كاتب الموضوع :
طِيفْ
المنتدى :
الروايات المغلقة
رد: و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلمي : طِيفْ!
بسم الله الرحمن الرحيم
رواية : و في نشوة العشق صرنا رماداً ، بقلم : طِيفْ!
" إذا ما الشوق أقلقني إليه ،
و لم أطمَع بوصلٍ من لديه
خططت مثاله في بطنِ كفّي ،
و قلت لِمُقلَتي ، فيضي عليه . "
-أبو نواس
الجزء 4
أجهشت بالبكاء داخل حمامها الذي شهِد كثيراً على دموعها و نحيبها ، و هي ترى خطاً واحداً في جهاز فحص الحمل للمرة الألف من بعد زواجهما ، وقف عِصام في الخارج يطرق الباب مراراً و تكراراً ، و يقول بهدوء : مريم ، فهميني ليش قاعدة تبكين ؟؟
استمر بكاؤها دون جواب ، كرر عصام بنبرة حادة : مريم ! قاعد أكلمك ، جاوبيني .. افتحي الباب ، لا أخلعه !
استمر في الطرق على الباب دون إجابة منها ، اشتدت طرقاته على الباب بطريقة أوضحت أنه أوشك على الغضب ، و هي تعرف تماماً معنى أن يغضب عصام ، هدأت ضرباته حين سمع صوت قِفل الباب يُفتح ، ابتعد عنه ، خرجت و عيناها متوهجتين من كثرة البكاء ، تساءل عصام : ممكن أفهم ليش مسوية بروحك كذا ؟
بسبابتيها مسحت دموعها ، بصوت مبحوح أجابت : ما في شي ..
تركته و جلست أمام المرآة تنظر إلى نفسها و تحاول أن تعدل منظرها ، وقف خلفها ينظر إليها من خلال المرآة ، مرتدياً قميصه الأبيض ، يلفه من الخلف حزام بمحفظتين تحتويان أسلحته ، بنبرة معاتبة قال : عشان الحمل ؟
التزمت الصمت و كانت الدمعة المتلألئة في عينيها هي الإجابة ، قال : قلت لك خلينا نشوف طبيبة ..
التفتت إليه : خايفة ، خايفة يا عصام !
ارتدى جاكيته الأسود الأشبه ببدلة رسمية ، انحنى جالساً بنصف جلسة على الأرض أمامها و قال : من ايش خايفة ؟
مريم : خايفة من كلام الدكتورة ، إنت فحصت و ما عندك مشاكل ، و من 3 سنوات متزوجين و ما صار حمل ، يعني أكيد المشكلة فيني ..
ابتسم بخفوت و هو يمسك بيدها : أولاً مو بالضرورة يكون في مشكلة ، ممكن يكون ربنا للحين ما أراد لنا بالخلفة ، ثانياً ، لو كان في مشكلة ، ايش الأفضل ؟ نتركها تكبر ؟ أو نحلها ؟ الطب اليوم متطور جداً ، و حتى مشاكل الإنجاب صارت قليلة لأنها كلها لاقت علاجات ..
مريم : يعني لو كانت النتيجة إني ما أجيب عيال ، راح تطلقني ؟ أو تتزوج علي مثلاً ؟
بابتسامة لم تفهمها ، نهض من مكانه و قال : لا تفكري بهذا الشي الحين ، شوفي دكتورة كويسة و زوريها ، و كل أمورنا طيبة بإذن الله ..
هزّت رأسها بالموافقة و في داخلها شيء من الخوف ، و كأن كلامه مبطّن باحتمالية التفكير بالزواج مجدداً إن لم تكن قادرة على الإنجاب ، انحنى ليطبع قبلة خاطفة على خدّها ، و يقول : يلا سلام ..
مريم : مع السلامة ، ربي ييسر أمرك ..
خرج من جناحه ، و بخطوات سريعة نزل ليقابل والدته على الدرج ، قبل جبينها و قال : صباح الخير يمه ..
آمنة : صباح النور يا قلب أمك ! وين أشوفك مستعجل ؟
عصام : ايه لازم أكون في المكتب الساعة 8 ..
شدّته من طرف سترته ، و قالت : ما عليه لو تأخرت 10 دقايق ، إنت مشرف مو موظف عادي ..
عصام : يمه لأني مشرف ما يصير أتأخر ، بعدين فيه شب جديد جاي متدرب ما أقدر أعتمد عليه بروحه ..
بحدّة و بلهجة آمرة : أبغى أكلمك فموضوع ، اصبر دقايق !
ابتسم عصام بحب ، تكتف وقال : طيب يمه إنتِ تآمرين ، قولي ..
آمنة : أنا يمه مابي أكون ظالمة و أقول لك طلق مريم ، لأن الحرمة سنعة و ما شفنا منها إلا كل خير ..
لوى شفتيه معبراً عن استيائه من الحديث ، أردفت والدته : بس يمه أنا من حقي أفرح بعيالك ... و أنا بصراحة شفت لك بنت حلال ، بس مطلقة ، و عندها ولدين ..
فتح عينيه و قال بدهشة : نـــعــم ؟؟
آمنة : أنا اخترتها لأنها مجربة و مضمونة ..
ضحِك ضحكة خفيفة ثم قال بجدية : يمه وش هالكلام مجربة و مضمونة اهية مكنسة كهرباء ؟؟
ابتسمت والدته : لعنة الله على ابليسك ، أنا قاعدة أتكلم جد !
قبّل يدها و قال بعجلة : يمه والله مستعجل سامحيني ، نتكلم بعدين .. السلام عليكم ..
تنهّدت بعمق و قالت : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، الله يهديك يا ولدي و يرزقك الذرية الصالحة ..
,
في مكان آخر ، كان من الغريب أن تدخل سيارة كتلك إلى حارة كتلك ، من النوادر أن تجد سيارة بتلك الفخامة تدخل إلى حارتهم ، و في ذلك الوقت تحديداً ، الذي لا يعتبر وقت زيارة أساساً ، ترجل من سيارته و هو يضع النظارة الشمسية على عينيه ، مشى بخطوات استطاع من خلالها أن يعرف الجميع أنه ليس رجلاً عادياً ، و لا بد لهدف مريب من زيارته ، أوقف أحد المارة ، و سأل : لو سمحت ، بيت طارق الحمد ، وين صار ؟
أشار له : آخر هذا الطريق على اليسار ، الباب الأبيض ، مكتوب عليه أبو طارق ..
