فهزت كتفيها بكسل وقالت" إنني لست لغزاً, إنني اغني لأعيش , وأنا ألبس زي الغجر, ولكنك تدرس التاريخ بينما كل شيء حولك يقول إنك غني وذو قوة في عالم اليوم"
فسألها بهدوء وكادت معه تغفل التوتر الذي بدا في كلماته لو لم تكن تنظر إليه " هل يهمك ثرائي كثيراً؟"
فقالت " نعم , إنني فضولية" حسناً , دعه يظن انها تتوق إلى الهدايا التي يمكنه ان يقدمها لها. ذلك لا يهم في خلال اليوم او اليومين اللذين بقيا لها في هذا البلد.
وفيما بعد. وهي ترتدي ملابسها المسرحية, لم تكد تصدق ماحدث معها اثناء ذلك النهار . لم تكن متأكدة كيف فعل ذلك, ولكنه جعلها تضحك وهما في العربة. لقد اشار إلى الناس الذين تحتهما وحدثها عن اعياد الكرنفال في الريو. وكانت تغيظه بقولها انه كان في كل مكان بحيث لم يعد يستطيع التمييز بين البلدان.
وقال ضاحكا"هذا صحيح تماما" ولكنها شعرت بتعب وراء ضحكه هذا. ثم حدثها عن غالاباغو في موطن امه في الاكوادور , كما حدثته هي ايضا عن شاطئ البحر المزبد على الدوام والذي يمتد امام منزل اهلها.منتديات ليلاس
وسألها " اين يقع منزل اهلك؟"
ضحكت مستنكرة فضوله وهي تقول " لن اخبرك, وسأكون كالغجرية , على كل حال , سأرحل قريباً"
قال " سأعثر عليك"
فقالت" لن يمكنك ذلك" اقترب منها وامسك بأصابعه خصلة من شعرها , شهقت قائلة " إياك.."
واخذ يعالج الشريط الذي يربط شعرها ليتناثر حول وجهها وكتفيها. وقال بصوت اجش" هذا افضل"
فأشاحت بوجهها عنه واخذت تحدق بالجموع تحتهما . ثم جمعت شعرها بيديها لتربطه. ولكنه كان قد اخذ الشريط لتلتف خصلات شعرها من بين يديها. واخيراً تركته منسدلاً وهي تتكلم مخفية بذلك اضطرابها.
وقال" اترين ناحية التل حيث البيوت تتصاعد ؟ لقد ذهبت إلى هناك في الأسبوع الماضي. يوجد هناك سوق يشبه الأكشاك في الكرنفال . ولكنها موجودة يومياً . هناك رجال مسنون ذو أيدٍ ساحرة تنحت على الدوام اشكالاً لأطفال واولاد ونساء يقمن بالحياكة"
الأولاد , لقد تحدثا ايضاً عن الأولاد , لقد اخبرها ان لديه ابنتين وابن اخت في الاكوادور. وشعرت بالدفء في صوته وشعرت بأن اولئك الأطفال يحبون خالهم بالتأكيد.
وسألته " هل تراهم كثيراً؟"
فأجاب" مرة او اثنتان سنوياً"
ولم يعد إلى سؤالها عن مكان ذهابها عندما ترحل عن ماريادا . كانا يقومان بلعبة وعليه ان يعلم انها هي الرابحة , وانها ستقدم آخر اداء لها ثم تختفي بعد ذلك, إنه يريد لاجيتانا ولكن تلك المرأة ضباب لا يلمس. كانت الغجرية تتملك روحها قليلاً عندما ترقص. وفكرت في ان ريكارود وقع في نفس الشرك. وهناك , فوق المدينة , كادت تتمنى لو تقوم بنفس اللعبة التي يريد.منتديات ليلاس
لعبة العشاق.منتديات ليلاس

ثم توقفت العربة, فنزلت منها بسرعة وهي تنظر إليه حذرة , قائلة " عليّ ان اذهب" ثم اندفعت راكضة بين الجموع قبل ان يتمكن من اللحاق بها.
كانت التخيلات هي دوماً اكثر الأمكنة امناً بالنسبة إليها .
قالت لها امها وهي تضع حول وسطها الحزام" إن وزنك ينقص , فأنت لا تأكلين الكفاية" اغمضت ماريا عينيها ووقفت جامدة بينما امها تنحني على الثوب. ثم قالت تطمئنها " سنعود إلى موطننا قريباً جداً. وعند ذلك سآكل جيداً كما تعرفين" هل سيكون هو بين المتفرجين هذه الليلة؟ وهل سيكون في استطاعتها ان تنسى عينيه عندما تبدأ الموسيقى.
ستكون هي آمنة فوق المسرح. ولو كانت ستتذكر ريكاردو , فإنها ستتذكر دوماً لحظاتهما تلك في العربة حيث كانت تضحك وتغيظه, شاعرة بالأمان التام.
سأعثر عليك...
قالت لها امها" مازال امامك عرضان آخران , هل انت متأكدة من انك ستكونين على مايرام إذا أنا تركتك غداً قبل آخر عرض؟"
فأجابت ماريا "طبعاً" كانت تعلم ان امها تحب ان تصل إلى البيت قبلهم لتجهز كل شيء من الأطعمة وتهيئة الغرف, كما تعلم ان آنا زوجة ميكيل ستكون قد قامت بكل ماهو ضروري , قالت لأمها " قبلي نيتا الصغيرة عني".ريحانة
واخذت امها تسوي من شعرها المتناثر وهي تقول " سيكون لأخيك ميكيل وزوجته طفل قريباً, كما ان اميليو لابد ان يتعرف إلى فتاة وسيتزوجان " ابتسمت ماريا وهي تقول " ان اميليو يعشق كل الفتيات. وهو الآن يلاحق ابنة اخت السيد ديسكانسو, بينما هي غير شقراء"
قالت امها ويداها مازالتا تسويان من شعرها " لقد ارسل إليك وروداً مرة اخرى , وكذلك قام ميكيل باستعلامات متحفظة حوله, إن اسمه الدكتور سوان ألانتز وهو رجل ثري"
لقد سألها , ماس؟ هذا إذا كانت جيدة جداً. وعادت امها تقول " واخبرني ميكيل انك رقصت معه في منزل السيد ديسكانسو ليلة السبت الماضي"
ونظرت ماريا إلى ملامح امها العابسة وقالت" نعم, لقد رقصت معه مرة واحدة. رقصت ايضا مع
السيد ديسكانسو الذي دعاني إلى تناول العشاء معه ومع زوجته في مدينة مكسيكو"
فقالت امها " لقد ارسل إليك الدكتور ريكاردو وروداً ودعوة مرفقة بها" وتقدمت ماريا لتقف امام المرآة التي عكست صورة امرأة محتدمة العواطف ترتدي ثوباً احمر. شفتان حمراوتان وشعر اسود بلمعة حمراء كالورود التي في المزهرية قرب النافذة .
وقالت " ارسلي الورود إلى دار الايتام " وفي المرآة رأت ماريا امها تهز رأسها بعدم القبول وهي تقول " يوجد معها مغلف , ربما يكون دعوة لك"
وتنهدت ماريا وهي تقول " يا أمي العزيزة, إنني اعلم انك تريدين ان اعثر على رجل اتزوجه. ولكن ليس كل امرأة بحاجة إلى زوج"

قالت الأم " ولكن عزيزتي ماريا في حاجة لذلك " كانت امها تقف قرب الورود. امرأة رائعة الجمال قد احبت زوجها بكل عواطفها طيلة حياتهما. ولم تعرف ماريا ماذا عليها ان تقول. إنها لم تعرف كيف ترد على امها في هذا الموضوع . ولقد كان ميكيل هو الوحيد الذي يتفهم ذلك الأمر. تمتمت امها " ليس بإمكانك ان تمضي حياتك كلها على المسرح"
واستدارت لتواجه امها قائلة " إن ريكاردو سوان يريد ما يريده كل رجل آخر" وكانت جاهزة للظهور على المسرح الآن, وقد ارتفع رأسها بكبرياء اسباني . كان لها تأثير اقوى من العواطف التي يريد ريكاردو ان يمتلكها.منتديات ليلاس
وقالت تسأل امها " لقد حان الوقت , أليس كذلك؟ إن ميكيل سيطلب لنا سيارة"
واصرت امها قائلة" إقرأي الرسالة اولاً" فأجابت ماريا للتحدث إليها" " هل لك ان ترسلي تلك الورود إلى دار الايتام من فضلك؟"
وسمعت ماريا امها خلفها تحتج على ذلك.
وعندما غنت تلك الليلة في الهواء الطلق , غنت لذلك الجمع ولم يكن للجمع ذاك اسم. لم تستطع ان ترى ريكاردو . وحدثت نفسها بأنها في امان مادامت الموسيقى وذلك الجمع امامها.منتديات ليلاس
وساد الصمت عندما انطلق صوتها بأغنية ( حب في لشبونة ) . كانت اغنية توقف انفاس المستمعين . كان بإمكانها ان ترى المستمعين كخليط من الاشكال خلف الأضواء. انتهت الأغنية وقد تركت عيناها على رجل يقف جانباً, أعلى من الآخرين. كان رجلاً فارع القائمة قد برق رأسه وكتفاه بوضوح بين الجموع. ولم تشك في ان هذا الرجل, هو نفسه.ريحانة
وفي اثناء عودتها في سيارة الأجرة إلى الفندق جلست في المقعد الأمامي حيث تجد سعة لثوبها الواسع المثنى لكي تنشره حولها. بينما جلس اخواها ووالدتها في المقعد الخلفي.
وبعد فترة , قال ميكيل " لقد وجه الدكتور سوان دعوة إلينا لمساء الغد. وستكون حفلة عشاء صغيرة في لوس اركوس وذلك بعد آخر حفلة لك"
" كلا"
قالت ذلك وهي تستدير إليهم, وكانوا جميعاً يحدقون فيها من المقعد الخلفي . وكان إميليو يهز رأسه بينما كان ميكيل وامها عابسين.
وقال ميكيل محذراً" يجب ان تكوني عاقلة يا ماريا"
فعادت تنظر إلى الأمام . وكان سائق سيارة الأجرة يراقبها بنفس نظرة الجميع إليها, هل يريد منها كل رجال العالم, نفس الشيء ؟ لماذا ينظرون إليها جميعاً والرغبة تتجلى في اعينهم ؟ تمتمت قائلة" إنه لا يعجبني"
ومال اميليو إلى الأمام ليضع يده فوق كتفها قائلاً بنفاد صبر" إن السيد ديسكانسو وابنة اخته بين المدعوين , فلا تفسدي الحفلة يا ماريا, لقد بقي يرسل إليك الورود طيلة الاسبوع"
فأغمضت عينيها وهي تقول " إذا كنت تريد ان ترى إبنة الأخت , فأذهب لرؤيتها وحدك. دعني خارج الأمر"

