لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-01-20, 05:44 PM   المشاركة رقم: 16
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Jan 2020
العضوية: 333888
المشاركات: 30
الجنس أنثى
معدل التقييم: نسرين نينا عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 10

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
نسرين نينا غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي

 

تسلم أناملك يا قمر
أبدعت 💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💖💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💞💔💔💔💔💔💕💕💖💖💗💙💙💙💚

 
 

 

عرض البوم صور نسرين نينا   رد مع اقتباس
قديم 18-01-20, 07:47 PM   المشاركة رقم: 17
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,134
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان

 

الفصل الثانى



غادر جاسر فيلا العائلة مع جده بعد أن تبادل مع سيف نظرات غير ودية على الاطلاق مع وعود باهتة بحضورهم لحفل الخطبة الوشيك ,ودّ لو استطاع أن يؤدب هذا الهمجى على تصرفه الجارح اللامبالى بمشاعر ابنة عمه المحطمة ,كيف يجرؤ على الاقدام على فعلته تلك ؟ ولماذا فى الخفاء ؟ هناك سر عظيم يكمن خلف هذه القصة الوهمية حول زواجه السريع ,أبدافع الحب هى أم الكراهية ؟ فلم يفته لمحة من نظرة قاتلة صوّبها نحو زوجته الفاتنة الشقراء ,ما باله هذا الرجل فى انجذابه نحو الشقراوات ؟ وهو - جاسر - الشخص الأكثر علما بهذه الحقيقة المؤكدة , ألم يكن هذا السيف مرتبطا بعلاقة عشق مع ابنة خالته الحسناء ليلى ,قبل أن يظهر معدنه الرخيص بتنصله من هذه الرابطة بدون سبب وجيه ,لا يدرِ لمَ أصر على أن يراقب ملامح وجهه عن كثب حينما علم بنبأ خطبتها ,هل كان ينتظر منه تأثرا ؟ أى دليل ولو باهت على أنه ربما حمل لها يوما أية مشاعر ,, فقط الخواء هو ما شعر به فى نظراته عينيه الحادة وكأن ليلى هذه لم تكن تعنى له يوما أكثر من فتاة عابرة بحياته ,يدرك أخطائها العديدة وتصرفاتها الطائشة فقد نشآ سويا وان كان يكبرها بعدة سنوات الا أنها تظل رفيقة طفولته وصباه التى يدين لها بالولاء ,, كان بعيدا عنها حينما ارتبطت بسيف ,الى أن عاد فجأة ليجدها واحدة أخرى غير ابنة خالته المليئة بالحيوية والمرح ,صاحبتها الكآبة ولازمها العبوس فما كان منه الا أن يلازمها حتى لا تقع فى المحظور ... تم تشخيص حالتها كاكتئاب حاد وحذّرهم الطبيب من احتمالية اقدامها على انهاء حياتها ,وتراءت بمخيلته الصور تباعا وهى ملقاة بالمستشفى فاقدة للوعى حينما أقدمت على تنفيذ مخطط الانتحار بمحاولتها لابتلاع علبة كاملة من الأقراص المهدئة كادت أن تودى بحياتها فى لحظة تهور ويأس ,وحينما استعادت القدرة على التفكير بذهن صافٍ أنكرت ما اقترفته يداها من اثم وقطعت على نفسها عهدا بألا تتورط ثانية فى هذا النوع من العلاقات المدمرة ,فتحوّلت الى هذه النسخة المعدّلة من ليلى ابنة خالته التى عرفها بالماضى الى ليلى أخرى جديدة لا يشغلها سوى نفسها ,ولكنه هو الوحيد القادر على التسلل عبر طبقات الجليد المتراكمة الى قلبها الدافئ ,النابض بحب الخير ,كان مضطرا لحمايتها بشتى الطرق فأطلق لها العنان حتى لا تعاودها نوبة الاكتئاب مرة أخرى ,مطالبا خالته وزوجها بأن يسمحا لها بالتصرف كيفما تشاء فى ملابسها وخروجها وحتى عملها بدلا من تحمّل خسارة فقدها وهذه المرة ربما تكون الى الأبد.
آه منكِ يا ليلى ! ويا خوفى عليك يا خالد ,, من تقلبات مزاجها ,ونزق طباعها ,الى أين ستؤدى بك الطرق يا صديقى ؟ ألم تتحمل مرة ألم الهجران من حبيبة عمرك ؟ تلك التى لم تكن تمل الحديث عنها أمامى متشدقا بقوة حبها لك وتمسكها بحياة تجمعكما معا.
لم يرها ولا مرة واحدة وان كان يعرف أنها تسكن بالقرب من منزل صديقه فهى وأمها كانا من الجيران ,وضنّت الحياة على خالد بهذه السعادة البسيطة فابتعد منزويا بناءا على رغبتها فى الانفصال ,وهو من نجح فى اخراجه من شرنقة اعتزاله بعد محاولات مستميتة ليتسلّم عملا فى مكتب السيد فهمى والذى يعد واحدا من معارف جده الكثيرين الذين يدينون له بالولاء والاخلاص فقد احتضن جاسر وليلى فيما سبق وها هو يعاود سيرته المعروفة بمد يد العون لخالد فوافق على توظيفه متغاضيا عن خبرته المعدومة فى مجال العمل متيحا له فرصة لاكتسابها بمكتبه الجديد ,وهو أحد الفروع التى انشأها بالعاصمة الكبرى وبضعة محافظات بالوجه البحرى ,ولم يمض بضعة أشهر حتى قام بتعيين أميرة أو لبنى كما كان اسمها فى ذلك الحين ,ضاقت عيناه تلقائيا حبنما وصل بأفكاره عند هذا الحد ,, لبنى ,, أميرة الشرقاوى ,,زوجة رفيق ,, شقيق ريم ,, وهو يرغب بالزواج منها , يا له من تعقيد محكم ,كيف سيتغلّب على كل هذه الصعاب ,فريم مجروحة كفاية بسبب تصرف ابن عمها اللئيم وهو أضاف الى آلامها تلالا تكفيها لسنوات ,وفجأة برق بذهنه خاطرا مزعجا ,, هل صارحها رفيق بحقيقة علاقته السابقة بأميرة ؟ وعاد بهدوء نافيا هذا الناقوس المزعج فى رأسه والذى أخذ يرن بلا توقف ,كلا فرفيق رجل شديد الاعتداد بنفسه وفخور بزوجته ,لن يسمح باهانتها أبدا مهما كلفه الأمر حتى ولو أخفى هذه المعلومة الثابتة عن أقرب الناس اليه ,هذا يصب فى مصلحته ,تنهد محترقا بنيران اللوعة ,, لماذا لم ألقاكِ أنت أولا ؟ لماذا أجل القدر حبنا حتى بات مستحيلا ,ولكنه سيفعل المستحيل من أجلها هى وحدها , مالكة قلبه وعقله.

