6-سجن من ذهب
- ولكن لماذا أنا بالذات؟
تساءلت روز بصمت تقريبا, وعقلها الذكى يعمل بسرعة فائقة لم تجد الامر مفهوما
ذلك ان خافيار يمكنه ان يحصل على اى امرأة يريدها فهو اذن ليس بحاجة الى ان يبتز امرأة لكى تتزوجه :
لقد قلت بنفسك انك رجل تقليدى
فلماذا اذن لا تتزوج من فتاة اسبانية شابة ؟ انا واثقة ان هناك عشرات النساء اللواتى يتلهفن الى الحصول على حظ الزواج منك.
- لقد جربت ذلك مرة
هذه المرة اريد امرأة ناضجة لها اهتماماتها الخاصة وهكذا لن تصطدم اهتماماتها باهتماماتى
امرأة لديها اهدافها الخاصة
اريد ترتيبا يخدم المصلحة المشتركة بدون ارتباط عاطفى
امرأة تدفئ فراشى من دون ان تدعى بأنها تدفئ قلبى
ولأننى اعرفك جيدا هذا يجعلك فى نظرى اصلح النساء لذلك
انه لم يعرفها على الاطلاق
فهما لم يلتقيا سوى مرة واحدة
وكانت فتاة بريئة ساذجة
ومع ذلك لم يمنعه ضميره من ان يصفها بأنها امرأة منحلة خلقيا
لقد قال ذلك عدة مرات
اما لماذا فعل ذلك فهذا ما لم تعرفه بعد!
لقد جرحها فى العمق وفد اغضبها تجريحه لها, اغضبها من نفسها بالدرجة الاولى , كما جعلها تتميز غيظا وغضبا منه
ونظرت الى وجهه بعنف
تصريحه الوقح هذا وغطرسته غذيا عنف غضبها:
اذهب الى جهنم وخذ معك عرض الزواج الابله هذا
لن تتكرم عليه بجواب
ولكن تحت غضبها تحرك احساس بالخوف
ضحك خافيار بخشونة:
قد اذهب الى جهنم , كما قلت بلباقة
ولكن صدقينى ايتها السيدة , سوف آخذك معى
انت مدينة لى , وانا استرد دوما ديونى
كان قريبا منها .... اقرب مما يجب ...
-انا مدينة لك؟
هتفت بذلك غير مصدقة
هذا الرجل الذى سبب لها من الالم وتحطم القلب اكثر مما كانت تتصوره , لديه الوقاحة لأن يقول انها مدينة له ؟ لا بد انه مجنون ....
التوى فمه بابتسامة جمدت الدم فى عروقها , وقال ببطء بلهجة الوعيد:
- الافضل ان تصدقى ذلك .
لقد حدثنى سبستيان بكل شئ عن لقائكما , وكيف انك ارتميت بين ذراعيه بعد ان تركتك مباشرة
وفرى على نفسك تمثيل دور البراءة , فهذا الامر لا ينجح مرتين .
- حاول سبستيان ان يخفف عنى .
لم تدرك روز انها بقولها هذا قد اعترفت , ومن دون وعى منها , بأنها كانت بين ذراعى سبستيان , لم تدرك ذلك لشدة غضبها:
كان سبستيان صادقا معى على الاقل
اخبرنى بالحقيقة التى هى اقل ما يمكن ان يقال عنك
وهى انك ضيق الافق بالتزامك بالأعراف والتقاليد واخلاق قطط الازقة
فليساعد الله زوجتك المسكينة, لا بد انها كانت تعيش فى جهنم.
وسرعان ما ادركت انها تجاوزت الحد , فقد امتلأت عيناه بغضب بارد كالثلج:
ليس لك شأن بزوجتى الراحلة .
ولكن بصفتك زوجتى المستقبلية , الافضل لك ان تتعلمى شيئا من حسن السلوك
- فى احلامك !
قذفته بهذا الجواب ثم ارتجفت وهى ترى ملامحه الكئيبة الحاقدة :
فكرى فى الامر يا روزالين.
