كان الوقت ليلاً , وضوء القمر في الخارج ... لبست ثوب البحر ولم تستطع العثور على الروب المنشفة . لا بأس , فان الهواء كان خفيفاً والمياه دافئة . انتعلت صندلاً وتناولت منشفة من حمامها , ومن ثم هربت من ذلك الصمت المقلق في منزلها .منتديات ليلاس
وفي الخارج , رأت البدر معتلياً قبة السماء . ولم تكن قد نظرت فقط إلى الليل والمياه , والقمر . وخلعت الصندل على الرمال وركضت حافية نحو الماء وحبيبات الرمل تتخلل اصابع قدميها لترتفع فوق سطح الماء. وما لبثت المياه ان تراجعت حولها مع الموجة المنحسرة نحو وسط البحر .
وقفت دون شعور , تتأمل المياه التي كانت تتحرك حولها . ورأت كابينة المركب عند المرساة . وكانت تعلو وتنخفض تبعاً لحركة المركب فوق المياه .
واستدارت تلقي نظرة على المنزل الذي كان يبدو كشكل اسود يعلو إلى السماء . كان ضوء القمر حولها يعم الأرجاء . اخذت تحدق في ذلك الشكل المرتفع حتى استطاعت تمييز مكان النوافذ . ثم نافذتها , وعندما تعودت عيناها على النظر إلى النافذة وجدتها مفتوحة على مصراعيها . وفي الطابق الأعلى كانت هناك نوافذ مفتوحة ايضاً . كان ريكاردو واقفاً عند النافذة الثانية من نهاية المنزل البعيدة . هل يا ترى كان ينظر إليها كخيال يبدو له في ضوء القمر ؟ وارتفعت المياه إلى خصرها فارتجفت رغم دفء المياه . إنها ستتحدث اليه غداً. ستخبره انها ستكون عشيقته إذا هو رحل الآن ليوافيها إلى مدينة مكسيكو . وهذا ما أراده هو منها منذ البداية . وربما في النهاية ستكون بالنسبة إليه كآثار المايان . ما ان يكتشف أسرارها حتى يدير لها ظهره ويرحل.ريحانة
كم سيدوم هذا ؟ شهوراً ؟ ربما أسابيع قليلة بعد انتصاره . وانقبضت يداها لتتسرب المياه من بين اصابعها . من الأفضل ان ينتهي كل هذا بسرعة . لا زواج . لا خاتم في اصبعها. ذلك انه إن تزوجها فسيأخذ منها كل شيء . موسيقاها ورقصها . وسيرحل بها عن منزلها عندما يضع ذلك الخاتم في اصبعها , وكل ذلك لأنها لم تعطه تلك العاطفة المحمومة التي رآها فيها وهي ترقص على المسرح . فاذا اصبحت عشيقته خارج نطاق الزواج فلا بد بعد ذلك من ان يطلق سراحها.
واخذت تحدق في ذلك السواد الذي هو المنزل, لترى شبح رجل يغادر ذلك السواد . ورفعت صوتها تنادية. كان في منتصف الطريق نحو الشاطئ متجهاً نحوها مباشرة . وكان يرتدي نفس الملابس التي كان يرتديها عندما احتضنها واخذ يلامس كتفيها وهو يخبرها انه يعرف ان الصرخة كانت في اعماقها . هل عرف ان ارتفاع ضربات قلبها كان بسبب قربه منها ؟هل عرف انه عندما دخل غرفة الطعام شعرت هي بالشراسة وعدم الراحة , وطلبت الحرية في الرقص وخشبة المسرح ؟
ووقف عند حافة المياه .

صرخت به " إنني لن اتزوجك , لقد طلبت مني أن أخبرك بذلك بدلاً من أن أصرخ به امام اسرتي . وهاكذا أخبرك الآن بذلك , ولن يكون هناك عرس"
كان يقف على بعد خمسة او ستة امتار منها . ولم تستطع رؤية ملامحه . كانت ترى شكله فقط . وكانت يداه مسترخيتين إلى جانبيه لا يبدو عليهما اي توتر .