****************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 18-01-20, 07:48 PM   المشاركة رقم: 18
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,134
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان

 

-لا بد أنكِ قد جننتِ يا امرأة ,ما الذى دفعك للخروج من غرفتك دون استئذان ؟
قذفها سيف بهذه الكلمات الجارحة بلا توقف وهو يقبض على ذراعها بقوة ضاغطة جعلتها تصيح ألما وهى تحاول التملص منه قائلة بصوت متقطع:
-آآى , اترك ذراعى يا سيف ... أنا لم أخطئ , هل كنت تنتظر أن أظل حبيسة فى الغرفة كالجارية بانتظار أمر من سيدها ؟
مشطّها بنظراته الغاضبة من قمة رأسها الى أخمص قدميها وهى مازالت ترتدى نفس الثوب الذى تمتّع بازاحته عن جسدها منذ قليل ,وتكفّلت تلك الذكرى بسريان الدماء حارة فى عروقه ,كأنها حلوى لاذعة تعطيك مذاقا شديد العذوبة بأول الأمر ثم تتحوّل الى طعم مر كالعلقم لا يزول , فخفف من ضغطه على ذراعها كأنه يحاول الابتعاد عن نطاق لمستها الا أن لم يطلق سراحها كلية ,وبدا أنه يحاول السيطرة على براكين رغبته المتجددة بها فقال بتؤدة:
-أنتِ من اخترتِ لعب دور الجارية يا مها فلا تلوميننى اذا ما تقمصّت شخصية السيد , أنتِ من بدأتِ اللعبة ولكن أنا من سيضع قواعدها منذ الآن فصاعدا ,أسمعتِ يا زوجتى الحبيبة ؟
أومأت لها باشارة ضعيفة من رأسها فأفلتها بغتة حتى كاد توازنها أن يختل لتقع أرضا فتمالكت نفسها وهى تشعر بالذل والهوان اللذين ينتظرانها فى المستقبل ,وأى مستقبل هذا الذى تتوق له برفقة هذا الوحش الكاسر الذى أٌطلق من محبسه ,وعاد هو ليتنفس ببطء مشيحا بوجهه عنها فلم تر ملامحه وهو يقول بهدوء:
-انتظرى هنا , سأصعد لأرتدى ملابسى حتى نذهب لشراء بضعة ملابس لكِ ..
ثم أخذ يتفحصها مجددا بنظراته الجريئة وهو يقول بخبث:
-فلا يٌعقل أن تظلى هكذا بثوب واحد وأنتِ زوجة وريث عائلة الشرقاوى ,, كما أنكِ لا تفضلين خلعه أيضا , أليس كذلك يا حبى ؟
احمرّت وجنتاها خجلا وغيظا من تلميحاته الفجة فقالت تعترض بقوة:
-لا حاجة بك الى ذلك لم أشكٌ لك من ضيق ذات اليد لدىّ ما يكفينى من مال , كما أنك أنت من رفضت ...
قاطعها هادرا وقد تذكّرالشيك الذى أصرّ على رفع قيمة المبلغ المدوّن به بقدر يكفل لها حياة كريمة ظنا منه أنه سوف تكتفى به تعويضا عن الوظيفة التى فقدتها :
-هذا يكفى لا مجال للنقاش هنا , أنسيتِ أننى السيد فأوامرى مطاعة ,ولا تتحدثى ثانية عن أية أموال تخصك والتى لن تنفقى منها قرشا واحدا مادمتِ فى عصمتى ,فأنتِ مسؤولة منى أنا.
قالت على مضض:
-حسنا , لن أصل الى نهاية فى جدالى معك , ولكن أرجوك كف عن مناداتى بحبى وحبيبتى فكلانا يعلم أن هذا ليس صحيحا.
أطال النظر الى وجهها هذه المرة وعيناه لا تفصحان عما بداخلهما من مشاعر حقيقية ,ثم أسبل جفنيه للحظة وهو يتمتم:
-اذا أردنا ألا تتسرب ذرة شك واحدة الى عائلتى حول السبب الحقيقى لزواجنا السريع فعلينا أن نجيد تمثيل دور العاشقين الغارقين فى حب عميق ,وهكذا تجدين أنه من البديهى أن أناديك بحبيبتى أمامهم.
كادت أن تخضع لقوله لولا أنها تذكرت فقالت متسرعة:
-ولكننا الآن وحدنا , فما الضرورة لهذا الادّعاء ؟
أشار لما حوله اشارة خفية وهو يقول بتقرير:
-المنزل يعج بساكنيه فلا يمكنك التأكد من أنكِ لن تصطدمى بأحدهم بين لحظة وأخرى كما أن سماح تدور هنا وهناك على الدوام فلا يصح أن تعطيها فكرة خاطئة عن العروس الجديدة السعيدة.
-سماح ؟؟
قال بنفاد صبر واضح وهو يكمل صعوده للدرج:
-نعم , الفتاة التى تعمل بمنزلنا , تلك التى استقبلتك على الباب الرئيسى.
-تعنى الخادمة ؟؟
توقف بمنتصف الدرج والتف نحوها بحدة قبل أن يقول متوعدا:
-لا نطلق هذه الألقاب البائدة على مستخدمينا , وحذارِ أن توجهى لها اهانة أو تعاملينها باستحقار فهى فتاة حساسة للغاية.
تعجبت بشدة من دفاعه عنها وكأنها فردا من عائلته وليست مجرد خادمة .. عاملة , استبدل عقلها الكلمة على الفور وكأنما يخشى من اغضابه حتى ولو كانت مجرد فكرة تدور بذهنها ,وأيقنت من نظراته الثاقبة أن يعى جيدا ما وصلت اليه بتفكيرها حتى أومأت برأسها مهادنة فالتمع الرضا بعينيه قائلا:
-لا تثيرى مشاكل منذ يومك الأول فقدماكِ لم تثبتا بعد بأرضية المنزل.
كادت أن ترضخ لطلبه لولا أن انزلقت الكلمات على لسانها:
-وريم ؟
-ما لها ريم ؟
-لماذا كنت خائفا عليها لهذه الدرجة ؟
رفع سبابته محذرا وهو يهتف بصوت كالرعد:
-مها ... اذا أردتِ الوصول لمبتغاكِ بالعيش هنا تحت سقف هذا البيت فايّاك والمساس بريم , أنها خط أحمر لا يمكنك تجاوزه مهما حاولتِ , مفهوم ؟
قالت والغيرة تتآكلها دون رحمة بينما تجاهد لترسم شبح ابتسامة زائفة على شفتيها الورديتين:
-حسنا يا زوجى الحبيب.
نظر مقيّما لها بتمعن ثم قال بلا انفعال:
-فتاة عاقلة.
وأكمل طريقه فى خطوات ثابتة دون أن يرنو اليها مرة أخرى.