هدايا , ورود , حقيبة اليد الرائعة التي اشتراها لها , حلبة الرقص, لمساته , وعندما سألته إن كان يشتري لها الماس, وجوابه لها "فقط , إذا كنت جيدة جداً" يعني بذلك , جيدة في الحب والعواطف.
قالت مرة اخرى " كلا, لا اريد الذهاب"
ولم يفه احد بكلمة في المقعد الخلفي.منتديات ليلاس
وفي الفندق تبعها ميكيل إلى غرفتها . مشت ماريا نحو النافذة وهي تنزع الأمشاط العاجية من شعرها, لتضعها فوق المنضدة , كان اخوها واقفاً خلفها.
قالت" اسكب لنفسك كأساً من الشراب"
ومضى هو يسكب الشراب , كانت الورود قد اختفت من على المنضدة الصغيرة وبقي مكانها المغلف الصغير المكتوب عليه اسمها , ولم تكن بحاجة لقراءة ماهو مكتوب في الداخل, لتعرف انها دعوة لحفلة مساء الغد, واسرتها ستضغط عليها لقبولها.
وقالت " ان امي ساذجة " لم تنظر إلى اخيها وهي تتكلم . كانت تعلم انه سيخبرها برأيه. واخذت تنظر إلى اشجار النخيل وهي تتمايل مع النسيم على طول الشارع , وتابعت تقول " إن امي تظن ان دكتور سوان سيتزوجني , إنها تكاد تسمع اجراس الزفاف"
فقال ميكيل " لقد دعانا إلى حفلة العشاء مع نخبة من علية القوم , وسيكون من فساد الذوق ان نرفضها"
فاستدرات مبتعدة عن النافذة بغضب , وكان يحمل الكأس في يده , بينما بدت في عينيه نظرة عاقلة , وتابعت " إنني متعبة , إذهب إذا شئت اما أنا فلا"

نهاية الفصل

الفصل الرابع

نقلت الرسالة إلى ماريا في صينية الإفطار. ورأت المغلف الأبيض في اللحظة التي ناولها الخادم فيه الصينية. وكان مسنداً إلى زهرية طويلة نحيلة تحوي وردة واحدة حمراء.
عادت إلى فراشها ووضعت الصينية على ركبتيها . كانت القهوة ثقيلة , شربتها بتمهل وهي تنظر إلى المغلف.
كان اسمها مكتوباً عليه بخط يده , فقد سبق ورأت ذلك الخط الثخين عدة مرات هذا الاسبوع. وهو يعرف اسمها بأكلمله. فكيف امكنه ذلك؟ لقد كانت العامة تعرفها باسم لاجيتانا.
كيف علم بأنها ستكون في تلك الحفلة ليلة السبت ؟ وعرف في أي فندق تقيم, وهذا ايضاً ليس سراً ولكن .." إنني سأعثر عليك"
وضعت فنجان القهوة من يدها . لم يكن احد يعرف المنطقة التي تسكن فيها اسرة كونسرتا , ذلك ان والدها كان قد أصر على التخفي , واحتفظت اسرته بهذه العادة حتى بعد وفاته. فقد كان ميكيل وزوجته آنا يريدان ان ينشأ اولادهما دون ازعاج التصوير والأخبار عنهم. كذلك ارادت ماريا حياة خاصة بها تماماً بعيدة عن جمهورها. وبينما لم تستطع امها فهم السبب في هذا, فقد فهم ميكيل . كان ميكيل يتدبر الشؤون العائلية والمالية كلياً.منتديات ليلاس