبيب يلين ما ظهر
رفعت كلتا حاجبيها بتعجب اخرق وقالت محافظةً على نبرتها الهادئة الرقيقة "المستفزة لأعصاب الغير بشدة": لازم اطلب منه ... يمكن تعبان يبا يرد البيت بسرعة
نظرت للصغير ذو الأربعة أعوام وتابعت غير آبهة لأختها التي تستعر غضباً من مزاجها العالي دوماً وبرودة طبعها التي لا يضاهيها برودة: حبيبي عبودي .... ممكن نخطف على اخوك ولا تعبان وتبا ترد البيت بسرعة ؟
رد الصغير وهو يصارع دخوله عالم النوم بقوة: عادي خالوه
ردت عليه وهو تحرك المقود بمحبة شديدة: شكرًا حبيبي .. ارقد بابا ارقد .. ارتاح فديتك
رمقتها اختها بدهشة مستنكرة قبل ان تجبر نفسها على الصمت ... فأختها الكبيرة لم ولن تتغير ... لن تغير ابداً طبعها "غير المعقول" في معاملة الجميع وكأنهم فازات اثرية ستنكسر بين يديها ان لم تمسك بها بعناية وحذر ... الجميع بلا استثناء .... الصغير والكبير ... القريب والغريب .... الرجل والمرأة
لم تستطع كتم تهكمها اكثر ... فغمغمت بانزعاج: قصوره يقول لا .. جان علقته على النخله في عز هالقايله
حركت يدها اتجاه اختها وصوتها يحتد غيظاً: ام المسك ... لا تيلسين تسوين لعيال ريلج راس وتتعاملين وياهم بهاللين الماصخ ... والله ين باجر بيركبون على ظهرج وبيخلونج مطنزة الهم
غضنت ام المسك جبينها باستنكار وقالت بصوتها الذي مازال محافظاً على رقته وهدوئه وبرودته التامة: وي يا عويش الله يهداج .. من وين تيبين هالافكار الشينة ..!!! ما يسوى عليّه سألت الفقير لو يبا يرد قبل ولا لا .... الله يهداج بس ... ياهل هذا لا تخلينه يسمع هالكلام الجاسي
حركت عائشة فمها وكلام اختها يستمر في اثارة غيظها ... وفضّلت الصمت على ان تتعب احبالها الصوتية من غير فائدة
اختها ... ان صح القول انها اختها ... فهي تتعامل الجميع على انها والدتهم ... حتى زوجها
منذ ولادتها وهي طيبة فوق اللازم .. خانعة فوق اللازم ... رقيقة فوق اللازم .. حذرة ومحافظة على مشاعر الاخرين فوق اللازم والضروري والواجب
حتى زوجة زوجها ... تتعامل معها وكأنها احدى صديقاتها المقربات .. وليس كأنها فتاة اعمت قلب زوجها وسرقته منها بدهاء وخبث
اخذت تحدّق بها بطرف عيناها بتمعن يعلوه الشفقة والحزن
متى ستستفيقي يا انتِ وتنظرين الى العالم بصورته الحقيقية والبشر فيها بصورتهم المختلفة بشرها وخيرها ؟؟؟؟
متى ؟؟؟؟؟ ماذا تنتظرين ؟؟؟
أتنتظرين صحوة متأخرة من يد قاسية تنتشلك اسوء انتشال من أحلامك الوردية ؟؟؟؟
أتنتظرين شيطان خبيث يصرخ قرب أذنيك ويخبرك انك لازمتي أحلامك الطفولية الساذجة طويلاً وحان الوقت لتتعاملي مع الواقع المجسد بصورته الخبيثة ؟
عقدت حاجباها بقلق .. ما ان لمحت عينا اختها تهربان نحو شاب ما يمشي على الرصيف مولياً اياهم ظهره .. ولا يظهر من وجهه الا جانب انفه وفكه ....
