كاتب الموضوع :
لولوھ بنت عبدالله،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: روايـة كمـا رحيـل سهيـل،, لـ لولوه بنت عبدالله(بـ حلة جديدة-2020م) الفصل 25
(لا تلهيكم القراءة عن الصلاة يالغوالي)
الفصـــل الســـادس والعشـــرون
،,
مرت ثلاثة أشهر
أشهرٍ كانت عصيبة جداً بجميع المقاييس
في مكانٍ بعيد
مجهول الإحداثيات .. ومجهول التوقيت
فتح عيناه وهو يدعو الله بعذاب الا يظهر البياض امامه مرة أخرى
الا يرفع كفوفه فيرى البياض
الا يخفض عيناه فيرى البياض
الا يستنشق رائحة المكان الأبيض .... الشبيهة برائحة غرف العمليات المقيتة
الا تلتقط اذناه صوت اجهزة التكييف المركزية الطنانة المستفزة
فـ خاب ظنه في كل أمانيه
صرخ وهو يصفع وجهه .... ويضرب رأسه مرة تلو المرة
يريد فقأ عيناه كي لا يرى الابيض
لكن لا شيء حوله
لا شيء فعلياً مُغطى سوى بالبياض
يحدّق حوله بنظرات جاحظة مهتزة
يقبع داخل غرفة كبيرة جداً
كل شيء فيها ابيض .... ومن جميع الاتجاهات
ولا تحتوي الا على سرير ابيض ومرتبة بيضاء وغطاء ابيض
وحتى ألوان المغسلة والمرحاض ورشاش المياه
الموضعين بشكل مرتب ومتراص قرب السرير
كذلك باللون الابيض الناصع البارد
ضرب الباب الابيض وهو يصرخ بهستيرية
بعيناه الجاحظتان المحتقنتان من اثر الارق والحالة النفسية المتدنية:
طلعوووووووني
طلعووووووني خلاااااااااص
بتخخخخخخخخخبل
بموووووووووووووت
ظل على حالته الهستيرية دقائق طويلة
دقائق سبق وان تكررت كثيراً الشهور الماضية
في أول شهر له هنا كان يومياً يصرخ ويستنجد بـ اللا احد
فلا احد يسمعه او يتكلم معه او يراه او يدخل عليه
لا تدخل غرفته سوى ثلاث وجبات يومية من فتحة صغيرة اسفل الباب
وكلها اطعمة باللون الابيض
ارز ابيض .. وزبادي .. وحساء ابيض
تُقدم الوجبات المتشابهة بمعالق بيضاء وصحون بيضاء
اما في ثاني شهر .. فـ خفت حالته قليلاً اذ انه اصبح ثلاث مرات اسبوعياً يقع صريع الهستيرية والصراخ والعويل والبكاء
بداية الشهر الثالث كانت بداية الموت البطيء
لان حالته العقلية بدأت تدخل دهاليز غريبة لكنه اغلب الوقت يحاول صفع نفسه
وتذكيرها انه يجب ان يقاوم .. يجب ان يصارع ..
يجب الا يخضع للضعف ...... لكنه مرتعب حد الموت ...
لا يعرف اين هو .. وكم من الوقت مر عليه هنا ..... ولا يعلم من وضعه هنا اساساً ....!
دار حول الغرفة الواسعة بسرعة جنونية وهو مغمض العينان
لا يريد رؤية اي شيء له علاقة بالبيـــــاض
رؤية احمرار دمه اهون عليه من رؤية اللون الابيض
صرخ من هول هيجانه حتى ضرب برأسه الحائط
يريد رؤية الدم
يريد اراحة عقله قليلاً ورؤية اي لون غير الابيض
لكن حتى الحائط كان مغطى بطبقة سميكة من الفلين الابيض ذو الملمس الناعم البارد
كـ حال المغسلة واجزاء دورة المياه الباقية
وكأن الذي وضعه هنا يعلم انه سينوي اذيّة نفسه في مرحلة ما من مكوثه !
،,
منزل عبدالرحمن ابوالشريس
تكتنفه الغربة من كل صوب .. وشعور اسود يعتصره وهو يحدّق بسقف غرفته القديمة
التي هجرها منذ ان قرر ان يتفرد بحياته ويعيش في منزلٍ خاص به
قفز من سريره برشاقة جسده
قفزة يقاوم فيها اعياءه اذ انه منذ اسبوعان سقط امام ابيه في مواجهة محتدمة بينهما
والسبب ............ "الحرابة"
لينكشف امر مرضه لعائلته
فـ انهارت امه واقسمت عليه الا يبرح منزلها حتى يتعافى
حك ذقنه النامية بـ تجهم
لتتجهم نبضاته الملتاعة اكثر
فـ استرجع لمسات يدها الرقيقة ... وهي تشذب ذقنه بدقة .... وتوبخه بـ عيناها الفاتنتان ان يتأدب والا يفعل أي تصرف ماكر او احمق
تأوه بغلظة حارة
حارة كـ حرارة الجمر ......... وهو يدفع قنينة العطر بحدة
هل كان عقاباً من الله ان يحبها قبل ان يخبرها بالحقيقة بنفسه ؟
هل كان جزاء نيته بأن يحميها ولو كانت حماية مغلفة بالاستغفال والكذب
هو التمرغ بغرامها ؟
طيلة عمره تجنّب الخوض في دوامات العاطفة مع من حوله .... طيلة عمره لم يفقه لغة الحنيّة والتربيت
الا عند شخصان فقط
سهيل واخته
ويعلم الله وحده ..... كم كان احساسه اتجاههما صادق .... ونقي
عندما كان معتوهاً امام حرابة ..... كان يشعر بشكلٍ او بآخر انه على طبيعته
طبيعة الحرية التي لطالما افتقدها وهو يدّعي ان كل شيء في حياته يسير على ما يرام إلا انه في الحقيقة كان يسير ضد المرام دوماً
وضد المعقول
وضد المستطاع
لا يعلم ما الخلل الذي كان يعاني منه
لكن ما ان يشعر به ويستشعر قربه ..... تظهر صورة ابيه امامه
عبدالرحمن بن خلف بوالشريس
لطالما فكّر في اكثر لحظات حياته حساسيةً ...... هل ابيه عبدالرحمن من جعله لا يُظهر حقيقة انه يستحق ان يعيش بلا تجهم مستمر ؟؟
هل ابيه عبدالرحمن من جعله لا يُظهر دفء مشاعره لمن حوله ومن ضمنهم أشقاءه ؟
حتى جده جابر الأحب الى قلبه ...... كان يعامله بتلك الطريقة التي تخبره
"قف .... هناك حاجز معطوب"
رغم انه الاحب الى قلبه ...... الاقرب الى نبضه بعد امه
رغم انه يحب التحدث معه وتبادل القصص الجميلة ..... ويسعى لـ التواصل معه والسؤال عنه باستمرار
لكن هو هكذا
لطالما كان يضع حدود غريبة حتى مع اقرب الناس إليه
ليس لديه أصدقاء فعليين ..... الغريب انه اكتشف هذا عندما إلتقى سهيل اول مرة
لم يحز على اي علاقة صداقة حقيقية منذ مراهقته
وشبابه
سهيل فقط من شعر ان الصداقة معه هي الصداقة التي لطالما تمناها
صداقة يرى خلالها سيئاته قبل حسناته .... جانبه الاسود قبل جانبه الابيض
يرى خلالها مواهبه وتميزه وتفرد شخصيته
عندما طرقت حرابة باب حياته ..... يكره الاعتراف بها ...... لكنه كان يمر بمرحلة كئيبة في حياته
مرحلة رغم شغله المستمر وانشغاله ..... يرى فيها انه لا يختلف ابداً عن أيةِ آلة كهربائية
انه كـ آلةٍ ..... تعمل وفقط
اجل ..... رغب بالمغامرة
رغب ببعض التشويق
رغب بالمقامرة
ماذا غابش ؟
هل تذكرت قصة المقامر ...... وكيف انتحر بعد ان تمكن منه الادمان الفظيع ؟
حدّق بعيناه امام المرآة ..... عيناه الحمراوتان من قلة النوم
الذابلتان من التفكير والقلق
هل فشل ؟
هل فشل حقاً في مهمته ؟
اجل فشل
هو غابش بن عبدالرحمن
فشل رسمياً في مهمة وُكلت إليه
ويعترف انه بشكل او بآخر ..... هزم وسواس النجاح هذه المرة "بلا رغبةٍ منه"
هزمه وهو الذي تمنى دوما الخسارة امامه ........... كي يستمر بالنجاح
كي يستمر بالصعود
كي ................ كي يصل لسلم ابيه
ويتعداه ............ وهو يرمقه بطرف عيناه
ويقول له ............ "ها انا ذا قد وصلت إليك ......... وتجاوزتك"
طُرق بابه طرقاتٍ هادئة
ليأذن بخفوت للطارق ان يدخل
فـ كان أخيه الأصغر غيث
سأله الأخير بـ اهتمام: علومك ؟
اومئ غابش برأسه ببرود ..... وقال: الحمدلله
غيث: خذت ادويتك ؟
مشّط شعره بـ فرشاة شعره كيفما كان
وتجاهل سؤال أخيه
لـ كم يستفزه هذا السؤال من عائلته ..... يشعر مع هذا السؤال انه ضعيف
انه مثير للشفقة
وهو ليس بالاول ولا بالثاني
لكن عندما رفع عيناه إليه ولمح ترقبه للجواب
واهتمامه الصادق الخالي من الشفقة والتعاطف
تنهد بصوت غير مسموع ....... وقال بخفوت: هي
ابتسم له أخيه بـ مودة خالصة وقال: فيه العافية والشفا .... تعال ابويه يزقرك
يباك في مكتبه
،,
دخل مكتب ابيه وهو يحمل دلة القهوة وفنجانين
حركةٍ فطرية تربى عليها كلما ناداه ابيه في الماضي ليتحدث معه في امرٍ ما
استل أبا غابش فنجان القهوة ذات الرائحة الزكية من يد غابش ... وجلس على احدى الارائك الفردية .... وقال باهتمام: شحوالك ؟
ارتشف غابش من فنجانه القليل .... وقال بـ نبرة مقتضبة: ماحب هالسؤال
هتف أبا غابش بـ رفعةِ حاجب: ما تباني اطمن عنك ؟
غابش ببرود: انا بخير الحمدلله
لكن ابنه لم يكن بخير
على الأقل نفسياً
سـ يضع كل صدمته وقلقه من مرض بكره وحزنه ... جانباً
سـ يضع ليالٍ مضاها ذهاباً واياباً حول نفسه يسترجع قسوته على غابش
وبلادة مشاعره نحوه وفظاعة ما عاناه الأخير عاطفياً منه ....... جانباً
سـ يضع انهيار زوجته صبحة وبكاءها في الليل وعتابها وتحميله الذنب -هو عبدالرحمن- جانباً كذلك
لكن غابش يعاني وبشدة من فراق "الحرابة"
وهذا واضح لعيناه ... ولروحه
هز فنجانه مكتفياً ..... ثم قال بطريقة مفاجئة: تباها ؟
كان للتو فقط يرخي ظهره على الاريكة .... لتتصلب عضلاته وهو يقول بتوتر اخفاه خلف نبرته الساخرة:
نعم ؟
: ينعم عليك ...... تباها ولا ؟
رغماً عنه ... تذكّر بتعابير ساخرة حوارهم المشابه قبل زواجه منها
ليتذكّر كلمة سهيل ... والتي اغاظته عندما سمعها اول مرة
"حرابة ما ينياب راسها"
فليشهد عليه إله القلوب ..... انها هي من جلبت رأسه من أول نظرة رمقته بها
قهقهَ بـ خيبة شديدة ........ بصوت لا يُكاد يُسمع
ليقول وهو يضع اكواعه على ركبتاه:
تعرف شو يا بوغابش ...........
