وضعت كارا فنجان قهوتها ونظرت الى زوج المستقبل باستغراب:
- كان يمكنك ان تخبرنى قبل الان ان لك شقيقة تعمل فى النحت. ومن تكون رو؟
- رو طفلة صغيرة فى الثامنة من عمرها. تعيش معنا فى المنزل . وجدناها على باب المنزل طفلة رضيعة. تركتها والدتها بصندوقها الصغير تحت رحمتنا. وتبناها شقيقى برايد . لو كانت صبيا ....!
توقف لوكان عن الكلام وهو عابس . وطلب من الخادم ان يعطيه الفاتورة . دفع ما عليه ثم خرجا سوية يتمشيان ووجهتهما الكنيسة فى اعلى التلة . مشت كارا قربه صامتة . كانت ضربات قلبها غير منتظمة وتذكرت قوله ... لو ان الفتاة رو التى تبناها اخى كانت صبيا ... قالت فى نفسها ... لم يكن لوكان بحاجة للزواج من فتاة لا يعرفها حق المعرفة وربما لا يحبها.
وتوقفت عن السير . كانت تلعب بخاتم الخطوبة فى اصبعها. قالت بحنق:
- لا استطيع ان اكمل الزواج يا لوكان . عليك ان تجد فتاة غيرى لتتزوج بها ...
صرخ بها فجأة:
- أبقى هذا الخاتم فى مكانه . وأمسك بيدها فأعاد الخاتم بقوة لاى مكانه . كان وجهه قاسيا وعيناه بلون البحر الهائج.
- لقد وعدتنى بالزواج وسوف تفين بوعدك!
Shell
احتفظ بيدها فى يده حتى وصلا الى الكنيسة . وبعد نصف ساعة خرجا بعد ان اتفقا على جميع ترتيبات زواجها من لوكان يوم الأربعاء صباحا.
فى طريق العودة كانت كارا تراقب الفراشات تمتص رحيق الأزهار بأجنحتها الخافقة. كانت ترغب ان تطير مثلها حرة من جديد.
قال يداعبها:
- عندما نمشى مرة ثانية فى هذا الدرب , سنكون زوجا وزوجة.
قالت ترد دعابته:
- اعتقد ان ثمن الزوجة كان يساوى اربع بقرات فى زمن نيال القرصان.
ضحك ثم قال:
- أهكذا تقيمين نفسك يا فتاتى , كغنيمة لقرصان ايرلندى ؟ ستنسجمين فى العيش مع رو. انها تفتخر بحقيقة ان آل سافدج يعودون بأصولهم الى المحاربين فى اولستر. وتعتز بأن سلالم المنزل الكبير مصنوعة من خشب سفينة قرصان اسبانية تحطمت على الصخور فى خليج التنين.

قالت كارا:
- رو اسم قاس لفتاة صغيرة
- لا شك ان امها كانت قاسية جدا حين تركتها. اننا نسميها رو بمعنى النبتة المقدسة وهى فتاة رشيقة مرحة.
- كم أتلهف للقائها يا لوكان
- وجود طفلة صغيرة فى المنزل سيساعدك
شد على اصابعها كأنه يذكرها بمهمتها الأولى لزواجه منها ... انجاب الوريث للعائلة العريقة.
اسرع نبضها وهى تقول فى نفسها ... بعد فترة وجيزة من الزمن سيصبح هذا الرجل الطويل الجذاب المتوحش زوجها وحبيبها!
استفاقت كارا صباح الأربعاء على زقزقة العصافير . اليوم ستصبح زوجة لوكان سافدج . مرت الساعات القليلة من الصباح سريعة وتناولت فطورها وحدها . عليها ان لا تلتقى لوكان قبل الذهاب الى الكنيسة . بدأت ترتدى ثوبها فى التاسعة وكانت قد غسلت شعرها فى اليوم السابق.
ونزعت الاقراط الذهبية من اذنيها فاستبدلتها بالأقراط اللؤلؤية التى اشتراها لها لوكان. قال حين قدم لها علبة الأقراط:
- لقد ارتفع ثمن العروس فى هذه الأيام.
كان شكلها بثوب الزفاف ذى القبة العالية كراهبة صغيرة على وشك ان تقسم اليمين. وابتسمت راضية عن شكلها فى المرآة . قفزت حين قرع الباب وفتحته. كان ناب يحمل لها باقة الورود البيضاء والصفراء التى طلبتها منه لتحملها معها عند الزفاف. وقف يحدق بها كأنه لم ير عروسا من قبل وقال:
- وصلت هذه البرقية لك يا آنسة.
- انتظر يا ناب أرجوك

