كانت ضحكة المرأة رنانة وقحة.
- اعرفه من شهرته وامقت بشدة هذا النوع من الرجال . المرأة عنده لعبة جميلة فارغة العقل وانت الوحيدة التى خرجت عن القاعدة
- لوكان صديق فقط...
- لا بد انها صداقة حميمة جدا يا عزيزتى
قالت ذلك ولملمت ثوبها وعادت من حيث اتت تاركة كارا وحدها بين اشجار الحديقة . هذه المرأة تحسدها . انها ليست صديقة لبول ودمينى . انها ترغب فى ايذاء المحبين. ستكتب الى شقيقها ودومينى لا لشئ الا لتؤذيها ولن تملك كارا اى لقاح ضد سمومها . فالشخص الذى امضت ليلتها فى غرفته هو لوكان سافدج ذو السمعة السيئة ...
انسابت الموسيقى الى سمعها تذكرها بالحفلة المقنعة وبالملكة التى تراقص لوكان . مشت دون هدف وقد سقط قناعها المنقط من يدها دون ان تدرى . وصلت الى هيكل صينى صغير تظلله النجوم وله حديقة مليئة بالزهور وفيها مقاعد صغيرة حول بركة ماء, كانت الليلة مقمرة . وجلست على مقعد تفكر . ماذا تنتظر؟
سمعت وقع اقدام من ورائها فنهضت واقفة . كان رجل طويل يقف فى مدخل الهيكل وقد منع عنها ضوء القمر.
- هذا انت يا كارا؟
- نعم يا لوكان
- ما الأمر ؟ وجدت قناعك على الطريق . هل انتهت الحفلة المقنعة بالنسبة لك؟
- نعم . نعم يا لوكان . انتهى كل شئ . سأرحل عن الجزيرة
- تبدين غريبة الاطوار كأن شيئا مزعجا حدث لك . هل هى رقصة الملكة؟ بالتأكيد يمكنك ان تتحملى بعض المرح البرئ ؟
- حتما . ولكننى تعبت جدا . كان اليوم طويلا ومليئا بالضجيج . ارغب فى العودة الى الفندق وسأذهب وحدى ...
- اولا . أخبرينى ما الذى حصل؟
وأمسك برسغها:
- حين كنت فى طريقى اليك مررت بالسيدة التى كلمتك فى الفندق.
كانت على وجهها امارات التشفى كأنها صفعت احدا صفعة موجعة . اخبرينى يا كارا . هل قالت لك المرأة اى شئ عكر صفوك؟
- هذا من شأنى وحدى ...

حاولت الافلات منه ولكنه اطبق على يديها وجعلها اسيرته فحدقت به كأنه وحش مقنع.
- ستخبريننى ما حصل ولو بقيت معك الليل بطوله . ليلتنا سوية فى حديقة الهيكل ستعطى الاشاعات فرصة جديدة لتلوكنا.
- انت لا تجرؤ على ذلك يا لوكان!
قال بجدية:
- انك تتحديننى؟
عرفت كارا انه يعنى ما يقول . قالت:
- هذه المرأة تعرف اخى بول . ستكتب له لتخبره عن علاقتى الغرامية مع لوكان سافدج الشهير من خليج التنين.
وخيّم عليهما صمت ثقيل . ثم قال:
- من الواضح انك طفلة صغيرة.
ثم توعد بلهجة آمرة:
- دعيهم يقولوا عن زوجتى اى شئ وسيدفعون الثمن غاليا جدا.
تسمرت كارا فى مكانها . لقد صدمت . وتملكها الألم لأنه لم يذكر سابقا اى شئ عن الزواج حين اقنعها بالبقاء معه اسبوعا اخر بحجة وجوده كدليل سياحى لها :
- تهانى . لو علمت لاشتريت للعروس هدية لائقة.