قاطعه ابيه وهو يشيح بناظره بقسوة: لا تضحك جي .. هالضحكة تضايج بي ..
وأردف فوراً وهو يحرك أصابعه على الخشب اللامع لـ ذراع الاريكة: قول شو فيك ؟!
ليسأله ابنه بـ امرٍ مغاير عن الذي كان بباله: ليش تضايجك ؟
: قول غابش شو كنت تبا تقول ؟
قال غابش بعناد: جاوب وبجاوبك انا عقب
تجهم وجه ابيه وامتقع ..... على نحو اربك غابش من الداخل لكنه لم يظهر هذا على وجهه
رآه وهو يقف وهو يسير حول مكتبه
ليقف امام خزانة زجاجية .. بداخلها صور عائلته وهي مصفوفة بطريقة جميلة انيقة
ترقب بـ توتر ... ترقب ابيه يتكلم ....
فـ لم ينتظر كثيراً
سمعه يقول بصوت بعيد ................ شاحب جداً:
ادري اني ما كنت الابو اللي تتمناه
شعر غابش بقلبه ينقبض ........ وانفاسه تمور وتموج بجنون
وصدقاً ......... عجز للحظاتٍ عن الرد
لكنه تدارك الوضع
ليقف بعد ان زفر من انفه
ثم لتأتيه كلمات امه والتي قالتها له في يومٍ ما
(ترفق على ابوك يا ولديه ..... ابوك شاف من هالدنيا الويل ..... اذا قصّر معاك خلك انت الوافي البار .... خلني افتخر بك كونك غابش اللي رغم حاجته لابوه ..... كان هو كل الحاجة له ولسنين عمره الياية ..... ابوك يحبك ويفتخر بك انت واخوانك
صدقني يا حبيبي .... صدقني)
قال بنبرة جامدة مثقلة بكل شيء عدا الجمود:
كنت أبا اقولك ...... اني ماظنتي بكون الشخص اللي يستاهلها .... وانا احس روحي مشوهة من داخل وناقصنه الكثير في هالدنيا
أولها....
استدار نحوه ابيه وهو يشعر بالالم .... أليس مؤلم ان ترى ابنك بهذه الثقة المهتزة ؟
ليطالبه بالاكمال: اولها شو ؟
مشط شعره الأسود الغليظ بأصابعه بحدة ....... ليكمل بتجهم: اولها اني مب متصالح مع اللي حولي
مب ..........
مب متصالح داخلياً معاك انت بالذات
تحت نظرات ابيه المذهولة الموجعة ........... اردف بـ غلظة: تحيد يوم قلتلي
اذا اكتشفت حرابة الخدعة اللي حبكتها ضدها ... الأخير اسوي شي يشفعلها عندي ؟
هز رأسه بـ قلة حيلة
واكمل:
يمكن عندي الشي اللي بيخليها تلين من صوبي ... ويمكن تسامحني
لكن شو بستفيد ؟
شو بستفيد اذا رجعنا حق بعض وقررنا نكمل زواجنا بالطريقة الصح
وانا احس روحي مشوهة
وانا افتقر لابسط ابجديات التواصل بين الابو وولده
اذا يبنا عيال
كيف بتعامل معاهم ؟
كيف بتعامل معاهم من غير ما اتذكر طريقة تعاملك معايه ؟
اعترف ......... اني وانا مع حرابة
كنت بين ألف نار ........ كنت اقول في خاطري
تخيل يا غابش امورك وياها تمشي ..... تعرف وتسامحك
تخيل انك عشت حياة طبيعية معاها
شو بيصير عقب ؟
اشر لـ نفسه واكمل بـ انفعال: انا كيف بدبر عمري اذا يوني عيال
هي
كنت خايف ..... وما زلت خايف
صح نسبة رجوعنا لبعض ما تتعدا الخمسة بالمية
لكن حتى هالخمسة بالمية تخوفني
اشر بيداه بـ صدق جلي من عيناه المنفعلتان: تخوفني
تخليني اهويس
رص فكيه ببعضهما البعض بقوة .......... لو انه بارع في الرسم
لـ تمكن من رسم الخيبة والضياع المتشكلتان على هيئة عينا غابش الآن
ليسمع ابيه يقول بتعابير ذابلة خائبة: كنت سيء لهالدرجة يا غابش ؟
سيء لدرجة انك تخاف تكون عايلة ؟
قال بصدق وهو يهز رأسه رافضاً: مب سيء ... محشوم يا بوالشريس
سيء تنقال حق اللي ما يخافون الله ولا يعرفون الدين والحشيمة
وانت مكرّم عنهم
لكن كم تسوى عند البني ادم حضن في لحظة فشل .....وابتسامة فخر في لحظة نجاح
مرت ذكريات كثيرة بشريط ذاكرته عند كلمات ابنه الأخيرة
ليدرك اخيراً
ان بكره محق
بكره لم يقل الا الصدق
لم يعرف وقتها ما يفعل
انتابه الخوف ...... والألم المضني
دقائق رتيبة مرت بينهما ........ دقائق متعثرةَ الخفقات مترددةَ الارادات
مشعثة الهيئة والنفحات
ليقترب عبدالرحمن بوالشريس من ابنه ... خطوتان ضئيلتان
وقال بصوت مبحوح: آسف
ارتد وجه غابش بذعر .... ليقول بانفعال وهو يقترب من ابيه ويمسك ذراعه الأيمن بكفوفه
وكأنه يستعصم بـ ذراعه
بيمناه
بذخيرته في هذه الحياة
: لا تعتذر....... يعلني الموت اذا كنت اتريا منك هالكلمة
وضع كفه على كفوف ابنه وقال بنظرة حنونة موجعة: عيل شو كنت تتريا ؟
: كنت اتريا هاي
واحتضنه بعنف
ضرب ظهر ابيه بقوة حانية وكرر مؤكداً بقهر مثقل بالعاطفة: هاااي هاااي
اذا ابوك خلَف ما عرف جيمتك انا اعرفها
اذا ابوك خلف عقّك وراه وخلّى ريل امك يربيك نحن ما نتخلى عنك
رباه
ابنه فعل ما كان من الاجدر ان يفعله هو معه
استرجع الجملة الأخيرة
"اذا ابوك خلَف ما عرف جيمتك انا اعرفها"
ليغلق عيناه المحتقنتان بقوة ...... ويقول بنبرة مختنقة حد اللامعقول: مسامحنّه على كل اللي سواه ..
