لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-07-19, 12:48 AM   المشاركة رقم: 26
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2010
العضوية: 186360
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: yasmin.foll عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدTunisia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
yasmin.foll غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

بدأنا على بركة الله
لوسي يعيش معها حسن ما افتقده مع ابنه
دان من يكون لها بالضبط ؟
فصلان جميلان
في انتظار القادم

 
 

 

عرض البوم صور yasmin.foll   رد مع اقتباس
قديم 16-07-19, 08:15 AM   المشاركة رقم: 27
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasmin.foll مشاهدة المشاركة
   بدأنا على بركة الله
لوسي يعيش معها حسن ما افتقده مع ابنه
دان من يكون لها بالضبط ؟
فصلان جميلان
في انتظار القادم

القادم قادم بإذن الله..

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 16-07-19, 08:18 AM   المشاركة رقم: 28
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

(4)

حينما وصلت الأشباح الثلاثة إلى الكوخ لم يكن هناك أثر لحسن على باب الكوخ..
توقعوا أنه غافي بالداخل مع الفتاة منذ البداية؛ لذا استعدوا بأسلحتهم لاقتحام الكوخ وتصفيته بسرعة، واستخلاص
الفتاة والشرائح..
وهكذا وقف ديفيد بالخارج بينما اقتحم شامير وإيزاك الكوخ شاهرين أسلحتهم..
ـ لا أحد بالداخل!
هنا جاوبهم صوت عظام تتحطم بالخارج، مع صوت صرخة مكتومة..
حينما غادرا الكوخ وجدا زميلهما ملقى على الأرض مهشم الأوصال، وقد استلب منه سلاحه..
ـ ديفيد ماذا حدث؟..
جائم الجواب من الخلف حينما سمعا تكة السلاح المميزة مع صوت حسن يطلب منهما إلقاء السلاح..
ألقيا السلاح بلا تردد واستدارا ببطء.. وجدا حسن يصوب إليهما سلاح ديفيد وهو يقول بهدوء:
ـ بالنسبة لرفيقكم فقد كسرت ذراعه اليمنى وساقه اليسرى.. لكنه قد يكون أسعد حظاً منكما لو حاولتما إغضابي..
ـ لا تنفعل هكذا يا أبت..
قالها إيزاك مصطنع المزاح، فقال له حسن بصرامة :
ـ أبحث عن أبيك بعيداً عني يا هذا.
ابتلع إيزاك لسانه ونظر لشامير مستنطقاً إياه..
وضع الأخير يديه فوق رأسه وصاح بصوت مبحوح:
ـ لم نأت لإيذائك يا أبت.. فقط أردنا الفتاة والشرائح..
ـ الفتاة لا تريدكم.. والشرائح قمت بحرقها بنفسي..
هنف إيزاك محنقاً:
ـ تباً.. هذا سيغضب دان..
قال له حسن ببرود :
ـ سأعد حتى ثلاثة.. أريدكما خلالها أن تحملا رفيقكما وتغادرا المكان..
صاح شامير في ذعر :
ـ لا ليس ثانية .. ثلاثة قليل جداً يا رجل.. لن أتمكن من أن..
قاطعه حسن ببرود:
ـ واحد!

***

ـ لقد رأيتك من بعيد وأنت تهشم عظام ديفيد.. أين تعلمت أساليب القتال تلك؟..
دخل حسن الكوخ فألقى قطع السلاح التي غنمها في ركن، والتفت إليها حيث هرولت خلفه.. قال لها :
ـ لقد خدمت في شبابي في الجيش..
كورت لوسي قبضتيها ووقفت وقفة قتالية مضحكة وهي تقول بحماس طفولي :
ـ لن أدعك حتى تعلمني..
أشار إلى فراشه الذي هجره من أجلها وقال :
ـ نامي الآن وفي الصباح سأعلمك كل شيء..