****************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 18-01-20, 07:51 PM   المشاركة رقم: 19
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,134
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان

 

اعتادت فريال بصعوبة على وضعها الجديد فى منزل زوجها مجدى ,فقد بذلت قصارى جهدها للتأقلم مع محاولاته المثابرة لاشعارها بأنها سيدة المنزل ولها كل الحق فى التصرف فى أى صغيرة أو كبيرة تتعلّق بادارة حياتهما المشتركة دون الرجوع اليه ,بيد أنها فى كل مرة تخيّب ظنّه لتعود فريال المترددة الخجول تستشيره فى كل واردة عما يجب عليها أن تفعله ,لا تمل من سؤاله عما يود تناوله على الغداء أو العشاء , اذا أرادت أن تحرك قطعة أثاث من مكانها , حتى مع اجابته الوحيدة ( افعلى ما ترينه أنتِ مناسب , فهذه مملكتكِ أنتِ ),كان ردها الثابت ابتسامة باهتة خالية تماما من الثقة ,, كيف يستطيع أن يعيدها لسابق عهده بها حينما كانت البسمة الصافية النابعة من القلب لا تفارق شفتيها ,, ألم يرد لها ابنتها سالمة الى أحضانها ؟ ألم يتحمّل من تجاهلها ونفورها الكفاية على مر سنوات طوال ,لم يشأ أن يضيف الى متاعبها ولا أن يحمّلها ما لا طاقة لها به ,لا ينكر أنها تقدمت كثيرا بعلاقتها معه فقد توثقت بينهما أواصر المحبة الحقيقية التى تتجلّى بالعشرة ,وتزدهر بمرور الوقت .. لم تعد تخفى نفسها بقوقعة صمتها بعيدا عن أحضانه بل سارعت لترتمى بداخل قلبه محتلة جميع زواياه ,وهل اختلف الأمر حينما كانت بعيدة عنه مئات الأميال ؟ لم تبرح خياله لحظة ولم تنافسها أية امرأة فى مكانتها الفريدة بحياته ,هى حب صباه وحلم شبابه ومكافأة خريف العمر ,, فجأة لطمته الحقيقة أنه يقترب من الخمسين بسرعة البرق ,, لماذا لم يلاحظ هذا الشئ من قبل ؟ ببساطة لأنه لم يكن يهتم على الاطلاق ,لم يكلف نفسه عناء البحث عمّن يدفئ حياته الباردة الخالية من العاطفة ,اكتفى بأن يقتات على فتات الذكريات القديمة المتناثرة يلملمها من هنا وهناك صانعا دفترا صغيرا يؤنس وحدته ,أرادت فريال أن تعوّضه عما فات بأن تخرجه هو الآخر من دائرته المغلقة ما بين عمله بالمكتب ومرافعاته بالقضايا التى يتولاها ,وبين هوايته المفضلة الوحيدة .. القراءة .. يمكنه الجلوس لساعتين متواصلتين حابسا نفسه بغرفة مكتبه بالمنزل دافنا رأسه الذى بدأ الشيب يتعمّق أكثر بخصلاته مرادفا للخبرة والحنكة التى اكتسبها من تجاربه العديدة سواء بالحياة أو ساحات المحاكم بداخل كتاب يلتهم صفحاته بلهفة ولا يخرج مطلقا حتى ينهى ما بدأه الى آخر كلمة بسطر النهاية.
حاولت مرارا أن تقنعه بالبقاء الى جواره وهو منهمك بالقراءة تعده عشرات المرات بأن تبقى ساكنة لا تصدر صوتا ,الا أنه لم يستطع التركيز فى القراءة بسبب شروده الدائم لمراقبتها بصمت هو الآخر فأقنعها بالعدول عن هذه الفكرة متعللا بحاجتها الى الراحة , لماذا يصر على اقصائها بهذا الشكل المستميت ؟ أنها تشعر بالفراغ الرهيب خاصة بعد سفر وحيدتها مع زوجها لقضاء شهر العسل والذى امتد الى شهر ثانٍ ,كانت تهاتفها يوميا فى البداية وربما أكثر من مرة حتى لفت مجدى انتباهها الى أنها ربما ودون قصد تحرمهما الفرصة لقضاء وقت أطول مع بعضهما ,فوافقته فى النهاية على مضض حتى تباعدت اتصالاتها كل ثلاثة أيام وهذا أقصى ما استطاعت تحمّله , بالكاد أقنعها زوجها بأن تشغل نفسها بالعمل ,, تتذكر جيدا يوم محادثتهما التى كادت تنقلب الى شجار حاد لولا أن تداركا الأمر.
كانت جالسة تؤرجح قدميها بصورة رتيبة على الكرسى الهزاز بينما كان مجدى عائدا من مرافعة باحدى القضايا الهامة ويبدو على وجهه دلائل التعب والارهاق ,سمعت صوته الهادئ من خلفها يطلق تحية المساء:
-مساء الخير , كيف حالك يا حبيبتى ؟
أوقفت على الفور اهتزاز مقعدها بحركة مفاجئة وهى تلتفت لتواجهه بوجه عابس:
-بخير كما ترى وحيدة على الدوام.
استنشق نفسا عميقا وهو يعد الى عشرة فى سره راسما بسمة مرهقة على محياه وهو يقترب منها ليضع حقيبته السوداء على المنضدة الصغيرة بينما أصابعه تتسلل الى خصلات شعرها القصيرة مبعثرا الكثير منها وهو ينحنى أخيرا ليطبع قبلة على خدها قبل أن يتساءل باهتمام:
-ما الذى يكدّر بال حبيبة القلب ؟
أنه يحاول ملاطفتها قدر استطاعته فهى امرأة حساسة للغاية وان كانت تتظاهر بالقوة والصلابة فهى هشة داخليا ,فأجابته بضيق ملحوظ مشيحة بوجهها عنه:
-لا أجد من أتحدث اليه , أجلس وحدى بالبيت لساعات طويلة خاصة فى الأيام التى تذهب فيها الى المحكمة ,لا أعرف حقا ما السر وراء تمسكك بالمرافعات فيمكنك تكليف أى محامٍ ممن يعملون بمكتبك.
رفع حاجبيه اندهاشا من سبب انفعالها , أهو الشخص المسؤول عن توتر أعصابها ؟
أجابها ببساطة وهو يربت على كتفيها بحنان:
-فريال ,, حبيبتى لماذا لا تشغلين وقتك بممارسة أية هواية ,مكتبة البيت تعج بالكثير من الكتب المختلفة ,يمكنك أن تشاهدى التلفاز مثلا ,, ألا تتابعين برنامجا معينا ؟
زفرت بضيق متأففة وهى تواجهه هذه المرة بوجه غاضب وهى تصيح:
-أنت تعرف أننى لست من هواة التلفاز ولا أتحمل أن أقرأ كتابا يحتوى على مئات الصفحات ,ثم ما الذى يمنعك أنت من قضاء وقت أطول برفقتى ؟ أمللت منى بهذه السرعة فأصبحت تهرب من صحبتى للمكتب تقضى فيه أوقاتا مضاعفة عن ذى قبل بحجة العمل ؟