يمكن الشي الوحيد اللي معذبني من ناحيته .... الشي الوحيد اللي حطمني
يوم اختي بغتني حولها يوم ملجتها وهو حلف عليه ماروح لا انا ولا زيد عمك
ذيج الليلة ما رقدت من ويع الروح يا ولديه
ما هنَتْلي الرقده مول
ابتعد عن ابيه وهو يتنهد بعمق
ثم سحبه برفق واجلسه
بعدها جلس امامه على الطاولة الصغيرة
وقال بحزم: عسب جي بغيتني اخذ حرابة من البداية ؟ بغيت تعوّض عمتي عفرا
اجابه ابيه بـ حزن ماكن: صحيح بغيت اعوض اختي وبغيت ارد روابط الرحم بـ حرابة
لكن حرابة انا شفت فيها امي الله يرحمها .... ما اجذب عليك
بعدني اشتاق لريحتها
بعدني اروِح طيبها مع كل نصخ ... مع كل ركعة
همس غابش بخفوت "الله يرحمها ويرحم يدي خلف"
ثم قال: خل نكون واقعيين ابويه
انا وانت كانت عندنا مصالح مع حرابة في هالزواج
بغض النظر عن سالفة داعش وتهديداتهم
زفر ابيه الضيق من جوفه ... ليومئ برأسه يوافق ابنه ما قاله
اجل
كانت لديه مصلحة
وكم يريد عض روحه قهراً بسبب كل ما جرى
ابنة اخته لم تستحق منه هذا
ابداً
خذلها وهو الذي كان للتو قد تعرف عليها وبدأ يبني جسور الترابط بين عائلته وعائلة اخته عفراء
ليقول بنبرة صادقة ... قوية مكرراً سؤاله السابق: برد بسألك
تباها ؟
اذا قلت هي
صدقني بوقف وياك لين اخر لحظة
ابتسم له بـ ذبول ..... وقال: ما يهمك اذا بنت اختك تباني او لا ؟
اجابه على الفور بثقة عالية: تباك
: من وين يايب هالثقة ؟
اسند ظهره على الاريكة .... وضع يده على فمه ليحك بعدها ذقنه بتفكير
تذكّر نبرتها الصادقة عندما حادثها قبل ليلة عودتهم بيومين ...... كانت نبرتها نبرة فتاة راضية
نبرة فتاة تعيش اجمل ايام حياتها
: لين الحينه ما طلبت الطلاق منك .... شو معناتها هاي ؟
اتسعت قليلاً ابتسامته الذابلة ... ابتسامة شابها الشوق
الشوق الجارف
والافتتان المثقل بالتوق ولوعة الوصال
ليقول: خلها يا بوالشريس .. خلها
بعدها شروا اللبوة المجروحة
واللبوة المجروحة تلحس جروحها لين تتعافى
عسب ترد الضربة ضربتين
رفع أبا غابش حاجبيه بشبه ابتسامة .... وقال: وانت تتريا ضربتها يا غابش ؟
ارتد قليلاً للخلف وهو يقهقه بـ خفوت ..... ثم وقف وقال بصوت ناعم خفيض:
اترياها الموت
ثلاث شهور وانا اتريا يا بوغابش
ينتظرها منذ ان علم بمكانها منذ الشهر الأول .... فـ عندما عاد للمستشفى يبحث عن بعض حاجياتها
والتي تُركت هناك بعد ان خرجت حرابة هارعة للخارج وبعد ان قاوم تعبه ولحقها ولم يجدها
"قبـــل شهـــرين"
رأى من الرواق المؤدي الى احدى غرف تخزين الامانات فتاة تخرج وبيدها حقيبة حرابة
والممرضة تبتسم لها وتقول: هجئي لي اسمها باللغة الإنجليزية حتى ادوّنه في جهاز الحاسوب ارجوكِ
قالت الفتاة بـ ابتسامة صغيرة: حرابة ليث الـ..
ونطقتها كذلك بالانجليزية مع التهجئة الصحيحة
رفعت الممرضة قلمها وهي تتذكر صاحبة الاسم عندما ركزّت على الحروف الانجليزية:
اوووه اجل اجل تذكرتها ... فـ اسمها مميز وهي كذلك تحمل ملامح مميزة ورائعة ... هل انتي اختها ؟ تشبهينها كثيراً
اجابتها جميلة برقة: لا انا ابنة عمها
: اووووه انتِ جميلة حقاً
ما اسمكِ ؟
: هههههههههههههههههههههههههههههههه جميلة
"الحـــاضـــر"
عاد لواقعه وهو ينظر لساعة يده نظرة خاطفة ...... ثم قال: بتخاويني ؟ ساير صوب يدي يابر شوي
اعتصر فؤاد أبا غابش محبةً مؤلمة ... ابنه يطلب منه مرافقته ومشاركته لحظات يومه
هز رأسه بخفة وقال وهو يستل هاتفه المحمول ومحفظته: هي .. ساير وياك
،,
توقفوا عند اقرب محطة بترول ليعبأ خزان سيارته
ليسمع ابيه يقول له بعد ان ارتشف قليلاً من قهوة اللاتيه التي يفضّلها كثيراً بعد القهوة العربية:
كنت تعرف ان سهيل بن احمد حي سنين وسكت ؟
رغم تفاجئه ... وذهوله ... اظهر الهدوء التام وهو يقول: سهيل بن احمد ؟
منو هذا ؟
ضربه بخفة بطرف مسبحته ... وقال بشبه ابتسامة: غويبش
ديدريك جورنا
شريكك اللي ما بغيتني اعرف عنه
قهقه بخفة ثم قال: شبلاه ؟
: ليش سكت ؟
هز كتفيه ببرود وقال: مب من حقي ارمس عن الموضوع اذا هو ما يبا ....
كيف عرفت ؟
بعلمي هله ما ارمسوا عن اللي صار يوم فوز شاهين بن صياح في الانتخابات عسب محد ياكل ويوهم
ليكمل عقله الحديث
لم يتحدثوا عن الذي جرى فما زال لديهم امل بعودة شاهين وعودة مصالحهم معه
وهنا ... من الضروري جداً على القبيلة المحافظة على بياض سمعتها لآخر درجة
وألا "ينشر احد غسيلهم القذر"
ارجع عبدالرحمن نظارته الشمسية على عيناه وقال جاذباً انتباه غابش الشارد: سكرتيرك راشد زل لسانه عند ابوه
عقد غابش حاجبيه....... وقال بـ نبرة شابته بعض الحدة: متأكد زل لسانه ؟
رمقه ابيه بـ حزم حاني وقال: هي نعم ..... لا تسويبه شي المسكين
: ما بسويبه شي .. اعرف راشد واعرف امانته واخلاصه في الشغل .....
بس ذكرني المرة الياية ما اوظّف عندي حد له صلة قرابة مع موظفينك
خصوصاً اللي يشتغلون معاك مباشرةً
: ههههههههههههههههههههههههههههههه
،,
ثلاث اشهر مضت وهي بعيدةً عن الجميع
بعيدةً عن والديها .. اختها الصغيرة
عائلتها
معارفها والمقربين منها
حتى عملها
اول أسبوعٍ من اختفاءها
كانت في حالة صعبة حد انها فضّلت الصمت ومشاهدة اربعةِ جدران محيطةً حولها
بينما تتذكر كل تفاصيل حياتها مع غابش ... كل دقيقةٍ وثانية ..
تتذكر كل لحظةٍ توقفت خلالها وهي تحارب شكوكها المستمرة من ناحيته
تتذكر ترددها .. توجسها
مدها وجزرها وهي تحاول اخراس اعتراضات عقلها
وترك المجال لـ قلبها بالتحدث
تذكرت غباءها المقيت حد النخاع !
