لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-07-19, 11:26 AM   المشاركة رقم: 21
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

اللا منتمي



(1)

فارس وحيد جوه الدروع الحديد..

رفرف عليه عصفور وقال له نشيد..

منين منين و لفين لفين يا جدع..

قال من بعيد، و لسه رايح بعيد..

***

ألقى جثة الأرنب البري بجوار باب الكوخ، وانحنى ليغسل وجهه ويديه في طست مليء بماء أصفر مجاور لفراشه.. الأصفر صار يميل للبني.. عليه أن يستبدل هذا الماء في أقرب فرصة..
رقد على ظهره ونظر للسقف الخشبي.. شعر بتلك القبضة الباردة تطبق على قلبه.. لقد تعلم كيف يفرق بين أزمات قلبه وبين انقباضه.. هذه المرة هو انقباض بسبب مجهول.. هل هناك كارثة ما تقترب في الأفق؟..
يقولون أن هذا يحدث حينما يتعرض لك قريب بسوء.. هل له أقرباء في هذا العالم؟..
نعم.. كان لديه زوجة وابن وحيد تركهما مجبراً ليحيا على هامش العالم على طريقته..
في هذا الخلاء يمضي يومه بين الصيد للعشاء والجلوس للقراءة بجوار النار.. في بعض الليالي الرائقة، يهاجمه ذئب جائع فيمارس معه بعض الرياضة، التي يحافظ بها على لياقته التي عملت فيها السنون بأنيابها ومخالبها..
اسمه حسن.. حسن شعيب .. ربما يجلس الساعات ليتذكر اسمه الذي لم يعد له قيمة هنا.. هنا يحيا على طريقته الخاصة التي اختارها لنفسه.. بعيداً عن ضوضاء النظام العالمي .. بعيداً عن التكنولوجيا..
اعتدل وهو يشعر بتلك الرعشة في أوصاله.. هناك شيء ما يجري، هل سيموت الآن؟.. لا بأس.. سيكون سعيداً حينما يموت حيث أختار أن يعيش.. وربما صارت جثته وجبة سهلة لذئب جائع.. سيكون مفيداً حتى وهو ميت..
قام مترنحاً وهو يتذكر وجه ولده الوحيد.. عماد الدين.. لابد أنه قد صار رجلاً الآن .. وللمرة المليون يلوم نفسه على تركه وحيداً في ذلك العالم القاسي..
بصق في التراب مشمئزاً وغادر الكوخ..
أخ!.. لقد نسي صيده ، وما كان ينبغي له أن ينساه..
سلخ الأرنب بعد عذاب، ثم بدأ يشق بطنه ويخرج الأحشاء..
هنا تذكر يوم قرر الفرار من بين براثن النظام العالمي .. سيعيش على طريقته الخاصة لن يضع شرائح في معصمه وتحت إبطه وداخل أذنه لتحصي عليه أنفاسه.. لن يشرب القهوة من يد روبوت ثرثار.. لن يقضي عمره رقماً يضاف لرصيد النخبة.. مجرد رقم..
لقد حرص على غرس تلك القيم في ولده الوحيد.. رأى في عينيه مستقبل أسود.. إما مع النخبة أو مع المتمردين على النخبة.. وعليه أن يختار بين أن يخسر روحه أو أن يخسر حياته..
أيقن أنه حينما يكبر لن يكون له عليه سلطان في ذلك العالم الذي انحلت فيه عرى الأسر.. لذا ففرصته الوحيدة هي في تدعيمه الآن..
كتب له يوماً :
) تلك التكنولوجيا يا ولدي هي لعنة العالم الحديث.. منذ أن بدأ الإنسان يرتقي في سلم التطور والتكنولوجيا، بدأ العد التنازلي للحياة على الأرض..)
كتب له عبارات كثيرة على أمل أن يجدها يوماً ويقرأها ويفهما .. لم يكن باستطاعته التصريح بهذا الكلام في ذروة المجد البشري .. بحكم كونه يخدم في جيش النخبة، كانت جملة كتلك تكفي لاتهامه بخيانة النظام العالمي.. سيتم استدعائه في وحدته العسكرية وسيحاكم في خمس دقائق ويعدم رمياً بالرصاص بعد خمس دقائق أخرى..
لكنه لا يريد لنفسه تلك النهاية السريعة.. يريد أن تصل صرخته لنهاية العالم.. يسمعها الزنوج العراة في الغابات الحارة، ويتردد صداها فوق قمم الجليد..
إنه يقرأ ويقرأ ويقرأ.. إن تعبير دودة القراءة صار لا يناسبه.. إنه حوت بالع.. وكلما قرأ كلما ازداد هماً وهرماً..
الكتب أضاءت له الطريق، فكان ما رآه مريعاً.. ومع ذلك أنت لا تستطيع الكلام حتى مع أقرب الناس إليك.. لأن الشرائح الذكية لن ترحمك .. كان بحكم عمله العسكري قد تلقى تدريباً في كيفية تضليل الشرائح الذكية في حالة الحروب، لكن مجرد استعمال تلك الوسائل السرية في وقت السلم ووسط المدنيين تعد جريمة عسكرية عقوبتها قد تصل للإعدام.. بالرغم من ذلك هو يعرف جيداً أن كثيراً من زملائه يرتكبونها معتمدين على ثقتهم في مهارتهم..
فكر كثيراً فوجد أنه لم يعد لديه حل أخر حتى لا يموت كمداً.. لكنه فوجئ حينما بدأ عملية التشويش أن لديه تحت سقف واحد زوجة مخلصة جداً للنظام العالمي.. مخلصة لأبعد الحدود.. لقد ثارت عليه واتهمته بأنه يعرض حياتهم للخطر، وأنه لا يتصرف كجندي في جيش النخبة وإنما كمتمرد وضيع.. إنها لا تسمع ولا ترى إلا ما تراه النخبة.. الكتب هراء.. والماضي سوءة في جبين البشرية..
ولم تهدأ حتى وعدها بألا يعود لفعلته تلك ثانية.. لكنه كان يعود لها حينما تكون هي خارج الوحدة.. كان يستغل غيبتها في تعطيل شرائحه وشرائح ولده ويبدأ في سكب ما لديه على أذنيه.. كانت سنه صغيرة على الاستيعاب، لكنه أمل في أن تظل عباراته تلك مخزنة في رأسه الصغير حتى يكبر ويبدأ في عملية الاستدعاء..