قال جادا:
- وهل تشترى العروس هدية عرسها بنفسها؟
حدقت به كارا وضربات قلبها تسرع . شعرت بضعف مفاجئ وسألته:
- لوكان . ما الذى تقوله ؟ انا لا افهمك!
- اننى اتقدم منك خاطبا . اريدك ان تصبحى زوجتى .
- لا . لا يمكنك ان تطلب يدى للزواج لأن هذه المرأة البغيضة تهددنى . انت ترغب فى انقاذ سمعتى . أفضل الموت...

- شكرا . لا ينتظر اى رجل يتقدم بطلب يد فتاة للزواج هذه الاجابة السخيفة . هل تظنين يا كارا اننى لا املك الجاذبية؟
- بل على العكس . انت رجل تستطيع ان تحظى بأية امرأة ترغب . الكثيرات يتمنين ذلك . اما انا فأفضل ان اتزوج من رجل يحبنى.
- هل تريديننى ان اقول .... انى احبك!
- لا . ولكننى اتساءل ... لماذا يرغب رجل مثلك لا يقيم وزنا للروابط التقليدية فى الزواج وروابطه المقيدة فجأة ؟ لماذا سألتنى ان اصبح زوجة لك؟
- لأننى بحاجة الى زوجة بكل بساطة . احتاج فتاة لديها الشجاعة كى تأتى لتعيش معى فى خليج التنين . تتحمل اصوات الامواج التى تتكشر فوق الصخور على الشاطئ كل ليلة والرائحة القوية التى تخرج من حقول الكاكاو فى النهار . ألا يكفى هذا يا كارا؟
- لماذا ؟ ما الذى اعطيك بالمقابل؟
- نفسك.
زضع يديه حول وجهها وقال:
- شقيقى لا يستطيع ان يعطى وريثا لآل سافدج . لأجيال خلت عاشت العائلة فى خليج التنين وما زالت. اننى الاخير فى العائلة وعملية مواصلة حلقات العائلة للمستقبل تقع على كاهلى وحدى.
- اذن هى زيجة تقليدية حقيقية . ليس عليك ان تحبنى بل ان تقوم بعملية انجاب الاطفال. لماذا تطلب منى ذلك؟
- انا اسألك . يمكنك القبول او الرفض. انت حرة الامر بهذه البساطة والقرارالنهائى لا رجعة فيه . اما ان تقبلينى او ترفضينى.
خلع عنه القناع . واصبح وجهه واضحا تحت ضوء القمر
نظرت اليه كارا . وفكرت بشقيقها بول . كان الصمت رهيبا واللحظة حرجة . عليها ان تقرر مصيرها الان . وهو قرار ملزم لبقية عمرها : للأحسن أو للأسوأ.
- ألا يقول اليونانيون ان التفكير يولد الجبن؟

وما ان انتهى لوكان من جملته حتى بدأت الألعاب النارية تسطع فى السماء. خرجت كارا من الهيكل تتفرج ومشى خلفها ممسكا بها من كتفيها حتى لا تهرب. كأنه يمسك بعواطفها ويشدها اليه بحزم لم تعرفه من قبل ولم تحلم به . عاطفته نحوها تختلف كليا عما خبرته من شعور مع نيكوس ...
كان هذا مرحا كضحكة الطفولة . اما لوكان فهو كالمرشد وهى كالعصفور التائه تطير من حوله.
شد على كتفيها بيديه وقال:
- سأغادر الى خليج التنين خلال ايام . لدينا وقت كاف لنتزوج واذا رغبت نتزوج فى الكنيسة.
- نعم . اريد زواجا فى الكنيسة اذا كان ذلك ممكنا يا لوكان
صباح الاثنين اخذها لوكان الى محل صغير لبيع الاثريات يزدحم بساعات قديمة ورائحة عطور غريبة وتماثيل منوعة الاشكال. واشترى لها خاتما من الذهب وخاتم خطوبة فى وسطه لؤلؤة كبيرة نقية . البسها خاتم الخطوبة وقد اعجبته ردة فعلها.