وضغط كتفيها بيديه بقوة آلمتها:
وانا واثق من انك ستوافقين
اخذت تنظر اليه وهو يزداد اقترابا منها , وقد سمرتها الصدمة
وانتابها شعور بدائى غادر
جاء عناقه متملكا وعنيفا تقريبا.... بعنف النار التى اشتعلت فى حواسها.
حاولت ان تبقى سلبية ازاء هذا الهجوم الضارى.
لكنها وشعرت بنفسها كمن يعود الى بيته بعد غياب عشر سنوات طوال ومال جسدها عليه , وبأنين أجش , احاطت رقبته بذراعيها.
رفع خافيار رأسه فأنزلت روز ذراعيها عن رقبته , وانكمشت خزيا لضعف ارادتها الذى جعلها تستسلم.
وضع يديه على كتفيها وابعدها عنه برفق وهو ينظر بعينين ضيقتين الى احمرار الخجل فى وجهها:
كما ظننت تماما
بعض الاشياء لا تتغير ابدا
سأعود اليك عند السابعة مساءا لآخذ الجواب ولأرافقك الى العشاء.
وابتسم ابتسامة ذات معنى:
ربما كنت تحبين ان تتحدثى قليلا مع آن اولا
ليس لدى شك فى انها ستحبذ ارتباطنا
شحب وجهها وشعرت بالمذلة.
انه على صواب من الناحيتين ؛ بعناق واحد سقطت ضحية رجولته الفائقة .
وآن مصممة على الزواج من جيمى...
نظرت روزالين اليه بعينين متسعتين عنيفتين مليئتين بالاحباط وهو يتوجه الى الباب
التفت يواجهها وقد سقط عن وجهه القناع الساخر النائى ليكشف عن غضب عنيف :
ولا تقترفى خطأ التبخيس من شأنى هذه المرة يا روزالين
انا اعنى كل كلمة اقولها
لم اكن جادا فة حياتى قط اكثر مما انا الآن
ثم غادر الغرفة بعد ان اغلق الباب خلفه بهدوء.
لم تعرف روز كم مضى من الوقت وهى تنظر الى الباب
لم يساورها الشك مطلقا فى انه ينوى تنفيذ تهديده بتدمير خطبة جيمى وآن
لكن الاسوأ هو معرفتها ان بامكانه ان يفعل ذلك
انها تحب جيمى وتعلم انه مغرم بآن.
لكنه صغير السن , فهو لا يزال فى الرابعة والعشرين من عمره , ولن يتمكن من مقاومة الاغراءات التى بامكان رجل محنك مثل خاله خافيار ان يوفرها له
التفريق بين الحبيبين لن يأخذ من خافيار وقتا طويلا , فالتهديد بقطع التمويل عنه جعل ميزان القوة فى يده.
نظرت فى انحاء الغرفة
ثم ارادت ان تبكى
وفى الواقع اغرورقت عيناها بالدموع , لكنها مسحتها بيدها بعنف .
ذات يوم كان الزواج من خافيار اغلى احلامها
لكنه لم يعد كذلك الآن....
لقد سارت فى ذلك الطريق مرة من قبل , فبعد عودتها الى انجلترا منذ عشر سنوات شعرت بالشوق اليه.
كانت صورته تملأ احلامها كل ليلة , وظهر الشحوب على وجهها
وفى قنوط الوحدة فكرت بأن تتصل به وذلك بعد ثلاثة اشهر تقريبا من عودتها
ابتلعت كبرياءها ثم اتصلت بالشقة فى برشلونة , فرد عليها سبستيان ووعدها بأن يخبر خافيار انها تريد ان تتحدث اليه.
لكن سبستيان عاد للاتصال بها بعد نصف ساعة ليخبرها بأن خافيار سيتزوج بعد اسبوع, وليس لديه ما يقوله لها.
وكان لدى سبستيان اوامر مباشرة بألا يعطيها عنوان خافيار او رقم هاتفه.
شعرت بالصدمة وخيبة الامل , وظل الالم يتملكها بسبب ذلك طوال تلك السنوات العشر.....