لكن بعدها ..... تداركت وضعها .... وحزمت امرها
اتجهت لـ عملها على الفور ... للقيادة تحديداً
طلبت مقابلة احد الألوية ... اذ انها كانت تعلم انها ستجد الجواب عنده لتعمقه التام بأغلب القضايا المهمة في المنطقة خاصةً داعش .... لكنه ولسوء حظها ..... كان في رحلة عمل
فـ قابلت مسؤولها المباشر ..... فهّاد
لا تريد تذكر المعركة اللسانية التي حصلت في المكتب والتي كانت حرابة حاملةً لوائها
لا تريد تذكر مرة أخرى هديرها القاسي تطالب بـ معرفة سبب عدم اخبارها بـ تهديدات داعش
ضاربةً عرض الحائط رسميةَ المكان .... والفارق والمقام بين الاثنان
فهّاد ... ولمعرفته الشديدة بحرابة وأدبها وإلتزامها وحُسن اخلاقها الذي لا تشوبه شائبة
لم يعتب عليها ولم يغضب بسبب دخولها الغاضب عليه .... بل امرها بتمالك اعصابها والجلوس
حتى يستطيع افهامها كل الأمر
حرابة –بالطبع- لم تتطرّق لـ حكاية زواجها الخادعة ... ليس وهي مطعونة بـ سكين مسموم من الذل والغدر وازدراء النفس
"قبـــل شهـــرين وبضعـــة أسابيـــع"
: كل همنا كان حمايتج ... نحن ما قلنالج عسب الموضوع ما ينتشر وما توصل الاخبار لـ هلج ولا حد من البلاد
السالفة هاي حساسة وايد وبتنشر الرعب بين الناس اذا عرفوا فيها وبتكثر الاشاعات
وللمعلومية
سالفة تهديدات داعش وصلتنا من احد أصدقاء العقيد فلاح
ويوم تأكدنا من مصداقية الموضوع
قدرنا بمساعدة غابش نسوي صفقة مع واحد من جماعة داعش ينقاله أبو يزيد
بحيث يدعي عند جماعة أبو قتادة ... واللي انتي تعرفينهم خير المعرفة
انج ميتة مقابل استقالتج واختفاءج كلياً اضافةً لـ مبلغ مالي ضخم
لكن أبو يزيد طمع بفلوس اكثر بحجة انج تأخرتي بـ استقالتج
بالأحرى
يوم تأخرنا نحن بموضوع اعفاءج عن عملج
طبعاً تأخرنا لان غابش نفسه كان رافض الشي .... بغى استقالتج تيي منج انتي وبكامل ارادتج
تجاهلت نبضةً خائنة اشتدت في حناياها
لتقسو ملامحها واكثر وتهتف بغلظة: وغابش شو علاقته بالموضوع كله ؟
هز كتفيه ...... وقال: مثلي مثلج ..... ما اعرف شو علاقته الرسمية بالموضوع
فجأة دش علينا المكتب وكنا مجتمعين بخصوصج عقب ما جمعنا كل الدلايل على تهديدات داعش لج
وكان ياي بـ رسالة خطية من الشيخ نفسه يأمرنا نتعاون معاه
واذا غابش عنده خطة معينة ومناسبة بـ جميع المقاييس
نتبعها بطواعية تامة
وخطته كانت واضحة
بياخذج على سنة الله ورسولة ... وبيسافر فيج مؤقتاً يبعدج عن البلاد لين يهدون شوي داعش من ناحيتج
لكن سبحان الله
قدر الله وما شاء فعل
رغم ان غابش دفع من حر ماله الفلوس اللي طالب فيها بويزيد ..... فلوس الدفعة الثانية اقصد
الا ان الأوان فات
جماعة ابوقتادة اكتشفوا اللعبة
قصوا راس ابويزيد وبعض من رجاله
طبعاً المقطع انتشر في جميع مواقع التواصل الإعلامي
الفيس بوك والانستغرام وتويتر والقائمة تطول
المهم
اكتشفوا اللعبة ... وعرفوا بموعد عودتكم من السفر
والباقي تعرفينه يا حرابة
"الـحـــاضـــر"
عقدت ذراعيها حول صدرها تتأمل من النافذة قطط الجارة الامريكية وهم يلعبون قرب الرصيف
هل تقول ان العصبية في روحها ما زالت كما هي ؟
لا
لن تقول اذ ان العصبية تحولت لـ شي آخر
شيء اكثر صمتاً .. اكثر سخريةً
اكثر عتمةً
كـ وحشٍ محبوس بين القضبان ..... ينتظر فك اغلاله
وفتح أبواب الحريةِ له
تعلم ان الجميع كان يبحث عنها في الأسابيع الأولى من اختفائها
الجميع بلا استثناء حتى ذلك الرجل الذي لا تريد نطق اسمه الآن
وانهم لم يتركوا مكاناً الا وبحثوا فيه عنها
اخبارهم كانت تصل إليها عن طريق جميلة ابنة عمها
بالطبع .. لم تتصل بهم ولم تخبرهم ان الاخيرة –عندما طلبت منها اخذها لأي مكان لا يوجد فيه أي انسي- قد اخذتها لشقتها التي تقبع في منتصف العاصمة
شقة كانت تجلس فيها خاصةً وقت الامتحانات اذ ان تعيش مع أمها المطلقة في مدينة تبعد عن العاصمة خمسة واربعون دقيقة
ولو انها ذلك اليوم لم تكن في زيارة سريعة لمنزل ابيها القريب نسبياً من منزل عمها ليث لما تمكنت من رؤية حرابة ولا مساعدتها
الوغد
لا تعرف كيف علِمَ بـ مكانها
لكن تقسم انه سينال منها اضعاف مالا يتمنى رؤيته منها !
اخفضت اهدابها بنظرة واجمة مكفهرة
وهي لا تريد تذكر السبب الآخر لاستمرارية مكوثها هنا
بعيدةً عن الجميع .. مانعاً إياها من الذهاب لـ "ذلك" وجر كلمة "طالق" من لسانه
وقفت امام المرآة الطويلة
تحدّق ببطنها الذي ما زال كما هو
مسطحاً ضامراً
جنين
يقبع في احشاءها جنين
ولا تعرف حقاً
ما الشعور الذي احست به بمجرد معرفتها بـ وجوده !
بل لا تعرف ما هو شعورها الآن وهي تشعر بنبضاته الحية تحت جلدها !
اطبقت فكيها بقسوة
وشعور الغضب يعاودها
ويطفح على سطح بشرة وجهها
لو انها تزوجت بطريقةٍ طبيعية
وعاشرت زوجها بطريقةٍ طبيعية .... لـ فرحت اشد الفرح كونها ستصبح اماً عما قريب
لـ اشعلت الدنيا كلها اشهراً ... بأيامها ... بلياليها ... سعادةً وامتناناً
لكن هذا الجنين ما هو الا نتاج خدعة نُسجت بخيوط الغدر والخيانة والاستغفال
تنهدت بـ حدة من بين عيناها المتجهمتان
وهي نادمة انها اخبرت جميلة بأمر حملها اذ ان الأخيرة شعرت ان هذا الامر اكبر من ان يتم كتمه على والديها ... ليث وعفراء
فـ اتصلت جميلة بـ أمها واخبرتها
عندما عرفت حرابة بـ فعلة الاخيرة ... لم تستطع الغضب منها او عتابها
بحق الله ...... تشعر ان طاقتها استنزفت كلياً من الغضب
غير انها مدينة لـ جميلة ولن تجرحها بالكلام لمجرد انها تصرفت وفقاً لعاطفتها الرحومة ورقة احاسيسها
جميلة –رغم وقوفها الكلي معها واخفاء امر مكانها عن الجميع بلا استثناء-
كانت تتعاطف مع ام حرابة "عفراء" ...... وتخبرها باستمرار ان الأخيرة تبكي الليل والنهار تترقب دخولها – هي حرابة- عليها في كل وقتٍ وحين
رن هاتفها
ليظهر اسم ريسة بنت صياح
فـ تجاهلته
كما تجاهلت مئات الاتصالات قبلاً
منها ...... ومن أمها
وابيها
وخالها ........... وحتى زوجة خالها
بالطبع ... وبعد الذي جرى ... كل العائلة .. كل من يقرب لـ حرابة
من بعيدٍ كان او قريب
قد علم بأمر زواجها من ابن خالها ... بـ اعلان صريح من خالها عبدالرحمن ...... ورغم استهجان البعض من سرية الارتباط ..... لكن على ما يبدو
استطاع خالها تكميم افواههم ببعض الحجج والحكايات
أصبحت تعلم كم يتفنن الأخير بـ تدبير امره وعائلته عند كل مأزق
حتى ولو كانت بطرق ملتوية
هل هذا ارثٍ مجيد قد وضعته مسبقاً في روح ابنك يا .............. خال !
كادت تطحن بين يديها قلماً من الرصاص
ما مرت فيه مريع
مريع ومشين بحقها
لن تنسى آخر كلمات المقدم فهّاد ما حيّت
استرجعت ما قاله كـ شريط اسود مهترئ ....... والذي كان بخصوص داعش
اخبرها انهم اغلقوا ملفها لديهم تماماً اذ انهم يعتقدون انها قد ماتت فعلاً جرّاء عملية الاغتيال
والذي ساعد هذا الاعتقاد انها ولحسن القدر .... اختفت من المستشفى بعد محاولةَ الاغتيال مباشرةً .... ولم تظهر للعلن ابداً
فـ استغلوا –القيادة- ما حدث لصالحهم واعلموا إدارة المستشفى بأن يعلنوا خبر وفاة حرابة بنت ليث لأي شخصٍ يأتي ويسأل عنها سواءً كان احد الموظفين او احد المرضى او مجرد زائر ..
فقط بين اروقة المستشفى كما طلبوا الضبط
وختم حديثه .... بكلماتٍ كانت كالسكين في جوفها لكن أجبرت نفسها ان تلبس قناع القسوة والبرود
"
.....: مجبورين نعفيج من كامل مهامج يا حرابة دام وصلنا لنقطة ما نقدر نرجع فيها ولا نعدل من أي شي
أتمنى تتفهمين قرارنا وما تاخذج العصبية .... هالقرار اعتبريه حمايةً لج
وحمايةً لعيالنا وبناتنا وشيبانّا
"
صدقاً حينها ......... لم تفعل سوى ان استدارت
ورحلت
شعور القوة الذي غزاها في ذلك الوقت .... لـ تصمت والا تقلب الدنيا فوق رؤوس الجميع
كان شعوراً نزل من الله تعالى
ولحكمة
فـ بعد شهر ..... وعندما علمت بـ امر حملها
شعور القوة ذلك .... القوة المختلطة بالعذاب والقهر
تحول لـ رضى ساكن ........ وقبول بليد غير مهتم !