تراجع قليلا للخلف يراقبها ببطء .. بينما تسللت تقطيبة قوية الى جبينه العريض ,, تساءل بينه وبين نفسه : الأمر أكبر مما تصور .. أنها تسعى الى الشجار عمدا ,هو يعرفها جيدا لن تهدأ حتى تنال مبتغاها فاستسلم منصاعا لرغبتها وهو يسألها :
-بحجة العمل ؟ وما الذى يمكننى أن أقوم به فى المكتب سوى العمل يا فريال ؟ ماذا تقصدين من هذا التلميح ؟
زمت شفتيها استياءا قبل أن تكمل ما أصرت عليه منذ وصوله الى المنزل .. لن ترتاح حتى تصل الى الحقيقة .. فقالت بنزق:
-أقصد لماذا تصر على توظيف مثل تلك الفتاة المستفزة ؟ لا تلبث أن تجيبنى متبجحة حينما أتصل بك أنك مشغول للغاية ولا يمكنها تحويل المكالمة لك , كل مرة بحجة مختلفة.
-ندى ؟؟
قلّدت لهجته ساخرة :
-نعم , ندى .. لماذا هى بالذات ؟
اتسعت ابتسامته لتشمل وجهه بالكامل وهو يحاول تصنّع الرزانة حتى لا ينفجر فى الضحك أمام عينى زوجته فيزيد من وقود اشتعالهما بالغضب الجامح , ثم تنحنح مجليا حنجرته وهو يجيبها بثقة:
-لا أجد سببا لانهاء خدمتها , فالفتاة متفانية للغاية بعملها اضافة الى ميزة كتمانها للأسرار ,فخلال فترة عملها الطويلة لم تتسرب كلمة واحدة عن قضية أتولاها ,وتعرف جيدا ما أريده قبل حتى أن أتفوّه به.
لم يدرك أن اجابته العملية الدقيقة هذه سوف تثير شياطينها أكثر ,فقالت بتهور:
-كل هذه المآثر تمتلكها وحدها ,ياه لم أكن أعرف أنها تعنى لك الكثير.
لطمته حقيقة صادمة أنارت دربه .. فريال .. زوجته وحبيبة روحه تشعر بالغيرة , لا يوجد تفسير منطقى لثورتها المفتعلة ضد ندى مديرة مكتبه الا أنها تغار عليه , هو فقط دونا عن كل الرجال ,رقص قلبه طربا كرد فعل طبيعى لادراكه أنه قد ملك قلبها وروحها بالفعل ,فاقترب منها مجددا بتصميم أقوى وهو يجبرها على النهوض من مقعدها ليضمها بين ذراعيه فيما هى تحاول التملص من أحضانه وهى مصرّة على ألا تتراجع ,ومجدى لا يترك لها فرصة سانحة للهرب بينما يهمس قريبا من أذنها بصوت مغرٍ:
-لا توجد بهذه الحياة من تعنينى سواكِ أنتِ ,,أنها فقط مجرد موظفة أمينة ربما لا أجد مثلها اخلاصا وتفانيا وهذا ما أحتاجه بشدة فى عملى.
توقفت محاولاتها للفرار وهى تقول بصوت يفيض رقة وعذوبة:
-ولكن .. يا مجدى .. أشعر بأنها لا تحبنى ,وتتمادى فى استفزازى كلما حادثتك ,وكأنها تخبرنى أنه لا حق لى فى التحدث الى زوجى وهذا ما يثير جنونى.
أجابها موضحا وذراعاه تتسللان الى خصرها الذى ما زال محتفظا برشاقته بالرغم من تقدمها بالعمر:
-لا أحد يجرؤ على منعك من الحديث معى ,واذا كان هذا ما يضايقكِ فسوف أتحدث اليها غدا حتى لا تعود لفعلتها هذه مرة ثانية , أأنتِ راضية الآن عنى ؟
أذابها برقة حديثه ولمسات أصابعه التى كانت تمسد عنقها بخطوات مدروسة فجعلتها تشعر بالاسترخاء وهى تتنهد بحرقة قبل أن تغمغم بخفوت:
-أنا دائما راضية عنك يا حبيبى ,فقط شعرت ببعض الوحدة فى غيابك عنى ,كل ما هنالك أننى أرغب فى تمضية وقت أطول برفقتك ,أريد التعويض عن السنوات التى فاتت من عمرينا .. أردت أن أختصر المسافات بيننا.
نظر لها بحنان ليقول متفهما:
-لا بأس حبيبتى , أنتِ تعرفين أن هذا منايا أنا أيضا ,ولكن ما باليد حيلة فالقضايا تتراكم الواحدة تلو الأخرى فوق رأسى ,وهناك الكثير منها لا أئتمن عليها أحد من المحامين الصغار .. فأصبح مجبرا على توليها بنفسى.
داعبت جانب وجهه بأناملها الرقيقة بحب وشغف وهى تقول باقتناع:
-حسنا , علىّ اذن أن أتنازل قليلا من أجل عملك الذى لا ينتهى ,ولا يهم أن أقضى جل وقتى وحيدة.
ظهرت على وجهه دلائل التفكير العميق وبدا أنه يقلّب أمرا برأسه قبل أن يعلنه على الملأ فقال بتردد:
-فريال ... ما رأيك أن تمارسى عملا ؟
نظرت له فريال باستفسار وهى تتساءل :
-ماذا تعنى يا مجدى ؟
-ألم تعملى كمهندسة للديكور حينما كنتِ تعيشين بالخارج ؟
أجابته بحسرة:
-أتقصد بالمنفى الذى اختاره أبى لى ؟
زجرها بلطف قائلا:
-هاه ماذا قلنا سابقا ؟ أن نضع الماضى وأحداثه جانبا , فريال ,, ألم تغفرى له بعد ؟
على الرغم من أنه لم يقلها مباشرة الا أنها فهمت ما يعنيه ,, يقصد أباها وما فعله بها وبابنتها ,فطأطأت برأسها للأسفل وهى تتمتم:
-لقد سامحته منذ فترة طويلة ولكننى لا أستطيع ادّعاء النسيان بهذه البساطة ,لا يمكن أن أمحو خمسة وعشرين عاما من الغربة والعذاب بجرة قلم , أحتاج الى المزيد من الوقت.
كانت ضعيفة للغاية وبحاجة الى الحماية فأثارت بداخله هاجسا مرّا ,يود لو تواتيه الجرأة لأن يسألها عن زوجها السابق ناجى وماهية مشاعرها نحوه الآن ,لن يخاطر بهذه اللحظة بسعادتهما الوليدة ,لن يكسر هالة الود والتفاهم التى تحيط بحياتهما الجديدة ,ربما فى يوم من الأيام يجد فى نفسه الشجاعة لسماع اعترافها أيا كان.
-حسنا يا حبى خذى كامل وقتك وحريتك , فلنعد لموضوعنا الأساسى .. لمَ لا تؤسسى عملا خاصا بكِ ؟
-أنا ؟؟ لا أعرف.
أخذت تهز رأسها يمينا ويسارا كأنها تستنكر فكرة انشاء عمل خاص بها وحدها لتتحمل هى كافة مسؤولياته ,, بدت فكرة معقولة .. لديه الحق بهذا الاقتراح , هى تحتاج الى شغل وقت فراغها فى ظل غيابه وغياب ابنتها التى حتى بعد عودتها ستنشغل بحياتها الزوجية مع رفيق ,كما أنه عليها هى الأخرى بدورها أن تولى زوجها كامل اهتمامها وعنايتها فقلبها يخبرها بأن القادم لا يبشر بخير ,, وظلت علامات استفهام تحيط بالمدعوة ندى ,, تلك الفتاة التى لم تشعر نحوها بأى ارتياح منذ اللقاء الأول ,, ماذا تخبئ لها الأيام ؟