بدا الحزم فى عينيها .
تذكرها الماضى لن يحل مشكلتها.
دخلت الحمام , ومن نظرة سريعة الى غرفة الملابس ادركت ان هناك من اخرج امتعتها من الحقيبة
دخلت الحمام وفتحت الصنبور على الحوض ثم خلعت ملابسها وعقدت شعرها بالدبابيس عند قمة رأسها , ثم خطت الى الحوض الممتلئ بالماء , وما لبثت ان اسندت رأسها الى الخلف .
تذكرت مشاجرتها مع خافيار فى الطائرة وتذكرت اعترافه( نهم للسيطرة والتسلط) لم يكن يمزح اذا! عادت بذاكرتها الى الاربع والعشرين ساعة الماضية ,ولم تصدق كيفية احتياله عليها لتجد نفسها اخيرا فى هذا الوضع .
انه رجل حقير مخادع , لكن اطلاق النعوت عليه لن يحل المشكلة .
وببطء وقفت وخرجت من الحوض ثم تناولت منشفة لفت بها جسدها وهى ترتجف
تراءى لها وجه آن وهى تتوسل اليها لتبقى لطيفة مع هذا الرجل
لن تستطيع ان تجد مخرجا لمشكلتها الا اذا جارته فى لعبته وتصرفت معه بمثل القسوة التى يتصرف هو بها!
زمت شفتيها بصلابة ثم اخذت تجفف نفسها .
ومن غرفة الملابس اختارت ملابس داخلية سوداء وثوبا اسود
وابتسمت بجفاء
من مجموعة الملابس التى احضرتها معها بدا اللون الاسود اكثرها ملاءمة
بعد عشر دقائق , عادت الى غرفة النوم
ما ان دخلت حتى جمدت مكانها
كان خافيار واقفا عند النافذة, مرتديا سترة عشاء بيضاء وبنطلونا اسود وقميصا ابيض وربطة عنق حمراء على شكل فراشة.
بدا وسيما للغاية , لكنها حدقت فى جانب وجهه الخشن باشمئزاز ظاهر:
فى العادة يقرع الناس الباب قبل الدخول الى غرف الآخرين
- فعلت ذلك
قال ذلك وهو يستدير ليواجهها .
شملها بنظراته الغامضة
لقد تركت شعرها منسدلا على شكل خصلات كثيفة حمراء , اما قبة ثوبها الحريرى فكانت عبارة عن ربطة مطرزة بالخرز الاسود تشكل عصابة حول عنقها
كما كانت التنورة متسعة قليلا وتنتهى فوق ركبتيها بعدة انشات , وقد لبست حذاء اسود منخفض الكعب مظهرا اظافر اصابع قدميها المطلية .
وقد طلت اصابع يديها باللون نفسه وكذلك شفتيها الممتلئتين.
لقد استخدمت كل مهارتها القديمة فى الماكياج, التى اكتسبتها من عرض الازياء
فوضعت كريما مرطبا ملونا على بشرتها , فهى تحتاج الى بعض العون لكى تبدو متوهجة بالصحة.
كما وضعت شيئا من الكحل يزيد من جمال عينيها واتساعهما , بالاضافة الى ماسكارا لأهدابها .
وهكذا اصبحت جاهزة للمواجهة.
همت بالسير اماه الى الباب , لكنه وضع يده على ذراعها يستوقفها:
لا تسرعى
اريد جوابك اولا
هلى ستتزوجيننى؟
لكم توسلت الله ان تحدث معجزة تجعله يعتبر حديثهما السابق لم يكن سوى رؤيا او تخيلات
لكن توسلاتها لن تنفع
- اسمع , خافيار
حاولت ان تتكلم معه بينما لم تكن تتمنى فى الحقيقة , سوى البصق فى وجهه:
يمكننى ان افهم انك تريد ان تجعل اباك سعيدا , لكننى لا اريد ان اتزوج
انا طبيبة ولدى مهنة
- طبيبة من دون عمل حاليا
آسف روزالين لكن اعتراضاتك تافهة
انت ما زلت ترغبين بى
لقد عرفت ذلك فى اللحظة التى تحدثف فيها اليك فى منزل تيريزا
نظرت الى بعينين متسعتين والنبض فى عنقك يخفق
ووضع يده لعى ذلك النبض :
"نعم هذا ما كان يخفق كما يخفق الان
كما اننى اريد زوجة
و(نعم) هو الجواب الوحيد الذى اريده"
توهج الغضب والالم فى عينيها وهما تستقران على وجهه الاسمر, لكنها جاهدت للسيطرة على مشاعرها
- دعنى افهم جيدا ما تقوله
هل تعنى ان على ان امثل دور زوجتك لكى يكون ابوك سعيدا ولا شئ اكثر من ذلك
بينما تتكفل صديقتك برغباتك الاخرى؟
ونظرت اليه لكن عينيه لم تفصحا عن شئ.
انزل يده عن ذراعها
فحدقت فيه بصلابة مدة طويلة:
ولماذا لا تتزوجها هى؟
رفع حاجبه ساخرا:
انت لست ساذجة الى هذا الحد يا روزالين
تعلمين ان ذلك لا يتوافق مع تقاليدنا
لم تعرف روز لماذا لم تشعر بالدهشة لقسوته وعدم مراعاته للمشاعر
لقد عانقها ليخضعها له فقط ليثبت تفوق رجولته عليها بينما كانت هى تضلل نفسها بأنه يريدها حقا , فيا لحماقتها!
انه لم يرغب فيها وهى فى التاسعة عشرة , فكيف يرغب فيها بعد عشر سنوات ؟
ربما صديقته امرأة شابة مذهلة الجمال ومستعدة تماما لتلبية رغباته من دون اعتراض.
- هل وافقت ؟
قطع عليها افكارها بصوته العميق فنظرت اليه وكان هو ينظر الى ساعته بشئ من فروغ الصبر
فسألته وما زالت غير مقتنعة:
متى سيكون العرس؟
لم تستطع ان تفكر فى حل بديل لا يترك آن محطمة القلب.
- بعد اسبوعين او ثلاثة
فليكن تصرفك هذه الليلة نحوى وديا تماما كما هو نحو جيمى وآن
وبعد ايام سنبدأ بايهام الاخرين ان بيننا علاقة بتبادل العناق احيانا او بعض الملامسات
وسيرى ابى ذلك حتما
وفى اخر الاسبوع سأعلن عن زفافنا
يمكنك ان تتركى لى بقية التفاصيل
فسألته بجفاء:
هل لدى خيار؟
تأملها بعينيه الفولاذيتين من دون رحمة:
لا اذا كانت سعادة آن تهمك كما تريديننى ان اعتقد فأنت ماهرة فى التظاهر بمشاعر انت لا تشعرين بها حقا
لوت شفتيها بابتسامة مرة .
ان تتزوج رجلا مثل خافيار, يشك فى اخلاصها فى عقيدتها ومشاعرها هو شئ يدعو الى السخرية حقا
وقال بفتور:
لا بأس انا موافقة
وضع يده العريضة على ظهرها:
سيدة عاقلة
قال هذا بنبرة واضحة من الاعتزاز والرضى, وهو يستعجلها الى الخروج الى الطابق الاسفل
وعندما اقتربا من باب الصالون ابتعدت روز عنه
لقد وافقت على ابتزازه لها , لكنها لم تصبح جاهزة بعد لتمثيل دور الانثى المغرمة المتألقة العينين . انها غاضبة للغاية!
دخلت الى الصالون الفسيح امام خافيار رافعة الرأس ثم اومأت تحيي الخطيبين الشابين السعيدين اللذين يجلسان بجانب بعضهما البعض على الاريكة.
ثم تحول نظرها الى رجل وقف لرؤيتها , وقد كان جالسا على كرسى عالى الظهر.
امسك الرجل بعصا من الخيزران ذات مقبض من العاج ثم تقدم نحوها.
كان طويل القامة لكن كبر السن والمرض احنى كتفيه اللتين كانتا يوما ما مزهوتين.