جاءها صوته " لا تصرخي والمياه بيننا , كما هو الحاجز الذي بينك وبين المشاهدين في المسرح . أتظنين انني لا استطيع القدوم إليك داخل الماء؟"
فدفعت برأسها إلى الخلف لينزل شعرها إلى خصرها تقريباً . وقالت " إن ارسلت إلي وروداً في مدينة مكسيكو , عند ذلك سآتي إليك"
قال " وتكونين عشيقتي ؟"
اجابت بينما توترت اصابعها تحت الماء " نعم "
فانحنى , ثم اخذ يخلع حذاءه. فهمست " ما الذي تفلعه ؟"
ما كان ليجيبها لو انه سمعها , وابتدأ يفك أزرار قميصه . أبعدت المياه من حولها بيديها , وفي ضوء القمر , بدا امامها عاري الصدر.منتديات ليلاس
وغمرتها المياه إلى صدرها وادرات وجهها وغطست في المياه . واخذت تسبح لتصل إلى قمرة المركب قبل ان يلقي هو بنفسه في الماء . وعندما وصلت حيث يرسو المركب, كانت تلهث.منتديات ليلاس
امسكت بحافة المركب بيد , ثم اتبعتها بيدها الأخرى , لتصبح معلقة فوق الماء. عندما التفت ذراعه على وسطها تجذبها إليه . والتوى جسدها وافلتت قبضتها حافة المركب , ذلك انها لم تكن تجد قوة ضمن المياه .
وقبض على حافة المركب بيد , بينما احتضنها بذراعه وهو يقول " هل ستختبئين مني في مدينة مكسيكو ؟"
فقالت " كلا"
فقال " استديري الآن وأريني وجهك , ثم اخبريني انك تريدينني أن أرحل"
وسحب ذراعه من حولها . وكانت هي طافية على سطح المياه تحدق فيه .
وقال لها " إبقي لحظة قبل ان تهربي " كان صوته من الهدوء بحيث كان غريباً ان يصل اليها عبر الماء.منتديات ليلاس
وقالت " وما الفائدة هربي ؟ إنك أقوى مني , وستسبح خلفي إلى ان تمسك بي"
فقال " وهل سبق ان امسكتك حين كنت تريدين الهرب مني ؟"
فقالت وهي تعض شفتيها " نعم , في سيارتك الجيب عندما كنا ذاهبين خارج ماريدا"
فقال بهدوء" فعلت ذلك لكي احميك من مخاطر قفزك من السيارة . وكان بامكانك ان تصرخي طالبة معونة الشرطي حين مررنا به"
قالت " وهذه الليلة , سحبتني إلى مكتب ميكيل "
فقال " سحبتك؟"
وشعرت بالحرارة تسري في جسدها وهي تتذكر مشاعرها عندما كانت يده على ذراعها داخلاً بها المكتب, ليستدير إليها بعد ذلك ويحتضنها .
وقال آمراً" تعالي هنا يا ماريا "

فاقتربت منه سابحة في الماء حتى لم يبق سوى مسافة متر واحد بينهما . وعاد يقول " اقتربي أكثر, يجب ان يكون الخيار خيارك يا ماريا , لأنه لن يكون بعد ذلك أي سؤال "
فقالت بصوت أدنى من الهمس " بعد ذلك ؟ إنني لست ..."
قال " إنك كنت تنتظرينني , لقد أردتني ان آتي إلى هنا"
واخذت تتنفس بصوت عال , وعاد يقول " إنك وقفت يا ماريا في ضوء القمر , ورأيتني أراقبك من نافذة غرفتي حيث كان من المفروض ان أكون نائماً . هل ظننت أني نائم ؟"
قالت بصوت خافت " لقد حلمت ..." فألح عليها بلطف" هيا , اقتربي واخبريني بماذا كنت تحلمين؟"
هل هي التي اقتربت منه , أما انها حركة المد والجزر هي التي دفعتها نحوه ؟
وهمس وهو يمد يده " تقدمي " ومدت يدها إليه فجذبها نحوه . وهمست " ماذا ترتدي ؟"
فقالت " ثوب سباحة "
اغمضت عينيها وحاولت ان تتنفس . فقال " أعدك بأنك ستكونين في أمان " وتنفست بعمق . لقد كانت المياه حولهما . وكان الرجل الذي رأته في الحلم , طافياً قريباً منها ويده مشتبكة بيدها .
