كان الفراش بارد كالثلج ,ولكن حرارة الافكار التي كانت تعتمل بداخله ساعدته على احتمال الموقف ,اضطجع جويل على ظهره ,واسند رأسه على ذراعيه ,وبدأ يحدق بعبوس في ظلال الازهار البارزه على الستائر المصنوعه من الكريتون اخيرا ,انه هنا في لانغثويت ,وفي بقعة ما في الخارج ...ربما على مسافة ميل ...توجد راشيل ...راشيل غيلمور كما تسمي نفسها الانواحس بمذاق الصفراء الكريه في مؤخرة حلقه :راشيل تظن انها تستطيع ان تفعل ذلك ...به هو ! وتكورت يداه بشده , وانضغطت كل منهما في قبضة قويه ,لو تمكن منها هنا ...والان ,لاعتصر عنقها بيديه !
ولكن الانفعال كان ضياعا ...انه يعرف ان الهدوء والموضوعيه لهما فعل اوقع ,ولكن لم يكن بوسعه ان يتأكد تماما انها فعلت ذلك نكاية به ,ومع ذلك فأية محاوله لتبرير سلوكها لم تكن شيئا مستساغا.
كان يعمل في وضع اللمسات الاخيره للوحة السيدة انطونيا باري عندما جاء فرنسيس يدق بابه ,كان قد استيقظ في ذلك اليوم مبكرا عن عمد ليستفيد بالضوء ,وصار فرنسيس اخوه غير الشقيق يحكي القصه التي جاء بها الى جويل في تلعثم حتى اكملها ,ولكن جويل لم يأخذ القصه على انها ورطه ماليه جاء يطلب فيها العون المالي من اخيه ,وقال جويل بشيء من القلق :
_ولكنني لا افهم لماذا تظن ان تفكير ابي في الزواج يمكن ان يسبب لي الضيق .
عندئذ اخذ فرنسيس يذرع بخطواته المرسم ,وهو يردد :
_بالطبع ,لا يهمك ...تركت لك جدتك ثروة كبيره ...اما انا فليس لي اقارب اثرياء من طرف امي ,واذا تزوج ابي مرة اخرى ,فالمنتظر ان يحرمني من الميراث كما حرمك !كان جويل قد اخذ يدفع شعره الى الخلف بيدين مضطربتين ,وعلق قائلا :
_لكنك لم تكترث عندما حدث ذلك ,
واضاف :
_كان الامر يختلف في حالتي وانت تعلم ذلك ,كان ابي يعلم انني لست بحاجه الى ثروته ,وكما تقول انت فان جدتي هونت من دور ابي في رسم مستقبلي .اما بالنسبة اليك فالامر مختلف ,انك ابنه ,وحتى لو تزوج ,فان الامل في ان ينجب اطفالا ضعيف ! الاترى انه في الثالثه والستين من عمره ؟اجاب فرانسيس :
_الا تعلم ان بإمكان الرجل احيانا ان ينجب حتى لو كان في التسعين من عمره ,ومع ذلك فأنك لم تسمع القصه كامله بعد ,انك لم تسأل من تكون المرأة التي ينوي ان يتزوج بها ؟هز جويل كتفيه بشئ من عدم الاكتراث ,وهو يقول :
_ان ذلك امر لايهم .
واستأنف فرنسيس الحديث ,وهو يتلذذ بوقع كلامه على اخيه :
_ربما يهم ,اسمها غليمور ...راشيل غليمور ...وكان اسمها من قبل راشيل آبي .
عند ذلك فقط حدث مالم يكن متوقعا ,فقد انطلق جويل بخطوات غريبه وفعل ما لم يكن منتظرا بالمره اذ امسك بأخيه غير الشقيق من قميصه ,وجذبه تجاهه بعنف ,وهو يقول :
_ماذا تقول؟وقع فرنسيس في شيء من الاضطراب ,واخذ يخلص نفسه ,وهو يقول :
_هذه ...هي ...ال...حقيقه ...الحقيقه ياجويل ..انها ,راشيل ...راشيل !
دفعه جويل بعنف جعله يدور حول نفسه ,ويستقر في النهايه على الارض ,وكان وجهه ممتقعا من الغضب عندما نهض على قدميه ,واخذ ينفض التراب عن ثيابه ,وهو يحدق في اخيه بخبث :
_انها ليست غلطتي ...فقط لانك لاتحب الحقيقه ...عندما تسمعها
لم يعد جويل يسمع .عرف ان ماقاله فرنسيس صحيح .وهو لم يكن ليأتي اليه بقصة مثل تلك ان لم يكن لديه البرهان على صدقها ,واخذ يبحث عن سيكار ,وضعه في فمه ثم اشعله بيدين تفتقدان الاتزان ,وصار يحملق بأكتأب خارج النافذه ,كان يطل على شاطئ نهر التايمز عبر السطوح .وعندما احس انه استعاد بعض توازنه استدار تجاه فرنسيس الذي اشعل سسكارا ,واخذ ينفث دخانه بعصبيه عندما بادره جويل بقوله :
_اخبرني بما تعرفه .