كان يرتدى بذلة عشاء سوداء تبدو متهدلة على جسمه النحيل , نظرة واحدة اليه انبأت روز ان هذا الرجل مريض جدا, وان تهذيبا فائقا فقط هو الذى جعله يقف على قدميه ساعة دخولها.
وعلى الفور سارت نحوه وهى تمد له يدا نحيفة انيقة:
لا بد انك الدون بابلو فالدزبينو
الحمد لله انها تذكرت اسمه
هنأت نفسها لذلك:
انت جد جيمى
انا الدكتورة روزالين ماى
ابنة عمة آن ورفيقتها الحارسة لمدة اسبوع
تألقت فجأة العينان البنيتان الكئيبتان فى ذلك الوجه الذى غضنه الالم:
- المعذرة يا عزيزتى , لكنك اصغر واجمل من ان تكونى مرافقة حارسة
وفى الواقع على الامهات ان يخفن من ان تخطفى انت الخطيب.
أليس كذلك يا ولدى؟
وضحك بصوت خافت, وانتبهت روز فجأة الى ان خافيار كان قد تقدم ووقف بجانبها.
نظرت اليه فاذا به يبتسم لأبيه بحنان لم يدع لديها شكا فى مدى حبه له
رغم نفورها من فكرة ارغامها على هذا الزواج , تفهمت فجأة اسباب خافيار
لقد احبت هذا الرجل العجوز
فأجاب خافيار:
ربما انت على صواب يا ابى
ولكن اجلس من فضلك ودعنى احضر الشراب لضيوفنا
واتجه الى الجهة الاخرى من الغرفة وسأل روز عما تريد ان تشرب
فأجابت بنعومة ولكن من دون ان تحول عينيها عن الرجل العجوز:
عصير الاناناس من فضلك
عاد الدون بابلو ليجلس فى كرسيه ثم نظر الى روز:
انت طبيبة ولكنك لا تشبهين ايا من الاطباء الذين عرفتهم
صدقينى لقد عرفت العشرات منهم على مر السنين , وانا واثق اننى لو رأيت طبيبة مثلك لكنت سأشفى على الفور.
فقالت باسمة :
انت يا سيدى متملق للغاية
- هذا كل ما استطيع عمله الان
رد عليها الرجل العجوز بغمزة من عينيه انفجرت لها روز ضاحكة
فقال خافيار وهو يناولها كأسها:
انه مغازل رهيب
لا تشجعيه.
تناولت منه الكأس, واحتكت اصابعها بأصابعه بشكل خفيف, ما ارسل فى كيانها كله شوقا غير مرغوب به
عليها ان تتغلب على هذا الشعور الذى يتملكها لأقل لمسة من خافيار
حدثت بهذا نفسها بحزم, فقد قال لها بوضوح انه يريدها فقط زوجة ليسر والده .
وهكذا عادت تشارك بالحديث العام , وهذه الفكرة فى رأسها.
اعلن رئيس الخدم ابتداء العشاء فانتقلوا جميعا الى غرفة الطعام
نظرت روز حولها وقد تملكها شئ من الرهبة للترف والاناقة اللذين يحيطان بها
بدت الستائر واللوحات المعلقة على الجدران كأنها تنتمى الى عصر اخر , اما المائدة فمن الاتساع بحيث تكفلا لعشرين شخصا وقد وضع فوقها اوان من الخزف الصينى الى جانب ادوات المائدة الفضية.
احتل الدون بابلو كرسيه عند رأس المائدة , واشار الى ان تجلس آن الى يمينه وروز الى يساره وجيمى بجانب آن , ما ابقى لخافيار المقعد الى جانب روز.
مر العشاء على ما يرام
ساعدت خادمة فتية ماكس فى تقديم الطعام
سلطة طازجة من المكسرات تبعها لحم عجل مطبوخ على الطريقة الاندلسية مع زيت الزيتون والبندورة والبهارات والثوم والبصل.
كان الدون بابلو رجلا ذكيا سريع البديهة ذا معلومات واسعة عن التاريخ المحلى , ومضيفا ممتازا.