إلى أن جاء اليوم الذي تلقى فيه عرضاً مثيراً..
تذكر الرجل الودود الذي زاره في غيبة زوجته، بينما طفله الوحيد يغط في نوم عميق بحجرته.. تذكر ذلك الأزيز الذي أصاب شرائحه كلها يوم الزيارة.. إنه يعرف معناه جيداً، ولم يكن هو السبب هذه المرة..
ـ أنت تشوش على الشرائح؟
كذا سأل حسن الرجل الودود بطريقة صارمة كما تقتضي الحكمة.. قال الودود وهو يرفع ذراعيه كالمستسلم :
ـ إنها معنا تكون بلا فائدة..
ـ معكم؟!
قال وهو يبتسم في غموض:
ـ إنني أعمل لحساب الرفاق..
هنا جذبه حسن من ياقته للداخل وأغلق الباب خلفه في عنف .. بالداخل وجد الودود نفسه منطرحاً على وجهه وحسن جالس على ظهره وقد كبل يديه خلف ظهره.. بالرغم من ذلك لم تتلاشى ابتسامة الودود عن وجهه رغم ما سببه له حسن من ألم ..
كانت الأفكار حيوان مسعور تنهش رأس حسن.. ما معنى هذا كله؟ يبدو أنه لم يكن حريصاً كما ينبغي.. هل هذا الرجل من المتمردين فعلاً؟ أم مجرد فخ من المخابرات العسكرية؟.. لو كان من جهة النخبة فقد نجح في الاختبار، أما لو كان متمرداً فعلاً فهو لا يعرف ماذا يصنع معه؟
بعد قليل اكتشف أن الرجل مندوب من المتمردين حقاً.. معنى هذا أنهم وصولوا لما لم تصل إليه أجهزة استخبارات النخبة العسكرية!
أصاب حسن الذهول حينما أدرك أن المتمردين لديهم حاسة سادسة يشمون من خلالها بوادر التمرد قبل النخبة الأممية ذاتها.. هو الذي استطاع أن يداري أفكاره السوداء لسنوات يكتشف أن قلبه كان كتاب مفتوح أمام تنظيم المتمردين.. وما وجدوه كان جديراً بالاهتمام.. إن ضم عنصر من جيش النخبة الأممية لتنظيمهم لحدث جلل.
إنه يدرك من خلال عمله أنهم مخترقين للجيش الأممي نفسه لكنهم خاملين إلى يوم الوقت المعلوم. لن يكون هو الأول ولا الأخير.
قال له الودود :
ـ الآن.. هل يمكننا أن نجلس جلسة طبيعية؟
نهض حسن من فوق ظهره وسمح له بالجلوس.. ثم قدم له كوب من القهوة الساخنة!..
لاحظ أن الودود يرمي ببصره جهة غرفة الطفل الغافي فشعر بقلق مبهم ..
ـ كيف حال عماد؟
ـ لا شأن لك به.
تشمم الودود الأبخرة المتصاعدة من كوب القهوة باستمتاع.. ثم قال :
ـ لقد اشتقت لمثل هذه القهوة منذ زمان..
ثم إنه وضع كوب القهوة جانباً وسأل حسن في حزم :
ـ أنا بانتظار ردك.
يذكر حسن تلك اللحظة الفارقة.. تلك اللحظة التي تغيرت بعدها حياته للأبد..
ـ لا!
لم يصدق الودود في البداية .. ظن أنه لم يسمع جيداً.. هل أخطأ الرفاق في تقدير حالة حسن؟ لم تقابله حالة مماثلة لكنه يعرف القواعد جيداً..
قال وهو يدس يده في جيب معطفه:
ـ خسارة.
وحينما أخرجها كانت تقبض على مسدس صغير وأنيق.. ما حدث بعدها كان بسرعة البرق.. قام حسن بضرب رسغ الودود بكلتا يديه فأطاح بالمسدس.. وقبل أن يفهم شيئاً وجد نفسه منطرحاً على وجهه ثانية وحسن جالس على ظهره مرة أخرى.. لكن الفارق هذه المرة أن الأخير كان يضع المسدس الصغير والأنيق في قفاه..
ـ أنت لن تقتلني هنا..
ضغط حسن بفوهة المسدس على قفاه أكثر وقال بخشونة:
ـ ربما قتلتك لو تسببت في إيقاظ الطفل.
ـ أنت تهتم لأسرتك أكثر من اللازم.. كان عليك أن تقبل.
ـ لما؟
ـ لأن لنا نفس العدو المشترك..
ـ قد يكون عدونا واحد.. لكننا مختلفون كل الاختلاف.. في الطريقة والأسلوب الذي به نواجه هذا العدو..
ـ أنت رجل واحد.. ونحن تنظيم ضخم ومتكامل..
قال حسن في مقت :
ـ وكذلك النخبة.. هذا يذكرني بقول القائل: داوني بالتي كانت هي الداء..
ـ لا يفل الحديد إلا الحديد..
ـ هذا هو الضياع بعينه.. ضياع الهدف.. ضياع البوصلة.. اختلاط الوسائل والمقاصد.. أنتم تتعبون أنفسكم وتتعبون البسطاء معكم.. تلعبون مع النخبة لعبة القط والفأر.. تقدمون للنخبة تسلية أخيرة.. من الممتع أن تشعر النخبة الأممية بالإثارة.. أن تكون لها معارضة هزلية هدفها تثبيت دعائم ملكها.. وكل يوم يقبضون على حفنة منكم ويرسلونهم إلى هيدز ليصيروا فرجة العالم.. ليقال هذا هو جزاء من يعادي النخبة.
ظل الودود يستمع بلا مقاطعة حتى سكت حسن ليلتقط أنفاسه المبعثرة.. صدره يعلو ويهبط انفعالاً، لكنه يحب ما يقول.. يؤمن بما يقول.. يكره عكس ما يقول..
بعدها قال الودود بلا أي ود بسبب ثقل جسد حسن فوق ظهره والذي بدأ يخنق عباراته:
ـ أنت جندي .. كيف تريد أن تحارب النخبة إذن؟
ـ سأترك الخدمة في جيش النخبة من أجل التفرغ لحربها..
تساءل الودود باستمتاع رغم وجهه المحتقن:
ـ كيف ستحاربها؟
ضغط حسن بفوهة المسدس على رأس الودود، وهمس:
ـ من هنا..
رمش الودود بعينه عدة مرات كأنما يحاول ابتلاع صدمة الجواب.. ثم غمغم:
ـ هل تعتقد أنك ستصل يوماً ما؟..
ـ لا يهمني أن أصل.. المهم أن أموت وأنا أحاول الوصول..
ساد الصمت بينهما برهة .. ثم قطعه الودود بلا أي ود:
ـ قبل لي الصغير حينما يستيقظ..