هزّ رأسه و قال : مشكور ..
تركه و مشى خطوات قليلة ، حتى وصل إلى المكان الذي دله عليه الرجل ، قرأ الاسم على الباب ، طرق مرتين و هو ينظر إلى ساعته ، كرر الطرق و قد توقع أنهم ما زالوا نياماً ، بصوت أعلى ، حتى فتح له شاباً يبدو أنه استيقظ للتو ، تفحصه يحيى بدقة ، تساءل طارق بصوت ناعس و هو يعقد حاجبيه و عينيه بالكاد تتفتحان : تفضل وش تبي من الصبح ؟
فتح محفظته أمامه و بانت منها بطاقته الأمنية ، بثقة قال : يحيى غانِم .. من الأمن الجنائي ..
’
روما
جلست في قاعة الانتظار ، و الملل واضحاً على وجهها تطرق بمفتاح سيارتها فوق الطاولة ، لم تشعر بقدومه و هو يقترب منها بخطوات بطيئة ، رفعت أنظارها إليه حين قال : صباح الخير ..
نهضت من مكانها و بدأت تتصرف كمن يقوم بواجب عليه إنهاءه ، حسنا : صباح النور .. يلا مشينا ..
تقدّمت عنه بضع خطوات ، استوقفها صوته : بس أنا ما بروح مكان اليوم ..
التفتت بوجهها إليه دون أن تلتفت بجسدها : نعم ؟
جلس على الكرسي و قال بلامبالاة : أنا قلت لأبوكِ أمس إني مابي أروح مكان ..
التفتت الآن بكامل جسدها : الحين جاي تقول ؟ بعد ما تركتني أصحى بدري و آجي ؟ أشتغل عندك أنا ؟
تجاهل فهد النظر إليها ، و ركز في جواله ، بلا مبالاته استمر : مالي علاقة أنا قلت لأبوك ، و بعدين ترى ما صار شي روحي نامي عادي !
اقتربت بضع خطوات ، وضعت كفيها فوق الطاولة أمام فهد ، انحنت ليرفع عينيه رغماً عنه إليها ، و يرى في وجهها الغضب الحقيقي ، قالت : تدري إنك سخيف ؟ و الشرهة مو عليك ، الشرهة علي أنا اللي عبرتك و تنازلت و جيتك ..
تذمر بطريقة واضحة ، نهض من مكانه : عن إذنك ..
تحرك من أمامها ، ظلت واقفة لثوانٍ تراقبه بنظرات حاقدة ، حتى اختفى عن أنظارها ، خرجت من الأوتيل و هي تلعن نفسها و تلوم على والدها الذي أحرجها معه ..
’
يجلسان في الساحة الخارجية الصغيرة للمنزل ، على كراسي صغيرة غير مريحة ، أمامها طاولة وضِع عليها فنجاني قهوة ، و منفضة سجائر ، يبدو على طارق التوتر من قدوم يحيى ، الذي يجلس بكل برود أمامه ، يخرج علبة سجائره ، يفتحها و يمدها أمام طارق : سيجارة ؟
هز رأسه بالرفض : مشكور ..
تناول يحيى سيجارة له ، وضعها في فمه و هو يلاحظ نظرات طارق و انتظاره لمعرفة سبب قدومه ، أشعل السيجارة ، و قال و هي فمه : قول لي يا طارق ، شلون فهد ؟
بارتباك : منو فهد ؟
نفث يحيى الدخان من فمه ، و قال بابتسامة صغيرة : بدينا لف و دوران ؟
التزم طارق الصمت ، نهض يحيى من مكانه و قال بنبرة عالية : شوف يا طارق ، عندي معلومات إنك صديق فهد المقرب ، فالأحسن تتعاون معاي و لا تعورلي دماغي ..
طارق : يا سيد يحيى ، فهد صديقي المقرب صحيح بس وين المشكلة بهالكلام ؟
يحيى : أبداً في ما مشكلة ، بالعكس ، لو اشتغلت لصالحنا بتستفيد ..
طارق : شلون يعني لصالحكم ؟
يحيى و هو يعاود الجلوس مكانه و يطفئ سيجارته في المنفضة ، نافثاً آخر ما تبقى من الدخان من فمه : يعني أبيك تقول لي كل شي تعرفه عن فهد ، شلون صار معاه فلوس و انتقل من الحارة ؟ شلون قدر يسافر و ليش سافر .. كل هالأمور ..
طارق : صدقني يا سيادة المحقق ...
قاطعه قبل أن يكمل بحدة : بدوون كذب ، و لف و دوران ، لأني بزعل منك ..
ابتلع طارق ريقه : صدقني ما فهمت منه شي ، حتى لما كلمته أمس قال لي راح يبلغني بكل شي لما يرد الرياض ..
يحيى : كلمك أمس ؟؟
هز رأسه و هو يلعن نفسه في داخله على زلة لسانه ، مد يحيى يده : عطني جوالك ..
أخرج الجوال من جيب بيجامته و أعطاه إياه بيد مرتجفة ، فتحه يحيى و بدأ يتصفح السجلات و قال دون أن ينظر إليه : و ليش كلمك ؟؟
طارق : ما في شي يتطمن عن والدته ..
هزّ رأسه بتفكير و هو يتمعن في الرقم الدولي ، أدار شاشة الجوال لطارق : هذا هو ؟
هزّ رأسه بالإيجاب ، فتح جواله و بدأ بنقل الرقم ، قال ببرود : طيب يا طارق ، موافق تكون عين لنا على فهد ؟
رفع طارق رأسه مصدوماً !
في الداخل ، اجتمعوا كلهم في غرفة واحدة صغيرة ، تقف شهد أمام النافذة تحاول التلصص من خلال إزاحة الستارة المهترئة قليلاً ، تأففت و التفتت إليهم : ماني فاهمة شي !
أبو طارق يفرك يديه بتوتر : أنا متأكد الموضوع يخص فهد ! لا بارك الله فيه يوم اللي عرفناه و عرفنا أبوه ! ما جانا منهم إلا المصايب !