لم يتوقف الحديث بينهم حتى دخل ماكس فيما هم ينهون تناول الحلوى , فأخبر خافيار بأن هناك مكالمة هاتفية له
وقف خافيار وقبل ان يخرج من الغرفة اوقفه ابوه بكلمة واحدة.
تحدث الاب والابن باسبانية سريعة اخذت تزداد حرارة ثانية بعد الاخرى.
- اعتذر لسوء تصرف ابنى.
قال الدون بابلو هذا بكبرياء هادئة مخترقا الصمت السائد وقد تخضب وجهه الشاحب بالاحمرار.
فاندفعت روز تقول وقد ساءها ان يتكدر الرجل العجوز:
لا تقلق انه مجرد اتصال هاتفى
ان لديك بيتا رائع الجمال يا دون بابلو, ولا بد ان له تاريخا مجيدا
لقد تعمدت تغيير الموضوع, لكن ذلك كان اسوأ ما كان يمكن ان تقوله
- نعم
اسرة فالدزبينو امضت فى هذه البقعة خمسمائة سنة
لقد تغير المنزل ولكنه ظل دوما ملكا للاسرة
والآن لسوء الحظ وكأن اسم فالدزبينو سيموت.
عاد خافيار فى الوقت الذى كان فيه ابوه يتكلم , فألقى على العجوز نظرة كريهة , ثم قال :
ارجو المعذرة لأن على مع الاسف ان اخرج لفترة قصيرة
وجه كلماته هذه الى جيمى وآن , ولم يكد يلقى نظرة على روز ثم قال لأبيه سيئا بعنف وغادر المكان.
فقال الاب وهو يشير برأسه نحو الباب الذى خرج منه ابنه:
أترون ما كنت اعنيه؟ يتضح لى اكثر فأكثر ان ابنى لا يريد ان ينجب لى وريثا.
فى اول ليلة له فى البيت, يترك ضيوفه....
وسكت فجأة وكأنه ادرك انه قال اكثر مما يجب , ثم قرع الجرس لماكس.
وعندما جاء رئيس الخدم قال العجوز فيما كان ماكس يساعده على الوقوف:
آسف لاضطرارى الى ان اترككم الان.
انا متعب جدا , ولكننى ارجوكم ان تستمتعوا بسهرتكم
بعد خروجه قالت آن وهى تضحك بصوت خافت :
اوه .... يا لها من مأساة!
فقال جيمى :
انسى ذلك
طالما رأيت هذا من قبل.
جدى وخالى دوما يتجادلان
انهما متشابهان الى حد لا يمكنهما معه ان يتعايشا.
اما روز فقد تساءلت عما اذا كان بامكان اى شخص على الكرة الارضية ان يعيش مع خافيار... وسألت جيمى وقد تملكها الفضول لمعرفة ما حدث:
انت تتحدث الاسبانية يا جيمى
لماذا كانا يتجادلان؟
قثال جيمى ضاحكا:
غضب جدى لأن خالى ذهب ليقابل صديقته, فهى التى اتصلت به
قرصت آن جيمى وهى تقول مازحة:
الافضل لك ألا تتشبه بخالك والا خنقتك
كانت روز تدرك شعورها هذا , وقد تمنت فى تلك اللحظة لو ان بامكانها ان تخنق خافيار.
ؤاحت تتأمل الخطيبين , وادركت انها اصابت فى قرارها قبول الزواج من الرجل
ذلك ان جيمى يحب آن وهى لن تحتمل رؤية حيوان زاحف مثل خافيار يدمر الخطيبين الشابين.
بعد تناول القهوة, حيت روز الشابين تحية المساء وصعدت الى غرفتها بحجة اصابتها بالصداع.
لقد كان يوما جهنميا
لا شك ان خافيار يستلقى الان بارتياح بين ذراعى صديقته.
اما هى فلم تجد سبيلها الى الراحة وهى تستعد للنوم.
بعد ان رأت الدون بابلو ادركت جيدا لماذا يريد خافيار هذا الزواج
ولكن فليساعدها الله!