اجل
كل شيء خيرة
وكل شيء من الله هو بالتأكيد لحكمة
لكن يعلم رب السماء و من فيها
انها ما تزال تدوّن تحت جدول غابش
الكثير والكثير من الويلات
هو السبب
ذلك الثعلب الغدّار هو من دمّر حياتها
،,
"
: لولا ان الموضوع مهم ما كنت بقولج عنه يا خالوه ... قبل اسابيع شفت حرابة متحطمة
وهي اللي كانت مثال البنت القوية الشامخة اللي ما يهزها ريح
اللي سويتوه فيها كسرها
لكن الحمدلله نتأمل انها رجعت مثل ما كانت واقوى
ومثل ما قلتلج ...... لو السالفة مب مهمة ما اتصلتبج وخبرتج
وأتمنى الموضوع يتم سر لين ما حرابة بنفسها تخبر اللي تباه
"
ما تزال كلمات جميلة ترن بأذنيها
لا تستطيع نسيانها
مسحت وجهها المحتقن من شدة البكاء وهي تغمغم لـ روحها:
حرابة حامل
حامل
قلبي بيوقف يا ربي
اشتدت رعشات اصابعها وهي تهمس بحرقة:
أبا اشوف بنتي .......... أبا احضنها واشمهااااا
يا ويلي يا عفرا شو سويتي ؟؟
شو هببتي ؟؟؟
ثلاث شهور البنية بعيدة عنج ..... ثلاث شهووووووور
والحين حااااامل ......... يا ربيييييييييييي كم بتحمل بسسسس
كم بتحممممممل
تصلب ظهرها ما ان احست بباب الحمام يُفتح
ثم يُغلق بحدة
ثم احست بعدها بباب الغرفة يُفتح
ثم يُغلق ....... كذلك بحدة
آهٍ على ليث
آهٍ على الغضب الملتهب تحت جلده
منذ ذلك اللقاء الجنوني بـ ابنتهم
وهو على هذه الحالة من الصمت والوجوم والمرارة
لا يتحدث كما السابق
لا يشتهي اللقمة كما السابق
هو الوحيد الذي لم يذهب للبحث عن حرابة
وكأنه كان خجلاً ...... ومثقلاً بالعار
تعلم انه انصدم وتألم مما قالته حرابة له
رغم انه مثلها .. مثل زوجته
يعرفان ابنتهما حق المعرفة
لكن لم يصدف ان حدث في حياتهم موقفاً رأوا خلاله غضب حرابة عليهما
،,
مســـاءً
دقّت جرس الباب بانفعال ... بعينان محتقنتان بالدموع
خرجت من عدتها منذ فترة
انتظرت حريتها
لكن اين الحرية وهي مسجونة خلف قضبان سمعتها التي تشوهت
وأصبحت علكةً على لسان القاصي والداني !
ما الخطأ فيما يحصل معها ؟ ..... هناك خطأ لا تستطيع لمسه يالله
هل هو عقاب على قسمٍ تلفظت به ولم تبرّه ؟
هل أذّت في يومٍ ما احد ولم تتمكن من الفرار من دعوته عليها ؟!
هل ظلمت احد بشكلٍ او بآخر ..... كي تدور الدنيا عليها وتظهر لها الويلات ؟!
ماذا فعلت ؟
ما المصيبة التي فعلتها والتي على اثرها ترى شرفها يُدعك كـ منشفة بالية بين ايدي شياطين الانس ؟
فتحت لها الخادمة الباب .... ثم سألتها بعفوية: يس
رغم استغرابها من وجود خادمة مدية هنا .... الا انها تقدمت اكثر ... وهتفت: سلام عليكم .... وين حرابة ؟
: خير
شهقت برقة وهي تلتفت لترى اختها تسند قامتها على باب غرفتها .... وتكتف ذراعيها على صدرها
: حرااااااااااااابة
هرعت نحوها لترتمي بحضنها وهي تشهق بدموعٍ أليمة ..
دقائق مرت وهي على تلك الحالة حتى احست بيد حرابة تربّت على ظهرها .... وتقول بصوت مبحوح: بـ بطني ......... روزة
: شوي شوي عليها يا ام حامد ..... البنية حامل
لتتسع عينا روزة مذهولة ... وتتراجع متعثرة ...
قالت مصدومة من وجود مديه ومن كلمة "حامل": مديه انتي هنييييه !!!
قالت مديه بجفاء وهي تجلس وتضع ساقها اسفل وركها وترخي ظهرها على الاريكة .... جلسة متعجرفة ظاهرياً الا انها لم تخفي ابداً شحوب وجهها والهالات السوداء المحيطة بعيناها وذبول ملامحها المريع:
هي ... شحقه مصدومة ؟!
نقلت عيناها بين حرابة الصامتة ببرود ومدية الساخرة ببرود ايضاً
لتبرر بقلق حقيقي: اتحراج رديتي بيتج من بعد ما كنتي تقضين فترة النقاهة في بيت هلج
ثم اشرت نحو حرابة تريد السؤال فهي في قمة الذهول
هل حقاً حرابة ............ حامل !
هي تعلم انها تزوجت سراً بـ ابن خالها
لأسباب لا احد يعرفها
لكن ....................... ان تكون حامل
حرابة ................. حامل !!!!
تخيلت منظر اختها .... ببطنٍ منتفخ
فـ احتارت
أتضحك من شدة الصدمة
أو تضحك من شدة السعادة !
أمالت مديه شفتيها بمرارة .... "اتحراج رديتي بيتج من بعد ما كنتي تقضين فترة النقاهة"
بالطبع كانت في فترة نقاهة ... وفي آخر مكان رغبت في المكوث فيه ... منزل أهلها
بعد هجوم الافريقيات عليها ..... بعد ان قاموا بكل سفالة ووحشية بإجهاظها ..... ذهبت لمنزل أهلها غارقة بآلامها وفداحة نفسيتها المهتزة .. وشعورها المتصاعد ان الله قد عاقبها لأنها شتّتت عائلة كاملة
بالأحرى عائلتان ... عائلة هزاع وعائلة مروان
مروان الذي دخل السجن بسببها ...
كل الأفكار تناحرت بعقلها ..... لتخرج بفكرةٍ واحدة فقط
انها نقطة سوداء في حياة أي شخص يقرب منها
فأل شؤم لأي منزل تطأه قدماها
انها نالت من الله ...... جزاء اقترافها ذنب الخيانة والغدر
ذنب تشتيت البيوت وافتراق الأزواج
لكن بعد ان ذهبت سكرة الفقد
وحلّت بدل عنها فكرة الادراك واليقين
علمت انها يجب ان تخرج بنفسها من الوحل
ان تنقذ ما يمكن إنقاذه من روحها المعطوبة
لقد فقدت ابناً
ابناً انتظرته عمراً بقلبها الصامت الطيب الباسم على الدوام
بروحها التي يظنها الجميع خرقاء ساذجة
لكن خروجها لم يكن لمنزل زوجها
بل لـ حيث مكوث حرابة
ممتنة لـ جميلة التي اعطتها عنوان الشقة ... شقتها التي في الحقيقة لا تمكث فيها ابداً الا وقت انشغالها مع امتحاناتها الجامعية
عادت بها الذاكرة لقبل اسبوعان .. قبل قرار مكوثها مع حرابة
عندما اتصل بها هزاع -الغاضب منها اساساً بعد مشادة كلامية حدثت بينهما قبل ذهابها لمنزل عائلتها-
وطلب منها تجهيز نفسها لانه سيصطحبها معه لمركز الشرطة لتتعرف على المرأتان اللتان تهجمتا عليها قبل عدة اسابيع
"قبـــل أسبوعـــين"
دخل مركز الشرطة .... وخلفه مديه وعائشة
لم يكن يريد لهما هذا الامر اذ انه من الكبائر عند من يمتلكون الحمية والكرامة .... ان تدخل نسائهم مراكز الشرطة ..... لكن للضرورة احكام
وقف الضابط بـ ادب رجولي وقال: حياك بوعبدالله حياك
اجلس زوجته واختها امامه .... ليفضّل هو الوقوف وترقب ما سيقوله الضابط
فقال يستعجل الضابط وهو يسيطر بقوة على عصبيته: يبنا الحرمة عسب تتعرف على اللي اعتدوا عليها
اومئ الضابط رأسه بتفهم .... ونادى العسكري كي يجلب المعتديتان
ما ان دخلتا للداخل حتى وقفت مديه وهي تبلع ريقها بـ قهر جنوني ملؤه المرارة
غضب يشتعل فيها ووحده الله يعلم كم تسيطر عليه كي لا يخرج الوحش الكامن فيها
فقد الضنا غالي
خاصةً لمن انتظره عمراً كاملاً
طحنت اسنانها بقوة .... وقالت: هي ..... هاييل هن
لمح هزاع كفوفها المرتعشة
ورغضم غضبه منها لهجرها إياه .... لتفضيلها الحزن على فقد ابنها لوحدها من غير ان يشاركها الألم والحزن
شعر بروحه تنتفض لأجلها
حزناً ولوعةً
قال الضابط بصرامة: بوعبدالله تراهن من عقب كفين اعترفن على طول ... طبعا ما يعرفون اسم الشخص اللي طلب منهم هالخدمة .... لان اللي طرشهم رمّسهم من رقم راعيه اجنبي مسافر بلاده ...
ويوم تواصلنا مع صاحب الرقم الأصلي .... قالنا انه دريول بيت شعيب فرج الـ.....
