كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
،,
تقِف خلف المجلى تُشطّف الصحون بالماء ، شاردة في مكان آخر ، اقتربت منها عبير و هي تحمل الملاعق و تضعهم داخل المجلى ، تقول بهمس : حظّك من السما .. إنتِ دخلتي و بعد دقيقتين أبوي دخل ..
لم تكترث بكلامها ، استمرت في غسل المواعين و هي تفكّر في ملامح فهد و حسرتها لبعده عنهم ، لم تعد قادرة على أن تراه في كل صباح ، أردفت عبير بنفس الهمس : بس أبعرف وين كنتِ ؟
شهد : أحاول أحل مشكلة طارق اللي أبوكِ مو سائل عنّه ، أمّك المسكينة ما نامت الليل من قلقها ..
جحظت عيني عبير : رحتِ مركِز الأمــن ؟!
تجعّد جبينها و عقدت حاجبيها بتقزز من ذِكر اسم المركز : لاا طبعاً ، " هَمست بابتسامة " : رحت لفهـد ..
شهقت بصوت تحاول أن تكتمه : اهــئ !! شلــون و ويـن وش سويتوا ؟
ضربتها بخفة على كفّها : و صمخ وش بنسوي يعني ، قلتله عن مشكلة طارِق عشان يساعدنا ..
تكتفت و تساءلت بسخرية : فهـد يسـاعدنا ؟ من ويـن يقدر يساعدنا و اهو حاله أسوأ من حالنا !
ظهرت ابتسامة جانبية على وجهها : هه ، حبيبتي فهد اللي تعرفيه زمان ماهو فهد نفسه حق اليوم ، تغيّر مرة ، عنده بيت ، و سيارة ، و فلوس ، و أكيد واسطة ..
عبير : و من وين كل هالشي ؟
تنهدت شهد : مادري ، كل اللي أعرفه إنه صار بدنيا غير الدنيا اللي كان فيها ،،
عبير : طيب ما قالك شي عنكم ؟
شهد : عنا ؟ وش قصدِك ؟
عبير بابتسامة تحاول اخفاؤها : يعني وش آخرة هالنظرات من بعيد لبعيد ، وش آخرة هالحب العذري هذا !
شهد بخجل : بس يا بنت وش هالكلام الماصِخ ! بعدين أقولك رحت أكلمه بخصوص طارِق و يا دوب كلمتين عالباب ، جاية تقوليلي حب و ما حب ..
عبير : صدقتِ ، عجبتيني لأن اهو لازم يفتح معاكِ الموضوع مو إنتِ ، هذولا الرياجيل لا شافوا وحدة تحبهم يتكبروا عليها حتى لو كانوا يحبونها ..
شهد ترفع حاجباً : ما شاء الله ، من وين عندك هالخبرة آنسة عبير ؟
عَبير : من الروايات اللي أقراها كونه ما في تلفزيون نشوف مسلسلات ..
قاطعهم صوت رنة قصير لرسالة نصية وصلت على هاتف شهد ، التي ارتبكت و نشّفت يديها في بنطالها بعجلة ، أخرجت الجوال من جيبها و همست : عبير وقفي عند الباب إذا أبوي جاء قوليلي ..
عبير : أبوي مو هِنا ما سمعتيه لما قال إنه رايح يشوف جارنا بـو خالد ؟
صمتت و هي تقرأ رسالة فهد بابتسامة ، عبير : اللي ماخذ عقلك يتهنـى !!
شهد : هسسس ، " تابعت قراءة رسالته " :
" شهد ، عساكِ بخير ، أبغاكِ تكوني متطمنة ، طارِق اليوم أو بكرا بيكون بينكم ، أنا تصرّفت و بإذن الله ما رح يتأخر أكثر من كِذا ، انتبهي على نفسِك "
بدأت تضغط على أزرار جوالها و تكتب رداً ترسله بسرعة :
" مشكور ماني عارفة شلون أتشكرك ، و أعذرني من لهفتي على أخوي نسيت أقول لك الحمدلله عالسلامة ، و يا ليت تسلملي على خالتي جواهر و تعتذر منها عني إني ما قدرت أدخل أسلّم عليها ، "
جاءها الرد سريعاً و مربكاً :
" ربي يسلّمك و يسعدِك ، لا تخافي عَمـتـِك جواهـر تحبّك و ما راح تزعل منّك "
اتسعت ابتسامتها و هي تقرأ تِلك الكلمة ( عمتِك ) ، أيقصِد بها ما أفكر فيه ؟ ألا زِلت تريدني يا فهد كما أريدك أنا بكل خلية في جسدي النحيل ؟
بدأت تختفي ابتسامتها و هي تتذكر حقد والدها على فهد ، و استحالة قبوله به كنسيب لهم ، أطلقت تنهيدة حارة و هي تخفي جوالها في جيبها ، اقتربت عبير : هذا فهد ؟
التزمت الصمت ، فأردفت عبير : انتبهي يا شهد ، والله لو أبوي يدرى إنّك تكلميه بيذبحك و يذبحه ، و طارِق بعد !
شهد مرتبكة : منو قالك إني أكلمه شايفتني أغازله مثلاً ؟ كل الموضوع إنه طمني عن طارِق ، قومي سوي شاي و خذيه لأمي يلا ..
يُطرق الباب في وقت لم يعتادوا فيه زيارة أحد ، تذهب عبير بحركات خفيفة ، تقف خلف الباب و تسأل : مـين ؟
صوته الضّخم من الخارِج : الأمن الجنائي ..
ترفع عبير حاجبيها بخوف و دهشة ، تمشي على أطراف أصابعها بسرعة متجهة إلى المطبخ ، تنظر إليها شهد باستفهام ، فتقول بهمس : هذولا الأمن الجنائي !
تعقِد شهد حاجبيها و هي تتساءل في داخلها عن سبب قدومهم ، تغلق الحنفية ، تنشّف يديها من الماء و ترفع الشال عن كتفها لتغطي به شعرها ، تلتفت إلى عبير : خليكِ عند أمي ، ولا تقولي لها شي ..
اقتربت شهد من الباب ، تغلق أصابع يدها اليُسرى على حجابها من جهة الرقبة كي لا يفلت أمامهم ، و بيدها اليمنى تفتح الباب ، ذلك الطويل ، و عضلات جسده التي تدل على تدريبات قاسية تلقاها منذ زمن ، يعطيها ظهره و يديه في جيوبه ، يقول دون أن يلتفت : بـو طارِق موجود ؟
شهد تقف خلف الباب : خير ان شاء الله وش تبي منه ؟ مو كافي خذيتوا أخوي ؟ وش تبون من أبوي بعد ؟
أطلق زفيراً سريعاً ، التفت : هذا مو شغلك ، أبوكِ موجود أو لا ؟
شهد : لا مو موجود ، و ما أنصحَك تخليه يشوفَك لأنه ما بيعديها لَك على خير إنّك أخذت أخوي ..
رفع حاجبه الأيسر ، تعالت ضحكته ذلك الذي ظنّت شهد أن وجهه لا يعرِف حتى الابتسام ، تساءلت بنرفزة : خير ان شاء الله ضحكنا معاك !
أخذ نفساً ، توقّف عن الضحك بشكل مفاجئ : اللي ضحّكني ثقتك و إنتِ تهددي ،
بدا على وجهها التوتر : أخوي طارِق وينه ؟ و ليش أخذتوه ؟
أخذ يمرر نظراته في الشارع أمامه على المارّة ، قال ببرود : أنا ماني جاي أتكلّم في موضوع أخوكِ ، أنا جاي عَشان أبوك ..
شهد : والله أبوي مو هِنا إذا تبيه تفضل استناه في الشارع لين يجي ، ولا ترجع تدق علينا و تزعجنا ،،
يحيى : اوك ، سوي فنجان قهوة و حطيه عالباب أنا باخذه ..
ترفع شهد حاجبيها مستنكرة : نعم ؟ مو ملاحظ إنّك واثق في نفسك زيادة عن اللزوم ؟
يحيى بابتسامة : ملاحظ طبعاً ،
رمقته بنظرة حاقدة ، أغلقت الباب في وجهه بقوّة و دخلت إلى المطبخ تتمتم بغضب ، ضحِك هو و توجّه نحو سيارته ، عاد ليجلس مراقباً عودة أبو طارِق ..
،,
استند إلى ظهر المكتب وقف متكتفاً و سأل : كل هذا صار من أمس لليوم ؟
هزّ عزيز رأسه ببرود ، أردف عصام : و حضرة جنابه وين راح ؟
عزيز و هو يقرأ مقالاً على شاشة الحاسوب ، دون أن ينظر إليه : مادري ، أنا تركته بعد الظهر و الحين رديت ،، مادري وين راح ..
عِصام بهدوء : والله حلو ، أغيب كم ساعة ألاقيكم قالبين الدنيا !
عَزيز ينظر إليه : المسألة مو مسألة ليش اعتقلنا طارِق ،، طارِق ما نفذ المهمة ، أنا اللي عصبني من يحيى طريقة تعامله معاه ، يعني ماهو هالذنب الكبير ، بعدين طارق من الأساس كان رافض الفِكرة ..
عِصام بنبرة حادّة مرتفعة قليلاً : أساساً بأي حق بتجبروه يشتغل معاكم ؟ هذا ماهو رجل أمن شلون بتكلفوه بمهمة اهوة ما يعرف عنها شي !! و بالإجبار بعد ؟
عزيز : كونه صديق فهد المقرّب ، كان ممكن يكون أكثر واحد بيفيدنا ،،
عِصام يعتدل في وقفته : و انتوا بدال ما تحققوا في مقتل مشعل ، جايين تدورون وراء فهد و سفراته ؟
ارتفعت نبرة عزيز : ما هذا هو السر ، سفرات فهد و تغير وضعه ممكن يوصلنا لأشياء مهمة ! وش نسوي إذا القضية ما فيها ولا خيط يوصلنا للقاتِل ؟
رمقه بنظرة : وش تسوون ؟ شوفوا قضية ثانية امسكوها ، جبتوا واسطة عشان تشتغلوا بقضية أساساً ميؤوس منها ! ولا بس مضيعة وقت ؟
عزيز : إنت شايفنا نضيع وقت ؟
عِصام : طبعاً تضييع وقت ! المجرم قاعِد يسرح و يمرح و مبسوط ، و إنتوا لاحقين لي فهد و طارق و بو طارق و مدري منو ! وش هالكلام الفارغ ! ناقصنا عيال يشتغلوا معانا !
نهض عزيز و قال بغضب : وش عيال ما عيال احترم نفسك !! أنا و يحيى مو قاعدين نلعب !
مسح عصام وجهه بكفه ، اقترب من عزيز : انزل الحين اخلي سبيل طارِق ، و لو شفتكم مرة ثانية تلاحقون الهبل هذا راح أطلّع قرار نقلكم بإيدي ، والله برجعكم صف أول .. إذا حابين تتسلوا اتسلوا بعيد عن شغلنا ..
عزيز بعناد : مقدر ، أنا آخذ أوامري من يحيى ..
صَمت لدقيقة ، ثم : و يحيى يأخذ أوامره مني ، انزل اخلي سبيل طارِق أقول لك ،
أخذ مفتاح سيّارته ، التفت : أعتذِر ، عن إذنَك ..
خرج من أمامه ، تقدّم عِصام نحو الباب و هو يتوعّد في داخله لكليهما ، نادى على أحد الضبّاط ، اقترب منه بسرعة ، قال عِصام : انزل إخلي سبيل المتهم طارِق الحمد فوراً ..
