كاتب الموضوع :
عمرو مصطفى
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: ليس الآن بقلمي / عمرو مصطفى
(4)
المكان هنا لا يطاق ...
هاته النسوة لا يعرفن أي تقاليد راقية ولا يتعاملن كنساء أصلاً.. بالنسبة إلى العوادلي الذى تربي ونشأ في مجتمع بني الأصفر، هؤلاء النسوة أقرب للرجال منهم للنساء..
لذا فقد قرر أن يجلس بينهم ولا ينطق بحرف مع بعض هز الرأس بين الحين والحين حتى لا يتهم بقلة الذوق .. لقد تصور في البداية أن نادر قد أحسن ضيافته ورفق به بإلحاقه بالنساء، ثم تأكد لديه أن هذه أشنع عقوبة يمكن تخيلها..
ـ لماذا لا تدخل معنا في الحديث يا دكتور .؟
قالتها والدة نادر على طريقة النساء (العشريات) كما يقال عندنا فأجفل العوادلي واصفر وجهه... ماذا يقول لهاته النسوة الرجال.. أبعد الجلوس مع صفوة المجتمع وأكابر الرؤساء والزعماء يجلسه نادر مع هؤلاء الساحرات الشريرات ..
ـ ما .. ماذا أقول بالـ .. بالضبط ..
(مصمصت) إحدى النساء بشفتيها قبل أن تقول مشفقة :
ـ لماذا يتعتع؟ يبدو كأنه ممسوس يا أم نادر ... تعال يا (ضنايا) لأرقيك..
وقامت إليه فذهل العوادلي وهو يتأمل حجمها الهائل عاجزاً عن النطق .. من الأحمق الذي أيقظ ذلك الديناصور الأنثوي.. وتصور للحظة أنها ستجلس على أنفاسه وينتهى أمره للأبد .. لقد فعلها فيه نادر ..
ـ لـ .. لحظة يا (مسز)....
ـ (مسز) !!!
قالتها وهي تضرب بيدها على صدرها كأنها تلقت إهانة جارحة.. وبدا للعوادلي لحظة أنها تزداد انتفاخاً كأنها موشكة على الانفجار في وجهه.. العوادلي لم يفهم طبعاً أنها ظنت به الظنون لأن وقع كلمة (مسز) على أذنها قريبة من كلمة يستعملها الرعاع للتعبير عن الجمال الأنثوي الطاغي.. وطبعاً انهالت على رأسه باللعنات والاتهامات بأنه (عجوز وناقص) الخ ...
هنا دوى صوت هاتفه المحمول لينقذه من الكارثة التي تورط فيها.. انتحى جانباً ورفع الهاتف إلى أذنيه متجاهلاً سيل السباب المنتقى..
ـ ألو... سيد نوسام ..
جائه صوت نوسام بنبرة لا تخلو من القلق :
ـ تأخرت جداً يا دكتور .. ولم تتصل حسب الموعد ..
ـ سامحني يا سيد نوسام .. أنا هنا في سيرك حقيقي ..
ـ المهم يا دكتور ... ما هو الوضع لديك ؟...
ـ الوضع فريد من نوعه .. الشعب هنا في شرق المدينة متحمس جداً للمواجهة ... ملتف حول قيادته .. و ...
جائه صوت نوسام محنقاً :
ـ كفى شعراً... أريد أن أعرف مصير يسرم الأحمق ورجاله الظلاميين ...
ـ الحقيقة أنا هنا جالس مع بعض النسوة لطيفي المعشر وبعيد عن ميدان الحدث..
كان يتكلم في خفوت .. لكن نوسام كان ثائراً ..
ـ جالس مع بعض النسوة ... هل أرسلتك لشرق المدينة كي تجلس مع بعض النسوة يا دكتور ... ألم تشبع من مجالسة النساء في محافلنا بالخارج ..
رمق العوادلي رفقة النساء وأزدرد لعابه قائلاً :
ـ لا تذهب .. بـ .. بعيداً يا سيد نوسام أنا شبه محتجز هنا ..
ـ هل كشف أمرك .؟
ـ إنه لا يطيق رؤية ظلي .. لأنه لم ينس دعاياتي السابقة المؤيدة للظلاميين.
ـ هذا لا شيء .. تحرك يا دكتور وكن مفيداً ....
هنا دوى صوت التهليل والتكبير من الخارج وانتفضت بعض النسوة وفزعن إلى النوافذ وعدن بالتهليل والتكبير والزغاريد..
واضح أن الكفة تميل لرجال شرق المدينة..
عاد العوادلي إلى نوسام الذى سأله بانزعاج عن سر الأصوات لديه...
ـ إنهم يتقدمون على الظلاميين .. ألم أقل لك أنهم متحمسون ...
ـ أريد منك وصفاً دقيقاً لدفاعاتهم يا دكتور.. تحرك فشعبنا لا يطعم الكسالى .
ـ سـ .. سأفعل ...
هنا سمع الصوت الحازم من خلفه يتساءل :
ـ ستفعل ماذا يا دكتور ؟
استدار وقلبه يخفق ليرى نادر و بجواره جلال ومعه عدد من رجال شعبنا يتأملونه في شك.. متى دخلوا؟
خر على ركبتيه عند قدمي نادر ورفع كفه مستجدياً :
ـ سأفعل كل ما.. ما تريده مني .. فـ.. فقط لا تتركني مع هؤلاء النسوة..
نظر إليه نادر ملياً ثم التفت للنساء متسائلاً :
ـ ماذا فعلتم بالرجل؟
***
أخيراً توقفت الكتل الظلامية الفارة ... صوت اللهاث الغاضب ورائحة اللحم المشوي تفعم الأنوف الحساسة وتثير في نفوسهم الرعب والفزع من عدوتهم اللدود .. النار ..
وهتف يسرم وهو يرفع عقيرته إلى السماء :
ـ من جديد تعود التنانين النارية ....
وتحسس ظهره في ألم مستطرداً :
ـ بعد أن ظننا أنها توارت إلى الأبد ...
صرح أحدهم وهو يطفئ النار التي اشتعلت بكاحله بضربها بالأرض عدة مرات :
ـ لقد صار الشعب كله تنانين نارية.. أي جحيم ألقيتنا فيه يا رجل.
التفت يسرم في ثورة إلى المتكلم فانكمش في مكانه والدخان الأسود كريه الرائحة يتصاعد من كاحله..
ـ لماذا لم يصل الدعم من السيد نوسام .؟
هكذا تساءل ظلامي أخر احترق نصف وجهه وذابت معالمه وبقى نصفه الأخر متحمساً للكلام... لكن قبضة يسرم أطبقت على عنقه وجعلته يبتلع لسانه..
ـ يسرم ليس بحاجة إلى أحد... لقد صرنا ملوكاً على هذا الشعب ... ولن يعود الزمن للوراء .. لقد ولى عهد السلطة وتنانين النار .. وجاء عهد الظلاميين ..
قال أخر قد احترق شعر رأسه بالكامل وبدا رأسه مثل ثمرة القلقاس :
ـ وما هي الخطة التي سنقتحم بها النيران يا يسرم ؟..
لعق يسرم شفتيه ولمعت عيناه في جشع ..
ـ لن نحاصرهم .. سنقلد أعدائنا ونباغتهم بالهجوم ..
ـ والنيران التي تحيط بهم .؟.
تشمم يسرم الهواء كأنما هو ذئب يبحث عن فريسته .. ودارت عينيه في المكان بحثاً عن شيء ما ... كان الطريق السريع ممتد إلى ما لا نهاية لكن يوجد مبنى على مسافة قريبة من تلك المباني التي يضعها شعب السطح على امتداد الطريق السريع لتمد سياراتهم بذلك السائل النفاذ .. محطة وقود هناك قابعة في الظلام وقد فر عامليها أو ماتوا .. لكن ليس هذا هو المهم .. المهم هو تلك الحافلة الواقفة بجوار المحطة .. حافلة ضخمة خالية من الركاب .. ولعق يسرم كفيه متمتماً :
ـ حلمت يوماً وأنا طفل بركوب حافلة مثل تلك....
ثم التفت إلى الكائنات المترقبة صارخاً :
ـ الملوك لا يهاجمون على الأقدام يا سادة الظلام ...
لم يكن يسرم ولا أحد من الظلاميين يجيد قيادة مثل تلك الحافلات .. لكن القرد قد يكتب يوماً شعراً لو مكنته من ألة كاتبة كما يدعي بعضهم... وهكذا اندفعت الحافلة للوراء أولاً فاصطدمت بجدار المحطة .. وتصايحت كائنات الظلام المتكدسة بالداخل وما زال بعضهم بالخارج يحاول الولوج فبرز وجه يسرم من النافذة المجاورة لمقعد القيادة وهتف :
ـ لن نركب جميعاً يا حمقى .. كفوا عن العبث واتبعوا يسرم على الأقدام ..
واندفعت الحافلة وورائها جحافل الكائنات الظلامية التي لم تجد لها مكاناً.. وكان مشهداً فريداً من نوعه ....
ومن بعيد لمح سمكة وشركاه وهم على الدراجات النارية المشهد من بعيد..
ـ ما هذا بالضبط ؟..
قالها وزة وهو يحاول إشعال سيجارة وزجاجة مولوتوف في نفس
الوقت :
ـ أحد عاثري الحظ .. قرر أن يمر الأن من الطريق السريع ... ليجد تلك الغيلان تطارده .
حشى سمكة سلاحه بالخرطوش قائلاً :
ـ لقد عملت أعمالاً طيبة أكثر مما تحتمل أعصابي .. لكن لابأس لنضيف إليها عملاً أخر ..
قالها ثم انطلق على دراجته وخلفه بقية الفريق ... كان أملهم إنقاذ سائق الحافلة ومن معه ... كان أملهم أن يمنعوا كائنات الظلام من الوصول إليه .. فانقسموا إلى فريقين ميمنة وميسرة كي يتفرقوا على جانبي الحافلة كي يسهل التعامل مع الكائنات المطاردة للحافلة بحسب ما يظنون.. ومع ظلمة الليل لم يلحظ أحدهم ماهية قائد الحافلة الذى اقترب منهم وهو يضغط على أسنانه الحادة وعلى دواسة الوقود أكثر لتندفع الحافلة بسرعة أكبر ..
وتمتم في نشوة :
ـ حلم الطفولة يتحقق ...
وعلى مسافة قريبة من الدراجات البخارية القادمة من الاتجاه المعاكس أدار يسرم المقود ..
وكان الصدام مروعاً... وصوت تهشم الدراجات والعظام بشعاً من تحت إطارات الحافلة الضخمة ... سمكة كان من المحظوظين فقد زحف بدراجته بعيداً عن إطارات الحافلة عدة أمتار وهو يسب قائد الحافلة الأحمق ويترحم على رفاقه الذين تحولوا لعجين .. وحينما اعتدل من سقطته وكل عظمه في جسده تئن والرضوض والخدوش و السحجات رسمت لوحة سرياليه على جسده .. ساعتها أدرك أنه لم يكن محظوظاً .. كان هناك عشرات العيون المتسعة تتطلع إليه في جشع ... وكان الموت تحت عجلات الحافلة بالنسبة له أرحم من الموت بأسنان الظلاميين ....
***
|