وان اخت شعيب هي اللي خذت عنه الرقم قبل لا يسافر
هتفت عائشة فوراً بصدمة شديدة:
سعااااااااااااااد
"الحاضــــر"
اجابت مدية روزة المترقبة بنظرة باهتة باردة: لا ... خليت البيت حق هل البيت ... انا هني بتم
قالت روزة بـ اندفاع عفوي: هزاع يباج
لا تخلين اللي صار يفرق بينكم يا ختيه
رمقتها باستهزاء مرير .... لتقول ببساطة: بس انا ماباه
تقدمت حرابة ببرود قارص ... لتقول: روزة شو تبين ياية ؟
صحيح الكل عرف مكاني ... طبعاً مب من دواعي سروري
لكن مب مرحب بـ اي شخصٍ كان هنيه
قالت روزة وهي تبتلع جرحها من كلمات حرابة: مديه مرحب بها وانا لا يا حرابة ؟
حرابة .......... ورغم كل ما حصل معها ...... شعرت بالمسؤولية نحو اختها الكبيرة مديه
اختها التي تراها الآن محطمة
وتتلبس وجهاً ليس بوجهها ابداً
لتجيب روزة بنبرة جافة: مديه محتايتني
مسحت دموعها التي انهمرت رغماً عنها ... ثم قالت وهي تخفض عيناها ارضاً بـ وجع:
انا ......... انا محتايتنكن بعد .......
عندما لم تتلقى أي تعليق من مديه وحرابة
أكملت بعد ان تنهدت بـ اختناق: ما بتم اذا انتو ما تبوني
بس ........ بس
يالله ........... لم تتحمل
لم تتحمل اكثر هذا الصد والنفور من اختاها
لم تتحمل
وسقطت جالسة على الاريكة وهي تنخرط ببكاء حاد شديد
ما يحدث معها فوق طاقتها
تريد أجوبة
تشعر انها في غابة مظلمة مليئة بالدهاليز
ولن تتمكن من الخروج من هذه الغابة الا بـ بعض الأجوبة
: شو سويت ؟؟؟
أبا اعرف انا شو سويت عسب يستويبي ها كله ؟؟؟؟؟
وبدأت تتحدث بـ كلمات متقطعة متحشرجة:
الناس كلت لحمي وانا حية .... كلهم يرمسون عني ويتكلمون بعرضي وشرفي
يتحروني وحدة رخييييصة معدومة الشررررف
هنا ........ اعتصر قلب مديه وهي تشعر بعاطفتها تعود نحو اختها
قالت وهي تقترب مغضنةً جبينها:
ليش يرمسون عنج ويتكلمون بعرضج ..... هاييل ما يعرفون انتي منو ... ومنو مربيج ؟؟؟
لتقترب حرابة من رأس روزة المنكوس .... وتسألها تحت وطأة بكاءها المريع
والذي أحال وجهها لـ كتلة دم تكاد تنفجر:
شو السالفة ؟ منو اللي يرمس عنج بالشينه ؟
رفعت روزة وجهها الأحمر الباكي
واخبرتهم باختصار –لـ حرابة تحديداً- من بين نشيجها
قصة ليلة ضرب ربيّع لها ..... كذلك قصة ابنة جيرانهم وكيف بدأت تحيك عنها القصص وتألف اقذر الحكاوي بين جيران الحي
جلست حرابة امامها ... وطالبتها بـ توضيح الامر لها
اذ انها سمعت أسماء لأول مرة تسمع بها
من ضمنهم
الضابط محمد عبدالكريم
لتحكي لها روزة حكاية سيريلانكا لها
والضابط محمد
واعتداء عصابة الادوية عليها بالطعن والذي على اثرها كادت تموت
قالت حرابة باستغراب: معقولة كل هذا صار ؟
قالت روزة بـ مرارة شديدة: انتي ما كنتي ترمسيني ولا تبين تتواصلين ويايه
غير انج غطيتي عنا كلنا ... ما كنا ندري ان السالفة فيها عرس
سكتت
بالطبع سـ تسكت
فـ ما تسمعه الآن يذكرها بحقيقة انها ارتضت المهانة لنفسها يوم ان تزوجت بالسر وانجرت كالبلهاء خلف أكاذيب عائلتها
: ليش عرستي حرابة بالسر ؟
ليش ما قلتيلنا
شو السبب
مب فاهمة
نظرت حرابة لـ مديه نظرة مظلمة حادة
وكأنها تقول لها
"يكفيني والله ............ يكفيني قهراً وذلاً"
لتتنهد مديه بـ ضيق ... مديه التي علمت منذ يومان فقط الإجابة التي تترقبها روزة الآن
فقالت مديه لـ روزة: بقولج انا خلاف كل شي
خبريني ... حامد وين ؟
لم ترغب بـ وضع ثقلٍ اكثر على حرابة ومدية خاصةً وهي تعلم ان وجودها هنا غير متوقع
ويا لمرارة جوفها
غير مرحّب به !
لتقول بعدها بـ عبوس خرج عفوياً وهي تدرك الحقيقة المُرّة
حقيقةً انها ابداً لم تكن بقدر ثقة اختيها
: حامد عند امي
تنهدت بـ حزن واكملت: أصلا هي اللي طلبت مني ايي عند حرابة .... لانها شافت شكثر عانيت نفسياً في شهور العدة .. ونفسيتي انعكست على تعاملي مع حامد فديته
شعرت بالصداع يفتك رأسها .. لتردف بـ تجهم: مابا أتذكر اللي صارلي
اكتفيت والله
رمقتها حرابة للحظات قبل ان تسأل وكأن للتو بدأت تربط الخيوط ببعضها: قلتيلي اسمه محمد عبدالكريم ... وضابط ؟
خفق قلب روزة بـ شدة
ان تلفظ اسمه لأنها مضطرة كي تسرد الحكاية كلها لـ اخواتها شيء
وان تسمع اسمه على لسان الآخرين
ليدغدغ مسامعها على نحو مرعب مهيب شيء آخر
: هـ ...... هي ...... احم ....... شكلج عرفتيه
رمقتها من بين ظلال عيناها بـ ريبة ... ثم قالت: ولد الامام عبدالكريم تقصدين ؟ صادفته كم مرة في مؤتمرات ومعارض
: هي ... عليج نور
تململت بمكانها
قبل ان تقف وتقول بـ وجهٍ شاحب: من رخصتكن
بروّح
بعفوية ...... قالت مديه: على وين ؟
كادت دموعها تتجمع مرة أخرى بمقلتيها لكنها قاومتها بقوة وهي تقول بحزم:
برد البيت ... مالي مكان بينكن
امسكت حرابة حاسوبها المحمول بـ رفعةِ حاجب
وقالت بـ حدة اخفت خلفها عاطفتها الجياشة نحو اختها: قعدي مكانج ... لا تسوين فيها انج المسكينة اللي انرّاغت
(انراغت = انطردت)
ابتلعت غصةً في حلقها بصعوبة
وآثرت الصمت وهي تجلس مكانها ........ من غير ان تنبس ببنت شفه
ظلوا على هذه الحالة
هي –روزة- تحدق بالسقف
حرابة تعمل عبر حاسوبها المحمول
ومدية ذات التعابير القاسية الباردة تمسك خيوطها .... وتكمل عمل "الكروشيه"
بعد لحظاتٍ طويلة ...... قالت روزة برقة تكسر فيها حاجز الصمت: شو تسوين ؟
اجابتها حرابة بـ فظاظة وهي مندمجة في قراءة المقال امامها: مالج خص
اكتفت
حقاً اكتفت
كانت بالكاد تستطيع السيطرة على فكرة انّ كل شيء يسقط على رأسها كالألغام
تحملت كل شيء في السابق .... اولها العذاب التي تكبدته بما علمته عن سهيل
ثم كره حرابة لها بسبب زواجها من ربيّع
ثم أفعال ربيّع المشينة بها واهاناته المستمرة
ثم الشائعات المروعة التي أُطلقت عليها
آخرها ..... آخرها اليوم
شعورها انها "لاشيء" بالنسبة لأعز فتاتين إلى قلبها
لا تستطيع تحمل المزيد من البشر .... فـ ما بال لو كان البشر هما "اختيها" وقد اظهرتا بوضوح جفائهما نحوها وصدهما لـ قربها
فـ انفجرت وهي تقف على قدميها : ليش جي تكلميني ؟؟؟؟
ييتج لين عندج وانا محتايتنج ... أبا اختي .... أبا حراااابة
فـ أكملت وهي تحرق آخر أوراقها: خلاااص ربيّع واطلقت منه ..... شو تبين بعد ؟!!!
دفعت حاسوبها المحمول بعنف ...... ووقفت لتقترب منها
حتى وقفت امامها ... وجهاً لوجه
فـ امسكت بـ عبائتها التي ما تزال عليها ..... وجرّتها نحوها بقسوة
هدرت من بين جمرات عيناها ........ وحروفها الحارقة اللاذعة تحرق وجه روزة: فكري ..... فكري يا روزة
يمكن تتذكرين انج سويتي شي اكثر من انج تزوجتي وااااااحد كان يبا يجتل اخويه
دفعتها روزة ..... وقد وصلت لمرحلة ما بعد الانفجار:
أولاً شلي ايييييييييدج عني ..... نحن مب همَج عسب جي تتصرفين وياااااايه
ثااااااني شي ....... ذبحتيني اخويه واخووويه
تراه حي الله واااااحد
ليته شروا الرياييل ...... الا زباااااااااالة
ما يسووو..........
