كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ليس الآن بقلمي / عمرو مصطفى
(5)
أغلق نوسام عينيه محاولاً التركيز..
و تبادل رجال الفريق ب النظرات المترقبة.. لابد من عمل شيء.. الأمور تتفلت مرة أخرى.. ورسالة شعبنا واضحة.. تخلوا عن الظلاميين.. أو نكشف للعالم حقيقتكم ..
ـ صلوني بدشرم ..
طلب ب ـ 2 رقماً، ثم ناول نوسام السماعة .. كان هناك صخب شديد عبر الهاتف نظراً لجو الاعتصام في قاع المدينة .. وطلب نوسام من دشرم أن يهدئ الجموع حتى يستطيع التحدث ...
ـ الأمر خطير يا دشرم .. عما قريب لن نستطيع دعمكم ..
ـ إذن فقد ضعنا .. ضعنا ..
ـ ليس بعد .. هناك دائماً حل بديل .. أنتم تملكون قاع المدينة وتحيط بكم وكالات الإعلام تحت سمع وبصر العالم .. أعلنوا دولتكم الخاصة وسنعترف بها ومن وراءنا العالم كله سيعترف بكم ..
ـ ولو قرروا مداهمتنا ...
ـ سنتدخل قطعاً لدعم حقوق المعارضة..
***
كان السيد الأعظم للشعب الأصفر ينتظر على الهاتف..
دخان الغضب يتصاعد من منخاريه مثل تنانين الأساطير.. والحقيقة أن نادر كان ينتظر تلك المكالمة بفارغ الصبر لكنه كان يتعمد إذلال ذلك الوغد المتعجرف الذي حسب نفسه مرشداً وملهماً للعالم أجمع... وحينما قرر أخيراً أن يرد على مكالمته وجد المسئول الأكبر عن شعب بني الأصفر واضحاً جداً.. لا يملك وقت للمراوغات السياسية.. لقد نضج لحمه على نار الانتظار.. طلب منه مباشرة وقف المهزلة التي تحدث .. وتسليم الشعب الأصفر كل المستندات الموثقة التي تثبت أن ثمة علاقة بينهم وبين الظلاميين وفي المقابل الدعم الكامل لنادر من الشعب الأصفر.... ورد نادر الرد الذى ظل يحفظه لفترة طويلة .. وينتظر بفارغ الصبر اللحظة المناسبة لقوله..
ـ شعبنا لا يقبل أي تدخل في الشأن الداخلي .. الوثائق والمستندات سيتم نشرها على الملأ في محاكمة شعوبية..
ـ أنتم لا تعرفون حقيقة ما تواجهون..
ـ ولا أنتم...
وانتهت المكالمة .. لكن نادر اشتم رائحة الشياط المنبعثة من محدثه عبر الأثير ..
قال له جلال :
ـ سيجن جنونهم..
ـ لذا علينا أن نحتاط جيداً للخطوة التالية..
ـ ماذا تتوقع؟
ـ علينا أن ننتظر أولاً لعبة الخصم.. وبناء عليها سنتحرك .
ولم يمض وقت طويل حتى طلبت سلطة الشعب الأصفر رسمياً عودة رجلها نوسام إلى الوطن وإنهاء مهمته الرسمية..
وكان هذا القرار في ظاهره إعلان هزيمة لنوسام.. لكن نادر لم يفرح بهذا الخبر.. وطلب من جلال أن يكون يقظاً هو ورجاله كما لم يكونوا من قبل!..
***
حينما ركب نوسام طائرة العودة كان قد ترك خلفه ثلاث مهام للثلاثي الأثير لديه .. فريق الضباع ..
فبينما هو يربط حزام مقعده .. توجه ب ـ 1 إلى شرق المدينة .. لتصفية يسرم .. و ب ـ 2 إلى منزل السيد سليمان لتصفيته .. أما ب ـ 3 فكان الشرف والمجد من نصيبه سيتولى طعن الشعب الأسمر في قلبه النابض ..
نادر ..
