أخذت تقلّب فى صفحات الألبوم الضخم الذى يضم الصور الخاصة بحفل زفاف أخيها رفيق ,تشعر ببهجة متولدة بطاقة رهيبة بداخلها .. من كان يصدق أن يتزوج شقيقها فى يوم من الأيام , وهو الذى كان يطلق عليه لقب ( العازب العنيد ) رغم عدم تجاوز عمره الثانية والثلاثين فهى بالنسبة لريم لا تعد سنا متقدمة جدا للرجل حتى يدخل الى القفص الزوجى ,وها هو قد خطا بداخله بمحض ارادته بفعل قوى الحب السحرية ,لنتوخى الدقة هو متزوج منذ ما يقارب أربعة أعوام ,, للآن لا تستطيع أن تتصور كيف أخفى عنهم هو ووالدهما الأمر ,كيف أقنع أباها الرجل المستقيم الصادق بأن يشاركه كتمان السر حتى عن أمهما ... أحيانا تشعر بالحيرة من تصرف بعض الرجال .. ربما لم يظن أن هذا يعد خداعا للمرأة التى شاركته عمرا بأكمله فى السراء والضراء ,,ولكنها هى لا تتقبّل الأمر بصدر رحب ,مرت العاصفة الهوجاء بسلام على أسرتها حتى أن والديها قررا السفر الى بلد بعيد بقارة تقع فى النصف الآخر من العالم لينعما باجازة طويلة الأمد بعد تقاعد الوالد رسميا من منصبه كمدير لمجلس ادارة الشركة ,أنها تغبطهما على نعمة الحب والتفاهم بمجرد نظرة عين , ليتها تصل الى نصف ما هما عليه من ترابط ومودة مع شريك حياتها القادم .. سيف .. كلا لا يمكن أن تسمح لهذا بالحدوث ,, سيف هو ابن عمها وصديق طفولتها ومشاعرها نحوه لا تتجاوز حدود الأخوة وتعده كأخ ثالث لها بعد رفيق وكريم ,, دوما كانت تتشدق قائلة : أن الله منّ عليها بثلاثة اخوة وليس واحدا .. وها قد صارت لها أخت أيضا فهى وأميرة تمتلكان الكثير من القواسم المشتركة بينهما ,لا تجرؤ على تخيّل نفسها زوجة لسيف بأكثر أحلامها جرأة وتطرفا ,ما زالت تتذكر كيف شعرت بخجل رهيب حينما ضمها بين ذراعيه ليراقصها يوم الحفل مع أنه لم يأتِ بأى اصرف خارج عن اطار المألوف فى الرقصة الهادئة التى تشاركا بها ,واعترفت لنفسها على كره منها بأن ما جعل وجنتيها تتوردان بذلك اليوم هو احساسها بعينين زوقاوين تخترقان جلدها لتذيبا عظامها الرقيقة وتشعرها بوهن بالغ ,كان يراقبها باصرار وازدراء ,, لم يغفر لها خطيئة خطبتها لابن عمها ,وهو ... أكان عاديا بالنسبة اليه حينما أشار لابنة خالته ذات الحضور الطاغى على أنها خطيبته , ليلى تلك الشقراء المثيرة التى لفتت انتباه الجميع بمن فيهم سيف مرافقها الذى بدا عليه التوتر لمجرد رؤيتها متأبطة لذراع جاسر , حدسها الذى لا يخطئ ينبئ بحلول كارثة محققة , ما كل هذا التعقيد ؟ ألا يكفيها أنه قد خدعها وتلاعب بمشاعرها المرهفة واستغل اعجابها نحوه ليتودد اليها لغرض فى نفس يعقوب ,أراد التقرب منها لمعرفة تفاصيل أدق عن عائلتها ,, بينما لا يتذكر عقلها أنه قد سألها مرة واحدة عن شئ يخص أسرتها وهما فى خضم مقابلاتهما العديدة ,بدا شغوفا بها هى بما تهواه بما تفكر فيه بما ترغب فى تحقيقه مستقبلا ,تبا له هذا الكاذب الغشاش ! صدّقت أنه ربما يود مشاركتها بهذا المستقبل ,اعتقدت أنه تمناها رفيقة لدربه ,, وتسربت الأوهام سريعا من بين يديها كما تنسل حبات الماء.
سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها فتراجعت للخلف قليلا قبل أن تتساءل عن هوية الطارق بهذا الوقت من المساء حيث لا بد أن جدتها قد أخلدت للراحة وكريم كعادته أصبح نادرا بقاؤه بالمنزل أما زوجة عمها هناء فقد بدأت تنشغل بمشروعها الجديد لتأسيس مؤسسة خيرية لمساعدة الفتيات اليتيمات على تعلم حرفة يدوية ليعتمدن على أنفسهن بدلا من الوقوع فريسة للزواج المبكر أو لاستغلال البعض من ذوى النفوس الضعيفة فى أعمال غير مشروعة ,وعمتها فريال بعد زواجها وسفر ابنتها لم تعد تتردد كثيرا على المنزل ولكنها تهاتفهم يوميا وتستفيض بالحديث مع جدتها أما بقية العائلة فمسافرون للخارج , لم يتبق سوى ...
-سيف.
نطقتها بدهشة وهى تفتح الباب بعد أن عقدت حزام معطفها المنزلى حول خصرها جيدا ,شاهدته واقفا أمام عينيها بملابس بيتية مريحة وما زالت آثار المياه عالقة بخصلات شعره الناعم ,كانت أمارت الشعور بالذنب متجليّة بقسمات وجهه الحادة ,خاطبها بينما أطرق برأسه الى الأرض قائلا بصوت مبحوح:
-ريم ,هل يمكننا أن نجلس قليلا لنتحدث ؟
نظرت للممر الخالى حولهما فشعرت بتوجس غريب وقالت مقترحة:
-حسنا لننزل الى الطابق السفلى فيمكننا أن نتحدث بحريتنا وكما تعلم فالطابق هنا خالٍ الا منا و...
لم يشأ أن يخبرها بأن الجانب الآخر من الطابق مشغول بالفعل فأومأ برأسه متفهما قبل أن يتقدمها وهو يتمتم:
-سأنتظرك بالأسفل , لا تتأخرى علىّ.
-حسنا.
غمغمت ببطء وهى تغلق باب غرفتها ورائها بعد أن وضعت الألبوم على المنضدة ,ولحقت بابن عمها كما طلب منها.
كان قد سبقها الى غرفة الجلوس وجدته واقفا يستند بمرفقه على الجدار مقابلا لها فاتخذت مقعدا قريبا منه وهى ترسم ابتسامة جدية على وجهها لتقول باندفاع:
-سيف ,, هل تعلم أنا أيضا كنت أود التحدث اليك ,, أعنى بخصوص موضوع ارتباطنا ,ولكن طبعا أنا على استعداد لأن أستمع اليك أولا ,, الحق يقال أنك أثرت فضولى لدرجة كبيرة.
ابتعد عن الجدار وهو يمرر أصابعه فى خصلات شعره كلما شعر بالتوتر ,ثم حاول أن يقلّدها برسم بسمة على ثغره وقال بعد أن أجلى حنجرته متنحنحا:
-احم ,ريم منذ فترة قصيرة كنت قد تقدمت طالبا ليدك وطالبتك أن تكتمى الخبر عن الأهل حتى لا يتأثروا بالرفض اذا أتى من جانبك ولنحافظ على روابطنا الأسرية.
شعرت ريم بالقلق يستبد بها فلماذا هذه المقدمات الطويلة .. فسيف اذا أراد قول شيئا ما فهو يتحدث بصورة مباشرة دون اللجوء الى أسلوب اللف والدوران الذى ينتهجه بمثالية فى هذه المرة.
استطرد سيف حديثه وهو يذرع الغرفة ذهابا وايابا قائلا:
-لا أدرى حقا ماذا اقول ؟ لا أعرف كيف أصيغها لكِ دون أن أجرح مشاعرك ,, ربما أنا تسرّعت كثيرا بعرضى للزواج ,ليس هذا معناه أنك لستِ ملائمة ,, العيب فىّ أنا.