***

العجوز يعرف الكثير فعلاً..
هذا ما تأكدت منه في الأيام التالية التي قضتها معه.. لم تتركه حتى علمها كيف تدافع عن نفسها بسلاسة حتى وإن كان من يهاجمها كل عصابة دان دفعة واحدة.. فستعرف كيف تحولهم إلى حفنة من ذوي العاهات في ثوان.. هذا هو الإحساس الذي داهمها بعد كم التدريبات التي لقنها إياها..
قال لها :
ـ لا يهم كم عدد من يهاجمك.. ولا يهم مقياس قوتهم إلى قوتك.. المهم هو هنا..
وأشار إلى جهة قلبها..
ـ عقلك وهدوئك هو المقياس الحقيقي لقوتك.. احترسي من الخصم العاقل والهادئ، وإن كان أقل منك قوة، بأكثر مما تحترسين من القوي الأحمق والغضوب..
لم تنتهي دروسها مع العجوز على تعلم فنون القتال بالأيدي أو بالسلاح وفقط ..
لقد رأت منه أشياء أعجب وتعلمت منه أشياء أخرى لم تكن تجري بخاطرها..
كانت تحب مراقبته وهو يصلي، وتنصت إليه وهو يقرأ بصوت رخيم في كتاب صغير يدعوه مصحفاً..
سألها مرة عن ديانتها فقالت أنها لا تدري..
قال:
ـ توقعت أن تكوني يهودية مثلاً..
ـ من أجل دان وعصابته من اليهود؟.. أنا لا أعرف لي دين معين منذ وعيت على الدنيا..
ـ ملامحك عربية.. من يدري ربما تكونين مسلمة على الأرجح..
قلبت شفتيها وهي تهز كتفيها بمعنى أنها لا تدري.. ولا تعبأ..
نظر لها ملياً ثم سألها :
ـ هل تمانعي لو اخترت لك اسماً عربياً غير اسمك هذا؟
فاجئها السؤال.. فكرت قليلاً ثم ردت بسؤال :
ـ وماذا ستسميني؟
نظر للصحراء الممتدة كأنه يستلهم منها اسماً ، ثم عاد ليهمس لها :
ـ ليكن .. ليلى..
قالت باسمة :
ـ إنه قريب من لوسي..
هز رأسه ببطء نافياً ..
ـ شتان..
ساد الصمت بينهما برهة، ثم خطر لها سؤال فقالت:
ـ ما معنى أن أكون مسلمة؟
جذب نفس عميق ثم أغلق المصحف ورد على سؤالها بسؤال:
ـ ما هو هدفك في هذه الحياة؟..
ـ هدفي أن أحيا آكل وأشرب وأنام ملء جفوني..
ضحك وقال:
ـ هذا هو هدف سائر البهائم والحيوانات يا ليلى.. أما البشر فقد خلقوا لغاية وهدف أسمى.. أمانة عظيمة تحملها الإنسان وأشفقت منها سائر المخلوقات.. لكن ذلك الهدف وتلك الغاية طمست معالمها في غالب عقول البشر..
فتحت عينيها وقلبها لكلامه.. تلاشت الصحراء القاحلة من حولهما وحلت محلها مروج خضراء وينابيع عذبة.. شعرت بحلاوة في حلقها، فقالت لنفسها ذلك هو مذاق الحياة الحقيقية التي لم تعرفها.. لأول مرة تشعر بكينونتها.
طلبت منه المزيد، ففتح لها كتب في الدين والأدب والتاريخ، فتح لها باباً على دنيا عاشتها لعقدين من الزمان، ولم تعرفها..
تحت فروة رأس ذلك العجوز يوجد كنز أغلى من الشرائح التي عملت على سرقتها مذ نشأت مع عصابة دان..
أعطاها نبذ من تاريخ العالم القديم والحديث، كيف بدأت الدنيا وإلى أين صارت بالبشر في دوامات من المحن والابتلاءات والدسائس والمؤامرات، حكى لها عن النخبة الحاكمة أصلهم وفصلهم، كيف سيطروا على مقاليد الأمور في العالم، وصهروا الدول والشعوب والقبائل والطوائف تحت ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، ثم صاروا هم يفرقون ويميزون بين البشر، درجات وشرائح بعضها فوق بعض، وهم وحدهم على قمة هرم النظام العالمي..
استيقظ العالم على نظام هو أبشع ما توصلت إليه قرائح الطغاة عبر العصور..
استغربت كيف يعرف كل هذا رجل يحيا وحيداً بالصحراء، إنه يعرف عن النظام العالمي أكثر من هؤلاء الذين يحيون ليل نهار يسبحون بحمده، أو حتى هؤلاء الذين يناصبونه العداء.. سألته عن حياته السابقة فحكى لها ماضيه مع النظام العالمي الجديد .. لعلها المرة الأولى التي يحكي فيها تلك التفاصيل لكائن حي.
ـ لماذا اخترت الصحراء؟
ـ لا يوجد أصفى ولا أنقى من جو الصحراء..
ـ وكذلك لا يوجد أقسى منها..
ـ النظام العالمي أشد قسوة .. أما الصحراء فهي أقرب لأب يقسوا على ابنه كي يصقله..
قالت له وهي تمسك بحفنة رمل، ترفعها أمام عينيها ثم تنثرها في الهواء:
ـ هل ترغب في أن يحذو الناس حذوك؟
قال وهو ينكت بعود في يده :
ـ لا أجد لهم طريقاً أخر..
ـ تريد من الناس أن يتركوا العمران والحضارة ويعودوا للصحراء؟
ـ أنا لا أدعو للتصحر.. أنا أدعوهم حيث كانوا أن يزيلوا غبار القرون الذي علا فطرهم .. لقد لذت بالصحراء لأنها كانت أرحم بي من الخلق.. حتى من أقرب الناس إلي.. ولو وجدت يد حانية في عالم العمران والحضارة لما جئت لهنا..
قالت بشفقة تسللت كقطرات الماء العذب عبر شقوق روحه العطشى:
ـ تحيا هنا بلا أنيس ولا جليس؟
هز رأسه نافياً، وقال:
ـ لم أعد كذلك يا ليلى..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 17-07-19, 08:25 AM   المشاركة رقم: 29
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

(5)

أخذها بسيارته المكشوفة إلى مخيمات البدو التي تقبع بالقرب من كوخه.. قال لها أن هناك عقيقة وهو مدعو إليها، لم تفهم ما هي العقيقة لكنها أدركت أنه سيكون هناك الكثير من لحم الضأن..
كانت تخشى مثل تلك الرحلة فحياتها مع عصابة دان علمتها أن البدو هم أعدائها الطبيعيون.. حاول أن يطمئنها فقال لها أنهم من بقايا الزمن الغابر الذي لم يتلوث بمعاول الحضارة بعد.. ربما لضيق ذات اليد.. وربما لأن جيناتهم ترفض عالم النخبة المعدني البارد الخالي من الحياة..
بعكس الصحراء التي تشعرك بأن كل ذرة رمل فيها لها حياتها المستقلة وإن امتزجت مع مثيلاتها لتنسج تلك السجادة الصفراء الشاسعة التي يفترشونها صيفاً وشتاءً..
كان يحمد الله على أن يد النخبة الطائلة لم تصل بعد إلى الصحراء.. الصحراء هي المكان الوحيد الذي يهمله الطغاة غالباً ولا يلتفتون إليه..
حينما وصلوا إلى مخيمات البدو رأت ليلى حشد من الأطفال الصغار حفاة الأقدام باسمي الثغور يعدون ناحيتهم مهللين.. ولم يكد حسن يترجل حتى أحاطوا به من كل جانب وجعل هو يضمهم إليه بحنان جارف، كأنها عودة أب غائب لأولاده من صلبه. إنه يحفظ أسمائهم جميعاً ويسأل كل منهم عن حاله وحال أبيه، كم حفظت من القرآن يا على؟ أنت تتقدم على أقرانك يا فتى، وأنت يا بلال؟
بدأوا يلتفتون لليلى بوجوههم المغبرة برمال الصحراء الطاهرة وعيونهم التي تشع ذكاءً.. كانوا مستغربين من رؤيتها مع صاحبهم الذي كان شعاره الوحدة والتفرد.. من هذه يا عم؟
ـ أختكم ليلى..
ـ أنت لديك بنات؟
يبتسم حسن وهو ينظر لليلى :
ـ رزقت بها منذ أيام..
قال لها وهم يمشون بصعوبة بين الرؤوس الدقيقة، أن هؤلاء الأطفال كنز المستقبل.. لقد نشأوا على فطرتهم بعيداً عن صخب العالم وملوثاته السمعية والبصرية، وبقليل من الجهد والمثابرة سينشئون رجالاً كما ينبغي أن يكون الرجال.. النموذج المثالي الذي تنهض بسواعده الأمم.. النموذج الذي يحلم به حسن..
البدو هنا لا يستوعبون كثيراً من كلامه هذا، لكنه لا يشعر باليأس أو الإحباط أبداً. يقول لنفسه: غداً سيفهمون، ويكفي أنهم يثقون فيه.. يعتبرونه حكيم الصحراء الذي يأتي إليهم بين الحين والحين لينثر عليهم فيض من حكمه التي لا تنتهي.. إنه الوحيد الذي يملك كتباً في هذا الجزء من العالم الذي كف عن القراءة منذ عقود، فسكان الصحاري قد عادوا لتلقي العلوم عن طريق السماع.. أما أن يكون مصدر علومك هو الكتب فأنت بالنسبة للبدو تعد علامة زمانك وأوانك؛ لذا كانوا ينصتون إليه ويحاولون فهمه قدر المستطاع، وهو كذلك كان يحاول تبسيط الأمور لهم قدر المستطاع.. كذلك لم تتوقف فوائده لهم على النواحي الثقافية فقط، فخبراته القتالية التي لم تفارق دمه إبان خدمته العسكرية، كانت مفيدة جداً لهؤلاء الذين يعيشون حياة قاسية لا تخلوا من الصدامات العنيفة مع عصابات الصحاري.. هؤلاء الذين جاءوا من شتى بقاع الدنيا بعد أن لفظهم النظام العالمي، ليجدوا لأنفسهم هنا مرتعاً خصباً للممارسة شتى أنواع الجريمة بلا رقيب أو حسيب..
