ووضع ألسماعه , وأعادت راشيل السماعة إلى موضعها , ووقفت تحدق إلى الهاتف ثوان , ثم قفلت راجعه الى غرفة سارة , وهي تتنهد . كان شيئا شديد الإيلام لـ راشيل دائما أن تترك سارة في المستشفى وعلى الأخص في هذه المرة , إذ كانت كل الممرضات غريبات عليها ,وكانت سارة تبدو ضعيفة ضئيلة في سرير المستشفى العالي الذي كان يعتبر الماكينة التي حفظت لها حياتها طوال الشهور الـستة الأخيرة , وكأنه يتغذى عليها كمصاص ضخم للدماء .ولكن ذلك التشبيه لم يكن عادلا , فالواقع أن سارة هي التي كانت تأخذ دماء عيناتها من الآلة . ورجعت راشيل بعد ذلك إلى الشقة تسير ببطء على قدميها وهي غير راغبة في أن تتواجد مع السيدة تالبوت . وتمنت لو كانت تملك سيارة تقودها خارج المدينة بعيدا عن الشقة التي تجسد بقسوة فكرة ارتباطها بجيمس .كانت تقترب من الشارع الصغير حيث يقع بيتها ومرت بجوارها سيارة سبور خضراء قاتمة توقفت فجأة أمامها , واعترتها الدهشة عندما وجدت النافذة القريبة منها تنزل , ووجدت نفسها تطالع ملامح اريكا غراي , ولم تدهش عندما انفتح باب السائق بقوة , وخرج منه رجل ,هو جويل .ودار حول السيارة متجها إليها , كان وجهه متجهما ومتصلبا , وسألها باقتضاب :" ماذا تفعلين ـ يا للشيطان ـ بالتجوال في الشارع في هذا الوقت من الليل ؟"كان جذابا يميل إلى السمرة , يرتدي بذلة عشاء من المخمل الأحمر الداكن . واعترى راشيل نوعا من الانزعاج , وقالت في شيء من الدفاع عن النفس :"الوقت ليس متأخرا بعد ... ثم إن هذا أمر لا يعنيك ."ونظرا لأن جويل كان يدرك أن اريكا تستطيع أن تسمع كل كلمة يقولانها اكتفى بزم شفتيه , ولكن عينيه كانتا تتوعدان المحاسبة فيما بعد وقال :"اصعدي إلى السيارة سنوصلك إلى البيت ."وأجابت في شيء من التوتر :" أشكرك, لم يبق لي سوى ياردات قليلة ."
وعندما أدركت أن اريكا تشعر بشيء من الغضب أكملت :" كان الجو جميلا في المساء , وأحسست برغبة في المشي . طبت مساء .. طبت مساء يا آنسة غراي ."وتقوست أصابع جويل حول زندها ليمنعها من التحرك وقال :"انتظري !"كان قد اقترب منها وكان بوسع راشيل أن تحس بدقات قلبها في أذنيها , ومست أصابعها قماش سترته الناعم , واخترقت عيناه الجريئتان الثاقبتان عينيها وقال :" هل أكلت ؟"وحاولت راشيل أن تومئ برأسها :" نعم بالطبع ."وجذبت عينها بعيدا عن وجهه وقالت :" هل يمكن أن انصرف ألان ؟"وشدد جويل ضغط أصابعه على ذراعها عن عمد . وأخيرا وبإشارة تنم عن السخرية تركها تنصرف , ورجع إلى السيارة وقال :" سوف ننتظر حتى تدخلي المبنى"وأسرعت راشيل حول ناصية الطريق , ودخلت المبنى وكانت على وشك البكاء بغباء , وحاولت أن تقنع نفسها بان ذلك نتيجة لقسوته المتعمدة , لكن التعذيب الداخلي الذي تشعر به كان شيئا اكبر بكثير من الألم الجسدي .وحدثت نفسها بمرارة , كان يعتقد أن بإمكانه أن يخرج من الموقف بأي شيء وكان على الأغلب يحصل على ذلك الشيء .وحاولت أن تتنشق أنفاسا مهدئة , ثم بدأت تصعد الدرج إلى شقتها في ذلك الوقت , فقد دق جرس الهاتف بدقائق قليلة وكان المتحدث هذه المرة هو جيمس وقال :" تصورت انك لن تتغيبي كثيرا . هل استراحت سارة في المستشفى ؟"" نعم للغاية , كيف حالك ؟""أوه , إنني بخير , ومشغول جدا بالطبع . هل حضرت إليك السيدة تالبوت ؟"