وتململ فرنسيس واجاب في دمدمه :
_لا اعرف .
وتصلب فك جويل وهو يقول :
_لا تحاول ان تخدعني ,قل لي كيف عرفت انها راشيل .
اجاب فرانسيس :
_رأيتها .
_ماذا تعني ؟
_رأيتها ,اوه ,بالله ياجويل !كف عن النظر الي هكذا !انها ليست غلطتي ,في الليله الماضيه ...مع ابي ! حقا .
ونطق بالعباره الاخيره عندما القى جويل بسيكاره الى الارض ,وسحقه بنعل حذائه .
_اين ؟
_في بيروكيوس يتعشيان ..رأيتهما ..اؤكد لك .
كان جويل يحرك رأسه من جانب الى اخر تعبيرا عن الشك ,وقال :
_ابدأ من البدايه .
اخذ فرنسيس يدخن يسكاره بشده ,وهو يقول :
_حسنا !عرفت منذ وقت ,ان هناك امرأة .اوه ,نعم ,منذ ...منذ ان رحلت امي ..كنت استطيع ان اعرف ذلك .
_ارجوك ...ادخل مباشرة في الموضوع .
_منذ اسبوع ,اخبرني ابي ان هناك شخصا ما .
_ولكنك لم تخبرني بذلك من قبل !
_ليس فورا ,لا !
قال فرانسيس ذلك مدافعا عن نفسه .
_كما ذكرت في كلامي ياجويل ,ان عمره ثلاثة وستون عاما ,وكنت اظن ,ان اي امرأة لايمكن ان تقبل به الا اذا كانت في مثل سنه !وانت تعرف كذلك ان امي وامك كانتا قريبتين منه في العمر .
_حسنا ...استمر .
_الذي حدث هو انني لم اسأل كثيرا ,ولقد اخبرني ,وكان الاجدر به ان يضحك كثيرا عندما اخبرني ...ان اسمها السيدة غليمور ...السيدة راشيل غليمور .وانت تعرف ان اسم راشيل ليس اسما مألوفا .
_وسأل جويل :
_هل هذا هو كل شيئ؟اجاب فرانسيس :
_لا !قال انها قادمه من يوركشير ,وانها تعمل في قريه تسمى لانغثويت كمديرة منزل في بيت كولونيل متقاعد .
واخذ جويل يكرر الكلمات نفسها :
_مديرة منزل في بيت كولونيل متقاعد !
_نعم ,هذا ماقاله لي .
_ربما تكون اخطأت ؟
_اؤكد لك اني رأيتها .
_لا اقصد ذلك .انما اقصد العمل الذي تشتغل به ,انت تعرف يافرنسيس ان راشيل كانت تدرس في الجامعه عندما ...
واكمل فرانسيس الجمله :
_عندما هجرتك ...اليس كذلك ؟ولكن كيف تعلم اذا كانت اكملت دراستها ام لا ؟كان ذلك منذ ست سنوات ...وتزوجت وانجبت طفلا .
شحب وجه جويل الاسمر ,وهو ينطق :
_طفل !هل اخبرك ابي بهذه القصه كذلك ؟واطفأ فرنسيس سيكاره ونظر الى اعلى وهو يقول :
_نعم ,ذلك قد يفسر لماذا تعمل كمديرة منزل .اقصد انه ليس من السهل ان تجد المرأة عملا اذا كان لديها اطفال .
وضاقت عينا جويل تحت رموشه الكثيفه ,وهو يسأل:
_وماذا عن زوجها ؟هز فرنسيس كتفيه ,وقال :
_كيف لي ان اعرف ؟ربما يكون قد توفي .قال ابي انها ارمله .
وخطا جويل عبر الغرفه ,وهو يقول :
_ارمله ...لا اكاد اصدق ذلك ,هل انت متأكد ان هذا كله لم يكن الا خدعه ماكره لتحقيق نزواته ؟
_ماذا تعني ؟هز جويل رأسه ,واجاب :
_لا اعرف كان ابي يكرهني لانني كنت اعارضه .
_لا اعتقد ان اباك كان يكرهك ,ياجويل !