تذكّر وهو يجلس وحيدا يتأمل صورة القمر المنعكسة على صفحة مياه النيل بهذا الوقت المتأخر من الليل آخر حوار دار بينه وبين ابن عمه والذى انتهى بكارثة محققة ,كان كريم مصرّا على ألا يتسرع سيف باتخاذه قرارا خطيرا كالزواج من واحدة متسلقة ساعية خلف انتقام أحمق مثل مها والتى تمتلك بذات الوقت جمالا صارخا ,وقد اختبر ضعف ابن عمه مرة من قبل تجاه الشقراوات الفاتنات فقد انطوى على نفسه بعد علاقة قصيرة الأمد مع الفتاة التى أدرك بوقت قريب أنها تنتمى لنفس العائلة .. عائلة الشرقاوى ,اتضح أنها حفيدة للجد عبد الله الذى ظهر فجأة من العدم مطالبا بنصيبه من الميراث وحقه الأصيل فى ادارة أعمال العائلة.
كانا يقفان كفارسين يتبارزان فى عتمة الليل البهيم ويتراشقان بالكلمات كيفما اتفق.
قال كريم باندفاع:
-لا أفهم حتى الآن كيف تترك لها المجال حتى تبتزك بهذه الصورة المبتذلة ؟
أجابه سيف بمرارة:
-لأننى لن أضحى بسمعة العائلة أبدا ولن أسمح لأى شئ أن يدمر صرحا هائلا كالذى بناه جدنا.
-يمكننا أن نوقفها عند حدها بأية طريقة أخرى الا أن تستسلم لطلباتها.
أشاح بوجهه بعيدا قبل أن يقول ساخرا:
-وما هى هذه الطريقة التى تتحدث عنها بمثل هذه الثقة ,وكيف تتأكد من صلاحيتها ؟
قال باصرار:
-لا أدرى حتى الآن , لا بد أن هناك حلا بيد أن عقلى عاجز عن التفكير ,أشعر بنفسى مقيّدا دون ارادتى هذه الفترة.
ابتسم هازئا لابن عمه وهو يقول ببرود:
-اذن دعنى أقم بدورى تجاه انقاذ العائلة فهذا واجبى نحو والدى على الأقل ,لا أريد أن أخذله أبدا.
هتف به كريم بانفعال واضح وهو يمسك بتلابيبه يهزه بعنف:
-أنت تهذى يا ابن العم ,وهل بهذا التصرف تسدى الى والدك خدمة ,, أن تتزوج من ابنة عدوه اللدود ,ألا تفكر ماذا سوف تكون ردة فعله حينما يعلم بقرارك ؟
جذب سيف نفسه بقوة من براثن قبضة كريم الفولاذية بعد جهد جهيد وهو يضيف بهدوء أغاظ ابن عمه:
-لن يعلم أبى الا بعد اتمام الزواج.
صاح كريم معنّفا:
-ماذا ؟ هل تود اخفاء الأمر عن عمى ؟ هل جننت ؟
أردف سيف متعمّدا ألا يواجهه بالنظر:
-بل سوف أخفى الأمر عن الجميع ,لن يعلموا الا فى وقت لاحق.
-انظروا ماذا يقول هذا المختل عقليا ! لقد فقدت عقلك كليّا ,لست أنت سيف الذى أعرفه ,ما الذى يدفعك الى المثول لرغبة فتاة حمقاء تسعى الى الانتقام ؟
-لأنه لم يعد لديها ما تخسره كما قالت فحتى وظيفتها قد خسرتها وهى لا تملك عائلة تخشى عليها أما أنا ...
صمت للحظات حتى يبتلع غصة بحلقه قبل أن يستطرد:
-لدىّ ما أخسره ,لدىّ ما أخشى على ضياعه ,, أنتم عائلتى ,وأبى الذى عدت الى أحضانه بعد أن فقدت الأمل بأن يلاحظنى ,ألا يستحق هذا التضحية من وجهة نظرك يا كريم ؟
-ما زلت مصرّا على رأيى ,لأجل خاطر أبيك لا ترمِ بنفسك الى الهاوية ,ألا تعتقد معى أنه قد لا يحتمل سماع هذا الخبر فكيف اذن بتقبّله ؟
أشار سيف بيده بعلامة قاطعة وهو يقول بتقرير:
-لقد اتخذت قرارى ولن أتراجع عنه مطلقا ,سبق السيف العذل كما يقولون.