**************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
قديم 18-01-20, 07:52 PM   المشاركة رقم: 20
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2018
العضوية: 330463
المشاركات: 1,134
الجنس أنثى
معدل التقييم: SHELL عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 47

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
SHELL غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : SHELL المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: زواج على حد السيف (2) سلسلة أسرار وخفايا عائلة الحيتان

 

تذكّر وهو يجلس وحيدا يتأمل صورة القمر المنعكسة على صفحة مياه النيل بهذا الوقت المتأخر من الليل آخر حوار دار بينه وبين ابن عمه والذى انتهى بكارثة محققة ,كان كريم مصرّا على ألا يتسرع سيف باتخاذه قرارا خطيرا كالزواج من واحدة متسلقة ساعية خلف انتقام أحمق مثل مها والتى تمتلك بذات الوقت جمالا صارخا ,وقد اختبر ضعف ابن عمه مرة من قبل تجاه الشقراوات الفاتنات فقد انطوى على نفسه بعد علاقة قصيرة الأمد مع الفتاة التى أدرك بوقت قريب أنها تنتمى لنفس العائلة .. عائلة الشرقاوى ,اتضح أنها حفيدة للجد عبد الله الذى ظهر فجأة من العدم مطالبا بنصيبه من الميراث وحقه الأصيل فى ادارة أعمال العائلة.
كانا يقفان كفارسين يتبارزان فى عتمة الليل البهيم ويتراشقان بالكلمات كيفما اتفق.
قال كريم باندفاع:
-لا أفهم حتى الآن كيف تترك لها المجال حتى تبتزك بهذه الصورة المبتذلة ؟
أجابه سيف بمرارة:
-لأننى لن أضحى بسمعة العائلة أبدا ولن أسمح لأى شئ أن يدمر صرحا هائلا كالذى بناه جدنا.
-يمكننا أن نوقفها عند حدها بأية طريقة أخرى الا أن تستسلم لطلباتها.
أشاح بوجهه بعيدا قبل أن يقول ساخرا:
-وما هى هذه الطريقة التى تتحدث عنها بمثل هذه الثقة ,وكيف تتأكد من صلاحيتها ؟
قال باصرار:
-لا أدرى حتى الآن , لا بد أن هناك حلا بيد أن عقلى عاجز عن التفكير ,أشعر بنفسى مقيّدا دون ارادتى هذه الفترة.
ابتسم هازئا لابن عمه وهو يقول ببرود:
-اذن دعنى أقم بدورى تجاه انقاذ العائلة فهذا واجبى نحو والدى على الأقل ,لا أريد أن أخذله أبدا.
هتف به كريم بانفعال واضح وهو يمسك بتلابيبه يهزه بعنف:
-أنت تهذى يا ابن العم ,وهل بهذا التصرف تسدى الى والدك خدمة ,, أن تتزوج من ابنة عدوه اللدود ,ألا تفكر ماذا سوف تكون ردة فعله حينما يعلم بقرارك ؟
جذب سيف نفسه بقوة من براثن قبضة كريم الفولاذية بعد جهد جهيد وهو يضيف بهدوء أغاظ ابن عمه:
-لن يعلم أبى الا بعد اتمام الزواج.
صاح كريم معنّفا:
-ماذا ؟ هل تود اخفاء الأمر عن عمى ؟ هل جننت ؟
أردف سيف متعمّدا ألا يواجهه بالنظر:
-بل سوف أخفى الأمر عن الجميع ,لن يعلموا الا فى وقت لاحق.
-انظروا ماذا يقول هذا المختل عقليا ! لقد فقدت عقلك كليّا ,لست أنت سيف الذى أعرفه ,ما الذى يدفعك الى المثول لرغبة فتاة حمقاء تسعى الى الانتقام ؟
-لأنه لم يعد لديها ما تخسره كما قالت فحتى وظيفتها قد خسرتها وهى لا تملك عائلة تخشى عليها أما أنا ...
صمت للحظات حتى يبتلع غصة بحلقه قبل أن يستطرد:
-لدىّ ما أخسره ,لدىّ ما أخشى على ضياعه ,, أنتم عائلتى ,وأبى الذى عدت الى أحضانه بعد أن فقدت الأمل بأن يلاحظنى ,ألا يستحق هذا التضحية من وجهة نظرك يا كريم ؟
-ما زلت مصرّا على رأيى ,لأجل خاطر أبيك لا ترمِ بنفسك الى الهاوية ,ألا تعتقد معى أنه قد لا يحتمل سماع هذا الخبر فكيف اذن بتقبّله ؟
أشار سيف بيده بعلامة قاطعة وهو يقول بتقرير:
-لقد اتخذت قرارى ولن أتراجع عنه مطلقا ,سبق السيف العذل كما يقولون.
-وماذا تنتظر منى أن أقف فى صفوف المهنئين أبارك لك زواجك الميمون من ربة الصون والعفاف ؟
قال سيف ببطء:
-أنتظر منك أن تقف الى جوارى ,تساندنى ,أريدك أن تشهد على عقد القران ؟
صرخ كريم بعنف:
-لا ,لن يحدث أبدا ,لن اشارك فى جريمة نكراء كهذه فى حق نفسك أولا وحق عائلتك بأكملها.
وقفا متواجهين بعينى سيف نظرات رجاء صامت تتوسل كريم أن يعيد النظر فى قراره الظالم ,وكريم يقف شامخا بذقنه المرفوعة بكبرياء متفجّر يتحدّى ابن عمه محاولا زحزحته عن الخضوع لرغبة مجنونة أو نزوة عابرة سوف يندم عليها فيما بعد.
قال سيف بصوت خفيض محاولا أن ينفض عنه أية دلائل ضعف أو ذل:
-كما تشاء يا ابن العم ,أنت حر بقرارك , فمن أنا على كل حال حتى ألومك.
هز كريم برأسه نفيا وهو يحاول أن يتمسّك بأية بادرة أمل حتى يتراجع عن قرار الانتحار بهذه الكيفية فقال متساءلا:
-وريم ؟
-ماذا عنها ؟
-ألم تفكر بمشاعرها وأنت تتخلّى عنها لتقترن بأخرى بعد أن تقدمت لها ؟ ألا تهمك ابنة عمك ؟ ألم يتركها عمى وزوجته أمانة بأعناقنا ؟ ألا يعنى لك خاطر رفيق شيئا وأنت تجرح كرامة أخته ؟
رفض سيف أن يمنحه الفرصة لتأنيب الضمير , يكفيه أنه لا ينام ليلا الا لساعات معدودة بعد أن ينهكه الأرق والقلق وينال من جسده التعب فيسقط بغيبوبة لفترات متقطعة ,تتخللها الكوابيس المزعجة ,ولا راحة له نهارا فيتملك منه اليأس بعد عناء التفكير العميق شاعرا بوحدة غريبة ولأول مرة بعمره الذى يقارب الثلاثين عاما.
-سوف يعذرنى بالتأكيد حينما يعرف بالحقيقة.
-أتنوى اخباره ؟
قال نافيا:
-ليس الآن ,ربما فيما بعد.
-بعد أن تنفذ رغبتك المندفعة بالانتحار.
-لا تبالغ ,فالزواج ليس انتحارا كما تظن.
-ان كان على هذا المنوال فهو أسوأ من الموت بحد ذاته ,أتوافق على منحها اسمك بهذه السهولة , وأنت تعرف أنها تسعى لتدميرك.
-لا تقلق علىّ , فلن أمنحها الفرصة ,سوف تدفع الثمن غاليا ,أعدك بذلك.
-أتمنى لو كنت أستطيع تصديقك ,مما أراه الآن أجدك رجلا ضعيفا خاضعا لكيد امرأة حقيرة ,وما الذى يمنعها فيما بعد من اذلالك بطريقة أخرى ؟ ألا تفهم أن هذا هو مرادها ؟
اندفع الغضب يعمى سيف بسبب كلمات صديقه الجارحة المهينة فدفع بقبضته فى فك كريم يضربه بحقد هاتفا بغل:
-اخرس.
أخذ الآخر على حين غرة فتأوّه متألما من قوة اللكمة الموجهة اليه وتراجع بضعة خطوات ,قبل أن يحاول سيف معاودة الهجوم مرة أخرى الا أن كريم صد ضربته القادمة دون أن يؤذيه ,فقط مجرد حماية لنفسه من تهور ابن عمه اللا محدود وهو يهتف حانقا:
-اهدأ يا سيف , كفى , أنا لا أريد ايذائك.
كان يحادثه وهو يدور حول نفسه يتلافى لكمة هنا أو ركلة هناك وكأن سيف قد مسّه درب من الجنون ,لم يهدأ الا بعد أن فاجأه كريم بالدوران من خلفه قابضا على عنقه بساعده القوى ليمنعه من الحركة فيما هو يكافح لأستنشاق أنفاسه المتقطعة فهمس كريم بأذنيه:
-كفى يا سيف , لا تحاول الفكاك فتتسبب لنفسك بأذى كبير.
هدأت أنفاسهما اللاهثة بعد فترة دامت لدقائق فأرخى كريم قبضبه قليلا عن عنقه وهو يهدر محذرا:
-سأتركك الآن ولكن حذارى أن تتمادى مرة أخرى.
وأفلته بسرعة ثم تراجع مبتعدا عنه الى الوراء وكانه لا يثق بحكمة ابن عمه فى اتخاذ القرارات الا أن سيف وقف بمكانه مبهوتا مما صار ,هل حقا تشاجر هو ورفيق عمره بسببها ؟ ها قد بدأت تسبب له اذى بالغا قبل حتى أن ترتبط باسمه ,لم يمحى من ذاكرتيهما هذا اليوم ومصارعة أحدهما للآخر وان كان هو البادئ أما كريم فاكتفى بالدفاع عن نفسه.
اندفع كريم صائحا بألم:
-منذ الآن يا سيف , أنت بطريق وأنا بطريق آخر يا صديقى , أقصد يا من كنت صديقى ,لن أنسى أنك قد قاتلتنى من أجل فتاة كهذه لا تستحق حتى منك مجرد شفقة.
أطرق سيف برأسه خجلا الى الأرض قبل أن يتساءل بحذر:
-أيعنى هذا أنك لن تشى بسرى ؟
ضاقت عينا كريم تلقائيا وقال بأسى:
-أهذا كل ما يعنيك فى الأمر ؟ لا تخشَ شيئا فلست أنا هذا الرجل الذى يتصرف بدناءة مع صديق سابق.
ثم أردف بصوت خافت بالكاد وصل الى مسامع سيف الذى نكّس رأسه:
-وداعا يا ابن عمى.