نظرت إلى والدها بعتب ، أعادت نظراتها إلى النافذة بحذر ، و هي تستذكر صوته في الأمس كم كان متعباً ، انتفضت و قالت لوالديها : المحقق طلع يبه ..
’
دخل إبراهيم إلى مكتبه و يبدو عليه الانزعاج ، دون أن يسلّم أو يقول صباح الخير ، جلس خلف مكتبه و بدأ بالتأفف ، قال عصام و هو الآخر لم يحظى بصباح جيد : يالله صباح الخير ، وش عندك من الصبح مبرطم ؟
تجاهل إبراهيم سؤاله ، و اكتفى بالنظرات الحادة إليه ، نظر عصام إلى مكتب يحيى الفارغ : و هذا الثاني وينه !
إبراهيم : قاعد تسألني ؟ شايفني زوجته ؟
كتم عصام ضحكته ، و حاول أن يقول بجدية : لا من جد ! وش فيك ؟
أدار ظهره نحو الحاسوب أمامه ، ضغط على زر التشغيل : كلن على همومه ربي يعينه ..
تنهّد عصام ، و هو يعرف تماماً ماذا يقصد إبراهيم بكلامه ، نادى على عزيز : عزيز ..
تقدّم عزيز مرتدياً زيه الرسمي ، قال : نعم سيدي ..
عصام : تعرف تشتغل عالكمبيوتر ؟
ابتسم عزيز : طبعاً ، في أحد ما يعرف يشتغل عالكمبيوتر هالأيام ؟
عصام : طيب تعال ، " اقترب عزيز منه ، ناوله عصام ملفاً أخضر يحتوي بعض الأوراق و الجداول " ، و أردف : كونه حضرة المحقق يحيى للحين ما شرفنا ، اقعد مكانه و افتح الملف اللي عالكمبيوتر بنفس هذا الاسم " مشيراً إلى لاصق أبيض يحتوي رقماً من 5 خانات " ، شوف وش في تعديلات عدلها ، و اللي مثل ما هو اتركه ..
أخذ الملف منه ، و اتجه نحو مكتب يحيى ، جلس خلفه و شغل الحاسوب ، و بدأ بتصفح الملف حتى يتم تشغيل الجهاز ، بضع ثوانٍ كان يقف يحيى عند الباب مركزاً كتفه الأيسر إلى حلق الباب ، لم ينتبه أحدهم لقدومه حتى قال بإعجاب مصطنع : والله معبي مكاني يا سيد عزيز ، أقصِد ، معبي مكانك ..
نظر إليه عزيز و هو يعرف تماماً مقصد يحيى من كلامه ، تجاهله و ترك الرد لعصام ، الذي قال دون أن يلتفت إليه : لما الموظف يتأخر مجبورين نلاقي مين يحل مكانه و يمشي الشغل ..
يحيى ينتصب بقامته : أنا ما في مين يحل مكاني ..
عصام ببرود : والله هذا الكلام مو عندي ..
دخل يحيى ، جلس على الكرسي المقابل لمكتبه واضعاً قدماً فوق الأخرى ، قال عزيز : على كل أنا لسا ما سويت شي ، تفضل استلم مكانك ..
دون أن ينظر إليه أشار بسبابته : لا خلص خليك ..
عصام : ليش تأخرت ؟
يحيى : كنت في بيت طارق الحمد .. حققت معاه بخصوص فهد شهران ..
نظروا جميعهم إليه في ذات اللحظة متعجبين ، قال عصام بشيء من الغضب : شلون تساوي هالشي من غير ما تآخذ إذن التحقيق مني ؟
يحيى : لو طلبت ما كنت بتعطيني الإذن .. صح ؟
ضرب عصام كفه بالطاولة بقوة و قال بنبرة حادة : صح ، لأنه هالموضوع انقفل ، ليش للحين تنبش وراه ؟
يحيى : ببساطة مو لازم هالموضوع ينقفل ، و أنا بظل وراه لين أكشف القاتل ..
التفت إلى عزيز و قال بلهجة آمرة : قوم وصّي لنا على قهوة ، من عند بو أيمن ..
ضرب عزيز كفيه بالطاولة و للمرة الأولى يشتاط غضباً ، نهض من مكانه : قلت لك إني مو عامل عندك ..
نظر إليهم جميعاً و قد لاحظ التأييد في نظرات كل من إبراهيم و عصام : عن إذنكم .. و خرج .
عِصام بلهجة آمرة : قوم مكانك و سوّ شغلك ، و هذا آخر تنبيه لك يا يحيى ، إنت هنا تشتغل مو تستعرض عضلاتك !
,
مر يومان ,
تستلقي حسناء في غرفتها ، إنارة خافتة في هذا المساء ، كوب قهوتها إلى جانبها ، و رواية أجنبية بين يديها تقرأها بعينين ناعستين ، يطرق باب غرفتها بهدوء ، تتأفف و تكمل قراءة الرواية بصمت ، و هي تسمع والدها يقول و كأنه يحدّث أحدهم على الجوال : خلاص اتفقنا ، كون جاهز إنت ..
فتح الباب بهدوء ، و دخل بابتسامة : حبيبة أبوها ايش قاعدة تسوي ..
أنزلت الرواية عن عينيها ، و بملل أجابت : يبه ، قول لي بسرعة ايش فيه ؟
جلس أمامها و قال : شايف إنك فاضية و ما وراكِ شي .. و فهد ..
قاطعته بتأفف : افففف وش فيه وجه الفقر هذا ؟
عمر بحدّة : عيب يا بنت تأدبي ! فهد بكرا سفره إنتِ عارفة ..
تنفست بعمق : هذي الساعة المباركة ..
عمر : يبي يأخذ هدية لأمه ، و إنتِ عارفة إنه ما يعرف شي هنا ، قلت له بنتي تروح معاك و تآخذك لأحسن محلات الهدايا ..
أعادت الكتاب إلى عينيها و قالت : لا يبه ، انسى ..
عمر : وش إنسى هذي ؟ وعدت الرجال و قاعد ينتظرك !
قلبت صفحة الرواية و قالت بلا مبالاة : يأخذ لها أي شي من المطار ، لوح شوكولاتة ، مو ضروري يسوي فيها الكريم الحين و اهوة طول عمره طفران ..
عمر بجدية : يبه عيب هالكلام ، قومي يلا عشان خاطر أبوك ..
أغلقت الرواية : و أبوي ليش ما سوى لي خاطر يوم قال لي أروح له و حضرة جنابه طردني ؟ كأني أتحرش فيه ولا ميتة أروح معاه مكان ! يبه إنت قاعد تعطيه عين زيادة ..
عمر : طيب حبيبتي بس هاليوم و خلاص بكرا بيسافر ، يلا عشان خاطري ..
حسناء : اففف طيب قايمة ، بس إذا ضايقني بكلمة بتركه في نص السوق و بمشي و خليه يضيع في روما ..
ضحِك عمر : هههههه طيب أنا أعطيتك الضو الأخضر ، يلا قومي استعجلي ..
خرج عمر من غرفتها ، مع دخول ريم ، التي يبدو عليها الارتباك و الفرحة في آن معاً ، اقتربت من حسناء و قالت بهمس : عندك وقت ؟
حسناء بفضول : ايه ، قولي وش فيكِ كذا ؟
تنفست ريم بعمق و قالت و هي تفرك يديها : عندي خبر بس ماني عارفة إن كان زين أو لا ..
ضحِكت حسناء بخفة : ههههههه طيب قولي و أنا أقرر إن كان زين أو لا ..
ريم : أنا حامل ..
اختفت الضحكة عن وجه حسناء بسرعة ، و قالت بصدمة : حامل ؟
هزّت رأسها بفرحة واضحة ، أرغمت حسناء نفسها على الابتسام و قالت : ألف مبروك .. عن إذنك عندي مشوار ..
تركتها و دخلت إلى غرفة الملابس ،،
,
ألقى بهاتفه على طول يده ، ليرتطم بالزجاج الأمامي للسيارة و يرتد عائداً إلى الكرسي الفارغ إلى جانبه ، بدأ يقود بسرعة جنونية بعد أن سمِع ذلك الخبر منها ، يا الله ، ما هذا الاختبار القاسي الذي أُقبِل عليه ؟ كنت أشد الرجال صبراً يا الله ، و لكن ، هل سأحتمل أن يُكتب علي أن أبقى وحيداً إلى الأبد ؟ يا الله أنت تعرف كم هو صعب علي الاختيار ، ما بين هتافات قلبي و نيرانه ، و الواجب الذي قتلتني الحاجة إليه ..
اصطف بسيارته بشكل خاطئ أمام مدخل المنزل ، توجه للحارس الذي نهض من مكانه ، ناوله مفتاح السيارة و قال بعجلة : فوّت السيارة للكراج ..
تركه و توجه مسرعاً نحو باب المنزل ، لُجمت قدماه عند الباب ، قاد بأقصى سرعته ليصل ، و عند وصوله فَتك الخوف في قلبه من مواجهتها ، من التفكير في العواقب ، و الحلول .. في الأعلى ، تقف أمام النافذة المطلة على الحديقة الخلفية للمنزل ، وقفت أختها إلى جانبها و قالت بصوت معاتب : الله يهديكِ ، هذا خبر ينقال على الجوال !
التفتت إليها ، و لمعة عينيها واضحة جداً من الدمع الذي تحاول أن تكتمه ، بنبرة هادئة : ما كنت راح أقدر أطالع في عيونه و أقول له هالخبر .. صعب يا جيهان ، صعب .. الله لا يحطّك مكاني في يوم ، ولا يذوقك هالمرار ..
في الأسفل ، دخل بعد تردد طويل ، في طريقه إلى الصعود ، كانت الشغالة " فيديا " نازلة ، استوقفها بسؤاله : وين ماما آمنة ؟
بلهجة عربية متكسّرة أجابت : ماما آمنة مو في بيت قال بيروح عند دانة ..
عصام : و مريم ؟
فيديا : ماما مريم في غرفتها معاها أختها ..
هز رأسه المزدحم بأفكاره : طيب ، روحي لشغلك ..
بخطوات بطيئة صعد ما تبقى من الدرج ، وصل إلى باب غرفته ، طرق الباب ، أخذت مريم نفساً عميقاً بعد أن تأكدت أن أختها قد وضعت نقابها : ادخل ..
فتح الباب و ظل واقفاً عنده ، واضعاً عينيه أرضاً : السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
بصوت واحد ردوا : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
سقطت عيناه على حقيبتين سوداوين ممتلئين إلى جانب السرير ، إحداهما كبيرة و الأخرى تصغرها حجماً ، تساءل : ايش هذا ؟
تحركت تَيماء قائلة بصوت هامس : عن إذنكم أنا بنتظر أخوي في الصالة ..
ابتعد عصام عن الباب ، مفسحاً لها المجال لتمر ، دخل و اقترب من مريم ، وقف أمامها و كرر سؤاله و هو يشير بسبابته إلى الحقائب : اييش هذا ؟
مريم تجاهد نفسها ألا تبكي : عصام ، أنا مقدر أحرمك من الأولاد ، مقدر أكون أنانية .. النتيجة انحسمت خلاص .. و بنفس الوقت ماقدر أقول لك تزوج علي و أنا برضى و بسكت ، الموت عندي أهون من إنه تيجي وحدة تشاركني فيك ..
تنهّد عصام تنهيدة تحكي ما في قلبه من حيرة ، قال بعد صمت : على طول حكمتِ إنها النهاية ؟ و إني بتزوج عليكِ ؟
غطت وجهها بنقابها : قلت لك مقدر أكون أنانية ..
اقتربت خطوات ، لتحمل حقائبها ، انحنت يد عصام لتلامس يدها ، ضغط عليها و سحب منها الحقيبة بإصرار ، نظرت إليه متسائلة ، ما الذي يجعلك مصراً على التمسك بي ؟
أخذ الحقيبة و وضعها جانباً بهدوء ، بنبرة خافتة : مريم ، الله يرضى عليكِ ، اعقلي ..
مريم : مقدر أقعد و أستناك تفوت علي بالضرّة ..
ظهرت نصف ابتسامة على وجهه المتعب : مريم الله يرضى عليكِ ، فكي عباتك و اقعدي ، وش صايرلك ؟
رفعت نقابها عن وجهها ، أطلقت العنان لدمعتها الأولى لتنسكب بهدوء من عينها اليسرى ، تبعتها الأخرى دون تردد ، قالت : عصام ، لا تأخذ الأمر بهالبرود .. الدكتورة قالت إني احتمالية إني أتعالج ما تتجاوز 30% !
عصام : 30% في الطب ماهي نسبة هينة ، يعني نسبة كويسة ، الناس تتفاءل بـ 1% ، إنتِ أرحم من ربك ؟
مريم تجلس على طرف السرير : و النعم بالله ، بس في بعد 70% ، ليش أتأمل بشي شبه مستحيل ؟!
جلس على الصوفا المقابلة للنافذة ، استرخى برأسه المثقل بالهموم ، و هو يغمض عينيه قال بإصرار : مريم لا تتعبيني معاكِ ، اقعدي و اعقلي ..
,,
ركب السيارة محرجاً ، في وقت لم تلتفت فيه إليه و هي تفكر في آخر ما سمعته من زوجة أبيها ، ترتدي كنزة بيضاء مع بنطلون أسود ، فوقهما سترة جلدية رقيقة ، و تلف على رقبتها سكارف باللون الكموني الداكن ، أوحى لها منظرها المهمل أنها قد خرجت رغماً عنها .. لم تنتبه لدخوله حتى تنحنح و قال : السلام عليكم ..
التفتت نصف التفاتة ، أعادت نظراتها للشارع المكتظ بالبشر ، ببرود ردت : و عليكم السلام و رحمة الله ..
فهد بحرج : أنا آسف ، غلبتك معاي ..
تجاهلت الرد ، مدت يدها إلى التابلو المقابل لكرسي فهد ، فتحته لتخرج منه سي دي ، وضعته داخل المشغّل ، لتخرج منه أنغام أغنية إيطالية كان لحنها مألوفاً لديه ، ترفع صوت المسجل ليفهم مقصدها بأنها لا ترغب في الكلام ، ولا حتى في الاستماع إلى أي شيء .. استمر بالصمت يحاول أن لا يراقب حركاتها و هي تضرب بأطراف أصابعها فوق المقود بصوت كصوت طبل منخفض يتناغم و إيقاع الأغنية ، تتصرف تماماً كأنه غير موجود ، على عكس المرة الماضية التي حاولت فيها جاهدة أن تبني جسراً من التواصل ، أو أن تفعل شيئاً يرسم ابتسامة على وجهي ..
7 دقائق مرت كـسبعة أيام ، حتى اصطفت السيارة إلى جانب طريق مزدحم بالأسواق و البشر ، نزلوا من السيارة ، الهواء البارد يلفحهم ، تتطاير غرتها القصيرة لتزعج عينيها ، مشت إلى جانبه و هي تضع كفيها في جيوبها : وش الهدية اللي حابب تاخذها لوالدتك ؟
أجاب و هو يشتت أنظاره في المحلات أمامه : مادري ، بصراحة هذي أول مرة أجيبلها هدية ..
ضحكت : هههههه ، هالمرة تعادلنا ..
عقد حاجبيه و ابتسامة خفيفة على شفتيه : وش تقصدي ؟
حسنا : أنا بعد ما عمري اشتريت هدية لأمي ..
صمت و ابتسامته الخافتة لا تزال على وجهه ، يستذكر كلامها في المرة الماضية حين قالت أن الفرق بينهما كبير ، إذ استغرب هو أول ليلة قضاها بعيداً عن والدته ، بينما لا تعي آخر ليلة قضتها معها ..
وقفت لتقطع الشارع ، تبعها فهد و هو ينظر إلى جنونها في قطع الشارع غير آبهة بالسيارات السريعة المارة ، قال عند وصولهما للجهة المقابلة : صرتِ بهالعمر و ما تعرفي تقطعي الشارع ؟
توقفت ، و نظرت إليه بطرف عينها : وش عرفك بعمري ؟
فهد : أبداً ! بس خمّنت ، بالجامعة ، أكيد مو أقل من 19 سنة ..
تكتفت حسناء في محاولة لتدفئة نفسها : أنا سنة ثالثة في الجامعة ، عمري 21 سنة ..
التزم فهد الصمت ، يقارن بينها الآن و بين مزاجها في بداية الطريق ، قطعت صمته و هي تشير بعينيها إلى المحل أمامها : خلينا نفوت هنا ..
دخل خلفها و هو يتأمل المحل ، لأول مرة يدخل لمكان كهذا ، تفحص المكان بدقة ، و للمرة الأولى تشعر حسناء أن فهداً قد بان عليه الإعجاب بمكان ما في هذه المدينة الساحرة .. بدأت تتجول في المحل بين الاكسسوارات و الساعات ، بينما يتأمل فهد الأوشحة الشتائية ذات الألوان المختلفة ، و يحاول أن يختار ما يناسبها .. بعد دقائق ، وقفت حسناء إلى جانبه تتأمل نفس الأوشحة ، قالت : ذوقك حلو ...
بنظرة خاطفة ابتسم إليها ، أردفت : خذ لها لون كحلي ، أو رمادي غامق مثلاً ..
مدّت يدها و هي تتفحص الألوان و تردف : لأن الألوان الزاهية ما تناسب حرمة كبيرة ..
وقفت على رؤوس أصابعها لتنتشل الوشاح الرمادي ، و تنظر إليه بإعجاب و تعلو شفتيها ابتسامة حالمة ، شعر من خلالها فهد ، أنها تتمنى لو كانت تشتري هدية لوالدتها الآن ، كما يفعل هو .. نظرت إليه : أنا برأيي هذا اللون مرة حلو ..
شعرت أنها بالغت في تدخلها ، بحرج قالت : أو ، مثل ما تبي .. لو تحب نروح مكان ثاني ..
ابتسم فهد و هو يأخذ منها الوشاح ، مدّ يده و تناول وشاحاً آخراً ذات لون أحمر قان ، تركها و ذهب للكاشير ، أخرج محفظته ، دفع ثمن الوشاحين ، بينما تنتظره حسناء على باب المحل و هي تخمن أنه قد أخذ الوشاح الآخر لشهد ، التي اتصلت به و رسمت على وجهه أصدق ابتسامة رأتها ..
تقدم فهد من خلفها ، مد الكيس الذي يحوي الوشاح الأحمر لها و قال : تفضلي ..
عقدت حاجبيها : وش هذا ؟
فهد مشى أمامها ، ببرود : هدية ..
سارت خلفه بخطوات سريعة تعلن عن انفعالها : من طلب منك ؟ لو سمحت رجعه ..
وقف و هو يلتفت إليها : اعتبريها ..مممم ، اعتبريها هدية علشان مساعدتك لي ..
بجدية : فهد أكيد ما راح أقبل ، رجعه لو سمحت .. بعدين متى عرفتك أنا عشان تهديني أصلاً ؟
تابع مشيه : جاء على اسمك و خلاص ، أنا ما أحب أخلي علي ، إنتِ ساعدتيني ، و أنا رديتلك الجَميل ..
تأففت و تبعته حتى لحقت به و أصبحت تمشي بجانبه ، تتنفس بسرعة و دخنة بيضاء تخرج من شفتيها الباردتين ، توقف أمام كشك صغير في نهاية الشارع ، بلهجة انجليزية جيدة نوعاً ما ، جعلت حسناء تستغرب ، طلب كوبان قهوة ، تقدّم منها و مد لها كوبها : هذي هدية مقبولة ، مو هذا اللي جبته ..
ارتشف من قهوته القليل ، مرر لسانه على شفتيه ، و قال بسخرية : هالحين صار " هذا اللي جبته " ؟ قبل دقايق كان عاجبك و مرة حلو !
حسناء : بس ما طلبت تشتريه لي .. يلا مشينا ، هذي قهوة بعد و في هالليل عشان ما أعرف أنام !
سارا بخطوات بطيئة ، فتحت حسناء السيارة ، من الباب الخلفي لتضع الكيس ، و يفعل فهد ذات الشيء ، ثم يتوجه كل منهما إلى مقعده .. بدأت بتحريك السيارة ، و أعادت سي دي الموسيقى ذاته الذي يصدع بأغانٍ ألمانية تعرفها و تدندنها ، رفعت الصوت ، و لكن في طريق العودة يبدو أن مزاجها قد تحسن قليلاً ، دون أن ينتبه فهد ، كانت حسناء تراقب مرآتها الوسطى بعينين حائرتين ، و هي ترى سيارة واحدة تسير خلفهم في كل اتجاه منذ أن خرجوا ، حاولت أن تقتل الشكوك في عقلها ، لكنها تأكدت حين دخلت في شارعٍ مظلم لا بشر فيه ولا نور ، أخفضت صوت المسجل و هي تنظر إلى المرآة بريبة ، أثارت شكوك فهد الذي تساءل : وش فيكِ ؟
حسناء بهدوء : في سيارة لاحقتنا ..
على وشك أن يتلفت خلفه ليرى ، لكن صوت حسناء المحذّر استبقه فقالت : لاا تلف وجهك ، لا تحسسهم إننا عرفنا ..
فهد : تعرفينهم ؟
،
’
جلس في سريره بعد تعب أنهكه طوال اليوم ، دون أن يبدل ملابسه أو حتى يخلع حذاءه ، رن جوّاله و هو أمامه على السرير ، تأفف و هو في داخله يعرف المتصل قبل أن يرى الاسم ، تنهّد طويلاً و هو يعاتب نفسه في داخله على بخله معها ، تتهمه ببخله ، ولا تعرف أنه فقير المشاعر و ليس بخيلاً ، فقيرٌ لا يمتلك ما يقدّم لها ولا يعرف إن كان سيفعل يوماً.. رد قبل انقطاع الاتصال بثوان ، جاءه صوتها المعاتب : بدري ! وين كِنت عن التلفون ؟
رفع حاجبه ، و بسخرية واضحة في نبرته : مساء الخير !
تنهّدت جيهان ، و قالت : إبراهيم ليش تسوي كذا ؟
تأفف بملل : وش سويت ؟ جيهان واللي يخليكِ ماني بمزاج كويس اليوم ..
جيهان : متى كنت بمزاج كويس ؟ علمني عشان أعرف متى و شلون أكلمك ؟!
إبراهيم ، مرغماً نفسه على أن يعتاد على ذلك الوضع : طيب ، حبيبتي إنتِ عارفة إني أرد من الشغل هلكان ، ليش تقعدي تزوديها علي ؟
جيهان و نبرة البكاء باتت واضحة في صوتها : أنا بعد تعبانة و محتاجة وجودك .. كنت عند أختي في بيتها و أوضاعها ما تسر .. لو عصام ما أصر عليها ما كانت بتقعد في البيت عنده ..
رفع نظره إلى سقف غرفته و هو يدعو الله في داخله أن يلهمه الصبر : ليش ؟ وش صاير بينهم ؟ حسيت إنه عصام صارله فترة مخربط ..
جيهان : أختي عرفت اليوم إنها عندها مشكلة في الإنجاب ، و يمكن ما تقدر تخلّف ..
إبراهيم الذي اشتاط غضباً : و أنا وش علاقتي تدخليني في هالأمور ؟
خافت جيهان من نبرته الحادة ، باندفاع : مو قاعدة أدخلك بس ، كنت أبي أفضفضلك عن اللي مضايقني اليوم !
إبراهيم : ولو كان ! هذي أمور خاصة وش علاقتنا ليش تطلعيني على أسرارهم !! إنتوا الحريم ما عندكم شي اسمه خصوصية ؟ يومين وجهي بوجه عصام ولا تكلّم عن أسرار بيته !
فتحت فمها لتجيب : بـ ..
قاطعها بنبرة حادة : ولا كلمة ! شوفي يا جيهان ، هذا و احنا عالبر ، أنبهك إني أسمع شي صار بيني و بينك يطلع قدّام الناس ، أنبهك ، والله ما بيحصلك طيب يا جيهان .. مفهوم ؟
انخفضت نبرة صوتها : مفهوم ..
بقسوة : مع السلامة ..
أغلق الخط دون أن يسمع ردها ، قُرع باب غرفته ، مسح وجهه بكفيه و هو يستغفر : استغفر الله العظيم .. تفضل ..