قال حسن وهو يقوم عنه :
ـ سأفعل لكن ليس من أجلك..
نهض الودود وعدل من هندامه قائلاً:
ـ أحرص على الفرار بعيداً.. لأن العد التنازلي لحياتك سيبدأ من اللحظة التي أغادر فيها وحدتك.
ـ بعيداً.. إلى أين؟
ـ المكان الوحيد الذي يصلح لأمثالك هو الصحراء..
وقف حسن يرمق عماد وهو نائم .. تذكر كلام مبعوث المتمردين وشعر بغصة في حلقة.. لا فائدة من البقاء في هذا العالم حقاً..
حتى لو نجا بمعجزة ما من المتمردين، فلن ينجوا من شكوك المخابرات العسكرية.. ربما قام المتمردين بالوشاية به للمخابرات العسكرية، فهذه طريقة معتادة لديهم للتخلص من بعض أتباعهم المتمردين.. متمردين على المتمردين!..
ولو نجا من ذاك وتلك وظل خاضعاً للنظام العالمي فسيكبر ولده وسينشأ إما نخبويا ً غارقاً في دنيا الشرائح الذكية كأمه، وإما متمرداً.. وهو لا يريد له ذاك أو تلك..
الصحراء.. ولم لا..
ـ أرحل وحدك..
هكذا قالت له عفاف وهي تحول بينه وبين غرفة الصغير النائم..
كان حسن قد نزع عن نفسه الشرائح الذكية بعد أن قام بالتشويش عليها واستعد لتحرير ولده الوحيد حينما وصلت عفاف.. لم يخبرها بما دار بينه وبين مندوب المتمردين، لذا بدا لها قراره نتيجة حتمية لانغماسه في كتب الماضي.. الجنون.. جنونه سيضيعها وسيضيع ولدهما الوحيد..
قال :
ـ هذا ابني وأنت زوجتي .. يجب أن تطيعني..
ـ أنت مخبول.. تريدني أن أتبعك إلى الصحراء.. تريد لابننا أن ينشأ بين العقارب والحيات.. يعود للعصر الحجري.. عماد هو أملي.. سأربيه جيداً.. سأجعله أفضل مني ومنك..
قال في مرارة :
ـ كيف سيكون أفضل في ظل النظام العالمي؟
ـ النظام العالمي هو الضمان الوحيد لحياة أفضل..
كانت تتكلم وخلفها على الجدار شعار النخبة..
ـ سآخذ ولدي بالقوة..
هنا فوجئ ببريق السكين الضخم يلوح في يدها المرتعشة .. كانت تتكلم بشراسة واللعاب يتناثر من فمها مع الكلمات:
ـ مرحباً بك في النظام العالمي الجديد أيها الرجل الحجري.. أنت لن تستطيع لمس شعرة واحدة من ولدك.. سأخبرهم عن تعطيلك للشرائح الذكية.. سأخبرهم عن آرائك في النظام العالمي.. سأخبرهم بكل شيء.. كل شيء..
نظر لها في ذهول.. شعر أنه يواجه وحشية النظام العالمي الجديد في صورة زوجته .. أنها تنتمي إلى هنا ولا لشيء أخر.. أما هو فغير منتم..
ربما كان رحيله منفرداً حل مريح لجميع الأطراف.. ابنه سيتربى مع أمه على كل حال ولا أحد يدري ما في غد.. المتمردون لا يريدون إلا رأسه هو..
حسن شعيب أنت ورم خبيث لابد أن يستأصل من النظام العالمي..
ـ ماذا ستقولين لابننا حينما يستيقظ؟
أجابت ببرود وهي لم تتخل بعد عن سكينها:
ـ سأجعله يدعو لك بالرحمة..
غادر حسن عالم النخبة بلا شرائح بلا أمل في أي مستقبل.. غادر عالم المدنية الذي نشأ به وترعرع إلى الصحراء المترامية.. يجوبها بسيارة عتيقة مكشوفة هي أخر ما كان يملك..
عاد إلى الطبيعة التي حرم منها البشر.. يتمتع فيها بالحياة على طبيعتها بلا ملوثات ذكية أو رقمية..
حياته العسكرية السابقة أهلته للتغلب على قسوة الصحراء، بل على ترويضها.. شعر في ذلك الكوخ الذي ابتناه لنفسه في قلب الصحراء لأول مرة بأنه إنسان على فطرته التي خلقه الله عليها ..
في الليل يجلس ليرقب النجوم التي تؤنس وحدته، ثم يعود إلى جوال الكتب التي أحضرها معه.. كتب لم يعد لها وجود ولا قيمة في عالم النخبة.. الثقافة هنا جاهزة مثل الأكلات الجاهزة.. يتم شحن الدماغ بها عن طريق الشرائح اللعينة.. لست بحاجة للكتب التي تذكرك بالماضي الذي كان.. الماضي لم يكن وإن توهمت أنه كان.. النخبة هي الماضي والحاضر، هي هناك منذ الأزل وستبقى إلى ما لانهاية..
كم مرة وقف وحده في قلب الصحراء يصرخ بالحل، فلا يجيبه إلا صدى صوته الملتاع..
الحل هنا..
الحل سهل ممتنع لكن لا أحد يفهم.. ويتلفت حوله فلا يجد سوى الصحراء المترامية .. لا أحد يفهم لأنه لا يوجد أحد غيره أصلاً..
يعود للرقاد وتأمل النجوم .. يغلبه النعاس فيحلم بأحلام عجيبة..
إنه يحاول أن ينقذ عماد من مصير أسود .. إنه يذوب كالملح في حساء النخبة .. والنخبة تتناوله بملاعق ذهبية عملاقة..
هناك صرخات حادة ملتاعة يائسة تأتي من لا مكان .. والنخبة تتناول حسائها بلا اكتراث ..لكن هذا ليس صوت عماد .. إنه صوت أنثى.. تنتبه حواسه أخيراً فيفتح عينيه ويبدأ في إدراك ما هو حلم وما هو حقيقة..
هذا صوت أنثوي يستغيث بالفعل وقد تداخل مع الحلم.. هناك غرباء قد اقتحموا نطاق عالمه الخاص..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 11-07-19, 04:18 AM   المشاركة رقم: 22
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2010
العضوية: 186360
المشاركات: 25
الجنس أنثى
معدل التقييم: yasmin.foll عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 28