وانصرف دون أن ينتظر كلمة واحدة منه ,وماذا كان بوسعه أن يقول ؟ أيطالبه بالصفح ؟ كلا لم يعد هذا ممكنا ,فقد اتخذ قراره بسلوك هذا الطريق حتى نهايته ,,قرر التضحية من أجل العائلة وهذه كانت نقطة فاصلة فى حياته ,بل فى حياة الجميع.
ارتسم الأسى على محيا كريم وهو يستعيد كل لحظة من لقائهما الأخير ,ما زال عقله غير قادر على الاقتناع بما فعله سيف ,لا بد أن كان واقعا تحت تأثير ضغوط أكبر من مقدرته على التحمّل ,ربما كان عليه البقاء الى جوار صديقه حتى ولو لم يرغب هو بذلك ,لقد فات أوان التراجع عن قراره ,,لم يعد لديك من يهتم لأمرك بعد الآن يا كريم ,صرت وحيدا ,تزوج رفيق وابتعد وسيلحق به سيف تباعا ,وأمك أيضا .. لم تعد هى ذاتها ,انشغلت عنك بمؤسستها الخيرية الجديدة ,اتخذت قرارها دونما الرجوع اليه بتحويل نصيبها من الميراث الضخم الى الأعمال الخيرية ,طبعا تركت جزءا ضئيلا لتنفق منه وكأنها بهذا تنفض يديها عن ولدها ,يحق لها أن تحيا كيفما تشاء بعد أن دفنت حيّة لبقائها منزوية بركن قصى كأرملة وحيدة.
رحماك يا ربى !
نظر الى ميناء ساعته الفضية ليجد أن الوقت على مشارف الفجر ,استمع الى الآذان يصدح مجلجلا يشق صمت الليل فتنبّه الى وجود مسجد قريب من المكان الذى يقبع به ,أخذ يردّد وراء المؤذن حتى شعر بيد خفية تسوقه نحو الجامع الكبير الذى تفاجأ بازدحامه بالمصلّين الذين أخذوا يتوافدون واحدا تلو الآخر لأداء الفرض ,لم يكن متوضئا فاحتار قليلا قبل أن يحسم أمره ودلف الى دورة المياه الملحقة بمبنى المسجد ,حلّ رباط حذائه الرياضى الأنيق وخلع جوربيه ثم انحنى أمام الصنبور ليسبغ الوضوء كما علّمه عمه محمد -جزاه الله عنه كل الخير - فى صغره فهو من تولّى رعايته وتنشئته مع رفيق كابن ثانٍ له باذلا قصارى جهده ليعوّضه عن الأب الغائب ,لذا فهو يعدّه بمثابة الأب وليس العم فقط , أنهى الوضوء واستعد للتوجه الى الصلاة وكان عليه أن يرتقى عدة درجات قبل أن يصل لباب المسجد ,اصطدم برجل أمامه وكادا أن يتعثرا هما الاثنان الا أن ذراعى الرجل قد تمسكتا بقميصه حينما التف اليه وهو يتمتم بكلمات اعتذار هامسة:
-أستمحيك عذرا ,فلم أنتبه لخطواتى.
هتف الرجل فرحا:
-من ؟ كريم الشرقاوى ؟ أى رياح طيبة ألقت بك الى هنا يا رجل ؟
انتبه كريم من شروده بعد أن كاد أن يكتفى بالاعتذار ويكمل طريقه بصمت , فتطلّع نحو مرافقه بفضول وقد أحس بالألفة فى صوته ,أنه يعرف صاحب الصوت جيدا ,وما أن وقعت عيناه على الشاب القوى البنيان ذى العينين السوداوين واللحية الخفيفة حتى صدرت عنه آهة خفيفة وهو يمد يده اليه بالتحية:
-أحمد المنشاوى ,, حقا الدنيا صغيرة ,, يا لها من مفاجأة.
تراقص حاجبيه بشقاوة وهو يسأله:
-أهى مفاجأة سارة ؟
كاد أن يجيبه لولا أن وقوفهما بهذه الوضعية كان يعيق وصول المصلين الذين انهالوا توافدا على المسجد وقد سمعا الكثير من الاعتراضات بعد أن أتاهما صوت المؤذن وهو يستعد لاقامة الصلاة فجذبه أحمد من كتفيه الى الجانب الآخر ثم دفعه برفق نحو الباب المفتوح ,وانطلقا يبحثان عن الصف الذى لم يستكمل بعد ووقفا متجاورين ,فيما بدأ امام المسجد بالصلاة فحاول كريم جاهدا التركيز فى صوت الشيخ وهو يتلو بضعة آيات من القرآن الكريم بصوت رخيم ,حتى شعر بعضلات جسده المشدودة تسترخى تلقائيا الى أن وصل الى مرحلة الخشوع التام فى الصلاة.
بعد انهاء الصلاة والتسليم التفت أحمد نحو كريم يمد يده اليه مصافحا بقوة هذه المرة وهو يقول بسعادة:
-لم أسلّم عليك جيدا ,أين أنت يا صديقى منذ زمن ؟
تنهد كريم ارتياحا وهو يقول بانشراح عجيب بعد أن كان يشعر بانقباض فى صدره:
-الدنيا مشاغل يا ميدو.
ابتسم صديقه بمحبة حينما لقبّه بلفظة التدليل المعتادة بينهما منذ بضعة سنوات حينما تعرفا الى بعضهما بالمصادفة كما التقيا الآن وقام واقفا على قدميه يسحب كريم بدوره حتى ينهض قائلا:
-أستعجب أنك ما زلت تذكرنى ,فقد مرّ على آخر لقاء لنا فترة طويلة وظننت أننى أصبحت طى النسيان.
خرجا من المسجد سويا وانحنى كريم بجانب الرصيف يعقد رباط حذائه بينما كان أحمد مرتديا لخف منزلى بسيط فسأله كريم بفضول عن السبب حتى أجابه صديقه بخفة:
-لأننى أسكن قريبا من هنا ,وعلى الدوام آتى الى هذا المسجد من أجل صلاة الفجر ولكنها أول مرة اشاهدك فى الجوار.
مشيا الهوينى جنبا الى جنب فيما صرّح كريم قائلا:
-كنت مارّا من هنا وصادف أننى سمعت آذان الفجر فقررت الدخول الى أقرب مسجد.
صدرت عن أحمد ضحكة خافتة وهو يقول بمرح:
-هل كتب علينا أن نلتقى دائما بالمصادفة ؟ حتى تعارفنا كان مصادفة غريبة !
اعترف كريم:
-نعم أنها صداقة من نوع مثير للدهشة والعجب , أخبرنى يا ميدو هل ما زلت تعمل بنفس المجال ؟ أعنى بالتسويق العقــارى ؟
أومأ له أحمد برأسه وهو يستفيض فى الحديث قائلا:
-أنا كما أنا منذ أن تعرفت الىّ ولكننى أتساءل عن أحوالك أنت ,يبدو لى أنك قد تغيّرت كثيرا يا كيمو.
دوّى صوت ضحكاتهما المشتركة مجلجلا فى الفراغ وقد بدأت خيوط النهار فى الظهور كعذراء خجول على استحياء ,وأخذ كريم يستنشق الهواء النقى المتجدد قبل أن يلوثه زحام السيارات المارقة وزقزقة العصافير فوق الأشجار تعزف لحنا نادرا حيث أن هذه المنطقة تشتهر بأشجارها الكثيفة التى تظلل جانبى الطريق ,كرّر أحمد عبارته الأخيرة بصيغة مختلفة:
-ما بك يا صديقى ؟ ما لى أراك شاردا وكأنك تحمل هموم الكون على كتفيك ؟
ابتسم كريم بتكلّف هذه المرة قبل أن يجيب بصراحة قائلا:
-بعض المتاعب.
-فى العمل ؟ أم فى حياتك الشخصية ؟
-حياتى ... !! أعتقد أنه لم تعد لى حياة من الأساس حتى تواجهنى المتاعب بها.
اندهش أحمد فقال مصدوما:
-الى هذا الحد وصل بك الضيق ؟ اسمع ,, منزلى على بعد خطوتين لمَ لا تأتى معى ونفطر سويا ؟
حاول كريم التملّص من دعوة صديقه المفاجئة الا أنه ما لبث أن اذعن تحت اصرار أحمد الذى لا يلين وهو يقول غامزا بعينه:
-وسنفطر كما الأيام الخوالى , ألم تشتاق للفول والفلافل يا ابن الذوات ؟
اعتاد أن يطلق عليه هذا اللقب بعد معرفته بانتماء صديقه لعائلة من أكثر العائلات ثراءا ونفوذا بالبلد كله وكما كانت على الدوام علاقتهما الوطيدة المثيرة للعجب والتى تكمن الاثارة فى تفاصيلها الى اختلافهما الشديد سواءا بالشخصية أو بطبيعة العمل أو بالنشأة حيث ينتمى أحمد لما يعرف بالطبقة المتوسطة بينما كريم يعد واحدا من أبناء الطبقة المخملية.
-اذا كان الفول بالزيت الحار فلا مانع لدىّ على الاطلاق.
أكمل أحمد حديثه بخفة ظل:
-ولا تنسَ الفلافل المقليّة فى زيت السيارات.
وضرب الاثنان كفيهما ببعض متجهين نحو منزل أحمد القريب ,وهذه كانت المرة الأولى بالنسبة لكريم فصداقتهما اقتصرت فى الماضى على الخروج سويا اضافة الى بضعة مكالمات كل فترة.
تلّهى كريم عن مصيبته بالاستماع الى ثرثرة أحمد التى لا تنتهى.
وقد توقفا أخيرا أمام احدى البنايات التى لا يتجاوز عدد طبقاتها أصابع اليد الواحدة وتحيط بها حديقة صغيرة مسيّجة بسور قصير قبل أن يقول أحمد بفخر واعتزاز:
-ها قد وصلنا , تفضل بالدخول الى منزلى المتواضع.
-فى أى طابق يقع منزلك ؟
سأل كريم وهو يندفع نحو باب البناية المعدنى الا أن أحمد استوقفه ليدير وجهتهما نحو باب جانبى صغير يصل الى الحديقة قائلا:
-يمكنك اعتبار الـعـقار كله ملكى , الا أننى أسكن بالطابق الأرضى , تعالَ معى وتمتّع بالزهور والخضرة من حولك.
ارتفع حاجبا كريم اندهاشا فقد فوجئ هذه المرة بحق ,يبدو أن جعبة صديقه لم تخلُ بعد من المفاجآت التى تنتظره ,ثم تبعه كظله الى الداخل.

**************

 
 

 

عرض البوم صور SHELL   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أسرار, الحيتان, السيف, سلسلة, زواج, عائلة, نيفادا
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:24 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية