كاتب الموضوع :
SHELL
المنتدى :
كوكتيل 2000
رد: 49 - جدى الحبيب
قلت، وأنا أنهض في حدة:
- لست أشعر بالجوع.
فوجئت بسحنته تنقلب على نحو مخيف، وهو يقول، في لهجة أقرب إلى الشراسة:
- ستتناول طعام إفطارك أولاً.. من الضروري أن تظل بصحة جيّدة.
كان يمكنني القول هنا إنني قد واجهت لهجته ونظراته المخيفة في شجاعة، ولكن الواقع أنني لم أفعل، بل شعرت في أعماقي بشيء من الخوف، جعلني أعاود الجلوس، وأبدأ في تناول طعام الإفطار بالفعل، ثم لم يلبث ذلك العناد أن عاودني، فقلت في شيء من العصبية:
- سأستبدل كل هذه المصابيح أوّلاً.. إنني أبغض هذا الضوء الخافت.
أشاح بوجهه مرة أخرى، وهو يكرّر:
- يمكنك أن تحاول.
قالها، ثم اتجه في هدوء نحو باب المنزل، وغادره دون أن يضيف كلمة واحدة..
كنت قد انتهيت من تناول إفطاري الصغير بالفعل، عندما اختفى خارج المنزل، فاختطفت مفاتيح السيارة، واندفعت خلفه، وأنا أتساءل:
- هل سأذهب وحدي؟!
فتحت باب المنزل بحركة حادة، وأنا أنطق عبارتي هذه، ثم ارتفع حاجباي بعدها، في دهشة كبيرة..
لقد شاهدت عدنان يغادر المنزل، قبلي بدقيقة واحدة، وعلى الرغم من هذا، فلم يكن له أي أثر خارجه..
فقط كانت تلك السيارة القديمة تستقر، على بعد أمتار قليلة، تحت ضوء الشمس، وحولها المكان خالياً..
تماماً..
درت حول المنزل أبحث عنه مرة..
ومرتين..
وثلاثا..
ولكنه كان قد اختفى تماماً، كما لو أن الأرض قد انشقّت وابتلعته..
ضاعف هذا من توتري كثيراً، وضاعف أيضاً من إصراري على إحضار من يفتح الحجرتين المغلفتين، ويستبدل تلك المصابيح الخافتة..
وفي حزم وإصرار، ركبت السيارة القديمة، وأدرت محرّكها، وأدهشتني قوة المحّرك، في سيارة عتيقة مثلها، ولكنني قدتها في يسر، هابطاً عبر الممر الضيق، إلى حيث تلك البلدة الصغيرة..
ولقد أدهشني رد فعل سكّان تلك البلدة، كما أدهشني في المرة الأولى..
لقد كانوا يتحاشون السيارة، كما لو أنهم يتحاشون حيواناً مفترساً، وعندما توقفت؛ لأسأل أحدهم عن نجّار قريب، انطلق يعدو مبتعداً كما لو أن شياطين الأرض كلها تطارده..
وأخيراً توقفت عندما بدا لي أشبه بمقهى صغير، وهبطت من السيارة، التي يرمقها الكل بنظرة خوف واضحة، وسألت صاحب ذلك المقهى عن نجّار، فتطلّع إليّ لحظات في توتر، قبل أن يسألني في خفوت:
- لأي غرض؟!
أشرت بيدي إلى منزل جدي أعلى الجبل، وأنا أجيبه:
- هناك أبواب مغلقة، أعجز عن فتحها.
قال الرجل مستنكراً:
- هناك؟!
أجبته في حيرة:
- نعم.. هناك.
صمت لحظات أخرى، قبل أن يجيب في حزم، غلب عليه توتر شديد:
- لو دفعت كل ما تملك لن تجد شخصاً واحداً في البلدة كلها يقبل بالصعود إلى هناك.
أدهشتني إجابته في شدة، فسألته في توتر:
- ولماذا؟!
مال نحوي، في توتر يفوق توتري ألف مرة، وهو يجيب:
- لأن من يذهب إلى هناك، لا يعود.. أبداً.
وكانت إجابته أشبه بالصدمة..
صدمة بلا حدود...
على الإطلاق.
***
|