االدولة
البلدTunisia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
yasmin.foll غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

فصل جميل و محوري
إذن حسن زوج عفاف لم يمت و هي خسرت كل شيء قبل أن تخسر روحها
أوافقك فعلا على أن الإنسان كل ما تطور تكنولوجيا كل ما تأخر إنسانيا ، للأسف هذا هو الواقع المر
من هم هؤلاء الغرباء يا ترى ؟ الصوت الأنثوي أتوقع أنه لليلى .

 
 

 

عرض البوم صور yasmin.foll   رد مع اقتباس
قديم 13-07-19, 08:35 AM   المشاركة رقم: 23
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

اقتباس :-   المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yasmin.foll مشاهدة المشاركة
   فصل جميل و محوري
إذن حسن زوج عفاف لم يمت و هي خسرت كل شيء قبل أن تخسر روحها
أوافقك فعلا على أن الإنسان كل ما تطور تكنولوجيا كل ما تأخر إنسانيا ، للأسف هذا هو الواقع المر
من هم هؤلاء الغرباء يا ترى ؟ الصوت الأنثوي أتوقع أنه لليلى .

الواقع مر والمستقبل كما قيل : قطعة من الغموض المقلق والمثير..
حسن، للغرابة، هو البطل الحقيقي للرواية وإن كان ظهوره قد تأجل لثلثها الأخير!
بالنسبة للغرباء فبعد قليل ستتعرفين عليهم.. أما صاحبة الصوت الأنثوي فهي ستكون ليلى، لكنها ليست ليلى!!
أشكر لك متابعتك أختنا الفاضلة.. وتقديري لحضوركم.

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 13-07-19, 08:36 AM   المشاركة رقم: 24
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

(2)