-وماذا تنتظر منى أن أقف فى صفوف المهنئين أبارك لك زواجك الميمون من ربة الصون والعفاف ؟
قال سيف ببطء:
-أنتظر منك أن تقف الى جوارى ,تساندنى ,أريدك أن تشهد على عقد القران ؟
صرخ كريم بعنف:
-لا ,لن يحدث أبدا ,لن اشارك فى جريمة نكراء كهذه فى حق نفسك أولا وحق عائلتك بأكملها.
وقفا متواجهين بعينى سيف نظرات رجاء صامت تتوسل كريم أن يعيد النظر فى قراره الظالم ,وكريم يقف شامخا بذقنه المرفوعة بكبرياء متفجّر يتحدّى ابن عمه محاولا زحزحته عن الخضوع لرغبة مجنونة أو نزوة عابرة سوف يندم عليها فيما بعد.
قال سيف بصوت خفيض محاولا أن ينفض عنه أية دلائل ضعف أو ذل:
-كما تشاء يا ابن العم ,أنت حر بقرارك , فمن أنا على كل حال حتى ألومك.
هز كريم برأسه نفيا وهو يحاول أن يتمسّك بأية بادرة أمل حتى يتراجع عن قرار الانتحار بهذه الكيفية فقال متساءلا:
-وريم ؟
-ماذا عنها ؟
-ألم تفكر بمشاعرها وأنت تتخلّى عنها لتقترن بأخرى بعد أن تقدمت لها ؟ ألا تهمك ابنة عمك ؟ ألم يتركها عمى وزوجته أمانة بأعناقنا ؟ ألا يعنى لك خاطر رفيق شيئا وأنت تجرح كرامة أخته ؟
رفض سيف أن يمنحه الفرصة لتأنيب الضمير , يكفيه أنه لا ينام ليلا الا لساعات معدودة بعد أن ينهكه الأرق والقلق وينال من جسده التعب فيسقط بغيبوبة لفترات متقطعة ,تتخللها الكوابيس المزعجة ,ولا راحة له نهارا فيتملك منه اليأس بعد عناء التفكير العميق شاعرا بوحدة غريبة ولأول مرة بعمره الذى يقارب الثلاثين عاما.
-سوف يعذرنى بالتأكيد حينما يعرف بالحقيقة.
-أتنوى اخباره ؟
قال نافيا:
-ليس الآن ,ربما فيما بعد.
-بعد أن تنفذ رغبتك المندفعة بالانتحار.
-لا تبالغ ,فالزواج ليس انتحارا كما تظن.
-ان كان على هذا المنوال فهو أسوأ من الموت بحد ذاته ,أتوافق على منحها اسمك بهذه السهولة , وأنت تعرف أنها تسعى لتدميرك.
-لا تقلق علىّ , فلن أمنحها الفرصة ,سوف تدفع الثمن غاليا ,أعدك بذلك.
-أتمنى لو كنت أستطيع تصديقك ,مما أراه الآن أجدك رجلا ضعيفا خاضعا لكيد امرأة حقيرة ,وما الذى يمنعها فيما بعد من اذلالك بطريقة أخرى ؟ ألا تفهم أن هذا هو مرادها ؟
اندفع الغضب يعمى سيف بسبب كلمات صديقه الجارحة المهينة فدفع بقبضته فى فك كريم يضربه بحقد هاتفا بغل:
-اخرس.
أخذ الآخر على حين غرة فتأوّه متألما من قوة اللكمة الموجهة اليه وتراجع بضعة خطوات ,قبل أن يحاول سيف معاودة الهجوم مرة أخرى الا أن كريم صد ضربته القادمة دون أن يؤذيه ,فقط مجرد حماية لنفسه من تهور ابن عمه اللا محدود وهو يهتف حانقا:
-اهدأ يا سيف , كفى , أنا لا أريد ايذائك.