الضابط : حاضِر سيدي ..
عاد إلى المكتب ، يده اليمنى في جيبه ، و الأخرى يحكّ بها ذقنه بتوتر : ناقِص علينا كنّا فـ يحيى صرنا فـ يحيى و عزيز !
،,
روما ، دخل الطبيب إلى غرفة ريم ، بابتسامة على وجهه ، تساءل بالإيطالية : كيف أصبحتِ الآن سيّدة ريم ؟
ريم و هي تعدّل حجابها : الحمدلله بخير ، هل ظهرت نتيجة التحاليل ؟
هزّ رأسه بـنعم ، حسناء تتساءل بفضول : و ما هي النتيجة ؟
تنهد الطبيب و هو يضع يديه في جيب لابكوته الأبيض : إن ما حدث لكِ سيدة ريم هو تسمم دوائي ، و لقد تبين لنا أن تركيبة الدواء ضارة بالجنين ، يستخدمنها النساء عادة للإجهاض ..
التفتت ريم إلى حسناء ، تنظر إليها و كأنها تقول : " صدقت توقعاتي " ، أردف الطبيب : هل تريدين تقديم شكوى بمن حاول أن يؤذيكِ و يؤذي طفلك ؟
تنظر إليها حسناء و عينيها متسعتين من تفكيرها بأن ريم قد تتقدم بشكوى ضد والدها ، ولا تعرف ما الذي يربطها به إلى تِلك الدرجة رغم كل الأذى الذي ألحقه بها ، تبادلت ريم النظرات الصامتة معها ، تنهّدت و قالت : لا ،
تنفست حسناء براحة ، أردفت ريم : هل يمكنني الخروج اليوم ؟
الطبيب : يمكنِك ذلك ، لكنني أفضل أن تنتظري حتى صباح الغد ،
ريم : أرجوك دكتور ، أريد أن أخرج اليوم ،
الطبيب : كما ترغبين ، سأسمح لكِ بالخروج اليوم .. أتمنى أن تتعافي بسرعة ..
ريم بابتسامة متوترة : شكراً ..
خرج الطبيب من عندها ، التفتت إليها حسناء و قالت بسخرية : بهالسرعة تبي ترجعيله ؟ لا تقولي اشتقتي ؟
رفعت اللحاف عن قدميها و نهضت : منو قالك إني برد البيت بعد سواة أبوكِ ؟
وقفت حسناء إلى جانبها ، متكتّفة : أجل وين بتروحي ؟
ريم : أبيكِ تاخذيني لأي أوتيل ، و المهم عمر ما يدرى عن مكاني ..
حسناء ترفع حاجباً : نعم ؟ يعني بتقضي حياتِك كلها في أوتيل ؟ بعدين عُمر لو يبي يقدر يعرف إنتِ في أي مكان ، ما هي صعبة عليه ،، أنا رأيي الأحسن تردي البيت و تحاولي تقنعيه يتقبل الولد .. بعدين اهوة ما راح يكرر اللي سواه مرة ثانية ..
ريم بعناد : مستحيل ، لو لفترة مؤقتة أنا لازم أبعد عن البيت ، طلبتك حسناء لا تاخذيني لعنده هالحين أبوكِ ممكن يسوي أي شي عشان يخلص من اللي في بطني !
حسناء تنهّدت : طيب ، جهزي نفسِك ، عبال ما أرجع بشوف الطبيب ..
تحركت نحو الباب ، قالت ريم : حسناء ، إنتِ شلون تخلين طبيب رجال يعالجني ؟ منتِ عارفة إني متحجبة و ما أرضى رجال يكشفني ؟
التفتت لها حسناء ، بلا مبالاة : إنتِ كنت تنزفي و الجنين كان بين الحياة و الموت ، و هذا الطبيب كان موجود و اهوة اللي أسعفك و أنقذ طِفلك ، الحالة كانت طارئة .. و لو ما كنت مضطرة كان استنينا تيجي دكتورة ، سمعتِ الدكتور وش قال ، الوقت كان أهم شي .. لو ما استعجلنا كان راح الجنين ..
أطلقت زفيراً ، هزّت رأسها : عالعموم شكراً ،،
أطلقت حسناء ابتسامتها المزيفة ، و خرجت ..
،,
قَبل الغروب ، سمِعت صوت الباب يُفتح و ترحيب من والدها بالمحقق الذي اعتقل أخيها ، يقول : يا هلا بالسيد يحيى ، عن إذنك بس أقول للحريم يدخلوا داخل ..
يحيى بابتسامة : خذ راحتَك يا عم ..
دخل بسرعة ، جميعهن جالسات في الساحة و والدتهن مستلقية فوق الكنبة المهترئة ، قال بهمس : قوموا اقعدوا داخل معاي ضيف ..
شهد بالهمس ذاته : يبه هذا وش جايبه عندنا فوق ما أخذ أخوي وش يبي بعد ؟
يحيى في مدخل المنزل ، يسمع تذمراتها و يبتسم بشماتة ، حين يوبخها والدها : يلا قومي ولا تكثري هذرة ،، عَبير خذي أمك و ادخلوا ، و إنتِ سوي لنا قهوة و ومابي أسمع صوتِك !
أخذت عبير كتابها ، أمسكت بيد والدتها و دخلتا إلى الغرفة ، وضعت شهد حجابها فوق رأسها و دخلت متأففة إلى المطبخ ، عاد والدها إلى يحيى : تفضل يا ولدي تفضل أهلا و سهلا ..
أخذ كرسياً و جلس ، واضعاً قدماً فوق الأخرى بتعجرف ، تراقبه شهد من نافذة المطبخ الصغيرة بغيظ ، يتساءل أبو طارِق : شلون قهوتك يا سيد يحيى ؟
يخرج سيجارة من باكيت دخانه ، مبتسماً : ما حفظناها يا عم ؟ وسَط ،،
رد له الابتسامة ، رفع صوته : وَسَط و سادة يُبه ..
من عندها ، متخصرة ، تقلّد صوته بنرفزة : ما حفظناها يا عم ؟ وسط نانانا !! يا ثقل دمّك عساه سم ينزل في معدتك ..
تأففت و هي تقترب نحو الغاز لتشعله و هي تمتم : أستغفرك ربي و أتوب إليك ..
في الخارج ، التفت أبو طارق ليحيى و قال بقلق : يبه طمني عن ولدي ؟ وينه الحين ؟
أخذ نفساً عميقاً من سيجارته ، ثم أجاب و الدخنة البيضاء تنطلق من بين شفتيه : لا تقلق يا عم ولدك بالحفظ و الصون ،
أبو طارِق : طيب أقدر أعرف ليش أخذتوه يعني وش مسوي معاكم ؟
يحيى : وِلدك قال لفهد عن المهمة اللي كلفناه فيها ، يعني خرب كل شغلنا ..
يفرك أبو طارِق يديه بتوتر : لا حول ولا قوّة إلا بالله ، طيب إلى متى بيظل عندكم ؟
اعتدل يحيى في جلسته بعد أن أطفأ السيجارة : أنا مو جاي أتكلم بموضوع طارق ،
أبو طارِق : أجل ؟؟
يحيى : أنا أبغى أعرف وش السر ، اللي مكرّهك في فهد ، و أبوه .. مع إنه معلوماتي تقول إنكم كنتوا أعز أصدقاء قبل وفاة مشعل ، وش اللي صار بعدين ؟
اتسعت عينا أبو طارق بدهشة ، ابتسم بارتباك : بشوف وش صار بالقهوة ..
همّ بالنهوض ، استوقفته نبرة يحيى الحادة : هالحين مو وقت القهوة ، جاوبني على سؤالي ..
اعتدل في جلسته ، و قال : بصراحة ، ما في سبب معين بس ..
اقترب يحيى و أطفأ سيجارته في منفضة السجائر : أيوه ، أنا سؤالي عن اللي بعد الـ بس هذي ، بس شنو ؟
أبو طارق : بعد مقتل مشعل ، فهد تغيرت أحواله و الكل في الحارة قالوا عنه إنه أكيد ما صار حاله هالحال إلا لأنه اشتغل بشي ممنوع ..
يحيى : شي ممنوع مثل شنو ؟
أبو طارق : والله يا سيد يحيى ما عندي معلومات ، فهد بعد ما تحسنت أحواله ما قعد في الحارة ولا عاد سمعنا عنه خبر ، حتى أولادي منعتهم يتواصلوا معاه عشان أبعدهم عن المشاكل ..
استند يحيى إلى ظهر الكرسي ، قال و هو يكتّف ذراعيه : و شلون لاحظتوا عليه إن أحواله تحسنت وش التغييرات اللي شفتوها ؟
أبو طارق : يعني صار عنده سيّارة ، و حتى لبسه صار مرتب و صار فهد ثاني يعني ، و بعدين أخذ بيت ثاني و غيّر بيته ،،
صمت يحيى بتفكير ، قال أبو طارق و هو ينهض : أكيد القهوة جهزت ، عن إذنك ..
توجّه نحو المطبخ ، ولا زال يحيى غارقاً في تفكيره ، غاب لثوانٍ و عاد ، وضع فنجانه أمامه : هذي القهوة الوسط مثل ما طلبتها ،،
جلس على كرسيه و بدأ ينظر إليه بتوتر ، تقدّم يحيى بجسده ، تناول فنجانه و ارتشف الرشفة الأولى ، أطبق عينيه و تغيرت ملامح وجهه من الطعم المالِح في القهوة ، تساءل أبو طارق : خير سيد يحيى ما عجبتك القهوة ؟
وضع الفنجان على الطاولة ، رفع نظره إلى نافذة المطبخ حيث تقف شهد و تنظر إليه راسمة ابتسامة على وجهها ، نهض و قال : لا لا عمي بس تذكرت عندي شغل ولازم أروح عن إذنك ..
وقف أبو طارق متعجباً من عجلته المفاجئة ، رافقه إلى باب المنزل ، شهد في المطبخ تفك حجابها و تقول بغيظ : روحـة بلا ردّة !
أغلق الباب خلفه و هو يقول : مع السلامة ،،
توجّه يحيى نحو سيارته غاضباً من تلك التي وضعت له الملح في فنجان القهوة ، ركب السيارة و تحرّك مسرعاً خارج الحارة الضيقة ، لاحظه طارق الذي يتقدّم نحو البيت بحركات بطيئة و ارهاق ، وسط نظرات أهالي الحارة المتعجبة للكدمات على وجهه ، وقف أمام بيته و هو يتحسس مكان الكدمة بيده اليسرى بألم ، و بيده اليمنى أخرج مفتاح المنزل ، دخل ببطء إلى الداخل ، حيث عادت والدته و أخته عبير للجلوس في مكانهم ، يجلس أبو طارق يفكّر في زيارة يحيى ، بينما تلم شهد فناجين القهوة خوفاً من أن يكتشف والدها فعلتها ، وقف أمامهم بحالته التي جعلت والدته و عبير تشهقان من منظر الكدمات ، قالت والدته بلهفة : يمه طارق وش صايرلك ؟؟
تقدّم بصمت نحو والده الذي انتصبت قامته و هو يرمقه بنظرات غاضبة ، وقفت شهد على باب المطبخ تراقب الوضع ، وقف أمامه بنظرات خجولة ، رأسه في الأرض ، رفع يده و صفعه على وجهه : طول عمرك فاشل ، و ما تعرف مصلحتك .. الشرهة علي اعتمدت عليك و اعتبرتك رجال ..
اقتربت شهد بسرعة و وقفت خلف أخيها ، وضعت يدها فوق كتفه و قالت بلوم : يبه حرام عليك مو شايف وش مسوي فيه هذا اللي ما يخاف من ربنا !
رفع طارق نظراته الجامدة نحو والده : سامحني يبه إني خيبت أملك ، و سامحني عاللي بقوله هالحين بعد ..
نظروا جميعهم إليه باستفهام ، فأردف : راح أخيب أملك أكثر من كذا ، لو كان أملك إني أخون صديق عمري و أأذيه .. أنا ماني خاين يبه ، و إنت ما ربيتني على كذا ..
ساد الصمت بينهم ، ألقى إليهم نظرة معاتبة ، و دخل إلى غرفته ..
،,
"" الله أكبـر
على صوتِ أذان المغرب ، دخل إلى غرفتهم المعتمة ، تجلِس مريم على سجادتها بنصف جسدها مرتدية لباس الصلاة ، رأسها مستلقٍ تحت ذراعيها الراقدة على الكرسي أمام السجادة ، تغفو بهدوء بعد تفكير يبدو أنه قد طال ، أشعل نوراً خافتاً لم يوقظها ، وضع مفاتيح سيارته و مسدسه فوق الطاولة بهدوء ، اقترب منها بحركات بطيئة ، جلس نصف جلسة أمامها ، مرر سبابته فوق خدّها الأبيض الناعم و قال بهمس : مريم .. قومي حبيبتي ..
انتفضت و هي تفتح عينيها ، قال : بسم الله عليكِ ..
فركت عينيها بنعس ، اعتدلت في جلستها : عصام ، متى جيت ؟
عِصام : توني أدخل ..
بدأت تفرك وجهها و هي تردد مع الأذان بصوت ناعس : أشهد أن لا إله إلا الله ..
عِصام بلوم : حبيبتي ليش نايمة هالحزة مو عارفة إن النوم فـ هالوقت ماهو كويس ؟
مريم : والله ما حسيت على نفسي شلون غفيت عيني و أنا أستناك ، تأخرت !
عِصام : كان في شوية شغل خلصت و جيت ، إنتِ ما طلعتِ من الغرفة ؟؟
هزت رأسها بالنفي : لا ظليت هنا من ساعة ما طلعت إنت ..
عقد حاجبيه و هو يقف : و ليش تحبسي نفسك ؟ كان قعدتي مع أمي تسليتوا عبال ما أرجع !
وقفت إلى جانبه : لو نزلت كانت بتسويلي تحقيق مثل أمس و أنا ماني قادرة يا عصام !
ابتعد عنها ، وقف أمام النافذة و قال بنفاذ صبر : إنتِ قاعدة تبالغي و هالشي ما ينحمل !
عقدت حاجبيها و هي تنظر إليه باستغراب : عِصام ؟ وش تقصد وش يعني ما ينحمل ؟
عِصام ينظر إليه بعتب : يعني إذا بتظلي على هالحـال صدق راح ....
،,
لَكمه على وجهه ليزداد تدفق الدم من وجهه ، مثبتاً على الكرسي بحبال وثيقة الرباط ، ينظر إليه بحقد ، يقول الآخر بلهجة باردة : حاولنا نفهمك بالحسنى ما فهمت ، واضح إنك ما تيجي إلا بهالطريقة ..
،,
,،
انتهى
بعضكم راح يقول البارت هذا قصير ، و هو فعلاً ما هو مثل طول البارتات السابقة ، بس ما هو مرة أقصر منهم ، البارتات السابقة كانت 40 -42 صفحة بالوورد ، هذا البارت تقريباً 30 صفحة ، و السبب إني كنت مشغولة بشكل هالأسبووع من أوله لليوم عزومات ، و بعد طلعات و شوبينق فما فضيت ،، العذر و السموحة يا غوالي و إن شاء الله بعوضكم في البارت القادم ..
نلتقي على خير الجمعة القادمة بإذن الله ، و لذلك الوقت فلتبقوا بألف خير ..
طِيفْ!
|