التقط بندقيته وغادر الكوخ محنقاً..
ظل يمسح بعينيه المرهقة الصحراء القاحلة، هناك على مسافة لا بأس بها توجد سيارة متوقفة تنبعث منها الأضواء. إنه محنق لأن عالمه الخاص قد اخترق من قبل الغرباء، يحدث هذا على فترات متباعدة فليس وحده المتشرد هنا.. لكنه الوحيد الذي يتشرد لمبدأ..
الجديد هنا أن هناك أنثى حمقاء واقعة في مشكلة ما..
السيارة مكشوفة كسيارته، وبجوارها مجموعة من المتشردين يطوقون فتاة في مقتبل العمر مهلهلة الثياب ومنكوشة الشعر.. كانوا في قمة الانبساط والضحك وهي تسبهم وتضربهم ..
إنهم مستمتعين بضرباتها.. يعرفون أنها تلعب بقواعدهم هم.. سينتهون منها حينما يملون اللعبة.. نفس منطق النخبة..
هاجت مشاعره وغلى الدم في عروقه .. لقم البندقية وضغط على الزناد فانتفضوا جميعاً.. وقبل أن يتحرك أحدهم سمعوا صيحة حسن التحذيرية :
ـ ضعوا أيديكم فوق رؤوسكم..
بادر الجميع وبلا تردد إلى أمره حتى الفتاة المعتدى عليها، و قبل حتى أن يروه قادما نحوهم وهو يصوب بندقيته بإحكام..
تمتم الأول :
ـ من هذا العجوز؟..
همس الثاني :
ـ يبدو إسماعيليا..
أما الفتاة فقد وقفت تتأمله وهو يقترب بخطوات واسعة ثم قالت لهم بنبرة ساخرة:
ـ الإسماعيليين لا يسمحون بإهانة امرأة في أرضهم..
زجرها الثالث قائلاً :
ـ إنهم يرجمون الساقطات كذلك..
انتهى حسن إليهم فأشار للفتاة كي تخفض يدها، ثم التفت باشمئزاز لبقية المجموعة.. هو يعرف هذه النوعية التي تحيا على هامش الدنيا.. هؤلاء الحثالة لم يقدروا على العيش داخل نظام النخبة ولم ينضموا للمتمردين لأنهم لا مبدأ لهم ولا هدف.. يقضون الساعات في التسكع والعبث بالصحاري.. ربما عثروا على شيء ما يخطف من هنا أو يسرق من هناك.. لقد عانى من أمثال هؤلاء المتشردين كثيراً حينما وفد إلى الصحراء أول مرة .. كان هذا قبل أن يعلمهم الأدب طبعاً..
هتفت به الفتاة :
ـ يريدون سرقتي؟
هتف الثالث :
ـ أنها تكذب عليك يا رجل .. إنها كذابة أبنة..
قاطعة حسن بصرامة:
ـ لا تتطاول عليها أمامي..
ثم أشار للفتاة فلحقت به، واحتمت بظهره منهم، فلم يرها وهي تخرج لسانها لهم.. أشار لهم بالبندقية صائحاً:
ـ سأعد حتى ثلاثة.. إذا لم تغادروا بعدها.. فلن تغادروا أبداً.. واحد..
انطلق ثلاثتهم نحو السيارة وأولهم يصيح في جزع:
ـ حسناً يا أبت فقط لا تتعصب هكذا..
واصل حسن بصرامة :
ـ اثنان..
وثب الرجلان الباقيان إلي السيارة والأول يدير محركها بسرعة هاتفاً:
ـ هيا أيتها اللعينة..
ونظر لحسن في بغض وحرك شفتيه بكلام غير مسموع خمنه الأخير بالطبع.. صوب البندقية نحوهم وهو يهتف :
ـ ثلاثة..
وانطلقت سيارة الأوغاد الثلاثة مثيرة خلفها عاصفة من الغبار..
خفض حسن بندقيته ثم أطلق زفرة حارة.. دار على عقبيه ليتأمل عن كثب الفتاة التي وقفت خلفه وهي تبتسم له بامتنان.. أشار باتجاه كوخه قائلاً :
ـ كوخي على مقربة من هنا.. ستكونين فيه بأمان..
ـ لو كنت مكانك لأطلقت النار عليهم مباشرة..
ـ الحمد لله أنك لست في مكاني..
مشت خلفه وهي تقول :
ـ أنت شجاع..
ـ هل كنت تعرفينهم؟
باغتها السؤال فهزت كتفيها قائلة :
ـ ر.. ربما..
غمغم وهو يواصل المشي صوب الكوخ :
ـ أنا لا أريد مشاكل هنا..
ـ كنت أقول لك أنك عجوز شجاع..
ـ وأنت فتاة خرقاء تجوب الصحاري مع حفنة من المتشردين.. أليس لك أهل؟
ـ لقد كنت تهددهم ببندقيتك منذ قليل..
توقف وقال لها بدهشة :
ـ هؤلاء الحثالة أقاربك؟..
ـ ليس تماماً.. لقد نشأت بينهم ولا أعرف لي أحد سواهم..
هز رأسه في فهم ثم واصل المشي ..
إنه يعرف حياة الضياع تلك.. يوماً ما خشي على ولده الوحيد من مثل هذا المصير.. ربما كان مصيراً أسوأ من مصير الاندماج مع النخبة أو مع الثوار على النخبة.. التشرد..