فتحت الباب ، دخلت بابتسامة و قالت : وش فيك يمه صوتك طالع على مين تصارخ ؟
إبراهيم : هذي اللي ما تتسمى ..
عرفت فوراً من يقصد ، عبس وجهها : هذي اللي ما تتسمى بعد أسبوع بتصير في بيتك ، و اهية زوجتك ، شلون تتكلم عليها كذا ؟ وش خليت لبعد الزواج ؟
إبراهيم برجاء : يمه ، الله يخليك اعفيني !
ضحكة يشوبها الغضب أطلقتها والدته : وش أعفيك ! مفكر نفسك في مهمة بشغلك ؟ وش تبي الناس يقولون لا فصخنا العقد و مو باقي على عرسكم إلا أسبوع ؟ تبي تسود سمعة البنت ؟ ما عندك اخوات تخاف عليهم ؟ ترضى يصير فيهم كذا ؟
إبراهيم بخجل : لا والله ما يرضيني يا يمه ، بس ماني متقبلها ! و ننفصل الحين أحسن من بعدين ، يمه ماني قادر !
تنهّدت ، اقتربت منه و مسحت على كتفه بحب : يمه الله يرضى عليك ، بنت عمتك رشا تزوجت ، و صار عندها عيال بعد ، وش نسوي ؟ مالك نصيب ، بتقعد كل عمرك من دون زواج عشانها ؟ و اهية متزوجة و مبسوطة و ماهي سائلة فيك ؟
هز رأسه و هو يطرد فكرة أنها ملك رجل غيره من رأسه : لا يمه ، ماهي مبسوطة أنا حاسس فيها ، أنا شفت نظراتها يوم ملكتي على جيهان ، شفت لمعة الدموع في عيونها ..
نهضت والدته و قالت بغضب : عيب يا إبراهيم ! حرام تفكر بوحدة متزوجة ! الحرمة على ذمة رجال ثاني ! ترضى يجي رجال غريب يفكر في زوجتك و يرغبها مثل ما إنت قاعد تسوي الحين ؟
إبراهيم : يا ليت الموضوع بإرادتي ، كنت نسيتها من زمان يا يمه ..
أمسكت ذقنه بقسوة لترفع وجهه إليها ، قالت : كنت مفكرة إني ربيت رجال ! يا حسافة بس !
تركت وجهه و كلماتها اللاذعة تكوي قلبه ، و النيران المحيطة به من كل جانب أفسدت كل ما تبقى منه ، لا شيء أقسى من الغيرة على رجل صلب كصلابته ، وقفت والدته أمام الباب و قالت بجدية تربك إبراهيم و ترجف قلبه : شوف يا إبراهيم ، للمرة الأخيرة أقول ، إذا فكرت لمجرد تفكير إنك تترك جيهان ، أو تظلمها ، لا إنت ولدي ولا أنا أعرفك ، لأنك يوم وافقت تتزوج ، ما أحد أجبرك ..
خرجت ، لتطبق الباب بقوة خلفها ، لتتركه عالقاً بين الحياة و الممات ، بين جنة جيهان ، و جحيم رشا ..
،,
فشلت في إضاعتهم ، و هم المتمكنين من شوارع روما و ازدحامها ، ليدخلوا في زقاق ضيق مظلم ، أركنت السيارة إلى جانب الطريق ، خلال دقيقتين ، ظهر من خلال المرآة رجلين يتقدمان نحو سيارتهما ، التفتت إليه و قالت بحذر جامد دون أن يبدو عليها الخوف : قلت لك ملاحقيننا ..
فكّ حزام الأمان ، و كل ما يدور في باله هو حفظ حسناء من التعرض للأذى ، فهو رجل شرقي لا يرضى أن يصيب امرأة مكروهاً و هو إلى جوارها ، قال : خليكِ في السيارة ، بنزل أشوف وش السالفة ..
حسناء : بنزل معاك ..
فهد بصرامة : قلت لك خليكِ هنا ..
ترجل من السيارة ، ولا أخفيكم أنه شعر بالريبة ، و إن كان قد اعتاد على القتال في شوارع حارته ، إلا أنه سيكون وحده مقابل رجلين ، اقترب منهما و اتضح له أنهما عرب ، تساءل و هو ينظر إلى كليهما : خير يا شباب ، وش السالفة ؟
أحدهم يقول بسخرية : حضرتك الحب الجديد للآنسة ؟
في تلك الأثناء ، بينما تتابع حسناء ما يجري من خلال مرآتها ، مد يده ليضرب كتف الرجل بخفة ممتزجة بشيء من القوة : أقول اختصر إنت هو و يلا من هنا ..
باغته أولهم بلكمة على أنفه أسالت منه الدم أعادته بضع خطوات للوراء ، جعلت من حسناء تنتفض في مكانها ، لينهض فهد مسرعاً و يرد اللكمة له ، يسرع الرجل الآخر و يكبل يدي فهد إلى الخلف ليثبته ، ينهض الأول و هو يمسح طرف شفته من الدم ، اقترب و قال بضحكة ساخرة على وجهه : ما شاء الله ، كابتين أميريكا !
التفتوا كليهما إلى باب السيارة الذي فتح ، و الأنثى التي خرجت بحركات رقيقة ، ليقول فهد بلهجة آمرة : قلت لكِ خليكِ في السياارة !
متجاهلة أوامره ، و هي التي لم تعتد أن يأمرها أحد ، تقدمت بخطوات ثابتة و ابتسامة على وجهها لم يفهم أحدهم مغزاها ، اقتربت واقفة في المنتصف بين فهد ، و الرجل الأول ، قالت بابتسامة : وش تبون ؟
ضحِك الرجل و قال و هو يقترب : من هذا الحلو ما نبي شي ، نبي الآنسة الجميلة " يقصدها "
اقترب منها و مد يده ليلمس خدها ، باغتته بحركة سريعة غير متوقعة من فتاة رقيقة مثلها ، أحكمت قبضتها على كلتا يديه بشراسة ، رفعت قدمها اليمنى ضمتها إلى بطنها ، ركلته بركبتها في بطنه ، و أتبعتها بالأخرى لتقذفه حتى اصطدم ظهره في مقدمة سيارته ، ليس ضعفاً منه إنما فاجأته جرأتها ، في ذات الوقت استطاع أن يفلت فهد من الرجل الذي قيّده ، و الذي تشتت بفعل ما حدث ، لينهال عليه باللكمات واحدة تلو الأخرى ، في تلك الأثناء ، و هي ترى ذلك الرجل ينهض ليستعيد قواه و نظرات شرسة تحتل عينيه ، أخرجت مسدساً من تحت سترتها ، رفعته في وجهه و هي تفك الأمّان بتهديد و قالت : مكانك ! ولا خطوة ..
نهض فهد عن الرجل ، ينظر إليها مندهشاً ، وقف الأول في مكانه متصنماً ، وجهت حسناء كلامها إلى فهد ، مثبتة عينيها و فوهة السلاح نحو رأسه : فهد اطلع مكاني ..
ركب مسرعاً مكان القائد ، بينما تراجعت بخطوات بطيئة و هي تسير بشكل عكسي لئلا يفعلا شيئاً يفاجئهما ، صوبت بسرعة نحو عجل سيارتهما الأمامي ، أطلقت دون أن ترتجف يديها ، و ركبت بسرعة ، قالت و هي تلهث : حرك لأي مكان بسرعة ..
خلال ثوانٍ ، كانت سيارة حسناء قد اختفت من أمامهما ، تركتهما ينظران إلى بعضهما بخيبة ، يوبخ كل منهما الآخر و يلقي اللوم عليه ..
استرخت في الكرسي ، تمسك السلاح بيد مرتجفة ، ليست كتلك التي أطلقت الرصاص قبل قليل دون أن يتحرك لها جِفن ، التفتت خلفها ، تنفست الصعداء و هي ترى الطريق خالٍ تماماً من أي أحد يلاحقهم ، قالت لفهد و هي تشير بسلاحها نحو اليمين : وقف هنا ، خلينا ناخذ نفس ..
توقف فهد ، كما قالت ، ملتزماً الصمت طيلة الطريق .. تنفسوا كليهما بعمق ، تساءل بفضول : من هذولا ؟ تعرفيهم ؟ وش يبون منك ؟
هزّت رأسها بالنفي ، فتحت زجاجة الماء ، شربت كثيراً حتى ارتوت : ما أعرفهم ، بس جاهزة دايماً ، أبوي عنده أعداء ..
عقد حاجبيه : ليش ؟
و هي تفك السكارف عن عنقها و تشعر أنها تكاد تختنق : مادري ..
سادت لحظة صمت يحاول فيها كليهما أن يستوعبا ما حصل ، نظرت حسناء إلى وجه فهد المرتعش ، أطلقت ضحكة طويلة : هههههههههههههههههههههههههه
فهد ، نظر إليها بتعجب ، و كأن عدوى الضحك انتقلت له : هههههههههههههههههههههه ، تصدقي فاجأتيني ! من وين طلع جعفر اللي جواكِ ؟ و أنا اللي طول الوقت خايف تنأذي و إنتِ معاي ! ما شاء الله تسوي 100 رجال !
ارتشفت القليل الآخر من الماء : هههههه ، أنا من صغري أبوي علمني كاراتيه ، و فنون قتالية ، الآيكيدو ، وفن الدفاع عن النفس ..
رفع حاجبيه بإعجاب : جميل ، كويس البنت تكون قادرة تدافع عن نفسها .. بس ليش ؟
حسناء : في هذي البلد لو تعرضت البنت لاعتداء في الشارع العام ، أو السرقة ، ما أحد لأحد ، يعني ناادراً تلاقي واحد يتدخل و يقول هذي بنت ، كل واحد عليه من حاله ، عشان كذا أبوي كان مصر إني أتعلم أدافع عن نفسي .. و بعد ، أبوي عارف إنه عنده أعداء ، و أنا ما عندي إخوان ، يعني أبوي عمل مني ، حسناء ، و حَســن .
فهد : من وين هالأعداء ؟
تجاهلت سؤاله و هي تفتح الباب : يلا انزل ، بوصلك الأوتيل و برد البيت ، تأخرت ..
أدار مفتاح السيارة و قال : سكري بابك ، اسمحيلي يا آنسة ، هالمرة أنا بوصلك ، أكيد ما بتركك توصليني الأوتيل و تكملين بروحك !
بنصف ابتسامة أغلقت بابها و عادت إلى مكانها : بعد كل اللي شفته ؟
ضحِك فهد : تدرين إني من يوم جيت روما ما ضحكت بهالشكل ، ولا حسيت إني سويت تغيير حقيقي بحياتي ؟ برافو ، ولو إنها كانت مغامرة مرعبة ، بس جددت شي ..
أطلقت ضحكة أخرى ، شغلت الراديو و بدأت تقلب في محطاته ، و تدله على الطريق ..
،,
،’
مسح وجهه بكفيه و هو يحاول أن يستوعب ماذا يجري من حوله ، تتسع عيناه بذهول ، و صدى صوته يتردد على مسامعه : للأسف إنك مالك خيار ، اللي أقوله أنا ، بيتنفذ ..
،,
,،
صرخة تردد صداها عدة مرات في ذلك المكان شبه المهجور ، تنفّس عن غضب بالغ : أغبيــــــــــــــــــــــــــااء !
،,
انتهى *()
بصرراحهه كان ودي يكون البارت أطول ، لكن و أنا قاعدة أكتب جانا ضيووف ، على غفلة ، و جيت كملت شوي ، بس عيووني سلامات قفلوا صاحية من الفجرر ، فقلت أنزل لكم اللي كتبته ، و ترى ما هو مررة قصييرر .. أتمنى ينال إعجابكم ، و لا تنسوني من تعليقاتكم و صالِح دعائكم ..
نلتقي إن شاء الله الجمعة القادمة ، مبدئياً قررت يكون بارت واحد طوييل في الأسبوع ، يوم الجمعة ما بين الساعة 8 – 10 مساءً ، و إذا في متابعين من خلف الكواليسس عندهم اقتراحات ثانية للمواعيد يكتبوونها و إن شاء الله بنحاول نرضي الجميع ..
في أمان الله ، أختكم : طِيفْ!
|