فقال ريكاردو " ولكن دمي اللاتيني يغلب عليه دماء اجدادي الكنديين "وعلى المسرح , كان الفتى اللاتيني الوسيم يعزف على قيثارته بحرارة. وبينما كان ريكاردو يراقبه , تراجع العازف الى خلف خشبة المسرح.
وقالت كاتي تغيظه " إن ريكاردو يراقب فقط, ولكنه لا يهتم بشيء بعد ذلك"
فهز سلفيانو كتفيه قائلاً" أراهن على انه سيقع في شرك غجريتنا حالما يراها" واخرج من جيبه ورقة مالية وضعها على المائدة وهو يقول " هاك ياسنيورا. هذه عشرون الف بيزوس, هل تراهنين؟"
فقالت كاتي ضاحكة" موافقة, ولكنني احذرك فقد تخسر"
وابتسم ريكاردو لكلامهما الفارغ ذاك , لم يشأ ان يضايق سيلفيانو بقوله انه يظن ان النساء اللاتينيات عاطفيات وعنيفات اكثر من اللزوم. وكانت المرأة الشقراء الجالسة معهما تميل إلى رأي ريكاردو , ومن سوء الحظ ان كاترين جينان متزوجة .
لقد سبق وكانت له مواجهة عدائية مع زوج كاتي هذه, وذلك عندما كان ريكاردو يأمل في الزواج منها .فقد كانت تمثل فتاة احلامه. إذ كانت ذكية عاقلة هادئة, متعلقة مثله بالتاريخ والآثار, متزنة الأعصاب بخلاف اهل والدته اللاتينيين ومشاعرهم الغامضة .
كان ريكاردو يعتبر ان الزواج ينبغي ان يكون عقلانياً. ولم يكن يريد امرأة خالية من التفهم. لقد رأى ذلك يحدث بالنسبة للآخرين , مثل والدته. ومثل جوان كورسيكا الذي ظل يلاحق كاتي لفترة طويلة في انحاء اوروبا , قبل ان توافق على الزواج منه.ريحانة
وقالت كاتي بصوت منخفض " إذا انا خسرت الرهان , فسيكون من دواعي سرور زوجي ان يرسل إليك برقية تهنئة"
عاد المقدم إلى خشبة المسرح يعلن ظهور لاجيتانا.
فأجاب ريكاردو " اخبريه ان ذلك سيحدث عندما يصبح منزله كخرائب المايان " ذلك انه , بالرغم من قضائهاكثر حياته في المكسيك وفي الاكوادور , فانه كان مصمماً على ان يكون حبه , إنه هو وقع في الحب, مبنياً على العقل والتفكير الهادئ.
وسألها سليفيانو" برقية؟"
فقالت موضحة باشارة من يدها تعني انها وزوجها عندما كانا حديثي العهد بالزواج, قدم لهما ريكاردو خدمة .منتديات ليلاس
وعلى خشبة المسرح , وقف رجل مكسيكي نحيف القامة, امام مكبر الصوت, وبدأ يتكلم .
قال سيلفيانو " لا ادري من تكون هذه , عندما رأيتها في الشتاء الماضي في مدينة مكسيكو , كان والدها هو الذي قدمها للغناء, ولكنني لم أر هذا الرجل, واعتقد ان ذلك الفتى الجميل الذي يعزف على القيثارة , كان يعزف في مكسيكو ذلك الحين, آه , انظر الآن يا ريكاردو "
سرعان ما ومض امام بصره ثوبها الأحمر المكون من تنورة مغرية , ربما كانت من الساتان, ولكنها تعج بالحياة كانت عبارة عن طبقات حمراء تلتف وتدور , بينما شعرها الطويل الحالك السواد يلتف معها حول ظهرها وكتفيها بروعة لا تصدق. كان شلالاً من الشعر الاسود يتدفق على كتفين لامثيل لروعتهما.

ورفعت رأسها عالياً على انغام القيثارة , ثم تجمدت في وضع يأخذ بالحواس. وابتدأت القيثارة تعزف انغامها الشجية. وتحركت هي ...شعرها المتناثر على كتفيها العاجيتين بما يثيره من مشاعر , التنورة الطويلة الحمراء التي كانت ترتفع مع الألحان عن ساقين تفيضان بالأنوثة.
وبدا للحظة, انها خالية من المشاعر , ذلك ان ثوبها وحده هو الذي كان يتحرك . كانت الألحان تتخلل تلك التنورة الحمراء الثقيلة بعنف لتبرز مفاتن تلك المرأة , المستورة عن الأعين , وكان عنقها الغزلاني الطويل... ينحدر طيات الساتان الأحمر تخفي تفاصيل صدرها عن أعين الرجال.
