وعندما استقر على مقعده ,بدأ يتفحص كتفي سترته, ووجد إنهما ابتلتا, فخلعها, والقي بها بشيء من الإهمال على المقعد الخلفي, واقترح عليها أن تفعل بالمثل , ولكنها رفضت بصمت . وهز كتفيه وهو يدير المحرك , وتوقف عند البوابة عندما قالت:
"الى اين تاخذني ؟ علي ان اعود الى هنا خلال ساعه"
ونظر إليها في غضب وهو يعلق:
"ساعة ؟"
"نعم ساعة , سارة لا تنام أكثر من ذلك في فترة ما بعد الظهيرة . ولابد أن ارجع قبل أن تصحو من النوم"
لم يعلق جويل بشيء, واكتفى بان اخذ يقود مسرعا على الطريق تجاه المكان الذي أمضى فيه صباح ذلك اليوم , فقد كان موقعا يسمح للسيارة بالانتظار بعيدا عن الطريق , لأنه في بقعة منعزلة وهذه ميزة كبيرة... ولم تنطق راشيل بكلمة طوال الطريق ,وخطر لجويل إنها ربما كانت تحاول أن تصوغ قصة تبرر موقفها عندما تتحدث إليه, واخذ يقاوم رغبة تعتمل في نفسه بين الحين والحين ليتوقف على الطريق طالبا إليها أن تكف عن اصطناع ذلك الدور .
"حسنا مالقصة الكاملة اذن ؟"
وتشابكت راحتا راشيل , ورددت:
"ماذا تقصد ؟"
"انك تعرفين ما اقصده ! أريد أن اعرف كيف بلغت الصلة بينك وبين آبي إلى الحد الذي جعله يطلبك للزواج منه ؟"
ورفعت راشيل كتفيها النحيلتين, وقالت:
"مضى على معرفتي به سنوات طويلة وأنت تعرف ذلك يا جويل"
اخد جويل يلوك طرف السيكار بقلق , ثم قال :
"لأنني قدمتك إليه ؟ لكن هذا لايكفي للتفسير , استطيع ان اعد على أصابع اليد الواحدة عدد المرات التي قابلت فيها أبي من خلالي , وأنت تعرفين ذلك!"
"اعرف ... اعرف انك .... لماذا تستغرب ان يطلب ابوك الزواج مني ؟ كان دائما يستلطفني"
وبدا فم جويل يعاني من الوهن ,وخرجت منه عبارة:
" راشيل! ارجوك بالله!"
ووضعت يدها على اذنيها حتى لا تسمع, ونطقت:
"اوه , ياجويل , ارجوك ان تكف ! لم جئت الى هنا ؟ ما الذي تريده ؟ كل ما بيننا قد انتهى منذ زمن بعيد , وليس من حقك ان تحاسبني"
وحدق فيها بغضب وقال:
"ألم يحدث أنني ؟ يا الهي ! انك لا تشعرين ! هل كنت تظنين حقا أن بإمكانك ان توافقي على الزواج من آبي دون أن تثيري ردة فعل مني ؟"
"وما علاقة هذا بك ؟"
"أنت تريدين أن تكوني زوجة آبي , أليس كذلك ؟ انك تحبين آبي الآن كما قلت يوما ما انك تحبينني ! اظهري على حقيقتك يا راشيل ! هذه محاولة خبيثة للانتقام ؟"
وردت بانفعال:
"لنفرض أن هذا صحيح , ما الذي تستطيع أن تفعله ؟"
وساد الصمت لحظات قليلة , واخذ جويل يحملق بعبوس من نوافذ السيارة إلى المطر المنهمر , ولم يكن ليصدق ما حدث ؟ لم تكن أخلاق راشيل , ولكن سنوات طويلة مضت منذ انفصلا , وتزوجت هي بعد ذلك وأنجبت طفلا وتنهد ثم قال بهدوء:
"اخبريني , لماذا احتجبت عني هكذا , ما الذي فعلته بحقك لأثير فيك هذه الرغبة في الهرب مني ؟"
واخذت راشيل نفسا عميقا وقالت:
"أنت ! تسألني هذا السؤال ؟ ما فائدة الكلام الآن , يا جويل؟ دفن الماضي والذي يعنيني الآن هو المستقبل , وتصلب فك جويل وقال:
"على حساب أي إنسان أخر ؟"
" هذا غير صحيح , آنت لا تفهم شيئا عن هذا "
"إذن, اخبريني! "
أخذت راشيل تطوي ثنيات سترتها ,وقالت:
"سوف أتزوج أباك يا جويل , ولن يغير ما تقوله أنت شيئا من هذا"
وأطبقت قبضتا جويل وهو يتمتم بقسوة:
" لابد انك يائسة تماما يا راشيل "
"تماما"
والتفت ينظر إليها ولاحظ الخطوط الغائرة في وجنتيها وعينيها اللتين تفقدان اللمعان والبريق , لم يكن ذلك الوجه وجه عروس تستعد لعرسها وسألها:
"هل ذلك بسبب النقود ؟, لو كانت كذلك فأنني على استعداد لأن اقدم ما تحتاجينه منها"
والتوت شفتاها بشيء من الازدراء وقالت:
"لو كنت رجلا لطرحتك أرضا على هذه القحة في حديثك ! انأ لست المرأة التي تتزوج بأي رجل من اجل النقود .أن لك أن تزهو بنفسك يا جويل , انك مغرق في الزيف"
بلغت الاستثارة من جويل مبلغها, وامسك بمعصمها بين أصابعه وأحس بعظامها الهشة ترتعد في يده ... ولكنه لم يكن ليتصرف بطريقة وحشية كان له عقل , وكان يريد أن يستخدم ذكاءه وأحس بالحاجة إلى أن تتلوى أمامه وضغط على معصمها فأجفلت ولكنها لم تصرخ ,
واقترب منها بطريقة جعلته ينشق رائحتها , وادرك الاستثارة التي أوشكت أن تتقد بداخله وأحس بشيء من الاشمئزاز من نفسه , فاسترخى في مقعده وعاد يسألها في عناد :
" أريد أن اعرف شيئا عن زوجك , وعن الطفل , هل مات غيلمور ؟ يقول أبي انك أرمله" .
كانت في ذلك الوقت قد أخذت تدلك معصمها وأجابت:
" انا ارمله بالفعل ."
" وماذا كان اسم زوجك ؟"
واعتراها شيء من الدهشة وقالت:
" اسمه ؟ انك تعرف اسمه ؟"
ونظر إليها نظرة تتسم بالبرودة , وألح :
"غيلمور ؟ هل هذا الاسم الذي كنت تنادينه به ؟ غيلمور!"
واحمر وجهها وقالت :
" أوه ! بالطبع لا . اسمه الأول كان ألن ."
" ألن غيلمور ؟ وماذا كان يعمل ؟"
وبدا على راشيل شيء من الحيرة وسألت :
"هل هذا شيء مهم ؟"
" اعتقد ذلك ."
وتنهدت وقالت :
" كان مهندسا . كان يعمل لدى الدولة ."
وبدا كما لو كان قد استساغ العبارة الأخيرة , وقال :
" افهم , ولكن كم دام الزواج ؟"
" سنتين او ثلاثة سنوات , ولكن ماذا يهم في ذلك الآن ؟"
لم يكن جويل يدري سر فضوله , وربما كان وراء ذلك رغبة سادية جعلته يستشعر اللذة في إجبارها على الحديث عن موضوع يجلب لها الألم , وقال يسبر مشاعرها :
" لابد انك عانيت كثيرا في تحمل مسؤولية تربية الطفلة وحدك , هل هذا هو الذي جعلك تقبلين العمل كمديرة منزل لدى الكولونيل ؟ ألهذا تتزوجين أبي ؟ من اجل سارة ؟"
وزمجرت بعنف :
" لا تتجرأ على ذكر اسمها ! انك لا تعرفها , ولا تعرفني انأ أيضا , لماذا لا تنصرف إلى حال سبيلك , وتتركني وحدي .
" أريد أن اعرف ."
" إن الأمر لا يعنيك ."
" عليك اللعنة ! هل تظنين ان الأمر لا يعنيني ؟ من حقي أن اعرف ."
ازداد صوتها عندئذ حدة , وهي تقول :
" حقك ؟ يا جويل , ليست لك حقوق على الاطلاق , فقدت هذه الحقوق عندما ... عندما
وتضاءل صوتها , واستدارت بعيدا عنه وصارت تحدق في راحتيها واضافت :
" هل تعود بي , من فضلك ؟"
وانتصب جويل في مقعده , وهو يحدق في منظرها الجانبي . وأحس بأنه قريبا جدا من الحقيقة . كان للحظة واحده على وشك أن يعرفها , كاملة , وأحس كأنه يعرفها في قرارة نفسه وكان يبتهج بها , ولكن راشيل تراجعت ثانية وشعر بالإحباط
وتمنى لو كانت راشيل رجلا ... إذ لأجبره بالقوة على أن يبوح بما يداخله , ولكن راشيل امرأة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى , وعليه أن يجد سبيلا ليطلق العواصف المكبوتة التي تشد لسانها عن الكلام , لكن كيف يتوصل إلى ذلك ؟
كانت راشيل قد ملكت زمام نفسها ثانية , ونظرت إلى وجهه نظرة خاطفة وقالت للمرة الثانية
" هل تعود بي ؟"
وأجاب بشيء من التوتر :
" ليس بعد ."
وبدأ يستعرض في ذهنه كل ما قيل . ويحاول أن يجد مما قيل مفتاحا يفتح له الباب المغلق , ما الألفاظ التي جعلتها تثور بتلك الطريقة ؟ عم كانا يتحدثان ؟ عن زوجها ؟ عن غيلمور ؟ نعم و ... الطفلة .
حاول أن يتذكر ما قاله عن الطفلة , لأنه ذكر أنها ستتزوج من أبيه من اجل الطفلة , تفجر غضبها ؟ إذن فليحاول مرة أخرى , وقال وهو يبحث عن سيكار أخر :
"ومتى يتم الزواج ؟"
وتنهدت بشيء من القلق ,وقالت :
" لا اعرف الموعد بالضبط , ولكن خلال أسابيع قليلة ."
" وحتى ذلك الحين ستظلين هنا ؟"
"أنا ... ربما ... ."
وسيطر جويل على غضبه وقال :
" وسارة .. هل تعيش معك عندما تتزوجين ؟"
وحدقت فيه بغضب وقالت :
" بالطبع . وهل يمكن أن تعيش في أي مكان أخر ؟ أوه ! كف عن هذا يا جويل ! أريد أن أعود ... طال بي الوقت , وقد تستيقظ سارة ."