كاتب الموضوع :
سيريناد
المنتدى :
روايات فانتازيا
رد: 56 _ ليال عربية ( كتابة )
2- احكى يا شهر زاد ..
كانت هناك وسط النساء ..
الجو العام يوحى بأحد المخادع الشرقية التى رسمها ديلاكروا .. هناك ستائر .. الكثير منها .. هناك طنافس ووسائد .. هناك حوض ماء صغير يتصاعد منه بخار عطر الرائحة , وهناك طاووس أو اثنان يدوران حول الحوض ...
ربما وجدت نمراً كذلك لو بحثت بعناية ..
هناك جوار أكثرهن أفريقيات داكنات البشرة يقمن بتمشيط شعرها الأسود الطويل .. وهناك عبيد عراة الصدور سود البشرة من الذين يصلحون للمصارعة , يقفون فى شموخ وقد عقدوا سواعدهم على الصدور . شعرت بخجل لأن هؤلاء الأوغاد هنا , ثم تذكرت أن هؤلاء العبيد عولجوا بطريقة خاصة كى يخلوا من هرمونات الرجولة , ومهمتهم حماية النسوة فى الحريم ..
هناك جارية شقراء – لا بد أنها أوروبية – تعنى بأظفار قدميها , وأخرى تبدو كالصينيات تجلس جوارها ممسكة بصحفة عليها فاكهة طازجة .. شئ مستفز .. كأنها لا تستطيع التوقف عن التهام الفاكهة إلى أن تمشط شعرها , لكن من الواضح أن هذه حياتها ولا حياة أخرى .. أى أن يومها عبارة عن تبرج طويل فلا توجد لحظة خالية تأكل فيه
هناك من ترش عليها من قنينة عطر .. عطر مدوخ هو , يبدو أنه تم تقطيره من خلاصة الشرق ذاتها . جارية أخرى تحمل مرآة عملاقة تضعها أمامها ..
ترى عبير نفسها للمرة الأولى فى هذه القصة , فتدرك أنها ساحرة .. صغيرة الحجم دقيقة أقرب لطفلة .. لكن عينيها تشعان ذكاء وقوة شخصية , ومن الواضح أنها خبيثة كذلك ..
على رأسها عمامة عملاقة مزينة بريشة وماسة , وحول جيدها وفى ذراعيها كمية هائلة من الحلى والمجوهرات ..
هنا فهمت على الفور ..
لا توجد شخصيات كثيرة لها هذا الطابع , وهى تتخيل كيف كانت الملكة سميراميس تلبس وكذلك شجرة الدر .. نحن بالتأكيد فى بلد عربى فى العصر العباسى ..
شهرزاد ..
من سواها ؟
***********
كان هناك جالساً على فراش عملاق يبلغ ارتفاعه مترين , وقد اضطجع على جانبه ونزع عمامته فتدلى شعره الأسود الطويل الحريرى على كتفه , وكان يعبث فى لحيته بلا نوقف ..
تشق طريقها وسط غابة الستائر الحريرية لا تعرف أى طريق يقود إليه ..
هناك كان راقداً يدخن النارجيلة .. وقد وقف جواره ذلك العبد الأسود العملاق .. لا بد من عبد أسود لهؤلاء القوم وإلا فقدوا شعورهم بالتميز ...
هناك كان مضطجعاً يلتهم تفاحة حمراء ضخمة فى ملل , حتى ليوشك على أن يبصقها .. يأكلها ولا يريد ذلك لحظة ...
من يكون هذا سوى شهريار ؟
أخيراً بعد مسيرة ساعة وسط الستائر , بلغت الفراش فانحنت محيية بحركة رشيقة ذات طابع ملكى , فتوقف عن المضغ على سبيل التحية , ثم فرد لها العباءة التى وضعها على الفراش لتجلس فوقها .. تسلقت الفراش وتربعت شاعرة بأنها تغوص .. نعومة لا يمكن وصفها , فهل هو ريش النعام حقاً ؟
شهريار ..
الملك الشرقى الذى خانته زوجته فقطع رأسها , ثم قرر بعد هذا ألا يثق بأنثى للأبد .. وشعار حياته هو ( لا تأمنن إلى النساء .. ولا تثق بعهودهن ) ..
كان انتقام شهريار من جنس النساء شاملاً وقاسياً بالطبع ..
فى كل يوم يجلبون له عروساً عذراء يتزوجها ليلة واحدة , وفى الصباح يأتى مسرور السياف حاملاً السيف والدلو والنطع .
مسرور هذا يقطع رءوس الناس بالبساطة التى تقشر بها أنت ثمرة يوسفى . هكذا يهوى السيف ويسقط رأس العروس لليلة واحدة فى الدلو .. ويخرج المنادون ليبحثوا عن عروس أخرى ..
هذا يعنى أن هناك 365 رأساً مقطوعة فى كل سنة ...
هناك ملك آخر لم يقطع كل هذا العدد من الرءوس , لكن التاريخ منحه اسم ( شهريار بريطانيا ) , هو الملك هنرى الثامن ...
هنا تظهر شخصية شهرزاد الفريدة ...
إنها تلك الفتاة الذكية واسعة الحيلةالتى قررت أن تنجو بحياتها أولاً , ثم تنقذ نساء المملكة ثانية ..
لقد قبلت الذهاب لشهريار عروساً لليلة واحدة كما فعلت الفتيات الأخريات , لقد استشفت أن شهريار برغم هيبته الواضحة ولحيته العملاقة وعينيه المفترستين طفل كبير .. طفل يحب الحواديت كأى طفل آخر .. ويمكن القول أن هذا المعتقد يتسع ليشمل كل الرجال فى الحقيقة ..
هكذا بدأت تحكى له قصصاً ممتعة .. قصصاً لا تنتهى أبداً , وكل قصة تحمل نهاية شائقة .. كانت هى أول من ابتكر نظام ( القفلات ) أو Cliff Hangers إذن ..
هكذا يجد الأخ شهريار نفسه فى الصباح مخيراً بين الالتزام بعهده الرهيب وقطع رقبتها , أو الانتظار ليلة أخرى لمعرفة ما حدث بعد هذا ...
الطفل الكبير فضل أن ينتظر ..
والمشكلة أن كل ليلة تلد فصة أخرى لم تنته .. هكذا يكون عليه أن ينتظر ...
يشبه الأمر أن تحاول غلق باب تتدافع عبره أسراب من الدجاج .. لا تجد أبداً اللحظة المناسبة لغلق الباب ..
ظل الباب مواربا ً .. 1001 ليلة ... ثلاث سنوات تقريباً ...
********
لقد تضخم دور شهرزاد فى الوجدان الثقافى العالمى , حتى صارت ترمز للأنثى واسعة الحيلة التى استطاعت بذكائها ترويض الثور المشعر مفتول العضلات المسمى بالرجل .. لم يبقها حية سوى ذكائها وقدرتها على نسج قصص ممتعة ...
إنها الفنان عبرالعصور .. الفنان الذى يجب أن يقدم فناً جميلاً , وإلا طار عنقه .. النقاد سيطيرون عنقه والجمهور سيطير عنقه .. وهو نفسه سيطير عنقه , عندما لا يجد سبباً للحياة ..
هناك مسرور أبدى يحمل سيفاً ونطعاً وراء كل فنان .. ينتظر اللحظة التى يجف فيها فنه ..
وشهرزاد كانت فناناً .. فناناً خلدته الأساطير ..
فناناً لم يتوقف عن ابتكار قصص مسلية لمدة ألف ليلة وليلة ...
*******
|