وصلوا إلى الكوخ.. دخل وأشار لها لتجلس على الفراش.. الكوخ ليس به مقاعد.. فراش وطاولة وكتب متناثرة هنا وهناك..
ـ ما اسمك؟
تساءل وهو ينظر لها بتركيز .. قالت وهي تتثاءب:
ـ لوسي..
ـ تشرفنا.. وأنا حسن..
ـ تشرفنا.. هل أنت متشرد؟
ـ نعم.. ولا..
ابتسمت له بركن فمها، فشعر بشيء يختلج في صدره.. هذه لا تعدو كونها طفلة غريرة.. ضحية أخرى من ضحايا النخبة الأممية.. وهي كذلك في عمر ولده عماد.. قال لها موضحاً عبارته :
ـ متشرد بمعنى لا أهل ولا وطن فنعم .. أما على طريقتك أنت وعائلتك اللطيفة فلا..
هزت رأسها في فهم وإن كانت لم تفهم شيئا.. سألها:
ـ هل أنت جائعة؟..
قالها ولم ينتظر إجابة.. ألقى إليها بفخذ أرنب، وجلس يرقبها وهي تأكل بنهم.. كانت جائعة.. متشردة.. ولم تستحم منذ دهور..
وكان بداخله صراع محتدم بين شعورين متنافرين.. شعور نحوها بالشفقة البالغة.. وشعور نحو نفسه بأنه أحمق كي يأمن لمتشردة مثلها في كوخه..
قالت لما رأته يطيل النظر إليها :
ـ هل ستتركني أبيت هنا الليلة؟
ـ بشرط..
هزت رأسها مستفهمة.. فأكمل :
ـ أن تستحمي أولاً..
بدا على وجهها الذعر وعدم التصديق.. لم تتوقع أن يكون العجوز بهذه القسوة البالغة كي يطلب منها الاستحمام.. أخيراً ابتلعت ريقها وقالت باستسلام:
ـ من أين تأتي بالماء هنا؟
ـ هناك بئر قريب عدة كيلومترات من هنا..
ـ وتملك بئراً ؟!
ـ هو ملك لبعض أصدقائي من البدو..
سكتت هنيهة.. ثم عادت تسأله بمسكنة وهي تهرش في شعرها المنكوش :
ـ لابد أن أستحم؟
فرك عينيه قائلاً :
ـ هذا شرطي الحالي..
ـ وستحميني من عصابة دان؟
عصابة.. ودان.. تذكر ملامح الرجال.. إنهم ليسوا متشردين عاديين.. إنهم إحدى العصابات اليهودية التي تعج بهم الصحراء .. هذا ما كان ينقصه..
ـ هل تعتقدين أنهم سيعودون؟
ـ لن يتركوني بسهولة..
ـ ماذا أخذت منهم؟
فردت كفيها أمامه قائلة في براءة :
ـ لا شيء..
نظر لها بمعنى : أنت تكذبين.. فابتسمت له برقة جعلت قلبه يخفق من جديد.. غريبة تلك الفتاة .. تجمع بين التشرد والرقة في آن..
قال لها بلهجة أبوية كان مفتقدها منذ زمن :
ـ تعرفين.. ربما أمكنك المكث هنا لفترة أطول.. لكن عليك أن تتخلي عن حياة التشرد مع عصابة دان وغيرها.. سأعطيك فرصة ربما لن تتكرر..
قالت وهي تجول ببصرها في أرجاء الكوخ واضعة كفيها في خاصرتها:
ـ يمكنني أن أنظف لك الكوخ وأطهو لك الأرانب..
ـ وأنا يمكنني أن أنظف لك عقلك وأجلي لك بصرك..
التفتت إليه بدهشة..
ـ أنت تتكلم بطريقة غامضة وغير مفهومة..
ـ ببساطة.. سأعيد تربيتك من جديد.. لتكوني فتاة صالحة..
ـ هذا أغرب ما سمعت من رجل..
سكت برهة وهو ينظر إليها طويلاً.. كان يلمح عبر بريق عينيها صورة باهتة لولده عماد.. ودون أن يشعر وجد نفسه يهمس لها :
ـ لا أدري لماذا الآن يا لوسي؟.. لا أدرى..
نظرت له في غباء، فأطرق هامساً لنفسه :
ـ لكن.. الحمد لله على كل حال..
اقتربت منه ومالت عليه سائلة :
ـ تعرف الله؟..
ظهر الإعياء على وجهه فجأة فصاحت به :
ـ ماذا دهاك؟
ـ لا شيء فقط ستقتلينني برائحتك.. متى استحممت أخر مرة؟
تراجعت للخلف، ثم أخذت تعد على أصابعها ناظرة للسقف، فوثب بها حسن وجرها من يدها ناحية الفراش..
ـ لا أريد أن أعرف..
ثم انحنى ليسحب طست ضخم من أسفل الفراش مردفاً:
ـ هذا هو المغطس الخاص بي.. سأحضر لك الماء وسأتركك لتنعمي بحمامك ..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
قديم 15-07-19, 08:29 AM   المشاركة رقم: 25
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
مغامر ليلاس الأول