***
وحينما أقلعت طائرة نوسام وهو يمنى نفسه بالنتائج الطيبة كان رجله ب ـ 1 يمارس دور السائح المبهور بشرق المدينة .. وإلى جواره كان المعلم فوزي صاحب المقهى يمارس دور مرشده السياحي .. كان قد توقف به أمام صنبور ماء علاه الصدأ وبدأ يتكلم بحماسة :
ـ هذا صنبور الحاج حنفي .. من الأثار المهمة التي يقصدها السائحون من كل بقاع العالم للشرب من مياهه العذبة .. هل تحب أن تشرب؟
ازدرد ب -1 لعابه بصعوبه وهو يتأمل الصنبور الصدئ قائلاً :
ـ يكفيني أن ألتقط له بعض الصور ..
ـ الصورة بعشرة ترللي أخضر فقط يا خواجة ..
وهكذا وقف ب-1 بجوار الصنبور وهو يشير بإبهامه للكاميرا التي أعطاها للمعلم فوزي كي يلتقط له بعض الصور التذكارية..
ـ هل يمكنني مشاهدة المكان الذي حدثت فيه المواجهة الكبرى مع الظلاميين؟
فتل المعلم فوزي شاربه في فخر وانتشاء ثم أشار له كي يتبعه قائلاً :
ـ لكن زيارة هذا الأثر وحده بخمسين ترللي أخضر..
ـ لا بأس يا معلم (فزوي )..
ـ فوزي يا خواجة..
وهكذا أمضى ب-1 يومه في التسكع والتقاط الصور هنا وهناك وعينه المدربة تدرس كل شبر من الأرض .. صحيح أن المعلم فوزي سلبه كل المال الذي معه لكنه كان يعرف أنه قريب جداً من هدفه ..
ـ هذه ماسورة الصرف الصحي التي تسلقها الظلامي الملعون إياه.. الصورة هنا بمئة ترللي أخضر..
وضع ب-1 يده في جيب سرواله ثم تنهد قائلاً :
ـ الحقيقة لم يعد هناك المزيد ..
قال المعلم فوزي بتلقائية وهو يشير للساعة التي يرتديها ب-1:
ـ كم تساوي ساعة اليد هذه ؟
نظر ب-1 لساعته في جزع ثم رفع طرفه للمعلم فوزي قائلاً بذعر:
ـ إنها تساوي ألف ترللي وحدها أيها الجشع ..
ـ إذن يمكنك التقاط عشر صور لماسورة الصرف الأثرية ..
ـ إذن خذ الساعة أيها الجشع واصطحبن للسطح ...
على سطح البناية التي تسلقها يسرم يوماً ما وقف ب-1 يلتقط بعض الصور وقد ارتدى جلباب المعلم فوزي وإلى جواره كان الأخير قد حشر نفسه حشراً في ثياب الأول وحاول عبثاً بوجه محتقن غلق أزرار السراويل القصير لكن كرشه ظل عائقاً أمام تحقيق آماله ..
كان ب-1 يسبح تقريباً في ثياب المعلم فوزي وهو يتحرك يمنة ويسرة لالتقاط الصور :
ـ هل أنت مرتاح الضمير يا معلم (فزوي) بتلك المقايضة؟
شهق المعلم فوزي وتمعر وجهه صائحاً :
ـ هذا جلباب أثري ورثته عن جد جد جد جدي.. أحمد الله أنني وافقتك على مبادلته بتلك (الهلاهيل)!
ـ أنت جشع .. ليست هذه أخلاق أولاد البلد...
هنا لمح ب ـ 1 سمكة قادماً فتهلل وجهه :
ـ مستر سمكة تعال انقذني أرجوك ...
غمز سمكة للمعلم فوزي كي ينسحب ثم التفت إلى ب-1 :
ـ الحمد لله أنني وصلت في الوقت المناسب.. لقد وقعت في يد من لا يرحم..
ثم مال عليه هامساً بلهجة خطرة :
ـ لقد خاطرت بنفسك حينما ولجت في شرق المدينة بدون تنسيق سابق معي
تشبث ب-1 بساعده متوسلاً :
ـ لاعليك يا مستر سمكة.. لم يعد هناك وقت.. هل يمكنني الاعتماد عليك؟..
شمر سمكة عن ساعديه وهو يقول بلهجة جادة :
ـ جئت من أجل رأس الظلامي؟..
ابتسم ب ـ1 في افتعال ورتب على عاتق سمكه قائلاً :
ـ أنت رجل لماح يا مستر سمكة.. اعتقد أننا سنصل لاتفاق.. هه؟
رفع سمكه حاجبه الأيمن قائلاً :
ـ كم ستدفعون؟
ـ ألم يكفيك ما حصلت عليه من مال سابق.. دون أن تحقق لنا شيئاً على أرض الواقع.
ـ أنا عند كلمتي.. ولم أحدد لكم الوقت الذي سأنفذ فيه ما طلبتموه..
أحمر وجه ب ـ1 وهو يصيح :
ـ أنت مخادع إذن.. لقد خدعتنا جميعاً
ـ وأنت تخلط الشغل.. لا علاقة بين المقاولة التي تعاقدنا عليها سابقاً.. وبين المقاولة الجديدة..
فكر ب ـ1.. عليه أن يجاريه.. بالنسبة إليه كان سمكة لا يعدو كونه نصاباً يلعب على كل الحبال.. قال له بغيظ :
ـ المال بعد أن أصل للظلامي ..
ـ وما الضامن ؟..
تحسس ب-1 رقبته قائلاً :
ـ رقبتي تحت رحمتك ..
هرش سمكة في قفاه مفكراً .. ثم قال بعد برهة :
ـ كنت أعتقد أن رقبة ذلك الظلامي تساوي أكثر .. لكن حالياً يمكنني أن أقنع برقبتك ..
وفي لحظة خاطفة حال بينهما جيش من رجال السلطة المتحمسين أحاطوا بالضبع ب -1.. طرحوه أرضاً وكبلوا حركته تماماً وهو بعد لم يفق من الصدمة .. ثم حمل حملاً خارج المبنى ليجد حشد حاشد من أبناء شعبنا جاءوا ليشيعوه باللعنات .. ميز وجوه عديدة مألوفة .. من وجه جلال رجل السلطة الأول.. إلى المعلم فوزي إلى.. سمكة..
سمكة الذي اكتشف لأول مرة أنه ليس مجرد نصاب يبيع أي شيء مقابل المال..
ثم صمت أذنيه أصوات عواء جماعي حاد .. ظن في البداية أنها أصوات أبواق سيارات السلطة .. ثم تبين له أنها زغاريد تعبر عن شدة الفرحة على طريقة نساء شعبنا ..
كان يوماً مشهوداً من أيام شعبنا..
***
(6)
وبينما نوسام يتمطى متململاً في مقعده بالطائرة وهو يرمق السحاب عبر زجاج الطائرة.. كان رجله ب ـ 2 على وشك فقدان عقله .. لقد ظن أنه أطلق الرصاص من مسدسه الكاتم على أكثر من ثلاثة سليمان حتى الأن .. لقد اكتشف اكتشافاً مهماً المنزل مسكون بالأشباح..!
أشباح كلها تشبه السيد سليمان!.. تباً ....!
هناك من يعبث به .. وعليه أن يوفر ذخيرته لـ ... لكن صفعة عاتية هوت على قفاه أطارت من عقله كل ما تعلمه من فنون الاغتيالات .. استدار ضاغطاً على أسنانه و الزناد فعبرت رصاصاته الفراغ .. لقد تلقى صفعة من شبح .. ومرقت الرصاصات من إحدى النوافذ محطمة الزجاج بدوي مكتوم .. ثم أصدر مسدسه التكة المميزة التي تعنى أنه بحاجة إلى تلقيم .. ولم يكن هذا هو الوقت المناسب أبداً لهذا المقلب .. فمهما بلغت سرعته في تلقيم مسدسه فلن تبلغ سرعه السيد سليمان الذى طرحه أرضاً وبرك فوقه مثبتاً إياه وهمس في أذنه بحقد :
ـ أنا لم أتمكن من إكمال عشائي بسببك أيها الحيوان .. هذا يبرر غضبى منك بالطبع ..
الضربة التالية لم يتمكن ب ـ 2 من معرفة مصدرها هل هي قبضة خصمه أم ركبته أم رأسه .. المهم أن الكهرباء انقطعت فجأة في عقله وساد الظلام من حوله ولم يعد يعبأ بأي شيء بعدها .. فما ألذ الغيبوبة في تلك الأوقات..
***
لكن ب ـ 3 كان قد أعد خطة عبقرية للتسلل إلى مقر المسئول الأول ..
هناك معلومة مهمة لدى الضبع الثالث متعلقة بهذا الشعب وهو اعتقادهم أن رجال الشعب الأصفر أحلى من نسائهم ..
وبما أن مسألة الشذوذ مستبعدة ههنا فكان على ب ـ3 أن يجري عملية تحول ظاهري.. بالفعل كانت التجربة فريدة من نوعها .. النظرات الحيوانية التي ظلت تطارده وهو في طريقه لمقر المسئول الأكبر لشعبنا جعلته يكتشف جانب جديد من مواهبة كان مخفياً عنه..
الأن هو صحفية تابعة لمجلة عالمية تدعى هيلين باركر .. جاءت لتسجيل حوار صحفي مع المسئول الأكبر عن شعبنا ..
وبعد أن استطاع النفاذ عبر رجال الحراسة المنتشرة والتوغل في قلب مقر المسئول الأول .. وجد نفسه يتحرك وحيداً في ممر طويل مفروش بالسجاد الأحمر يفضي إلى باب ضخم مزدان بالنقوش الذهبية .. ابتلع ريقه وقال لنفسه : لا يفصلك عن قلب هذا الشعب سوى هذا الباب التحفة.
حينما صار على بعد متر من الباب انفتح تلقائياً .. ثم برز من وراءه جلال وعلى جانبيه رجلين من رجال السلطة .. ابتسم الضبع ابتسامة
فاتنة جعلت شفتي جلال ترتعشان .. هيلين تؤدي عملها بنجاح ..
ـ دقائق قليلة وتقابلين فخامة السيد المسئول الأكبر ..
ثم تنحنح مرتبكاً وهو يشير للضبع بكفه ناحية الباب :
ـ فقط هناك إجراء أخير ..
حاول ب ـ 3 أن يكظم غيظه .. قال بصوته الذي صار رفيعاً رقيقاً وهو يلوح بأصابعه بحركة عابثة :
ـ بكل سرور..
هنا تنحى جلال جانبا وبرز من خلفة مجموعة من النساء المتشحين بالسواد .. لم ير ب ـ 3 فريق أمني بهذا الشكل من قبل .. لقد احتاج إلى عدة ثوان حتى يدرك أن هؤلاء المتشحات بالسواد هم مجموعة منتقاة من نساء شعبنا الأسمر .. وابتسم جلال في رقة موضحاً :
ـ مجرد تفتيش ذاتي بسيط .. كوني متعاونة مع أخواتك ..
ـ أوبس!!
وفي لحظة وجد الضبع الثالث نفسه داخل غرفة جانبية محاط بحشد النسوة الذين رمقوه بنظرات باردة وقد صنعوا حوله دائرة ..
ـ ماذا بك أيتها الشابة ؟
ـ مسكينة تبدو مضطربة .. لا تخافين ..
كانت الكلمات تصدر من النسوة دون أي انفعال يذكر على الملامح ..
ملامح جامدة ونظرات ميتة ..
ـ أخلعي أيتها الشابة .. لا داعي للخجل ههنا ..
لم يشعر ب ـ 3 بمثل هذا الرعب من قبل .. الضبع لا يملك قلباً يرتجف ولا مشاعر .. فما الذي جرى له ؟ لقد صار أنثوياً أكثر من اللازم وحان الوقت كي يفعل شيئاً ليخرج من تلك الورطة القاتلة..
لكنه كان لا يدرك طبيعة ما يواجه ؟
بعد أن نزعوا شعره المستعار وأشياء أخرى لا داعي لذكرها جاء دور القباقيب لترتفع إلى عنان السماء .. ومع صيحة البدء انهالت عليه القباقيب الخشبية ..
ظل يصرخ حتى تدخل جلال ورجاله وأحاطوا معصميه بالأغلال .. لكنه وجد الوقت ليقول شيئاً ممزوجاً بالدماء :
ـ يا إلهي .. لقد استدرجوني ..!
فهمها الأحمق متأخراً جداً .. ورفع جلال جهاز اللاسلكي إلى فيه وأخبر القائد أن العملية (صيد الضباع ) قد تمت بنجاح ... وحينما انتفض نوسام في مقعده وقد أيقظه إعلان الطيار دخول الطائرة المجال الجوي لوطنه .. كان نادر يبتسم مغمضاً عينيه في ارتياح بعد أن اطمئن .. لقد رحل نوسام وسقط فريقه ولم يعد هناك سوى خطوة واحدة ..
***
|