لقد نقل حسن إلى البدو خبراته العسكرية النظامية، وجعلهم يفاجئون تلك العصابات بأساليب لم يألفوها في قتال الصحراء الذي يعتمد غالباً على الفطرة الصحراوية، لذا فقد عاد إليهم قدر كبير من الأمن والرخاء مع ظهور ذلك الرجل الغريب والفريد في حياتهم.
مجرد رجل واحد ووحيد، فماذا لو كان هناك دستة منه في هذا العالم؟ حسن كان يعتقد أن من هم على شاكلته لا يلتقون غالباً، لأنهم جميعاً هائمون على وجوههم في الصحاري والقفار، فارين بأرواحهم من هوس النظام العالمي..
وصلوا لخيمة شيخ البدو الذي استقبلهم بوجه بشوش وإن لم يفت ليلى تلك النظرة المستغربة التي رماها بها.. إنه عجوز متماسك مثل حسن، وهو سليل قبيلة عريقة يعرفها الأخير جيداً.. توقعت ليلى أنه سيثب بها متهماً إياها بسرقة بعض رؤوس الماشية العام الماضي.. هؤلاء البدو لا ينسون الوجوه بسهولة.. أما هي فتنسى دائماً وجوه ضحاياها.. لكن لم يحدث شيء لحسن الحظ.
سألته وهم يقدمون لهما القهوة العربية مع التمر، لماذا لم يقم معهم بدلاً من حياة الوحدة تلك؟ قال لها أنهم يرحبون به، لكنه يحب الاكتفاء بزيارتهم غباً ليزدادوا له حباً..
شيخ البدو لا يكف عن تجاذب أطراف الحديث مع حسن.. أحياناً يدور حديثهم عن أحوال القبائل.. مشاكلهم.. خلافاتهم.. ثم يتطرق الحديث إلى العالم الخارجي.. فالبدو يسترقون السمع من هنا وهناك وينقلون لحسن شذرات من أخبار العالم الذي هجره منذ زمان .. فينصت باهتمام شديد كأنه ينتظر أن يسمع خبراً من هنا أو هناك عن زوجته وابنه الوحيد .. ثم لا يلبث أن يهز رأسه محبطاً وهو يردد أن هذا كله عقوبة من الله..
لاحظت ليلى أن الشيخ صداح قد أسر لحسن ببعض الكلام.. أدركت أن الكلام عنها فاضطربت .. إن لم تكن لهم معها سابقة سرقة أو نصب، فغالب الظن أنه يوصي صاحبه بالحذر في التعامل معها..
بعدها دخل شاب يشبه صداح يحمل وليداً في قماطه.. ثم لم يلبث أن ناوله لحسن، فنظر الأخير في وجه الوليد، وسرحت خواطره بعيداً.. ـ ماذا ستسميه يا حسن؟
ـ عماد.. عماد الدين..
تلاشت الذكرى فوجد نفسه يحدق في وجه أبو الوليد.. سأله عن اسمه فقال :
ـ عابر ..
غمغم حسن :
ـ عسى أن يكون له نصيب من اسمه.. ويعبر بنا المحنة.
هز صداح رأسه ممتناً لدعاء حسن، وأمر بصب المزيد من القهوة .. سأله حسن أن يلقي عليهم بعض أبيات الشعر.. فالشيخ صداح يحفظ دواوين من الشعر العربي القديم بالسماع ويجيد فن الإلقاء كذلك.. أما حسن فكان من المتذوقين..
وجيء بشاتين فوضعتا في السفود على النار، ورأت ليلى أجمل مشهد شوي في حياتها.. لقد أكلت لحوم نيئة من قبل، وأكلت أطعمة فاسدة من مخلفات المقاطعات، لكنها لم تر مثل هذا المشهد البدائي الخلاب في آن..
فكرت في الهجوم على الشاة وهي على النار، لكنها أحجمت كي لا تسبب فضيحة لحسن..

