كاتب الموضوع :
وطن نورة ،،
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
◇ أنْت مِثلْ أحْزانِي ،، قِدرْ ◇
.
.
# (٤) الفصل الرابع ،،
°
°
{ وسط كل هذه العزلة.. أخشى أن يصاب قلبي بالجفاف
فلا أعود قادراً على الحب والمغفرة وتقبل الآخرين،
أخشى أن أكون دائماً في جهة الضد..
أخشى أن أفقد الشعور تجاه كل الأشياء..
،، ولا ينتهي من رأسي هاجس الخشية. }
.
.
انتهت ليلتهم الطويلة في أروقة المستشفى بعد أن طلب منهم الطبيب بجدية أن يعودوا للمنزل فلا فائدة من بقائهم..
سيارته تطوي الطريق أمامه في عتمة الليل.. الصمت يلف المكان فلا خالته الجالسة بجواره تتحدث ولا الحزينة الجالسة في الخلف تصدر أي ضوضاء ..
صوت نياحها لازال في أذنه يشعر به يمزق روحه فالأحزان تجمعت عليها حتى تراكمت..
رفع بصره للمرآه ليجدها تسند رأسها للخلف تنظر له وما أن وقعت عينه بصميم عينها حتى أبعدتها بسرعة ولم يخفى عليه بريقها..
فتحت باب السيارة بسرعة عندما توقفت لتمشي بخطى واسعة لباب المنزل تفتحه بمفتاحها وتنطلق للداخل .
فتح الباب لخالته يساعدها على صوتها يهتف بحنو : حياك حبيبي.
خطاب بابتسامه : تحملوني اليوم بصير ضيف ثقيل و أنام عندكم.
سلوى بحب وتعب: أعز من ينام عندنا والله.. البيت بيتك يا عين خالتك ..
هذا ما قرره بينه وبين نفسه فمن الصعب أن يتركهن لوحدهن والبيت يخلو من الرجال .. فكما فهم من خالته أن زيد سيستلم لساعات الظهر الأولى وخالد لن يعود من رحلته قبل العصر في اليوم التالي..
أراح ظهره على الأريكة وهو يرفع الغطاء لمنتصف صدره ويقرر في نفسه أن لا عمل ليوم الغد، تنهد بتعب ولم يلبث أن يغمض عينيه حتى نام.
.
.
صحى قبل صلاة الظهر بنصف ساعة مع أنه لم ينم بعد أن صلى الفجر إلا في وقت متأخر.. لبس ثوبه وانطلق للمستشفى حيث زوج خالته قد استفاق وخرج من الملاحظة..
دخل عليه ليرى التعب واضحاً متوسماً ملامحه.. ابتسم له يقبل رأسه باحترام : الف لا باس عليك ياعم.
انتبه له يتجنب النظر لوجهه.. هتف بتعب : الله يسلمك يابوي. مافيني شي الحمد لله.
سحب الكرسي القريب وجلس عليه : الله يمتعك بصحتك وعافيتك بس شلون مافيك شي؟ انت ما شفت كيف كان حال حريمك أمس زين ماوقفت قلوبهم من الروعه..
ثم تابع بموده : وش جاك ياعم وأنت راعي قلب؟ خبري بك حريص على أدويتك وتهتم بأكلك؟ سمعت شي ضيق صدرك؟ صار شي زعلك ؟
ابتسم له بتعب : الهموم لا جاتك من كل جهة يا خطّاب تقتلك.
بقلق : بسم الله عليك من الهموم ياعمي.. وش فيك وش في خاطرك وش اللي همّك؟
أخفض بصره يراجع مايود قوله ليهتف به مبحوحاً : كل شي.. الحياة ماهي على الكيف وأنا عمك والحين وأنا بذا العمر أشوف أحفادي حولي و الكل فرحان بحياته وعياله إلا هي.. أنا أدري إنها بتزعل لا سمعت اللي أقوله بس الحرّة بصدري ما طاعت تبرد ..
تنهد وهو يعلم عن من يتحدث بكل حزن وحسرة هكذا : صار اللي صار ياعم ماعاد يفيد الحكي ذا الحين.. الله بيوفقها وبيعوضها خير..
التمعت عينيه بشدة : أنا أدري إنه كسرها بفعلته.. بس ماهقيت للدرجة ذي.
ثم أخذ أنفاساً ثقيلة قبل أن يردف بصعوبة : خطاب.. أنا.. سمعت هلا ..بنتي .. وهي... تطلبك. تتزوجها.. سمعت.. بنتي. تطلبك.
خرجت آخر كلمه منه مهزوزة وهو يختنق بعبرته مما آل إليه حال ابنته.. ومرّت كلماته على مسمع خطاب كالسهم المسموم .
اتسعت عينيه بهلع تلخبط كيانه بردت أطرافه وتوقف قلبه.. حرفياً شعر به يتوقف.
ابتلع ريقه.. مرر لسانه على شفتيه يحاول بصوته أن يخرج لكن دون جدوى : ا..
بتعب وهو يبتلع ريقه بصعوبة وضحت لخطاب : ياولدي ا..
قاطعه بسرعة وضياع لا يعلم كيف يبرر أو يتصرف لكن يجب أن يتكلم لا يمكنه ترك الموقف عائماً هكذا : ياعمي لا تفهم غلط.. الموضوع م .
ليقاطعه مبتسماً ابتسامه لم تصل لعينيه أبداً.. فابنته قد عرضت نفسها والشاب الذي أمامه رفضها : أنا ما قلت لك أعاتبك أو أبي منك تبرر .. أنت سألتني وش اللي همّك وأنا قلت لك.. ليلتها بلغتها إن فيه واحد تقدم لها وهي رفضت وشفت الضيقة بعينها، لحقتها بطيّب خاطرها وأقولها إن مابغت تتزوج مهوب لازم لأن بيت أبوها مفتوح لها طول العمر ومافيه أحد بيجبرها على شي ماتبيه حتى لو كان أنا. و.. وسمعتها تطلبك.. عجزت أنام من يومها ولا عاد قدرت أرفع عيني فيها . همي بنتي اللي أرخصتها لولد أخوي وظنيت فيه خير بس إنه كسر ظهري.. لو كان أحد غيره كان هانت بس لأنها منه هدت حيلي وأنا اللي جبرتها عليه وفزعت له وهي ماتبيه.
بيأس وضيق يشعر بعقله يتوقف ولسانه يثقل : لا تزعل مني ياعم ولا تاخذ بخاطرك.. المشكلة فيني أنا ولا هلا ماتنعاب وهي بنت تركي .
ابتلع غصته : حصل خير وأنا عمك.. حصل خير .
ويشهد الله إنك عزيز وغالي ياخطّاب.
عم الصمت الثقيل دقائق حتى اخترقه دخول زيد بوجهه المخطوف والنساء خلفه..
اتجه لوالده ينكب على رأسه يقبله لينزل لكتفه وكفه الخوف ينطق من عينيه يسأل والده عن حاله ليُطمئن قلبه الآخر بابتسامه وتربيته على الكف : وش بلاك ياولد ماتشوفني قدامك مافيني إلا العافية؟
زيد بقلق وعينه تتبع الأجهزة حوله : أجر وعافية يابوي.. الله يطول بعمرك يا تاج راسي ولا يوريني فيك مكروه.
ابتسم له يتأمل زيّه العسكري يزّين قامته ويزيده هيبة : أنت توك جاي من دوامك؟
زيد : إيه ولو أدري باللي صار لك كان تركت كل شي وجيت بس الله يسامح اللي كان السبب.
قالها مبتسماً بعتب لخطاب الذي بادله الابتسامه بتعب وضيق وكأن قلبه هو الذي يحتضر.
ما إن ابتعد زيد حتى وتقدمت هي ليقف خطاب ويبتعد لآخر الغرفة كي لا يضايقها .
نزلت بجسدها تقبل رأسه ويده تبكي من أعماق قلبها: الحمدلله على سلامتك يابوي.
ابتسم لها بتودد : الله يسلمك.. ليه الصياح الحين؟ والله مافيني إلا العافية.
خرج صوتها بصعوبة :x الله يخليك لي والله إن مالي أحد غيرك .
التمعت عينيه حاول أن يبتسم لكنه لم يستطع.. هتف بحنان بالغ وصوت مثقل بالعبرة بعد أن وضع يده على رأسها : الدنيا مهيب واقفه علي ياعين أبوك .. فيه أخوانك عزوتك زيد و خالد.. وعندك سالم الله يبلغك فيه و ربي بيرزقك ولد الحلال الله يستاهلك وتستاهلينه..
استأذن خطاب وخرج من المكان غير قادر على تحمل الضغط النفسي أكثر.. يشعر بجدران صدره تضيق على قلبه والخجل كل الخجل من والد هلا وما سمِع.
لم تخفى عليه نظرة الإنكسار في عينيه وهو يخبره بكل الذي سمعه. رجل آخر سيرفض النظر لوجهه لكن تركي مختلف هو من احتواه في عز أزمته فتح له منزله وعامله كرابع أبنائه دون أي تفرقه حتى أصبح رجلاً يقف على أقدامه.. وعندما قرر الزواج هو من تحدث وقام بزفافه كاملاً كما فعل في زفاف ابنه زيد دون أي تقصير..
يقتله تعبه ويقتله أكثر أن يكون هو سبباً في ذلك..
قبل أن يبتعد عن باب الغرفة انتبه لقدوم عاملة منزل خالته برفقتها الصغير سالم يحمل كيساً بيده قد امتلأ بالحلويات .
اقترب منهم مبتسماً ليبادله سالم الابتسامه عندما تعرف عليه .
نزل لمستواه يقبله ويسأل عن أحواله ليجيب الصغير بثقة بعد أن ترك يد العاملة..
خطاب بابتسامه بعد أن اخذ الكيس من يده : وش شريت ماشاءالله؟
سالم وعينه تأكله على ما بداخل الكيس خوفاً من أن يأخذه: أشياء كثيرة ؟
رفع حلوى بالتوفي وأشار بها : ممكن آخذ وحده ؟
تقلبت ملامحه بضيق وتردد طفولي.. رفع رأسه للعاملة التي تراقب الموقف بجمود ثم عاد ينظر لخطاب الذي تلاشت ابتسامته وهو يتأمل ملامحه المستنسخه من والده وكأنه اثبات على وجوده في حياتها واضعا بصمته بعنفوان.
أخرجه من تأمله صوت سالم اليائس : خلاص طيب، خذ واحده. واحده بس.
ضحك: وحدة بس يالبخيل؟ أمك كريمة وجدك كريم أنت طالع بخيل على مين؟
سالم بثقة رغم انه لم يفهم كثيراً مما قال : على أبوي.
لينفجر يضحك كما لم يضحك من قبل.. يهتف من بين ضحكته : صدقت..
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تتأمل الجالس أمامها يحادث ابنها..
استبطته لذلك خرجت تبحث عنه لتتفاجأ به يقف مع خطاب صاحب الضحكة الأعذب..
انتبهت لابنها يرفع رأسه ويبتسم عندما لمحها ليركض لها يهتف بسعادة : ماما ..
وضعت يدها على رأسه عندما لف يديه حول خصرها: ليه تأخرت؟
ابتعد عنها راكضاً لمكانه السابق حيث خطاب أصبح واقفاً، بصره مثبت على الأرض.. سحب الكيس من يده بقوه وعاد لوالدته : ماما شوفي وش جبت.
وصلها صوت خطاب هادئاً تتخلله ضحكه مجاملة قبل أن تتحدث : افاا مسرع ماجحدتني ياولد محمد.
تسارعت أنفاسها تبتلع عبرتها وتحاول أن تتجاوب مع سالم الذي بدأ باستعراض مشترياته..
عاد صوته هادئاً يصل لمسمعها: الحمدلله على سلامة الوالد.
هزت رأسها وخرج صوتها مرتعشاً : الله يسلمك. ما قصرت أتعبناك معنا.
يشعر بقلبه يتمزق من رجفة يديها الواضحة لا يصدق أن التي أمامه هي هلا ابنة خالته وقد أصبحت أماً الآن تحدثه برسميه وهي التي قضت نصف عمرها معه وبجانبه دون قيود حتى اجبرتها والدتها أن تتوقف عن ذلك، اعترفت بحبها له دون خجل عندما كانت في الخامسة عشر من عمرها طالبةً منه ألا ينسى ذلك وحتى الأسبوع الماضي كانت قوية تطلب منه أن يتزوجها .. تقف الآن أمامه تتجنب النظر له كأنها تعاتبه ولا تشتهي النظر لوجهه. هتف بعتب : افا عليك هلا. أنا مو غريب عشان تقولين هالكلام. عمي تركي أبونا كلنا.
أنتم أهلي وأنا مالي غيركم.
هزت رأسهاx وقد تجمعت الدموع في عينيها بشكل لاحظه.. هتف بتردد : .... ليكون شايله بخاطرك علي؟
خروج زيد من الغرفة منعها من الرد وتشكر الله على خروجه حيث أن لا رد لسؤاله ..
زيد بقلق: وش فيك تأخرتي؟
مسكت ابنها من ذراعه ودخلت الغرفة : على مالقيته.
رفع زيد بصره ليجد خطاب واقفاً : وأنت الثاني وين اختفيت؟
ابتعدت العاملة عندما اقترب زيد وتكلم خطاب بهدوء : أبد طلعت أسوي اتصال .. بشر كيف شفت أبوك؟
تنهد : الله يعافيه وجهه تعبان.. ليه مادقيت علي أول مانقلتوه المستشفى؟
خطاب : وإن دقيت وش بتسوي يعني بتترك شغلك وتجي؟
أنا موجود وبإذن الله إني موب مقصر.
بعتب : مو هذا قصدي يالنفسية.. ياحبك لتفسير الأمور على هواك.
خطاب على مضض: خويلد درى؟
ابتسم : لأ ولا بيدري إلا إذا جا .
رفع حاجبه : بيسوي سالفة عاد تعرفه أنت .
زيد : ماعليك منه.
استأذن منه خطاب وذهب في طريقة حتى مع إصرار زيد على بقائه..
مشى في أروقة المستشفى بضيقٍ واضح يفتح أول أزرار ثوبة..
قبل خروجه وصل لمسمعه صوت يعرفه جيداً.. توقف ثم التفت ليجدها تقف بجانب رجل لا يعرفه.. يدها على بروز بطنها الواضح وعينها على الفتى المتمدد على الأرض معترضاً..
تسارعت أنفاسه وهو ينظر لوجهها المكشوف.. كيف لا يعرفها وهي التي ظن أنها خلاصة من أحزانه لكنها خرجت من حياته مسببة أحزاناً أخرى.
كيف لزوجها أن يكون راضياً بها تمشي بجواره هكذا دون أن تسدل غطاءً على وجهها؟ فتنة كهذه لا يجب أن يراها أحد.
ابتلع ريقه يسمعها تكلم المتمدد على الأرض بوهن : خلاص حسومي قوم و اوديك أنا.. يلا يا ماما والله إني تعبانة .
لم يستوعب انه كان يتأمل المنظر أمامه إلا عندما وصله صوت الواقف بجوارها غاضباً : نعم يا أخ فيه شي؟
خطاب بهدوء مبتعداً بعد أن لمح وجهها يشحب ويتغير بعد أن رأته: سلامتك..
وصله صوتها مع أنها كانت تهمس : وش تبي فيه خليه.
ليصرخ زوجها بغضب واضح : ليه يناظرك كذا تعرفينه؟
ابتعد عن محيطهم مسرعاً يهرب من باقي الحوار وخوفا من مشكلة قد يقع فيها هو في غنى عنها ..
يقود سيارته مبتعداً عن المكان أفكاره تحاصره من جميع الجهات دون رحمة..
الجميع مضى بحياته وكوّن أسرة يحتويها وتحتويه ، تكون ملاذاً له في أسعد اللحظات و اتعسها..
إلا هو لازال وحيداً وكأن هذا قدره حتى يموت..
.
.
في قارة أخرى..
دخلت لمنزلهم بضيق تخلع حجابها وتلقي به أرضاً لتتركه خلفها وتصعد درجات السلم بغضب..
لمح دخولها الغاضب والذي ليس من عادتها أبداً وراقبها بعينيه حتى اختفت..
التفت عندما وصله صوت بعيد : ياولد!
رفع حاجباً يربط الأحداث ببعضها والصورة أصبحت شبه واضحة..: تعال..
دخل مبتسماً بلباسه شديد الاناقة بابتسامه زادته وسامةً فوق وسامته..
تابعه ببصره حتى اقترب وجلس بالكرسي الملكي بجواره : مساك الله بالخير.
لازال حاجبه مرفوعاً : هلا! وش جابك هالوقت؟
ضحك بتوتر: أفا وش هالاستقبال؟
بجدية : ولد! الحركات ذي ماتمشي علي.
قلت لك دانة خط أحمر تقرب منها أذبحك وأخفي نسلك كله وصدقني مهيب صعبة علي وأسأل أبوك وهو يثبت لك.
ابتلع ريقه : وش دانته يابو جابر؟ صدقني انا مو فاهم و..
صرخ به : بدر.. انا منيب ولد امس عشان تاخذني على قد عقلي..
دانة خط أحمر تتعداه اذبحك فاهم؟
ابتلع ريقه بارتباك : والله انك ظالمني.
انا جاي ابيك بموضوع وشفتها نازلة من سيارة واحد ولا هان علي اشوف المنظر قدامي واسكت.. أخذتني الحميّة وق..
انبترت كلمته عندما شعر بيده تسحبه من أعلى قميصه. يقربه منه ليهتف بغضب من بين أسنانه : اقص لسانك واعلقه برقبتك لا سمعتك تطريها بالشينة.. هالكلام ماينقال على الدانة يا ولد يويسر..
بدر بهلع : ط..ان ان شاءالله.. آسف.
دفعه عنه بقرف : اخلص علي وش جابك؟
بدر بمحاولة لتلطيف الجو : هو موضوع شخصي شوي..
أبي منك القرب وابي دانتك على سنة الله ورسوله..
مرر نظراته الباردة عليه ليهتف مستحقراً : أنت؟
بدر بجدية : إيه أنا.
ابتسم بتهكم : تخسى .. مابقى إلا هي.
تغير لون وجهه : افاا.. وش فيك علي يابو جابر؟
سامع عني شي أنت؟
بلا أي تعبير : الدانة مهيب لأي أحد.. وأنت أي أحد.
ثم عقد حاجبيه بتفكير : غير إني أخبرك ماخذ بنت حمد ولك منها عيال.
بدون نفس وقرف وضح بصوته : إيه.. و عندي منها سيف و سارة.
ضحك : وش جاك يوم إنك أخذت بنت حمد؟ صاحي أنت؟
أبوها مايتناسب أعوذ بالله.
بدر بضحكة وتودد : وش نسوي عاد نصيب! وحاولنا نصلحه ونناسبك بس أنت مدري وش مزعلك علينا يالغالي.
بتهكم : مهوب أنا اللي اناسب واحد مثل ياسر ..
صحصح يا بدر إن كنت تبي المصلحة اللي بيني وبينك تتم.
ضغط على نفسه وكبريائه وهو يتمنى لو يستطيع أن يفجر رأسه، لكن لا بأس فقد قالها حمد والد زوجته قبل أن يرسله له "أنتبه ترى منيف خسيس ولعبه وصخ واللي يأمن له بايع عمره برخص التراب. خذ مصلحتك منه وعبي جيوبك وخليه بصفك لأنه إن حطك في باله أعتبر نفسك منتهي.. وعلى ما قالوا لا صارت حاجتك عند الكلب قل له ياسيدي.. ومنيف كلب"
لازال يستنكر نوع العلاقة التي جمعت والده وحمد بشخص كمنيف؟ فمن الواضح أن لا أحداً منهم يطيق الآخر ومع ذلك فعلاقتهم لازالت مستمرة والمصلحة بينهم (لسى دايره)..
.. لفته غطاءها الملقى بالقرب من الدرج ليشتعل صدره غضباً وهو يشعر بأثر لكمتها على بطنه.. هتف بقهر : أبشر.
سكت ينظر له لفتره قال بعدها : خلصت اللي طلبته منك؟
بدر بضيق : ايه،، مثل ماتبي وأحسن بعد . وحجزت لكم بالموعد.
ابتسم : كفو.. أرجع السعودية على أول طيارة ولا تجي هنا إلا قبل رجعتي بكم يوم ابيك تخلص بعض الأمور ..
بدر مجاملاً : تامر أمر .
لينطق الجالس أمامه وهو يشير بيده : والحين قم فارقني ولا عاد أشوفك حول بيتي إلا لا طلبتك.
في الطابق الثاني تقف خلف النافذة الطويلة تنظر بكل حقد للخارج من منزلهم يركب سيارته وينطلق مبتعداً..
أي حقير هذا ؟ كيف لأعظم رجل في حياتها أن يستأمنه هكذا ويدخله بيته والخبث وقلة المروءة تنطق من عينيه بكل وضوح؟
.
.
تجلس معه في صالة منزلهم الواسع. أبناءها يفترشون الأرض وكتبهم متناثرة حولهم..
انتبهت لسرحانه وتعلم يقيناً أن تفكيره عند ذلك الابن اللامبالي..
أصبح غائباً عنهم قرابة العشرة أيام ولم يكلف نفسه عناء الاتصال..
حاولت ألا تضغط على والده أكثر وألا تلح عليه بكثرة الأسئلة لكنها لم تستطع : ياعمي ماجاك خبر من بدر؟
وعى من سرحانه ليحرك الملعقة في فنجان الشاي الذي أصبح بارداً : كلمته أمس يقول رحلته بعد يومين الفجر..
تنهدت : الحمدلله أنه بخير.. يوصل بالسلامة.
ابتسم لها بحنو : وأنتي إلى متى بتقعدين شايله همه وتحرقين أعصابك ؟
قلت لك مع بدر حطي أعصابك بالثلاجة ولدي وانا أعرف فيه مو كفو اهتمام.
قال آخر كلامه ضاحكاً وكأنه يمازحها به لكن كلاهما يعلمان انه حقيقة.. ابتسمت له بحزن واضح : على إني ما شفت معه يوم حلو ياعمي بس وش أسوي؟ بدر زوجي وابو عيالي و.. أحبه!
ضحك وهو يراها تداري خجلها عنه بعد اعترافها : هذا بلى أبوك يا عقاب!
شاركته ضحكته التي لاتمت للكوميديا بأي صلة: إيه والله هذا البلى.
هو مهوب سيء للأمانة..
ياسر بابتسامة : والله اللي غرّك زين وجهه يابنت حمد..
ولدي واعرفه ما اقول غير الله يصلحه ويهديه.
تراقص قلبها بين اضلاعها شوقاً له ولوجهه الذي يتحدث عنه : آمين.. والله إني مشتاقة له مع اني ادري ما جاب خبر شوقي.
ياسر : والله انه أعمى ومهوب حاس بالنعمة اللي بين يدينه.
اصبري عليه عشاني انا مهوب عشانه.. انا مو متحمل قعدتي بهالبيت إلا لأنك فيه ولولا الله ثم وجودك كان من زمان سمعتوا خبر موتي. والله إنك أحن علي من ولدي.
قالها يتصدد بعينيه للتلفاز.. يخفي لمعة حزن غزت عيناه ..
تأملته بحب و رحمة..
مامر به هذا الرجل يهد الجبال لكنه لازال صامداً.. كان لديه من الأبناء أربعة أكبرهم بدر..
توفى اثنان منهم في حادث شنيع على طريق الطائف والثالث شهِد والده سقوط رأسه على الأرض أمامه في ساحة القصاص بعد أن تم الحكم عليه بسبب قتله صديقة في لحظة غضب أعمته..
لم يتبقى منهم سوى بدر -الله يخليه لي وله- حتى وإن كان جلموداً متجبراً.. فرحيله دون أدنى شك سيكون القشة التي تقسم ظهر البعير.
رمشت لتلتفت لابنها بعد أن نادى باسمها تردد بينها وبين نفسها
" وأنت بعد، أحن علي من أبوي "
.
.
يجتمع هو وأبناء خالته في شقته الصغيرة وقد قرروا أن يسهروا سوياً فغداً يوم الجمعة ولا أعمال تعيق السهرة..
خالد ولازال يمضغ لقمته : لو مافزع لكم ابوي وقال سامحهم كان للحين زعلان.
زيد بملل : اشغلتنا عاد. ما صارت ترى حتى أنا ما دريت إلا يوم رجعت . الرجال طلع صار له يومين وأنت للحين تتحلطم.
خطّاب : وثاني مره لا تتكلم وفمك مليان أكل اعدمتنا ياخي..
تجاهل ماقاله وتابع تناول مابيده حتى انتهى..
لملم الفوضى التي تسبب بها ليقول بنبرة حاول أن تكون عادية : زيد توقع مين شفت يوم كنت بنيويورك آخر رحلة ؟
بدون اهتمام وعينه على ما بالتلفاز : مين؟
..: محمد ولد عمك.
قالها ليشرب بعدها مباشرة من علبة البيبسي التي بين يديه..
شد عرق في رقبة خطاب على عكس زيد الذي هتف ببرود لازال ينظر للشاشة أمامه : طيب؟
خالد بإحباط فتوقع حماساً أكبر من زيد : بس أقولك.. عاد الصدق يوم صادفني اختبص حرمته كانت معه.
مالت عليه وعليها..
قالها بصوت منخفض تحت أنفاسه قبل أن يعاود الشرب من علبته..
لم يسمعه سوى خطاب الذي كان مركزا في حديثه لينفجر ضاحكاً : صدق بزر.
خالد بقهر : والله ياهو غابنّي.. لو علي شطفته ولا سلمت عليه بس مهيب حلوة في حقي.
زيد بجدية : تراه ولد عمك من قبل ليكون زوج أختك.
خالد بحسرة موجهاً حديثه لخطاب : شف البرود كيف..
بس لأنه أخو المدام مايرضى عليه ولا لو كان واحد ثاني كان ولع فيه.
زيد بإنفعال : خويلد!!
خطاب بضحكة : الحب كفاك الله شرّه يا خالد.
خالد بسرعة ومرح : تف من بؤك أعوذ بالله من فالك.. خليني اجرب الحب ياخي مليييت أبي أحب و أنحب أبي اجيب عيال أبي منتخب أبي ذريتي يعيثون في الأرض الفساد .
زيد بامتعاض وهو يرى خطاب يضحك : ما أقول غير الله يخلف على بنت الناس كان أمها دعت عليها.
خالد بابتسامه واسعه : إلا يابختها وهناها خل عنك بس.
عاد أنا حالف ما أتزوج إلا بعد ما ازوج خطاب و أفرح فيه.
نظر زيد بتهديد لشقيقه فهو يعلم حساسية الموضوع بالنسبة لخطاب ثم التفت ينظر لخطاب يترقب الضيق وردة الفعل المبالغ بها.
لكنه لم يجد سوى ابتسامه صغيرة زينت ثغره ونبره هادئة : ان شاءالله ليه لأ .
اتسعت عينا خالد بذهول والتصق بخطاب الجالس بجواره يهزه بعدم تصديق : أنت مين؟ مستحيل تكون خطاب اللي أعرفه..
ضحك : ورع وخر عني.
نظر لزيد الذي ينظر لخطاب وكأنه برأسين : ناظر حتى أخوي طارت بوهته.. ياعمري ياخيي مابيفك روعته غير العصفر.
ضحك يدفعه للخلف : سلامات!
خالد : والله ماينلام أنا قلت جملتي وأنا خايف على نفسي.
خطاب بابتسامه : عن المبالغة عاد!
زيد نطق أخيرا: والله ما نبالغ .. أنت ماتشوف كيف ينقلب حالك من نطري العرس.. تصكك الغلقة.
خطاب بعتب : تلومني؟
تنهد : لا والله ما عمري لمتك على شي.. بس تضيّق صدري لا شفتك تضايقت.
خالد يحرك حاجبيه بمرح : وش غير رايك عاد؟ أكيد شفت لك شوفه جابت راسك .
خطاب بجدية : زيد خذ أخوك عن وجهي.. سلامات خويلد وش هالكلام؟
خالد : لا تصرف.. وش غير رايك؟
خطاب ورؤيته لهند وأسرتها الصغيرة التي كونتها أعادت ترتيب بعض المفاهيم في عقله ، ذلك وشيءٌ آخر خالط نظرة انكسارٍ في عيني رجل يحترمه وذكرى لصغيرة تعترف له وتهرب من أمامه تبكي : رؤيا جاتني وأنا نايم قالت لي يا خطاب تزوج.x نسل خالد وذريته متوقفين عليك.
استوت ملامح خالد بخط مستقيم بعد أن سمع ضحكة زيد التي شاركه بها خطاب بعد الذي قاله : ياثقل دمك يا شيخ.. الله يعين بنت الناس صدق.
خطاب ونظرة خبث برزت في عينيه : سقى الله يا خويلد يوم تجيني زعلان لأن بنت عمك بتتزوج. تذكر؟
ضحك : لا تذكرني ياشيخ والله يا إني كنت بزر . البنت قدها أم الله يستر عليها.
زيد بحاجبين معقودين : وش هالسالفة أول مره اسمعها؟
أي من بنات أعمامي ذي؟
خالد بفشلة : لا يرحم والديك لا تدري أحسن قسم إن أصير مصخرتك عشر سنين قدام.
.
.
لم تكن تتوقع أن اللقاء بعد عودته سيكون هكذا..
هي تعلم أنه صخري.. قاسي لا رحمة في قلبه وتعلم أنه لا يحبها، تعلم ذلك وتحاول إنكاره باستماته فهي حقيقة لا تسعد بمعرفتها أبداً..
وعلى الرغم من قسوته وحقارة كلماته وتصرفاته فهي تحبه.. على الرغم من أنها لم تجد جانباً ليناً فيه.. لازالت تحبه قلبها ينبض شوقاً منذ أن عرفت بقدومه..
يجلس أمامها واضعاً قدماً على الأخرى وتركيزه منصب على هاتفه بين يديه متجاهلاً بذلك وجودها و وجود والده الذي كان ينظر له بنظرة هي خليط من الحسرة والخوف..
كانت قد خرجت لساحة المنزل عندما سمعت صوت سيارته.. انتظرت بلهفه عند المدخل تريد أن تسلم عليه سلاماً خاصاً بقدر شوقها له..
رأته يخرج من سيارته يتقدم باتجاهها يسحب حقيبته خلفه لتبتسم له ابتسامه جمّلت ثغرها..
توقف أمامها لتندفع نحوه تحتضنه بقوة : اشتقت لك.
ليتكلم ببرود صقيعي دون أن يتحرك : هلا!
ابتعدت عنه تنظر لوجهه بولهٍ واضح : الحمدلله على سلامتك.. نورت السعودية برجعتك.
ليتعداها ببساطة متجهاً للداخل : الله يسلمك.. هاتي الشنطة معك.
نظرت لحقيبته أمامها حيث كان يقف.. لم يكن تصرفاً جديداً عليها لذلك ابتلعت غصتها لتتبعه تسحب حقيبته خلفها..
رمشت أكثر من مره تبعد حرارةً غزت عينيها و وقفت تسكب الشاي .
تكلم ياسر بغموض : خلصت شغلك مع منيف؟
اعتدل بدر جالساً يأخذ الفنجان منها : إيه.
ياسر بنبرة : وشغلك خلّص خلّص ولا للحين؟
ابتسم : لا مطولين.. منيف هذا داهيه وبير ذهب.
ياسر بضيق إستشعرته في صوته بعد أن جلست بجواره : بير ماله قاع إن طحت فيه انسى تطلع منه .
أتركه عنك وحلالي كله لك لو تبي بكرة أروح وأسجل كل شي باسمك.. بس اترك منيف وبلاويه عنك.
تجاهل بدر حديثه لينظر لحنين المتأنقة جوار والده: وين العيال ؟
بضيق بعد أن سمعت والده يتنهد بيأس : انتظروك بس يوم شافوك تأخرت ناموا..
هز رأسه على مضض ليعم الصمت المكان بعد أن أمسك هاتفه يتشاغل به.
جلست على السرير بتحفز بعد أن ارتدت أجمل ما لديها..
تنتظر خروجه من دورة المياة.. ما إن توقف صوت الماء حتى وشعرت بالتوتر يضرب قلبها لتتسارع دقاته..
فُتح الباب ليظهر لها بدر.. طويلاً، أنيقاً -ببجامته- و وسيماً جداً.. لا شيء جديد عليه فهو يهتم بمظهره وأناقته حتى في المنزل ..
وقف في خطاه بعد أن انتبه لها .. رفع حاجباً ينظر لها من رأسها لأخمص قدميها نظرةً تقييميه زادت من توترها : أوف!
ابتسمت بتوتر ترفع يدها المرتجفه لتعيد بعض الخصلات من شعرها --المصبوغ حديثاً- خلف اذنها.. اقترب منها لتقف لاقترابه وتبتسم حتى أصبحت غمازتيها تُرى من بعيد..
انسلت دمعه من عينها دون أن تشعر . تنظر لظهر النائم أمامها دون أن يكترث للعاصفة التي أحدثها في قلبها ..
انسلت أخرى شعرت بها لتمسحها بكفها تعض شفتها بكل قوة كي لا يخرج صوتٌ لبكائها فيستيقظ.
الأفكار تعبث بها وهي بين المصدق والمكذب.. يستحيل أن تظن به ظناً كهذا فهو إن أراد خيانتها سيفعل ذلك أمامها وعلى الملأ دون أن يضع لها أو لأحد أي اعتبار .. فهو قوي لا يخاف من أحد وإن نوى على شيءٍ سيفعله، حتى لو وقف العالم كله بوجهه..
"بدر مو خاين.. مايحبني صح، بس مو خاين"
كررتها بينها وبين نفسها تحاول بها أن تمحي صوت همساته التي تُعاد على مسمعها.. صوته يهمس لها قبل أكثر من ساعة دون وعي منه : أنتي لي دانة.. والله لي.
.
.
رائحة العود تفوح في أرجاء المنزل .. فاليوم هو الجمعة ولهذا اليوم طقوس خاصة في منزل أبو زيد..
كان قد خرج من المستشفى صحته جيدة فالذي تعرض له كان بسيطاً تجاوزه بقسطرة بسيطة مع ذلك حذر الطبيب من الانفعال و الأكل المشبع بالزيوت..
لازال يتجنب النظر لخطاب وكأنه محرج منه.. شعر بذلك خطاب المحرج أساساً من فعلته..
اليوم سيصلح كل شيء.. لن يبدأ صفحةً جديدة فهو يعلم أنه عالق في كتابٍ يخلو من الصفحات.. لكنه سيصلح شيئاً شعر به قد انكسر بينه وبين زوج خالته.. وشيئاً آخر ناحية هلا ابنة خالته..
يعلم أنها مغامرة فبعد زواجه من هند -اللئيمة- كره النساء جميعاً ومحى فكرة الارتباط من قاموس حياته..
لكن الانكسار الذي سببه لنفسه ولغيره لا يُحتمل.. لن يستطيع أن يدخل منزل خالته مجدداً وهو يرى زوجها يتجنب النظر لوجهه كالمذنب كما يفعل الآن..
دار بصره على الموجودين.. لم يكن هنالك أحد سوى أبناء خالته و والدهم..
زيد يتحدث مع والده بهدوء وخالد عينه مثبته على هاتفه يتابع مقاطعاً دون أن يضع سماعته .
ابتلع ريقه متوتراً من خطوته القادمة. قضى وقته بعد الفجر يستخير يدعو الله بتسهيل الأمر إن كان خيراً له.. وصرفه وتهوينه إن كان شراً..
تسارعت نبضات قلبه عندما خرج زيد ليبقى خالد و والده الذي ينظر للتلفاز. يرتدي ثوبه وشماغه على رأسه ينتظر قدوم إخوته لزيارته بعد الغداء.
خطاب بتردد : خالد قم شف سناباتك داخل.. ازعجتنا.
خالد ولم يرف له جفن : آسف..
خطاب بصوت حاد نتيجة توتره : خالد.
لينظر له خالد ويلتفت والده باهتمام..
خالد مستنكراً وهو يرى وجهه وتعابيره : وش بلاك أنت؟
خطاب بتوتر : قم اطلع.. أبي عمي بموضوع خاص بيني وبينه.
ارتفع طرف فمه بابتسامه : مواضيع خاصة من وراي؟ افااا!!
ليقاطع والده خطاب قبل أن يتكلم وبعد أن لاحظ توتره : خالد قم قل لأختك تجدد القهوة أخواني على وصول.. وصك الباب وراك.
ليقف مكرهاً يأخذ الدلة معه يقول بتهكم لخطاب : مواضيع خاصة أجل! هيّن..
أخذ نفساً ثقيلاً على صدره وهو يسمع صوت إغلاق الباب..
الهدوء عم المجلس مما زاد من ارتباكه..
كان قاب قوسين أو أدنى من أن يتراجع عما ينوي فعله..
فهو ليس قوي بما يكفي ليعيد تجربة شيء يعلم بفشله المسبق فيه.
لكن صوت تركي الحاني بعثر أوراقه : آمرني ياولدي؟.
ابتلع ريقه يشد على كفه حتى أبيضت مفاصله..
لا يعلم كيف يبدأ حديثه ففي المرة الأولى الرجل الجالس أمامه هو من تكفل بالمهمة ..
أخذ نفساً آخر قبل أن يقول بثبات: ياعم أنا قررت أتزوج.
لاحظ تغير وجهه ولكنه مع ذلك قال بمودة وابتسامه لم تصل لعينيه : يازينه من قرار يابوي.. وابشر بسعدك والله مايخطب لك ويقوم بعرسك غيري ..
ابتسم : الله يكثر خيرك ويطول بعمرك .. ماتقصر.
لازال يحافظ على ابتسامته.. ينظر لكل شي عدا وجه خطاب : قلت لخالتك تدور لك ولا للحين؟
خطاب بهدوء : أنا قد اخترت خلاص.
ارتفع حاجبيه بتساؤل ليكمل خطاب بعد أن أخفض بصره : أبي بنتك هلا على سنة الله ورسوله.
لا يصدق أنه نطق بها.. أن كلاماً كهذا خرج منه.. شعر وكأن ثقل الجبال وقع من على كتفيه.. و بضربات قلبه تتسارع أكثر حتى صمّت مسمعه..
ازداد توتره عندما لم يسمع رداً من والدها. رفع بصره بتوجس ليتفاجأ بوجهه شاحباً وكأنه رأى شبحاً.. لكن ما فاجأه حقاً هو الدموع التي تكدست في عينيه..
هتف بقلق : عم!؟؟.
ارتعب عندما رآه يغطي عينيه بطرف شماغه وينخرط في بكاءٍ مرير وكأنه للتو فقد أحداً..
تحرك من مكانه بسرعة وهلع ليستقر جالساً جواره.
يهتف بتأثر وعبرة من بكاء الرجل أمامه : عم وش فيك؟
أنا آسف إن كنت قلت شي المفروض ماينقال. عم؟؟
أبعد مايغطي عينيه ليهتف بوجع حقيقي : أنا مغبون..
مغبوون..
والله مغبون.
مسك قبضة يده التي تضرب صدره بقوة.. ليقول بتأثر : بسم الله عليك من الغبنه عساها بعدوك.
أذكر الله ياعمي الله يخليك..
تركه يهدأ ينظر له بتوجس وخوف..
مسح وجهه بكفه المجعد ليقول بعدها بتنهيده تخللتها ضحكة كئيبة: استر ماواجهت.
صمت لا رد لديه. قلبه يكاد يتفطر من انفجار بحر الدموع في عيني الرجل أمامه.. فلا شيء أصعب من رجل يرى رجلاً آخر يبكي أمامه مغبوناً..
خطاب برحمه : عمي...
قاطعه دون أن ينظر له : أنا أدري إن اللي سوته بنيتي ماتسويه عاقل.. وإنها أحرجتك بفعلتها واحرجتني قبلك..
وكانك تظن إن فيه شي بخاطري عليك ياولدي يشهد الله إني ما اعتبرك غير ولد لي وغلاك من غلا عيالي إن ماكنت تزود عليهم .
ثم أخذ نفساً ثقيلاً ليقول بعده بصوت أثقلته العبره : وإن كانك بتاخذها لجل تداري سواتها.. فأنت معفي ولا أنت بمجبور.
اغمض عينيه يتمنى أن يغيب عن العالم لدقائق.. الضوضاء في عقله ستقتله..
عاد يفتحها من جديد ينظر لجانب وجه تركي الذي ينظر لكفيه المشدودين وكأنه ينتظر قراراً مصيرياً..
هو جبان، جبانٌ كبير.. هو أكبر جبان شهدته البشرية -وهذه حقيقة يعرفها جيداً منذ أن كان في الثامنة من عمره- مع ذلك لا يستطيع أن يكون جباناً الآن..x ليس هنا.. ليس مع رجل مثل تركي..
لا يستطيع أن يكسره في ابنته مدللته كما فعل ابن شقيقه.. لن يتحمل انكساراً جديداً ، قلبه المعتل لن يتحمل ..
حاول أن يصفي صوته من بحته ويقول بمرح وخفه -لكن صوته خرج بنبرة فيها كل شيء عدا المرح- : شكلك ماتبي تناسبني ياعم!
نظر له بسرعة وعدم تصديق : خطاب قلت لك ما أنت مجبور يا ولدي..x ان كان هالشي عشان..
قاطعه بأدب : ياعمي أنا أبي بنتك على سنة الله ورسوله ويشهد الله إني كنت أبيها من قبل لا ياخذها....
ثم أخذ نفساً لينطق مكرهاً : من قبل لا ياخذها ولد عمها.. بس إنه سبقني وخطبها..
هلا بنت خالتي وقربها مطلبي عشانها هي وعشاني ، مو عشان شي ثاني.
ابتلع عبرته : بنتي ماعادها مثل أول، بنتي الحين مطلقة وعندها ولد .
زفر بقهر : أدري.. ولازلت أبيها..
سكت قليلاً يجبر نفسه على قول مايجب قوله :x وأنت موب غريب عني يا عمي.x و لا هي غريبة..و.. وصل لكم الكلام مثل ما وصل غيركم عشان كذا شاورها ، وخذ رايها وبشرني بالأخبار اللي تسرني.
التمعت عينيه بامتنان وهو ينظر لخطاب الذي وبالرغم مع علمه المسبق بموافقتها -فهي التي عرضت عليه الزواج- أشعره وكأن شيئاً لم يحدث وأنه سينتظر مترقباً ردها .
.
.
اجتمع بها وزوجته وخالد بعد المغرب في صالة المنزل.. لازال متردداً من طلب خطاب يخشى أن يكون بدافع الشفقة على حاله.. ندم أشد الندم أنه أخبره بعلمه عما حدث في تلك المكالمة فهو بقوله ذلك كأنه يطلب منه أن يتزوجها بشكلٍ غير مباشر..
تنهد بأسى وضيق وهو يراها تجلس ابنها في حضنها تنظر لشاشة جهازه اللوحي الذي يلعب به..
ابتلع ريقه ليهتف بهدوء : أقول سلوى.
تجاهلت خالد الذي كان يخبرها شيئاً حدث معه لتلتفت له بلهفه : سم.
نظر لهلا السارحه تماماً : اليوم جا لهلا عريس.
عرف كيف يخرجها من عالمها.. نطقت بسرعة واستنكار : يبه أنت تعرف رايي بموضوع العرس..
خالد بضيق : وليه منفعله طيب؟ شوفي حياتك يا أختي غيرك عايش حياته ومتهني.
بعبره فهي تعرف من يقصد : يبه أنت وعدتني ماتجبرني على شيء.
سلوى بأسى: لا حول ولا قوة إلا بالله.. طيب اصبري نسمع من ولده يمكن يطلع ن..
لتقاطعها بصوت مرتعش تنظر برجاء لوالدها الذي ينظر لها بنظرة لم تفهمها : يبه..
نطق بعد صمت : خطاب ولد أختك يا سلوى هو من خطبها..
شعرت وكأن ماساً كهربائياً ضربها.. اتسعت عينيها في ذهول وهي تنظر للموجودين بصدمة..
خالد يصرخ ضاحكاً متوعداً خطاب : أثاري هذا موضوعك يوم تصرفني يالمخيس.
و والدتها تسأل بعبرة تريد تأكيدا من زوجها..
ابتسم بشفقه على حالها وهو يرى الدموع تلتمع في عينيها تتلفت حولها بضياع وكأنها طيرٌ اُقتطع رأسه. ليقول بهدوء يشق الضوضاء حوله : الرجّال طلب يسمع رايك . وش قلتي يابنتي؟ وأنا عند وعدي مستحيل أجبرك على شي ماتبينه .
خالد : يبه من جدك تسأل؟ أكيد موافقة خطاب ماينرد.
سلوى بفرحة تخللت نبرتها : الحين أنا خالته ولا يقول لي!!!.. هين يا خطاب شغلك بعدين هههه..
ليعاود تركي سؤاله : ها يا هلا وش قلتي؟
تبينه ولا نرده مثل غيره؟
تمنت لو يمكنها أن تصرخ بموافقتها.. " الله يلوم اللي يلومني فيك ياخطاب"
شدت من احتضانها للصغير في حضنها حتى تضايق من قوتها المفرطه..
ابتلعت ريقها بخجل والحمره تعتلي وجهها: ما أدري.. يبه.. اللي تشوفه.
لترفع بعدها والدتها الزغاريط..
ابتعد خالد عن المكان محاولاً الاتصال بخطاب لكن لم يجد رداً.. فأرسل له عوضاً عن ذلك [ كان طلبتها مني ياخي منيب قايل لأ - مع ايموجي يغمز أكثر من مرة - ]
.
.
ضحك زيد من أعماق قلبه بعد أن انهى اتصالاً مع والده..
نظرت له تبتسم لضحكته : فرحني معك. اسمعك تبارك؟
خالد خطب؟
نظر لها عينه تلمع بحماس : لأ.x خطاب.
خفت ابتسامتها لتقول بعدم اهتمام : لااه صدق؟ ماشاءالله ومين سعيدة الحظ؟
شعر بتهكمها ليقول متعمداً : بنت خالته.
باستنكار : مين بنت خالته؟
زيد : وخطاب كم خاله عنده؟
رمشت أكثر من مره تحاول ان تستوعب قوله حتى قالت بصدمه : هلا؟؟؟
ابتسم : عليك نور.. هلا أختي..
نجود بدون تصديق : مستحيل ..
عقد حاجبيه : وش اللي مستحيل؟
توترت من نبرته : أقصد و.. ما أدري زيد بس،، أحس محمد لازم يدري؟
استشاط غضباً : ومحمد يدري ليه؟؟ ولي أمرها ولازم موافقته؟
بهلع فهذه المره الاولى التي يصرخ عليها هكذا : زيد لا تصارخ خلعتني حرام عليك.
سكت عنها يشيح ببصره لابنه الذي شده الصراخ لينظر لهم بخوف..
نجود بعبرة : زيد يا قلبي لا تفهم كلامي غلط.. والله ما اقصد شي بس محمد كان زوجها وأبو ولدها من حقه يدري..
بإنفعال : نجود الله يرضى عليك اسكتي لا تخليني أقول شي أندم عليه.
سكتت.. لكنها قالت بعد ثواني : زيد،، أخوي يحبها يمكن لا درى انها بتتزوج يصحى على نفسه ويرجع لها.. زيد بينهم ولد حرام يعيش متشتت ومحمد م...
ليقاطعها بغضب مدمر : وقلعتن تقلع محمد الله لا يرده..
دورها لتغضب هذه المره : زيد لا تنسى إنه أخوي.. لا تدعي عليه لو سمحت.
لم يكترث بما قالت ليصرخ مجدداً وهذه المره تركي لم يحتمل فبدأ يبكي : أخوك قليل الخاتمة لو ماكان ولد عمي كان ما جلست في مجلس هو فيه. لو يبيها كان ماتركها واخذ غيرها وأبشرك تراه طلقها بالثلاث والحمد لله إن ربي عوضها باللي يسواه ويسوى عشر مثله..
قالها وخرج من المكان تاركها ترتعد بخوف من صراخة وغضبه عليها لأول مره منذ أن تزوجته ..
.
.
وعى من غفوته -الغير مخطط لها- على طرقات الباب المرتفعة..
كان قد غفى دون أن يشعر بعد أن كان يتابع مباراة معادة من مباريات الدوري..
وصله صوت الطارق : خطاب أفتح الباب ناسي المفاتيح في البيت ياولد..
جلس بكسل يحك كوعه ينظر للباب بتوهان.. ولكن عندما تكرر القرع يشاركه صوت الجرس قفز من مكانه يفتحه متنرفزا : خير؟
خالد بابتسامه كادت تشق وجهه : نايم يالنسيب ؟
عقد حاجبيه بعدم وعي يتابع دخول خالد للشقة بعد أن دفعه عن طريقه : يالييل وش جابك أنت ؟
جلس على أحد الارائك مبتسماً يضع قدماً على الأخرى ويمد ذراعيه على حدود الكنب : قول اللي تقوله أنا اليوم مستانس وعندي رحله بعد ست ساعات لذلك جيت اسلم عليك قبل أمشي.
ابتسم بعد أن أغلق الباب: على وين المره ذي؟
خالد : قرّيب،، امستردام.
جلس جواره : درب السلامة.
لازال مبتسماً : الله يسلمك..
ثم اعتدل جالساً بحماس : والله إني مو قادر أمسك نفسي أكثر..
ليردف بعد أن لكم كتفه : يا النذل ليه ماقلت لي؟
عقد حاجبيه غير مدرك ما يقول: وش قاعد تهذر أنت؟
خالد بامتعاض: سايق الثقل مضبوط ماشاءالله عليك..
بس وش أسوي منيب قادر لساني يحكني أبي أقول لك..
ثم ابتسم وبجديه : والله إنك أخوي الكبير مو ولد خالتي بس يا خطاب وأنت تدري بغلاك وقدرك عندي..
خطاب بعينين اتسعت : ولد أنت رايح امستردام ولا مكان ثاني؟
وش فيك تتكلم كأنك مودّع؟
خالد لازال مبتسماً : هلا وافقت .
رمش ببلاهه يحاول أن يربط المواضيع المشتته في عقله ببعضها حتى اتصلت واتضحت الصورة .. إذاً لم يكن حلماً أو خيالاً مر به.. هو قد خطب هلا فعلاً.. قال ببلاهه: تقوله صادق؟
ضحك : يمين بالله صادق.. مبروك.
ابتسم لا إرادياً ابتسامه خجولة خرجت رغماً عنه عندما شعر بإحساسٍ جميل يلامس قلبه لأول مره،، فهلا ليست كغيرها. يشعر بها مختلفة بكل شيء حتى بإحساسه ناحيتها : الله يبارك فيك.
خالد بسعادة : وزينووه المستحي..
خطاب بضحكة عالية لا يعلم كيف خرجت منه : ورع أصغر عيالك أنا؟
.
.
مرت ثلاث أسابيع سريعة.. شعرت بها هلا أنها عروس هذه المرة حقاً..
سعادتها واضحة للكل و انعكس ذلك على كل شيء فيها..
لا تعلم عن خطاب شيئاً فاليوم سيكون عقد القران وحفل بسيط عائلي في منزل أهلها ليأخذها بعد ذلك لشقته التي حاول أن يضع لمسة حياة فيها..
شعور غريب يخالط الألف شعور في صدره .. لم يشعر به حتى في زواجه الأول..
يتذكر هلا صغيرة فعلاً تسامره كل ليلة تضحك معك وتحاول اضحاكه عندما تراه حزيناً..
هو لا يحتاج امرأة جميلة تنسيه عالمه بجمالها..
هو يحتاج هلا..
وهذا كان نتاج أفكاره طيلة الأسابيع التي مضت..
لم يكن زواجاً مبهرجاً كزواجة الأول أو زواجها -وتلك هي الحقيقة التي تزاحم سعادته الليلة، أنها كانت مع رجلٍ قبله- يحاول تجاهل ذلك رغم صعوبة التجاهل خصوصًا وأنه يرى سالم أمامه يرتدي ثوباً وخالد يحاول إصلاح شماغه..
تم عقد القران ليشهد على ذلك زيد وخالد بفرحة واضحة للجميع فخطاب شقيق الروح وصديق العمر قبل أن يكون ابن خالتهم ولا يمكن لأحد أن يجادلهم به..
فارس بابتسامه يمسك ابنه محمد من يده : شد حيلك يابطل وجيب عروسة ولدي.
خطاب بتوتر فلم يبقى على رحيلهم شيء : تقلّع أقول .
فارس بتكشيره : يحصل لك عاد أنت وبنتك يالتعبان..
ودعت أهلها بابتسامه تعتلي ثغرها .. سلمت على نجود بحرارة فلم تستطع نجود أن تتحمل ذلك فبكت. ابعدتها عنها تنظر لها بقلق: جودي وش فيك ؟
تصددت بوجهها : فرحانة لك.
أدارت وجهها ناحيتها لتهتف بجدية : نجود وش فيك؟
نجود بعبرة وصدق : أبكي على حظ أخوي المايل ولا مين اللي يفرط فيك؟
احتضنتها مجدداً تحبس عبرتها : نجود ليه تتعمدين تضايقيني؟
نجود بصوت باكي : والله مو قصدي بس ا..
قاطعتها تشد عليها بقوة : لا ينكسر خاطرك على حياة أخوك من غيري.. محمد من أول مايبيني ومع إني وعدت نفسي إن اللي كان بيني وبينه مايدري عنه أحد بس لازم أقولك يمكن تصدقيني وترتاحين..
أخذت نفساً شق روحها : محمد كان يخونّي لأكثر من سنه،، يخوني ويتعمد يخليني أعرف أنه كان مع غيري قبل لا يجيني..
عشان كذا إذا تحبيني صدق ادعي لي.. أخوك صفحة طويتها من زمان مستحيل أرجع لها أو أفكر فيها..
أنا ماعندي خوات بس أنتي أختي.. انتبهي لسالم اليومين ذي إلى إن آخذه بيتي وتحمليه لا بكى يسأل عني تراه مايدري إن الحفلة ذي عرس أمه ..
قالتها تهمس بها في أذن نجود التي تصنمت من هول ماسمعت.. تراقب ابتعاد هلا عنها بفستانها الذهبي الهادئ بتفاصيله لتضع يدها على قلبها الدموع مجتمعه في عينها تأبى أن تسقط..
"يارب وش المصيبة اللي سويتها.. يارب وش سويت أنا"
فتحت هاتفها بسرعة على برنامج الواتساب.. ترجو ألا يكون قد فتح المحادثة وقرأ ما أرسلت له في بداية اليوم فهي تعلم أن لا أحد أبلغه بموضوع الزواج .. تتمنى ألا يكون قرأ حرفاً مما كتبت كي تحذف كلامها وكأن شيئاً لم يكن..
لكن هلعها وصل ذروته عندما تلوّن -الصحين- باللون الأزرق دلالة على أن ما كتبت قد تمت قراءته وأنها حرفياً انتهت..
[ محمد اليوم زواج هلا على ولد خالتها خطاب!! ]
.
خرج من الغرفة عندما استبطىء قدومها.. فقد مضت ساعة منذ أن قالت له بأنها ذاهبه لغرفة تركي تتأكد من نوم الصغار ولم تعد..
وقف بالقرب من الباب الموارب ينظر لها تجلس على حدود السرير الذي ينام عليه سالم وتركي.. تضع رأسها بين يديها وتأخذ انفاساً سريعة كأنها ستختنق.
همس مرتعبا وهو يقترب منها : نجود بسم الله عليك وش فيك؟
رفعت رأسها بخوف لتتدافع شهقاتها عندما رأته..
مسكها من ذراعها وسحبها معه للخارج..
أردف الباب خلفه بهدوء ثم التفت ينظر لها بقلق : نجود يا قلبي وش صاير؟ ليه كل هالصياح؟
مسحت دموعها بكفها : أنا.... اسفه..
ابتسم بدفئ يحتضنها بحنان فهو يظن أن اعتذارها لما حصل بينهم عندما أخبرها بخطوبة شقيقته، فمنذ ذلك اليوم والعلاقة بينهم شبه متوترة : يا قلبي أنتي والله إني موب زعلان و راضي عليك من ساعتها..
هزت رأسها بالنفي وبكاؤها بازدياد فهي تعلم حجم المصيبة التي ستقع : أنا آسفة زيد.. سامحني..
ضحك بهدوء : والله مسامحك .. خلاص عاد بلا دلع خوفتيني عليك..
ثم ابعدها ينظر لوجهها المتورم من شدة البكاء : بسم الله الرحمن الرحيم أنتي مين؟ نجود زوجتي ولا أخوها راكان؟
ضحكت من بين شهقاتها تمسح دموعها بيدها وبالأخرى تضرب صدره بخفه و زعل : زييييد..
.
.
يقف أمامها لا يفصله عنها شيء سوى الهواء الذي بينهم.. تنظر لعينيه التي تنظر لها .. هكذا تنظر دون خجل -وكم تتمنى لو تقرع نفسها على ذلك- لكنها لا تستطيع.. تشعر معه أنها طائر حر.. لا قيود ولا قفص ولا خجل. تشعر أنها تعرفه أكثر من نفسها فلا يمكن أن يظن بها ظناً سيئاً أو أن يلومها.
تشعر وكأنه شيءٌ يخصها قد غاب عنها والآن للتو عاد.. لا عتب ولا ملامه.. تشعر بأن روحها التائهة أخيراً وجدت مسكنها الذي تنتمي له.
ابتسم لها ببريقٍ في عينيه زاد من دفئها.
يتأمل وجهها وملامحها الهادئة. لم تكن فائقة الجمال كهند، أو حتى قريبة منها .. ولكن لملامحها تأثير خاص.. تأثير سحري وعمق أثيري شعر به يتوغل فيه..
تنظر له وكأنها تفتقده.. نظرة شوق في عينيها عجز عن تخطيها..
اقترب منها أكثر حتى أصبحت بين يديه. يريد أن يتحرر من قيدٍ يحبسه..
هتف بهدوء بالقرب من اذنها ونبرة صدق عندما شعر بارتعاشها في حضنه ليس كأنها التي كانت تنظر له بلا تردد : ليكون.. للحين شايلة بخاطرك علي؟
لم يشعر سوى بذراعيها يلتفان حول عنقه .. تشده نحوها تهمس له برجفه أنفاسها اللاهثه من شدة ارتباكها تكاد أن تصّم مسمعه: أنت للحين... شكلك ماعرفتني زين ياخطاب!
ابتعدت عنه تنظر لوجهه وهذه المره بوجهٍ مشتعل وخجل حقيقي عجزت أن تتغلب عليه : أنا مستحيل أشيل بخاطري عليك.
ابتسم لها بتودد. قلبه سينفجر وألفُ شعورٍ يستوطنه..
قلبٌ واحد وألفُ شعورٍ لا يقال!
كثيرٌ عليه ما يدور حوله.. وكثيرٌ على هلا التي لا تستحق ماستعيشه معه.. والتي لا تدرك في أي جحيم قد ألقت بنفسها..
.
.
.
# نهاية الفصل الرابع ♡.
سبحان الله وبحمده،، عدد خلقه .. و رضا نفسه،، وزنة عرشه ومداد كلماته ..
|