كان يحادثه وهو يدور حول نفسه يتلافى لكمة هنا أو ركلة هناك وكأن سيف قد مسّه درب من الجنون ,لم يهدأ الا بعد أن فاجأه كريم بالدوران من خلفه قابضا على عنقه بساعده القوى ليمنعه من الحركة فيما هو يكافح لأستنشاق أنفاسه المتقطعة فهمس كريم بأذنيه:
-كفى يا سيف , لا تحاول الفكاك فتتسبب لنفسك بأذى كبير.
هدأت أنفاسهما اللاهثة بعد فترة دامت لدقائق فأرخى كريم قبضبه قليلا عن عنقه وهو يهدر محذرا:
-سأتركك الآن ولكن حذارى أن تتمادى مرة أخرى.
وأفلته بسرعة ثم تراجع مبتعدا عنه الى الوراء وكانه لا يثق بحكمة ابن عمه فى اتخاذ القرارات الا أن سيف وقف بمكانه مبهوتا مما صار ,هل حقا تشاجر هو ورفيق عمره بسببها ؟ ها قد بدأت تسبب له اذى بالغا قبل حتى أن ترتبط باسمه ,لم يمحى من ذاكرتيهما هذا اليوم ومصارعة أحدهما للآخر وان كان هو البادئ أما كريم فاكتفى بالدفاع عن نفسه.
اندفع كريم صائحا بألم:
-منذ الآن يا سيف , أنت بطريق وأنا بطريق آخر يا صديقى , أقصد يا من كنت صديقى ,لن أنسى أنك قد قاتلتنى من أجل فتاة كهذه لا تستحق حتى منك مجرد شفقة.
أطرق سيف برأسه خجلا الى الأرض قبل أن يتساءل بحذر:
-أيعنى هذا أنك لن تشى بسرى ؟
ضاقت عينا كريم تلقائيا وقال بأسى:
-أهذا كل ما يعنيك فى الأمر ؟ لا تخشَ شيئا فلست أنا هذا الرجل الذى يتصرف بدناءة مع صديق سابق.
ثم أردف بصوت خافت بالكاد وصل الى مسامع سيف الذى نكّس رأسه:
-وداعا يا ابن عمى.
وانصرف دون أن ينتظر كلمة واحدة منه ,وماذا كان بوسعه أن يقول ؟ أيطالبه بالصفح ؟ كلا لم يعد هذا ممكنا ,فقد اتخذ قراره بسلوك هذا الطريق حتى نهايته ,,قرر التضحية من أجل العائلة وهذه كانت نقطة فاصلة فى حياته ,بل فى حياة الجميع.
ارتسم الأسى على محيا كريم وهو يستعيد كل لحظة من لقائهما الأخير ,ما زال عقله غير قادر على الاقتناع بما فعله سيف ,لا بد أن كان واقعا تحت تأثير ضغوط أكبر من مقدرته على التحمّل ,ربما كان عليه البقاء الى جوار صديقه حتى ولو لم يرغب هو بذلك ,لقد فات أوان التراجع عن قراره ,,لم يعد لديك من يهتم لأمرك بعد الآن يا كريم ,صرت وحيدا ,تزوج رفيق وابتعد وسيلحق به سيف تباعا ,وأمك أيضا .. لم تعد هى ذاتها ,انشغلت عنك بمؤسستها الخيرية الجديدة ,اتخذت قرارها دونما الرجوع اليه بتحويل نصيبها من الميراث الضخم الى الأعمال الخيرية ,طبعا تركت جزءا ضئيلا لتنفق منه وكأنها بهذا تنفض يديها عن ولدها ,يحق لها أن تحيا كيفما تشاء بعد أن دفنت حيّة لبقائها منزوية بركن قصى كأرملة وحيدة.
رحماك يا ربى !
نظر الى ميناء ساعته الفضية ليجد أن الوقت على مشارف الفجر ,استمع الى الآذان يصدح مجلجلا يشق صمت الليل فتنبّه الى وجود مسجد قريب من المكان الذى يقبع به ,أخذ يردّد وراء المؤذن حتى شعر بيد خفية تسوقه نحو الجامع الكبير الذى تفاجأ بازدحامه بالمصلّين الذين أخذوا يتوافدون واحدا تلو الآخر لأداء الفرض ,لم يكن متوضئا فاحتار قليلا قبل أن يحسم أمره ودلف الى دورة المياه الملحقة بمبنى المسجد ,حلّ رباط حذائه الرياضى الأنيق وخلع جوربيه ثم انحنى أمام الصنبور ليسبغ الوضوء كما علّمه عمه محمد -جزاه الله عنه كل الخير - فى صغره فهو من تولّى رعايته وتنشئته مع رفيق كابن ثانٍ له باذلا قصارى جهده ليعوّضه عن الأب الغائب ,لذا فهو يعدّه بمثابة الأب وليس العم فقط , أنهى الوضوء واستعد للتوجه الى الصلاة وكان عليه أن يرتقى عدة درجات قبل أن يصل لباب المسجد ,اصطدم برجل أمامه وكادا أن يتعثرا هما الاثنان الا أن ذراعى الرجل قد تمسكتا بقميصه حينما التف اليه وهو يتمتم بكلمات اعتذار هامسة:
-أستمحيك عذرا ,فلم أنتبه لخطواتى.
هتف الرجل فرحا:
-من ؟ كريم الشرقاوى ؟ أى رياح طيبة ألقت بك الى هنا يا رجل ؟
انتبه كريم من شروده بعد أن كاد أن يكتفى بالاعتذار ويكمل طريقه بصمت , فتطلّع نحو مرافقه بفضول وقد أحس بالألفة فى صوته ,أنه يعرف صاحب الصوت جيدا ,وما أن وقعت عيناه على الشاب القوى البنيان ذى العينين السوداوين واللحية الخفيفة حتى صدرت عنه آهة خفيفة وهو يمد يده اليه بالتحية:
-أحمد المنشاوى ,, حقا الدنيا صغيرة ,, يا لها من مفاجأة.
تراقص حاجبيه بشقاوة وهو يسأله:
-أهى مفاجأة سارة ؟
كاد أن يجيبه لولا أن وقوفهما بهذه الوضعية كان يعيق وصول المصلين الذين انهالوا توافدا على المسجد وقد سمعا الكثير من الاعتراضات بعد أن أتاهما صوت المؤذن وهو يستعد لاقامة الصلاة فجذبه أحمد من كتفيه الى الجانب الآخر ثم دفعه برفق نحو الباب المفتوح ,وانطلقا يبحثان عن الصف الذى لم يستكمل بعد ووقفا متجاورين ,فيما بدأ امام المسجد بالصلاة فحاول كريم جاهدا التركيز فى صوت الشيخ وهو يتلو بضعة آيات من القرآن الكريم بصوت رخيم ,حتى شعر بعضلات جسده المشدودة تسترخى تلقائيا الى أن وصل الى مرحلة الخشوع التام فى الصلاة.
بعد انهاء الصلاة والتسليم التفت أحمد نحو كريم يمد يده اليه مصافحا بقوة هذه المرة وهو يقول بسعادة:
-لم أسلّم عليك جيدا ,أين أنت يا صديقى منذ زمن ؟
تنهد كريم ارتياحا وهو يقول بانشراح عجيب بعد أن كان يشعر بانقباض فى صدره:
-الدنيا مشاغل يا ميدو.
ابتسم صديقه بمحبة حينما لقبّه بلفظة التدليل المعتادة بينهما منذ بضعة سنوات حينما تعرفا الى بعضهما بالمصادفة كما التقيا الآن وقام واقفا على قدميه يسحب كريم بدوره حتى ينهض قائلا:
-أستعجب أنك ما زلت تذكرنى ,فقد مرّ على آخر لقاء لنا فترة طويلة وظننت أننى أصبحت طى النسيان.
خرجا من المسجد سويا وانحنى كريم بجانب الرصيف يعقد رباط حذائه بينما كان أحمد مرتديا لخف منزلى بسيط فسأله كريم بفضول عن السبب حتى أجابه صديقه بخفة:
-لأننى أسكن قريبا من هنا ,وعلى الدوام آتى الى هذا المسجد من أجل صلاة الفجر ولكنها أول مرة اشاهدك فى الجوار.
مشيا الهوينى جنبا الى جنب فيما صرّح كريم قائلا:
-كنت مارّا من هنا وصادف أننى سمعت آذان الفجر فقررت الدخول الى أقرب مسجد.
صدرت عن أحمد ضحكة خافتة وهو يقول بمرح:
-هل كتب علينا أن نلتقى دائما بالمصادفة ؟ حتى تعارفنا كان مصادفة غريبة !
اعترف كريم:
-نعم أنها صداقة من نوع مثير للدهشة والعجب , أخبرنى يا ميدو هل ما زلت تعمل بنفس المجال ؟ أعنى بالتسويق العقــارى ؟
أومأ له أحمد برأسه وهو يستفيض فى الحديث قائلا:
-أنا كما أنا منذ أن تعرفت الىّ ولكننى أتساءل عن أحوالك أنت ,يبدو لى أنك قد تغيّرت كثيرا يا كيمو.
دوّى صوت ضحكاتهما المشتركة مجلجلا فى الفراغ وقد بدأت خيوط النهار فى الظهور كعذراء خجول على استحياء ,وأخذ كريم يستنشق الهواء النقى المتجدد قبل أن يلوثه زحام السيارات المارقة وزقزقة العصافير فوق الأشجار تعزف لحنا نادرا حيث أن هذه المنطقة تشتهر بأشجارها الكثيفة التى تظلل جانبى الطريق ,كرّر أحمد عبارته الأخيرة بصيغة مختلفة:
-ما بك يا صديقى ؟ ما لى أراك شاردا وكأنك تحمل هموم الكون على كتفيك ؟
ابتسم كريم بتكلّف هذه المرة قبل أن يجيب بصراحة قائلا:
-بعض المتاعب.
-فى العمل ؟ أم فى حياتك الشخصية ؟
-حياتى ... !! أعتقد أنه لم تعد لى حياة من الأساس حتى تواجهنى المتاعب بها.
اندهش أحمد فقال مصدوما:
-الى هذا الحد وصل بك الضيق ؟ اسمع ,, منزلى على بعد خطوتين لمَ لا تأتى معى ونفطر سويا ؟
حاول كريم التملّص من دعوة صديقه المفاجئة الا أنه ما لبث أن اذعن تحت اصرار أحمد الذى لا يلين وهو يقول غامزا بعينه:
-وسنفطر كما الأيام الخوالى , ألم تشتاق للفول والفلافل يا ابن الذوات ؟
اعتاد أن يطلق عليه هذا اللقب بعد معرفته بانتماء صديقه لعائلة من أكثر العائلات ثراءا ونفوذا بالبلد كله وكما كانت على الدوام علاقتهما الوطيدة المثيرة للعجب والتى تكمن الاثارة فى تفاصيلها الى اختلافهما الشديد سواءا بالشخصية أو بطبيعة العمل أو بالنشأة حيث ينتمى أحمد لما يعرف بالطبقة المتوسطة بينما كريم يعد واحدا من أبناء الطبقة المخملية.
-اذا كان الفول بالزيت الحار فلا مانع لدىّ على الاطلاق.
أكمل أحمد حديثه بخفة ظل:
-ولا تنسَ الفلافل المقليّة فى زيت السيارات.
وضرب الاثنان كفيهما ببعض متجهين نحو منزل أحمد القريب ,وهذه كانت المرة الأولى بالنسبة لكريم فصداقتهما اقتصرت فى الماضى على الخروج سويا اضافة الى بضعة مكالمات كل فترة.
تلّهى كريم عن مصيبته بالاستماع الى ثرثرة أحمد التى لا تنتهى.
وقد توقفا أخيرا أمام احدى البنايات التى لا يتجاوز عدد طبقاتها أصابع اليد الواحدة وتحيط بها حديقة صغيرة مسيّجة بسور قصير قبل أن يقول أحمد بفخر واعتزاز:
-ها قد وصلنا , تفضل بالدخول الى منزلى المتواضع.
-فى أى طابق يقع منزلك ؟
سأل كريم وهو يندفع نحو باب البناية المعدنى الا أن أحمد استوقفه ليدير وجهتهما نحو باب جانبى صغير يصل الى الحديقة قائلا:
-يمكنك اعتبار الـعـقار كله ملكى , الا أننى أسكن بالطابق الأرضى , تعالَ معى وتمتّع بالزهور والخضرة من حولك.
ارتفع حاجبا كريم اندهاشا فقد فوجئ هذه المرة بحق ,يبدو أن جعبة صديقه لم تخلُ بعد من المفاجآت التى تنتظره ,ثم تبعه كظله الى الداخل.
**************