وانخرست
انخرست وهي تتلقى صفعةً دوى صداها بين حيطان الشقة كلها
غمغمت من بين اسنانها ... بنظرةٍ لو كانت خنجراً
لطعنت صدر روزة
: تااااااااااااج راسج
سهيل بن احمد تااااااااااج راسج
مديه قالتلي
قالتلي شو اللي صار قبل 15 سنة ....... وشو الجرايم اللي عقوها على راس سهيل
وقالتلي انج خذتي ربيّع من غيظج عقب اللي عرفتيه
حدقت روزة بـ مديه بصدمة مروعة
بفاجعة جعلت كيانها كله يهتــــــــــز
وضعت مديه ساقٍ على ساق ......... لتهتف ببرود تام وهي تكمل كروشيه
: ابويه ما شاء الله عليه يتفنن بالاعمال الخيرية ... راح عندج وقالج ان سهيل كذا وكذا وكذا
وانتي صدقتي ........ من غير ما تتأكدين
طبعا عرفت هالشي قبل ما افقد ظناي ......... ربيّع اتصلبي قبل ما يلقون القبض عليه واعترفلي في لحظة
مممممممممممم خل نسميها لحظة تطهير الذات
شحب وجهها مع بقايا أصابع حرابة على خدها المحمر
لتهتف بـ حشرجة
وصدمة
وصلتا عيان السماء: شو ...... شو تقصدون ؟؟؟؟
لتجيبها حرابة: اللي نقصده ان سهيل
نفضت كتف روزة بـ سخرية وكأنها تنظف شيء ما
ثم أكملت:
انظف من كل واحد اييب طاريه بالشين
تسمعين ؟
شعرت بأسوار قلبها تنكمش .... ثم تتوسع
تنكمش
ثم تتوسع
وخفقاتها تشتد ......... وتتصاعد
لتصل لـ حنجرتها
ثم لـ دماغها الساخنى بالافكار الهوجاء المجنونة
: ما ... ما فهمت
يعني ........... يعني اللي قاله عمي شاهين حقي
جذب ؟
يعني .............. انا ظلمته ؟؟؟
حرابة بـ ازدراء عاصف: مثل ما ظلمه يدج صياح ...... وعياله
جلست وهي بالكاد تستطيع التنفس من هول الصدمة والذعر: فـ .... فهموني ... شو السالفة ؟؟؟؟
انا ......... مب .............
اعتدلت مديه بجلستها وهي ما تزال محافظة على عبوسها الذي لم يفارقها منذ اشهر .... وحكت لها كما حكت مسبقاً لـ حرابة قصة سهيل
متجنبةً الخوض بحقيقة انه ما زال حياً
كما تجنبت خوض هذه الحقيقة مع حرابة
لا تعرف الى متى ..... لكن وكما حذرتها عمتها ريسة
لن تتكلم ..... وكفى
فـ حرابة بعيدةً عن الجميع
ولو ان خبراً تسرّب بالخطأ هنا او هناك رغم انه مستبعد كلياً وسط هلع رجال القبيلة وتكتمهم الشديد
فـ نسبة وصوله لها ضئيلة
لتنهار روزة على الاريكة .... قبل ان تمسك جبينها الساخن بيدان مرتعشان
: يعني ... يعني هو بري
وووو ما سوى ولا شي ؟!!
يعني هو ..... مب مجرم .... مب مغتصب ...... مب .......
امسكت حرابة حاسوبها لتقاطعها بغضب بارد: قص لسان اللي يقول جي
اشتد خفقان قلبها ... واخذت الذكريات تتراقص بشيطنة في مخيلتها
تذكرت كيف كانت تشتمه بسرها !
كيف تحدثت عنه بالسوء عندما انفجرت في وجه أمها ريسه قبل اشهر !
رباه
سهيل .............. بريء
،,
منزل حامد بن صياح
مجلس الرجال
عامر: ما لقيتوا شاهين ؟
هز حامد رأسه بالنفي .... ليجيب ببرودٍ قارص ...... لكن الله وحده من يسمع صراخات روحه المنكسرة عشرات القطع:
الشباب دوروا عليه في كل بقعة ... بس ماشي فايدة
هتف خليفة بسخرية: يمكن شرد يوم عرف ان سهيل حي
قال هادف بن عامر بـ حدة: وهو شو بيعرفه انه سهيل حي ؟
قال أخيه محمد بـ تخمين: يمكن طلعله قبل ما يطلعلنا
هتف العم عامر للجميع محذراً بقلق: دخيلكم يا عيال .... صكوا اثاميكم ..... اذا حد عرف ان سهيل حي بننفضح فضيحة العالمييييييين
هز حامد رأسه بـ سخرية عاتية
سخرية ظهرت مع تلألئ عيناه الذابلتان الشاحبتان
ليغمغم وكأنه يحادث نفسه: المجرم المغتصب
واللي على أساس أهله اقاموا عليه الحد ومات جدامهم
طلع حي
ليكمل شقيق عامر كلام حامد بـ سخرية غاضبة: وتراراراااااااا
يصدف ان المجرم المغتصب
يطلع بري
يعني لا الأولية تعتبر مفخرة لنا يا قووم صيااااح
ولا الثااااااااانية تعتبر مفخرة وشرف وإنجااااااز
وينك يالشيخ صيااااااااااح
وينك تشووووف المصخرة اللي نحن فيهااااااااااااا
ليهتف هادف من بين اسنانه: وينه الشيخ صياح ؟؟
وينه ؟
خل ايي يشوف حفيده شو سوابنا اول وتاااااالي
لا هو ميت خلانا
ولا هو حي خلانا
اكمل أخيه محمد ببالٍ شارد: لا هو مجرم خلانا
ولا هو بري خلانا
فجأة
انفجر حامد بالضحك:
هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
حمل خليفة نفسه وترك لهم المجلس بأكمله بـ غضبٍ شديد
وهو يدعو الله بالرحمة بصوتٍ جهوري غليظ
فـ رحمةُ الله وحدها من ستنجيهم من عذابه
يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
،,
بعينان مهتزتان على نحو غير طبيعي .. التفت حوله يكاد ينهار مرة اخرى بنوبة صراخ
يريد دم
................ يريد اشتمام دم
وتلطيخ يداه بالــــــــــــدم
عضّ اصابعه بقوة من هول ما يشعر به
ثوانٍ فقط .... حتى ازداد جحظ عيناه وهو يتلقى من فتحة الباب نفس الصور التي تُرسل إليه اسبوعياً من ثلاثة اشهر
صور سهيل الملعوبةِ بها
ليتلقفها بيداه المرتعشتان ويمزقها بهستيرية
وقف وهو يدور حول نفسه وعيناه على السقف وكأنه متيقن ان هناك من يراقبه الان
: لا تحااولووون اطيحووووني
لا تحاولوون تكسرووووني
بتم شاهييييين ..... بتم قوووووي
ماعرف شو نوع اللعبة اللي تلعبووونها علي
صرخ بجنون وهو يضرب صدره: بس انا شاهييييييين
شاهييييين يا سسسسسفلة يا لووووووث
دعس صور سهيل وهو يستمر بصراخه:
لا تبتزوووني بهالصور لانهاااا ولااااا شي
ولا تقدر تهز شعرة مني
انا فزت في الانتخابااااااااااات
وبررررررررررجع
بررررررجع وبدوس عليكم كلكمممممممممممم
شخر بـ عنف ليهتف بنبرة اعنف: اغبيااااااااااا
الصور ملعووووب فيهااااا
ما تروموون تمسكون عليّه شي
تسمعووووون ؟؟؟؟
بعد ساعات .......... بعد ان مر الوقت ببطىء شديد ....... وهو طريح الارض الملساء الاسفنجية
ويسمع زقزقات معدته
قلب جسده يريد الكبس على معدته الجائعة
لن يأكل ..... ابداً
لا يريد النظر لـ الرز الابيض
ولا للحساء الأبيض
ان سقطت عيناه على الطعام فـ سيتقيّء
بعد ثلاث ساعات على نفس الوضعية المزرية
سمع صوت خطوات اقدام
انتفض واقفاً ...... قلبه يخفق بعدم تصديق
هل هذه اصوات حقاً ؟
هل حقاً يسمع اصوات هنا بعد ثلاثة اشهر صمت قاحل عدا اصوات الاجهزة المركزية الحقيرة تلك
اخذ ينادي بلهفة مرتعشة: منو هنيييييه ؟؟؟
هاااااا ؟؟؟
ردوا الله يخليكم ...... منو هنيييييه ؟؟؟
صرخ بعذاب مضني: شو تبووون ؟؟
بيزااات ؟؟؟؟
والله لاغرقكم بيزاااات بس طلعوووني
شعر بهواء بارد يلفحه عند اصابع قدميه .... هواء اتٍ من فتحة الباب السفلية
فاقشعر بدنه لا ارادي ......... مالذي يشتمه ؟
عندما تحركت فتحات انفه اثر رغبته بتمييز الرائحة .... سعل بقوة .....
