إذا كان هناك ما أرادت تجنبه فهو ان تثير شكوك بيرت فكلما لعبت دور سيدة الأعمال الجامدة التي لا ترى شيئا مما يدور حولها , استطاعت الوصول إلى إبعاده عن سان رايزكي .
حاول بيرت ان يعترض مرة اخرى , لكنها لم تمهله الوقت .
- انا نفسي , اخذت اسبوعا في الشتاء واربعة في الصيف .ريحانة
- نعم لكن ...
- اوه , بيرت يسعدني أن أراك تذهب لتستريح قليلا , إنك تعمل كثيرا هنا .
- لكن ...
- هل مارست التزحلق على الجليد؟
- لا , أنا ...
- إذن , هذه فرصة ممتازة لتجربه.
بدت على بيرت الدهشة .
- أنا لا اطلب منك التغيب مدة شهر , لا . لكن اسبوعا واحدا سيكون له عليك ! عظيم الأثر . اجدك شاحبا بعض الشيء.
لقد شحب وجه بيرت حقا , وقع في شرك نصبته له داليا التي شعرت إلى حد لا يريد مغادرة الجزيرة , لكن لأي سبب؟
هذا ما لم تكن تعرفه . لقد وضعت ثقتها بويك, على اية حال , فهي تثق به أكثر من هذا المحاسب الذي يبدو انه لا يعرف شيئا عن الأرقام .منتديات ليلاس
فتحت داليا ملفا مشيرة إلى ان المقابلة قد انتهت . واضافت :
- اوه , كدت انسى , سأحرر لك إجازة مكتوبة , سأهتم بذلك على الفور .
- اتخيل أن ...
- نعم يا بيرت ماذا هنالك؟
خشيت داليا ان يرفض الرحيل , لكن لم يضف بيرت كلمة واحدة . قال بشفتين مزمومتين قبل ان يقفل الباب وراءه .
- حسنا جدا .
تنهدت داليا بعد رحيله :
- أف.
اخيرا , شعرت ان يديها طليقتان وانها ستفعل ماتشاء . نهضت داليا ونظرت عبر النافذة, مشهد الجزيرة العامرة التي كانت قبل ذلك قفرا , إنها لا زالت تحمل بعض الآثار من ذلك الزمن , كما رأت داليا الشمس المنعكسة على الاشجار الخضراء الزاهية التي تحد المستنقعات .
ما السر الذي أغرى والدها عندما اشتراها ؟ البحر؟ شروق وغروب الشمس؟ أم زقزقة العصافير المنبعثة من المستنقعات , العصافير التي تكسن الليل كالمراكب بطول الساحل؟
لكن لم يكن الوقت مؤاتيا للحنين , رفعت داليا يدها ونظرت إلى ساعتها التي تشير الى الثانية عشرة ظهرا . إنه وقت الذهاب إلى جزيرة كابتيف , ستكون هناك في الساعة الثانية , عادت داليا لتجلس حتى تنتهي من فحص احد الملفات ونهضت من جديد لتبحث عن كارلوس , إنه هو من سيصحبها بالمركب إنها لا تعرف الإبحار لوحدها .

قبل ان تغادر المكتب , طلبت داليا رقما لتلغي موعدا, وهو الذي اخذته مع مكتب المحامي في الجزيرة بشأن بيرت. لقد وعدت ويك , وهي تفي دائما بوعدها.ريحانة
وصلت داليا كما هو محدد في الساعة الثانية . علمت ان المحطة توفر دائما سيارة للتنقل عند الميناء . قررت ان تركبها للقيام بجولتها .منتديات ليلاس
طافت داليا على المتاجر , كما ذهبت إلى البنك لترفع توقيع بالحيوية والسحر , عندما لاحظت تسرب الوقت بسرعة وانه لابد ان تعود إلى الميناء حيث ينتظرها كارلوس , اختصرت الطريق وركنت السيارة في مكانها , ليس بعيدا عن الميناء.
رأت عمارات عالية وفخمة تواجه البحر, تذكرت داليا الآن كارت التعارف الذي تركه لها شاد , وتبينت انها في نفس عنوان الرجل الشاب. إنها محاولة مجنونة حقا . مالم تكن تحلم به في كل ليلة لعادت على الفور إلى الميناء حيث ينتظرها كارلوس. لكن لا تمضي ليلة دون ان تتذكر اللحظات السعيدة التي قضتها برفقة شاد.
قادتها خطواتها نحو رقم 7 شارع البحر . دخلت العمارة ونظرت إلى صناديق الخطابات لتتأكد انها لن تخطئ في العنوان . خفق قلبها .
كانت تشعر بأنها تلميدة تأتي بعمل احمق بدون علم والديها . لكنها اصيبت بالدهشة عندما وقع بصرها على اسم آخر على صندوق خطابات مجاور للصندوق الخاص بشاد .
إنه بيرت جونسون , اعادت قراءة الاسم عدة مرات حتى تتأكد من انها لم تخطئ . همست :
- يا إلهي . كيف لموظف بسيط مثل بيرت يعمل في خدمة والدها منذ عدة اعوام ان يدفع إيجار شقة في عمارة بهذه الفخامة ؟
زاد اضطراب داليا إلا انها قررت مواجهة الموقف بشجاعة . رنت الجرس عند اسم شاد وهي تعض شفتها , كانت هذه هي المرة الأولى التي تواجه موقفا كهذا , لكنها لم تكن تعرف إذا كانت محقة في تصرفها أم لا .ريحانة
فتح الباب, ركبت المصعد لتصعد إلى الدور الرابع. عندما وصلت امام الباب, فتحت لها على الفور سيدة جميلة ذات شعر اسود طويل ترتدي ثوب كيمونو يشبه الذي قدمه لها شاد في المستشفى , مما ابرز ملامحها الآسيوية .
رجعت داليا للخلف وكادت ان تسرع بالهرب لكنها في النهاية قررت ان ليس من شيمها الفرار وفضلت المواجهة .
- هل هذا هو منزل السيد شاد ويك؟
أومأت الآسيوية الجميلة برأسها :
- نعم , تماما.منتديات ليلاس

وسألتها بصوت منزعج :
- هل ينتظرك ؟
ابتسمت داليا في عصبية :
- لا , كنت مارة بالمكان , وفكرت في زيارته .
عندما لم تجب السيدة الآسيوية اضافت داليا :
- لقد تقابلنا اثناء العمل و ...
لم تكمل داليا جملتها حتى فتحت السيدة الباب.
- إنه مشغول الآن , لكن تفضلي , ادخلي.
اعتقدت داليا انها تحلم , من هذه السيدة التي لم يحدثها عنها شاد ؟ تنفست بعمق, وقد عقدت العزم على مواجهة الموقف , على اية حال إذا كان شاد قد كذب في كل شيء فكلما علمت بكذبه مبكرا كان المها أقل.
تبعت السيدة ذات الكيمونو , دلفت داليا إلى صالون واسع , لم يمهلها الوقت لتتأمل الديكورات حتى فاجاتها السيدة بالضربة القوية .منتديات ليلاس
- زوجي في الحمام , لن يتأخر.
شعرت داليا بساقيها تتهالك من تحتها . إن شاد متزوج وهي لا تعرف حتى الآن, هذه هي عاقبة الاستسلام للعواطف.
شعرت بنوبة غضب عارمة تتولد داخلها , لقد خدعت من كل النواحي . تمتمت :
- هل استطيع الجلوس؟
كانت تعرف انها تلتزم باللياقة إلا ان قدميها لم تقويا على حملها .
- بكل تأكيد , ارجوك تفضلي , هل تشربين شيئا؟
لم يكن ذلك من عادتها , لكنها قبلت العصير الذي قدمته إليها السيدة على الفور, آملة في ان تجد في هذا الشراب ما يجدد انتباهها .
قالت السيدة ذات الكيمونو مقترحة في بساطة بالغة :
- اذا اردت ان تتحدثي معي عن العمل , إني شريكة شاد في شركة س ت ج وشركائه , كنت اعمل في التجارة قبل ان أتزوج .
لا ينقصها إلا ذلك. إنها ليست جميلة فقط , بل إنها ذكية ايضا . إن شاد يتصيد فرائسه من خلال العمل . فجأة , اصبحت نظرة السيدة أكثر حدة. واخيرا سألتها :
- ألست داليا بينتون ؟
- بلى, إنني هي , شاد .. شاد حدثك عني؟
- نعم , لقد حدثني عنك .
هذا أكثر من احتمالها . انتهت داليا من شرابها ونهضت على الفور .ريحانة
- آسفة لكني لا استطيع البقاء أكثر من ذلك , اخبري شاد اني ...
لم تكن تعرف ماذا تقول له , خاصة بعد كل ما عرفت . ازدادت دهشة وحيرة داليا عندما رأت رجلا في منتصف العمر, لا تعرفه حتى الآن , يدخل الصالون .

صاحت السيدة :
- آه يا عزيزي هل انتهيت من الحمام . هذا حسن جدا لأن الآنسة بينتون كادت تنصرف .
تمتمت داليا :
- انتظري , أنا لا افهم جيدا , شاد ليس ...
تقدم الرجل نحوها باسطا إليها يده.
- سعيد بقائك يا آنسة بينتون , لقد حدثنا شاد عنك كثيرا .
تدخلت السيدة امام دهشة داليا :
- اقدم لك نفسي فلوراجاميسون , اعمل مع شاد منذ عامين وهذا زوجي رامون توماس هو الآخر شريك لشاد , نحن الثلاثة نكون اعضاء مجلس إدارة الشركة.
استعادت داليا ابتسامتها بعد هذا التقديم . قالت موضحة :
- كنت أمر بالقرب من هنا واردت ان اعرف إذا كان شاد في منزله .
- نعم لقد أعارنا شقته , لن يتأخر عن العودة أكثر من بضعة ايام . هل تريدين ان تتركي له رسالة ؟
- شكرا , اود فقط ان تخبره بأني قد أتيت لأراه , وانني سوف اتصل به في غضون اسبوع او اسبوعين.
نامت داليا قليلا هذه الليلة متأثرة بزيارة منزل شاد , لم تتوقف عن التفكير , لكن على الرغم من ذلك , لم تستطع النوم في هدوء.ريحانة
استيقظت في الفجر , وهي تشعر بطاقة وحيوية كبيرة . دفعتاها للخروج للنزهة على شاطئ البحر .
ارتدت داليا شورت أبيض وتي شيرت واسعا عقدته عند خصرها .وربطت شعرها إلى الخلف بشريط أبيض. نزلت إلى الشاطئ حيث اخذت بجمال المشهد الساحر.
كان ضوء الشمس البرتقالي يكاد ينعكس على صفحة المياه, كان لون الرمال أصفر داكنا يلمع تحت ضوء النجوم التي مازالت تتلألأ في السماء المائلة للزرقة . أسفت داليا لغياب شاد كانت تعرف ان بدونه , لا تستطيع الاستمتاع كليا بجمال الأشياء .
فجأة , خفق قلبها بعنف , تقدم شبح نحوها . همست :منتديات ليلاس
- شاد .
- داليا؟
لم يكن شاد متأكدا من ان تلك المخلوقة التي تشبه الطيف في الأحلام بردائها الأبيض وهي تتقدم نحوه - هي الفتاة التي يحبها . لكن عندما ضمها بين ذراعيه تأكد شاد حينئذ انها داليا .
- شاد ماذا تفعل هنا ؟
- وانت يا داليا ؟
- لم استطع النوم , فجئت لأتنزه هنا .
- وأنا جئت لأراك , لقد اخبرتني فلورا انك جئت لرؤيتي ...
- لكني قلت : إنني سأتصل بك خلال اسبوع او اثنين .
- هذا صحيح يا داليا , لكنني لم آت لذلك اليوم , اعتقدت انك جئت لرؤيتي لأنك اشتقت إلي كما إشتقت لك.منتديات ليلاس

اجابته إجابة بليغة بأن قبلته بحرارة , عندما رفع رأسه سألها :
- ألم تريدي حضوري ؟
تنهدت , كيف لم ترد حضوره , وهي التي قضت الليالي تفكر فيه , وتحلم بدفء حضوره .
- بلى على العكس.
لم يجب شاد بشيء, لكنه اخذها بين ذراعيه , كان الجو عذبا وهدير البحر يتناغم مع زقزقة عصافير الصباح, بينما اشرقت الشمس لتطوي صفحة الظلام , وتطوي معها كوابيس الأحلام المزعجة .
مضت عطلة نهاية الأسبوع بسرعة وقرر شاد ان يبقى حتى مساء الأحد , وعوض داليا ما فاتها من وقت .
لم يفترق الحبيبان لحظة واحدة , ظلا ينعمان بكل دقيقة معا رافقها شاد إلى المستنقعات , كما تمنت , وهو يحدثها عن كل الحيوانات التي تسكنها وحدثته داليا عن حياتها في بوسطن وزاد تعارفهما .
يوم الأحد بعد الظهر , رافقها شاد إلى ساحة الرقص الموجودة بالمحطة , لقد احضر راديو كاسيت محمولا , وأراد ان يرقص رقصة هادئة مع داليا , قبلت الرقص معه بكل سرور , رغم حيرتها امام رغبة رفيقها التي بدت غريبة بعض الشيء , ادركت داليا عندما رأت ظلالا من الحزن يخيم على وجه صديقها , ان هناك قصة حب قديمة ابتسم شاد إلى داليا , كان سعيدا ان تبدأ هي الحديث عن ذلك اولا ولم يعرف كيف يبدأ هذا الموضوع .منتديات ليلاس
- شاد .
- ماذا ؟
- هل كان ذلك منذ زمن طويل ؟
تنهد :
- شاد.
لقد صح تخمينها . لقد عاش شاد قصة حب قوية وأراد ان يتحدث عنها ليسدل عليها الستار إلى الأبد .
- نعم , منذ وقت طويل .
تنهدت داليا بدورها . كان موضوع الحديث حساسا إلى حد كبير .لكن من حسن الحظ انها قصة قديمة وقد لعب الوقت دورا في محو ذكراها .
- هل كنت تحبها كثيرا ؟
- نعم .
- هل يضايقك إذا سألتك عما حدث بينكما ؟
أومأ شاد برأسه .
- كلا , لقد اختارت رجلا آخر , هذا كل مافي الأمر .
- اوه .
صمتت داليا , كان من غير اللائق ان تسهب في هذا الموضوع . وضعت يدها على ذراعه إشارة لفهمها بينما افصح لها بصوت منخفض :
- الرجل الآخر , كان خطيبا لها وانفصلا بسبب ...
تردد في الإفصاح عن سبب انفصالهما .
- اعتقد انها كانت تحبنا نحن الاثنين لكنها اختارت الآخر لأن ... لأنه كان يحتاج إليها أكثر مني لأنه عانى كثيرا وأن ...