قرأت البرقية . كانت من بول . يمنع عليها الزواج من رجل لا يعرفه ويأمرها بالعودة فورا الى انديلوس.
لم يرسل لها حبه ولا تهانيه . وبدأت تبكى ثم مسحت دموعها بسرعة لأن ذلك يجلب سوء الحظ . ذهبت الى حقيبتها واخرجت ورقة وكتبت:
- عزيزى بول . حين تستلم رسالتى اكون قد اصبحت زوجة لوكان سافدج. ارجو ان تسامحنى وتتفهم الموضوع . أطيب المحبة .... كارا
طوت الرسالة واعطتها لناب مع بعض المال. وطلبت منه ان يرسلها فى الحال. سقطت دمعة على الرسالة ولكنها هدأت نفسها وأمسكت باقة الورد فأغرقت وجهها فيها . كانت الورود البيضاء ترمز للطهارة والبراءة والورود الصفراء للدفء والمحبة.
قبل العاشرة بربع ساعة حضر ناب ليحمل لها حقائبها الى سيارة الاجرة التى ستقلها الى الكنيسة . وكانت قد دفعت فاتورة الفندق فى اليوم السابق. نزلت السلالم بين شرفات الفندق المليئة بالمتفرجين والفضوليين .
قالت لصبى الفندق:
- تعال معى الى الكنيسة يا ناب.
فصعد قربها على الفور . كان من الغريب ان يصحب العروس خادم الفندق فى طريقها الى الزفاف.
كان ناب يثرثر معها بلغته الفرنسية الغريبة وهما فى طريقهما الى الكنيسة . وشعرت كارا كأنها مخدرة . بقيت على هذه الحال من الجمود فترة الاحتفال كله. كأنها فى حلم وهى تقف بجانب لوكان.
SHELL
كانت الزهور تملأ المكان وعلى جانبى المذبح باقات كبيرة من الزهور الاستوائية . لقد رتب لوكان امر وجودها بنفسه .ونظرت اليه شاكرة . كان منتصبا بقامته الفارعة وربطة عنقه معقودة فوق قميصه الأبيض بينما يضع فى عروته زهرة صفراء. تخلى عنها قلبها حين التقت عيناها بعينيه وفيهما ظل ابتسامة دافئة . هذه الابتسامة جعلتها تشعر بأنها ليست وحيدة بل معه الى الأبد.

انتهى الفصل الثالث

وأخييييييرا سيتزوجوا .. ماذا بعد ؟؟

الفصل الرابع

4_ نهر بلا عودة



سافر لوكان وعروسه كارا الى منزلهما فى خليج التنين فوق طوافة خشبية تنساب على النهر عبر طريق وحشية ولكن خلابة. العصافير الملوثة كأنها جواهر حيّة تطير حولهما فى الغابة الخضراء حيث النباتات الخضراء المتدلية كأنها حيّات . وأزهار الأدغال الوحشية الكبيرة تنمو بكثافة وبين فترة واخرى يمران تحت شلال صغير يصب الماء فوق الطوافة المصنوعة من اخشاب الموز والقصب.
كان البحار الكاريبى الذى يقود الطوافة يقف منتصبا فى نهايتها الضيقة كأنه محارب. وجهه ذو عظام عالية وعيناه تلمعان تحت شعره الأشعث الأسود. كان ليّن الجسم اسمر كالنحاس يشبه تمثالا منحوتا. اما مجاديف الطوافة فكانت مرصعة بالأصداف وقطع الزجاج الملونة, تلمع كلما التقت اشعة الشمس فى حركتها صعودا ونزولا.
قال لوكان مخاطبا كارا وهو ينظر الى النوتى:
- كانوا من اكلة لحوم البشر.
Shell
وابتسم قليلا بعد ان لاحظ ارتجافها وخوفها. ورمى رماد سيكاره فى الماء
- يعاملون الحب ببساطة . حين تعجب احدهم فتاة يدعوها الى الغابة حيث يتزوجها عنوة على طريقة المحاربين القدامى . بعد ذلك تصبح له فيتزوج بها على الطريقة المتبعة.
بدأ النوتى ينشد اغنية قديمة تناسب البيئة الوحشية التى تمر بها الطوافة وتهتز لها كارا مع كل ضربة من المجذاف المزخرف.
- انه ينشد اغنية بمناسبة زفافنا.