كاتب الموضوع :
سيريناد
المنتدى :
سلاسل روايات مصرية للجيب
رد: النبوءة _ د.نبيل فاروق
4 - الخطر
شعرت وفاء بموجة من تأنيب الضمير تغمرها وهى ترقد فى خيمتها فى تلك الليلة .. بعد أن رحلت قافلة البحث بعيدًا عن المقبرة تاركة العمال الثلاثة المنكوبين فيها وراح عقلها يحاول هضم فكرة نجاتها من اللعنة دون أن يقنع عقلها الباطن بهذا ..
وعندما طال أرقها غادرت فراشها وخيمتها واتجهت إلى حيث يجلس خفير المعسكر الذى لم يكد يلمحها حتى هب واقفًا فقالت فى هدوء:
اجلس .. إنما أتيت أشاركك قدحًا من الشاى
هتف فى حماس:
على الرحب والسعة
راح يعد لها قدح الشاى فى سرعة وهو يسألها:
هل سنعود إلى المقبرة يا سيدتى؟
أجابته فى ضيق:
بالطبع
سألها فى تردد:
وهل سنعيد زملاءنا الثلاثة؟
رفعت عينيها إليه فى دهشة قبل أن تسأله:
لماذا تلقى هذا السؤال؟
أجابها مترددًا:
يقول العمال إن زملاءهم الثلاثة قد أصابهم مرض خطير من تلك المومياوات الملعونة وأن القافلة قد أسرعت بالرحيل بعيدًا عن المقبرة لهذا السبب وتركتهم أيضًا هناك للسبب ذاته
لم تجد فى نفسها ميلًا للإجابة فلاذت بالصمت لحظات ثم سألته بغتة:
أخبرنى يا رجل .. ما تاريخ مولدك المدون فى أوراقك؟
أجابها فى دهشة:
إنه الثالث من سبتمبر عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين يا سيدتى .. لماذا تسألين؟
سألته:
أكل العاملين هنا من مواليد الثالث من سبتمبر هذا؟
أجابها فى حيرة:
كلا بالطبع .. ولكن أوراقهم الرسمية تحمل هذا التاريخ
هتفت فى حدة:
لماذا؟
هز كتفيه مجيبًا:
لأنهم جميعًا لم تكن لهم شهادات ميلاد رسمية لذا فقد تقدموا بطلب تسنين عندما أرادوا الحصول على أوراق رسمية للعمل معكم وتم تسنينهم (*) جميعًا فى جلسة الثالث من سبتمبر وعندما يتم تسنينهم يمنحهم الطبيب المسئول تاريخ ميلاد يوافق التسنين مع العام المقترح لأعمارهم وهكذا ستجدين الجميع يحملون تاريخ الثالث من سبتمبر وهو تاريخ جلسة التسنين .. هذا هو القانون (حقيقة)
___
(*) التسنين: هو تعرف عمر الشخص عن طريق نمر أسنانه وأحجامها وتوزيعها وهو أمر يجيده كل الأطباء الشرعيين وكذلك كل الجراحين وهو اسلوب يستخدم لتحديد عمر أى شخص لا يملك شهادة ميلاد رسمية
اتسعت عيناها فى ذعر ثم قفزت فجأة وانطلقت تعدو نحو واحدة من السيارتين نصف النقل وراجعت بعض محتوياتها فى لهفة وبخاصة صندوقان صغيران أسرعت تحتل مقعد القيادة فهتف بها الحارس فى جزع:
إلى أين يا سيدتى؟
صاحت به وهى تنطلق بالسيارة:
سأعود إلى المقبرة .. من الضرورى أن أفعل
وعندما انطلقت بالسيارة وسط الظلام كانت قد أدركت صحة جزء هام من النبوءة ..
وعرفت من سينقذ العالم
استيقظ الدكتور رشاد فى ذعر على يد الحارس وهى تهزه فى توتر وهتف به فى حنق:
ماذا هناك؟ .. ماذا حدث؟
أجابه الحارس فى قلق:
لقد رحلت الدكتورة وفاء
خيل للدكتور رشاد أنه لم يستوعب العبارة جيدًا فقال وهو يعتدل جالسًا على فراشه:
من؟
أجابه الحارس:
الدكتورة وفاء .. لقد رحلت
اتسعت عينا رشاد فى ذهول وهو يهتف:
رحلت؟ .. إلى أين؟
أجابه الحارس:
إلى المقبرة .. قالت إنها عائدة إلى المقبرة
قفز رشاد من فراشه وصاح فى ذعر:
عادت إلى المقبرة؟ .. اللعنة .. ولماذا أقدمت على هذه الحماقة؟
أسرع الحارس يقص عليه ما دار بينه وبين الدكتورة وفاء من حوار فامتقع وجه رشاد وغمغم ملتاعًا:
يا إلهى .. إذن فلم يكن العمال الثلاثة هم المقصودين .. وإنما نحن
تردد الحارس لحظة ثم قال:
لقد حملت الدكتورة معها بعض الأشياء
سأله فى توتر:
مثل ماذا؟
أجابه الحارس وهو يخشى العقاب:
لقد حملت معها صندوقين من الديناميت وخمسين جالونًا من البنزين
اتسعت عينا رشاد فى ذعر وأدرك ما تنوى وفاء فعله فهتف بالرجل فى هلع:
اسرع يا رجل .. أيقظ الجميع وسأوقظ أنا الدكتور سالم .. وعلينا أن نهرع جميعًا إليها
والتفت إلى سالم يوقظه مستطردًا فى مرارة:
المهم أن نصل فى الوقت المناسب
كانت بشائر الفجر قد لاحت عندما وصلت وفاء إلى المقبرة فأوقفت سيارتها وقفزت منها وحملت صندوقًا من صندوقى الديناميت فى صعوبة واندفعت نحو المقبرة ولم تكد تلجها ومصباحها يضئ لها الطريق حتى أطلقت شهقة رعب وتراجعت فى حدة فسقطت منها أصابع الديناميت أرضًا ..
لقد رأت العمال الثلاثة جثثًا هامدة .. وكل منهم يتشبث بالآخر كما لو أنهم قد عانوا من عذاب رهيب قبل أن يلقوا حتفهم ..
وكانت وجوههم سوداء مشوهة بشعة ..
وتراجعت مغمغمة فى ارتياع ..
إنه طاعون رهيب .. رهيب
زادها ذلك اصرارًا على إتمام مهمتها فأسرعت عائدة إلى السيارة وحملت صندوق الديناميت الآخر وعادت تضعه وسط المقبرة ثم راحت تمد فتيله الطويل قرابة العشرين مترًا إلى حيث توقف سيارتها ثم راحت تنقل جالونات البنزين فى صبر وترصها داخل المقبرة متحاشية بقدر الإمكان رؤية وجوه العمال المشوهة وبعدما أسرعت عائدة إلى حيث يبدأ الفتيل المفجر .. وفجأة تذكرت نقطة هامة .. إنها لا تحمل ثقابًا لإشعال الفتيل ..
هذه هى نقطة الضعف الوحيدة فى خطتها ..
* * *
|