كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،
أتمنى أن يكون الجميع بصحة و عافية ، هذا الجزء رح أعتبره تتمة للجزء الثامن ، إن شاء الله يعجبكم
قراءة ممتعة
بسم الله نبدأ
وَ إن زارَنا الشّوق يومًا و نادى
و غنى لنا ما مَضى و استعادا
و عاد إلى القَلبِ عهد حنون
فزاد احتراقاً و زدنا بعادا
لقد عاش قلبي مثل النسيم
إذا ذاق عطراً جميلاً تهادى
و كم كان يصرخ مثل الحريق
إذا ما رأى النار سكرى تتمادى
فهل أخطأ القلب حين التقينا
و في نشوة العِشق صرنا رمادا ؟ "
*فَاروق جويدة
وَ في نَشوةِ العِشقِ صرنا رمادا ، بقلم : طِيفْ!
الجزء 8
*تتمة
الأجواء المشحونة ، الصّمت يعم المكان ، يعمل كل منهم دون أن يتحدث إلى الآخر ، كأنما كلمة واحدة من أحدهم ستشعل فَتيل الحرب ، تنهّد و هو يتقدّم نحو غرفته ، وسط نظرات الضباط المتعجبة لوجهه في دخوله و خروجه ، تجاهلهم ، وصل إلى مكتبه ، وقف عند الباب يتأمل التوتر الذي اختلقه اليوم ، أخذ نفساً عميقاً ، و قال بصوت أقرب للخجل : السّلام عليكم ..
توجهت أنظار كل منهم إليه ، بعد ثانية ، رد إبراهيم و عزيز بصوتٍ واحد : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
لاحظ نظرات عِصام الحانقة ، و عَدم ردّه السلام ، تجاهل نظراته و توجّه نحو مكتبه ، يقف عِصام أمام مكتبه و هو يحمل ملفاً أحمر اللون بين يديه ، دون أن ينظر إلى يحيى ، يسأل بجمود : وين كِنت ؟
يرفع نظره إليه ، يستمر بصمته ، لم يستوعب بعد أنه يوجه سؤالاً له ، يُكرر عِصام بنفس اللهجة : قاعِد أكلمك وين كِنت ؟
يحيى : كان عندي مشوار لبيت فهد ، و ..
قاطعه و هو يتقدم نحوه و يُلقي الملف الأحمر أمامه بقوّة : دقق هالملف و انقله عالكمبيوتر ، أبغاك اليوم تخلصه ..
ينظر إلى الملف بطرف عينه ، تنتقل نظراته إلى عصام : بس هذا ما يخلص اليوم ، و أنا ماسِك قضية و أشتغل عليها ..
عِصام و هو يُعطيه ظهره : مو مشكلتي هذا أمر من مسؤولك بتنفذه ، إبراهيم الحقني مع ملف السجين 4071
خرج من الغرفة ، تِلك المرة الأولى التي يرون بها عصام على تِلك الحالة من الغضب و السّخط ، توجّه إبراهيم نحو المكتبة ليفتش عن الملف ، يُطبِق يحيى عينيه بتعب و هو يسند رأسه إلى ظهر كرسيه و كأنه يعاتب نفسه ، ينظر إلى عزيز ، يسأله : قال شي لما كنت برا ؟
عَزيز يهز رأسه بالنفي ، يترك مكتبه و يتجه نحو يحيى ، يجلِس أمامه : شفت فهد ؟
يحيى : ما كان موجود في البيت ..
عقد حاجبيه : طيب ؟؟
ينظر إليه ، بتوتر يقول : وش طيب ؟؟ قلتلك مو في البيت وش اللي طيب ؟
عزيز : وين رحت بعدها ! كل هالوقت بس رحت بيت فهد و ما لقيته ؟
رفع حاجبيه و هو يشبك أصابع كفيه فوق الطاولة : وش رأيك تاخذني لغرفة التحقيق تحقق معاي ؟
عزيز : لا تنسى إني مُساعدك في القضية ، يعني حقي أعرف كل شي يخصها ..
يحيى : إنتَ قلت مساعدي ، و حقّك تعرف اللي أبيك تعرفه ، غير كِذا مالك علاقة ..
يرمقه بنظرة ، يقول بحدّة : واضِح إني كنت غلطان لما ساعدتك تستلم القضية هذي ،
يحيى بتأفف : بديـنـا جَمـايل ...
التفت إليهم إبراهيم و هو يحمل بين يديه إحدى الملفات : خلاص إنتَ و هو مثل الضراير قاعدين ، هالقضية ما جالنا منها إلا عوار الدماغ ، قفلوا هالموضوع و ريحونا !
رمقهم بنظرة حادة ، تركهم و خرج ، التفت يحيى إلى عزيز : دام إنّك قاعِد تقول إن هالقضية قضيتنا و مو لازم أحد يخبي شي عن الثاني ، ليش حذفت تسجيلات طارِق الأخيرة و حاولت تخليني ما أسمعها ؟
عزيز بتهرب : هذا موضوع ثاني ما كنت أبغى يصير مشكلة ثانية من ورا كلام طارِق ..
يحيى : لا تتهرب ، هذا مو هو السبب ..
نَهض عن الكرسي : حذفتهم لأني حسيت الكلام جارِح ، و لأني أعرِف إنك مو مثل ما قالوا ، ما حبيت تسمع كلام يأذيك ..
اتسعت عينا يحيى ، يترجم في نظراته تعجباً هائلاً من اهتمام عزيز بمشاعِره ، يُردف بارتباك : لا تطالعني كِذا ، إنت مسؤولي ، و زميلي و ما أرضى أحد يتكلم عنك بسوء .. و لو كانت نيتي سوء أو عدم احترام ، كان سمعت كلام عصام لما طلب مني أخلي سبيل طارِق ، مع إني كنت معارضك في تعاملك معاه بس ما رضيت أتصرف تصرف ممكن يقلل احترامك في غيابَك ، و كان ممكن أتحمل عقوبة هالشي من عِصام ، بس كل مرة تفاجئني بغرورك و تكبرك ، و تخليني أتأكد إنك ما تستحق هالشي ، و ما أستغرب أبداً إن ما عندَك أصدقاء و لو بتظل بهالنفسية مستحيل يكون لك أصدقاء ..
تنفس بعمق بعد أن فرّغ ما بداخله ، دون أن يترك مجالاً له للحديث ، التفت خارجاً من المكان ، ظل يحيى متجمداً في مكانه ، كلمات عزيز تتردد في مسامعه ، تنهّد و هو يُطبق عينيه بحيرة ، أشعل حاسوبه و بدأ بتنفيذ ما وكّله به عِصام ، بعقل مشوش جداً ..
،,
يجلِس أرضاً في زاوية غرفته ، في منزلهم القديم ، مستنداً إلى الجدار بإنهاك ، لم يعد الألم يحرق وجهه ، إنه يحرق قلبه دون رحمة ، صحن السجائر إلى جانبه ممتلئ بالرماد و السجائر المحترقة كروحه المتعبة ، سيجارة أخرى تذوب بين شفتيه ، صورة قديمة تكاد ألوانها تختفي ، أكثر ما هو واضح فيها ، تِلك الضحكة التي ارتسمت على وجوههم ، يجلِس أبيه على تلك الأريكة الوحيدة التي شابت معهم ، في المنتصف هو ، و إلى يساره والدته ذات يوم ، حين كان وجهها ضحوكاً ، يبتسم لتلك الذكرى ، حتى ذكرياتنا مزيفة يا أبي ، تِلك الضحكة الأجمل ، الشيء الوحيد الذي أورثتني إياه ، كنت أعتقد أنها ضحكتك الصادقة تظهر على وجهي ، إنني أكتشف أنها خدعة يا أبي ، تشبه خدعة ضوء الشمس في منتصف كانون القارِس ، إن حياتي الوردية ، مستقبلي ، كلها كانت كذبة كبيرة ، أعيش الصدق اليوم يا أبي ، أعيشه وحيداً ، إنه موجع جداً ، وحيد جداً ، و بحاجتك جداً ، و إنني ناقم عليكَ يا أبي ، جداً جداً ..
تعقِد حاجبيها و هي ترى باب ذلك البيت مفتوحاً بعد أن اعتقدت أنه قد أغلق على قلبيهما منذ زمن ، و إلى الأبـد ، تتلفّت حولها بريبة تنظر إلى المارّة ، تدخل ببطء إلى الداخل ، تمدّ رأسها بنظرات متفحصة ، تجده بحال لأول مرة تراه بها ، دخنة تملأ المكان ، لم ينتبه حتى لوجودها ، حتى وقفت بكامل جسدها أمامه تقول بتعجب : فهـد !
يرفع نظراته الدامعة نحو الباب ، ينظر إليها كأنه يستنجدها ، تتساءل و هي تتلفت حولها بارتباك : ليش قاعِد هنا ! وش صاير معاك ليش وجهك كِذا ؟
ارتخت نظراته ، يتابع تحديقه في الصورة و يقول بصوته المبحوح : تعبان يا شهد ..
ثَقيلة على قلبي أن أراه متعباً ، ثقيلة أن أسمع صوت قلبي مستنجداً ، اقتربت بحركات مرتبكة خجولة ، انحنت لتجلس بنصف جسدها أمامه ، تنظر إلى الصورة التي يحمِلها بين يديه ، تتساءل : اشتقتله ؟
تنضم شفتيه كأنه متقزز من فِكرة الشوق له ، يهز رأسه بالنفي متردداً ، تنظر باستفهام ، يُردف بنفس النبرة : تعبان يا شهد ..
تمتد يدها بتردد و خجل ، ترتجف أهداب عينيها ، إلى وجه ذلك الضعيف الذي لم يُبدي أي مقاومة لملامسة أطراف أناملها لحيته الخفيفة ، ظهرت ابتسامة صغيرة على وجهه و هو يشعر بارتجاف أصابعها ، رفع نظراته إليها ، تنتفض بخوف و تبعد يدها ، ينتصب جسدها واقفاً أمامه ، تفرك يديها و تشتت أنظارها في المكان ، تقول : قوم عن الأرض لا ييجيك برد .. أنا لازم أرد البيت ..