وعندما تحركت ...
حدث نفسه بأن لا شيء هناك, وانه لا يستطيع رؤية شيء . لا شيء سوى الألحان . ألحان اسبانية . ألحان غجرية . الغموض الذي كانت تمثله هذه المرأة . العاطفة المشبوبة . الفتان الحمراوان المنفرجتان , صوت المرأة المبحوح , العينان .. لم يكن لو ن العينين واضحاً من هذه المسافة , ولكن المرأة نفسها كانت تتحرك وكأنما كانت تقاسيم القيثارة هي أنات حبيبها.منتديات ليلاس
كان في صوتها المبحوح دعوة لايمكن ان يخطئها رجل.منتديات ليلاس
كانت المرأة على المسرح تبدو كأنها تختنق بالأحاسيس والعواطف المشبوبة, لاجيتانا , لم يكن لها اسم على الاعلانات , لاجيتانا الغجرية , لم تكن في حاجة إلى اعلان.
تحركت نحو عازف القيثارة , وغنت , فسرى صوتها في عروقه ليزيد من سرعة الألحان وتزداد , من ثم , سرعة نبضات قلبه. وتمايلت برقصة الغجر حول نيران مضارب النور القديمة في اسبانيا.
ثم سكت صوت المرأة , ليعلو صوت القيثارة, وتحرك جسد الغجرية على الألحان القديمة. ومن مكان ما, علا صوت الصنجات ليختفي عازف القيثارة , وامتدت ذراعاها ترتفعان وتنخفضان باهتزازات منتظمة. ومرة اخرى, اخذ عقله يحلل سحرها منطقياً . الصنجات , وغيرها من الآلآت . لقد سبق ودرس شيئاً عن الآلآت الموسيقية المصنوعة من خشب شجر الكستناء , وذلك في مدينة مكسيكو.
كاكل جزء في جسدها يهتز على ايقاع الضنجات وحركات يديها وذراعيها . والموسيقى المثيرة تعد ..وتعد .. والعاطفة المشبوبة تمسكها بخيط واهن, كانت امرأة تنطلق كل حركة منها بالغواية .
وعندما تصاعد التوتر , وحبس المتفرجون انفاسهم , انفجرت الموسيقى , مع دقات كعبي حذائها على خشبة المسرح. وفجأة ساد الصمت وبدأت تلقي برأسها اماماً وخلفاً بما يوحي بالانتصار بينما اهتزت ارجاء المكان بالصفيق والهتاف.ريحانة

وتمسك ريكاردو بكأسه وهو يكافح رغبة مجنونة في ان يندفع إلى المسرح ليمنعها بالقوة من الرحيل.
ولكنها لم تكن راحلة بعد. لقد تقدمت نحو مكبر الصوت , بحركات بطيئة لايمكن ان تسير بمثلها امرأة في الطريق دون ان يتبعها الرجال. حركات بطيئة جعلت انظاره تتسمر عليها. لقد سمح لها تحركها البطيء نحو مكبر الصوت, بأن تلتقط انفاسها بعد ذلك الرقص المحموم . كانت على اهبة الغناء.
وابتدأت القيثارة تعزف الحان الغجر حول نيران مضاربهم , واهتز الثوب الأحمر ببطء.
ابتدأت الغناء ببطء ليسري في عروق ريكاردو ببطء مماثل , عاطفة مشبوبة احتلت مكان الثورة العميقة التي شعر بها وهي ترقص.
وامسكت يد كاتي بذراعه. وادار رأسه منتفضاً بعنف. كاتي بشعرها الاشقر المجعد وشفتيها العابستين . وكان وجهها اكثر امتلاءاً مما كان حين رآها للمرة الأولى . كانت مختلفة . لقد اصبحت اكثر نعومة واشراقاً نتيجة الحب الذي وجدته . كانت سعيدة بحياتها مع زوجها وطفلها القادم.
وقال" ماذا قلت يا كاتي؟" وهنا تحركت المرأة على المسرح , فلم يتمالك نفسه من التحول بوجهه نحوها ليراقبها.
