وسألته " هل هنالك نصائح اخرى؟ لقد اقترحت علي ان اترك اميليو وان لا اربط احلامي بالسيد دسكانسو "
فقال" لقد قلت اشياء كثيرة, ولكن تأثيرك على الرجال كبير" وشدتها يده إليه في محاولة لتفادي العمود الذي كان اميليو قد اخذ مرافقته الصغيرة إلى خلفه . وتابع ريكاردو قوله" إنني متأكد من انك تدركين مبلغ تأثيرك على الرجل الذي ترقصين لأجله"
فسألته بصوت كالثلج" ماذا يعني هذا الكلام بالضبط؟"ومالت برأسها الى الخلف وهي ترفع انظارها اليه . لو ان ميكيل هنا, إن اميليو غير قادر على ان يرفع عينيه في هذا الرجل, إن العجرفة في عينيه تشهد بأنه يعلم تماماً مقدار قوته.
وتمتم مبتسماً ببطء" سنترك هذا الحديث إلى وقت آخر " وارادت هي ان تحول نظراتها عن نظراته ولكنها لم تستطع كما يبدو , ان تفعل أي شيء عدا التحديق إلى أعلى حتى ابتدأت تصاب بالدوار.
وقال بصوت اجش كصوت العاشق" إن لك عينين رائعتين"
فهزت رأسها وهي تزدرد ريقها, ثم اخذت تحدق الآن في كتفيه. كان يرتدي سترة بنية فاتحة اللون. وكانت عيناه خطرتين . ربما لأنه كان عليها ان ترفع رأسها لتنظر إليهما . إلى أعلى دوماً حتى انها شعرت بضآلة حجمها . ضئيلة , ضعيفة عاجزة.
وعاد يسألها " اين تلقيت ثقافتك؟"
هزت رأسها . لقد توقفت الموسيقى, اتخطو هي إلى الخلف مبتعدة عنه .
لكنه قال بهدوء ومازال ممسكاً بيدها , ويده الأخرى على ظهرها" كلا, سأطلب رقصة اخرى"
وتخيلت نفسها برعب , وهي تتركه هاربة لتختفي خلف العمود , ولكنه سيطاردها ليمسك بها بكل سهولة. وعزفت الموسيقى مرة اخرى , وابتدأ هو يتمايل معها.منتديات ليلاس
وعاد يسألها " اين تلقيت ثقافتك؟"
ردت عليه بنفس سؤاله " واين كنت انت ؟" كان هو قد ازداد اقترابه منها الآن , واصبحت حلبة الرقص اكثر ازدحاماً. وكان جسداهما يحتكان اثناء الرقص , وكان جو القاعة حاراً, خانقاً.
واجابها بقوله" تعلمت في مونتريال, ثم في كويتو, ثم في هارفارد, واخيراً في اكاديمية العلوم في لوس انجلوس "
لقد تلقى علومه في ثلاثة بلدان إذاً, كندا, الاكوادور, ثم الولايات المتحدة. وفتحت فمها , ولكنها لم تقل شيئاً. كل رنة في صوته كانت تخبرها عما يريده منها. لقد كان خطراً. لقد رأت ذلك في نظراته. إنه يريد الصورة التي شاهدها على المسرح. لاجيتانا. لقد كانت الغجرية امرأة خلابة. ولكنه من نوع الرجال الذين يحصلون دوماً على مايريدون . كان يريدها.
رفع يده الممسكة بيدها , إلى ذقنها يرفع وجهها إليه قائلاً" جاء دورك الآن لتخبريني "
همست " تشيواها , ثم لوس انجلوس , ثم مدينو مكسيكو"
قال" لوس انجلوس؟ متى كان ذلك؟"

لم تكن تريد ان تجيب , كانت تعلم انه كان عليها ان تمثل عليه دوراً, ولكنها لم تستطع خاصة معه هو"
وقال" انك لست كما كنت اتوقع تماماً"
وشعرت بجسدها يتصلب , وسألته " ماذا كنت تتوقع ؟" وادركت مذعورة انهما كانا يرقصان في الفسحة التي تقود إلى الشرفة. هل كانت خارجة معه الى الشرفة ؟ ارادت ان تبتعد عنه, ولكن كان عليها ان تسحب نفسها بشدة . وإذا هي تحدثت كثيراً, فقد تصرخ في النهاية بدلاً من الهمس. وشعرت انها ضعيفة هشة وان يده تستطيع ان تحطم يدها بسهولة.ريحانة
نظرت في عينيه , وشعرت بالسرور إذ حل الغضب في نفسها مكان الذعور وقالت " ربما توقعت ان أكون .. اسهل انقياداً؟"
كان يقترب منها , بينما اخذت هي في الابتعاد عنه , باتجاه الشرفة التي في الخارج . كان الهواء منعشاً وكان هو بينها وبين الباب المؤدي الى الضيوف.
واخيراً , كانا في الشرفة بمفردهما , كيف سمحت له بأن يفعل ذلك؟ واحست بخوف حقيقي , وتسارعت انفاسها.
سألته" هل ظننت انني ربما كنت ارقص الفلامنغو لأجلك ؟"
فقال بجد وقد ظهرت الرغبة في عينيه" توقعت اكثر من الفلامنغو"
فقالت تردد كلامه" اكثر من الفلامنغو؟" لقد كان الآخرون بعيدين عنهما الآن. ولكن الصراخ يتجمد في خلفها . ومالت برأسها إلى الخلف لتتمكن من النظر إليه غاضبة , وهي تقول" وما الذي جعلك تخطط لإقناعي بأن اعطيك اكثر من رقص الفلامنغو؟ إنني غالية الثمن. هل فهمت؟" وشملت انظارها الغاضبة جسمه بأجمعه وكأنها تقيمه بها , وتابعت تقول " ليس عندي فكرة عن اسعارك . ورود؟ اعلم ذلك. لقد ارسلت وروداً . وماذا يأتي بعد الورود؟" وعادت تلقي برأسها إلى الخلف تحدق في وجهه.
كان غاضباً وقد قست ملامحه, وامكنها ان ترى فيه شخصيتين متناقضتين. ريكاردو سوان , والرجل اللاتيني . ولكن لو لم تكظم شخصيته الاخرى الباردة غضبه لندمت على صراحتها تلك.منتديات ليلاس
وجذبت نفسها منه, فزالت لمسته عنها, ولكنه بقي يتأملها. ولم تكن هذه طريقة ناجحة للتخلص من أي رجل. لقد كانت تعلم ان ذلك سيسبب لها الازعاج , ولكنه اخرجها عن اتزانها, إذ وضع يديه عليها في باحة الرقص عندما لم تكن تتوقع ذلك, وهو الآن يقف كحاجز بينها وبين قاعة الرقص بقامته الطويلة وكتفيه العريضتين .منتديات ليلاس
وضحكت بشيء من التهكم قد يصدر عن غجرية حقيقية . وفجأة كانت مرة اخرى على المسرح, وكان هو الناحية الاخرى من النور. وكانت مسافة السنتمترات بينهما حاجزاً من نوعا ما. كانت هي لاجيتانا , غجرية اندلسية تشتعل ازدراء لاسباني غني يلاحقها بعواطفه.
كانت هذه هي المسألة . مجرد عواطف.
قالت" ياقوت؟ ذهب ؟ هل الثمن الذي يمكنك دفعه يصل إلى الماس؟"
قال بهدوء" هذا فقط إذ كنت جيدة جداً"

قالت " إنني غالية جدا" واطلقت تلك الضحكة التي نطقت بكل الكبرياء والعاطفة الجياشة التي يمتاز بها الفلامنغو , ثم مالت الى الأمام وهي تقول بوضوح" وأنا لا اريدك, إن الماس وحده لا يكفي"
جذبت تنورتها جانباً بعنف كما تفعل الغجريات اللاتي تقلدهن, واقشعر جسدها وهي تحاول المرور من جانبه وإذ به يمد يده تلك التي قبضت على يديها الاثنتين. لم يكن قد استعمل قوته تلك ضدها, ولكن كان في استطاعته ذلك بسهولة . وماذا كان في استطاعتها ان تفعل حينذاك؟ هل تصرخ ؟ وكيف تعلل هذا الأمر بعد ذلك؟ بمزاج الفنانة؟ ليس ثمة عذر آخر, فهو لم يلمسها إلا بمناسبة الرقص, وهو الآن خلفها . كان خلفها.ريحانة
واسرعت إلى الداخل , إلى الأضواء. ورسمت على شفتيها ابتسامة وهي تشق طريقها بين الراقصين . عندئذ, ولحسن حظها وجدت إميليو امامها دون ابنة اخت المضيف بين ذراعيه.
وقالت له وهي تمضي بين ذراعي اخيها " هيا, ارقص معي وارجوك لاتسمح لأحد ان يطلبني منك "

نهاية الفصل

الفصل الثالث

توقفت ماريا عند كشك يعرض مصنوعات جلدية. كانت تعشق الكرنفال , الموسيقى, الألوان, الأشغال اليدوية التي كانت تجلب من المدن لتباع في الازدحام . ناس كثر , ألوان كثيرة , كثير من الأصوات المشوشة. مدت يدها تتلمس الحقائب الناعمة.
انها ستكون على خشبة المسرح هذه الليلة. ولكنها تمكنت من الهرب بعد الظهر لكي تتفرج على شعوذات الساحر.
قال البائع" "بعشرة دولارات القطعة يتسنيورا , وهذا سعر خاص لك"
لقد تحدث إليها بالانكليزية وذكر لها السعر بالدولارات, مما يدل على ان زيها كان له تأثير بالغ, حيث كانت تتعمد الظهور بمظهر السائحة. كان صحيحا ما اخبرت به ديسكانسو من ان لا احد يتعرف عليها ان هي ارتدت الجينز وربطت شعرها الى الخلف بشكل ذيل الحصان.
واجابت البائع بالانكليزية باسمة"كلا, شكراً" وابتسم لها البائع بدوره.
وفي الكشك التالي وجدت ماريا امرأة مسنة تضع على كتفيها شالاً باهت اللون تعرض اطباقاً من السيراميك المدهون . ولمست بيدها زهرية رقيقة. لم يكن ثمة اسعار على المعروضات. الأسعار لم تكن ثابتة.

كانت مرتفعة بالنسبة إلى السائحين , وزهيدة بالنسبة إلى الموظفين .
فقالت لها البائعة" خمسة دولارات"
فهزت رأسها ثم تابعت طريقها . لم تكن تشعر بالرغبة في شراء شيء. كانت تريد فقط ان ترى وتلمس وتتنفس اجواء الكرنفال في ماريدا. تلمست عباءة منسوجة حمراء جعلتها تميل برأسها وتتفرس بين الجموع.منتديات ليلاس
كانت هناك عربة من الفولاذ اللامع في الزواية تبيع الفطائر . وفي اعلى العربة, قام موقد تعلوه مقلاة كبيرة , يتصاعد منها البخار. كان هناك غلام في نحو الرابعة عشرة, يحرك قطع اللحم في الزيت المغلي بشوكة طويلة في يده. اقتربت ماريا من العربة ثم وضعت قطعتين من النقود.
وقالت للغلام" اريد واحدة, من فضلك" لقد سبق وصممت على ان تمضي هذا النهار كسائحة لا تعرف كلمة من الاسبانية.
ورفع الغلام قطعة من اللحم من المقلاة . وشهقت عندما شعرت بيد توضع على كتفها, لتسمع صوت رجل يقول " إني مازلت اراقبك منذ كنت في الكشك الذي يعرض الجلود"
واستدارت لترى المتكلم . كان ريكاردو سوان. كان يحدق بها بفضول فاضح. لم تستطع الكلام برهة طويلة. ومالبثت ان تذكرت انها سائحة اجنبية لهذا النهار, فصممت على التظاهر بأنها اميركية من اصل انكليزي , وقالت بضيق وأدب" ارجو المعذرة؟"
فهز رأسه وقد اتسعت ابتسامته وقال " ماريا , ماريا كونسرتا"
فهزت رأسها منكرة ذلك.
وضغطت اصابعه على كتفها" مادمت ستتحدثين إلى في النهاية , فلماذا هذا التمثيل؟ لماذا تزاولين هذه اللعبة معي؟"
فهزت رأسها مرة اخرى ببطء.
وقال للغلام الذي يقلي اللحم" اصنع لي واحداً" كانت يده مازالت على أعلى ذراعها. فكرت في قبضته ستشتد فيما لو حاولت جذب ذراعها منه. فهي تعلم جيداً مدى قسوة قبضة الرجل.ريحانةمنتديات ليلاس
وقالت وهي تحاول ان تكبت صرخة"دعني"
فقال" ليس الآن, سنستعرض التمثيليات الاخرى اثناء تناول الطعام , أليس كذلك؟"
فقالت بحدة "كلا, لن نفعل ذلك"
فابتسم وكأن إنكارها لا يعني له شيئاً. رجعت خطوة إلى الخلف , وقد احست بشيء من الراحة حين ادركت انه قد خفف من قبضته عليها . مد الغلام يده لهما بالفطائر فاتجه ريكاردو واخذهما . كان خلفه رجل وامرأة في ازياء الأربعاء الكبير ضمن مجموعة من الرجال يرتدون سترات الشرطة.
وقالت له" اريد ان ابقى بمفردي يا دكتور سوان"
كانت قد قررت الهرب منه, من المؤكد انه لن يلحق بها, خاصة بين رجال الشرطة. بإمكانها ان تستدير هاربة ومن ثم تتلاشى بين الجموع.