سألت كارا:
- ما هذا الترتيب السيئ ؟ كيف مشرب بدون اكواب؟
- نشرب رأسا من الزجاجة مثل القراصنة
لامست اصابعه حنجرتها وعنقها بلطف ولين فتجمدت . تمتم :
- هل تخافين من لمسة اى رجل ام فقط من لمستى انا؟
- لقد رميتنى فى البحر وسابقتنى دون رحمة او شفقة كأنك سمكة قرش . اننى حذرة جدا من نواياك يا سيد سافدج
اخرجت كارا صحون الورق والبندورة من سلة الطعام وتمنت ان لا تبدو كمن لا حول له ولا قوة , كما تشعر حقا عندما يداعبها بعينيه الخضراوين. لماذا لا يكف عن استطلاع احوالها مع الرجال الاخرين ؟ لم تعرف غير نيكوس وهو لم يقبلها سوى قبلات بريئة لم تكن لتحرك فيها ساكنا . الان تعرف الفرق بين المحبة البريئة والحب القوى الجارف.
- دعينى اهدئ من روعك ببعض الموسيقى.
فتح لوكان الراديو الصغير الذى اشتراه مع ثياب السباحة وقبعة القش وسلة الطعام . واكلا الدجاجة المحمرة بنهم ثم شربا من الزجاجة
- الطعام لذيذ والفاكهة كذلك . الموسيقى الهادئة اصبحت صاخبة كأنها تخرج من الادغال
وسألته:
- هل تسبح دائما فى خليج التنين.؟
- اكثر الاحيان فى الصباح الباكر او فى المساء تحت ضوء النجوم.
كان يتمدد تحت اشعة الشمس الاستوائية فى استرخاء كلى
- هناك سمك كثير فى الخليج والموج يرتفع عاليا والصخور تشبه اسنان التنين . فى داخل مياه الخليج تيار مائى يمسك بنا كأنه ذيل وحش مفترس
قالت كارا ويداها على ركبتيها:
- ألا يصلح المكان كمنتجع لقضاء العطل؟
كانت قبعة القش على رأسها تغطى عينيها وتستر اهتمامها بمنزل لوكان الذى يبعد رحلة يوم بالنهر ... فى الجهة المقابلة لجزيرة دى لوك . هناك حيث الشواطئ غير مأهولة ...
- ان الاقوياء وحدهم يصلحون للعيش فى خليج التنين
- لماذا سمى هكذا؟
- شعارنا تنين احمر منقوش فوق درع برونزى . انه شعار عائلتنا يقول : تنين آل سافدج يحمينا. ةتةجد كأس ذهبية كبيرة فى مدخل القاعة نقش عليها تنين قرمزى. جلبها ثوار آل سافدج وكانا شقيقين من ايرلندا . مثل اى ايرلندى كانا يحملان قلبين مليئين بالكبرياء وحب الشيطنة ولم يقبلا الانضمام الى الرابطة الانكليزية. ولهذا السبب لاحقهما الجنود بغية اعتقالهما وسجنهما . فما كانا منهما الا ان هربا على متن سفينة كانت فى طريقها الى البحر الكاريبى . تحطمت السفينة بعد ارتطامها بالصخور فى شمالى جزيرة دى لوك. وتمكن الشقيقان من النجاة سباحة الى الشاطئ وبرفقتهما مايف وعشرات الشبان الكاريبيين الذين حملهم قبطان السفينة معه بقصد بيعهم عبيدا . كونال وديارميد.
وجدا تربة الخليج صالحة للزراعة. فرهنا الكأس الذهبية مقابل قطعة ارض صغيرة وعمل الشباب الكاريبيون فى خدمتهم فزرعوا قصب السكر والكاكاو. ثم تزوج كونال من مايف وبنيا منزلا كبيرا فوق الصخور العالية واعطوا الخليج اسم التنين دلالة على أل سافدج.

سألته كارا:
- ألم يتزوج ديارميد؟
- تزوج الزراعة وترك امر تأسيس العائلة الى شقيقه كونال توفيت مايف وهى حامل بولدها الرابع . وقعت من فوق الصخور الحادة فوق الخليج وكذلك توفيت عروس جديدة حرقا فى طاحونة قصب السكر القديمة . من الظاهر ان التنين يحمل ضغينة ضد عرائس آل سافدج.
ارتجفت كارا بعد سماع قصص عائلة آل سافدج مع انها كانت تجلس تحت حرارة الشمس . لقد الهب لوكان مخيلتها بجو خليج التنين الغريب حيث الامواج الصاخبة تتكسر على الصخور الحادة ... من الصخب بحيث انها حالت دون سماع استغاثة مايف بعد سقوطها من فوق الصخور . كما حدث لبرايد ايضا.
Shell
- اوه . انظر يا لوكان
كان هناك سرطان يزحف قربها , وضحكا من شكله الغريب . التقت نظراته بنظراتها فمد يده وامسك يديها وجذبها الى صدره الحار . حاولت دفعه بعيدا عنها الا انها لم تستطع حراكا امام جبروته . قالت:
- ارجوك لا تفعل اى شئ
سألها ساخرا:
- وماذا عساى ان افعل ؟
قالت:
- ستقضى على صداقتنا
- يا مجنونة . هل هى الصداقة التى تربطنا؟
طواها بذراعيه ودارت الدنيا بها بعد ان اصبح الرمل تحتها . عانقها بشدة فشلّ تفكيرها تماما.