البيانات
التسجيل: Dec 2011
العضوية: 233726
المشاركات: 503
الجنس ذكر
معدل التقييم: عمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداععمرو مصطفى عضو على طريق الابداع
نقاط التقييم: 266

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عمرو مصطفى غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عمرو مصطفى المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)

 

(3)

جلس خارج الكوخ يحاول إشعال جذوة من النار يصطلي بها..
حينما ابتعد عن الفتاة انتابه شعور بالسخف.. ماذا يظن نفسه فاعلاً؟..
لوسي بقايا إنسان.. سيستيقظ في الصباح ليجدها قد سرقته وفرت..
صحيح هو ليس لديه شيء يسرق.. لكنها ستجد ما يصلح حتماً.. ربما ذبحته وباعت جثته لمن يريد قطع غيار بطريق غير شرعي..
ربما كانت تلك التمثيلية كلها مع رفاقها من أجل ذلك في النهاية..
حتى هنا لا تتركك أدران النخبة لحالك..
بعد قليل خرجت الفتاة وهي ترفل في أحد ثيابه بعد أن غسلت ثيابها وتركتها لتنشف.. نظر إليها فوجدها زهرة برية تتحسس طريقها بين عالم من الأشواك القاسية.. وفي لحظة تلاشت من رأسه كل أفكاره السوداء تجاهها..
ـ عماد كف عن ارتداء ثياب والدك إنها لا تناسبك..
ـ حينما أكبر ستناسبني حتماً..
ـ دعيه يا عفاف..
ـ الثياب ستتسخ..
قالت لوسي وهي تمشي بحرص:
ـ سأغسلها لك..
نظر لها وهي تتحرك بحرص كي لا تفسد الثوب ثم جلست بجواره أمام النار.. قال لها ووهج النيران ينعكس على تعبيرات وجهه :
ـ لقد تغيرت مائة وثمانون درجة..
ضحكت قائلة:
ـ لن يعرفني دان لو عاد ليأخذني..
ـ يبدو أنك مهمة جداً بالنسبة إليهم..
ـ في عالمنا تستعمل الفتاة كطعم جيد للإيقاع بالحمقى..
قال وهو ينكت في النار بعود :
ـ لكن ليس كل الحمقى يطلبون منك أن تستحمي كذلك..
ضحكت وقد فهمت ما يرمي إليه.. قالت وهي تمرر يدها في شعرها الملتوي كالحلقات :
ـ لقد كنت على وشك إطلاق النار على رجال دان .. لا أظن أن هذا كان جزءاً من الطعم..
ـ كانوا يريدون شيئاً منك.. شيئاً سلبتيه إياهم..
ـ لم أسلبه منهم.. لقد حصلت عليه بنفسي.. وهم يريدون مشاركتي فيه؟
ـ ما هو؟
مدت يدها في جيب سترته وأخرجت شيئاً في راحتها.. حينما نظر إليه حسن أدرك أنه لم يبتعد كثيراً عن أعين النخبة..

***

لم يصدق دان حينما أخبره المتشردين الثلاثة بما حصل مع لوسي..
كان جالساً باسترخاء أمام كوخه القذر.. وحوله تلال من السيارات القديمة المكومة فوق بعضها البعض، وقطع متفرقة من روبوتات وشاشات حاسب وأجهزة بث ثلاثي الأبعاد، وأثاث منزلي متابين بين العتيق والمتوسط والحديث..
أما دان نفسه فكان في العقد السادس ممتلئ الجسد قليلاً وله عينان خضراوان وبشرة لوحتها الشمس.. وقد كان رد فعله مدهشاً حينما أخبره الرجال العائدون بما جرى.. لقد أوسعهم ركلاً ولكماً وسباًً وبصقاً..
إنه لا يصدق أن لوسي التي رباها على يديه قد فرت بصحبة عجوز إسماعيلي..
ـ لابد أنه قد حدث لها مكروه يا أولاد الأفاعي..
صاح أحدهم وهو ينحني ليتفادى لوح من الصاج قذفه دان في وجهه:
ـ بل قد طمعت في بعض الشرائح التي نتعب ونكد حتى نحصل عليها من أجلك..
ـ وتتهمونها بالسرقة أيضاً!
وحمل أسطوانة غاز وهم أن يقذفها عليهم، لولا أن توقف فجأة وترك الأسطوانة، و بدأ يهدأ.. هو يعرف أن لوسي تربيته.. وبما أنه لص كبير فلا ينبغي أن ينتظر من تلميذته أن تصير قديسة.. بل هو يعرف أنها لن تتورع عن سرقة أحشائه نفسها لو كانت ذات فائدة لها..
قال بصوت أقرب للبكاء :
ـ أريد شرائحي..
ـ إننا نحفظ مكان الكوخ التي تقيم به..
هرش تحت إبطه في غل قائلاً :
ـ كم عددهم يا شامير؟..
قال المدعو شامير:
ـ إنه مجرد رجل واحد ومسن..
تدخل ثان قائلاً :
ـ لكنه يبدو قوياً ومحنكاً..
ركل دان الأرض صائحاً :
ـ وأنا أريد شرائحي أيها الأوغاد..
ثم أشار إليهم بسبابته واحداً تلو الأخر وهو يردد أسمائهم :
ـ شامير.. ديفيد .. إيزاك.. إعادة الشرائح والفتاة هي مسئوليتكم..
سأله المدعو ديفيد:
ـ والعجوز؟
لوح بذراعيه صائحاً :
ـ لا مكان للعجائز..

***

كانت بالفعل مجموعة من الشرائح الذكية تم لفها بشريط لاصق..
نهض كالمجنون وانتزعها من يدها صائحاً :
ـ لو كنت أعرف أن هذه الأشياء معك لما سمحت لك بالدخول هنا..
ثم ألقاها في النار أمام عينيها الذاهلتين..
ـ مجنون..
قالتها وهي تنهض وعيناها تتسع لمشهد الشرائح وهي تتموج وتذوب في قلب النار..
ثم وثبت عليه في توحش وهي تصرخ :
ـ أنت عجوز مجنون..
أمسك يدها ولوى ذراعها قبل أن تخمش وجهه بمخالبها.. بدت له كهرة صغيرة متنمرة لا أكثر..
ـ هذه الأشياء تتجسس علينا..
ـ هذه الأشياء تساوي مالاً يا أحمق..
دفعها لترتطم بجدار الكوخ قائلاً :
ـ أنا في مثل سن أبيك..
اعتدلت وهي تكور قبضتيها كأنها ستعاود الهجوم عليه.. ثم قررت أن تتراجع وهي تصرخ بغيظ :
ـ لن أبيت معك.. أنت عجوز مختل..
أشار إلى ثيابه التي ترتديها ..
ـ ردي إلي ثيابي إذن..
ـ إليك ثيابك اللعينة..
قالتها وهي تخلع الثياب عنها وتقذف بها في وجهه حتى وقفت كيوم ولدتها أمها.. أشاح حسن بوجهه عنها هاتفاً:
ـ يا معتوهة..
لكنها انطلقت مبتعدة وهي تسبه وتلعن اليوم الذي رأته فيه.. وظل هو واقفاً ينظر لقدميه متردداً.. هل يلحق بها أم يتركها لمصيرها.. تخيل فتاة مثلها تجوب الصحراء عارية.. ما المصير الذي ينتظرها؟.. خصوصاً بعد أن استحمت!..
ركل الحصى بحذائه ثم عاد للجلوس أمام النار وهو يزفر.. نظر لألسنة اللهب وهي تتمايل وهمس لنفسه:
ـ مرة أخرى تفشل في أن تكون أباً يا حسن..

***

حينما هم لإطفاء النار والعودة لفراشه لمح خيالها في الظلام يتسلل إلى الكوخ.. انتظر حتى تأكد أنها ارتدت ثيابها، ثم دخل عليها قائلاً:
ـ الثياب لم تجف بعد؟
ـ وما شأنك أنت؟
اقترب منها وقال مبتسماً :
ـ الثياب المبتلة قد تؤذيك..
نظرت له باستغراب ثم هزت رأسها بلا معنى واتجهت لباب الكوخ..
استوقفها قائلاً :
ـ ستعودين لعصابة دان؟
ـ لماذا تهتم؟
ـ لو كانت لي أبنة مثلك لما تركتها تذهب إلى وغد مثل دان.
أدارت وجهها إليه فرأت وجهه متأثراً.. بدا لها عجوزاً تعساً رغم جسد المشدود وبنيته القوية.. مجرد عجوز أصلع الرأس، والذي بقي من شعره على جانبي الرأس لم يتركه الشيب وشأنه..
قالت وقد هدأت حدة لهجتها نوعاً :
ـ ربما عدت لدان.. وربما بحثت عن غيره..
فرك حاجبيه بأنامله كالمرهق وقال :
ـ هذه ليست حياة يا لوسي..
ـ وأنت هل لديك حياة مختلفة؟
سكت قليلاً فظنت أنها أفحمته.. لكنه عاد ليقول لها في صرامة مفاجئة:
ـ أنا اخترت تلك الحياة على الأقل..
ـ اخترت أن تكون متشرداً مثلي؟
ـ قلت لك أنا لست متشرداً مثلك.. أنا أحيا في الصحراء بعيداً عن النظام العالمي الذي أفرز أمثالك من المتشردين يعيشون على هامش الحياة.. يسرقون وينهبون ويفرون في الصحراء.. هدفهم حيواني بحت.. البقاء على قيد الحياة أطول فترة ممكنة..
سألته بدهشة:
ـ وهل لديك هدف أخر في الحياة؟
جذب نفساً عميقاً قبل أن يجيب :
ـ بلى..
سألته بلهفة:
ـ وما هو؟
قال بهدوء :
ـ إجابة هذا السؤال قد تحتاج وقتاً طويلا..
هزت كتفيها قائلة :
ـ ليس لدي ما أقوم به حالياً..
أشار للخارج وقال بلكنة ساخرة :
ـ ربما عليك أن تلحقي بدان وعصابته.. قد يحالفك الحظ ويغفر لك سرقة الشرائح.. لكن لا أدري ماذا سيفعل لو علم أن الشرائح قد ذابت في النار..
قطبت جبينها قائلة:
ـ هل ستتركني أعود إليه ليقوم بربطي بسيارته ويجوب بي الصحراء..
أولاها ظهره كي يداري ابتسامته..
ـ بابا أنت لن تتركني هه؟
ضم شفتيه وهو يغمغم :
ـ ممممم.. دعني أفكر..
احتضن عماد ساقيه وهزه صائحاً :
ـ بل لن تتركني.. لن تتركني.. لن..
هنا لا يتمالك نفسه .. ينفجر في الضحك وهو يستدير ليرفعه عالياً و..
اختل توازنه فاستند على قائم الفراش كي لا يسقط.. تسأله لوسي:
ـ هل أنت بخير؟
قال وهو يحاول أن يبدو متماسكاً :
ـ أنا بخير يا لوسي..
وسكت قليلاً وهو ينظر إليها بثبات جعلها ترتبك..
قال بلهجة حانية محت ارتباكها ليحل محله إحساس غامض:
ـ ولن أتركك.. لن أكرر نفس الخطأ مرتين..
تأملته الفتاة كأنها تنظر له لأول مرة.. ولا تدري سر ذلك الإحساس الغامض الذي داهمها وهي تنظر لعينيه المنهكتين التي تشع طيبة وحنان وإرهاق..
هذا العجوز البائس بحاجة ماسة إليها وهي أيضاً بحاجة ماسة إليه..
لذا ستبقى..

***

افترش أمام باب الكوخ ووضع بندقيته تحت الوسادة المحشوة بالقش والخرق القديمة، حملق في سجادة السماء المرصعة بالنجوم وتنهد.. سبحان الله.. كيف بدأ يومه وكيف انتهى؟ بالأمس كان سيد هذا المكان بلا منازع.. والآن صار بواباً لفتاة متشردة من قلب الصحراء..
لم يكد يغمض عينيه حتى سمع صوت محرك سيارة يأتي من بعيد.. قبضت يده على البندقية بتلقائية وغمغم من بين أسنانه وهو مغمض العينين :
ـ بدأنا..

***

 
 

 

عرض البوم صور عمرو مصطفى   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(رواية), وخنازير, قريب
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 08:10 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية