-رفيق .. ما لى أراك شاردا ؟ فيمَ تفكر حبيبى ؟
استفسرت زوجته باهتمام فيما هى تلقى بذراعيها حول عنقه بمحبة تحطيه بهما فانتفض جسده كأنما عاد للواقع فجأة من رحلة سفر طويلة فابتسم بتكلف وهو يجيبها :
-لا شئ , أفكر فى ملكوت الله ..
استلقت الى جواره بدلال وهى تضع رأسها على صدره تحاول اثارة اهتمامه الى أقصى حد ,ثم قالت مقترحة:
-ما رأيك أن نذهب لتناول العشاء بالخارج ؟
قطب جبينه بحدة وهو يزيحها بلطف الا أنه لم يفلتها قائلا بموضوعية:
-ألا يمكننا أن نؤجل مشروع العشاء هذا ليوم آخر ؟
رفعت حاجبيها استنكارا وهى تتهيّأ للشجار ,فعلاقتهما ليست على ما يرام منذ عدة اسابيع ,هو متباعد ينأى بنفسه عنها مفضّلا الوحدة ,وهى تشعر بأعصابها تفور حد الغليان تثور لأتفه الاسباب , قالت متخصرة:
-ولماذا ؟ أتنوى التعلل بالارهاق والتعب ككل يوم لتبتعد عنى ؟ أم أنه لديك الجرأة لتصارحنى بحقيقة ما يحدث معك ؟
تأفف زوجها بحرقة قبل أن يهب واقف وهو يقول بملل:
-أصبحتِ لا تطاقين هذه الايام , عصبية وثائرة على الدوام.
نهضت بدورها تتبعه وهى مصممة على استكمال الحوار الى النهاية فقالت بصوت مرتفع:
-أنا ؟ تكيل لى الاتهامات وتنسى نفسك و ماذا عنك يارفيق ؟ لماذا صرت تتجنّبنى وكأننى مصابة بمرض معدى ؟ كلما اقتربت منك تبعدنى عنك بنفور واضح .. بمَ اخطأت فى حقك ؟
وضع يديه فى خصلات شعره يفرك رأسه وهو يستغفر الله قائلا:
-لا شئ , أكل هذه الضجة لأننى رفضت اصطحابك للعشاء بالخارج ؟ حسنا , أتريدين معرفة السبب ؟ لأن عمى عادل وزوجته عائدان اليوم الى البيت.
نظرت له رافضة ان تمنحه الرضا بانهاء الجدال وقالت متبجحة:
-وماذا يعنينا فى عودتهما ؟ أهذا يمنعنا من التمتع بحياتنا ؟
اشار الى رأسها وصاح هادرا:
-فكّرى قليلا بعقلك هذا , أنهما غائبان منذ فترة طويلة فلا بد أن نكون باستقبالهما , كما أنكِ نسيتِ على ما يبدو وضع سيف وزواجه من مها .. علينا أن نبقى تحسبا لأى ظروف طارئة.
هزت كتفيها باستهتار وهى تقول ممتعضة:
-هذه مجرد حجة أخرى .. تضاف للقائمة السابقة , فكل يوم تخترع مشكلة عويصة بحاجة الى حل حتى تتهرّب من البقاء معى.
نظر لها فاغرا فاه فهو لا يصدّق أن هذه المرأة التى تقف أمامه تتحدّاه وتستفزه بوقاحة هى ذاتها الفتاة الرقيقة .. حبيبته الاثيرة وزوجته الهادئة التى لا يجد راحته الا برفقتها , قال وهو يصرف على أسنانه بغلّ:
-أميرة .. لا حاجة بنا الى الشجار يوميا , مللت تلك الحياة ولم أعد اقوى على تحمّل غضبك وثورتك لسبب وبلا سبب.
هزت رأسها عدة مرات وهى تكمل ما بدأته بتصميم:
-مللت ؟ منى ؟ ومن حياتك معى ؟ لماذا لا نكون صريحين .. أنت تغيّرت كثيرا بعد هذا اللقاء العائلى الدافئ .. بعد خطبة أختك الى ذاك الشخص ال ...
فى اقل من ثانيتين كان الى جوارها قابضا على ذراعيها وهاتفا بصرامة مخيفة:
-آهه .. هكذا أنتِ تدورين فى حلقات مفرغة منذ البداية حتى تصلى الى هذا الموضوع بالذات , وما الذى يؤرقك عزيزتى فى خطبتها ؟
شعرت بألم يسرى فى ذراعيها من جراء امساكه لها بهذه الصورة الا أنها تجرأت ونظرت الى عينيه فهالها رؤية مبلغ غضبه المشع منهما فحاولت أن تتراجع وهى تقول يائسة:
-لا شئ , فقط أتعجب أنك وافقت وبهذه السهولة على أن تتزوج منه بالرغم من .. أن ..
أتم هو عبارتها بنزق:
-من أنه كان عاشقا لزوجتى وراغبا بالزواج منها .. وصلنا اخيرا للب الموضوع , أتشعرين بالضيق يا مدام لأنه قرر اخيرا الخروج من دائرة عشقك والحياة من جديد مع فتاة أخرى ؟
-ماذا تقول يا رفيق ؟ ليس هذا ما ..
-بل هو السبب فى ثورتك الدائمة وعدم قدرتك على البقاء لأكثر من دقيقة بجانب ريم , ألا تحتملين رؤية منافسة لكِ ؟ أتظنين اننى غافل عما أراه بعينىّ وأرفض تصديقه بعقلى حتى لا أصاب بالجنون الحتمىّ , أتعتقدين بأن هذا أمر هيّن علىّ ؟ الاعتراف لنفسى بأن زوجتى ما زال بنفسها بقايا من هوى قديم ؟
شهقت مصدومة ومتألمة بذات الوقت .. هذا هو تبرير زوجها الذى تعشقه أكثر من الحياة لموقفها .. يراها تحن للماضى الذى لم بكن لها يد فيه ,فهتفت برعب:
-أتتهمنى بالخيانة يا رفيق ؟ أهنت عليك وهان عليك حبنا ؟
تركها فجأة ليجيب بعنفوان:
-لا , لا أتهمك بالخيانة , فأنا أعرف أنه لا يمكنك فعل ذلك.
-بلى , مجرد تصوّرك لى أفكّر فى هذا الشخص وبهذه الصورة المهينة هو محض خيانة.
-وماذا تقترحين علىّ وأنا أراكِ تتحولين لامرأة غريبة كليا عنى , أكاد لا أعرفها .. ليست هذه هى حبيبتى التى تزوجتها ..
صاحت تعترف بمرارة:
-ولا أنت الرجل الذى تزوجته ,, أحيانا أشعر بأننى أحيا مع رجل غريب .. لا يشبه لحبيبى بصلة , كيف تقف هكذا مكتوف الأيدى بينما أختك تتزوج من جاسر ؟ كيف ؟
شعر بالاختناق من هذا الحديث ولكنه أصر على الرد قائلا:
-وهل بيدى شئ لم افعله ؟
-اذهب الى والدك , لتقنعه بايقاف هذا الزواج.
اشار لها علامة التأكيد بابهامه وهو يشخر ساخرا:
-وأخبره بالسبب .. أقول لأبى : من فضلك لا تزوّج شقيقتى من الرجل الذى كان يحب زوجتى ويتمنى الاقتران بها , بل والأنكى أنها كانت راغبة بدورها فى الزواج منه.
وارتفع صوته بآخر مقطع بصورة طاغية مما جعلها تضع يدها فوق اذنيها تسدهما عن سماع نبرة صوته الغاضبة وهى تهتف بضعف:
-كفى ! كفى , لا تصرخ , لا أريد سماعك .. أكره ما تقوله.
أزال يديها من فوق اذنيها بحركة عصبية وهو يصيح مجددا:
-لماذا لأنها الحقيقة , والحقيقة دائما ما تكون مؤلمة , ألا تعتقدين أننى قضيت ليالٍ عديدة لا يغمض لى جفن أدير الموضوع برأسى مرارا وتكرارا لعلّى اصل الى حل مناسب , وكلما توصلت لقرار , أجده غير ملائما على الاطلاق باليوم التالى .. حتى بت عاجزا عن التصرف .. نعم , أنا غير قادر على صنع المعجزات يا أميرة , أنا مجرد انسان عادى .. تنتابنى الحيرة مثل بقية البشر ,وأعجز عن حمايتك لأننى بذلك سوف اؤذى أقرب الناس الىّ , لسوف يتحطم قلب ريم .. ألم ترينها كيف وافقت على الزواج بالرغم من علمها بأنه كان على وشك الزواج من واحدة أخرى ؟ ألا يثبت لكِ هذا انها غارقة فى حبه حتى أذنيها.
أجابته بأسى :
-وهذا ما يخيفنى , أنت تعتقد أننى لا أحب رفقتها وترانى اصبحت أتحاشاها , لأننى ببساطة اشعر بأننى مذنبة بحقها , ماذا ستكون ردة فعلها اذا ما عرفت أننى تلك المرأة التى تحدثت عنها أنت ؟
رفع سبابته فى وجهها محذرا وهو يدمدم:
-ايّاكِ ومجرد التفكير بهذا الاعتراف , لن يفيدها بشئ ة على العكس سيزيد من آلامها وجرحها النازف , الحل الأمثل ان نلتزم الصمت ..
-وجاسر ؟ لماذا يريد الزواج من عائلتنا ؟ وبالأخص لماذا اختار ريم .. أختك ؟
أشاح بوجهه عنها وهو يقول بصوت هامس كأنها يحادث نفسه:
-هذا هو السؤال الأهم ,وبناءا على اجابته ستتضح الكثير من الامور .. أخبرتى انه يحبها الى حد كبير ولا يتمنى فى الحياة سواها .. فلننتظر ونرى صدق كلامه من عدمه ,واذا تيقنّت من كذبه فسوف لن تأخذنى به شفقة , سأسحقه بيدىّ جزاءا على فعلته.
واعتصر قبضته بعنف جامح بينما تغرق العبرات وجه زوجته المذهولة بصمت.
******************