كانت مرتمية على الرمال وعيناها مغمضتان بعد عناقه القاسى
- بحق الشيطان . هل آلمتك كثيرا؟
مسح بابهامه دمعة انحدرت فوق خدها
- ألم يعانقك صديقك اليونانى ابدا؟
- كلا ليس بهذه الوحشية . نيكوس ليس خشنا
- نيكوس فتى غرير ولم يصبح بعد رجلا . لماذا تبكين يا حياتى؟
- انت لا تستطيع ان ترى امرأة تبكى لأنك قاسى القلب
سخر منها وقال:
- يا للسخافة
- ربما دموعى تلامس شعورك واحساسك وانت لا ترضى بذلك
- اذن انا مرعب وهائل!
Shell
فتحت عينيها المبللتين بالدموع وهى ما زالت مستلقية على الرمال الدافئة كأنها بين يدى قرصان بدائى شعره المجعد الخشن بلون النار عيناه الخضراوان فيهما سحر خطير وجسمه الملوح بحرارة الشمس لا رقة فيه ولا ليونة
- انت رجل معقد . لا اظننى احبك يا لوكان
- وهل طلبت منك ان تحبينى ياكارا هل شعرت اننى بحاجة الى صداقتك؟
امسك بها وانهضها وبد أ يمسح اكتافها من الرمال العالقة بها.

سألها فجأة:
- بماذا تفكرين الان؟
- ما الذى تريده منى ؟
رفع ذقنها بأصابعه وتفحص وجهها بعينيه. قال:
- ماذا تعنى لك التقاليد يا كارا؟
استغربت سؤاله:
- التقاليد!
- تقاليد آل سافدج لا تعنى لى شخصيا الشئ الكثير . ولكن شقيقى برايد يعيرها اهمية كبيرة وانا يهمنى امر شقيقى كثيرا
- استطيع ان افهم حبك لشقيقك!
- ةلكنك لا تفهمين ما اقصد . اننى احيرك أليس كذلك؟
- كثيرا
shell
تراجعت كارا عنه وبدأت توضب سلة الطعام . طوت البساط بعد ان نفضته من الرمل واقفل هو الراديو. مشت كارا خلف الصخور لتغيير ملابسها ولما عادت كان لوكان قد لبس سرواله وقميصه. وبدأت الشمس تميل الى الغروب . فمشيا نحو المرفأ فى طريق عودتهما.
وصلا الى الفندق وآلاف المشاعل تغمر الشارع بالنور. الجموع المرحة تحوم حول طاولات الطعام الشهية والاشرطة الورقية والحلوى تحت الاقدام. صوت قرع طبول بعيدة . كانت الحفلة المقنعة الراقصة هذا المساء تشكل قمة الاحتفال. وستعود فورت فرناند هذه الليلة الى احتفالاتها
البربرية السابقة.
الهرج والمرج وقرع الطبول ... كل فرد يعيش لساعته ويلهث خلف ملذاته , يعيش للحب فقط . شعاره : نحب الليلة ونتحاسب غداً.

وقفت كارا امام مرآتها فى غرفتها بالفندق تمعن النظر فى انعكاس صورتها الجديدة . فتاة صغيرة ترتدى الثياب الوطنية وفى اذنيها اقؤاط كبيرة . كانت متوترة الاعصاب ترتجف كلما مرت بأناملها فوق شفتيها تتذكر عناقها مع لوكان . قالت فى نفسها ... كارا ستيفانوس تبدين جميلة للغاية فى لباسك . بول ودومينى سيفخران بك لو شاهداك.
واخذت نفسا عميقا . تساءلت فى نفسها ... ما هى ردة الفعل عند لوكان بعد عناقهما على الشاطئ فى عصر هذا اليوم ؟ كان يتكلم بغرابة عن منزله وتقاليد عائلة آل سافدج . ذكرى عناقه لا تفارقها . كيف كانت تحت رحمته بين ذراعيه السمراوين تسمع نبض قلبه يغزو قلبها ..
بدأت ترفل فى ثوبها الحريرى الفضفاض . واستدارت عن المرآة . اهتزت يدها وهى تحمل القناع القرمزى الذى اشترته البارحة الى لوكان . بالنسبة اليه , العناق قد لايعنى شيئا سوى لحظة سرور عابرة او ربما رغبة فى التعرف الى ردة الفعل لديها. عليها ان تتذكر هذه الحقائق الليلة ...
الموسيقى الهادئة والاقنعة وضوء القمر يمكن ان يطبح برأس اى فتاة.
كانت تسوى قناعها فوق وجهها حين سمعت قرعا على الباب. لا بد انه لوكان . فكرت ان تعتذر له بأن لديها صداعا ولا يمكنها مرافقته . وحين فتحت له الباب نسيت الكلمات التى اعدتها ولم يسعها الا التحديق فيه من فتحة القناع فوق عينيها . وقف قرب الباب بلا مبالاة وهو يلبس ثوب مهرج بألوانه المتنافرة . قدمت له القناع دون ان تتكلم . وقبل ان يضع قناعه على وجهه ابدى اعجابه بلباسها الفولكلورى متفحصا اياها من قمة رأسها حتى اخمص قدميها حيث كانت تنتعل حذاء للرقص ظهر من تحت تنورتها الفضفاضة. قال:
- انك رائعة يا صغيرتى
واضاف بضحكة شيطانية:
- انك السيدة الكاريبية بكل مجدها
- أشكرك.