وقالت " لم أعد أشعر بالأمان منذ رأيتك تراقبني من خلف تلك الطاولة في مطعم لاكازا ديل فينيتو . وأنا الآن خائفة جداً".منتديات ليلاس
كان يجذبها نحوه. ومدت يدها الاخرى تمنع نفسها من الانزلاق نحوه كلياً . وسألها " هل تريدين ان تهربي يا ماريا ؟"
فأجابت " نعم ... لا ادري "
قال " ليس الآن ؟ اعطني قبلة اولاً"
قالت لاهثة " قبلة واحدة فقط"
قال " أعدك بأن ادعك تذهبين بعد ذلك "

نهاية الفصل

الفصل التاسع

تاهت عينا ماريا في انحاء غرفة نومها , وقد اختلطت الأفكار والمشاعر في ذهنها . منذ لحظات مددها ريكاردو على سريرها بكل رفق , ثم طبع على جبينها قبلة وهو يقول "سأتركك الآن يا حبيبتي . ولكن تذكري انك اصبحت الآن ملكي . إنك زوجتي الآن "
همست هي " كلا " ولكن كان قد ذهب بعد ان اغلق الباب خلفه بهدوء , لم يسمع كلماتها تلك.
زوجته .. زوجته إنه ما زال يفكر في الزواج بها ! هل تراه امتلكها في ضوء القمر لأنه لم يستطع ان يجرها إلى مخدع الزوجية ؟
إن الذنب ذنبها وهي المسؤولة عما حدث , لقد حاولت ان تتملص من الزواج, وذلك بتسليمها نفسها إليه , ان تعطيه فقط شخصية الغجرية , لقد كانت على خشبة المسرح . كانت حمقاء إذ ظنت انها يمكن ان تتخذه عشيقاً وتنجو من ان يتملكها . ريحانة
حمقاء...منتديات ليلاس
وألقت بالأغطية لتقف حافية في وسط الغرفة التي كانت غرفتها لسنوات عديدة .. الغرفة التي شهدت احلامها وتخيلاتها عن الحياة .
كان الغجر يلون السماء . وكان ريكاردو قد احضرها إلى غرفتها متأخراً . ولو تأخر لحظات أكثر لكان اهلها رأوهما يعودان في هذا الوقت إلى المنزل , كيف سمحت لهذا بأن يحدث ؟ لقد وقفت هناك , في الماء واخذت تتطلع إلى نافذة غرفة نومه متشوقة لأن يأتي إليها . لقد كانت تظن انه إذا اصبح عشيقها فسيتركها ويتخلى عن طلبه الزواج منها .
زوجتي ...
ها هو قد أوقعها في الشرك . بينما أمس فقط لم ينكر انه يحب كاتي جينان , ولكنه يطالب بماريا وكأن مسألة حبه ذاك لكاتي لا أهمية لها . لقد سمعته ينكر شعوره بدمه اللاتيني الحار الذي يسري في عروقه , ولكنها شعرت منذ البداية ان ثمة عرقاً اسبانياً قوياً موروثاً عنده .. عرقاً لا يمثل صفات الاسبان الحسنة , بل أسوأ ما عندهم . لقد ادركت ذلك الآن . انه مصمم على الاستحواذ عليها . ربما لأنها حاولت طويلاً ان تقاومه . إنه لم يحبها , ولكن هي الرغبة في التملك فقط.ريحانة
الغموض .. إنه رجل يفتنه الغموض . وفي ما بعد , عندما يكتشف ان الاثارة قد تلاشت بعد انكشاف
غموضها سيتذكر انه كان يحب امرأة اخرى ليبدأ عند ذاك في النظر إلى ماريا متمنياً لو كانت تشبه المرأة التي كان يحب . تلك المرأة التي لا يمكن لها ان تقارن نفسها بها . امرأة باردة شقراء اميريكية في كل شيء. الدكتورة كاتي جينان التي لابد انها كانت تتحدث معه عن شعب المايان , بينما هي وريكاردو يتحدثان عن كل شيء ماعدا تلك المواضيع التي تثير خياله.

دخلت الحمام تزيل عن جسدها بالماء والصابون المعطر آثار ملح البحر , ريكاردو سوان ... إنها أكبر غلطة اقترفتها .. إنها أسوأ من تفكيرها ذات مرة في ان تكون فتاة اميريكية عندما كانت في السابعة عشرة يوم وقعت في حب والاس. لقد أرادها ريكاردو زوجة له لتتخلى عند ذاك عن كل شيء لأجله , وعندما ينتهي حبه لها, لن يبقى لها شيء سوى الفراغ والرغبة المؤلمة إلى الأبد .
إنها تنتسب إلى الرقص , وستبقى كذلك إلى الأبد. كان يجب ان تتذكر ذلك. كان يجب ان تبقي احلام الحب على المسرح, حيث نشأت. وهناك وقعت في غلطتها الكبرى. هناك يمكن ان تصل إليه , كما لو كانت على المسرح دون ان يؤثر ذلك على حياتها .
إنها ستنسى الليلة الماضية تلك . ستنسى حبه ورقته التي غابت معها عن الوجود , والتي حملتها على البكاء . إنها تعلم جيداً الآن ان ريكاردو وحده القادر على ان يحقق لها ماهو اجمل من كل احلامها التي راودتها عن الحب. وكذلك من كل ما كانت تقرأه من الكتب التي تتحدث عن الغرام.
لكنها لم تحبه . ليس ذلك الحب الأبدي الذي كان بين أبيها وأمها , كان شعورها نحوه فقط .. ولكن , آه لو يمكنها ان تنسى جمال وروعة ما جعلها تشعر به وكيف كان صوته يلامس أحاسيسها وكأنها أثمن شيء عنده في الوجود.منتديات ليلاس
واستدارت نحو مجفف الشعر تجفف شعرها , الذي جعلته في أعلى درجة حرارة , ولكنه فشل في ان يجفف شعرها تماماً , واخيراً ألقت به جانباً بعنف . لماذا تهتم بالعناية بشعرها بينما حياتها سائرة نحو الدمار . كيف لم تفكر في ما هي مقدمة عليه , بشكل أفضل؟ إن من الجنون ان تفكر باتخاذ عشيق , أو لن تقوم بذلك فعلاً وأسرتها تحيط بها , كان يمكن ان يقعا , لو كان احد قد رآهما عند ذلك, في شرك الزواج حتماً , ولابد ان ريكاردو معتوه إذ يظن نفسه راغباً حقاً في ذلك الزواج.
وبلغ بها التوتر إلى حد تشنجت معه اصابعها لتنغرز في باطن كفيها وهي تفكر في ان الحقيقة هي ان رغبته لم تكن في امتلاكها , كلا , ولا امتلاك الغجرية التي فتنته برقصها وغنائها . كان الأمر أكثر بساطة من كل ذلك . لقد كانت الأقاويل عن غرامه بتلك المرأة الشقراء صحيحة . ولكنها متزوجة وتحب زوجها. وايضاً حامل من زوجها ذاك , مما كان يجعل ريكاردو في منتهى التعاسة والألم والغيرة كلما رآهما معاً. وفي تلك الليلة رقصا كاتي وزوجها , وجاء ريكاردو إلى ماريا ليرقص معها . منساباً بها إلى الشرفة ليقبلها حتى كادت تصرخ ذعراً . ذلك انها كانت امرأة لاتينية ذات شعر أسود طويل مما لا يدع له مجالاً ليتذكر تلك الحبيبة الشقراء القصيرة الشعر. إمرأة لا تعرف شيئاً عن الحفريات والآثار التي تفتنههما , هما الاثنان , هو وكاتي , امرأة كانت تختلف تماماً عن المرأة التي يحب.
كان يمكنها ان تفعل أي شيء لتوقف كل هذا , ان تدعي انها تعاني من ألم في كاحلها , اثناء حفلة العشاء تلك في ماريدا. وكان يمكن لها ان تبقى في فراشها أمس, بدلاً من ان تندفع خارجاً في ضوء القمر ثم .. ثم تدعوه إليها . حتى بعد ذلك عندما أتى إليها كان بإمكانها ان تقول لا ولقد اعطاها الفرصة لذلك , ولكنها هي التي رفضت.