كانت رائحة كيروسين حادة خانقة
سعل مرة أخرى بشكل اقوى من دي قبل ..... وغمغم باختناق حقيقي في قصباته الهوائية: اخ صدري
،,
يجلس على مقعد معدني صغير .... يشرب كوباً من الشاي بالنعناع
منحنياً ظهره واضعاً ذراع واحد على ركبته اليمنى
تلتمع عيناه مع كل إلتفاتة تصدر من "ذلك" الذي يظهر جلياً من خلف الشاشة
كل صرخة يسمعها كـ لحن جميل يتراقص في مسمعه
كل رعب ينطق من عيناه كـ فلم فكاهي قصير يستمتع به ويضحك لمشاهدته
ارتشف شايه مصدراً صوتاً خافتاً مستمتعاً
رن هاتفه ليخرجه من متعته الخالصــــة
استله بهدوء
ليأتيه صوت صديقه من الخط الآخر: سهيل ........ وينه ؟
هلك يدورون عنه
اخذ نفساً من مدواخه العربي .... ثم ضربه على المنفضة
فأجاب بهدوء بليد: اتوقع سبق وسألتني يا غابش وقلتلك ماعرف
: ترى والله ولا يهمني مول هذا اللي ينقاله شاهين ..... اخوك ومحمد رمسوني وطلبوا مني ارمسك ..
يعرفون ومتأكدين مثل ما انا متأكد
انه عندك
آرنود ..... ومحمد
اللذان لم يتمكنا قط خلال الشهور الماضية بإقناعه ان يرجع شاهين وان ياخذ عقوبته بالقانون فالادلة كلها تجمعت لديهم ضده
اجابه بهدوء ولا يريد الخروج من دغدغة السعادة التي تمشي في عروقه الآن
لا يريد الظهور من النشوة ابداً
: عيل اطلع منها ... ولا تسمع لهم .... خصوصاً محمد
ادريبه زنّان
ابتسم غابش من بين سواد نظرته ...... وقال: هذا ثارك انت
سو اللي تباه ..... بس ان احتيتني تعرف وين تلقاني
: ما عليك ....... اموري طيبة
اغلق عنه ثم عاد بانظاره لشاهين المنبطح أرضاً بلا حولٍ منه ولا قوة
بعدها ....... استل صندوق ابيه القديم
الصندوق الذي حمل اكبر ابتلاءٍ في حياته السابقة
وخرج من الغرفة وهو يرتشف آخر ما تبقى في كوب الشاي
وعلى ثغره بقايا ابتسامةٍ قاسية
،,
الله اكبر الله اكبر
الله اكبر الله اكبر
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان لا اله الا الله
اشهد ان محمداً رسول الله
اشهد ان محمداً رسول الله
حى على الصلاة
حى على الصلاة
حى على الفلاح
حى على الفلاح
الله اكبر الله اكبر
لا اله الا الله
اقتربت منها أمها وهي تشد من حجابها على رأسها
وقالت تعجلها: هيا جواهر ... اريد اللحاق بالصلاة
ردت جواهر وهي تأخذ باقي حاجياتها: حسناً حسناً امي
سنصل في الوقت ان شاء الله لا تخافي
آدم ....... يعقوب
هيا بسرعة فلترتديا نعليكما
دقائقٌ فقط حتى اصبحوا داخل الحرم المكي
يقابلون الله
وبيته العتيق
وما حوله من بشر ..... من كل صنفٍ ولون
من كل حدبٍ وصوب
ادارت وجهها قليلاً .... لتبتسم بانشراح
كانت تعلم انها ستجدها هناك
في تلك الزاوية القريبة من خزانات مياه زمزم ورفوف المصاحف الكريمة
خفق قلبها بعفوية
الكثير من الكلام يقبع في جوفها ولا تستطيع التعبير عنه
الكثير من الكلام تريد إخراجه من قلبها لـ قلب تلك المسنة
لكن تعجز
بل ترتبك
وتتراجع
ارتفع صوت السديس بـ "الله اكبر"
لتترك كل شيء
كل شيء دنيوي ضئيل عابر زائل
ووقفت في الصف المتراص
ثم رفعت كفوفها مكبرة
بعد السلام من الصلاة
قفز يعقوب قربها وهمس قرب اذنها: جوجي اريد الحماااااام
اومأت رأسها بـ هدوء
ثم قالت لوالدتها التي كانت على جلستها تدعو بأدعيةٍ ما بعد الفريضة: امي
سأوصل يعقوب للحمام
آدم لا تذهب لأي مكان ....... مفهوم ؟
: مفهوووووووووم
ابتسمت له بحب
وذهبت مع يعقوب اتجاه دورات المياه
تلفحها الروائح الطيبة من كل مكان
روائح العود الملكي
والمسك
والزهور الفواحة
يالله
ليته هنا معها
تحتضن كفها بكفه الكبير الدافئ ...... يسيران معاً في اطهر بقاع الأرض
يحلقان معاً ............ مع الطائفين والقائمين
والركع السجود
"قبــــل أسبـــوعٍ ونصـــف"
حدّقت به بقلق ...... وقلبها يكاد يعتصر من ذعرها المتصاعد عليه
فـ الذي امامها لم يكن سهيل
لم يكن سهيلها الذي لاطف قلبه قلبها واحبته من بين جميع البشر
كان متباعدأ فيما مضى اجل
كان كتوماً بشدة نعم
لكن سهيل الذي يقف امامها الآن
كان وكأن روح أخرى تسكنه .....!
مع هذا
سألته وهي تجاري طلبه الغريب: وانت متأكد ان امك بتم قاعدة في مكة ؟
: هي .. امي ريسه اكدت لي .. قالتلي ان امايه مب ناوية ترجع هالفترة
خاصةً انها يالسة الحينه في بيت ربيعتها ومرتاحة هناك
: لـ ليش ؟؟؟ ليش ما تسير صوبها ؟؟؟ مب متوله على امك ؟
هي مب متولهة عليك ؟؟؟؟
فقال لها بنبرة قاسية جعلت نبضاتها ترتعب: اذا على الوله
اكيد كل ام متولهة على ولدها الميت
شهقت بصدمة وقالت: ميييييت ؟!!!
قال لها بتعابير مقتضبة جامدة وهو يستل هاتفه بسرعة: انا ميت عند هلي يا جواهر ...
او يمكن ......... كنت عند البعض ميت
بس امايه ما تدري اني عايش
فقالت بسرعة وهي تريد كمش اكبر قدر من المعلومات قبل ان ينصرف
فـ هذا السهيل اتعبها بحق
اتعبها بغموضه واختفاءه المستمر واسراره التي لا قرار لها
رغم هذا أصرت على المقاومة .... وطحن الضعف
والوقوف بـ وجه الـ لا ..... والممنوع
فـ أكملت تحادثه كما تحادث آدم عندما يتمرد ويغضب: يعني انت تباني امهّد لها بطريقتي
انك حي ؟
صح ولا انا غلطانة ؟
رمقها بـ عيناه المعتمتان
واومئ لها رأسه بـ إيجابية
توهجت وجناتها بالجذل والحب
يالله
يكفيها هذا الآن
يكفيها ان ترى انه يريد إعادة حبل الحياة بينه وامه عن طريقها وعن طريق ابناءه
اما باقي الاسرار ستعرفها شيئاً فـ شيئاً
ومنه هو بإذن الله
فقالت وهي بالكاد تحاول السيطرة على خفقات قلبها المتوثبة: ان شاء الله
بسوي اللي بتقولي عنه ........... بس كيف ؟
كيف ألتقيبها ؟؟
وكيف بعرّفها على نفسي وعلى العيال ؟
تنهد بعمق شابه بعض التوتر .......... ثم قال:
انا بقولج كيف ... بس ارجع واقولج جواهر
امايه ما تشوف
لازم تسوين اللي بقولج عنه بالحرف عسب في الاخير نقدر نوصل للي نباه
هزت رأسها بتفهم وادراك
وهي تستمع بـ تركيز لـ ما يجب ان تفعله مع امه في مكة المكرمة
"الحـــاضــــر"
بعد عشرة دقائق .... عادت لأمها وهي تمسك يد يعقوب بحرص مخافةَ ان يضيع بين زحام المسلمين
: ماما ... سأذهب الى الخالة نورة لـ دقائق فقط ... ثم أعود إليك
ام جواهر: حسناً ابنتي ... ابلغيها تحياتي الحارة
هزت جواهر رأسها .... ثم اتجهت نحو ام سهيل
ما ان جلست قربها
حتى رفعت المرأة وجهها ......... وهمست بـ ملامح مشرقة: جواهر
لانت نظرة جواهر بابتسامة حلوة رقيقة وقالت: كيف عرفتي اني جواهر ؟
: هبّت عليّه ريحتج اول ما يلستي عدالي
ثم امسكت يدها واكملت بـ لهفة شديدة: وين آدم ويعقوب ؟
البارحة سرت اوكّل الحمام .... وبغيتهم وياايه بس ما يوا
وينهم حبايب قلبي ؟
خاطري ألوي عليهم وأقعد احبّب فيهم
نهـــاية الفصـــل الســـادس والعشـــرون
قراءة ممتعة صبايا
الاسبوع الياي باخذ اجازة من سهيل وربعه :)
ان شاء الله
يعني الخميس الياي ما في فصل
عاد لا تعصبوووووون
ولا تزعلوووووون
خلكم حنيّنين معااااااااااي
ولحد يغريني بالكلام المعسول تراني ما اتحمممممل
اسيح واذووووب كما الزبدة لووووول
لا لا صدق
احتاج اجازة يا رفيقات
بس هااااااه
اللي ما تعلق بندخلها مع شويهين في نفس الحجرة
وقد اعذر من انذرررررررررر
ملاحظــــــــــة: المواقف اللي وقفنا عندها ما انتهت ... لها تكملة ان شاء الله وكل شي ان شاء الله بيتوضح لا تحاتون :)
|