***

انتحى الشيخ صداح بحسن جانباً وقال له:
ـ عرفناك دقيقاً في علاقاتك مع بني البشر.. فكيف انحدر بك الحال إلى مصاحبة فتاة من سن أولادك وهي ربيبة لعصابة يهودية..
أومأ حسن برأسه كأنما توقع ما سيقول ..
ـ لقد أنقذتها من هلاك محقق.. كادوا يفتكون بها لولا تدخلت.. ولما كانت من سن أولادي كما ذكرت.. قررت أن أمارس معها دور كنت مفتقده بشدة منذ عقود.. دور الأب..
ـ إنها فتاة متشردة؟
ـ القسمة والنصيب..
ـ وعصابة دان لن تتركك..
ـ إنهم جبناء كغالب بني جنسهم..
ـ أخشى عليك غدرة الجبان..
ـ الله المستعان..
قال صداح وهو يبتسم في مكر :
ـ أنت عجوز ..
بادله الابتسام قائلاً :
ـ أنت لم ترهم وهم يعدون أمامي كالأرانب البرية..
كان اللحم قد نضج أخيراً، فتوقفوا عن الكلام .. ليلى كانت تنتظر على أحر من الجمر الذي نضجت عليه الشاة.. ولما وضعوا أمامها اللحم الساخن لسعت لسانها بسبب عدم صبرها على اللحم حتى يبرد.. وظلت تتحدث بقية يومها بلثغة مثيرة للضحك..
بعدها أخذوها لخيمة الحريم فلم يرها حسن إلا حينما قرر أن ينصرف، ساعتها رآها تغادر الخيمة وهناك شال مطرز يكسو شعرها الثائر، وقرط متدلي من أنفها لم تكد تبتسم لحسن حتى سقط منها فتلقفته بسرعة وحاولت تثبيته مرة أخرى بشتى الطرق..
ـ لا بد أن أصنع ثقباً في أنفي حينما أعود..
جذبها حسن وهو يلوح للشيخ صداح وبقية الرجال مودعاً..
ـ ومن سيسمح لك بهذا..
نظرت له بدهشة وهو يسحبها خلفه، لكنها دهشة لم تخل من سعادة غامرة لم تستطع أن تخفيها..
في طريق العودة قالت له وهي تسترخي في مقعدها :
ـ لماذا يعاقبنا الله ؟
ألقى عليها نظرة جانبية عابرة ثم قال :
ـ وأي شيء مما نفعله لا يستحق العقوبة من الله.. أتظنين أن النخبة هبطت علينا من المريخ؟ وأن العالم استجاب لها بالحديد والنار؟..
شعرت بالشفقة نحوه، إنه مهموم دائماً ومثقل بالجراح.. قالت له محاولة التسرية عنه :
ـ لكن الله موجود أيضاً..
هز رأسه أن نعم وقال:
ـ كل ما نحن فيه يؤكد تلك الحقيقة يا لوسي.. لكنه لا يتولى الظالمين.. كنا قديماً سادة هذا العالم حينما سرنا مع الله.. وقبلها لم نكن نساوي شيئاً بين الأمم.. قبائل متناثرة متناحرة.. الآن ترين أننا عدنا من حيث بدأنا لما تخلفنا.. على هامش العالم..
حلقت ببصرها في السماء الصافية ثم همست:
ـ تعرف.. بالرغم من كل ذلك.. أنا سعيدة..
انفرجت شفتيه عن شبح ابتسامة باهتة رغم ما به من هموم.. كانت ليلى كالفراشة العابثة التي تحلق بين الزهور، و لا تكاد تستقر لها على موضوع معين حتى تثب إلى موضوع أخر..
قال :
ـ السعادة شيء عزيز المنال في عالمنا هذا يا ليلى..
ـ لا أدري كيف أشرح لك.. لكن..
ولوحت بكفها كأنها تستدعي كلمات مناسبة للتعبير عن حالتها .. ثم أردفت وهي تهز كتفيها:
ـ لم يهتم بي أحد من قبل مثلك..
ظل حسن يقود بوجه جامد وعين لا تطرف.. شعرت ليلى بخيبة أمل من رد فعله البارد فأطرقت.. لكنه سرعان ما التفت إليها قائلاً :
ـ أنا أيضاً سعيد يا ليلى..
رقص قلبها وهي تسأله بدلال :
ـ وما سر تلك السعادة يا ترى؟
قال باسماً:
ـ لأنني لم أهتم بأحد منذ زمن بعيد مثلما اهتممت بك..
نظرت طويلاً لتجاعيد وجهه المرهق وهي تفكر.. ترى هل لو كانت قد عثرت على أبيها الحقيقي.. هل كانت ستشعر معه بنفس الاطمئنان والدفء الذي تشعر به الآن وهي إلى جواره؟..
شردت ببصرها في الصحراء المترامية التي تنهبها السيارة وتمنت أن يطول الطريق أكثر.. لم تحب الصحراء من قبل لكن حسن جعلها تهيم بها حباً.. مثله لا يمكن أن يظل بقية حياته مشرداً هكذا.. مثله كان في أمس الحاجة لمثلها..
ـ لا يمكن!
نظرت لحسن فرأت وجهه مسوداً وعيناه تضيقان..
الكوخ يلوح من بعيد.. لكن لماذا تتصاعد منه الأدخنة؟
زاد حسن من سرعته مثيراً خلفه عاصفة من الرمال.. الكوخ يقترب ومعه تتضح الرؤية.. أخيراً أطلقت السيارة فرملة عاتية ووثب منها حسن وهو يحمل بندقيته صائحاً :
ـ أبقي هنا..
لكنها لم تبق.. وثبت خلفه لترى المأساة التي سببتها لذلك العجوز البائس..
لقد عاد دان مع عصابته أثناء غيبتهم، وقرر أن يترك بصمته على كوخ حسن..
بصمة ربما لن تنمحي آثارها من روحه إلا مع مغادرتها لجسده..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 20-07-19, 09:15 AM   المشاركة رقم: 30
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

(6)

أطلال حزينة سوداء تتصاعد منها الأدخنة كالزفرات الحارة..
هذا هو ما تبقى من كوخك يا حسن ..
ليلى لم تدر ما تقول أو تفعل.. تراجعت للخلف خشية تهور العجوز الذي وقف يحدق في الكوخ ذاهلاً.. يرفع بندقيته ثم يخفضها.. يدور حول نفسه.. تدور الأرض من حوله.. راح كوخه.. راحت كتبه..
ألقى البندقية وارتمي في أحضان الأطلال الباقية.. مرغ وجهه في الرماد الحار.. ثم قام وقد تحول وجهه إلى كتلة غضب سوداء مبهمة الملامح وفي وسطها جذوتين من لهب مستعر ..
هل كان كل ذلك يستحق؟..
سمع النشيج من خلفه فاستدار إليها ببطء.. هالها منظره المخيف فوضعت كفها على فمها لتكتم بكائها..
لم يقل لها سوى عبارة واحدة مقتضبة:
ـ لم يبق لي غيرك يا ليلى..
انسابت الدموع الحارة على خديها وهي تردد :
ـ أنا التي جلبت الوبال على رأسك..
التقط البندقية ووضعها على كتفه ثم اتجه للسيارة قائلاً :
ـ بل هم الذين جلبوا الوبال على رؤوسهم..
ركبت بجواره وجلسا صامتين لبرهة.. ثم مدت كفها بحذر وحاولت أن تمسح الرماد الأسود عن وجهه .. سألها بصوت مشروخ:
ـ تعرفين كيف نجدهم؟
مسحت دموعها هي فلطخت وجهها بالهباب.. قالت :
ـ إنه وكر يعج باللصوص.. هذا يعني أن مصيرنا لن يختلف كثيراً عن مصير الكوخ..
ـ دليني فقط على الطريق..
قالت باستسلام :
ـ اتجه شمالاً..