ما اقلقها حقاً هو رؤية عينا اختها تتلألآن بضبابية معتمة ... وسماعها تهمس بنبرة سحيقة آتية مع ذكريات غابرة مضى عليها زمن طويل:
يشبـــــهه
نظرت عائشة نحو ظهر الشاب الماشي ... وهتفت بتساؤل: منو ؟
ابتسمت ام المسك ابتسامةً بالكاد ظهرت ... ابتسامة غرقت ببحر الحزن الصافي .... وردت بصوت مكتوم خفيض متروي وكأنها تتفنن بكتابة اسم مهيب .. غالي ...... "محظور":
سـهـيـل ....
،,
بعد ساعة وبين شوارع العاصمة المزدحمة في هذا الوقت من النهار
اتاها اتصال سرعان ما أجابت عنه ما أن قرأت الاسم الذي يعتلي شاشة الهاتف
: ألو
: هالو رورو
ابتسمت ابتسامة ثقيلة لتلك المرحة على الدوام: يا مسا الورد على الحلوين
: اوب اوب اوب اليوم منطوقهم حلو وذرب شعندهم !!
رفعت جانب ثغرها مبتسمة بشكل باهت وقالت:
ابد .. المزاج حلو ولله الحمد
: سمعنا علوم يا بنت ليث .. الخبر يقول ان ماشي ضحايا لين الحينه .... صدق !!
ابتسمت بسخرية وقالت: هيه صدق
: هههههههه الحمدلله الحمدلله ..... رورو
تنهدت بخفة لتقول بعدها بجدية: ام المسك .. اسمي حرابه هب رورو
ام المسك بغيظ ناعم: اقول بس انطبي ... قسوتج ورسميتج الزايدة عن حدها على غيري هب عليه انا اختج العوده ...... ولا نسيتي بعد اني اختج
برقت عيناها ببريق حارق: لا ما نسيت .. بس الظاهر الله كتب علينا التناسي في كل يوم يمر علينا
ام المسك: شو تقصدين !!
قبضت على يدها حاقدة على اعصابها التي انفلتت من غير ان تشعر ... لتقول بصوت جامد بعيد: ماشي
: حرابه
ردت بضيق داخلي عميق: لبيه مديه
ام المسك: احم .... لا ....... ماشي
حرابة بحزم: شو ام المسك قولي
بعد صمت مختنق من ام المسك ....... قالت بحشرجة:
متولهة عليه
خرس لسان حرابه وجعا واسى
فـ أكملت ام المسك حديث قلبها بشجن ... وشفافية أليمة: اليوم شفت واحد ذكرني به
ظلت حرابة أسيرة الصمت التام !
فـ شعرت ام المسك بغبائها وتهورها ........ فشرعت بالقول مغمغمة بخفوت: الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته
حرابة باقتضاب: مديه ... برايج
ام المسك بندم شديد: اسفة يا قلبي ادريبج ما تحبين حد يذكرج به
زفرت حرابة من انفها لتقول باقتضاب مرة أخرى: مديه
قاطعتها ام المسك بدموع عالقة: حرابة ....... يـ ...... يدي صياح ..... يبا ......... يبا يشوفج
تأوهت حرابة بأعصاب منفلتة .. لتهتف من بين اسنانها بحرقة: يدج صياح ما يرحم ......... ما يرحممممم
ام المسك برجاء حار: عشاني حرابه سيري عليه ..... مهما كان هو بحسبة يدج .... بنته هي امج الثانيه واللي مربتنج سنين
: محد كاسر ظهري إلا بنته
ام المسك: فديتها امايه ريسه ....... ها شو قلتي !!
حرابة بضيق: إن شاء الله
ام المسك بفرحة عارمة: يعني بتسيريله !!
قالت حرابة بنفاذ صبر وهي تشعر بالندم انها اجابت على اتصال ام المسك وفي هذا الوقت بالذات: إن شاء الله يا ام المسك إن شاء الله تامرينا على شي ثاني !!
ام المسك: روري
حرابة: يالله تصبرني ...... عاد هالصوت يقول ان وراج شي بيعصبي زوووود
ام المسك بحنق: عاد ما عليه منج جان بتعصبين .. المهم عندي اريح ضميري
: خير .... ارمسي يلا
أغلقت ام المسك عيناها وهي تستعد لهجوم حرابة الكاسح: روزه
انفجرت حرابة غاضبة: مددددديه
فتحت عيناها وهي تقول بتوسل: دخيلج حرابه .. دخيلج لا تعصبين خلينا نسولف بهدوء
حرابة بعينان تقدحان شراراً: يوم انج تعرفين اسم هالخايسة يرفع ضغطي ليش تقولينه !!!!
ام المسك باستنكار شديد: وابوي وابوي .... خاست ريحة عدوج يا ربي ....... اختج هاي اختج عيييييييييييب
: تخسسسسي .. لا ابوها ابوي ولا امها امي
ام المسك: حرااااااابه
حرابة بقسوة: اقولج ...... بنت عمج لا ابا اعرفها ولا تعرفني
عندج طاري غيرها يبيه ... ما عندج مع السلامة
ام المسك: اه منج بس ... يلين متى بتمين محاربتنها !!!
: ما أحارب آدمي ميت بالنسبة لي
ام المسك بصدمة تشوبها القهر: كل ها عشان خذت اخويه ربيع !! ولد عمها وبغاها ليش حارقه يوفج جيه !!!
: لا حول ولا قوة الا بالله .... قسم بالله طيرتي ام المزاج الحلو .... أم المسك ربي يحفظج مع السلامة
ام المسك باستهجان: حراااابه
صرخت حرابة بوحشية: مع السلاااااامة قلت
زمت الأخيرة فمها لتغمغم بضيق: مع السلامة
أغلقت حرابة الهاتف بحدة لتزفر بحرقة وهي ترميه بجوارها
تباً .... تلك المديه قد أثارت بحق اعصابها ....... لولا انها تحبها لكانت قد أغلقت الهاتف بوجهها منذ أن ...........
أن ............
آآآهه
استغفرت ربها بغضب ووجهت انظارها نحو الشارع علها تركز قليلاً في دربها
لكن اسم واحد فقط عاند تركيزها
صياح
صياح
صياح
صياح
،,
احكمت روزة اغلاق قنينة العطر بعد ان تأكدت من وضعها كل المقادير العطرية فيها بالتساوي .... ثم وضعتها داخل كيس كبير مع باقي القنينات الزجاجية الطويلة
تنهدت بإرهاق وهي تحك عينها شاعرة بالنعاس
لكنها لن تنام "وهي التي لم تنم طيلة الليلة الماضية" قبل ان تقنع والدتها بالسفر الى سيريلانكا لإتمام مشروع عطرها الجديد
خرجت من غرفتها عابسة ..... لكن العبوس اختفى ما ان لمحت اباها امامها ... جالس كعادته على كرسيه المتحرك .... ويشاهد الاخبار المحلية على التلفاز: مسيتوا بالخير والعافية
رد والدها بحب ابوي بالغ: هلا هلا ..... وينج ما ريتج من الصبح
ابتسمت له بـ حب متبادل لتقول: كنت مشغولة مع الدفعة الأخيرة من العطور
وضع جهاز التلفاز قربه ليقول بحزم: خلاص لازم تيبين وحده تعاونج ... شغلج زاد والطلبيات ما شاء الله تزيد يوم عن يوم
قالت موافقة: ان شاء الله ... بس مب لاقيه وحده زينة لين الحينه
أبا خليفة: بتلاقين ولا يهمج يا مكثر المحتايات للشغل
اومأت برأسها .... لتقول بخفوت: بابا .. أبا اقنع امايه بالسفر .... دخيلك خلك ويايه
أبا خليفة: بعدها مب راضيه !!
روزة باستياء/قهر: لا ..... ما تباني اسافر وانا بعدني ما تراضيت ويا هذاك اللي ما ينطرا
قال اباها بعدم مبالاة: شعليج من امج .. دام اني موافق توكلي على الله وسافري ... خالج فهد عندج .... توه مخلص امتحانات واجازة
روزة بضيق: ما تهون عليه بابااااا .... دخيلك اقنعها ويايه
حرك يده ببرود ليقول: اسميج انتي
،,
دخل المنزل فـ وجد امامه والده
بلا شعور ... اكتسى وجهه الجمود ... وألقى السلام: السلام عليكم
رفع والده حاجباً ..... ورد ساخراً بقسوة: يا مرحبا يا مرحبا ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
قبّل رأسه ....... وقال متسائلاً باقتضاب: امايه وين ؟؟
: والله انا بخير الحمدلله انت شعلومك ؟؟
لم يتمكن والده من اشعاره بالحرج .. وقبل ان يتكلم ويرد كانت امه قادمة نحوه بلهفة ..... وربكة
: هلا حبيبي
قبّل رأسها وقال بدفئ: شحالج الغالية ؟؟
ام غابش بلهفة: بخير وعافية يا عمري انت شخبارك .. شو صحتك ؟
غابش بصوت هادئ متباعد: بخير دامج بخير فديتج
همست له وهي تبتعد عنه: ايلس ويا ابوك شوي يلين ما خلص من المطبخ
سألها بسرعة .... وبحدة: وين الباجي ؟!
استدارت نحوه لتقول معاتبة بصرامة: غابش ... أقولك ايلس ويا ابوك شوي
سكت على مضض ......... وجلس امام ابيه صامتاً
بعد دقيقة اتاه صوت ابيه ساخراً: يقولون ربحت مناقصة مواني دبي
اجابه وهو يعبث بهاتفه: اللي قالك صدق في كلامه
: ويقولون قدرت تشتري خمس الأسهم فيها
غابش بذات نبرته وجلسته ......... فـ هو ابداً لن يشعر والده بما يعتري حناياه: هيه نعم .... الفضل لله سبحانه
: ويقولون .....
وقف بحدة .............. وقاطعه: طويل العمر ... لوين تبا توصل !!
قال اباه عبدالرحمن بوالشريس ببرود بالغ: تعرف زين شو اللي يدور في خاطري
غابش بحاجب مرفوع: قلتلك التمويل مني ومن ربيعي ..... النص بالنص ... كفرنا !!!! تعدينا حدود رب العالمين لا سمح الله !!!!
: منو ها ربيعك !!!
غابش بقسوة: ربيعي يا بويه .... ربيعي
ارتجف داخله من كلمة "ابويه" التي لم يسمعها منه منذ مدة طويلة .... لكنه وكعادته مثّل البرود واللامبالاة
وقال لبكره: ماله اسم ربيعك ؟ ... ولا امتسح اسمه من مخك شرات ما امتسح في أوراق المناقصة والأسهم !!
هدر مستهجناً: تنبش من وراااايه !!
وقف والده ليقول بجبروت: لا ترفع حسك ..... وانا اسوي اللي اباه وما عليه منك
كز على اسنانه بقهر جنوني
والده لم/لن يتغير
بعد ثوانٍ طويلة من نظرات التحدي بينهما ..... قال غابش وهو يجلس بهدوء على مقعده: مب مجبور ارمس عن شغليه
رفع يده ليقول: ارمس الحينه عبدالرحمن بن خلف بوالشريس ..... هب بوغابش
رفع حاجباً ..... وقال: تبا تحط رويسك ...... براسي !!
(رويس = تصغير رأس وتقال للاستصغار)
تأمل والده لحظات .................. قبل ان يقف مرة أخرى ليقترب منه بهدوء ........... ويلثم رأسه بنظرة معتمة
قال بصوت هادئ ............ اخفى خلفه سخرية من نوع خاص .............. وهروب ذكي:
ما عاش اللي يحط رويسه .......... براسك يا بن خلف
سمحلي بسير اتغدى يوعان
: غابش
اجابه بهدوء مستفز: سم
قال والده بثقة مؤكداً: بعرفه ...... منك او من غيرك
ابتسم غابش ببرود ليقول: موفج الغالي
(موفج = موفق)
،,
مساء يوم الخميس
هتفت بلعثمة متوترة وهي ترى زوجها يدخل المنزل بغضب: هـ هزاع .. حبيبي .. شبلاك جيه !! جنك متواجع مع حد
صرخ وهو يقترب من زوجته سعاد: وينهاا ؟؟
عقدت حاجبيها بعد ان قفزت هلعة من صرخته المفاجئة .... فـ هزاع نادراً ما يفقد السيطرة على حلمه: مـ منووه !!
عاد يصرخ من جديد: منو بعد .... مديه ... وينهااا !!
اتسعت عيناها بذهول شديد .. هذه المرة الاولى التي ينادي فيها هزاع "زوجته الاولى" بإسمها المجرد !
هو ولشدة احترامه لها "لابنة عمه التي تكبره اربع سنوات" لا يناديها الا كما يناديها بقية رجال ونساء العائلة ... "ام المسك"
لا ... بل في الحقيقة ..... مناداته لها كانت خاصة
خاصة جداً ....
يناديها فقط "المسك" !
و"حجته المفترضة" هي انه يختصر الاسم لطوله ..... لكن هي وحدها من يعلم ما هي أسبابه الحقيقية... تعرف كل شيء الا انها صامتة كي لا تفتح على نفسها ابواباً لن تجلب لها الا القهر والغضب والغيظ والغيرة ..
اجابت بتوتر: مـ ماعرف .. ليش شو مسوية ؟!
صرخ بغضب أعمى وأشد من ذي قبل: مااااالج خصصصص .... سألتج سؤااال ردي عليه ... وينهااا !!!
قفزت مرة اخرى بخوف شديد: قـ قـسم بالله ماعرف .. قـ قسم بالله ... شـ شـ.....
قبل ان تكمل كلامها كان هزاع يستدير بحدة ويشق الارض غضباً نحو احدى غرف النوم الفخمة في الطابق الارضي .... تحديداً نحو غرفة ام المسك
صاعقة صادمة اخرى ضربت قمة رأسها !
متى تجرأ هزاع واقترب من حدود غرفة "ضرتها التي ليست بضرتها في الواقع" !!
إلهي .... زوجها بدأ يتجاوز المحظورات وبشكل غريب مثير للريبة !!
لا تعرف لمَ شعرت بالخطر فجأة ولا تعرف أيضاً لمَ التقطت هاتفها المحمول بسرعة لترسل رسالة الى ام المسك وتخبرها ان تتأخر قليلاً في العودة الى المنزل
حقاً لا تعرف
ألأنها لا تريد للاثنان ان يجتمعا في غرفة نومٍ واحدة !!
اجل ... هذا هو السبب
والويل لها ان سمحت باقتراب النار من البنزين
،,
: ربيّع .. حووه ازقرك انا
جفل الرجل بقلبٍ وَجِلَ لمجرد "ذكرى" ... وقال بشرود فاض بالغضب: ها شو تبا !!
رمقه صديقه بنظرة خبيثة وقال: منو شاغل فكرك يالحبيب !! أكيد المزه الايديده
اشاح بوجهه الممتقع بنفور وهو يغمغم: افففف ريحتك خايسة من متى مب متسبح انت !!
ضحك صديقه ببرود مستفز غير مبالي جاعلاً من ضحكاته صدى قبيح لصور ما زالت تترنح كالاشباح بمخيلته المغبرة
مخيلته المغبرة كـ غبار سماء داكنة اختفى منها نجم سهيل في ليلة ...... لن تُنسى ابداً ....!
ماضٍ يتحدث
: مات !!
اجابه ابنه الكبير بوجهٍ جامد حد الصقيع: هيه
: شو تم منه !!
هز الثاني رأسه بالنفي ليقول: ولا شي
: خبرتوه باللي وصيتكم عليه !!
ابنه باقتضاب اسود لا حياة فيه: خبرناه ... قلناله يدك غضبان عليك في حياتك ومماتك وان عليك لعنة الله لين ما تتلاقون يميع بين أيده سبحانه .... وانك ...........
وانك بتمحيه من صفحة العايلة والجبيلة كلها شرات ما يمحي هبوب وادي بو الين كل إنسي يدوسه
اشتدت انحناءة ظهر المُسن "الذي لم يكن يوماً الا جباراً" ..... ولم يعلم احد ان هذه الانحناءة لم/لن تستقم البتة .... وانه "معها" قد هدم آخر حصون هامته المنيعة !
وهو كان حاضراً .. بعيداً عن أنظار جده الا انه معهم .. بقلبه وجميع حواسه
جزء منه ما زال يرتعد رعباً/اضطراباً .. وجزء كبير منه يرتعد .......... سعادةً شيطانية قصوى !
نهــــاية الفصــــل الاول
|