كيف يمكنها ان تعيش مع رجل لا يرغب باقامة علاقة معها بينما مجرد لمسة منه كفيلة باشعالها؟
ارتدت بيجاما قصيرة بيضاء اللون , واخذت تدور فى انحاء الغرفة الفسيحة بقلق , فقد منعتها شدة التوتر من النوم.
شعرت بأنها اشبه بطير فى قفص من ذهب
كان عليها ان تبقى فى الطابق الاسفل مع الخطيبين وهى على كل حال مرافقتهما الحارسة.
ويا لها من مزحة! فقد اوهمها خافيار بذلك ليحضرها الى اسبانيا.
وقفت بالقرب من النافذة ونظرت الى الاسفل نحو الفناء , فاذا بها ترى سيارة خافيار تدخل من خلال المدخل
لقد عاد باكرا من موعده مع صديقته
نزل من السيارة ورأسه مرفوع الى النافذة التى كانت تقف خلفها وكأنه احس بوجودها.
تراجعت روز بسرعة , ولكن ليس قبل ان ترى انه كان من دون سترة ولا ربطة عنق.
لم تكن عودته مبكرة فى الحقيقة
لقد خرج منذ ساعتين
وحدثت روز نفسها ان وجود صديقته فى حياته قد اراحها متجاهلة الشعور بالفراغ الذى تملكها
فذلك يؤكد ما قاله لها خافيار
انه يريد زوجة لا تتدخل فى حياته
زوجة لديها اهتماماتها الخاصة
وهى ستعود الى مهنتها مرة اخرى فى الوقت المناسب
بعد ان رأت الدون بابلو احزنها ان تعترف بأن الرجل لن يتمكن من العيش مدة ثلاثة اشهر اى حتى تنتهى اجازتها
حاولت ان تحمل نفسها على التفكير بشكل ايجابى
فالزواج من خافيار سيجعل ثلاثة اشخاص على الاقل سعداء , آن وجيمى والدون بابلو.
فكيف يكون هذا امرا سيئا؟
كما انها ستمضى عطلة طويلة فى اسبانيا, ولن تكون مضطرة الى النوم مع خافيار.... اغمضت عينيها وحاولت ان تنام.
تململت فى فراشها وهى تحاول ان تسترخى , لكن عضلاتها ظلت متوترة ولم تفهم سبب هذا التوتر
واخيرا دفنت رأسها فى الوسادة داعية الله ان يساعدها على النوم.
فى الصباح التالى قادتها الاصوات الى غرفة الافطار
بدا خافيار فياض الرجولة , وابتسمم لروز عندما دخلت :
صباح الخير روزالين
تبدين رائعة اليوم
واخذت نظراته تجرى بسرعة فوق جسدها المتناسب باعجاب الرجل الجرئ
وكانت تلبس ثوبا من القطن منقوشا بألوان زاهية
يبدو ان الغزل المكشوف قد بدأ الان , كما اخذت روز تفكر ساخرة , ولكن بما ان ذهنها كان مليئا بوعدها , ردت:
شكرا خافيار
رغم انها كادت تختنق لنطقها باسمه.
- بكل سرور , لكننى آسف لعدم امكانى قضاء الصباح معك
ثم التفتت الى جيمى وآن اللذين كانا قد جلسا الى المائدة:
ومعكما انتما الاثنين طبعا
انبأتها النبرة الساخرة فى صوته بأنه يشعر بغضبها الكامن:
بامكانكم ان تمضوا الصباح انتم الثلاثة فى التفرج على معالم المدينة, ولكن احرصوا على العودة فى الواحدة , لأننا سنذهب الى المزرعة بعد الغداء
كان هذا هو السبب الذى جعل روز الان تذوب تحت شمس الظهيرة
هى ضائعة تماما.
بدت سيفيل مدينة خلابة
القسم القديم منها مؤلف من خليط فوضوى من الشوارع الضيقة
وفيما هم يجوبون تلك الشوارع اختفى جيمى وآن فجأة , تاركين روز واقفة فى شارع تحفه اشجار البرتقال وهى تتساءل اين هى , واين ذهبا.
بقيت تبحث عنهما لأكثر من ساعة الى ان شعرت بالعطش وقد اشتد عليها الحر وتملكها الضجر
سارت فى شارع ضيق اخر حتى رأت اخيرا امرأة تجلس بمفردها خارج احد المقاهى
وقررت روز ان تفعل مثلها فجلست على كرسى ابيض من البلاستيك غير نظيف تماما
خرج من المقهى رجل خشن المظهر نوعا , فطلبت قهوة وكأس ماء.
بعد قليل جاء رجل غريب واخذ يتحدث اليها
ابتسمت له بسخافة من دون ان تكون لديها فكرة عما يتحدث عنه
ولكن عندما امسك بذراعها قفزت واقفة ونفضت يده عنها
ولم تنتظر النادل
بل اندفعت الى داخل المقهى المعتم ثم وقفت امام مكتب الدفع وفتحت حقيبة يدها.
كيف امكنها ان تكون بهذا الغباء ؟ وجدت فى حقيبتها عدة جنيهات انجليزية , ولكن لا نقود اسبانية.
حاولت ان تعطى المحاسب شيكا لكنه رفض ذلك
حاولت ان تفهمه ان ينتظر حتى تجد صرافا يبدل نقودها بنقود اسبانية , لكنه لم يدعها تخرج من المقهى
اخذ يصيح بها غاضبا بلغته , ولم تستطع ان تميز من كلامه سوى كلمة ( بوليسيا) فأدركت انها تعنى الشرطة
لقد اصبح الوضع مهددا.
وعندما شعرت باليأس ذكرت اسم خافيار فالدزبينو والدون بابلو وطلبت من الرجل بالاشارة ان يتصل بهما هاتفيا.
رمقها صاحب المقهى بنظرة ارتياب من اعلى الى اسفل وكرر متسائلا:
خافيار فالدزبينو؟
ثم اشار يطلب اسمها
الدكتورة روزالين ماى
تنهدت بارتياح وهى تراه يرفع سماعة الهاتف
تبع ذلك حديث سريع بالاسبانية , وبعد دقائق تغير الوضع بشكل اثار حيرتها
ابتسم الرجل وناولها السماعة.
- ما الذى تفعلينه يا روزالين؟ وأين آن وجيمى ؟
قال خافيار هذا هادرا , فأجابت بحدة وقد كرهت ان يصيح بها:
لقد فقدتهما
- يا الهى ! لا يؤتمن عليك فى الخروج انتظرينى حيث انت
لا تتحركى ولا تتحدثى مع اى انسان اخر
سيمدك صاحب المقهى بما تريدين.
أفهمت؟ ....
-نعم
قالت هذا بوداعة اذ لم يكن لديها خيار اخر.
- والآن دعى صاحب المقهى يكلمنى من جديد
ما ان انتهت المكالمة الهاتفية حتى دفعها صاحب المقهى الى العودة الى الخارج, حيث مسح لها المقعد واشار اليها بالجلوس عليه.
ثم تملكها الهلع وهى ترى صاحب المقهى يجلس على كرسى بقربها
فشعرت كأنها تحت المراقبة.
تنفست الصعداء عندما اندفعت الى الشارع بعد عشر دقائق سيارة فيرارى حمراء , ثم توقفت خارج المقهى وصرير عجلاتها يرتفع عاليا, وقد سدت الطريق الضيق
ابتسمت روز عندما انفتح باب السيارة بعنف ونزل منها خافيار.
الا ان ابتسامتها سرعان ما تلاشت عندما رأت التعبير المتصلب الذى ظهر على وجهه , فأخفضت بصرها
كان يرتدى بنطلونا تبنى اللون وقميصا اخضر قصير الكمين.
- روزالين
صرخ باسمها فرفعت بصرها اليه كارهة, فارتجفت لرؤية التعبير الذى بدا فى عينيه
كلمة " غضب عنيف " ليست كافية لوصفه.....
***********