***

مشهد الغروب الحزين يغلف الصحراء المترامية خلف وكر دان..
على مقربة من أكوام الخردة والمسروقات التي تحيط بالكوخ، قام الرجال بإشعال النار والجلوس حولها استعداداً لبرد الليل القارص، فجو الصحراء المتقلب يريك فصول السنة الأربعة على مدار اليوم والليلة..
دان في غرفته الخاصة في قلب الوكر يستمتع بفحص شرائحه الذكية.. إنهم لا يحتاجون لمثل هذه الأشياء هنا في الصحراء، لكنه أقنع رجاله بأن الأمر بالنسبة إليه أشبه بهواية جمع الطوابع النادرة والغالية، ولقد دفع ثمن هذه الكذبة حينما أغرت لوسي بسرقة بعض هذه الشرائح والفرار من قبضته طمعاً في بيعها لأحدهم..
لكن الحقيقة هنا إنه يجمع من خلال تلك الشرائح تاريخ مئات البشر، لديه سجل كامل لحياتهم، يمكنه عن طريق جهاز معقد صغير سرقه من إحدى الوحدات الشرطية أن يسرد كل تفاصيل أصحاب تلك الشرائح. بعض التفاصيل تكون خاصة جداً، لذا كانت تلك هي متعته الخاصة حينما يدخل الليل..
يقرر أن يمارس دور النخبة الأممية حينما تحصي أنفاس البشر وتتجسس على أدق تفاصيل حياتهم..
تلك الشريحة كانت مع أم ربيبته لوسي.. مازال يذكر ذلك اليوم جيداً.. كانت تدعى ليلى.. لقد حصل على تذكاره الخاص منها وهي تجود بأنفاسها تحت وطأة الحمى.. عرف قصتها كاملة من شرائحها الذكية، وقرر أن يسدي لها معروفاً في ابنتها الرضيعة.. سيجعل منها لصة محترفة.. وسيسميها لوسي كذلك على اسم فتاته التي ماتت بالسلالي العام الفائت.. لكنه لم يستوعب أن الدماء التي تجري في عروقها دماء إسماعيلية وأنها ستخونه مع أول إسماعيلي تقابله..
صب لنفسه كوب من الديسكافيه.. ذلك المشروب السحري الذي يسرقه بانتظام من مقاطعات الشريحة جـ.. وجلس يتسلى بمشاهدة ما تبثه الشرائح المتنوعة من معلومات وصور ومشاهد ثلاثية الأبعاد.. هذا حريق ضخم في مكان ما.. يبدو أن صاحب تلك الشريحة كان يعمل في فرق الإطفاء.. هناك مشاهد نيران وأدخنة وجثث متفحمة.. خيل إليه كأن الأدخنة غادرت إطار الصورة المبثوثة وبدأت تنتشر في أرجاء الغرفة.. وحينما سمع صوت الانفجارات خيل إليه أنها تدوي من حوله بالفعل لكنه عزى ذلك للجودة العالية لذلك الفيديو الذي يشاهده..
لكن هل تصل جودة الفيديو إلى حد يجعله يشم بالفعل رائحة شياط ..
هنا انتفض قائماً وجرى ناحية الباب.. لكن لم يكد يضع يده على المقبض حتى أطلق صرخة مدوية، وتراجع وهو يرفع كفه أمام عينيه المتسعتين.. كان هناك حرق بشع في راحته بحجم مقبض الباب..
صرخ :
ـ إلي يا رجال !
لكن انفجار مروع أطاح بالباب، واندلع عبره لسان من نار لفح وجهه فارتد للوراء وهو يصرخ مدارياً وجهه بساعديه..

***

بالخارج اكتشف الرجال الجالسين الكارثة مبكراً..
وحينما هرولوا بدلاء الماء ناحية ألسنة اللهب التي اندلعت بين أكوام الخردة أطاح بهم أول انفجار..
بعدها توالت الانفجارات وتحول الوكر في ثوان إلى قطعة من اللهب..
ومن بعيد جلست ليلى داخل سيارة حسن ترقب المشهد وقلبها يخفق بقوة.. ثم فجأة شعرت بأحدهم يقفز بجوارها على مقعد القيادة فكاد قلبها يطير..
ـ لقد انتهيت..
قالها حسن بهدوء شديد، ثم جلس معها يراقب المشهد المهيب.. الانفجارات ما زالت تدوي حيناً بعد حين.. ومع كل انفجار تتألق عينا حسن بنشوة ظافرة..
قالت ليلى بأنفاس مبهورة ووهج النيران ينعكس على قسمات وجهها:
ـ أنت فعلت كل هذا وحدك!
قال حسن بعين لا تطرف:
ـ العين بالعين..
ثم أردف:
ـ هناك مثل يقول: من كان بيته من زجاج فلا يقذف الناس بالطوب.. لقد أحرق دان كوخي ونسي أن مخزنه قنبلة موقوتة.. إنه مليء بالوقود وأسطوانات الغاز وغيرها.. وأنا مازالت خبراتي السابقة تلح علي.. كنا قادرين على إحداث دمار شامل بأشياء لا يمكن تصورها.. أشعر أنني عدت للوراء أكثر من ربع قرن..
هنا لمحا سوياً تلك السيارة التي انبثقت فجأة من قلب الجحيم.. واندفعت بكل سرعتها في قلب الصحراء.. كان بداخلها رجل واحد..
صاحت ليلى :
ـ هذا هو دان..
أصر حسن على أسنانه وهو ينطلق خلف سيارة الأول كالسهم ..
ـ تشرفنا!
سألته في لوعة :
ـ ماذا ستفعل معه؟
قال بتلقائية وهو يدير المقود:
ـ سأقتله..
في نفس الوقت كان دان ينظر لهما عبر مرآة سيارته ..
ـ لوسي و الإسماعيلي العجوز!..
و ضرب على المقود بيديه مردفاً في غل:
ـ ليكن.. هيا.. تعالوا.. تعالوا خلفي..
بالرغم من دمار وكره، ومصرع رجاله، والحروق التي طالت وجهه وذراعيه، إلا أنه كان سعيداً لأنه استطاع إنقاذ شرائحه الأثيرة.. كل شيء يمكن تعويضه إلا الشرائح..
زاد من سرعته موغلاً في قلب الصحراء، ومن خلفه سيارة حسن المكشوفة.. يشقان الصحراء الناعمة في خطين متتابعين.. ثم التحم الخطان ليصرا واحدا.. وصارت المسافة بينهما تتضاءل.. وتتضاءل..
ـ تعالي إلي يا لوسي الساقطة أنت وحبيبك المومياء..
قالها دان و ضغط على الفرامل فجأة لكي تصطدم به سيارة حسن..
لكن الأخير أدار المقود بسرعة لتنحرف سيارته في اللحظة الأخيرة وتتفادى الارتطام القاتل.. صرخت لوسي بينما تناثرت الرمال على شكل دوامة وعربة حسن تدور حول نفسها.. وحينما نجح في السيطرة عليها كان دان قد انطلق بسيارته ثانية وهو يقهقه..
ترك حسن المقود لليلى وشهر بندقيته باتجاه سيارة دان..
ضغط الزناد وهو يتمنى أن يفعلها بهذا الوضع الحرج، لكن طلقاته طاشت كلها بعيداً عن جسم السيارة.. لابد أن يعترف لنفسه : أنه لم يعد كما كان.. التصويب من سيارة مسرعة فوق الرمال الغير ممهدة.. تلك كانت لعبته الأثيرة أيام خدمته في الجيش.. أما اليوم فهو بحاجة لأرض ثابتة ليقاتل عليها.. أما اليوم، فهو في معركة حقيقية وليس في تدريب..
تهتز السيارة.. ترتفع وتنخفض.. الأيام الخوالي تتراءى لناظريه.. فيختل توازنه.. وفي أخر لحظة يتماسك قبل أن يسقط من العربة المسرعة..
ليلى تتضرع إليه كي يجلس، فيلتفت إليها هاتفاً بحرقة :
ـ لقد أحرق منزلي يا ليلى.. ذلك اليهودي أحرق منزلي.. لماذا لا تفهمين؟
انكمشت في مقعدها وهي تنظر له في رهبة.. لقد بدا لها للحظة وكأنه يناضل من أجل شيء أخر أكبر من كوخه.. ربما أكبر من تلك الصحراء المترامية أمامها..
كأن هناك ثأر موغل في القدم بينه وبين دان الذي واصل الانطلاق بسيارته وهو يترنم بانتشاء :
ـ هافا ناجيلا.. هافا ناجيلا.. هافا ناجيلا فينسماخا..
( لنفرح.. لنفرح.. لنفرح ونسعد )
ومن بعيد تبدت أمامه تلك الأسوار المحاطة بالأسلاك والأبراج، فتألقت عيناه متمتماً في جذل:
ـ وصلنا إلى بر الأمان..
وواصل الترنم بصوت أعلى وهو يهتز بنشوة :
ـ هافا نرنينا.. هافا نرنينا..
( لنغني.. لنغني )
انعقد حاجبي حسن حينما لمح المشهد..
ـ هذه قاعدة عسكرية ..
عقبت ليلى :
ـ إنها كذلك.. دان له علاقات وطيدة معهم.. ولاشك أنه سيلجأ إليهم لحمايته..
ثم نظرت له في قلق وأردفت:
ـ إنها نهاية الرحلة بالنسبة إلينا..
نظر لسيارة دان وهي تواصل الانطلاق باتجاه القاعدة وشعر أن عقله قد توقف عن العمل..
هافا نرنينا فينسماخا..
تمتم من بين أسنانه :
ـ النخبة.. لطالما حالت بيننا وبينهم..
سألته ليلى بغباء:
ـ بينكم وبين من؟..
التفت إليها صائحاً :
ـ اتركي لي القيادة..
عورو.. عورو..
( استفيقوا .. استفيقوا..)
صاحت:
ـ لقد اقتربنا أكثر من اللازم..
تجاهل حسن صياحها وهو يركز على سيارة دان، التي أخرج منها الأخير كفه براية تبدو وكأنها شارة متفق عليها بينه وبين حراس الأبراج؛ كي يسمحوا له بالعبور..
لكنهم طبعاً سينسفون أي ذبابة تفكر في العبور خلفه..
عورو.. عورو
عورو أخيم بِلِف سَمِيّاخ..
( استفيقوا يا إخوان بقلب سعيد )
عورو أخيم بِلِف سَمِيّاخ..
عورو أخيم بلف سمياخ ..
عورو أخيم..
عورو أخيم..
عورو أخيم..
بلف سمياااااااااااخ..................

***

فجأة ظهر أمامه ذلك الجمل الشارد ..
وبتلقائية أدار دان المقود وهو يطلق السباب..
ومن بعيد كان المشهد بالنسبة لحسن ولوسي خرافياً..
سيارة دان انحرفت فجأة وهي بأقصى سرعتها، لتتفادي الارتطام بسفينة الصحراء.. فانقلبت عدة مرات متتالية قبل أن تزحف مسافة لا بأس بها وسط عاصفة من الرمال..
وتوقفت أخيراً بعد أن تحولت إلى كتلة معدنية مبهمة الملامح..
بينما واصل الجمل طريقه بلا مبالاة وكأنه لم يصنع شيئا..
وحينما وصل حسن إلى موضع الحادث، أوقف السيارة وقفز منها متجهاً ناحية سيارة دان المعجونة ليشفي منه غليله.. اتجه إلى موضع كابينة القيادة وانتزع بابها وألقاه جانباً، ثم مد يده ليمسك بتلابيب دان ويجذبه خارجاً ..
كان دان حياً وإن كانت جراحه تقول أنه لن يستمر كذلك طويلاً..
هناك جرح قطعي في البطن تتدلى عبرها أمعائه بالإضافة للدماء التي كانت تغرق وجهه المحطم.. تقلصت قبضة حسن وهو يتردد في سحق ما بقي من عظامه.. ثم ترك جسده على الرمال وتراجع بظهره للخلف..
سمع شهقة ليلى من خلفه ففهم أنها رأت المشهد البشع ..
ـ لوسي.
كانت هذه من دان وهو يرنوا إلى ما وراء كتف حسن.. حيث وقفت لوسي واضعه كفها على فمها ودموعها تنساب في صمت..
ـ ساعدني يا لوسي.. أنا الذي ربيتك..
قال له حسن :
ـ جرحك قاتل.. لا يستطيع أحد مساعدتك.
حاول دان أن يرفع طرفه ليري ما حل ببدنه ثم تأوه وسقط رأسه للخلف..
ـ أدن مني أيها الإسماعيلي..
تقدم منه حسن ومال على صدره ليسمع ما يريد قوله.. كانت شفته ترتجف وصوته يزداد ضعفاً فبدا أقرب للهمهمة ..
ـ أطلق علي رصاصة الرحمة.
هز حسن رأسه ببطء وقال :
ـ وما يدريك أنها سترحمك؟
ظهر الرعب على وجه دان الدامي وهو يهمس :
ـ لا تتركني أتعذب طويلاً.. أرجوك.
رمقه حسن بنظرة طويلة ساهمة.. ثم مال على أذنه وقال شيئاً..
أصغى إليه دان وصدره يقعقع.. بعدها لانت ملامحه تدريجياً وبدا وكأنه يحاول جاهداً تحريك شفتيه ليقول شيئاً بدوره..
ليلى لم تفهم ما يدور هناك لكنها لم تجرؤ على الاقتراب..
وأخيراً نهض حسن وهو ينفض كفيه.. التفت لليلى فرأت على وجهه التأثر..
ـ مات؟
أومأ لها برأسه إيجاباً، واتجه ناحية سيارته..
لكن فجأة ثارت عاصفة من الرمال حجبت عنهما الرؤية.. وسمعا صوت هدير فوق رأسيهما مباشرة.. لقد حركت القاعدة العسكرية إحدى حواماتها من أجلهم..
كان هناك جندي يصوب بندقية آلية إليهم، وصوت يتردد عبر مكبر صوت يطلب منهم عدم الحركة..
رفع حسن كفيه مستسلماً وهو يغمض عينيه كي لا تؤذيهما الرمال.. قال لنفسه وهو يسمع وقع أقدام الجنود :
ـ بعد كل هذه السنوات يا حسن.. تعود إليهم برجليك..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(رواية), وخنازير, قريب
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 04:51 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية