كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
،,
تتقلب في سريرها بانزعاج من صوت رنين الهاتِف ، تأفف و هي تحرّك يدها نحو الكوميدينا لتلتقطه ، واضعة العصبة السوداء فوق عينيها ، تلتقطه أخيراً ، ترد بصوت يملأه النعاس : آلـو ..
صوت خشن يتحدث بالإيطالية : صباح الخير آنسة حسناء ،
ترفع رأسها باستغراب ، ترفع العصبة فوق شعرها ، تنظر إلى الرقم الغريب ثم تعيد السماعة إلى أذنها ، يكرر الرجل : آنسة حسناء ، هل تسمعيني ؟
تنحنت : نعم نعم ، تفضل ، من المتحدث ؟
الرجل : ستعرفين لاحقاً ، لكنني أريدِك في موضوع يخص العمل ..
عقدت حاجبيها : عن أي عمل تتحدث ؟
الرجل : أنا طالب من كلية الرياضة في جامعتك ، و لدنيا بطولة أمام كلية الرياضة في جامعة أخرى ،
حسناء : و ما المطلوب مني ؟
الرجل بغموض : الفـوز ..
حسناء : عفواً ؟ و ما علاقتي بفوزكم ؟
الرجل : تعرفين تماماً علاقتك ، في المرة الماضية كنت سبباً في فوزهم ، الآن عليكِ أن تخدمي طلبة جامعتك ..
حسناء بحدّة : اعذرني لكنني لا أفهم عن ماذا تتكلم ، سأغلق الآن ..
يرد بحدّة مماثلة : لن تغلقي يا حسناء .. يجب أن نتقابل ..
حسناء تنظر إلى الساعة : هل الآن ؟ هل يتصل أحد ليقابل أحداً في هذا الوقت ؟ هل أنت مجنون ؟
يضحك : هههههههههههههه بالطبع لا ، يبدو أنك كسولة قليلاً ، سأنتظرك بعد ساعة مقابل الجامعة ..
حسناء : أنسيت أننا في عطلة ؟ و هل سأخرج لأقابل رجلاً لا أعرفه ؟
الرجل : ستعرفين ، بعد ساعة سأكون في انتظارك ، و أرجو أن لا تجادليني ..
أغلق الخط دون أن يترك لها مجالاً للكلام ، تأففت و ألقت الجوّال جانباً ، نهضت من سريرها بتكاسل ، وضعت روبها الدافئ فوق جسدها ، خرجت من غرفتها و هي تسمع أصواتاً من الأسفل ، متعجبة أن والدها مستيقظ في ذلك الوقت الباكر جداً ، وقفت عند بداية الدرج و هي تسمع والدها يحدّث عابد : يعني اليوم البنوك كلها مو شغّالة ..
عابد : سيد عمر إنت عارف اليوم عطلة ، بس ممكن لو تبي نروح على فرع البنك بالمول ..
عمر : مو كل المعاملات بيسوونها بأفرع المولات ، أنا ماني فاهِم شلون ما قلتلي أمس إن اليوم عطلة !
عابِد بنصف ابتسامة : سيد عمر إنت في هالبلد من قبلي و عارف إن السبت عطلتهم ..
عمر بحدة : والله ؟ و تخفف دم بعد ؟
ارتخت نظراته و هو يخفي ابتسامته ، قال بهدوء : سيد عمر إنت ما بتسوي معاملة كبيرة إنت تبي توقّف حساب زوجتك و هذي عملية بسيطة تقدر تسويها بأي مكان ..
اتسعت عينا حسناء و هي تسمع كلام عابِد ، قال عمر : طيب روح هالحين ، الظهر نتكلم و نشوف ..
خرج عابِد ، سمع عمر صوت خطوات حسناء و هي تنزل الدرج ، يتذمر داخلياً هذه الفترة من تصرفاتها و تمردّها ، يبتعد ليجلس على أريكته ، ينظر إلى ظلها من خلال شاشة التلفاز المُغلقة ، ترتخي نظراته ليركز في شاشة جواله دون أن يبالي بقدومها ، تلقي نفسها إلى الأريكة المجاورة و تقول : صباح الخير ..
عمر دون أن ينظر إليها : صباح النور ..
يعم الصمت لدقيقة ، تحدّق فيه بنظرات غير مفهومة ، يتساءل بعدها : وش مصحيك هالحين ؟
تُميل رأسها : الشّغل ..
ينظر إليها : أي شغل ؟ في شي ما أعرفه ؟
تبتسم ابتسامة ذات مغزى ، تشتت أنظارها في أشجار الحديقة الظاهرة من خلف زجاج النافذة : لا ، قبل شوي اتصل فيني واحد ، يقول إنه من جامعتي ، و واضِح إن فيه أحد دالّه علي ..