وكانت السيدة تالبوت تشاهد البرنامج التلفزيوني في الركن الآخر من الغرفة وقالت :"نعم ... هي هنا ."" حسنا , فأنا لا أحب أن أفكر انك وحيده في الشقة ."وعلقت راشيل بجفاف :"سارة لا تصلح حارسا !؟."ولكن من وجهة نظر جيمس ربما كانت سارة بالفعل حارسا في بعض الأوقات , والأمر يتوقف على ما يريد المرء أن يحرسه , وأجاب :" اعرف , ولكنني ظننت انك تقلقين عليها أكثر إذا كنت وحيده ."وسألته وكأنها تريد تغير الموضوع :" متى تعود ؟"وصمت لحظة ثم أجاب :" يوم الخميس المقبل على ما اعتقد . لماذا ؟ هل اشتقت إلي ؟"ونظرت راشيل مرة أخرى تجاه السيدة تالبوت وبدا صوتها قاسيا شيئا ما , وهي تقول :" بالطبع ."وأراد أن يستثيرها فقال :" لا تتظاهري بأنك متحمسة لهذه الدرجة بهذا الخصوص . هل السيدة تالبوت معك ؟"واصطنعت راشيل شيئا من الاسترخاء وقالت :
" نعم , إننا نرقب البرنامج التلفزيوني ."وعلق بشيء من التردد :"افهم , هل رأيت جويل ؟"وفقدت شعورها بالاسترخاء , وتصلبت أصابعها حول السماعة وفكرت في شيء من الغيظ : لابد انه تحدث بالطبع مع سكرتيرته خلال اليومين الماضيين ,وأجابت في حرص :" نعم رأيته ."" متى ؟"" ألا تعلم ؟ لقد جاء إلى الصالون الرمادي ليزور السيدة غراي بينما كنا هناك ."" صحيح ! ماذا كان يريد ؟"وكزت راشيل على شفتها السفلى بشيء من الألم وقالت :" قلت لك انه حضر لزيارة الآنسة غراي"وساد صمت ثم قال جيمس :" آمل ألا تخبري جويل بشيء عن مرض سارة ."" ولماذا اخبره ؟"" فعلا , لماذا ؟ انك تعلمين بالعلاقة بينه وبين اريكا ألان أليس كذلك ؟"
ولعقت راشيل شفتيها وقالت :" لا اعتقد أن هذه المسائل تعنيني ."وأبدى موافقته قائلا:" لا , ربما لا , اعتقد انك تعرفين تماما طبيعة ابني , وتعرفين ما يريده من أي امرأة ."" لا داعي لأن تشرح لي يا جيمس , أنا لست بلهاء تماما ."" لا عزيزتي , غير أنني اشعر انه من واجبي أن أحميك "وسمت لحظة" والآن ولأسباب أخرى أكثر أهمية , قررت أن من الخير أن نعلن خطوبتنا الرسمية قبل , قبل عملية سارة ."وصدمت راشيل للنبأ , قالت :" قبل ؟"وأجاب جيمس بما ينم عن أعمال الفكر :" نعم , وفي أية حال فانك كخطيبة لجيمس سوف تحصلين على ميزات معينه , بل إن الأمر يبدو لي انه الترتيب الأكثر ملائمة من زوايا متعددة . فنحن لا نريد أن يظل هذا الأمر سرا يا راشيل , وهناك بعض الإجراءات الرسمية ينبغي أن أقوم بها . وفكرت أن نعقد اجتماعا بسيطا في أي مكان وليكن فندقا مثلا , وتعلن الخطوبة رسميا في حفل عشاء , ما رأيك ؟"" لا اعرف فيما أفكر ." وكان في ذلك على الأقل شيء كبير من الحقيقة . ثم أضاف :" كلما تم تقبل جويل وفرنسيس لفكرة إتمام هذا الزواج في وقت أبكر كنت أكثر ارتياحا لذلك , وعندما تصل سارة إلى الحالة التي تستطيع فيها أن تحتمل السفر نقيم حفل زواج هادئ قبل أن نسافر إلى لياركوس."وكان قد مضى على راشيل فترة طويلة ظلت فيها صامته لدرجة انه قال:" راشيل ؟"وكان عليها أن تجد شيئا ترد به بسرعة وقالت ببطء :
" اذا كان هذا هو ما تريد ؟"وسألها بحده :" أليس هذا ما تريدينه أنت أيضا ؟"وأسرعت تطمئنه :" إنني فقط أفكر في مقابلة كل أصدقائك ومعارفك , ترى ماذا سيكون رأيهم فيّ ؟"واختفت نغمة القلق القصيرة من صوته وقال :" يا عزيزتي ... سيصاب الجميع بالدوار من الحسد . هل وصلتك بعض الملابس من صالون اريكا ؟"وهدأت راشيل من صوتها وقالت :" ملابسي ؟ لم يكن لدي ادني فكرة أن امرأة واحده يمكن أن تمتلك كل تلك الملابس ."وظهر انه قد سر بذلك , وقال :" وسوف أراك تلبسينها , هل تقابلينني في المطار عند عودتي ؟"" إذا كنت تحب أن افعل ذلك ."" بالتأكيد ."وتنهد بشيء من الأسف وقال :" وألان علي أن انصرف .. إنني أتكلم من بيت السيد هارتز وهو احد المندوبين في المؤتمر الذي احضره , ولست على ثقة من انه سوف يرحب بهذه المكالمة على قائمة الحساب ... بلغي سارة حبي عندما ترينها في الغد , واخبريها إنني سأحضر لها هدية خاصة ".