كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
،,
روما ، دخلت من باب المطعم ، تحرّك رأسها يُمنة و يُسرة ، ابتسمت و هي ترى تِلك اليَد تُلوّح لها ، اقتربت بلهفة حتى وَصلت الطاولة ، نهضت صديقتها لتحتضنها بحب و شَوق ، انفصلتا بعد عِناق يَحكي آلاماً مَرّت على قلبيهما ، جلست كل منهما على كرسيها ، تقول ريم : شلونِك وين هالغيبة !!
سَناء : والله مشاغل الدنيا يا ريم ، دوامي و شغلي و بنتي اللي مشيبتني ..
ظهرت ابتسامتها و هي تذكر ابنة صديقتها في طفولتها : والله معاكِ حق ، الأطفال يغيرون حياة البني آدم ..
تَضع حقيبتها جانباً و تقول بتعب : والله مو للأحسن يا ريم ، بنتي ليان مشيبتني ماني قادرة عليها ، و الحين داخلة في سن 12 يعني بتبدا مراهقة ، و الله يعيني عليها ..
ريم : مرحلة و تعدي ، المهم تتحملي ، و بعدين بكرا هذي البنت بتكون معاكِ فـ كبرك ما بتقعدي بروحك ..
تبتسم بسخرية : أكبر كذبة كذبوها علينا و احنا بزارين إن الأولاد بيظلوا لأهلهم بكبرتهم ، بنتي من الحين ما تقعد معاي و طول الوقت مع صديقاتها و جيرانها و ما هي فاضية تقعد معاي !
ريم : هذا يعتمد على أسلوب التربية ، ولا تنسي إنتِ عايشة فـ مجتمع غربي طبيعي البنت تأخذ من أطباعهم شوي !
سَناء : والله أكبر هم يا ريم تربي بنتك في الغربة بمجتمع غربي تفكيره مختلف عن ديننا و عاداتنا ، والله راح تظل ايدي على قلبي إلين أزوجها و أخلص من هالهم .
عَقدت حاجبيها و تساءلت بتعجب : هم شنـو ؟
سناء : هم البنت ، أبوها عربي و أمها عربية ، و حتى لو عاشت بأوروبا ما رح واحد يقبل فيها لو كانت لا سمح الله مسوية شي قبل الزواج ، و المشكلة إني ما أقدر أسيطر عليها ضمن مجتمع هذي الأمور من أبسط ما يكون عنده !
ريم بلهجة حادة : والله اللي يربي أولاده بناءً عالمجتمع اللي عايش فيه طبيعي يخاف من هذي الساعة ! أما لو ربيتِ بنتِك حَسب دينها و علمتيها قواعِد الدين و الحلال و الحرام ما راح تخافي عليها لو قعدتيها بين عشرين رجال !
سناء بتعجب : وش فيكِ ريم ليش معصبة لهالدرجة ؟؟!!
أغلقت عينيها و هي تشعر بمبالغتها في ردّ فعلها ، تنفست بعمق و صديقتها تنظر إليها باستفهام ، فتحت عينيها مجدداً : آسفة سناء ماهو قصدي ، بس أتنرفز يوم الأهل ما يستخدموا طرق صحيحة لتربية أولادهم ، و فـ الآخر يلومونهم و ما يلومون أنفسهم !
سَناء : بس إنتِ فيكِ شي ، قولي وش مخليك معصبة كِذا ؟
استندت إلى ظهر كُرسيها بتعب واضح ، تفرك عينيها بإصبعيها و هي تتنهد ، ما أكّد لسناء أن هناك ما تخفيه ريم ، تساءلت مجدداً : ريم ! بديتِ تقلقيني ، وش صاير ؟ مختلفة إنتِ و زوجك ؟
ريم : مو بس مختلفين ، غالِباً راح توصل للطلاق .. ما عاد يبيني ..
رَفعت حاجبيها ، تساءلت باستهجان : ليـــه !! وش صار بينكم ؟؟ آخر مرة كلمتك كان كل شي تمام !
ريم : أنـا حـامل ..
ظهرت ابتسامة واسعة على وجهها بان فيها صف أسنانها الأمامي : صِدق ؟ ألف مُبارك يا قلبي ، بالسّلامة إن شاء الله ، أجل وين المشكلة هذي خبرية تفرح !!
ريِم ببرود : المشكلة إن عمر ما يبي هالطفل ، و طلب مني أجهضه ، و يوم رفضت حطّلي دواء عشان يموّت وِلدي ، و الحمدلله ما صار شي ، و الحين أنا تاركة البيت ، و أفكر بالطلاق !
تختفي ابتسامتها بالتدريج مع كلام صديقتها ، لتقول : اوف اوف اوف ، كل ذا صار معاكِ بهالفترة اللي غبتها عنّك ؟!
تنهّدت و هي تهز رأسها بـ نعم ، صمتت سَناء ، و عينيها تتجول تُلاحق المارّة في الشارع من خِلال زجاج نافذة المطعم ، قاطعت ريم تفكيرها ، و هي تقترب إليها من جديد لتسألها : وش رأيك يا سناء ؟ ساعديني ؟ انصحيني ! أنا أبي هالولد ، ما صدّقت صار الحمل و أنا فـ هالسن ، و مابي أخسره ..
التفتت سناء إليها ، ترفع حاجبها الأيسر و تجيب : بس كِذا ممكن تخسري زوجك اللي رافِض هالطفل ! و رح تظلمي وِلدك يوم تجيبيه على دنيا أبوه ما يبيه فيها !
ريم باستغراب ، ابتعدت عنها : يعني انتِ مع إني أسوي إجهاض ؟
سناء : عارفة إنها صعبة ، بس ما رح تقدري تربي ولدِك بروحك ، هالشي ماهو سهل ..
ريم بعدم اقتناع : ماني مصدقة إنك قاعدة تنصحيني أقتل ولدي ! إنتِ يا سناء ؟
تنهّدت بقوّة ، أطلقت نفساً طويلاً ، قالت بعده : أنا قاعدة أكلمك عن تجربة ، تربية الولد ماهي سهلة ..
ريم : ما سمعتِ عن أمهات أرامل ربوا أولادهم أحسن تربية ؟ وش اللي قاعدة تقوليه ؟
سَناء : هذولا الأمهات انجبروا على هالشي ، انجبروا يربوا أولادهم بروحهم ، بس إنتِ منتِ مجبورة ، منتِ مجبورة تجيبي طفل و تربيه في بلد كل عاداته تختلف عن عاداتنا ، و تعيشي معاه فـ هالصراع ، هذا غير صراعك مع وِلدك نفسه عشان تقنعيه شلون أبوه تخلى عنه و ما كان يبيه ! عارفة وش يعني تجيبي ولد لهالدنيا ، أبوه ما يبيه ؟ عارفة عواقب هالشي ؟
صمتت ، و هي تفكر في كلامها ، أردفت سناء : كنت حامل بـ ليان ، لما تطلقت من عاصِم ، و نفس الشي كان رافِضها ، طبعاً اهوة حرمته الأولى خلفت له 5 عيال ، وش يبي من السادسة ؟ طلّقني يوم عرف إني حامل ، بنتي صارت 12 سنة للحين ما يعرف صورة وجهها ، لو تلاقى معاها في الشارع ما راح يعرفها ، حتى اخوانها ما يعرفونها ، ولا يعرفون حتى بوجودها ، و أنا عايشة بصراع بين أسئلتها اللي ما تخلص ، وين أبوي ؟ ليش ما يسأل عني ؟ دام إنه حي و يبعثلي مصروفي أجل ليش ما أشوفه ؟ ليش منتِ مع أبوي ؟ كل هذي الأسئلة اللي مالها جواب ، إنتِ مستعدة تواجهيها يا ريم ؟
نظرت إليها ، تأملتها لثوانٍ ، قالت بعدها : بسألك سؤال ، تتخيلي شلون كانت بتكون حياتِك ، لو ما خلفتِ ليان ؟
سناء بابتسامة : كنت رح أحس بالوحدة ، كانت حياتي بتكون مملة جداً ، بس عالأقل بتكون هادية ، قلبي كان بيظل هادي ، كان بيظل ينبض هِنا ، في صدري ، الحين قلبي مو معاي يا ريم ، قاعدة أواجه كل يوم أصعب من اليوم اللي قبله ، و عاصِم ؟ عاصم مرتاح ولا على باله ، منو اللي تعذب و بَلع الهم بروحه ؟ طبعاً أنا ..
ريم : بس إنتِ أم ، و الأمومة ماهي مجانية ، هذي ضريبتها !
سَناء بانفعال : أجل الأمومة لها ضريبة ، أدفعها كل يوم من عمري ، و الأبوة مالها ضريبة ؟ ليش اهو بعد ما يدفع هالضريبة ؟
ريم : راح يتحاسب ..
ابتسمت بسخرية و هي تُشيح بنظرها عنها ، أوَ يشفي صدرها ذلك الحِساب بعد أن دفعت حياتها ثمنًا لأنانيته و نرجسيته ؟ أيعيد ذلك حق ابنتها التي تقتلها كل يومٍ أفكارها و هي تتخيل تجهم وجه والدها عندما سمع بخبر قدومها إلى الدنيا ؟
،,
ألقَت على الطاولة أمامه ، كيسًا أسودًا مغلفًا بإحكام ، لاصِق شفّاف يلفّه ، ألقى نظرة خاطفة إلى الكيس ، ليرفع نظره إليها بعد أن اعتدلت من انحناء جسدِها ، علامات استفهام تجوّلت في مقلتيه ، تقول حسناء : اليوم نفّذت عملية ، أو ... صفقة ، مدري ، سميها اللي تبي ، و هذا المبلغ اللي كنا متفقين عليه صار عندَك .. تقدر تحسب نسبتي من المبلغ و تعطيني إياه بعدين ..
هزّ رأسه ، بابتسامة خافتة لم تميز ظهورها حَسناء ، دَفع كُرسيه الدوّار إلى الوراء و نهض ، اتضّحت ابتسامته أكثر و هو يقترب نحوها ، صَار أمامها ولا زالت مُتجمّدة في مكانِها تبحث عن تفسير لنظراته و ابتسامته ، حتى ضمّ بكفيه وجهها الصّغير ، انحنى رأسه قليلًا ، و امتدّت شفتيه ليطبَع قُبلة على جبينها ، ابتعَد قليلًا لينظر إلى وجهها ، ابتسامة الفَخر لا زالت ظاهرة على شفتيه ، يقول بعدها : هذي هي بنتي حَسناء ، عمرِك ما خيّبتِ أملي فيكِ يا بنت أبوكِ .
بادَلته ابتسامته ، بأُخرى خجولة ، تمتد يدها الناعمة لتلتف فوق كفّه ، تُبعِده برقّة عن وجهها ، تعودُ خطوة إلى الوراء ، لا زالت متمسّكة بيدِ والدِها ، و هي تقول بهمس : بس أنا ما اخترت أكون كِذا .. و هذا هوة الفرق ..
تركَت يده ، تحرّكت ببطء نحو الباب و هي تُعدّل شعرها بيدِها بارتباك واضِح ، استوقفها سؤاله دون أن يلتفت إليها : أي فَرق ؟
وقَفت في مكانها ، دون تحرّك أو إجابة ، انحنى رأسها نحو الأرض لتحدّق في قطعة السجّاد الصغيرة التي تكسوها ، التفت إليها و كرر مجددًا : تكلمي ، أي فرق ؟
أخذت نفسًا عميقًا ، استدارت بكامل جسدها إليه ، نظرات العَتب التي صبغت عينيها ، باتت عادية لديه ، تنهّد و كأنه يعرف الإجابة قبل أن تقولها ، قالت : هذا الفرق بيني و بين الولد اللي بييجي .. أنا ماني قاعدة أسوي اللي أسويه ، و ماني قاعدة أشتغل هالشغل ، بس عشان أرضيك ، ولا عشان خايفة أخيب أملك فيني ، أنا حَسناء لأنك إنت تبيني أكون كِذا ، و أجبرتني أسوي هالشي ، و لو الأمر بإرادتي ، أخيب أملك كل يوم ، ولا أسوي اللي قاعدة أسويه ، بس إنت حطيتني بين خيارين ، كأنك قلت لي اختاري بين الحياة و الموت ، بس اللي فـ بطن ريم ، تقدَر تخليه يحبك ، تقدَر تخليه يسوي أي شي علشان يرضيك و يخليك تفتخر فيه ، من دون ما تجبره على شي ما يبغاه ،
اقتَرب خطوتين حتى وقف أمامها ، و قال بتجهم : هذي ثاني مرة تقولي إني أقدر أخلي الولد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبي أبوكِ يا ديانا ؟
ارتسمت ملامحها بابتسامة ساخِرة لاذعة ، قالت : السؤال المفروض أنا أوجهه لك ، إنتَ تحب بنتك ، يا عُمر ؟
بلهجة دفاعية : طبعًا أحبك ، في أب ما يحب بنته ؟!
حَسناء : المشكلة يا يُبه ، إنّك حطيتني فـ مكان ، ولا تزعل مني ، خلاني ما أوثق فيك ولا بمشاعرك ، يمكن الحين لو أقولك بترك الشغل ، تقطني برا البيت و تتخلى عني ، و لو ماني قاعدة أمشيلك مصالحك ، ما كنت بتحبني .. مابي أجزم بهالشي وأظلمك ، بس طبيعة علاقتنا خلتني أفقد الثقة فيك ، و فـ كلامك ، و دائماً فيه سؤال بيخليني أشك بمحبتك لي ، لو كنت تحب بنتك فعلًا ، شلون تسمح إنها تعرض نفسها للخطر في شغل مثل هذا ، عشان مصالحك ؟ عندَك جواب ؟
أَخذ نفسًا عميقًا في محاولة منه لكسب بعض الوقت علّه يجِد إجابة ، ابتسامة صغيرة بانت على شفتيها ، و هي تقول بلهجة ساخرة : لا تحاول يبه ، عارفة إنك ما عندَك جواب ، أنا ما قِلت إني أكرهك ، بس ما اقدر أحبك مثل ما أي بنت تحب أبوها ، ما بنسى وش سويت فـ شبابي ، و على شنو ضيعته .. فخلاص لا تتعب روحَك معاي ، ربنا أعطاك فرصة ثانية بعد كل هالسنين ، عشان يكون عندَك ولد ، عشان تكون أب حقيقي ، لا تضيّع هالفرصة بعد ..
هزّ رأسَه ، بحيرة ، تساءَل : جاهزة للسفر ؟
حسناء : متى السفر ؟
عُمر : الخميس إن شاء الله ..
هزّت رأسها بالموافقة ، دون أن تنطِق ، و خرجت ..
،,
ارتجفت يده و هي تنزل عن أذنه متشبثة بالهاتف ، اتسعت عيناه و قد عَرف من ناداه من صوتِه ، إن سمِع مجرى الحديث فقد فُضِح أمرهم ، ابتلع ريقَه و التفت بقلق يحاول أن يُخفيه ، نظر إليه نَعيم بريبة : وش قاعِد تسوي برا مكتبك ؟
تنحنح بارتباك : احم ، ما في شي بس جا لي اتصال ضروري تركت المكتب عشان أرد ..
رَفع حاجبه الأيسر بغير إعجاب : جالك اتصال ؟ إنتَ جاي تشتغل أو تسولف عالجوّال ؟
ابتلع ريقَه مجددًا : لا بشتغل طبعًا بس ..
قاطعه بنبرة حادّة : من دون بس ! ارجع لمكتبك الحين ، و هذا آخر تنبيه ، آخر مرة أشوفك برا مكتبك فـ أوقات الدوام ، مفهوم ؟
هزّ رأسه بتخبّط ، ثم غَدا بسرعة نحو مكتبه ، رفَع السماعة ليضع الميكروفون عندَ شفتيه : ما أظن سمع وش قلنا ، اقفل الحين أمر عليك بعد الدوام ..
يَضغط بطرف ابهامه على الزر الأحمر على شاشة جوّاله ، و هو يتلفّت حوله ، يدخُل إلى المكتب ، ترتفع نظرات زميله إليه ، بابتسامة جانبية كأنه يعرف ما حدث : وش صاير ؟
يرد بارتباك و هو يجلِس خلف طاولته : لا ، ما في شي ..
أحمد ، و هو يعمل على جهازه دون أن ينظر إليه : شافَك نعيم برا مكتبك و سمّعك كلمتين ؟
تحرّكت عيناه نَحوه ، رافعًا حاجبيه بتعجب : شلون عرفت ؟
أحمد بضحكة خفيفة : كلنا صار معانا كِذا أول ما توظفنا .. بس لا تفكر إنه بيتكلم جد ، اهوة بس يحب يستلم الموظفين الجدد و يسوي عليهم نظام ، شهرين زمان يصير ما يسأل عنك .
صَمت فهد بتفكير ، نصف ابتسامة مُسايرة تعلو شفتيه ، التفت إلى صوت زميله حين قال : الحين برسلك عالايميل ملفين ، لحسابات الشركة الشهر الأخير ، أبيك تدققهم و تعملي كونفورميشن ..
هزّ رأسه بالموافقة : اوك يلا ..
،,
عَصرًا ، دَخل بهدوء إلى البيت ، أغلق الباب خلفه و هو يُحدّق بعينيه نحو الأمام ، تجلّى اليأس في وجهه من كل شيء ، اقترب و هو يُعيد المفتاح إلى جيبه و يدفِن كلتا يديه في جيوبه ، تنهّد و هو يعرِف ما ينتظره الآن ، وَقف أمامهم ، و قد اجتمعوا على طعام الغداء ، ارتفعت أنظار شهد إليه و هي تقول بابتسامة : هلا حبيبي حماتَك تحبّك ، غسّل و تعال تغدّا ..
ببطء سَار خطوات قليلة حتى اقترب منهم ، وسط نظراتهم المتفحّصة ، ارتمى جَسده فوق كنبة منفردة مهترئة ، في زاوية الغرفة ، تبادل الجميع النظرات فيما بينهم ، بعد صمت غير طويل ، تساءلت شهد : وش فيك طارِق ؟ ما تبي تتغدى ؟
طارِق ببرود : ماني جوعان ..
شهد : كَليت شي ؟
هزّ رأسه بالنفي ، تساءل والده و هو يمضغ طعامه و دون أن ينظر إليه : وين كنت ؟
ارتفعت عينا طارِق نحو والده لثانية ، ثم عاودتا الانخفاض ، التزم الصمت ، يقول والده بسخرية : ما لقيت شغل طبعاً ..
كان النفي في تنهيدتِه واضِحًا ، عيناه لا تتركان الحملقة في بَلاط المنزِل القديم ، و أصابعه تُلاعِب مفاتيحه بتوتر ، نَفض والدَه كفّيه من الطّعام ، نَهض عن الأرض بصعوبة ثم توجّه نحوه و هو يُسلّط سبابته اليُمنى عليه كأنما يوجّه له اتهامًا ما ، و قال بحدّة : كله من دماغك اليابِس هذا ، جالَك عرض ما كنت تحلم فيه بحياتَك ، نعمة وصلت لعند رجولك رفضتها و رفستها مثل الغبي !
نَظر إلى والده بعتب : رجعنا لنفس الموضوع ؟
أبو طارِق : و ليش ما نرجع يُبه ؟ قول لي وش سويت شي يخليني أقفل الموضوع ؟ رايح جاي تدوّر شغل و منت ملاقي ، قول لي متى بتتزوج و بتفتح بيت على هالحال ؟
طارِق : منو قال إني مستعجل أتزوج هالحين و أفتح بيت ؟ يبه أنا لو بموت من الجوع ما راح أكسب فلوسي من ورا أذى أخوي و صديقي !
أبو طارِق : كل شوي يقول لي صديقي و أخوي ، وينه صديقَك و أخوك هذا ؟؟ وينه عنّك و عن حالتك ؟ اهوة اشتغل و دبر أموره ، أشوفه ما تذكرك ؟
استعت عينا طارِق : وش يعني يتذكرني ؟ تبيه يتصدق علي ؟؟
أبو طارِق : طبعاً لا ، بس ليش ما يدبرلك وظيفة مثل ما دبّر لنفسه ؟
أشاح بنظره عنه و هو يعرف حقيقة ما يحدث مع فهد : صداقات أبوه دبروه مو اهوة دبر نفسه ..
ارتفع حاجبا والده باستنكار : يعني قصدك تقول إن أبو فهد أحسن مني ؟ و عنده علاقات دبّرت ولده بـ شغل و إني مقصّر معاك ؟
تنهّدت شهد بيأس و أطبقت عينيها و هي تسمع كلام والدها الخالي من المنطق ، نهض طارق من مكانه و وقف أمام والده : يبه منو قال كذا ؟ ليش تفسّر كلامي على شي ثاني ؟ أنا قصدي أقول إن اللي ماله واسطة ، و حاله مثل حالي صعب يلاقي وظيفة ، وش الغلط اللي قلته ؟
هزّ رأسه و لم يعجبه كلامه : على كل حال ، بكرا تمر فيك الأيام تلاقي نفسك ما سويت شي لحياتك ، ساعتها تندم على اللي ضيعته من عمرك ..
نظرة حادة أخيرة رمقه بها قبل أن يُدير ظهره ، و يتحرك خارجًا من المنزل ، التفت حينها طارِق إلى والدته و أخواته اللاتي ينظرن إليه بقلّة حيلة ، تنهّد و دخل إلى غرفته دون كلمات .
،,
وصل إلى المستشفى ، عَقله مشوش بكثير من الأمور ، صَعد في المصعد إلى الطابق الخامس ، تحرّك خارجه حين وصل بتوتر ، و حركات سريعة ، و هو ينظر بعين الشك إلى ياسمين التي تجلس خارج الغرفة ، تراقبه عن بعد مع ابتسامة صغيرة ، انتصبت قامتها حين وقف أمامها ، التقط أنفاسه و هو يشتت نظراته بعيدًا : شلونها أمي ؟
ياسمين : تعبانة شوي ، تركتها نايمة ..
هزّ رأسه بتوتر و عيناه معلقتان في الأرض ، قالت ياسمين : وش فيك فهد ؟ مانك على بعضك !
بحركة مفاجئة منه ، أحكم قبضته على ذراعها حتى تألمت ، و قال من بين أسنانه بغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين و هي تنظر حولها بريبة : فهد وش تسوي قاعد ابعد عني !!
يحاول أن يتمالك نفسه ، تَرك يدها ، ابتعد إلى الوراء خطوات عدّة ، مَسح وجهه بكفّه بينما تفرك ياسمين مكان ذراعها بألم ، قال مجدداً بذات الغضب : وين راحت الفلاشة ؟
ياسمين : مادري عن شنو تتكلم !
فهد : المحقق لما أخذ الفلاش ميموري ما كان فيه غيري و غيرك ، ما حد عرف عنها غيرنا ، و إنتِ كنتِ ضد إني أعطيها للمحقق ، قولي وين اختفت ؟؟
تكتفت و قالت ببرود : اتصرفت مثل مو لازم أتصرف ! قلت لسلطان و اهوة حل الموضوع .. هذي الفلاشة ممكن يكون فيها معلومات عن شغل أبوك السابق ، و بالتالي إنتَ رح تنضر لو الشرطة عرفت !
فهد يبتسم بسخرية : هالحين إنتِ خايفة على ضرري ؟ ليش ما تقولي فيها معلومات عن القاتل ما تبوني أوصلها ؟؟!!!
ياسمين : والله أنا ما أعرف الفلاشة وش فيها ، بس مهما كان ما هو من صالحنا إنها توصل للشرطة !
رفع حاجبه الأيسر و قال متعجبًا : صالحنا ؟ من متى في مصالح تجمعنا ؟
ياسمين بابتسامة مستفزة : افـا عليك يابو مشعل ! ناسي إني بجيب لك أخو ؟
نظر إليها بحقد ، بنبرة تهديد قال : يا ويلك أمي تدرى بهالسالفة ، لا بدا بطنك يكبر تروحي تقعدي في بيتك لين تولدي ، و بعد الولادة في فحص بنسويه قبل لا أتأكد إنه أخوي فعلاً !
ابتعدت خطوة إلى الوراء ، رفعت يدها لتصفعه ، لكنه أمسَك ذراعها و ضغط عليه بقوّة : اكسري ايدِك قبل لا تفكري تمديها !
ساد الصّمت لثوانٍ و هما واقفان على ذات الوضعية يتبادلان النظرات الحانقة ، قبل أن تصِل رسالة إلى جوّال فهد تقلِب مزاجه تمامًا .
ترك يدها ولا زال العبوس على وجهه ، حتى قرأ تلك الرسالة فامتدت شفتيه بابتسامة واسعة ، و بريق لامع ظهر في عينيه ، جعل ياسمين تتساءل ، من المرسِل يا ترى ؟!
ابتعد عنها و أخذ زاوية ليقرأ كلامها مجددًا : " سلامتها عمتي جواهر ، دريت من طارق إنها في المستشفى ، لكن ما قدرت أبعث و أتطمن عليها قبل ، إذا صارلي مجال أكيد بمرلها المستشفى . سلّم عليها .. "
كَتب : أحلى كلمة تطلع من شفايفك كلمة عمتي ، ربي يخليكِ لـ عمتك ، و ولد عمتك ..
أخذ نفسًا عميقًا و هو يغلق الجوّال و يضعه في جيبه ، التفت بابتسامة ليجد ياسمين تحدّق فيه باستغراب ، تجاهلها و دخل إلى غرفة والدته ، اقترب بابتسامة : شلونها ست الكل اليوم ؟
بلهجة معاتبة : مشتاقة ..
انحنى ليُقبل ظَهر كفها ، ثم اعتدل في جلوسه : سامحيني يالغالية ، إنتِ عارفة المشاغل ، ما صدقت لاقيت وظيفة ..
هزّت رأسها : معاك حق ، أنا ما تعودت إنك تغيب عني ، طول الوقت كنت معاي ، بس يوم لاقيت وظيفة حسيتك بعدت ، مع إن هذا الشي طبيعي ، طبيعي إنك تلتفت لحياتَك و مستقبلك ، بس ماني قادرة ما أكون أم أنانية !
فهد باستهجان : لا يمه وش هالكلام ! وش أنانية ؟ إنتِ أحلى أم في الدنيا ، بعدين حياتي و مستقبلي اهمة انتِ يمه ، كل شي قاعِد أسويه علشانك علشان ترتاحي بعد كل هالتعب اللي شفتيه بحياة أبوي !
تنهّدت بألم : أبوك الله يرحمه ما قصّر ..
فهد : إلا قصّر !
نظرت إليه بتعجب ، تدارَك ذاته بابتسامة : المهم شلون حاسة اليوم ؟
جواهر : الحمدلله على كل حال .
نهض عن الكرسي : طيب يمه أنا عندي شغل بروح الحين و برجع بالليل .. و هذي ياسمين عندك لو احتجتوا شي دقوا علي ..
اقترب منها ليقبل جبينها ، مع تمتمتها : الله يرضى عليك يا يمه ..
،,
طُرِق باب غرفتها ، ابتعدت نظراتها عن شاشة الحاسوب و ابتسامة حالمة تظهر على وجهها : تفضل ..
فتحت الباب و مدّت رأسها بابتسامة : ها شلون استعدادك للسفر؟
سَارة : تمام التمام ..
اقتربت جمانة من أختها ، جلست على طرف السرير و هي تحمل كوب شاي بيدها اليمنى ، قالت : تدري إنتِ لازم تسوي مخطط عشان تزوري الأماكن الحلوة بروما ، و كمان مو غلط تخلي غسان بالعطلة ياخذك برا روما ، ممكن تروحوا فلورنسا ، ميلانو ، نابولي .. كلها أماكن حلوة لازم ما تضيعي ولا يوم ..
سَارة : ما بخطط شي أصلًا أنا أول مرة أسافر و ما عندي مخططات غييير هذا
أدارت شاشة الحاسوب نحو جمانة لترى ، رفعت جمانة حاجبيها بإعجاب : اووه ، يخقق ! منو هذا ؟
سَارة بحماس : كنت قاعدة أفكر إني لازم أسوي تغيير بهالسفرة ، قلت لو أقدر أشوف طبيب تغذية و حميات بروما ، و أصير أراجعه ، يمكن يساعدني إني أنحف ، راح أقعد مع غسان فترة مو قصيرة ، و ممكن أستفيد ..
جمانة بتأييد : برافو عليكِ هذا التفكير السليم ، بس منو هذا طبيب يعني ؟
سَارة : أيوه طبيب ، اهوة سعودي بس مقيم بروما من زمان و عنده عيادة و كل الريفيوز على صفحته تقول إنه طبيب ممتاز حتى الأجانب كاتبين إنه مرة كويس ..
غمزتها جمانة : و حليوة بعد !
سَارة : يلا عاد ، مو كافي بننحرم من الأكل اللي نحبه ، نشوف وجه حليوة يصبرنا ..
جمانة : ههههههههههه لا معاكِ حق بصراحة !
سارة و هي تشير بسبابتها إلى الشاشة : حجزت موعد عنده ، بعد أسبوع من وصولي ..
عقدت حاجبيها : من أول أسبوع تبي تبدي نظام و حميات ؟ شلون حجزتي ؟
سارة : عنده موقع عالانترنت و المريض يقدر يحجز أون لاين .. مرة متحمسة إني أبدا حياة جديدة ..
دخلت رهف بدون استئذان على وقع الكلمة الأخيرة لتقول باستهزاء : خير إن شاء الله منو اللي بيبدا حياة جديدة ؟
رفعت سارة نظراتها المتجهمة لها و قال بحدة : إنتِ شلون دخلتِ غرفتي بدون ما تطقي الباب ؟
رهف و هي تستند إلى الباب بكتفها : والله حبيبتي الباب كان مفتوح ، و بعدين هذي الغرفة بعد يومين بتصير غرفتي ..
أطبقت سارة شاشة الحاسوب بعنف ، نهضت أمامها : والله حبيبتي ما حزرتِ هذي الغرفة غرفتي و بتظل غرفتي !
وقفت جمانة بينهما : وش فيكم ماهي مستاهلة عشان غرفة تسووا كِذا !
رهف باستفزاز : والله قولي لهالدخيلة تتركنا بروحنا المفروض تشكر ربها ليل و نهار إننا مقعدينها معانا و أنا اللي أقرر وين تقعد مو اهية هذا بيت أبوي مو أبوها !
جمانة : رهف ، عيب هالكلام ، أبوها يكون عمّك الله يرحمه ، و أمك اهية أمها ، انتوا خوات ما يصير كِذا ..
سَارة : تدري وش الشي اللي بنفسي أسويه قبل لا أسافر ؟
تكتفت رهف بلا مبالاة و هي تنظر إلى الأعلى بغرور ، غافَلتها سارة حين مدّت يدها لتشد شعرها بقوّة تسحبها نحوها ، فاجأت الحركة جمانة التي تنحت جانبًا ، ألقت سارة رهف على السرير بعنف ، لتصعد فوقها و تسيطر على يديها و تبدأ في لكمها على وجهها ، بينما تصرخ رهف مستنجدة بوالدتها و والدها ، جاءت يسرى تركض على الصوت ، تقدّمت بغضب من سارة و أمسكت ذراعها : وش قاعدة تسوي يا مجنونة ذبحتيها للبنت !
نَهضت عنها منهكة و قالت و هي تلهث : بنتك هذي قليلة أدب و يبيلها تربية !
يسرى : بس يا بنت وش هالكلام عيب !
جُمانة ، متكتفة : ماما ، رهف اهية اللي بدت بصراحة !
رهف تبكي : و فوق إنك تركتيها تضربني و ما دافعتِ عني ، بعد واقفة معاها ؟
تقدّمت خطوة : ماما فعلًا رهف قليلة أدب ، قللت احترام مع أختها الكبيرة و سمعتها كلام مو كويس ، ولازم تتعلم الأدب و شلون تتعامل مع اللي أكبر منها ..
ابتعدت رهف حتى وصلت الباب : ع كل حال بعد شوي ييجي أبوي و نشوف وش بيصير !
خرجت غاضبة ، التفتت يسرى إلى سارة ، ربتت على كتفها : لا تاخذي على كلامها ، رهف صغيرة و ما هي عارفة وش قاعدة تقول ..
هزّت سارة رأسها بعدم رضا ، و في عينيها وَعيد لم يظهر سابقًا ، وعيد صعب الفهم و الشرح !
،,
ارتخى جسَده على كرسيه الدوّار ، و هو يُطبطب على بطنه بعد وجبة دسمة تناولها ، دَخل فهد و قد بانت على وجهه علامات الانزعاج من رائحة الطعام التي تعج في هذا المكان الضيّق ، قال بنبرة عالية : انت على طول فـ هالمكتب ؟
رفع رأسه ، اعتدلت جلسته حين رآه ، تقدّم فهد و جلس أمامه بسرعة : ماني عارِف شلون تقول إنك قلقان ، و تقدر تاكل كل هالأكل !
سلطان : وش علاقة الجوع بالقلق ! يعني إذا قلقان أموت من الجوع بعد ؟
ظهرت نصف ابتسامة على شفتيه ، قال سُلطان : أخبارك اليوم ماهي عاجبتني ، بس خلينا نبدأ بيحيى ، وش كان يبي منّك ؟
نظر إليه بحدة : الفلاشة اختفت ..
سُلطان يصطنع الجهل : أي فلاشة ؟
ابتسم فهد : سُلطـان ، أنـا عـارف إنّك انت اللي خفيتها ، لا تسوي علي هالحركات و قول وين الفلاشة و ليش خفيتها عني ؟
سُلطان بلا مبالاة : أنا ما خفيتها عنّك ، خفيتها عن الشرطة ..
فهد : كويس ، أجل أعطيني الفلاشة الحين ..
سُلطان : ما راح تاخذها ، مالك شغل فيها ... رح تظل عندي بأمان ، عندَك ممكن أي واحد ياخذها ! و ماله داعي تعرف كلشي عن أبوك !
رفع حاجبيه معترضًا : والله ؟ أجل منو لازم يعرف كل شي عن أبوي ؟؟ الولد اللي جاي عالطريق ؟
عقد سُلطان حاجبيه : أي ولد ؟
فهد : ياسمين قالت كل شي ، و قالت إنها حامل ، ما في شي يستاهل تخبونه ، ما أتوقع إن أبوي مخبي عنا أكثر من كذا !
أطبق سُلطان عينيه و هو يشتاط غضبًا من ياسمين التي أحرقت جميع بطاقاتها دفعة واحدة ، أخذ نفسًا عميقًا : و لو كان ، الحين ماهو الوقت المناسب عشان تأخذ الفلاشة ! خلينا فـ موضوع مهمتك هذي ، شلون بتحل المشكلة ؟
صمت لثوان و هو يحدّق فيه بكره ، ثم قال : مادري ، الوحيد اللي يقدر يقول عن الرقم اهوة زميلي أحمد ، و الحل الوحيد إني أستدرجه ، بس ماني ضامن هالحل !
سُلطان : وش استفدنا منك فـ هالحالة ؟
نهض فهد : والله أنا اللي علي سويته ، المفروض إنتَ و شريكك عمر خبرة فـ هالمجال ، و أكيد ما رح يفوتكم إن الشركة ما راح تأمن لموظف جديد و يطلعوه على صفقاتهم و مناقصاتهم بهالهسولة قبل لا يجربوه شهر عالأقل !
سُلطان : أفهم من كلامك إنّك خلاص بتستسلم ؟
فهد : لا ، بس مثل ما قلتلك ، ماني ضامن إني أقدر أستدرج أحمد بالكلام ، و لو ما تمت المناقصة أنا مالي ذنب ، و حقي باخذه كاامل ! ولا تخليني أستخدم أساليب ثانية !
خرج و سُلطان يرمقه بالنظرات الحادة ، رفع جوّاله بغضب ليتصل بـ ياسمين ..
،,
نهضت عن سريرها و صرخت في وجهه : لا طبعًا ! ماني موافقة يا عِصام !
وقف أمامها و قال بهدوء متكتفًا : وش اللي منتِ موافقة عليه يا مريم ؟
مريم بذات النبرة : أنا ما راح أنتظر اليوم اللي تدخل علي فيه بضرة ! وش يعني أمك تبي تذلني ؟
عِصام بنفاد صبر : ياا مريم وش تذلك و ما تذلك !! اهية قالت إنها ما راح تزور الجماعة ولا رح تخطبلي إلا لو حاولنا و ما نجحت محاولاتنا ، و هذا احتمال ضئيل لأن كل مشاكل الإنجاب اليوم صار لها حلول !
مريم : وش الحلول اللي قاعد تتكلم عنها ؟ أي حلول تبينا نجرب ؟
عصام : ممكن تهدي و تقعدي عشان نعرف نتكلم ؟
مريم تصرخ بغضب : مابي أقعد ولا أبي أتكلم خلاص روح تزوج و سوي اللي تبيه !
صرخ عِصام : مـريـم !!
هدأت و هي تنظر إلى عينيه المشتعلتين ، اقترب و قال بتهديد : إياكِ ترفعي صوتِك علي مرة ثانية !
سَقطت دمعة حارّة من عينها اليمنى و هي تخفض نظراتها أرضًا ، تنهّد عِصام بملل ، جلس على طرف السرير مجددًا و قال بامتعاض : اللي قاعدة تسويه ماهو من حقك ! مو من حقك تحرمينا نتعالج و نجرب قبل لا تتخذي قرار يخرب بيتنا ! لا شرع ولا دين يسمحلك تسوي اللي قاعدة تسويه !
التفتت إليه ببطء ، و همست : نتعالج ؟
عِصام : طبعًا نتعالج ، أنا و إنتِ واحَد ! مرضك مرضي ! و لو تبي تتعالجي ما راح أتركك تروحي جلسات العلاج بروحِك ، و راح نجرب كل الطرق ! ليش مستهينة بنفسِك مرة عندي ؟ ليش متوقعة إني ممكن أتخلى عنّك بالساهل ؟ مشكلتنا ماهي مرضك يا مريم ، مشكلتنا قلة ثقتك فيني !
جلست إلى جانبه و قالت بهدوء : يمكن إنتَ السبب !
عِصام بتعجب : ليش ؟ وش سويت عشان ما توثقي بمشاعري تجاهِك ؟
مريم : لأنّك ما سويت شي ! طول فترة زواجنا و أنا ما أحس بحبك ولا بمشاعرك ، ما حسيت فيهم إلا يوم عرفت عن مرضي !
عصام : لو كلامك صحيح ، المفروض ما تشكي بمشاعري ، لأني لو فعلًا ما أحبك كان انتظرت فرصة صغيرة عشان أتركك و أشوف غيرِك ، الحب ما يحتاج كلام يا مريم ، يحتاج أفعال ، و أنا ما أتوقع إني قصّرت معاكِ بيوم ! خاصة وقت الشدة !
مريم : أنا حاسة إن حياتي انتهت !
أخذ نفسًأ عميقًا : فيه ناس الله يبتليهم بالسرطان و الأمراض القاتلة ، و ما يعيشون حالة اليأس اللي عايشتها إنتِ ! يستقبلون أقدارهم برحابة صدر و ابتسامة ، و بهالطريقة بينتصروا على أمراضهم ، اليأس أقوى عدو للشفاء يا مريم ، أنا تعبت معاكِ مو لأنك منتِ قادرة تحملي في الوقت الحاضر ، تعبت لأنك ما تبي تواجهي ! إنتِ جبـانة ، و الحين أنا اللي لازم ما أوثق بمشاعرك تجاهي !
نظرت إليه باستفهام ، نهض بصمت حتى وصل الباب ، فتحه و قال قبل الخروج : لو تحبيني فعلًا تحاربي عشان تحافظي علي ، مو تسوي كل شي تقدري عليه عشان تطفشيني !!
،,
انتهى
أعتذر لجميع أصدقاء الرواية أولًا على الغياب ، و ثانيًا على قصر البارت ، لكن الله يعلم ما مررت به من ظروف و كم عانيت في كل مرة أحاول أن أكتب فيها سطر كنت أشعر أن شيئًا ما يكبّل يداي و يقيد تفكيري و يسرق إلهامي ، من الصعب جدًا التأقلم مع الحياة مجددًا بعد أن تفقد أحد والديك ، و لكنني لا زلت أحاول بالإيمان بالله لأستمر ، و محتاجة دعمكم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و محتاجة صبركم ، و أوعدكم إني ما راح أخيبكم ، بإذن الله ..
أراكم بإذن المولى قريبًا ..
طِيفْ !
|