الفصل الثانى
***
عندما وصلت هيلارى إلى الباب الخارجى سألها ليو بهدوء " جاهزه"
"نعم ,هل نذهب ."
رافقها إلى الخارج بعد أن جال ببصره عليها وساعدها بالدخول إلى سياره اللاند روفر .
غرقت هيلارى فى المقعد , وحدقت من خلال الزجاج , أفكارها عند عائلتها البعيده . لقد جعل ليو الأمر سهلاً . اذهبى ولكن كيف لها ذلك ؟ كيف لها أن تعترف بسرقه مدخراتها . ولكن المال الذى ورثته عن عمتها جاين ؟ لقد كانوا قلقين بشده عليها , ولكن ما الذى يستطيعون فعله وهم بعيدين آلاف الأميال عنها , لو أنها اعترفت فى البدايه لما كان الأمر بهذا السوء الآن , ولكن كيف يمكن أن تخبرهم الآن ؟بعد مضى حوالى السنه؟
قال ليو حين انسل إلى داخل السياره بجانبها :
" المكالمه الهاتفيه هى كل ما يلزم ياهيلارى ."
وتابع ويداه مسترخيتان عل مقود السياره ووجهه مستدير ناحيتها :
" او ربما رساله."
مانعت بفظاظه " لا "
" لماذا ؟ انى لا استطيع أن افهم لماذا تشعرين بالخجل عندما تكونين انت الضحيه البريئه...."
نكرت بحده :" أنا لا أشعر بالخجل ,فقط لا أريد ان اتكلم عن هذا الأمر ."
" هل المال هو السبب ؟ أو انه توقف عن حبك ؟"
انفجرت غاضبه وقالت : " لم يتوقف عن حبى أبداً لأنه لم يحبنى قط ربما لو احبنى لكان الامر اسهل عل لاحتماله.وسبب دعوته لى للخروج معه , ياعزيزى ليو ,انه سمع بعض الفتيات فى الوكاله يتكلمن عن المال الذى تركته عمتى جاين . أليس هذا رائعاً ؟ ألم أكن محظوظه ؟"
.
سألها محتاراً :" أين سمع بهذا ؟"
أجابته قائله :" فى المقهى قرب الزاويه القريبه من المكتب . هل تعرف ؟ أراهن ان نصف جرائم السطو والقتل تبدأ فى تلك الأمكنه . فى المقاهى . الناس يسمعون المناقشات , ماذا اشترى الناس والمال الذى بحوزتهم والناس متهورين جداً كل ما كان عليه فعله هو تعقبهن إلى الوكاله , ويدخل كمن يريد حجز بطاقه لقضاء العطله وهناك كانت هيلارى المغفله جاهزه وبانتظار الوقوع فى الحب هيستيرى , هه "
قال لها :" كلا ياهيلارى , ليس هيستيريا على الإطلاق تابعى."
سألته بمراره وهى تحدق بالزجاج المبقع بالطين امامها :" أتابع؟"
وتساءلت بعنف : "كيف استطعت ان اترك السافل يوقعنى فى غرامه ؟ كيف اخذت بكلامه ؟"
" لأنه ذكى,هل تعتقدين أنك الوحيده التى تخدع من قبل المحترفين؟"
"كلا , بالطبع لست كذلك , ولكن اوه ياليو , لقد كان طيباً جداً ,دعانى للخروج وكنت أكثر من ممتنه للقبول . طويل , أسمر البشره , ذو شعر ذهبى , عيناه مليئتان بالصدق والمرح وقد فكرت انه رجل دافئ وكريم . وهكذا كان ولكن على حساب الآخرين . وقد عارضنى بشده لأننى رفضت فكره الخطوبه بعد فتره قصيره من تعارفنا . وهون على مخاوفى من ترك أهلى , فقد قال اننا نستطيع أن نوفر المال ونذهب لزيارتهم , وهكذا ارتبطنا وسافر اهلى إلى استراليا , وقد رأى بيتاً صغيراً نستطيع شراءه وهو ليس بعيداً عن مربط قاربه."