و ما ضر برد الجسد إن كنت في داخلي أرتجِف ، أرتعش برداً .. عاد لصورته و سيجارته مجدداً ، نظرت إليه بقلّة حيلة ، أطلقت تنهيدتها الأخيرة في المكان ، ود لو يحتفظ بتلك التنهيدة في صدره المشبع بالألم ، خرجت دون كلمات ، مشت في الحارة كالتائهة بلا عنوان ، تحبس دمعات عينيها بصعوبة و هي تفرك أطراف أصابعها بقوة ، كأنها تحاول أن تزيل أثر ملامستهم لذقنه ، بحركات سريعة ، لا مبالية بنظرات الناس ، وَقفت أمام باب بيتهم ، أخذت شهيقاً طويلاً ، أتبعته بزفير ، مَسحت وجهها بكفيها ، أخرجت مفتاحها ، دخلت إلى البيت متناسية ما حدث في الخارج ، تنظر إلى أمها و أختها الجالستين ، الخوف بعينيهما و كأن أمراً قد حصل ، يأتي والدها يرمقها بنظرات غاضبة ، تنظر إليه باستفهام و نصف ابتسامة مرتجفة تظهر على شفتيها ، يقف أمامها دون أن يتفوه بكلمة ، صفعها على وجهها الناعم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى لينزع عن رأسها حجابها ، يأخذ شعرها بيديه ، يشده بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ، تُسرع عبير نحوه باكية ، تحاول أن تبعده عنها بترجي : يبه اتركهاا واللي يخلييك !
تناثرت دمعات شهد على وجهها بصمت ، أول ما خطر في ذهنها أنه عرف عن دخولها لبيت فهد ، عاد ليمسك شعرها مجدداً و يصرخ : أنا ينحكى عن بناتي في حارتي و أسمع الكلام بأذني يا قليلة الحيا !!
بدخول طارِق ، يقترب مسرعاً ليُبعد والده عنها ، تجلس أرضاً دون حراك أو مقاومة ، يُحكم سيطرته عليه و يُبعِده عنها و هو يتساءل : يبه وش صار ليش ضربتها !!!
يُشير إليها بسبابته ، بعينين تشتعلان غضباً ، تُطبق عينيها بخجل منتظرة أن يروي له كيفَ خذلتهم بخلوتها مع فهد ، انفتحت عيناها مجدداً بصدمة و هي تسمع : أختك اللي ما تستحي تقعد تسولف مع هذا يحيى باب البيت و الرايح و الجاي يشوفهم أناا أسمع الناس بأذني تقول إنكم تتهاوشوا مثل المتزوجين !!
ترتخي قبضة طارِق عن ذراع والده ، ينظر إلى شهد و يقول : متى صار هالكلام ؟
تستمر في صمتها و بكائها ، يصرخ طارِق : تكلــــــمـــي !
ترتجف نبرتها الباكية لترد بخوف : اليوم ، اليوم كان هنا و أنا كلمته عشان أقول له لا عاد يخطي هالبيت لأني خايفة عليك خايفة يصيرلك مشكلة أو تسويله شي و تأذي نفسك !!
طارِق بهدوء : يعني يتحدّاني !
توجّه بسرعة نحو باب البيت ، أوقفه صوت والده الحاد : طـارِق !
توقف دون أن يلتفت ، اقترب والده و قال : إذا ناوي تكسَب غضب أبوك تروح ليحيى هالحين .. بس بعدها ما أبي أشوف خشتك عندي في البيت ..
التفت و هو يقول باحتجاج : يبه إنت سمحت لهالرجال يدخل بيتنا و حياتنا و هذا هو الحين بيخرب سمعتنا و إنت للحين قاعد ...
قاطعه : طــارق ، اللي عندي قِلته ، و وقفته مع شهد أنا أحاسبه عليها ..
التفت إلى شهد ، قال باشمئزاز : انصرفي قومي من قدّامي ..
نهضت عن الأرض نحو غرفتها بسرعة ، تتبعها عبير ، أما والدتها تجلس على أريكتها بتعب تفكر فيما آل إليه حالهم ، يتجه طارق نحو الباب مجدداً ، يقول والده : على وين ؟
دون أن يلتفت يكمل سيره : لا تخاف ماني حابب أكسب غضبك يُبه !
يخرج ، يُطبق الباب خلفه بقوّة معبراً عن امتعاضه ، شيء ما في كفيه يرغب في لكم يحيى على وجهه ، يُريد أن ينتقم و لو بضربة واحدة ترد له كرامته ، نفث أنفاساً عميقة و هو يسير مخفياً كفيه في جيوبه كأنه يحبسها عن رغبتها في ضرب يحيى ، يستمر في سيره على غير هُدى ، ارتفعت أنظاره بدهشة إلى فهد الخارج من منزله ، يستمران في النظر إلى بعضهما لثوانٍ دون كلمات ، لا يعلم طارِق بأي لغة من العَتب يكلّمه ، ولا يعلم فهد بأي لغة من الندم و الأسف يعتَذر .. حتى قال طارِق : وش فيك فهد ليش وجهك كذا ؟ مع مين متضارب ؟
يمحص فهد في وجه طارق و هو يقول : لا ما فيني شي ، إنت وش فيك ؟ ليش وجهك كِذا ؟
يمد طارِق أصابعه لتلامس مكان كدماته ، يصمتان لوهلة ، ثم ينفجران ضحكاً في وقت واحد ،،
،,
تدخل من الباب و على وجهها ابتسامة ، يبدو أنها غارقة في التفكير في أمر ما ، تتفاجئ بوالدها الذي يقترب متلهفاً منها و يقول : ديانا !! وش صار معاك تأخرتِ !
ترفع حاجبيها لتتساءل ببرود : وش السالفة الظاهر حنّيت لهالاسم ؟
عُمر بهدوء : من زمان أحن لديانا ، و أنتظر فرصة زي هذي عشان أناديكِ ديانا ، بس وجود ريم كان مانعني أسوي هالشي ..
خيبة جديدة ، تظهر على ملامحها التي انطبعت أساساً بالخيبة ، لتقول : عذر أقبح من ذنب ..
تبتعد عنه بهدوء و هي تخلع حذاءها و تتركه خلفها بإرهاق ، يوقفها سؤاله الصادم : تكرهيني يا ديانا ؟
أتراني لامست قَلبك الذي ظننت أنه قد مات ؟ أتراني بقسوتي أُحييك مجدداً يا أبي ؟ التفتت إليه ، تنظر إليه باستفهام و تعجب ، يقترب منها و يكرر سؤاله : تكرهيني ؟
ابتلعت ريقها ، قالت بصوت خافت : متى قلت إني أكرهك ؟
عمر بحدة : كلامك الصبح ؟ قلتي إني لازم أحتفظ بهالولد ، عشان يكون عندي شخص واحد يحبني ، يعني إنتِ ما تحبيني ..
أمالت رأسها ، و بذات لهجته الحادة : إني أكرهك شي ، و إني ما أحبك شي ثاني .. أكيد ما أحبك لأني عمري ما حسيتك أبو .. أنا بالنسبة لك مجرد أرقام و آلة تصنع فلوس ، شلون تبيني أحبك ؟
عمر : إنت عارفة أمك وش سوت ..
ظهرت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، تقول بملل : تعبت أقول لك إني مالي ذنب ، لا تقعد تحطلي مبررات واهية ، أنا ما طلبت منك تبرير ، خلاص ، أساساً اللي سويته و اللي قاعد تسويه فيني ماله مبرر أبداً ، إنت حاطط أمي شماعة تعلق عليها كل أخطاءك تجاهي ، مانك أحسن منها بشي ، كل واحد ظلمني بطريقته ، و اثنينكم تفننتوا بهالشي ، اثنينكم أنانيين و ما يهمكم إلا روحكم ، و أنا راضية بهالشي ، قول أنا أناني و استغليتك يا بنيتي لمصلحتي ، أنا راضية فيك يبه بكل عيوبك ، بس لا تحط مبررات لشي ما يتبرر ، عالأقل حِس بالذنب تجاهي !
كلماتها الحارقة ألجمت لسانه ، سارت أماماً مجدداً ، التفتت لتراه في نفس وقفته و مكانه ، عادت بضع خطوات : صحيح ، بالنسبة لمقابلة اليوم ، أبي ثنين من رجالك معاي في شي مهم ، لا تسألني وش هو ، تقدر توثق إني ما راح أورطك ..
،,
تسقط في الحِيرة ، إن زواجها و عشقها الأول يقفان الآن على حافة هاوية ، لا تُدرك تماماً ما هو الصحيح لتفعله ، لم يعد يحزنها عجزها عن الإنجاب ، قدر ما يحزنها عجزها عن الاحتفاظ بدقة قلبها الأخيرة ، تجلس برفقة أختها في غرفة المجلِس ، تتنهّد جيهان و تقول : إنتِ مو لازم تخبي هالشي عن عمتك ، بالنهاية راح تعرف ..
مَريم : و إذا زوّجت عِصام ؟ وش بسوي بروحي ؟
جيهان و هي تسند رأسها إلى يدها المنتصبة بهدوء فوق ظهر الأريكة : عِصام ماهو طفل ، لو يبي يتزوج بيتزوج ، ولو ما يبي ما في أحد بيجبره !
يتحرك بؤبؤ عينيها مشتتاً نظراتها في المجلِس ، الحيرة تتجلى في وجهها المُتعَب ، صوت يتردد في أذنها ، يشوّش تفكيرها ، تهزّ رأسها بقوة كأنها تُخرِس ذلك الصوت ، تنظر إلى جيهان التي قد اتضح على وجهها أنها لم تخسر نصيبها من الهموم هي الأخرى ، تتساءل : وش صار بينِك و بين إبراهيم ؟
تنظر جيهان إليها بيأس ، كأنها تبلغها بعدم رغبتها في الكلام ، تتجاهل الرد على سؤالها ، تكرر مريم بإصرار : جيهان ! قولي وش صاير بينكم ، سالفة التأجيل هذي ماني مرتاحة لها ،
ترد بنبرة يتضح فيها عدم الصدق ، لإنسانة لم يسبق لها أن تعلّمت كيف تكذِب : مو أول ثنين يأجلون زواجهم ليش مكبرين السالفة ؟
مريم : لأني أعرفك ، مو قاعدة تقولي الصدق ، جيهان أنا مو غريبة ، قولي وش صاير ؟!