عقد حاجبيه : منو يعني ؟
تهز كتفيها بعدم معرفة : ما أدري ، بعد شوي راح نتقابل و نشوف ..
يترك جوّاله ، يقترب منها : تقابلي منو و ليش ؟ ما نبي أي مخاطرة ، اعتذري ، أو خلاص خليكِ ولا تروحي ، و إذا اتصل مرة ثانية لا تردي ..
تنظر إليه و تقول بجدية : و لو كان عارف شي فعلاً ، مو ممكن تكون مخاطرة لو ما لبينا طلبه ؟ الرجال قال إنه عارف لمين بعنا المنشطات المرة الماضية و شلون ساعدناهم يفوزوا !
تتسع عيناه : يعني اللي بلّغه واحد منهم ؟ شلون وثـقـتي فيـهم ؟ مو حضرتك قلتي أمـان ؟
حسناء : مو بالضرورة ، ما كانت أول مرة نشتغل ، إن الأمر ينكشف كان شي متوقع لا تقعد تحط اللوم علي ..
بنبرة حادّة مرتفعة : إنتِ لازم تعرفي مين اللي قاعدة تتعاملي معاهم ، لازم يكون معاكِ ضمانات ! وش كنت أعلمك طول هالسنين ؟؟؟
نهضت : كنت تعلمني أخدمك ، شوف يا ، عُمـر حـرب ، أكلمك الحين بصفتي ، خلينا نقول شريكة عمل ، مو بنتك .. إيّاك تحاول إنك تطلعني غلطانة ، أو تفكّر تضحي فيني ..
بهدوء ، يتساءل عمر : أضحي فيكِ ؟ شلون ممكن أضحي فيكِ ؟
حسناء : يعني ، لو الموضوع وصل للشرطة و الأمن ، لا تتوقع إنك تحطني كَبش فِدا و إنتَ تطلع منها ، هالشي مستحيل ..
نَهَض بصمت ، أمسك كتفيها بكفيه و قال بجدية : متوقعة إني ممكن أسوي شي زي كِذا فيكِ ؟ بنتي الوحيدة متوقعة إني ممكن أترك شي يأذيكِ ؟
ابتسمت بسخرية و هي تنظر إلى يديه المستقرتين فوق ذراعيها : ليش ما حاولت تقتل وِلدك اللي لسا ما شاف الدنيا ؟ و يا ليتَك تتوب ، لسا تحاول تقتله و تقتل أمه !
عَقد حاجبيه ، أردفت : لما تفكّر إنّك توقف حسابات ريم ، يعني كأنك تموّتها من الجوع ، تخيّرها بين حياتها و حياة وِلدها ، أنا ما شفت بحياتي رجال ظالِم مثلَك ..
أنزلت يديه عن ذراعيها بهدوء ، ابتعدت عنه بخطوات بطيئة حتى وصلت الدرج ، عيناها تتبعانها ، وقفت عند عتبة الدرجة الأولى ، التفتت : ربنا أعطاك فرصة يكون عندك ولد حقيقي ، ابن ، يحبّك ، لا تفوّت هالفرصة برأيي ، و لا تتأمل إني أكون بنتَك اللي بتظل معاك لآخر لحظة بحياتَك ، حاول تخلي شخص واحد عالأقل بهالدنيا يحبّك ..
،,
تظهر ابتسامة ساخرة على وجهه و هو يسمع التسجيل الذي حذفه عزيز ، يراقب جميعهم ردود فعله عدا عصام ، يرفع عينيه إلى عزيز الواقف أمامه بتوتر و يقول : طارِق كِبر راسه و قاعد يهدد .. أجل هذا اللي ما تبيني أسمعه ؟
اكتفى بالصمت ، أردف بصوت مسموع و هو يكلّم نفسه : أنا ما أخاف من ربنا ؟
عِصام بحدّة نظر إليه : وش استفدت بعد ما سمعت التسجيل ، يعني وش بتسوي ؟
يحكّ ذقنه بتفكير : مدري ، وش بسوي يعني ؟
عِصام يشبك يديه أمام الطاولة : يحيى إنت قاعِد تلعب ؟ وش قاعِد تسوّي فهمني ؟
يرفع حاجبيه : أنا قاعِد ألعب ؟ هذا رأيك ؟
عِصام يترك مكتبه ، يتقدّم إليه : شوف يا يحيى ، أنا مقدّر حماسك لهالقضية ، بس اللي شايفه إن الموضوع قاعِد يتحوّل لتحدي ، أو أمر شخصي بالنسبة لك ، و هذا مؤشر ماهو كويس ..
يحيى بملل : المعنى ؟
عِصام يأخذ نفساً : المعنى يا تحل هالقضية و تشتغل عليها كمحقق عادي ، يا اتركها لغيرَك ، و خليك صادِق مع نفسك و قول أنا ماني قادر أتعامل مع هالقضية .. إنت لا زلت مبتدئ ، و طبيعي تكون قضية من هالنوع صعبة عليك ...
نهض يحيى : أجل أنا مبتدئ !
يخفي عزيز ضحكته و كذلك إبراهيم ، الذي يتدخل : لا يحيى مو المقصود كذا بس خبرتك في التحقيق لسا بسيطة ، لازم تعترف بهالشي ..
يرمق يحيى عزيز بنظرة ، ينظر إليهم : شوفوا اتركوني أشتغل بقضيتي على كيفي ، أنا ماني قاعِد أخالف القانون ، لا شفتوني أسوي هالشي حطوا الكلبشات بايديني و احبسوني ، كويس ؟
عِصام : مانك ملاحظ إنك قاعِد تأخذ كل شي على منحى شخصي ؟ إنت عاطفي زيادة عن اللزوم ،
يحيى و هو يقف أمامه : كلامك هذا كله فارغ ، وش عاطفي ما عاطفي ، شايفني هندي ؟
عِصام بجدية ، متكتفاً : لا والله شايفك عربي ، لأن العرب اهمة الوحيدين اللي تتدخل عواطفهم بشغلهم ، تلاقيه مع حرمته و عياله جدار ، و في شغله كله أحاسيس !
يحيى ساخراً : والله إذا إنت جدار مع حرمتك هذي مشكلتك مو مشكلتي ..
ينظر الجميع إلى يحيى بصدمة ، تتسع عينا عِصام بغضب واضح لدى يحيى الذي شعر أنه تسرّع في كلمته ، تتكوّر قبضة يدِ عصام ليلكمه على وجهه ، يلتصق ظهر يحيى في المكتب دون مقاومة ، يقترب عِصام ، يشدّه من ياقة قميصه : صدقني بعلمك شلون تقلل أدبك معاي يا يحيى ..
رمقه بنظرة غاضبة ، خرج مسرعاً دون أن يلتفت لأحد ، إبراهيم و علي ينظران إلى يحيى بتوتر ، يتجاهل نظراتهم و هو يتحسس مكان اللكمة ، يخرج خلف عصام دون كلام ،،
،,
يضرِب الطاولة بكفه بِغضب ، يصرخ و هو ينهض : إنتَ جايبني من الصبح عشان تسمعني هالكلام الفارغ ؟
فهد ببرود : أبغى دفعة اليوم ، مو بعد أول أسبوع شغل .. قلتلك صار عندي ظرف طارئ و أمي في المستشفى !
سُلطان : وش ذنبي أنا ؟ أنا وعدتك أصرف عليك و على عيلتك ؟ ما معاك فلوس ؟؟
فهد بحدة : ما قلتلك اصرف علي ، قلتلك أبغى دفعة سلف من الشغل اللي بيننا ، ما هي صَدقة ..
يجلس مجدداً و هو يكتّف يديه : و إذا قلتلك ما معي الحين ، وش بتسوي ؟
فهد ، بلا مبالاة : ما بروح الشغل ..
سلطان : فهد أنا طوّلت بالي عليك أكثر من مرة ، واضِح إنك مَنت رايد لنفسك الخير .. إنتَ ملاحظ إنّك قاعِد تتحداني ؟
فهد : مو بكيفك طولت بالك ، ناسي إن في بين ايدي كَرت للحين ما حرقته ؟ و إنتَ عارف إني لو بحرق هالكرت بحرقك معاه ، شرايك ؟
أخذ نفساً عميقاً ، أخرج زفيراً : والله مَنت قدّ اللعب معاي ، أحذرك لا تلعب معاي .. و بكرا تنزل دوامك مثل البشر و إلا !
نهض فهد : وإلا .. ؟ شوف أنا الحين رايح المستشفى ، اليوم إذا ما وصلني دفعة ، بكرا ماني نازل الشغل ، و إذا جربت تأذيني ، رقم يحيى الغانِم معاي ،
ابتسم سُلطان بسخرية لم يفهمها فهد ، و سمح له بالخروج دون أن يمنعه ، تأكد من ابتعاده عن المكتب ، رفع سماعة الهاتف و قال : اهوة نازل الحين ، لا تخلوه يترك المبنى ، عارفين شغلكم .. مع السّلامة ..
أغلق الخط ، ليرفعه مرة أخرى و يتّصل ، يقول بدون مقدّمات : واضِح راح نحتاجِك ، ما في حل ثاني ..
تأتي ضحكتها الصاخبة : هههههههههههههههههههههه ، طبعاً يا سُلطاني ، و إنتَ تقدَر من غيري ؟
يبتسم بخبث : طبعاً مـقدر ، عارفة كل شي ولا نعيد ؟
: أفـا ، ولو ؟ عيب هالكلام ..
سُلطان : أنتظرِك ..
،,
تبدأ الحياة بالابتسام مجدداً لها ، تعود الشمس لُتشرِق في غرفتها و تنيرها ، تتجول بخفة رغم وزنها الزائد في غرفتها ، و هي ترتب جميع أغراضها في حقائبها ، تدندن بكلمات أغنية تخرج من بين شفتيها كعصفور يرقص فرحاً ، مَرت من جانب غرفتها أختها التي تحمل كوب النسكافيه بيدها ، تسمع فرحها لأول مرة ، دون أن تطرق الباب ، تفتحه و تدخل لتزول ابتسامة سـَارة عن وجهها فور رؤيتها ، تَميل بكتفها لتستند إلى الباب ، ترتشف شفة من كوبها ، تقول بسخرية : الله الله ، وش هالسعادة ، من متى ؟
تضع الكتاب من يدها في الحقيبة و تقول دون أن تنظر إليها : من يوم عرفت إني مسافرة ، غيره ؟
رَهف : كويس ، و احنا نفتّك شوي من اللي عاملة اكتئاب في البيت ..
ترمقها بنظرة دون أن ترد ، تدخل رهف لتتجول نظراتها في أرجاء الغرفة ، تقول : تدري يعني غرفتِك ما هي شينة ، ما كانت مبينة قبل لأنك كنت دايماً مقفلة النور و الأباجورات ، كويسة ، معاها حمام بعد ، راح تفيدني كثير ..
ترفع سارة حاجبها و تقول : شنو راح تفيدك وش تقصدي ؟
رَهف : يعني أفكّر لا سافرتِ ، أبدل غرفتي بغرفتك ، هذي أكبر و أحسن لي .. إنتِ وش تبي بغرفة كبيرة مثلها ؟
سارة بنرفزة : والله لو تغيري شي بهالغرفة بكسر ايدك !
رهف ترفع حاجبيها : والله ! قاعدة في بيتنا و تتكلمي بعد ؟ حبيبتي هذا بيت أبوي أنا ، و أنا اللي أقرر وين أقعد مو إنتِ !
سارة بابتسامة مستفزة : والله ما حزرتِ ، هذي الغرفة لي و بتظل لي ..
يأتي صوته الأجش من الخارج ليقول : و ليش ما حزرت ؟
تلتفتان سوية إلى الباب ، تبتسم رهف ابتسامة النصر و هي ترى والدها يقف أمام الباب ، تقول سارة : عمي !
يَعقوب : إذا حابّة هالسفرة مرة بتتركي هالغرفة لأختك و تاخذي إنتِ غرفَتها ..
تقترب رهف ، تعلق يدها بذراعه و هي تقبّل خده : فديت أحلى أبو في الدنيا ..
سارة : بس يا عمّي ..
يعقوب يقاطِعها : اللي قلته ما أثنيه ، " يقترب منها و يهمِس في أذنها " : و لو ما ترجعي البيت من الأساس تريحينا كِلنا ..
يتبادلان نظرات حادة ، قبل أن يخرج برفقة ابنته من الغرفة .. تبقى سارة وحيدةً ، تتمنى لو تجِد بالفعل مخرجاً آخر يخلصها من العيش مهملة ، غير مرغوب بها في عائلة ، كانَت يوماً تعني لها ..
،,
لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..
فهد : أمي بالمستشفى بروحها و لازم أكون عندها ..اتركني يا سُلطان أبركلك !
سُلطان بابتسامة : لا تخاف ، بعد شوي بنبعث ياسمين .. بس أول في شي لازم تعرفه ..
صَمت ، أردف سُلطان : الحين ياسمين بتيجي هِنا ، و بنشوف وش بتقول لك ، ما كِنت حابب أزيد همّك و أقول لك ، بس إنت أجبرتني ..
يلتزم بالصمت ، يُشير سُلطان إلى الرجل الواقف أمام الباب ليفتحه ، تدخل ياسمين بابتسامة ، و حركات بطيئة ، تُلقي السلام على سُلطان ، يرد : هلا بالغالية ، " ينظر إلى فهد " : زوجة الغالي ..
تتسع عينا فهد بدهشة خوفاً من أن يكون ما قد فكر فيه صحيحاً ، ينظر إلى سُلطان باستفهام ، الذي يغمِز لياسمين و كأنه يعطيها الضوء الأخضر للتكلم ، فتقول و هي تقف أمامه : سمعت إن ضرتي تعبانة ، قلت آجي آخذ عنوان المستشفى و أزورها ..
فهد بلهجة مرتجفة : وش هالكلام الفارِغ ؟
ياسمين : أنا ياسمين ، زوجة مشعل شَهران .. يعني زوجة أبوك ،
صَرخ و هو يتحرّك على الكرسي دون جدوى كأنما يحاول فكّ قيدِه : كــذب ، كذابيين ، وش تبون مني قولوا !!
ابتسمت و هي تفتح حقيبتها لتُخرِج منها عقداً ، تفتحه أمامه ليقرأه ، يرى كلمة " عقد زواج " ، يغلق عينيه بسرعة محاولاً أن يُبعد ذلك عن رأسه ، تصرخ بحدة : افتح و شوف ..
يفتحهما مجدداً بخوف ، يقرأ العقد كاملاً ، يتضح أنه لم يثبّت في المحكمة الشرعية ، لكن هذا اسم والدي ، و هذا توقيعه ، و هؤلاء هم الشهود على خيبتِك يا أمي ، يقول بنبرة هادئة : وش المطلوب مني ؟
تبتعد من أمامه ، يقول سُلطان : آهـا ، سألتني وش المطلوب ، يعني رح نتفق ، شوف يا فهد ، أمّك تعبانة و ما هي قادرة تتحمل خبر صادم زي كِذا و أنا مقدّر هالشي ، عشان كذا سالفة زواج أبوك من ياسمين بتظل سر هنا ، بس ياسمين راح تقعد عندكم في البيت ، مثل ما كانت في البداية مرافقة مسن ، و لو جربت تلوي ذراعي بكلمة وحدة ، الخبر بنفس الساعة بيكون عند أمّك .. و كل شي بقوله بيتنفذ ، مفهوم ؟
يصمت و يرتخي جسده على الكرسي بعجز عن المقاومة ، يتبادل سُلطان و ياسمين ابتسامة النصر ، تقول ياسمين بسخرية : مزودينها على وِلد زوجي ، ترى ما أرضى !
سُلطان : ياسمين الحين رايحة بطريقها لأمك ، و برسالة مني كل شي عنّك و عن أبوك بيكون عندها ، خليك ذكي مثل ما أعرفك ، ولا تخاطر ..
يشتت نظراته في الأرض ، عقله عاجز عن التصديق ، لِم فعلت بي كل ذلك يا أبي ؟ أعرفتني قوياً لأتحمل الدنيا من بعدِك ؟
تخرج ياسمين من عندهم بأمر من سُلطان ، الذي يأمر رجاله أيضاً ليفكّوا فهد ، يقول : هالمرّة فركة أذن بسيطة ، ما حبيت أزوّدها عليك ، بس لو تتصرف بغباء مرة ثانية صدقني ما بيحصل طيّب ، و هذاك عرفت مين سُلطان ، لا تجرب توقف بوجهي مرة ثانية ..
كان صمته لاذعاً ، و نظراته سامّة ، كأنه الهدوء الذي يسبِق العاصفة ، رأى وعيداً في عينيه ، وعيداً لم يُخِفه ، فقد أبرح قَلبه صدمات ، أعجز قلبه عن المقاومة ، يُردف سُلطان : هالحين تروح بيتكم و ترتاح عشان شغل بكرا ، و بالنسبة للعلامات اللي في وجهك ، قول إنّك تعالقت مع واحد في الطريق ..
فهد بصوت مبحوح : راح يقولوا لي مع السلامة من أول يوم ، منو بيوظّف عنده واحد راعي مشاكل ؟
سُلطان : لما يكون وراك سلطان ، ما في أهمية لأي شي ثاني ..
رفع فهد حاجبيه ، ظهرت ابتسامة ساخرة على وجهه من ثقته الزائدة بنفسه ، نهض بصعوبة من مكانه و هو يشعر أن حتى عقله شُل عن التفكير ، إلى أين ذاهب ؟ لا أدري ! إنه طريق بلا نهاية ، كما قلت يا أمي ..
،,
ألقى نظرة أخيرة إلى وجهه في مرآة السيّارة ، عاتَب نفسه في داخله على تِلك الكلمة التي ألقاها لعصام ، ترجل من السيارة متجهاً نحو بيت طارِق ، لا يعلم إن كان ما يفعله تحدياً له ، أم أنه يريد أن يفسّر ذاته .. لم يعجبه ما دار بين طارِق و أخته من كلام ، ولا يحب أن يظهر بتلك الصورة الوحشية أمام أي كان ، لا أحد يعلم ما الذي سيحدث بعد طرق الباب ، لكنّه دون تردد ، طَرقه ثلاث طرقات متتالية ، باتَ بإمكانها توقع الطارق ، فقد اعتادت على تِلك النغمة التي تصدر من باب بيتهم المتهالك ، حين يأتي ذلك المتغطرس ليطرقه ، لكنّها في هذه المرة لم تكن غير مبالية كالمعتاد بقدومه ، بل كانت خائفة جداً من التوالي .. اقتربت و هي تدعو الله أن تخيب ظنونها ، قالت : ميـن ؟
يبتسم يحيى ، المشهد ذاته يتكرر ، بنبرة هادئة غريبة عليها يقول : يحيى الغانِم ..
تنفث أنفاساً قوية ، تعدل حجابها و تفتح ، تقول بعجلة : طارِق مو موجود ..
يُميل رأسه و يقول : ننتظره ..
بنبرة الرجاء : و اللي يخليك روح من هنا قبل لا يجي أخوي !
يحيى بسخرية : اوف اوف شهد تترجى ! من متى !
رفعت نظرها إليه بحدة : من وين عرفت اسمي ؟
أرسل ابتسامة مستفزة ، تلاحظ كدمة حمراء تميل إلى اللون البنفسجي ، تبتسم بسخرية : سبحان الله ربّك ما يضيع حق أحد ..
يعقد حاجبيه و لم يفهم مقصدها ، أردفت : امشي من هنا ، نصيحة ..
جاءت لتغلق الباب ، استبقها بوضع قدمه ليبقي الباب مفتوحاً ، نظرت إليه بحقد : وش بيصير إذا ما مشيت ؟
تَركت الباب ، كتفت يديها : والله طارِق لو شافك هِنا بيكوفنك ، و أتوقع سمعت وش قال ..
يحيى : عشان كِذا أنا جيت ، أنا ماني شخص ما يخاف ربنا مثل ما قلتوا ..
شهد : و أنا ما يهمني و مابي أخوي يشوفَك لأني خايفة على أخوي مو عليك !
أغلقت الباب بغضب ، أطبق عينيه بملل ، ماذا أفعل هنا ؟ لا أعرف ، إنني أرتبط بقضية ارتباطاً أشعر أن مكانه القَلب ، قَلبي هو من يقودني ، و إنه كان شرساً طوال تِلك المدّة ، لكنني تعلمت أن لا أترك فيه مجالاً للعاطفة ، لا أعلم لِم أنا مهتم إلى تِلك الدرجة بنظرة طارِق عني ، ربما لأنني لست كما يرونني ، و لِم أنا مهتم بدقة الصورة التي يتخذونها عني ؟ ربما لأنني لم أعرف إن كانوا محقين ، لا أعلم يا الله ، هل كانوا محقين حين قالوا أنني لا أخشاك ؟ أيعقل أن أكون هكذا ؟ تنهّد بقوة ، ربما كانت تِلك اللكمة من عِصام هي ما توقظه ، لكنه إلى تِلك اللحظة لم يعرف بعد ، سبب اهتمامه بنظرة طارِق له ، أهناك صوت في داخله يخبره أنه قد ظلمه ؟
،,
تجلِس على الرصيف المُقابِل لكليتها ، واضعة نظاراتها الشمسية فوق عينيها ، تنظر بملل إلى المارّة ، تحاول أن تتعرف على صاحِب الاتصال ، تأخر عن موعده ، و لم مستغربة من تأخره كأنها تعرفه بدقة مواعيده و هي تراه للمرة الأولى ، قفز أمامها شاب يرتدي بدلة رياضية ، كأنه يعرفها تماماً ، يقول بلكنته الإيطالية : هل تأخرت عليكِ ؟
رَفعت النظارات عن عينيها ، و هي تعقِد حاجبيها تساءلت : من أنت ؟
ابتسَم : صاحِب الاتصال ، ألم تأتِ لتقابليني ؟
تجاهلت كلامه ، و عادت للتحديق في المارّة بتوتر واضح ، أردف : قبولك لدعوتي يعني أن ما سمعته كان صحيحاً ،
حَسناء دون أن تنظر إليه : و ماذا سمعت ؟
أجاب : قدرتك الهائلة على إستحضار كأس البطولة للفريق الذي تريدين ..
ابتسمت بسخرية دون أن ترد ، أكمل كلامه : نحن بحاجة لكِ .. بحاجة إلى تِلك المنشطات ..
رمقته بطرف عينِها : من أين أتيت بتلك الخرافات ؟ أي منشطات تتحدث عنها ؟
: أخبرني صديق لي ، لا تقلقي سيكون الأمر سراً بيننا ..
أرسلت ابتسامة ذات مغزى : من هو ذلك الصديق ؟ لا بد أنني أعرفه ..
: أنتِ حذرة بشكل مبالغ فيه ، لا داعي للقلق ، قلت أن الأمر سيكون سراً ..
حسناء : أعطني سبباً يجعلني أثِق برجل أراه لأول مرة في حياتي !
: و ما السبب كي لا تثقي برجل ترينه لأول مرة ؟ الحياة دائماً بحاجة إلى الفرص ، لا يمكنك أن تسيئي الظن بأحدهم لمجرد عدم معرفتك به !
أخذت نفساً عميقاً و هي تفتش في جوالها ، قالت بعد تفكير و هي تمد الكلام : أنت مُـحِق ، يـبـدو أنَـك تستحق فرصة ما ..
ابتسم براحة ، التفتت إليه : تعرِف جيداً أن أموراً كتِلك لا يمكن أن تحل بين أسوار الجامعة ..
: أين سنلتقي إذن ؟ لا مانع لدي !
حسناء و هي تنهض عن الرصيف ، تنفض الغبار عن بنطالها بكفيها : سأرسل لك العنوان و التوقيت ، ولا تنسى تجهيز الثمن ..
ابتسم : كل شيء سيكون جاهزاً ، صدقيني إن فزنا هذه المرة سأهديك مكافأة جيدة ..
بادلته الابتسامة ، تركته و مضت ..
،,
فَتحت عينيها ببطء ، بالكاد تذكر ما حدث في الأمس ، كان أشبه بكابوس ، أو حلم طويل ، لكنّها تأكدت من واقعيته حين رأت بياض الجدران حولها ، جهاز مراقبة القلب إلى جانبها ، يستقر المغذي في كفّها الهزيلة ، رفعت رأسها بإنهاك ، الرؤية غير واضحة تماماً لها ، فتاة نحيلة تختبئ في عباءة سوداء تجلِس أمامها تتصفح جوالها بلا مبالاة ، هل سافر فهد مجدداً ؟ ذلك السؤال تراود إلى ذهنها حين رأت تِلك المرافقة تطل مجدداً في حياتِها .. رفعت ياسمين رأسها ، لتقول بهدوء : صح النوم خالة ، نمتِ كويس ؟
تجاهلت سؤالها : وين فهـد ؟
دفعت كرسيها إلى الأمام لتقترب منها : فهد اتصل و طلب مني أظل معاكِ ، قال إنه مشغول اليوم ..
ارتخى رأسها فوق وسادتها البيضاء ، خيبة أمل ارتسمت على ملامحها ، تتمتم بينها و بين نفسها : مشغول ؟ أتفعل الأموال ما فعلت بك يا طِفلي الذي لم تبتعد عن حضني يوماً واحداً ؟ وحيدة و جدراني في هذه الغرفة الباردة ، هل سأموت وحيدة يا فهـدي ؟
دخل الطبيب بعد أن طرق الباب ، بابتسامة قال : لا ما شاء الله واضِح إنك أحسن اليوم ..
تعلقت عيناها بباب الغرفة الخشبي دون أن ترد ، شعر بسوء حالها ، وجّه كلامه لياسمين : حضرتِك بنتها ؟
ياسمين و هي تقف : لا أنا مرافقتها ، شلون وضعها دكتور ؟
تنهّد الطبيب و قد فهم سبب بؤس تِلك السيدة ، ابتسم بارتباك : ان شاء الله ما فيها شي ، شوية إرهاق ، ما عليكِ شر يا أمـي ..
تناثرت دمعاتها بعشوائية على وجنتيها ، أصبحتِ مثيرة للشفقة يا جواهر ، يقول الغَريب لكِ أُمي ، لاستشعاره مدى فقدانِك لتلك الكلمة ، إنني أفقِد نفسي يا وَلدي ، فهل ستجلبها لي بمالِك ؟ لم أقتنع يوماً أن السعادة قد تنفصل عن المال و الثّراء ، لكنني و إن كنت أملِك مال الدنيا كلها ، أشعر أنني فقيرة ، معدَمة أكثر من أي وقت مضى ، معدمة الأمومة ، معدَمة الحب ، و الدفء .. شعرت ياسمين أن الطبيب لم يقل كل شيء لديه ، خَرجت خلفه ، نادته بهدوء : دكتور ..
التفت إليها ، قالت : شلون وضع المريضة ؟ في شي ؟
أخذ شهيقاً قوياً و هو يرغب في لكم ذلك الرجل على وجهه : لازم ولدها يكون موجود عشان نبلغه ..
ياسمين بقلق مُفتَعل : تبلغوه بشنو ؟ اهوة صراحة دائماً مشغول عشان كذا أنا معاها و أنا دائمأ أبلغه بأي طارئ ..
الطبيب : المريضة عندها فَشل كلوي ، بمرحلته الأولى ، و لازم يكون موجود عشان إجراءات العِلاج ..
طقطقت أصابعها بتوتر : ممم طيب ممكن نخليها لبكرا هِنا عبال ما يتفرغ ولدها ؟
ينظر إليها بتعجب : بتنتظري إلين يتفرّغ ؟ هذا فَشَل كَلوي ، عارفة وش يعني ؟ يعني ممكن نخسر المريضة بأي لحظة !
هزّت رأسها بتوتر و هي تفتح جوالها : طيب الحين بكلمه إن شاء الله ..
رمقها بنظرة غير مفهومة ، مضى في طريقه ، راقبته حتى غاب عن عينيها ، ضغطت على اسم سُلطان ، بعد دقائق : سُلطان .. أنا في المستشفى ..
سُلطان ببرود : وش أسويلك ؟
ياسمين بهمس : الطبيب كان هِنا و قال إن أم فهد عندها فشل كلوي ..
يبتلع لقمته من السّمك ، و بنفس البرود : وش أسويلها أعطيها كليتي ؟
ياسمين : اففف ، أقصِد أتصل أبلغ فهد ؟
سُلطان : لا تبلغيه بشيء ، خليه ملهي بـشغله معـانا ، انتِ تصرفي ..
ياسمين : أتصرف بشنو قالوا ولدها لازم يكون موجود ! بعدين فهد لو درى بيموّتنا كلنا !
سُلطان بغضب : ياسـمـيـن ، ماني طفل عشان أخاف من هذا اللي اسمه فهد ، خلاص خليه بكرا يستلم وظيفته و يتثبت فيها بعدين نكلمه في سالفة أمه ..
تتجول ذهاباً و إياباً ، تتحدث بصوت منخفض : طيب وش أسوي الحين ؟
سُلطان : خليكِ معاها ، و بلغيني كل شي أول بأول .. ولا تتصرفي بغباوة و تدقي على فهد !
ياسمين : افرض جـاء بـروحه ، أكيد بيعرف ..
سُلطان بابتسامة : ما شفتِ وجهه خريطة شلون بيروح لأمه بهالحال ؟
ياسمين تبتسم بسخرية ، تقول : والله مَنت قليل .. طيب و أنا بالنسبة لي متى أبدأ شغلي ؟
تسمع صوت الماء يتدفق في حلقه ، يقول بعد أن يشرب : هالحين مو وقته أنا أقول لك متى و شلون ..
ياسمين تهز رأسها : طيب ، خليني أفوت لهالعجوز الحين ، سَلام ..
سُلطان : سَلام يا قمـر ..
،,
,،
يتحرّك بعجز تام و هو ينظر حوله بريبة ، رجلين أمامه ينظران إليه ببرود ساخِر ، غير مباليان بمقاوماته الخاذِلة ، يصرخ و هو ينظر إليهما بغل : اتركوني ، شغلـي مو مـعــاكــم !!
،,
,،
أخذت غرّتها المزعجة إلى الجانب الأيسر من وجهها ، نهضت و ملامح وجهها تنبئ بالنهاية لتقول : ماني متأكدة إذا كنت أبيك أو لا ..
،,
صَفعها على وجهها الناعِم ، صفعة قوية أسقطت جسدها الهزيل أرضاً ، دون أن تدرك السبب خلف غضبه الجامح تجاهها ، انحنى ليأخذ شعرها بيديه ، يشدّه بقوة و هو يصرخ بكلمات تخرج من شفتيه الغاضبتين بارتباك ، لم تكن واضحة لدى أي منهم ..
انتهى
مرة أخرى سامحوني على التأخير ، و إن شاء الله لن يتكرر ..
توقعاتكم و آراءكم ، نلتقي الجمعة القادمة بإذن المولى ..
دمتم بخير ، طِيفْ!
|