وضحكت كاتي حتى توقف نفسها كأنما هي ايضاً قد ادركها سحر تلك المرأة وقالت" لا اظن رجلاً في هذا المكان مازال ضغطه طبيعياً, منذ ظهرت تلك المرأة على المسرح. ماذا جرى لنقودي, للعشرين الف بيزوس؟"
وأفلح ريكاردو في ان يبعد انظاره عن المسرح , عن تلك المرأة التي لا اسم لها . لتستقر عيناه على كاتي , بشعرها القصير الأشقر المتموج , وصراحتها , وعقلانيتها, اذا استثنى المرء غرامها بالرجل الذي تزوجته , فهي نوع المرأة التي سيتزوجها يوماً ما , تماماً.منتديات ليلاس
اجابها " لا تقلقي, فإنك لن تخسري نقودك , واخشى ان يكون سيلفيانو هو الخاسر في النهاية"
استقل سيلفيانو الطائرة , بعد ظهر اليوم التالي , من مطار ماريدا اما كاتي فقد تخلفت إلى مابعد القيلولة موضحة انها تنتظر مكالمة هاتفية من زوجها الذي كان في عمل له في باريس , وكانت هي تأمل في ان يعود إلى ماريدا في نهاية الأسبوع .
رافق ريكاردو سيلفيانو إلى المطار مودعاً, وسلمه صندوقاً يحوي آثاراً لاتقدر بثمن من آثار شعب المايان , لتسليمه للجامعة. ثم عاد ادراجه , ليس إلى مكان التنقيب عن الآثار , بل إلى مطعم لاكازا ديل فينيتو . حياه المدير وكأنه كان يعلم سبب حضوره.
تناول طعامه قبل ان تعود هي إلى المسرح . كان يأكل دون ان يجد لذة في الطعام, بينما كان يستمع إلى الموسيقى في انتظار ان تتبدل إلى صوت القيثارة , وهذا يعني انها قادمة إلى المسرح . وكاد يترك المكان بعد انتهائه من الطعام إذ شعر بنفسه مجنونا حين انحدر بأحاسيسه إلى هذه التفاهات .

لكن لاجيتانا جاءت .. اخيراً.
كانت ثنيات تنورتها الحمراء الطويلة تلوح حولها وهي تسير. القت برأسها إلى الخلف بكبرياء وتحد, ثم اخذت تغني ليشعر هو وكأن غناءها يسري في جسده. بينما اخذت اصابعه في التشنج.منتديات ليلاس
لقد امضى وقتاً طويلاً في العمل في ياكاتان. وكان ينوي السفر إلى كويتو لزيارة والدته وشقيقاته , ثم يقوم ببعض الأعمال هناك. او ربما يذهب الى نيويورك لزيارة سارا, وهي عالمة آثار كانت تعمل في الجامعة إلى ماقبل سنتين .ريحانة
كانت سارا شقراء طويلة القامة باردة الملامح. لايختلف مظهرها كثيراً عن كاتي. نفس نوع النساء الذي يفضل . هدوء, ذكاء , وعقلانية.
لاجيتانا.. المرأة التي تتعلم كيف تتحرك بهذا الشكل, لابد ان تتعلم قبل ذلك, الاغواء وحرارة الحركات. تتعلم ذلك حيث تتعلم الفلامنغو . هذا إلى جانب زينة وملابس خاصة وجو خيالي يجعل قلب كل رجل يتوقف عن الخفقان , وهي ترقص لعشاقها ايضاً, العاملين على خشبة المسرح.
لم يستطع ان يقاوم قناعته بأن الخيال يستحيل إلى حقيقة عندما تتحرك كانت حقيقة , كانت ترقص وتغني بصوت رائع , صوت منخفض أبح . وللكلمات .. لم يستطع ان يفكر بمعنى الكلمات. وعندما كانت ترقص, كان رقصها مشحوناً بالعاطفة , لو انها كانت ترقص بين ذراعيه وحدهما على ضوء الشموع , وثوبها الغجري يتماوج حولها كلما تزايدت سرعة الأنغام .
اخذ يراقبها بينما عقله يحاول ان يقاوم سحرها. كانت انثى في غاية الجمال والوضوح. ولكنه كان يحب المرأة المفكرة العقلانية , ولن يعود إلى هذا المكان مرة اخرى. ربما سيحلم بها كما حدث الليلة الماضية ولكنه لن يعود لرؤيتها مرة اخرى .منتديات ليلاس
وتحولت الأغنية الأولى إلى رقصة بينما ارتفعت الموسيقى بشكل صارخ. لاجيتانا .. ذراعاها وجسدها .. اخذت تتلوى دون كلام.. كان هناك فقط, الرقص والأحاسيس في دمه. لقد ظهرت بتنورتها الحمراء الواسعة وخيال ساقيها الرائعتين في ذهنه , وكأنه لم يكن متأكداً من انه رآهما من قبل . وكأن عليه ان يمسك يديه من ان تمتدا نحوها.
إن بامكانه ان يقسم ان آخر اغنية غنتها كانت موجهة إليه. كما انه كان يعلم انها لم تكن لتهتم بأي من اولئك المشاهدين , إلا إذا كان لها عاشق هنا, يراقبها . نظر حوله بعنف , فوجد الجميع يراقبونها , كلهم يتمنونها . أترى ثمة بين هؤلاء الرجال من يعلم انها ستأتي إليه فيما بعد؟ إلى حبيبها ؟
ربما كان الفتى عازف القيثارة هو حبيبها . لابد انه في مثل سنها. ربما كانت هي في العشرينات من عمرها وربما اكبر, مغطية إمارات السن بمساحيق التجميل, إنه يعرف بالخبرة ان النساء اللاتي في اوائل العشرينات , برئيات غالباً.
وعندما تصل المرأة إلى الثلاثين ...

كانت عيناها شبه مغمضتين , ونحرها مكشوفاً . كان صوتها يهمس بالغناء والحب للرجل الذي جاء إليها سراً. وكان عازف القيثارة يرجع بأنغامه صدى احاسيسها ولكن من الإنخفاض والنعومة بحيث يترك مجالاً لصوتها. لقد كانت لاجيتانا اكثر نضجاً من ان تناسب هذا العازف الفتي. لقد خلقت للحب , للعلاقات الخفية , للعواطف , في مدينة ماريدا الحارة .
كانت امرأة يدفع الرجل أي ثمن لكي يمتلكها . إنه يعرف هذه الاشياء, فقد سبق وامضى فصول صيف عديدة في الإكوادور , وذلك في حداثته , يراقب ابناء اخواله الاكبر سناً , وتلك السنة , عندما اصبح في الثامنة عشرة من عمره .. أليزا ..
إنها ستضحك بصوتها الأبح ذلك, وستبقى لآلئ حبيبها طويلاً حول عنقها الرائع , بعد ان يرحل حبيبها لاجيتانا , إنه سيعيطها لآلئ هو ايضا. كلا ليس لآلئ بل ياقوت احمر يناسب ثوبها الأحمر. سيضع حول معصميها أساور من ذهب, وعقداً من الياقوت حول عنقها.ريحانة
كان يفكر , طيلة الوقت, وكأنه حبيبها الوحيد, ولكنه يجب ان يتأكد من انه ليس لها حبيب آخر. لابد من ان يتأكد من ذلك.
ياللجنون ! عليه الآن ان يخرج من هنا. ان يسافر جنوباً ليتفحص عمل المدير الجديد لمناجم التعدين في الاكوادور, وبعد ذلك شمالاً إلى مناجم الذهب في كندا, ليعود بعد ذلك , شمالاً إلى مكتبه في اكاديمية العلوم, وكل مكان من تلك الامكنة , لا يوجد فيه غجريات.
وادارت لاجيتانا رأسها. انه يستطيع ان يقسم ان عينيها حدقتا به. لقد جعلت الاضواء عينيها تلمعان كنار خضراء. تلك التي تنضح بالحب والغموض . صوتها , حركات جسدها , عندما يزول عنها ذاك الغشاء الرقيق من ضبط النفس, تبدأ موسيقى حبها , لابد ان تصبح لاجيتانا حبيبته قبل ان يترك ماريدا.
كان مطعم لاكازا ديل فينيتو ليلة الجمعة, غاصاً بالجموع من محافظ المدينة إلى صاحب اكبر استديو للتسجيل في مدينة مكسيكو . ولم تلمح ماريا ذلك الرجل الاسمر الفارع القامة ليلة الجمعة تلك, كما إنها لم تبحث عنه .ليس تماماً.منتديات ليلاس
وليلة السبت, عندما كانت تقف خلف الستار على المسرح, في انتظار ميكيل لكي يقدمها كأول نمرة , نظرت ماريا إلى امها وهي تزيح الستارة جانباً.
وهمست ماريا وهي تمسك جانبي ثوبها الأحمر بيديها " هل هو هنا؟"
وعادت امها واسدلت الستارة . وهي تقول هامسة بينما يداها تسويان من ثوب ابنتها قبل الأغنية الاولى " الجميع موجودون , لقد جاؤوا لمشاهدة لاجيتانا"
وأزاحت ماريا جانب الستارة , لتميز بين الحضور محافظ مدينة ماريدا مع مجموعة من ضيوفه. وخلف المحافظ كانت مجموعة من ذوي الثراء وخلفهم ... ولم تسمح لها الإضاءة برؤية اكثر من ذلك.
وعادت تهمس " هل هو هنا؟"
فأومأت الأم بالإيجاب قائلة " نفس المائدة , إن لك تأثيراً هناك"