كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
،,
في لُجّة الظلام ، يجلِس سلطان خلف طاولته ، أمام شاشَة حاسوبه التي تمنحه ضوءً وحيداً في غرفته ، يبتسِم بسخرية و هو يسترخي على كُرسيه الدوّار ، و هو يُقلب تِلك الفلاش ميموري بين أصابعه ، و في يدِه الأخرى ، يحمِل سماعته على أذنه ، بلهجة إطراء شديد : والله وجودِك معاهم فادنا يا ياسمين ..
من عندها ، تبتسم و تقول بهمس : طبعاً ، إنتَ ما تعرف قيمتي و على طول ظالمني ..
يَضحك : ههههههههههه ، خلاص ولا يهمّك ، من هِنا و رايح راح أصير أعرِف قيمتِك .. وينكم الحين ؟؟
ياسمين : فهـد أقنع أمه ترد المستشفى عشان تتعالج ، و الحين في المستشفى ..
تتغيّر لهجتها و هي تنهض من مكانها ، حين تسمع فتح باب الغرفة ، تتحدث بارتباك : طيب حبيبتي أكلمِك بعدين .. مع السلامة ..
تُغلِق الخط ، تلتفت إلى فهـد ، تبتسم بتوتر : هـا وش قال الدكتور كل شي تمام إن شاء الله ؟
ابتسامة جانبيّة تظهر على وجه فهد ، يقترِب منها و يقول : لا تسوّي نفسِك ذكيّة ، ترى عارِف إنّك كنتِ تكلمي سُلطـان ، مو علي هالحركات !
ياسمين بارتباك : و ليش أكلمه يعني ؟
بذات ابتسامته ، يتفحّصهـا بنظراته حتى يزداد ارتباكها ، يتساءل بعد عدّة ثواني : عندي سؤال محيرني ..
ياسمين : وش هو ؟
فهـد : وش سِر تعاونك مع سُلطان ضدي ؟ مع إني وِلـد زوجِك ، المفروض توقفي معاي ..
تكتّفت ياسمين ، ابتسامة جانبية تُشابه تِلك التي على وجهه ، تظهر على شفتيها : و متى شفتني واقفة ضِدّك ؟
فهد : كل اللي صار المرة الماضية ، و مجرّد إنك تسمحيله إنه يستخدمِك كوسيلة عشان يضغط علي فيها ، ما تعتبريه إنّك واقفة معاه ضدنا ؟
تَرفع يدها لتحك فوقَ حاجِبها بتوتر ، ثم تجيب : لأنـه سلـطان ما تركني من يوم وفـاة أبـوك ، و لـولاه كان ضـاع حقي معاكـم ..
فهـد : آهـا ، عن أي حـق قـاعدة تتكلمي ؟
ابتلعت ريقَهـا خوفـاً من المفاجأة الجديدة التي ستُفجّرها ، لتقول بصوت مرتجف : أبـوك كان راح ينكرني لولا وجـود سلطـان ..
عَقـد حاجبيه : بينكرِك ؟ شلـون يعني ؟
ترتخي نظراتها إلى الأسفل : مقـدر أقـولك ، هذا شي يخصني و يخص مشعل ..
أخـذ نفساً عميقاً ، بنبرة غاضبة : مشعـل يكـون أبـوي اللي انقتل ، قـولي وش بعـد مخبيين عنـي ؟
ترفَع نظراتَها الحادّة إليـه ، بنبرة واثِقة ثابتة : أنـا حـامل يا فهـد ..
تَظهر ملامح الصدمة على وجهه ، بعدم تصديق : نـعـم ؟؟
تَعود للجلوس على الكُرسي ، بلهجة المغلوب على أمرِها ، تبدأ برواية قصّتها : عِندي أبـو ظالِم ، أمي توفّت و أنا طِفلة ، و أبـوي تزوّج ، و تَركني لجدتي تربيني ، ما كِنت أشـوفه إلا فـ المناسبات و بعد ما جدتي تترجـاه يزورني ، زوجـته ما كـانت تحبني ولا كـانت تخليني أدخـل بيتهم ، ماتت جدتي لما كـان عمري 16 سنـة ، و اضطريت أعيش بعدها مع أبـوي اللي ما كِنت أعرف عنه شي ،
يقترب فهـد بإنهاك ، و قلّة حيلة ، يجلِس على الكرسي المجاور لهـا ، يستمع إليها بإنصات ، فتردف : خلال 6 شهور اكتشفت إن أبـوي يِلعب قمـار ، و معتمد على فلـوس القمـار فـ كل حياته ، زوجـة أبـوي ما كـانت تعترض لأنه كـان يكسَب و يدخّل فلـوس ، ما همها هالفلوس حلال أو حـرام .. و استمرينا بهالحـال إلين صـار عمري 28 سنـة ، عِشتهم مع أبوي و زوجته مادري شـلون تحملتهم و تحملت قسوتهم ..
فهـد ، بعد أن أطلق تنهيدة طويلة : كـافي تراجيـديـا ، قـولي اللي يهمني أسمعـه ..
تظهر ابتسامة ساخِرة : لا تستعجل ، بتعرف كل شي .. لمـا صِرت 28 سنة ، و أبـوي طبعاً مستمر فـ لعب القمـار ، بدا يِخسَر ، و كل ما يخسر كان يطمَع ، و يتحدى نفسه إنه يبي يعوّض خسـاراته ، بس كل مرة كان يخسر أكثـر ، استمر على هالحـال إلين خسر كل فلوسه ، حتى البيت اللي كـان قاعـد فيه خِسره ، زوجـة أبوي ما اتحملت ، خذت أولادها و ردّت لبيت أهلـها ، و ظليت أنـا ، مالي مكان أروحله ، و اللي بيصير على أبوي بيصير علي .. آخر شي كـان يملكـه أبـوي ، اهوة أنـا ، جِسمي .. و كِنت أنـا اللي بدفع ثَمـن خسارته هالمرة ..
تزاحَمت الدموع في عينيه ، ينظر إليها و هو يجاهِد نفسه ألا تسقط إحدى دموعه أمامها ، تساءل بنبرة مهتزة : و مـنو اللي ربـح ؟
ياسَميـن : الرابح كان ، مشعـل شهـران .. و هالشي كـان قبل وفـاته بشهـرين تقريباً ..
غطّى وجهه بيديه بعجز عن أن يمنع دموعه ، أردفت : أبوك اللي عاش آخر سنوات حياته مع حرمة مريضة مو قادرة تكون زوجة تقوم بكل حقوقه ، أعجبته الصبية اللي كانت تستلم لخسـارات أبـوها كل ليـلة ، و بعـد شهـر تقريباً ، حسّيت بأعراض الحمـل ..
رفع يديه عن وجهه الأحمر كالدم ، بعد تفكير : و سلطـان شلـون ساعدك ؟
ياسمين : كـان الوحيد اللي يدافع عني كل ما دخل علي أبوك الغرفة ، طبعاً سلطان كان من أهم لاعبي القمـار ، بس كـان خايف علي ، و لمـا حسيت بالحمل ، حاولت أوصل له ، اتصلت فيـه و قلتله ، و اهوة اللي ضغط على أبوك علشـان يتزوجني و يعترف بالولـد ، و لولا سُلطـان ، كان الحين أنا و ولدي مدري وش بيصير فيـنا ..
فهد بهدوء : أبـوي كان يلعب قمـار ؟ و كـان زانـي ؟ هذا اللي مـات عليه أبـوي ؟ اللي قاعدة تنتظريه هالحين ، ولـد حرام ؟؟
وَضع رأسه بين يديه : شلـون أساعدك يبـه ؟ شلـون أكفّرلك عن كل هالذنوب ؟؟
ياسمين : بعد ما تزوجنا ، أبـوك حس بغلطه و تحسنت معاملته معاي ، الله يرحمه ، قريباً راح أدخل بالشهر الثـالث ، كـنت قـادرة أجهضه ، بس هالولد ماله ذنب ..
ظهرت ابتسامة ساخِرة على وجهه ، نهض من مكانه و قال : أنا برد البيت و بكرا باجي أشوف أمي ، الكلام هذا إياك أمي تدرى فيه ، خليك معاها و أي شي اتصلي فيني ..
تركها و التفت خارجاً و هو يشعر أنه ترك دماغه عندها ، لـم يُجهض ذلك الجَنين ، فإنه ليس لـه ذنب بما اقترفت يدا والده ، و هـل كـنت أنـا المذنب يا أبي لأعاقب بتِلك القَسوة ؟
،,
اقتربت السّـاعة من الثالثة فَجـراً ، اقتربت أم إبراهيم برداء الصّلاة ، بملامح قلق و ذعر ، نحـو باب غرفـة ابنتِها عَروب ، تطرقه بهدوء عدّة مرّات ، في الداخل ، تفتَح عروب عينيها ببطء و هي تعتقِد أن طرْق الباب توهماً ، حتى تكرر أكثـر ، رفعت رأسهـا عن الوسـادة لتعتدل في جلوسـها ، بخوف رَفعـت شعرها عن وجهها ، تقدّمت نحو الباب و فتحته ، بخوفٍ قالت : يمـه ، وش فيكِ ؟؟
أم إبراهيم : أخوكِ للحين ما رد البيت ، خايفة يكون صارله شي !
تنفّسـت بعمق : يمـه خرعتيني والله ، يكـون انشغل بشي يمـه إنتِ عارفة طبيعة شغله !
هزّت رأسهـا بنفي ، بنبرة خائفة : أخـوك ولا عمـره تأخر لبعـد الساعة 12 ، مستحيل يتأخر علينا و احنا حـريم بروحنا لو مو صاير معاه شي ! عالأقل كان اتصل و قال إنه بيتأخر !
أخذت بيدها و سَارت معها نحو السرير ، عَروب : طيب يمه قعدي شوي ، وش نقدر نسوي مالنا غير ننتظر ..
تجلِس والدتها : وش ننتظر !! اتصلي بجيهـان خليها تكلّم أختها ، زوجها يشتغل معاه أكيد يعرف وينه !
عَروب بتردد : يمه مادري بس مو شايفة إنها مو مناسبة أتصل بهالوقت فيها ؟ جربتِ تدقي على إبراهيم ؟
الخوف يزداد وضوحاً في نبرتها : دقييت جواله مقفول ، دقي على جيهان ما فيني صبر دقي عليهاا
عروب و هي تفتح جوالها : طيب يمه اهدي راح أدق عليها ..
تبحث بسرعة عن اسم جيهان ، بإبهامها المرتجف تضغط على زِر الاتصال ، تبادل والدتها بنظرات الخوف و الاستفهام ، بعد ثوانٍ ، ردّت جيهان بصوت ملؤه النعاس ، تقول باستغراب : عَروب ، وش فيك ؟؟!
عَروب : آسفة إني دقيت بهالوقت ..
تفرك جيهان عينيها و تقول بخوف : لا ما في مشكلة قولي وش صاير ؟؟
عَروب : إبراهيم للحين ما رد البيت دقينا عليه جوّاله مقفول ، و أمي قلقانة مو عارفة تنام ، لو تدقي على أختِك مريم تسأل زوجها ، أكيد يعرف شي !
جيهـان بخوف تحاول أن تخفيه : طيب الحين أكلمها ، قولي لعمتي لا تشغل بالها إن شاء الله ما في شي ..
أغلقت السمّاعة فوراً ، نهضت من مكانها لتعتدل في جلستِها ، أشعلت اللمبادير لينتشر ضوء برتقالي خافِت في الغرفة ، وضعت السماعة على أذنها بعد أن طلبت رقَم أختها ، تَسمع صوت الرنين و هي تهز قدمها بتوتر ، في الجِهة الأخرى ، تتقلّب مريم بتعب فوق سريرها ، غير مبالية بصوت رنين هاتفها ، أفكـار سيئة تراودها تظهر في أحلامِها ، حتى يستيقظ عِصام على صوت الجوّال ، يختطف نظرة ليجِد اسم جيهـان ، يهزّ كتف مريم بقوة : مريـم قومي ..
تفتح عينيها بتعب : عِصـام ، وش فيك ؟
ينظر إلى هاتِفها مجدداً ، حيث انقطع الاتصال و هَدأت نغمته : قومي قومي دقي على أختِك ، كانت تدق عليكِ أكيـد صايـر شي !
تلتفت إلى الكومدينا إلى يسارِها ، تلتقط جوّالها : فِعلاً داقة علي ، خير إن شاء الله ..
تُعاوِد الاتصال بها ، قَبل أن تكتمل الرنّة الأولى ، ترد جيهـان : مريم ..
تعتدل في جلستِها : جيهـان وش فيكِ ؟ ليش داقة علي هالحزة ؟؟
ابتلعت ريقها لتتحدث بسرعة : دقّت علي عَروب و قالتلي إن إبراهيم للحين ما رد البيت ، و قلقانين عليه ، دقيت عليكِ عشان تسألي عِصام يمكن يعرِف شي ..
مَريم : طيب طيب ،
تلتفت إلى عِصام لتسأله : عصام هذي جيهان تقول إن إبراهيم للحين ما رد البيت و ما شافوه اليوم ، تعرف وينه ؟
يعقِد حاجبيه و يَقول بصوت كان مسموعاً لدى جيهـان : كـان مع يحيى و عزيز ، و لما ردوا المركز قالوا إنه بيمر البيت وش صاير عليه !!
مَريم : جيهان عِصام يقول ..
تُقاطعها بخوف : سمعت ! وين راح يا ربي ! وش بنسوي الحين ؟
عِصـام : قولي لها إني قلت إنه في عنده شغل اليوم ، لا تقلقوا أنا رايح المركز أشوف السالفة ..
مَريم : جيهان لا تشغلي بالهم الحين ، عِصام رايح المركز و بيكلمني ، قوليلهم عنده شغل ..
جيهـان : طيّب ، راح أجرّب أدق على إبراهيم يمكن يرد ..
مَريم : اوكيه حبيبتي و أنا بردلك خبر أول ما يكلمني عِصـام ..
خَمس دقائق ، في غُرفة عَروب ، أغلقت الخط بابتسامة عريضة ، توجهت لوالدتها لتقول : مو قلتلك يمه ، عنده شغل ، الحين زوج أخت جيهان قال إنه مكلفه بشغل عشان كِذا تأخر ..
لا زال القَلق يبدو على ملامحها : طيّب ليش جوّاله مقفول ؟ ماني مرتاحة !
عَروب : يمه أكيد فضي شَحن عشان كِذا مقفول ، قومي الحين نامي و إن شاء الله بكرا تقعدي من النوم تلاقيه موجود ..
تتنهّد والدتها ، تخرج من الغرفة مُرغَمة و هي تشعر أن مكروهاً قد أصاب ابنها ..
في الجِهة الأخرى ، عَـاودت الاتصال عدّة مرات ، عاد لينبِض قلبها و هي تَسمع رنة هاتفه ، تحمِد الله في سرّها ، لكن القَلق راوَدها مجدداً حين انتهى الاتصال دون أن يرد عليـها ، لتقول في ذاتِها ، و لِم كل ذلك القلق يا جيهـان على ذاك الذي لم يُفوت فرصة ليُحطّمك ، منذ تلك اللحظة التي وقّع فيها على عهـد الألـم الذي سيقذفكِ به حتى النهاية .. انتفضت يدها مع صوت نغمة الجوّال حين وصلتها رسالة مُرعبة من رَقم إبراهيم ، نصّـها : " خـلاص كـافي تدقـوا على هالرّقـم صاحِب الجوّال قدّام بيتـه و ما في خَطر عليه بس روحوا أسعفوه لأننا ضربناه على دمـاغه "
تَشهق بخوف و عَدم فهـم ، تتصل بمريم مُسرِعة ، يأتيها الرد فتقول بخوف : مريم وصلتني رسالة من جوّال إبراهيم !
يصِل عِصـام إلى باب الغُرفـة ، يقِف في مكانه مترقباً ، تقترب منه مريم و تقول : جيهـان تقول إنه واصلها رسـالة من جوّال إبراهيـم !
يَسحب مِنها الجوّال و يقول بعجلة : السّلام عليكم ، وش الرسالة اللي وصلتك ؟
جيهـان بصوتها المذعور : يقولون إنه ضربوه على دمـاغه و لازم نسعفه !
عِصـام : اقرأي لي الرسـالة مثـل ما هي ..
قرأت عليه نص الرّسـالة ، اتسعت عيناه بدهشة ، بسرعة قال : طيّب خلاص أنا رايح أشوف الموضوع ..
ألقى السّمـاعة إلى مريم ، التي تبعته متسائلة : عِصـام وش صـاير ؟؟
دون أن يلتفِت ، وضع مسدّسه في الجهة الخلفية من بنطاله و هو يقول : ما في شي لا تقلقي ، راح أكلمك أول ما يصير شي ..
خَرج من عندها بسرعة متجّهـاً نحو سيارته ، ركِب خلف المقود ، وضـع السمـاعة على وضعية السبيكر ، و هو يتصل بـيحيى ، الذي رد بعد عدّة رنـات بصوت ناعِس ، ليتساءل عِصام : يحيى إبراهيم رد المكتب بعد ما أنا رحت ؟
يعقد حاجبيه : لا انتظرته و ما رد ، و كلّمته ما رد قِلت يمكن تعب و ظل في البيت ..
صوت أنفاسه المتسارعة كانت الرد ، يتساءل يحيى بريبة : عِصام وش صاير ليش قاعِد تسأل ؟
عِصام : كلّمتنا قبل شوي خطيبته ، و قَالت إنه ما رد البيت ..
نهض يحيى من فرشته : شلون ما رد البيت ! أنا وصّلته قدّام بيته شلون يعني ما رد !!!
عِصـام : و لما حاولت تدق عليه أكثر من مرة وصلتها رسالة إنهم ضربوه على دماغه ,,
يحيى : عِصـام وش قاعِد تقول ماني فاهِم شي !
عِصام : أنا بروح الحين لبيت إبراهيم اتصل بعزيز و حصلوني ..
هزّ رأسه بسرعة موافقاً ، أغلق السماعة بتشتت و هو يتجه لدولابه ، يُخرِج قميصه الأسود و بنطاله ، يَخلع بيجامته و يرتدي ثيابه بسرعة ، يأخذ سلاحه و ينزل مسرعاً ، يتصل عدة مرات بعـزيز دون أن يجِد منه رداً ، تأفف و هو يفتح باب سيارته منزعجاً من عدم رد عزيز ، ركِب و سار نحو بيتِ إبراهيم ..
،,
فَتحت عينيها على اهتزاز جوّالها الموضوع إلى جانب وسادتِها ، للمرة الأولى يرن هاتفها في هذا الوقت ، تعجبّت بخوف و هي ترى اسمـه ، بدأت تنظر حَولـها بارتباك ، نَهضـت لترتدي خفّـها في قدمـها و تخرج ، تتجه على رؤوس أصابِعها نحو المطبخ ، ترد بصوت هامس : آلـو ..
يبتسِم و هو يسمَع صوتها بعد أن اعتقد أنها لن ترد ، يصمت ، فتقول : فهـد ، انتَ بخير ؟
فهـد : مانـي بخير ، تعبـان يا شهـد ..
ابتلعت ريقَـها ، بخوف تساءلت : وش فيك ؟ قول وش صاير معاك ؟
فهد : أبوي تركلي هموم الدنيا كلها و راح .. ماني قـادر على هالدنيا يا شهد ، ماني قـادر !
شهـد بذات الهمس : ليش قاعِد تقول كِذا ؟ ربنـا أكرمك و صـار عندَك فلوس تقدر تعالج أمّك و تشتغل و تحسّن حياتَك ، ليش كل هاليأس ؟
ظهرت ابتسامة سخرية على وجهه ، ثم قال : شهـد ، ممكن ما نتكلّم في هالشي ؟ أنا داقق عليكِ عشان أنسى همي شوي ..
اتسعت عيناها ، و بنبرة تجلى فيها الخجل : عن شنـو بنتكلم يعني ؟
فهـد : عنّـا ..
عَقدت حاجبيها لترد بارتباك : عنـا ؟
فهد بضحكة : ههههه ايه عنا ، ليه مستغربة ؟
شهـد : لاا ، ماني مستغربة ، بس ما فهمت ، شلون تقصِد ؟
أخـذ نفسـاً عميقاً ، ليقول بعد تردد : يعني عن عيونِك ، جَمـالِك ، عن قَلبي وش يصير فيه لا شافِك !
ازدادت سرعة أنفاسها و هي تقول باضطراب : فهد ، إنت وش تبي مني ؟
فهـد : مادري ، بس أكيـد أمي عارفة ، لأنها تعرفني أكثر مني ..
تنحنحت ، ثم قالت : وش تقصِد ؟
فهـد : اليوم كلّمتني ، قالت إنها عارفة عن اللي بيني و بينِك ..
شهد : وش اللي بيني و بينك !!
فهـد : النظرات ما تكذب يا شهـدي ، أنـا أبيـكِ .. مـا تَبيني ؟
ابتلعت ريقَها ، و ردّت بنبرة مرتجفة : هالحين مو وَقت هالكَلام !
فهد ، بابتسامة جانبية : ليش ترجفي ؟؟ بردانة ؟
أنزلت السمّاعة بسرعة عن أذنها ، أغلقت الخط دون أن تودّعـه ، رَفعت يدها إلى قَلبِها الذي كادَ يخرج من مكانِه ، إنّك غَريب جدًا ، لا أشعر بالراحة أحياناً تجاهَك ، لم تعد فهد الذي عشِقت يوماً ، تعرف بذاتك أنّك تغيرت ، إلا أنني غير قادِرة على السيطرة على نبضات قلبي في كل مرة يُذكَر فيها اسمك أمامي ،
انتفضت و هي تسمع صوت خطوات قادمة ، أخفت جوّالها في جيب بنطال البيجامة ، أخذت كأساً لتملأه بالماء ، صَوت طارِق يتساءل بهدوء : شهـد ؟ وش تسوي ؟؟
التفتت و هي تمسك بكأس الماء : ما في شي ، قمت أشرَب مويا ..
نظر إليها بريبة ، هزّ رأسه بهدوء و عدم تصديق ، تحرّك متجهاً نحو الحمام ، تنفست شهد الصعداء ، عادت بسرعة إلى غرفتها ، اندسّت تحت لحافها ، و قـَد غادر النّـوم عينيها و لم يعد مجدداً في تِلك الليلة .
،,
عدّة سـاعـات مَضت ، السّابعة و النصف صباحاً ، المُستشفى قِسم الطوارئ ، يجلِسان إلى جانِبه ، يفرك يحيى كفيه بتوتر و غَضَب ، أفكار عديدة تتلاحم في ذِهنه ، و أسئلة لا نهاية لهـا تدور في عقله ، شَبَك أصابِعه ببعضِها ، يثبت عيناه نحو إبراهيم النائم أمامهم ، رأسـه ملفـوف بقطعة شاش بيضاء ، يجلِس عِصام إلى جانِبه و يهمس له : رأيـك منـو اللي ساوى كِذا ؟
عاقِداً حاجبيه بحقد ، أخذ نفساً ثم أخرجه و أجاب : مادري ، مالنا غير ننتظر إبراهيم إلين يصحى ، و إن شاء الله ما يكون اللي فـ بالي صحيح ..
عِصـام : وش اللي فـ بالك ؟
تقدّم إليهما عَزيز متعجّلاً ، وَقف أمامهم و قال و هو ينظر إلى إبراهيم : شلـون صـار كِذا ؟ وش قال الطبيب ؟؟
رفَع يحيى نظراته الجامِدة إليه ، رمقه بنظرة حادّة ، و عاد للتحديق في إبراهيم ، نَهض عصام ليقف بمحاذاة عَزيز : إنتَ وين كنت للحين ؟؟
عَزيز : لما دق علي يحيى كِنت نـايم ..
عِصـام : دق عليك ألف مرة معقول ما سمعت رنة الجوال ؟؟
عَزيز و هو يُرخي أنظاره : كِنت حاطط الجوّال عالصّامت ..
يحيى بصوت جهوري حاد : أجـل التحقيق ماهو شغلك ، لو تبي تحط جوّالك عالصّامت و تنام ، لازم تشوفلك شغل ثاني غير الأمن الجنائي ..
ابتعدت شفتيه عن بعضِهما لينطق بتبرير ، استبقه يحيى و هو ينهض و يتحدّث بذات لهجته الحادّة : يوم تعيّنت معانا بشكل رسمي ، كنت بشرحلك طبيعة شغلنا ، ما تركتني أكمّل كلامي و قعدت تقول عارِف تراني مو جاي من كلية الرياضة ، و الحين يوم نحتاجك نلاقيك نايم في بيتَك و جوّالك عالصّامت بعد !
عِصـام بخفوت : يحيى خلاص ماهو وقت هالكلام ..
يحيى : هذي آخرة اللي يتوظفون بالواسطة !
ارتفـع حاجِب عزيز الأيسـَر معبّرًا عن احتجاجه ، إلا أن عِصـام أشـار لـه بنظراته ليختصِر الحَديث ، تنحنح عِصـام و قـال : يا شباب والدة إبراهيم و خـواته صـار عندهـم خبر ، أنا قلتلهم ماله داعي يجون المستشفى ، بس إذا شفتوهم جايين اتركوهم بروحهم مع ولدهم ..
التزموا الصّمت في آن معاً ، تبادل النظرات غَير المفهومة كانت تَسـود المـوقِف ، حتى خَرج صوت باهِت من حنجرة إبراهيم المتعبة ، التفتوا إليه في آن معاً ، اقتَرب عِصـام : إبراهيم ، الحمدلله عَ سلامتَك ..
عقد حاجبيه و هو يرى المكان من حولِه ، تساءل : وش صار !
يحيى ، يجلِس أمامه : المفروض احنا اللي نسأل مو إنت ..
رمَقه عِصام بنظرة و هو يقول بحدة : يَحيى !!
تنحنح ، ابتسم رغماً عنه و قال : الحمدلله ع سلامتَك ...
اقترَب عزيز و قال بابتسامة : الحمدلله ع سلامتك يا إبراهيم .. " التفت إلى عِصـام " : عِصـام أنا بروح المركز لازم يكون فيه واحد منا هنـاك ..
هزّ رأسـه بالموافقة ، تركهم و خرج دون أن ينظر إلى يحيى ، الذي لم يعجبه تصرف عزيز إذ أخذ الإذن من عِصـام بدلا منه ، رفَع إبراهيم رأسـه ، ليضع يده و يضغط بها فوق جرحه الملفوف بالشاش ، يتساءل باستغراب : يا جماعة وش اللي صار أنا وش أسوي هِنا ؟
عِصـام : فيـه جماعة تعرضولك و ضربـوك فـ راسك من ورا ، و تركوك فـ الطريق إلين جيت أنا و يحيى و أسعفناك هِنا .. و الحمدلله لحقناك لأن الضربة كـانت بمكان خطير !
إبراهيم و هو يتنقل بنظراته بينهم : و ليش يضربوني ؟؟
يحيى : علشـان ياخذوا منّك الفلاش ميموري اللي لقيناها فـ بيت فهـد ..
عَقـد حاجبيـه و هو يفكّر ، يستذكر آخر ما حدث معه ، تمر في باله كأطياف مشوشة غير مترابطة ، يتقدّم يحيى بجسده : إبراهيم إنتَ شفت اللي ضربوك ؟ يعني تقدر تتذكرهم ؟
عِصـام : يحيى ، الرجال توّه صاحي بديت معاه تحقيق؟! اتركه يرتاح و يتحسّن أول !!
تساءل إبراهيم : مين مصلحته يسرق الفلاش مني ؟؟
يحيى و هو يتكتف : مو هذا السؤال ، السؤال منـو اللي يدرى بموضوع الفلاش أصلاً ، أنا و إنت و عزيز كنـا موجودين فـ بيت فهـد ، و اللي شافوا الفلاش غيرنا اهمة البنية المرافقة ، و فهـد ، يعني اللي ضربوك على معرفة بواحد كـان موجود لما لقينا الفلاش !
إبراهيم بتعجب : لا تقول إنك شاكك بعزيز ..!
هزّ رأسه نافياً ، أخذ نفساً عميقاً : شاكك بـ فهـد ..
،,
بعد عدّة سـاعات ، رومـا ، تجلِسان في الكفتيريا التابعة للأوتيل ، أمام كل منهما كـوب عصير برتقال ، ريـم : وافقتِ تسافري معاه ؟
حَسناء بخيبة : أنا ماقدر أقـول ايه أو لا ، أنا أنفـذ و بس ..
عقدت ريم حاجبيها ، و هي تحدّق في ملامح وجه حسناء المليئة بالعجز ، ما جعل حسناء تصحو على ذاتِها ، تصلّح الموقف بابتسامة مفتعلة : أمزح معاكِ وش فيك ، أكيد وافقت أنا حابة من زمان أزور الرياض ..
هزّت رأسهـا ، عاد الصمت ليكلل المشهـد ، قَطعت حسناء الصّمت : ريـم ، إنتِ تحبيه ؟
ريم بارتباك : أحِب منو ؟
حسناء : منو يعني ، عمر حرب ..
ريـم ، أخذت نفساً عميقاً : مادري إذا أقـدر أقـول عن مشاعري لأبوكِ حب ، بس عمري ما حسّيت بأمـان إلا معـاه ، اهوة اللي أخذني من حياتي الصّعبة ، و اهوة اللي خلاني متمسكة فـ هالدنيا ، و الحين ربـنا بيعطيني منـه ولـد يملى علي حياتي ، شلـون ما راح أحـبه ؟
تَرفع حسناء حاجبها الأيسر ببطء : بس اهوة رفض هالطفل ، و كـان مستعد يموّته .. بعدين مَنتِ أول وحدة يتزوجها أبـوي بعـد أمي .. يعني يمكن هالحب ما يكون متبادل ...
ابتسمت ريـم بسخرية : مو يمكـن ، أكيـد ، أبوكِ يا حسناء للحين يحلَم بأمّـك ، أنا أحسِدها ..
حسناء بتعجب : تحسدينها ؟ على شنـو ؟
ريـم : لأنها الوحيـدة اللي قدرت تخلي أبوكِ يحبها ، و ما ينساها ، حتى بعد كل هالمدّة اللي انفصلـوا فيهـا عن بعض ، ما انفصلت عن دماغه و قَلبه ..
حسناء : صحيح إن أبوي للحين يفكّر فيها ، و للحين ما انفصلت عن دماغه و قلبه ، بس مو لأنه يحبّها ، لأنـها الوحيـدة اللي ضعف قدّامها ، و فـ وقت كل الحريم اللي عرفهـم كـانـوا خاتـم في اصبعه ، اهية الوحيدة اللي تركـته و ما اهتمّت له .. يعني الوحيدة اللي كَسرت قلبه و أوجعته ، و الرجال ما ينسى اللي توجع قَلبه ..
ريـم : أفهـم من كلامك الحين إنك تعطيني وَصفة عشان أعرف أتعامل مع أبوك ؟
نَهضت حسناء و هي تحمل حقيبتها : افهمي اللي تبيه من كلامي ، بس أنا متأكدة إذا بتظلي على موقفِك هذا ، الولد هذا اللي جـاي ما راح يتربى بعيد عن أبـوه ..
التفتت لتخرج ، و تتركها حائرة في أمرِها ، لِم أنتَ عَسير إلى ذلك الحد يا عمر ؟
انتهى
أعزائي القرّاء ، البارت ما كـان طويل مثل الوعد ، و هذا شيء يخجلني .. عدا عن التأخير ..
اللي صار إن الوالدة طاحت علينا ، و نقلناها للمستشفى ، و نامت كذا يوم بسبب فيروس شديد ، و اضطريت كوني البنت الوحيدة أكـون معاها على طول في المستشفى ، و اليـوم قدرت أدخل البيت و أفوت المنتدى ، حاولت أفوت المنتدى من الجوّال لكن ما قدرت للأسف .. و لما رجعت نزلت الشيء اللي كتبته لأجل ما أتأخر عليكم أكثر من كذا ..
أتمنى أن يكون عذري مقبولاً ، و اسمحوا لي بالتعويض في الأجزاء القادمة بإذن الله ..
انتظروني الاثنين القادِم ، أحبكم ..
طِيفْ!
|