تتأفف بملل ، تنظر إلى أختها بيأس و تقول : إبراهيم ما يبي يتزوجني ..
تبرز عيناها و هي تقول بدهشة : نـعــم ؟؟!!
جيهان : ما قال كِذا طبعاً ، بس سبب تأجيله الزواج إنه ما حس إنه يحبني ، و ما يبي يظلمني معاه .
مريم : و ليش أجلتوا ؟ ليش للحين معاكِ لو ما يبيكِ ؟
ابتلعت ريقها و هي تشعر بانتقاص قيمتها : أجلناه عشان الناس ما يقولوا هذولا ليش تطلقوا قبل العرس بيومين ، آخر هالشهر كل شي بيكون منتهي بيننا ..
مريم : يبي يطلقك بعد كل هالفترة ! ماني فاهمة شي !
جيهان : اهوة ما قال يبي يطلقني ، قال يبي يعطي نفسه فرصة ثانية إذا ممكن يكمل هالزواج ، و أنا رفضت قلتله إني مابيه و خلاص ، الرجال ما يبي يظلمني ..
مريم بنبرة احتجاجية : ليش قاعدة تحطيله مبررات !! وش السبب اللي يخليه ما يحبك لو كنتِ فعلاً أول حرمة في حياته !
تعقد جيهان حاجبيها : وش تقصدي ؟
مريم : واضحة ، لو ما كان في حرمة ثانية في قلبه ، ما كان حس إنه مو قادر يكمل معاكِ ..
تفكر جيهان لوهلة ، تهز رأسها بالنفي : لا لا ، مستحيل لو كان كذا كان ما قال يبي يعطي نفسه فرصة ..
مريم بحرقة : يبي يعطي نفسه فرصة ينسى ، إنتِ خبلة يَ بنت ! الرجال ما يبعد عن زوجته أو خطيبته إلا إذا كان في غيرها ..
جيهان بلامبالاة : و لو كان كلامك صحيح ، ما هي فارقة ، ما راح نتزوج لو إيش ما كانت الأسباب ، انتهى !
مريم : بس مو من حقه يساوي فيكِ كذا ! جيهان ، إنتِ ما حسيتي عليه لما بدا يتغير عليكِ ؟
جيهان : شلون يعني يتغير ؟
مريم : يعني ، يعصب عليكِ من دون سبب ، يقل كلامه معاكِ ، هذي كلها تدل إن الرجال في وحدة ثانية بحياته !
تبتسم جيهان بسخرية ، تأخذ نفساً عميقاً : اهوة ما تغير ، هذي صفاته فعلاً من أول ما ملكنا ، يعصب بدون سبب و ما يكلمني إلا قليل و حاطط الشغل حجة ..
مريم ترفع حاجبيها : النـذل ! يعني خطبك و اهوة يحب وحدة ثانية !! وش هالظلم ، مو من حقه أبداً يسوي كذا !
جيهان و هي تضع نقابها : لا تنسي إن هذي مجرد تخمينات ، يعني ممكن تكون طبيعته كذا مو بالضرورة يكون تخمينك صحيح ..
تضرب بكفيها فخذيها ، تقول بقهر : لسه تدافعي عنه ! بتموتيني انتِ !
جيهان : ما أدافع ولا غيره ، الموضوع ماهو مستاهل ..
مريم : مو مستاهل ! بتصيري مطلّقـة ، و قاعدة تقولي مو مستاهل ؟؟
جيهان : وش فيها يعني ؟ ترى المطلقة حالة اجتماعية ، مثلها مثل متزوجة ، عزباء ، أرملة ، ماني فاهمة وين الغلط ؟!
مريم : الغلط إن بمجتمعاتنا العربية المطلقة للأسف ماهي حالة اجتماعية ، إلا وصمة عار ! كل تحركاتك بتصير محسوبة عليكِ ، حتى فرصة إنك تتزوجي بتصير ضعيفة لأن رجالنا ما يحبوا ياخذوا وحدة كشفها رجال ثاني و قعد معاها ..
جيهان و هي تنهض : قاعدة تبالغي ، هالشي ممكن كان زمان لكن الحين الناس صارت تفكر بطريقة ثانية ، ما أقولك لا المطلقة وضعها صعب شوي بس ما هو مستحيل ، و بعدين الرجال اللي يفكر بهالطريقة أنا مابيه أساساً !
مريم تقف أمامها : قاعدة تقولي هالكلام لأنك ما عشتِ الحالة ، الحرمة عندنا تتحمل المر أهون ما تتحمل كلمة مطلقة و نظرات الناس ، جيهان حاولي تمنعي هالطلاق من إبراهيم ..
جيهان : تبيني أعيش معه بدون كرامة ؟! خلاص يا مريم و اللي يخليك أنا بروح كافي كلام بهالموضوع .. و لمعلومك سليمان ما يدرى بالموضوع و ما أبيه يدرى ، مابي هالشي يأثر عليه و على عَروب . السّلام عليكم ..
تخرج بسرعة كمن يهرب من نقاش عقيم يُلاحقه ليقتله ، كأنها تهرب من ذاتِها ، تنظر مريم إليها و هي خارجة بيأس ، تتكتف بقلة حيلة و ترد : مع السّلامة !
،,
تجلس في زاوية غرفتها ، تضم ركبتيها إلى صدرِها ، يُغرِق بياض عينيها حمارُ دموعها ، تجف بعد يأسها من السقوط ، ليحتشد الدمع مجدداً فيهما ، لا شيء يمر في ذاكرتها سوى نظرات فهد و ما كانت ستفعل ، أيعقل أن تُلامس أناملي وجهه ، أيعقل أن أرتكب ذلك الإثم ؟ إني أحبك يا فهد ، و إنّك أول من تسلل إلى داخلي دون إذني ، كيف يمكن للعِشق أن يُضعِفنا ، يبعدنا عن مبادئنا ، يقودنا نحو الخطأ دون مقاومة منا ، أذلك العشق حقاً ؟ أيجِب أن تضعف إرادتي تماماً كي أعشقك ؟ لِم لا يكون حبّي لكَ قوة ، لم يجب أن تنهار قِواي حين ألاقي عيناك ، و يبتسم لي ثغرك ليغرِس في قلبي سِهام غمازتك المختبئة بخجل في خدّك ، تقترب منها عَبير ، الضيق واضح على معالم وجهها ، تجلِس أرضاً إلى جانبها و تقول بقهر : شهد ، مو لازم تكوني خجلانة من نفسِك كذا ! إنتِ ما سويتِ شي غلط إنتِ كان هدفك تحمي طارِق ، الناس تهتّم بالظاهر ما يعرفون ليش وقفتي مع المحقق ، وش تبي فيهم !
تنظر إليها بنظرات غير مفهومة ، تردف عبير : خلاص عاد لا تظلي قاعدة كِذا ، عارفة إن أبوي زعّلك بس هذا أبوكِ و لو مد إيده عليكِ وش فيها مو هو أبونا ؟!
أخذت نفساً عميقاً : أنا أستاهل اللي سوّاه أبوي ..
عبير و هي تعقد حاجبيها : شلون يعني ما فهمت !
شهد دون أن تنظر إليها : مو عشان موضوع يحيى ، عشان موضوع فهد ..
عبير بابتسامة : تقصدي إنك زرتيه أمس و كلمتيه بالجوال ؟ إنتِ ما غلطتِ كلمتيه بكل احترام ، ما له داعي تحسي بتأنيب الضمير ..
شهد بنبرة باكية : الموضوع ما وقف هِنا يا عبير !
عبير بخوف : شهد ! وش هالكلام ؟ شلون يعني ما وقف هنا ؟
تصمت فيزداد خوف عبير : شهد تكلمي ! وش اللي بينك و بين فهد أكثر من اللي أعرفه ؟
شهد : اليوم كنت رايحة أشوف ريحانة بنت بوخالد ، و أنا بالطريق راجعة شفت باب بيت فهد مفتوح و استغربت يعني قلت مين اللي دخل البيت و ليش تارك الباب مفتوح فدخلت ..
عبير : ايه ؟؟؟
شهد تبتلع ريقها و تردف : دخلت و لقيت فهد قاعد في الأرض و حالته غريبة كأنه متهاوش مع أحد ، و كان قاعد يدخن و يتفرج على صورته مع أبوه ..جيت قعدت قدامه و سألته ما قال شي بس قال إنه تعبان ، و كسر خاطري مرة ما تحملت أشوفه كذا ..
عبير : كملي ؟
شهد : مدّيت يدي على وجهه ، و لَمسته ..
عَبير تأخذ نفساً عميقاً : و بعدين وش صار ؟
شهد : بس ، قمت و خجلت من تصرفي و طلعت ، و رديت البيت ..
تتنفس عبير براحة : هالحين هذا اللي مخليكِ تقعدي تبكي ، خرعتيني قلت أكيد صار شي كبير !
شهد بخجل : بس اللي صار ماهو قليل يا عبير ، كان ممكن يصير شي أكبر ! ما كان المفروض أسمح إني أختلي معاه بروحنا !!
عبير : صحيح إنك تصرفتِ غلط لما دخلتِ البيت ، و قعدتي لما شفتيه بروحه بس لو ما كنتِ خايفة من ربنا ما كان تركتِ البيت ، و شعورك الحين بالذنب دليل كافي إنك تخافي ربنا ولا يمكن تخوني الأمانة اللي ربنا وصّاكِ عليها ..
شهد : هذا رأيك فيني ؟ يعني نظرتك ما تغيرت لي ؟
عَبير بحب تضغط فوق يدها : طبعاً ما تغيرت و مستحيل تتغير ، بتظلي أختي الكبيرة اللي أحبها و أفتخر فيها ..
شهد تحتضنها : ربي ما يحرمني منك .
،,
ليال متعبة تتوالى ، يدخل يحيى إلى المكتب مبتسماً و هو يحمِل صينية بين يديه ، دون أن يلتفت إليه أحد ، يقترب من طاولة عِصام ليضع فنجان القهوة عليها ، يرفع عِصام نظره إليه كأنه يتساءل عن سر تصرفه ، يرد يحيى بابتسامة ، يقترب من مكتب عزيز ليضع الفنجان الثاني ، يتنحنح إبراهيم بابتسامة و يقول : و أنا ابن البطة السودا ؟ مالي قهوة ؟
يحيى : إنتَ ما سمّعتني كلام يليّن الحجر ، " ينظر إلى عِصام " ، و ما ضربتني على وجهي قدّام الكل ،
إبراهيم : يعني حضرتك ما تيجي إلا بالعين الحمرا ؟
يحيى بضحكة : ههههههههه تقريباً ، الحين رضيتوا عني ؟ مو أنا مثل أخوكم الصغير ؟
عزيز باحتجاج : والله ، أخونا الصغير بعد ؟؟
يرميه بعلبة المحارم : لا تدقق إنتَ !
عزيز يضحك مع إبراهيم بنفس الوقت : ههههههههههههههههه ماشي خلاص سامحتَك يارب تنعدل !
يحيى يرفع حاجباً : صدق إنك ما تنعطى وجه !
يلتفت إلى عِصام الذي لم يبرح مكانه ، يقترب منه و يقول : عِصام ، أنا آسف .. عارف إني قللت احترام معاك ، ما كان قصدي ..
يرفع نظره إليه و يقول بلهجة معاتبة و هو ينهض من مكانه : حصل خير .. أنا رايح البيت ، سَلام ..
بخيبة يقول يحيى : مع السلامة ..
يخرج عصام من المكتب ، يتنهد يحيى و هو يرخي نظراته أرضاً ، يقترب منه إبراهيم و يربت على كتفه بحب : لا تزعل ، بكرا يرضى ..
،,
و لكنني أخاف ، هل إن أردت يوماً أن تحبني ، سأحتاج إلى واسطة لتبوح لي بحبك ؟ ضربات قلبي لم تعد منتظمة منذ ذلك اليوم ، حين خذلتني ، لم يحزنني أنّك اختلقت عقبة في طريقنا ، بل ما أحزنني أنك خذلت قلباً ما وثق يوماً إلا بك ، إنني و إن كنت من قبل أتساءل كم من الورود سأنتظر في حياتي معك ، إلا أنني اليوم بدأت أعد كم من الخيبات سيحتمل قلبي بعد ؟ ينظر إليها بعينين تتساءلان عن سبب غياب ملامح الفرح عنها ، زمت شفتيها ، أخذت غرتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..
و لست متأكدة أيضاً من كلامي في هذه اللحظة ، أجازِف بقلبي يا سُليمان ، نهض الآخر مندهشاً : عَـروب ! شلون يعني ؟؟
تنظر إليه : لما قرر أخوي يأجل الزواج بآخر لحظة ، جاني و كان خايف إنك تتأثر بقراره ، قلتله إن سليمان عاقل و مستحيل يسوي هالشي ، بس إنت صدمتني بقرارك ، و الحين بعد ما عرفت جيهان بالتأجيل أكيد اهية كلمتك و طلبت منك ما تأجل ، أنا مابي واسطات في علاقتنا يا سليمان ، ماني مستنية أي أحد يقنعك فيني !
سليمان : منو قال إني ماني مقتنع فيكِ ؟ متى قلت أنا هالكلام ؟ أنا أبيك و ماني مستني من جيهان أو غيرها يتوسطون عشان أتزوجك ، أنا أخذت هالقرار بلحظة تسرع ، ممكن تكون جيهان نبهتني لتسرعي ، بس المسألة مو مسألة اقناع مثل ما أنت مفكرة !!
عروب : و منو عارف لحظة هالتسرع كم مرة ممكن تتكرر بحياتنا ؟ أنا ماني مضطرة أعيش معاك بخوف إنك ممكن خلال لحظة تسرع تظلمني ! بكرا لا صار أي مشكلة بين إبراهيم و جيهان رح أظل خايفة إنك تعاقبني بسبتهم ..
يُمسك بيدها : ممكن تجلسي شوي ؟
تنظر إليه بعتب و توتر ، تجلس فيقول : عروب ، إنتِ عارفة سليمان ، و عارفة إني ماني ظالِم ..
عروب : كنت أتوقع نفسي إني عارفة سليمان ، بس طلعت غلطانة !
سليمان : وش آخرة هالكلام ؟ أنا مابي زواجنا يتأجل ،
عروب بعد تفكير لم يدم طويلاً : زواجنا لسا عليه وقت ، اتركني أفكّر .. اللي صار آخر مرة غير شغلات كثيرة ..
نهضت متجهة إلى باب المجلس : عن إذنك تعبانة شوي ..
لاحقتها عيناه حتى خرجت ، تأفف في داخله ندماً ، هل بدأت بدفع الثمن ؟
،,
غرفة مظلمة ، نور خافت يقبع في زاويتها ، تجلِس حسناء على كرسي خشبي في وسط الغرفة ، تتصفح جوّالها بهدوء ، حتى دخل رجالها ، أو رجال والدها كما تسميهم ، ممسكان برجل مقيّد اليدين ، فمه مغلق بلاصق سميك ، يفتك الخوف في جسده ، الذي ارتخى براحة حين رآها تتقدم منهم مبتسِمة ، تقول لرجالها : ربطوه على الكرسي ..
تتسع عيناه مما سمع ، ما يؤكّد لحسناء ظنونها فتتسع ابتسامتها أكثر ، يُحكمون وثاقه على الكرسي ، ثم يقف كل منهم على حِدة منتظرين أوامرها ، تقترب و تنزع اللاصق عن فمه بقوّة ، تجلِس أمامه و هي تلف قدماً فوق الأخرى و تقول : اللي بعثك عندي ظلمك ، ما قالك من هي حسناء ..
يعقِد حاجبيه ، يتساءل بالإيطالية : أنا لا أفهم كلامك !
تضحك بصخب : هههههههههههههه ، طيب ، خلاص انتهى المزح و بدينا بالجد .. لغتك الإيطالية كويسة ، يعني تقدر تضحك فيها على واحد عربي ، بس مو علي ، أقدر أميز الإيطالي من العربي ..
يبتلع ريقَه ، جبينه يلمع في وسط الظلام من قطرات عرق تتصبب بخوف على وجهه ، يستمر في صمته ، تهزّ حسناء رأسها : قول لا تخاف ، منو إنت و منو اللي بعثك علي ؟ و ايش اللي كنت تبيه مني ؟
يعم الصمت المكان ، يصر أكثر على عدم الكلام ، تقول حسناء : مممممم ، مع إني ما كنت حابة إنك تجرب هالشي معانا من أول زيارة ، بس واضح إنك ما تتكلم إلا بالعصا ..
تصرخ و هي ترى في عينه الرغبة في الهرولة هرباً : يا بـدر ..
يدخل الرجل الطويل ، ذو العضلات البارزة ، يبدو أنه صمم ذاته خصيصاً بتلك الهيئة و البنية الرياضية الضخمة بعد تمرينات رياضية طويلة الأمد ، لذلك الغرض تحديداً ، انتفض مرتعباً حين رآه ، اقتربت حسناء من بدر ، قالت : هذا واضح إنه ما يبي يتكلّم بالذوق ، شوف شغلك ..
ألقت أمرها ، و نظرة أخيرة ساخرة له ، بثقة خرجت من الغرفة ، يزداد خوفه و هو يرى ذلك الرجل يتقدم منه ، يتحرك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخر ، غير مباليان بمقاومته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهم بغل : اتركوني ، شغلي مو معاكــم !!!
خارِج الغرفة ، تظهر ابتسامة جانبية على شفتيها و هي تسمعه يتلفظ العربية بكل طلاقة ، تتجه نحو سيّارتها ، و قد أتمت مهمتها ..
" مثل ما توقعت ، طلع كمين ، من واحد من أعداءك ، اللي علي سويته و الباقي عندك .. "
،,
,،
تُخرِس صوت شهقتها و هي تضغط بكفها على فمها ، تحتشد الدموع في عينيها الخائفتين ، في الداخل ، ينهض من مكانه بعينين متسعتين ، يتساءل بدهشة : إنتِ قاعدة تمزحي ، صح ؟؟
،,
,،
يصِل إلى الباب ، ما بين عجز يقتله ، و صدمات أنهكت قلبه ، يلتفت إليه ليراه واقفاً مستنداً إلى الحائط بإرهاق ، أشابته الخيبة تلو الخيبة ، كعجوز في السبعين من عمره ، ينتظر الساعة التي سيستسلم فيها ليرحل دون عودة ، قال بشيء من عتاب الذات للذات : يمكن لو كانت حياتَك أحسن من حياتي ، ما كنت احتجت مساعدة واحد عاجز مثلي ..
،,
,،
انتهى
عارفة والله إنه قَصير ، و عارفة إني قصّرت معاكم الفترة اللي فاتت .. و بعد الإعتذار صدقاً هالأسبوع كان فُل بالنسبالي ما كان عندي متسع من الوقت لكتابة البارت ، حاولت يطلع بشكل جميل قدر المستطاع ، و اليوم ما تحركت من قدّام الشاشة لأكتب 20 صفحة في الوورد ، لهذا السبب اعتبرته تتمة للجزء الثامن ..
موعدنا بإذن الله الجمعة القادمة ، مع بارت طويل يرضيكم و يعوّض تقصيري ، الذي أسأل الله أن يعينني لكي لا يتكرر .. كان أهم شي عندي هو عدم التأخر عن يوم الجمعة في نشره ، أتمنى ينال إعجابكم و رضاكم .. و لي عودة في الغد للرد على جميع تعليقاتكم الجَميلة ..
نلتقي الجمعة بإذن المولى .. طِيفْ!
|