- لم أكن لأتمنى اى شئ اجمل منه يا لوكان
ولم يكن يخطر ببالها ان اللؤلؤة البيضاء فى وسط الخاتم تشبه دمعة تتساقط من يدها
خرجا من دكان بائع المجوهرات واسرعا فى الاتجاه المعاكس . هو ليحصل على شهادة زواج وهى لترسل برقية لشقيقها وزوجته تعلمهما بعزمها على الزواج . كانت ترهب ردة الفعل عند بول . انه رب العائلة فى اليونان . وكما تقتضى عليه العادات ان يجتمع بالرجل الذى ترغب فى الزواج منه ويعطى موافقته.
كانت تعرف انه يود ان يقدمها بنفسه لعريسها يوم الزفاف. كان يتمنى ان يقدمها الى نيكوس... وعندما يستلم برقيتها سيظن ان تسرعها فى الزواج ردة فعل مباشرة على زواج نيكوس.
كانت حزينة بعد خروجها من مركز البريد والبرق. هل هى تتزوج لوكان فعلا كردة فعلى على زواج نيكوس؟ هل فكرت مليا بالحياة التى ستعيشها فى المنزل الكبير المنعزل فى خليج التنين حيث شقيق لوكان المقعد فى الكرسى المتحرك هو سيد المنزل؟
القت نظرة على يدها اليسرى حيث خاتم الخطوبة. واكتشفت كيف كانت اللؤلؤة تأخذ شكل دمعة كبيرة على وشك السقوط.

كانت قد خرجت للبحث بين المتاجر عن ثوب لحفلة الزفاف
وجدته اخيرا واشترت معه قبعة محلاة بورود مخملية بيضاء وفى وسطها خرزات بسيطة . واشترت قفازات بيضاء ايضا ثم اعطت اسمها وعنوان الفندق كى ترسل اليها مشترياتها الى هناك. قالت لها البائعة:
- انه ثوب عرس. هل ستتزوج الآنسة؟
هزت كارا رأسها ايجابا .وسألتها البائعة:
- هل اعرف العريس؟ انا متأكدة اننى رأيتك مع السيد سافدج...
- نعم . هو العريس . سنتزوج الاربعاء بعد غد.
قالت ذلك وخرجت . ركضت البائعة الى داخل المحل لتخبر صديقاتها بالأنباء الجديدة
قال لها لوكان حين التقاها فى مطعم المرفأ للغداء:
- سيحضر عرسنا اشخاص عديدون ومهمون. وسيجعل منك لوكان سافدج امرأة مبجلة يا حبيبتى.
يا حبيبتى ... قالت فى نفسها , لو قالها بدون هذه النظرة الساخرة!
- الكنيسة مكان بارد بدون الناس . سيسعدنى ان اراهم فى عرسنا حتى لو كان حضورهم نوع من الفضول.
كم تبدين صغيرة لتكونى عروسا يا كارا . لو كنت فى بلدك اليونان لكنت تزوجت بفستان حريرى لا ئق وطرحة كبيرة من الشرائط والدانتيلا وسط لفيف من افراد العائلة.
- كان شقيقى بول سيقدمنى فى الكنيسة الى زوج المستقبل.
- آسف لعدم وجود الشرائط وافراد العائلة وصغارها حولك.
- اننى آسفة فقط لغياب بول ودومينى فى هذه المناسبة السعيدة . وماذا عن عائلتك يا لوكان ؟ ألن تصيبهم المفاجأةحين تعود اليهم قريبا ومعك عروسك؟
- لا اظن ذلك . برايد ينتظر زواجى بفارغ صبر وشقيقتى كلير لا تهتم الا بمنحوتاتها. اما رو فسيخيب ظنها لأنها لم تحضر الزفاف. كم تحب هذه الفتاة الحياة المرحة ولا يوجد فى منزلها فرح كثير.