قالت هذا باحتقار مع قليل من الإشمئزاز . وتابعت :
" لقد كان يستأجره وطبيعى انه لم يكن يملك المال لشراءه . اوه , قلت له بسرور ان استعمل مالى الخاص , وهذا ما قام به طبعاً وقد سجل الxxxx بإسمه . وهكذا عندما باعه من دون أن أعلم , لم أستطيع فعل شئ , لقد كان الأمر قانونياً أثثت ذلك المكان وانتقلت إليه !! "
.
استنتج ليو بهدوء :" وعندما عدت من الرحله التى اخذت فيها مجموعه سياح حول باريس . وجدت البيت قد دُمر ."
فسأل بهدوء :" كيف ؟"
استغربت سؤاله وقالت :" كيف ؟ ماذا تعنى بكيف ؟"
" حسناً , ليس من السهل هدم xxxx ."
انفجرت قائله :" ولكن ليس عندما يكون غير آمن ."
أصر قائلاً :" وهل كان كذلك ؟"
وبحركه غاضبه من يدها قالت بحده :" وكيف لى أن أعلم ؟"
مالت إلى الوراء وقالت بهدوء أكثر :
" لم يبد غير آمن , ولكنه قام بتخطيط المكان , وحتى لو لم يكن المخطط موافقاً معى. كتب التقرير من أجل ذلك . ولهذا لم نستطع أن نأخذ رهن xxxxى أو هكذا قال , وبإحساس داخلى . بدأت اقلق ولكن مع ذلك كلف اكثر بقليل من ثمن الأرض . مساومه حقيقيه . وهكذا إذا ما أعدنا بناءه بأسلوب افخم نكسب الكثير عند بيعه . مع انه كيف لنا أن نعيد بناؤه , لم يكن لدى أى فكره , ولكننى كنت كلما استوضحت شيئاً يضحك فقط ويقول : " دعى الأمر لى ."
" وهذا طبعاً ما قمت به لأنك وثقت به ."
" نعم ."
" إذا لم تتفاجئى تماما عندما وجدت الأمر كله قد ذهب ؟"
قالت له :
" كلا , اعتقد اننى لم اتفاجئ ليس فى البدايه, كنت فقط منزعجه من قيامه بذلك بينما أنا بعيدة .. وافترضت أنه وجد لنا مكاناً آخر نعيش فيه بينما يتم إعاده بناء منزلنا . ولم آخذ وقتاً طويلاً لأكتشف عكس ذلك . لم يكن هناك مكان اقامه آخر , ولا يوجد أى أثر لريان , لم أكن أملك أى مال , ولا ملابس , أو مقتنيات ,لا شئ . وقد قدمت شركه تتولى تصفيات المنازل بتنظيف المكان قبل هدمه والشرطه كانت لطيفه معى . ومتعاطفه , حتى ولو انهم لم يقولوا ذلك ولكن كان من الواضح انهم فكروا بذلك مغفله اوه . بدا الامر ظاهر عليهم . ورغم كل ذلك , كان قد سرق أغراضى . ولكن هل كنت لأقاضى ... حبيبى ؟ ولو لم يعطنى الكولونيل هذا البيت مقابل أجره ضئيله , فمن يعلم أين كنت الآن ."
" وكيف تدخل الكولونيل بهذا الأمر ؟"
أجابته :" عندما عدت ووجدت ان المنزل قد هدم كنت مذهوله ويائسه . فسألت عن الأمر فى القريه . وانتشرت القصه الحزينه هناك , وقد أرسل بطلبى الكولونيل , وها أنا ذا ."
.
" هكذا كتبت لعائلتك , مدعيه ان كل شئ على ما يرام ؟ ألم يندهشوا لِم لَم تتزوجى من ريان أبداً ؟"
قالت :
" طبعاً اندهشوا ." واعلمته أنها لم تنوه عنه فى رسائلها الأخيره.
عندما قام ليو بحركه صغيره , عادت فجأه إلى الحاضر أحست بهلع من أنها افرغت كل ما فى قلبها لهذا الجار الغريب , وقالت بصوت هامس وهى تعض شفتها :
" هل نذهب الآن؟ "
وكرد على سؤالها , ادار المحرك وأوصلها بسرعه وهدوء إلى بيتها.
تمتمت هيلارى بغير اكتراث :" شكراً"
التقطت حذائها المبلل وركضت إلى الداخل , واغلقت الباب بسرعه خلفها ثم اسندت نفسها عليه , واحست بالدموع تفيض فى عينيها .
صعدت إلى غرفتها مهمومه , جلست على حافه السرير رأسها بين يديها , وقد جلب حديثها مع ليو كل الذكريات السيئه من جديد ؛ الألم , اليأس , الإنفصال المؤلم مع عائلتها وكل هذا بسبب ريان...
فمنذ المره الأولى التى رافقها فيها لمقابله أهلها أحست انه لم يعجبهم . لقد كانوا مهذبين , ورحبوا به , ولكن لم يثقوا به . وريان لم يحبهم أيضاً . والدتها لم تدعوه باسمه , وكان هذا التصرف يدل على أنها لا تحب ذلك الشخص , زوج والدتها مايك , كان الشخص المحبب ولكن حتى هو عامل ريان بجفاء تقريباً .
وإذا كتبت لهم الآن لتخبرهم انهما انفصلا, فستوقعان عودتها إلى استراليا , وكيف لها ذلك وهى بدون مال ؟ لم تخسر فقط مدخراتها بل وحتى ثروه عمتها جاين , والمال الذى وضعه مايك فى يدها كهديه زواج مبكره .... لو استطاعت الاعتراف بغلطتها فى البدايه لكان الأمر سهلاً , ولكن كلما مضى الوقت أصبح الأمر أصعب .
.
أبعدت الذكريات والألم بعيداً ونهضت بتثاقل ثم أرقدت بنطالاً من الجينز الناعم مع بلوزه . ازاحت شعرها بعنف الى الوراء وربطته بشريط وحدقت بوجهها الشاحب بمرآه الحمام , استعادت صوره عائلتها وتسائلت هل ما زالت والتى نحيله ؟ او هل بدأت تكسب بعض الزياده فى وزنها ! وهل أصبح شعرها الاسود الناعم رمادياً ؟ ومايك , هل مازال طيباً ولطيفاً ؟ وشقيقها مارتن ؟ هل هو سعيد حقاً بزواجه من تلك الفتاه الاستراليه ؟
بتنهيده طويله وتعيسه , حملت هيلارى الثياب التى استبدلتها واتجهت بها إلى الأسفل . عندما دخلت إلى المطبخ توقفت مذعوره
كان ليو يجلس إلى طاوله المطبخ , وحجمه الكبير يظهر صغر الكرسى الخشبى الذى يجلس عليه , وذراعاه مطويتان على صدره الضخم .
أغلقت عينيها باإنهزام , إندفعت نحو الباب قائله :
" والآن ماذا ؟"
تراجع إلى الخلف فاهتز الكرسى تحته , وكان يحمل ساعتها يلوح بها , فرمت ثيابها المتسخه على الأرض ومشت باتجاهه لتأخذها ,
إلا انه ابعدها عن متناول يدها فصاحت به بانزعاج :
" أنا لست فى مزاج للعب ياليو , فإما أن تعطينى اياها او لا ."
بابتسامه بطيئه اعادها فانتزعتها من يده , وتمتمت بدون امتنان :
" شكراً لك "
" بكل سرور , اعتقدت انك ربما تحتاجينها , او تفتقدينها إذا كانت ثمينه , أو اذا كانت ذات قيمه معنويه ."
نظرت إليه بحده وادارت له ظهرها لقد كانت بالنسبه لها قيمه خاصه ,فلقد أهدتها والدتها هذه الساعه عندما بلغت الحاديه والعشرين .
ابتعدت عنه ووضعت الساعه على الرف فوق حوض الغسيل , وانحنت بعد ذلك لتضع ثيابها فى الغساله . فإذا كان غليظاً إلى درجه انه لايعرف متى يكون مرغوباً به فتلك هى مشكلته . وإذا حاولت ان تطرده فإن صراعاً مذلاً سوف ينتج عن ذلك وهى لا تريد أن تعطيه هذا الاكتفاء ,وعضت شفتيها بقسوه لتمنع نفسها من الصراخ فى وجهه ليخرج من بيتها . وألهت نفسها بالتفتيش على مسحوق الغسيل وبسبب عصبيتها اوقعت العلبه على الأرض وانتشر المسحوق فى كل مكان .
صاحت بغضب :
" والآن انظر ماذا جعلتنى افعل ."
وبعد ذلك أخذت اليه بتعجب عندما نهض ليو بكسل , وامسك بكتفيها يبعدها عن المكان . وقد شعرت بشئ من الانزعاج وهو يحملها بسهوله فوق الأرض . وعيناه مثبتتان عليها وابتسامته الخفيفه مرتسمه على وجهه , فانتاب هيلارى شعور غريب .
ولسبب لم تستطع تفسيره , وجدت انه من الصعب عليها ابعاد عينيها عنه .
.
همست من خلال شفتين مرتجفتين :
" انزلنى ." ولكن فقط بعد ان بدت وكأن دهراً قد مضى , أنزلها .
سألها بهدوء :
" هل لديك مكنسه ومقحفه ؟" وبعد ذلك كشر تكشيره صغيره ساخره لم تستطيع تفسيرها . بدا انه يتمتع بذلك تماماً, الأمر الذى جعلها تشعر بالخشيه والحذر منه وكأنه يلعب لعبه الانتظار .
قالت له بغباء عندما تذكرت فجأه وبدون سابق انذار كلماته عن ابن شقيقه : " اين هو ابن شقيقتك ؟ لقد قلت انه سيأتى لتناول الشاى ."
تمتم :
" بالطبع , ولكن وقت الشاى لم يحن بعد ."
سألته بذهول : " ألم يحن بعد ؟"
" كلا , سيكونان هنا عما قريب , كما اتوقع ."
سألته بحده : " سيكونان."
سيأتى مع والدته , شقيقتى , فهى تزوجت من رجل انكليزى , وهم يعيشون فى النرويج ."
غمغمت بصوت بالكاد مسموع :
" استطيع فعل ذلك ونظرت بوهن إلى الخزانه تحت حوض الغسيل , وخطت إلى الخلف عندما انحنى لالتقاط المقحفه والمكنسه .
تمتم بصوت ساخر :
" ولكنها غلطتى , انت قلت ذلك ."
بينما كانت تحدق فيه وهو يقوم بتنظيف المكان دهشت من احساسها بأنه يناورها . لقد كانت حواراً غبياً , والكلمات بحد ذاتها لا تعنى شيئاً , ولكن ما بالها ترتجف هكذا اذاً .
نظرت إليه بخشيه ,وتراجعت لتستند إلى الحائط , غاضبه من نفسها بسبب رده فعلها .
واخذت تراقب قيامه بالعمل واعترفت بينها وبين نفسها بأنه حقاً رجل رائع . لكنها لا تريد ان تخطئ مرتين وبنفس الطريقه , فكرت بذلك وهى تبتسم بسخريه .
انها مازالت تشعر بالضعف والحذر , وليس قبل وقت طويل يمكنها الوثوق بغريب من جديد . رجل مثل ريان , وممثل مثل ليو , لهم اختيارهم الخاص بالنساء , مما يدل على مدى غبائها لدرجه انها صدقت ريان , فالرجال مثل هؤلاء لا يصادقون فتيات امثالها . لم تكن ذا جمال آخاذ , وقوامها ليس كقوام عارضات ازياء . كل ما كان لديها هو بعض المال . والآن لا تملك شيئا منه , فقط بعض الذكريات المريره . إذاً ما الذى يريده ليو ؟ او ربما , كما احست من قبل , ان ما يقوم به كان ناتج عن اصابته بالملل والضجر . ولكن مع ذلك بدا من عينيه الرماديتين بأنه على معرفه بكثير من الأمور .
عندما وضع ليو المكنسه والمقحفه بيديها . اجفلت فقد انتشلها من افكارها . وبدت عيناها داكنتين وهى تحدق فيه.
تمكنت من القول :" شكراً لك "
بينما كان يعيد نظراته إلى وجهها المضطرب ,قال لها :
" أنا لا أؤدى ياهيلارى ." وجاء تعبير وجهه غير مفهوم اطلاقاً .
وكل ما استطاعت قوله بهمس :" كلا."
نظر إليها للحظات طويله , وبعد ذلك بابتسامه مرحه اخرى تمتم بلطف قبل ان يخرج :"اعتنى بنفسك ."
احست انها ترتعش كليا , وأخذت تحدق فى الاتجاه الذى خرج منه والمكنسه والمقحفه ما زالت تحملهما بيديها . كانت مشوشه الفكر كلياً , خاليه من أى حسّ أو شعور وعندما استدارت بسرعه انتثر المسحوق الأبيض من جديد على الأرض , فقط أخذته لترميه فى برميل النفايات ..
.
هل أراد ليو تقبيلها ؟ لكن لماذا ؟ لماذا ؟ لقد كانت تعامله بقسوه كريهه منذ أن التقيا واساءت الى حسن ضيافته ... لقد كان الجنون بعينه والجنون الأكبر , هو وقوفها هنا تستغرق فى احلام اليقظه .
لقد كانت تتوق للسلام والهدوء لكى تستطيع المضى بأعمال النحت خاصتها .
صنعت لنفسها سندويتش وفنجان شاى وأخذتهما إلى غرفه عملها . فتحت الباب , ووضعت وجبتها على المقعد لترتدى ثوب العمل , وتهيأت, لتبدأ بلمس الأشكال التى نحتتها قبلاً ,لكن ومع أنها كانت تقوم بشئ تحبه كثيراً , لم تستطيع ان تمحو ذكرياتها ....
ريان بوسامته , ومرحه , وعيناه الزرقاوان الرائعتان وبشعره الأشقر الذهبى والأمر الذى ستكون منيعه ومحصنه بالرغم من كل ما فعله معها . أرادت ان تكرهه , ومن ناحيه ما تمكنت من ذلك ولكن من ناحيه أخرى كانت ما زالت تريده . وبدا هذا اسوأ عمل ممكن القيام به , وهو الرغبه برجل يعتبر الحقاره ذاتها .
فكرت بيأس :
" آه , ياوالدتى , لما كان عليك الانتقال ؟"
لقد كانتا تتبادلان الرسائل الرسميه , كلمات لا عاطفه فيها خلت من كل ذلك الدفء الذى تقاسمتاه لوقت طويل , فالأمر لا يتعلق فقط بالكلمات القاسيه التى تبادلتاها حول ريان ,ولكن هيلارى كانت تجد صعوبة في ان تكتب لها عن سبب الكذبة التى تمثلها . ومايك كان دائماً كان دائما طيباً معها , ويمازحها ويجعلها تشعر انها مميزه وكأنه يحاول التعويض عن حنان والدها الذى مات وهى طفله . لم يرد ان يشعرها بأنها منبوذه عندما ولد مارتن , وفى الواقع لم تشعر بذلك .
إذا لماذا لا تستطيع اخبارهم؟ ربما سيتفهمون الأمر , هى تعلم انهم سيفعلون ذلك . لكن كبريائها كان يمنعها . لم يكتف ريان بتحطيم قلبها وثقتها بنفسها , ولكنه حولها إلى جبانه أيضاً .
حين أخذت تعمل ببطء , اصبحت منغمسه أكثر بما تفعله وتلاشت الذكريات واختفت , ابتعدت افكارها عن ريان وعن عائلتها , لم تعد تشعر بمرور الوقت , كان هناك تكات الساعه القديمه فى الزاويه لتكسرالصمت . انها هديه من الكولونيل , لكى ترافقها فى وحدتها وقد أصر على ذلك بابتسامته اللطيفه .
كانت رائحه الخشب افضل بالنسبه لها من أى عطر آخر , رائحته تملأ الهواء بينما تعمل عليه برضى وسعاده وكانت شمس الأصيل تتسلل عبر النافذه المنخفضه , تستطع فوق شعرها بطريقه رائعه , وتعطى لمعاناً لمجموعه الأدوات الموجوده على المقعد الخشبى .
بدت الغرفه صغيرة ,ولكن الشعور بالهدوء الذى تمنحه هذه الغرفه تبهجها وتدفئها . للمرة الأولى منذ عدة أيام شعرت هيلارى بالسلام , وكأن الألم والأذى قد دُفعا جانباً لفتره .
.
أن الصوت الخافت , جعلها ترتعب وتنظر إلى الأعلى , فاتسعت عيناها وهى تحدق بليو باستغراب .
اسرع يعتذر بلطف :
" آسف , اعلم اننى متطفل , لقد قرعت الباب لكننى لم اسمع أى جواب , آسف ."ابتسامته كانت رقيقه إلى درجه ان الكلمات الغاضبه التى كانت على وشك النطق بها علقت فى حنجرتها .
" لقد انقذت فرده الحذاء الأخرى خاصتك ." أضاف وهو يلوّح بها .
عندما لم تجب , واستمرت بالتحديق به بغباء , تابع قائلا " إذا وعدت بأن اكون هادئاً كالفأر , هل أستطيع أن أبقى واراقبك وأنت تعملين ؟"
سألته بصوت أبح وهى تنظر إليه " مثل الفأر؟"
استفهم متجهماً :" مثل الفيل إذن . إذ ا وعدت أن ابقى هادئاً جداً . هل أستطيع أن ابقى ؟"
لم تعرف كيف يمكنها الرفض دون أن تظهر قله الأدب , فحولت نظرها إلى قطعه الخشب التى كانت تعمل عليها ولكنها شعرت به يجلس فى زاويه الغرفه على المقعد الخشبى وذهلت عندما التقط احدى القطع المنحوته المنتهيه .
اختلست النظر اليه بطرف عينيها وهو يطبق بأصابعه عليها , كانت سعيده ومستغربه فى نفس الوقت من تعابير الدهشه التى ارتسمت على وجهه .
عندما نظر إليها بعينين ناعستين جاء صوته وكأنه غير مصدق , وعبر عن ذلك قائلاً كأنها طبيعيه تقريباً !"
أشارت بهدوء :" نعم , اغمض عينيك." وعندما اطاعها اضافت :" اشعر بها , حركها بيدك , ودع اصابعك تقرأها ."
بينما كان يطيعها دون تردد , اخذت تراقبه وتدقق فى ملامح وجهه لأول مره من معرفتهما . وحاولت معرفه ما الذى يشدها إليه احياناً , كان التركيز باديا على تعابير وجهه ولم يشكل بالنسبه إليها اى خطر على الاطلاق . كان يتمتع بملامح وجه قويه , عبست قليلاً فبدا وجهها مفكرا , ثم حولت عينيها الى يدى ليو وهما تكتشفان معالم المنحوته البيضاويه الشكل.
سألته بهدوء عندما نظر إليها بفضول:" بماذا تفكر؟"
قال :" هولندا , نعم هولندا , فمع اشعه الشمس التى تسطع على شعرك فتكسبه حمره متوهجه تظلل وجهك تبدين مثل روبين, او ربما مثل فانديك فى عتمه هذه الغرفه بينما رائحه زيت النفط ونشاره الخشب, يعيدانى الى هولندا."
شرحت مبتسمه :" ما الذى شعرت به عند ملامستك لهذه المنحوته؟"
بادلها الابتسام قائلاً :" نعم اعرف ."
وقف وحمل المنحوتة ثم تابع قائلا :" السلام والدفء الرضى والاكتفاء بصوره غير عاديه , تستطيعين جنى ثروه طائله اذاما بعتها لرجال الاعمال,كم مضى لك من الوقت وأنت تنحتيها؟"
أجابته موضحه :" ليس من وقت طويل , فقط منذ ان اتيت الى هنا . غريب كيف انتهت الامور أليس كذلك ؟ التقيت بالدكتور جوهانسن , رئيس المعالجين الفيزيائيين فى المستشفى المحلى بينما كنت التقط الخشب فى شاطئ كاتور . تحدثنا , وبدا مأخوذاً بوصفى للمنحوتات , وقبل ان اعرف اين انا رافقنى إلى هنا , اختار بعضاً منها ورحل , وبعد بضعه ايام عاد ليخبرنى ان ملمسها اعطى السعاده لمرضاه , وجمع بضع القطع التى يهتم بها , وذهب بصندوق ملئ منها ."
" وهل تزودينه بها منذ ذلك الوقت ؟"
" نعم."
" إذاً . كان لريان بعض الفوائد ."
هتف بتعاسه :
" ماذا ؟ اوه ياليو , لا تفعل, كم مره يجب على ان أخبرك بأننى لا أريد التكلم عنه؟!! "
لكنه أصر بشده :
" كم تحتاجين من الوقت لإدراك ان عدم ذكره سوف يبقيه حياً فى ذاكرتك ؟ إذا استمريت بالإدعاء بأنه غير موجود , سوف تدعينه ينتصر عليك , ان تعاستك بمثابه انتصار له."
" ولكن هذا ما زال لا دخل لك فيه ."
ونهضت بغضب وتقدمت نحوه وانتزعت المنحوته من بين يديه .
استفزها قائلاً :
" اسمعى , حده اعصابك معى لن تحل مشاكلك , اخرجى من برجك العاجى ياهيلارى , قبل ان يفوت الأوان , قبل ان تتحولى حقيقهً إلى امرأه متغطرسه التى كنت للحظه خلت تبدين مثلها ."
وبابتسامه ساخره لشكلها الغاضب الذى يغلفه الصمت , خرج من البيت , فرمت بأدواتها على المقعد بقوه تكفى لكسرها , أعادت المنحوته إلى الصندوق وركلته .
كيف تجرأ بأن يدعوها متغطرسه ؟ كيف تجرأ؟ وهذا لم يكن صحيحاً – فهى ليست متغطرسه اطلاقاً !
وماذا حصل للمرح اللطيف السلس الذى كان يمثله منذ قدومه؟ حسناً , لم يستلزم الوقت الطويل لإظهار طبيعته الحقيقيه ! وبإصرار مفاجئ على أن تكون لها الكلمه الأخيره , لحقت به وفتحت الباب الأمامى بقوه , صارخه فيه :
" أنا لست متغطرسه ! وحتى لو كنت كذلك , فلا شأن لك!"
عندما لم تتلق أى رد , رجعت هيلارى إلى الداخل وصفقت الباب خلفها ,ياله من سافل حشرى . ولم تكن فى مزاج الآن لإتمام عملها , فمشت إلى المطبخ , هذا ليس عدلاً , لما لا يدعها الناس وشأنها؟
شعرت بالدوار , وجلست بانهزام إلى طاوله المطبخ , من المحتمل أن يكون الجوع قد سبب لها هذا الدوار , وافترضت انه عليها تناول بعض الطعام ,ولكنها فى الواقع لا تشعر بالجوع كثيراً .
لقد خسرت الكثير من الوزن خلال العام المنصرم , وهذا الدوار الذى يحصل لها باستمرار , من المحتمل ان يكون تحذيرات لها لأن تتماسك , ولكنها كانت موجات تدعو إلى الاهتمام أيضاً , فلو حدث هذا لأى شخص آخر لكانت قالت له أن يخرج من هذه الأزمه وأن يتوقف عن الشعور بالذنب تجاه نفسه ....
كم من السهل تقديم النصيحه للآخرين . فكرت بهذا وهى تلوى فمها ساخره من نفسها , حقاً عليها العوده إلى لندن ,وكاله السفر سوف تنقلها لا محاله لو أنها طلبت ذلك . ومن المحتمل ان يشعروا بالسعاده للخلاص منها .